عاشق الزهراء
09-03-2008, 09:37 AM
في ذكرى استشهاد سيد الكائنات مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وكالأعوام السابقة حضر في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدّسة عصر يوم الجمعة الموافق للثامن والعشرين من شهر صفر المظفر 1429 للهجرة، حضر جمع غفير من المؤمنين والنشطاء الدينيين والموالين لأهل البيت صلوات الله عليهم والمعزّين بهذه المناسبة الأليمة من أنحاء إيران، واستمعوا إلى كلمة سماحته القيّمة وإرشاداته السديدة
قال سماحته في بداية كلمته: لقد تحدّث القرآن الكريم في مواضع متعددة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأثنى عليه، وعلى أصحابه، ومن تلك المواضع قوله تعالى في آخر سورة الفتح: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الإِْنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً»(1).
وأوضح سماحته: لقد أثنى الله تعالى في هذه الآية أكثر من عشر مرات على الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله بأنواع الصفات المحمودة، فقال: أشداء على الكفار، رحماء بينهم، ركّعاً سجّداً، يبتغون فضلاً... و... ولكنه في آخر الآية وبعد كلّ هذه الأوصاف وهذا الثناء حصر الأمر بطائفة منهم فقال: «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً». فإنّ عبارة «عملوا الصالحات» بدلاً من «عملوا صالحاً» تفيد أنهم أدّوا كلَّ الأعمال الصالحة التي تتعلّق بهم؛ نقول ذلك استناداً إلى قاعدة «تقابل الجمعين» المشهورة.
من الواضح أنّ من لا يملك أكثر من قوت سنته لا يجب عليه الخمس، ومن لا يستطيع لا يجب عليه الحج، بيد أنّ من استطاع ولم يحجّ يعدّ خارجاً من دائرة الذين «عملوا الصالحات».
الحاصل: إنّ الغفران الإلهي، رغم كلّ تلك الحسنات المذكورة في هذه الآية تشمل ـ فقط ـ أولئك النفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين توفّروا على عقيدة صحيحة «الذين آمنوا» وقاموا بالأعمال الصالحة التي وجبت عليهم «وعملوا الصالحات».
إن كلمة «منهم» في هذه الآية المباركة جديرة بالتأمل الوافر، وإن التدبّر في هذه الكلمة وحدها كانت السبب في اهتداء كثير من العلماء إلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم
واستشهد سماحته بمثال من واقع الحياة، فقال: كلّنا نعلم أنّ الطائرة التي تسقط من الجو نتيجة نقص أو خلل فيها، ليس بالضرورة أن يكون كلّ أجزائها معيباً، فقد تكون المقاعد، وجناحا الطائرة ونظام التهوية والكهرباء و... كلها سليمة لا نقص فيها وأن خللاً صغيراً فقط أدى إلى سقوطها.[/font]
بعبارة أخرى: لكي تعمل الطائرة بشكل صحيح وتقوم بنقل مسافريها سالمين، ينبغي لآلاف الأجزاء أن تؤدي وظيفتها بشكل صحيح، أما سقوط الطائرة فقد يكفي لتحققه عطل جزء واحد فقط. وهكذا بدن الإنسان، فإن جلطة دموية واحدة قد تؤدي إلى سكتة قاتلة، وليس بالضرورة أن تكون المعدة والأمعاء والرئتان وأجزاء البدن الأخرى عاطلة أو مريضة، بل قد تكون سائر أعضاء بدن الشخص كلّها سليمة. فلكي يستطيع الإنسان القيام بكلّ نشاطاته اليومية فيتحدث ويمشي ويأكل الطعام و... بصورة صحيحة فلابد من توفر آلاف الشروط، ولكن شرطاً واحداً فقط يكفي لتسبيب الموت؛ كحصول جلطة في دمه أو تعطل كليتيه أو توقّف قلبه أو رئتيه أو[إن أنظمة كالطائرة وبدن الإنسان التي يشترط لديمومتها سلامة كل عضو من أعضائها يصطلح عليها بالمركبات الارتباطية
أضاف سماحته: الدين أيضاً مركب ارتباطيّ نوعاً ما. فالإسلام لكي يكون قائماً في حياة الشخص لابد أن تتحقق شروطه كافّة ولا يكفي لكي يكون إسلام الشخص حيّاً وفاعلاً أن يقول لا إله إلا الله أو يؤدّي الصلاة فقط
إن كثيراً من صحابة النبي صلى الله عليه وآله الذين أداروا ـ بعد رحيله صلى الله عليه وآله ـ ظهورهم لوصيه صلوات الله عليه وأصبحوا من الخوارج وكفّروا علياً أمير المؤمنين وجرّدوا السلاح في وجهه كانوا من أهل الزهد والعبادات العجيبة، فكان من بينهم من يقوم الليل، وكان قيامه طويلاً ومقروناً بالآداب، ولكن هل نفعتهم هذه العبادات؟
في الحقيقة ليس الإسلام صلاة الليل والتهجّد فقط بل لابد من توافر أمور أخرى أيضاً ليتحقق الإسلام. فكما أن الصلاة والعبادة جزء من الإسلام فكذلك عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه جزء من الإسلام، وهكذا فاطمة الزهراء سلام الله عليها جزء لا يتجزّأ من الإسلام، والشعائر الحسينية جزء من الإسلام. إذن إسلام ليس فيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين وشعائر الإمام الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ليس إسلاماً
الإسلام كلٌّ مركب يشتمل على المعارف والأحكام والأخلاق والآداب الكثيرة وكلّها جزء لا يتجزّأ من الإسلام. فلا يمكن الأخذ ببعض الإسلام وترك بعضه الآخر.
إن الاهتمام ببعض الدين وإهمال أجزائه الأخرى لا ينفع شيئاً بل لابد من أخذ جميع أجزاء الدين بنظر الاعتبار والعمل بها
نقول: إنّ الإسلام بلا عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن دون الشهادة الثالثة «أشهد أن عليّاً ولي الله» ليس إسلاماً، لأنّ كلّ جهود النبي صلى الله عليه وآله وأتعابه في تبليغ الرسالة إنما كملت بإبلاغ ولاية عليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
أجل إن اسلاماً ليس فيه علي بن أبي طالب سلام الله عليه لا يستحقّ حتى اسم الإسلام، إن إسلاماً مثل هذا لا ينفع في أي شيء إلا أن يكون هباءً منثوراً؛ يقول الله تعالى: «وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً»(2
جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر وهو في الحجر وكان عمير شيطاناً من شياطين قريش وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه بمكة وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى بدر فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله ليس في العيش خير بعدهم.
فقال له عمير: صدقت والله أما والله لو لا دَين عليّ ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم. ]فقال صفوان: فعَليَّ دَينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم أسوتهم ما بقوا.
قال عمير: فاكتم عليّ شأني وشأنك. قال: أفعل
ثم إن عميراً أمر بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وآله قال له: ما جاء بك يا عمير؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه.
قال: فما بال السيف في عنقك؟
قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئاً؟
قال: أصدقني بالذي جئت له
قال: ما جئت إلا لذلك.
فقال النبي: بلى قعدت أنت وصفوان بن أمية وفي الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لو لا دَين عليَّ وعلي عيالي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل لك صفوان بدَينك وعيالك على أن تقتلني والله حائل بيني وبينك.
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا نكذبك وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق، ثم تشهّد شهادة الحق(3).
وبعد فتح مكة وعودة رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمين المظفرة إلى مكة هرب صفوان من مكة وكان الشخص الوحيد الذي هرب؛ ربما لأنه كان يقول مع نفسه: لو عفا النبي صلى الله عليه وآله عن كل واحد فهو لا يعفو عني، وربما لأنه لم يسمع بالعفو العام الذي أصدره النبي صلى الله عليه وآله وتلاه الإمام أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه والذي كان مظهراً لرحمة النبي صلى الله عليه وآله الواسعة وجذب قلوب الناس إلى الإسلام وكان السبب وراء إسلام كثير من المشركين حيث قال تعالى: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً»(4).[
]وعندما بلغ عميراً أن صفوان هرب خوفاً على نفسه جاء عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اذهب إلى صفوان واعطه الأمان. وعندما ذهب عمير بأمان رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عمير قال الأخير: لو أعلم أنه من رسول الله صلى الله عليه وآله لقدمت لأني أعلم أنه لا يكذب ولكن كيف أعلم أنك صادق!
فعاد عمير إلى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره بذلك وأن عميراً طلب علامة فأعطاء رسول الله صلى الله عليه وآله عمامته وتسمى سحاب وهي التي أعطاها الإمام الحسين صلوات الله عليه بعد ذلك وكانت على رأسه الشريف في كربلاء المقدسة يوم عاشوراء
وعندما رأى صفوان العمامة عرف أنها عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله فصدّق بعمير وعاد معه مطمئناً
]وأكّد سماحته في ختام حديثه: إن هذه السلوكيات الرفيعة هي المصداق الحقيقي للإسلام لا ما نشهده اليوم في بعض الدول الإسلامية باسم الإسلام. ولو نفّذت تعاليم الإسلام السمحاء اليوم لأدت إلى انتشار واسع للإسلام واستقطاب قلوب العالمين
في الختام أوصى دام ظله المؤمنين بأمور
خلق أجواء صالحة تهذّب الشباب والناشئة وتربّيهم وتبعدهم عن الرذيلة والفساد رعاية الأخلاق الإسلامية في التعامل مع الزوجات؛ فإن مولى المتقين الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أوصى وهو على فراش الموت وقد شد عصابة على رأسه الشريف، يقول الراوي: لا أدري أيها أكثر أصفراراً، وَجْه الإمام صلوات الله عليه أم العصابة... إنّ الإمام أوصى وهو في تلك الحالة بالنساء خيراً
إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه ضمن بدمه وبشعائره بقاء الإسلام. ولقد انقضى محرم وصفر المتعلقان بالإمام الحسين صلوات الله عليه ولكن الإمام الحسين صلوات الله عليه يتعلق بكل أشهر السنة؛ فهو عزّة الإسلام، والإسلام لا يتحدد بوقت وزمان. ولولم يكن الإمام الحسين صلوات الله عليه ودمه الطاهر لما كنا اليوم نصلّي ولما كان هناك من يقول لا إله إلا الله.
فاسعوا لإقامة مجالس الإمام الحسين صلوات الله عليه في بيوتكم طيلة أيام العام واجعلوا القضية الحسينية حية أبداً. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
قال سماحته في بداية كلمته: لقد تحدّث القرآن الكريم في مواضع متعددة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأثنى عليه، وعلى أصحابه، ومن تلك المواضع قوله تعالى في آخر سورة الفتح: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الإِْنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً»(1).
وأوضح سماحته: لقد أثنى الله تعالى في هذه الآية أكثر من عشر مرات على الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله بأنواع الصفات المحمودة، فقال: أشداء على الكفار، رحماء بينهم، ركّعاً سجّداً، يبتغون فضلاً... و... ولكنه في آخر الآية وبعد كلّ هذه الأوصاف وهذا الثناء حصر الأمر بطائفة منهم فقال: «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً». فإنّ عبارة «عملوا الصالحات» بدلاً من «عملوا صالحاً» تفيد أنهم أدّوا كلَّ الأعمال الصالحة التي تتعلّق بهم؛ نقول ذلك استناداً إلى قاعدة «تقابل الجمعين» المشهورة.
من الواضح أنّ من لا يملك أكثر من قوت سنته لا يجب عليه الخمس، ومن لا يستطيع لا يجب عليه الحج، بيد أنّ من استطاع ولم يحجّ يعدّ خارجاً من دائرة الذين «عملوا الصالحات».
الحاصل: إنّ الغفران الإلهي، رغم كلّ تلك الحسنات المذكورة في هذه الآية تشمل ـ فقط ـ أولئك النفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين توفّروا على عقيدة صحيحة «الذين آمنوا» وقاموا بالأعمال الصالحة التي وجبت عليهم «وعملوا الصالحات».
إن كلمة «منهم» في هذه الآية المباركة جديرة بالتأمل الوافر، وإن التدبّر في هذه الكلمة وحدها كانت السبب في اهتداء كثير من العلماء إلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم
واستشهد سماحته بمثال من واقع الحياة، فقال: كلّنا نعلم أنّ الطائرة التي تسقط من الجو نتيجة نقص أو خلل فيها، ليس بالضرورة أن يكون كلّ أجزائها معيباً، فقد تكون المقاعد، وجناحا الطائرة ونظام التهوية والكهرباء و... كلها سليمة لا نقص فيها وأن خللاً صغيراً فقط أدى إلى سقوطها.[/font]
بعبارة أخرى: لكي تعمل الطائرة بشكل صحيح وتقوم بنقل مسافريها سالمين، ينبغي لآلاف الأجزاء أن تؤدي وظيفتها بشكل صحيح، أما سقوط الطائرة فقد يكفي لتحققه عطل جزء واحد فقط. وهكذا بدن الإنسان، فإن جلطة دموية واحدة قد تؤدي إلى سكتة قاتلة، وليس بالضرورة أن تكون المعدة والأمعاء والرئتان وأجزاء البدن الأخرى عاطلة أو مريضة، بل قد تكون سائر أعضاء بدن الشخص كلّها سليمة. فلكي يستطيع الإنسان القيام بكلّ نشاطاته اليومية فيتحدث ويمشي ويأكل الطعام و... بصورة صحيحة فلابد من توفر آلاف الشروط، ولكن شرطاً واحداً فقط يكفي لتسبيب الموت؛ كحصول جلطة في دمه أو تعطل كليتيه أو توقّف قلبه أو رئتيه أو[إن أنظمة كالطائرة وبدن الإنسان التي يشترط لديمومتها سلامة كل عضو من أعضائها يصطلح عليها بالمركبات الارتباطية
أضاف سماحته: الدين أيضاً مركب ارتباطيّ نوعاً ما. فالإسلام لكي يكون قائماً في حياة الشخص لابد أن تتحقق شروطه كافّة ولا يكفي لكي يكون إسلام الشخص حيّاً وفاعلاً أن يقول لا إله إلا الله أو يؤدّي الصلاة فقط
إن كثيراً من صحابة النبي صلى الله عليه وآله الذين أداروا ـ بعد رحيله صلى الله عليه وآله ـ ظهورهم لوصيه صلوات الله عليه وأصبحوا من الخوارج وكفّروا علياً أمير المؤمنين وجرّدوا السلاح في وجهه كانوا من أهل الزهد والعبادات العجيبة، فكان من بينهم من يقوم الليل، وكان قيامه طويلاً ومقروناً بالآداب، ولكن هل نفعتهم هذه العبادات؟
في الحقيقة ليس الإسلام صلاة الليل والتهجّد فقط بل لابد من توافر أمور أخرى أيضاً ليتحقق الإسلام. فكما أن الصلاة والعبادة جزء من الإسلام فكذلك عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه جزء من الإسلام، وهكذا فاطمة الزهراء سلام الله عليها جزء لا يتجزّأ من الإسلام، والشعائر الحسينية جزء من الإسلام. إذن إسلام ليس فيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين وشعائر الإمام الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ليس إسلاماً
الإسلام كلٌّ مركب يشتمل على المعارف والأحكام والأخلاق والآداب الكثيرة وكلّها جزء لا يتجزّأ من الإسلام. فلا يمكن الأخذ ببعض الإسلام وترك بعضه الآخر.
إن الاهتمام ببعض الدين وإهمال أجزائه الأخرى لا ينفع شيئاً بل لابد من أخذ جميع أجزاء الدين بنظر الاعتبار والعمل بها
نقول: إنّ الإسلام بلا عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن دون الشهادة الثالثة «أشهد أن عليّاً ولي الله» ليس إسلاماً، لأنّ كلّ جهود النبي صلى الله عليه وآله وأتعابه في تبليغ الرسالة إنما كملت بإبلاغ ولاية عليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
أجل إن اسلاماً ليس فيه علي بن أبي طالب سلام الله عليه لا يستحقّ حتى اسم الإسلام، إن إسلاماً مثل هذا لا ينفع في أي شيء إلا أن يكون هباءً منثوراً؛ يقول الله تعالى: «وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً»(2
جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر وهو في الحجر وكان عمير شيطاناً من شياطين قريش وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه بمكة وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى بدر فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله ليس في العيش خير بعدهم.
فقال له عمير: صدقت والله أما والله لو لا دَين عليّ ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم. ]فقال صفوان: فعَليَّ دَينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم أسوتهم ما بقوا.
قال عمير: فاكتم عليّ شأني وشأنك. قال: أفعل
ثم إن عميراً أمر بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وآله قال له: ما جاء بك يا عمير؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه.
قال: فما بال السيف في عنقك؟
قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئاً؟
قال: أصدقني بالذي جئت له
قال: ما جئت إلا لذلك.
فقال النبي: بلى قعدت أنت وصفوان بن أمية وفي الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لو لا دَين عليَّ وعلي عيالي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل لك صفوان بدَينك وعيالك على أن تقتلني والله حائل بيني وبينك.
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا نكذبك وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق، ثم تشهّد شهادة الحق(3).
وبعد فتح مكة وعودة رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمين المظفرة إلى مكة هرب صفوان من مكة وكان الشخص الوحيد الذي هرب؛ ربما لأنه كان يقول مع نفسه: لو عفا النبي صلى الله عليه وآله عن كل واحد فهو لا يعفو عني، وربما لأنه لم يسمع بالعفو العام الذي أصدره النبي صلى الله عليه وآله وتلاه الإمام أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه والذي كان مظهراً لرحمة النبي صلى الله عليه وآله الواسعة وجذب قلوب الناس إلى الإسلام وكان السبب وراء إسلام كثير من المشركين حيث قال تعالى: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً»(4).[
]وعندما بلغ عميراً أن صفوان هرب خوفاً على نفسه جاء عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اذهب إلى صفوان واعطه الأمان. وعندما ذهب عمير بأمان رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عمير قال الأخير: لو أعلم أنه من رسول الله صلى الله عليه وآله لقدمت لأني أعلم أنه لا يكذب ولكن كيف أعلم أنك صادق!
فعاد عمير إلى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره بذلك وأن عميراً طلب علامة فأعطاء رسول الله صلى الله عليه وآله عمامته وتسمى سحاب وهي التي أعطاها الإمام الحسين صلوات الله عليه بعد ذلك وكانت على رأسه الشريف في كربلاء المقدسة يوم عاشوراء
وعندما رأى صفوان العمامة عرف أنها عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله فصدّق بعمير وعاد معه مطمئناً
]وأكّد سماحته في ختام حديثه: إن هذه السلوكيات الرفيعة هي المصداق الحقيقي للإسلام لا ما نشهده اليوم في بعض الدول الإسلامية باسم الإسلام. ولو نفّذت تعاليم الإسلام السمحاء اليوم لأدت إلى انتشار واسع للإسلام واستقطاب قلوب العالمين
في الختام أوصى دام ظله المؤمنين بأمور
خلق أجواء صالحة تهذّب الشباب والناشئة وتربّيهم وتبعدهم عن الرذيلة والفساد رعاية الأخلاق الإسلامية في التعامل مع الزوجات؛ فإن مولى المتقين الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أوصى وهو على فراش الموت وقد شد عصابة على رأسه الشريف، يقول الراوي: لا أدري أيها أكثر أصفراراً، وَجْه الإمام صلوات الله عليه أم العصابة... إنّ الإمام أوصى وهو في تلك الحالة بالنساء خيراً
إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه ضمن بدمه وبشعائره بقاء الإسلام. ولقد انقضى محرم وصفر المتعلقان بالإمام الحسين صلوات الله عليه ولكن الإمام الحسين صلوات الله عليه يتعلق بكل أشهر السنة؛ فهو عزّة الإسلام، والإسلام لا يتحدد بوقت وزمان. ولولم يكن الإمام الحسين صلوات الله عليه ودمه الطاهر لما كنا اليوم نصلّي ولما كان هناك من يقول لا إله إلا الله.
فاسعوا لإقامة مجالس الإمام الحسين صلوات الله عليه في بيوتكم طيلة أيام العام واجعلوا القضية الحسينية حية أبداً. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين