علي البصري
19-03-2008, 11:54 PM
صلاة ألجمعه(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11))) الجمعة لغتان : وجمعها جمع وجمعات قال الفراء و فيها لغة ثالثة جمعة بفتح الميم كضحكة وهمزة .و إنما سمي جمعة لأنه تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات و قيل لأنه تجتمع فيه الجماعات و قيل إن أول من سماها جمعة كعب بن لؤي و هو أول من قال أما بعد و كان يقال للجمعة العروبة عن أبي سلمه وقيل إن أول من سماها جمعة الأنصار قال ابن سيرين جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة و قيل قبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام و للنصارى يوم أيضا مثل ذلك فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله عز و جل و نشكره و كما قالوا يوم السبت لليهود و يوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ و ذكرهم فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدوا و تعشوا من شاة واحدة و ذلك لقلتهم فأنزل الله تعالى في ذلك «إذا نودي للصلوة» الآية فهذه أول جمعة جمعت في الإسلام فأما أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه فقيل إنه قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مهاجرا حتى نزل قباء على عمرو بن عوف و ذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين الضحى فأقام بقباء يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس و أسس مسجدهم ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد وكانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإسلام فخطب في هذه الجمعة و هي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل فقال ((الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفره و أعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و النور و الموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت وحين يفتقر المرء إلى ما قدم و ما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد والذي صدق قوله ونجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه وإن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا و يعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده هو اجتباكم و سماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولا حول ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعلموا لما بعد اليوم فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )) فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة.سبب النزولقال جابر بن عبد الله أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجمعة فانفض الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا أنا فيهم فنزلت الآية «و إذا رأوا تجارة أو لهوا» و قال الحسن و أبو مالك ، أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحيه بن خليفة بتجارة زيت من الشام و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) إلا رهط فنزلت الآية فقال والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا وقال المقاتلان بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحيه بن خليفة بن فروه الكلبي ثم أحد بني الخزرج ثم أحد بني زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق أو بر أو غيره فينزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على المنبر يخطب فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لا هؤلاء لسموت عليهم الحجارة من السماء وأنزل الله هذه الآية وقيل لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط عن الكلبي عن ابن عباس وقيل إلا أحد عشر رجلا عن ابن كيسان وقيل إنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل يوم مرة لعير تقدم من الشام و كل ذلك يوافق يوم الجمعة عن قتادة و مقاتل.المعنى« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ » أي إذا أذن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نداء سواه قال السايب بن زيد كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبو بكر وعمر كذلك حتى إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق ويقال له الزوراء وكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه « فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ » أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين عن قتادة وابن زيد والضحاك وقال الزجاج معناه فامضوا إلى السعي الذي هو الإسراع و قرأ عبد الله بن مسعود فامضوا إلى ذكر الله وروي ذلك عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)وعمر بن الخطاب وأبي بن كعب ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام)وأبي عبد الله (عليه السلام)و قال ابن مسعود لو علمت الإسراع لأسرعت حتى يقع ردائي عن كتفي وقال الحسن ما هو السعي على الأقدام وقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع و قيل المراد بذكر الله الخطبة التي تتضمن ذكر الله والمواعظ « وَذَرُوا الْبَيْعَ » أي دعوا المبايعة قال الحسن كل بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فإنه بيع حرام لا يجوز وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر الآية لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه « ذَلِكُمْ » يعني ما أمرتكم به من حضور الجمعة و استماع الذكر وأداء الفريضة وترك البيع « خَيْرٌ لَّكُمْ » وأنفع لكم عاقبة « إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ » منافع الأمور و مضارها ومصالح أنفسكم ومفاسدها.وقيل معناه اعلموا ذلك عن الجبائي وفي هذه الآية دلالة على وجوب الجمعة وفي تحريم جميع التصرفات عند سماع أذان الجمعة لأن البيع إنما خص بالنهي عنه لكونه من أعم التصرفات في أسباب المعاش وفيها دلالة على أن الخطاب للأحرار لأن العبد لا يملك البيع وعلى اختصاص الجمعة بمكان ولذلك أوجب السعي إليه وفرض الجمعة لازم جميع المكلفين إلا أصحاب الأعذار من السفر أو المرض أو العمى أو العرج أو أن يكون امرأة أو شيخا هما لا حراك به أو عبدا أو يكون على رأس أكثر من فرسخين من الجامع .« فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ » يعني إذا صليتم الجمعة وفرغتم منها فتفرقوا في الأرض « وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ » أي واطلبوا الرزق في البيع و الشراء وهذا إباحة وليس بأمر وإيجاب وروي عن أنس عن النبي (عليه السلام)قال في قوله « فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا » الآية ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وقيل المراد بقوله « وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ » طلب العلم عن الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)أنه قال الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت وروى عمرو بن زيد عن أبي عبد الله قال إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحى في طلب الحلال أما تسمع قول الله عز اسمه « فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ » أرأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه ثم قال رزقي ينزل علي كان يكون هذا أما أنه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم قال قلت من هؤلاء الثلاثة قال رجل تكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لأن عصمتها في يده لو شاء أن يخلي سبيلها لخلى سبيلها والرجل يكون له الحق على الرجل فلا يشهد عليه فيجحده حقه فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنه ترك ما أمر به والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتى يأكله ثم يدعو فلا يستجاب له « وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا » أي اذكروه على إحسانه و اشكروه على نعمه وعلى ما وفقكم من طاعته أداء فرضه وقيل إن المراد بالذكر هنا الفكر كما قال تفكر ساعة خير من عبادة سنة و قيل معناه اذكروا الله في تجارتكم وأسواقكم كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر « لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » أي لتفلحوا و تفوزوا بثواب النعيم علق سبحانه الفلاح بالقيام بما تقدم ذكره من أعمال الجمعة و غيرها و صح الحديث عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله ولبس صالح ثيابه ومس من طيب بيته أو دهنه ثم لم يفرق بين اثنين غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام بعدها أورده البخاري في الصحيح.وروى سلمان التميمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال إن الله عز وجل في كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق من النار كلهم قد استوجب النار ثم أخبر سبحانه عن جماعة قابلوا أكرم الكرم بالأم اللؤم فقال « وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا » أي عاينوا ذلك وقيل معناه إذا علموا بيعا وشراء أو لهوا وهو الطبل عن مجاهد و قيل المزامير عن جابر « انفَضُّوا إِلَيْهَا » أي تفرقوا عنك خارجين إليها و قيل مالوا إليها والضمير للتجارة وإنما خصت برد الضمير إليها لأنها كانت أهم إليهم وهم بها أسر من الطبل لأن الطبل إنما دل على التجارة عن الفراء وقيل عاد الضمير إلى أحدهما اكتفاء به و كأنه على حذف و المعنى و إذا رأوا تجارة انفضوا إليها و إذا رأوا لهوا انفضوا إليه فحذف إليه لأن إليها يدل عليه وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)أنه قال انصرفوا إليها « وَتَرَكُوكَ قَائِمًا » تخطب على المنبر قال جابر بن سمرة ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب إلا وهو قائم فمن حدثك أنه خطب وهو جالس فكذبه و سئل عبد الله بن مسعود أ كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب قائما فقال أ ما تقرأ « وَتَرَكُوكَ قَائِمًا » و قيل أراد قائما في الصلاة ثم قال تعالى « قُلْ » يا محمد لهم « مَا عِندَ اللَّهِ » من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة والصلاة والثبات مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) « خَيْرٌ » وأحمد عاقبة وأنفع « مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » يرزقكم وإن لم تتركوا الخطبة و الجمعة.الخلاف في صلاة ألجمعه تضاربت الفتاوى بين القول بالوجوب والاستحباب والتخيير وحتى الحرمة. ومرجع هذا الاضطراب إلى اشتراط أذن السلطان أي الحاكم الإسلامي العادل والذي يستوجب أقامة الحكومة السلامية. وطبيعي إن ذلك يتوقف على الظروف السائدة في كل عصر ومصر فمن لم يرَ السلطان واجداً لمؤهلات القيادة الإسلامية يقاطع الجمعة لاعتبار العدالة في السلطة والإمام ، فتكون الجمعة وسيلة لتمثيل المعارضة للحكم القائم على أساس انه فاقد للشرعية وهذه المعارضة ظاهرة في كثير من المواقف لائمة أهل البيت (عليهم السلام).أما في زمن الغيبة فجمهور المتقدمين على الوجوب كما هي مدونة في كتبهم، أما المتأخرين فقد ذهب إلى الوجوب جمهرة منهم المحقق الكركي نور الدين علي بن عبد العال ألعاملي (ت 940 هـ ). وذهب إلى الحرمة في زمن الغيبة الشيخ إبراهيم القطيفي معاصر الكركي المذكور راداً عليه، وهو رأي شاذ.وذهب إلى الاستحباب الوحيد البهبهاني محمد باقر بن محمد (ت 1205 هـ ) في ثلاث رسائل.وذهب إلى التخيير بين الظهرين السيد أبو القاسم الموسوي في رسالة كتبها عام 1233 هـ .وقد استوعب أصحاب الموسوعات الفقهية الأدلة بالنقد والتحليل منهم: المحدّث البحراني (ت 1186 هـ ) في الحدائق وصاحب الجواهر (ت 1266 هـ) .وكانت سيرة الفقهاء سرد الفروع الفقهية لصلاة الجمعة في رسائلهم العملية ولعل أول من أهملها السيد اليزدي (ت 1337 هـ) في العروة وتبعه السيد الحكيم (ت 1390 هـ) في المستمسك. أما السيد الخوئي فبحثها في درس الخارج وأهمل فروعها في الرسائل العملية ، فيذكر في البحث حين يناقش هذه الرواية وغيرها ثم يذعن إلى الاعتراف بوجوبها واليكم بعض من الإشكالات ورده ، صحيحة زراره عن أبي جعفر عليه السلام قال : (( إنما فرض الله عزوجل على الناس من الجمعة إلى ألجمعه خمسه وثلاثين صلاه منها صلاة واحده فرضها جماعه وهي ألجمعه ووضعها عن تسعه عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمريض والأعمى ، ومن كان على رأسي فرسخين )) (1)ونوقش في دلالتها بعدم كونها في مقام البيان ألا من ناحة العدد وان الواجب من الصلوات خلال الأسبوع خمسه وثلاثين بضرب الفرائض الخمس أليوميه في ألسبعه غير أن الواحدة منها يشترط فيها ألجماعه ، ولا نظر فيها إلى كيفيتها والقيود المعتبرة فيها ولا ريب في أصل وجوب صلاة ألجمعه وكونها من تلك الفرائض في ألجمله ، بل هو من ضروريات الدين كما مرّ . وإنما الكلام في انه هل يعتبر في تلك ألجماعه أن يكون احدهم الإمام (عليه السلام) أو المنصوب من قبله كما يعتبر فيها عدالة الإمام وإقامة الخطبة وعدم كون العدد اقل من ألسبعه أو ألخمسه كي يسقط الوجوب عند تعذر الشرط أم لا ؟ وليست الرواية في مقام البيان من هذه الجهه كي يتمسك بإطلاقها لدفع ما يشك في دخله فيها كما لا بتمسك بها لدفع غيره مما يشك في شرطيته أو جزئيته لها . ومن ثم لا يصح التمسك بها قطعا لنفي ما يشك في شرطيته أو جزئيته لغيرها من سائر الفرائض الخمس والثلاثين ، والسر هو ما عرفت من كونها مسوقه ألا لبيان الوجوب على سبيل الإجمال ، فلا إطلاق لها كي يستند إليه . ويندفع : بان الشك على نحوين : فتارة يشك فيما هو الوجوب والكيفية المعتبره فيه من حيث الأجزاء والشرائط ، وفي هذا ألمرحله الحق كما أفاده (قدس سره ) فلا يصح التمسك بها لنفي المشكوك فيه ، إذ لا نظير فيها إلى متعلق التكليف كي ينعقد الإطلاق , وهذا واضح جدا . وأخرى يشك في أصل الوجوب من حيث السعه والضيق ، وانه هل يختص بطائفة خاصه أو يعم جميع المكلفين في كل جيل وحين كما في المقام . ضرورة إن الشك ليس في متعلق الأمر ، بل في أصل التكليف وانه هل يشترط في تعلق الوجوب إن تكون الصلاة بأمر الإمام (عليه السلام) أو نائبه المنصوب كي يختص بزمن الحضور فتسقط عمن لم يدرك ذاك العصر لتعذر المشروط بتعذر الشرط أو لا يشترط بل الحكم ثابت لآحاد المكلفين في جميع الإعصار والأمصار على الإطلاق من دون تعليق على شيء فيشترك فيه الموجودون في عصر ألغيبه والحضور , ولا ينبغي الشك في صحة التمسك بالصحيحة لدفع هذا النوع من الشك ، بداهة أن دلالتها على الشمول والسريان لجميع الأفراد أنما هو بالعموم الوضعي وهو الجمع المحلّى باللام في قوله (على الناس ) دون الإطلاق المتوقف على جريان مقدمات ألحكمه كي يتطرق احتمال عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهه . ويقول بالبحث : ويؤيد العموم الاقتصار في الاستثناء على الطوائف التسع المذكورين فيها فلو كان هناك شرط أخر للوجوب زائد على ذلك وهو الكون في زمن الحضور والاقامه بأمر الإمام عليه السلام لزم التنبيه عليه والتعرض له ، وكان المستثنى عن هذا الحكم حينذ عشر طوائف لاتسعا . ويؤيد أيضا التصريح ببقاء هذا الحكم إلى يوم ألقيامه في صحيحة زراره الاتيه . ويقول بالبحث : فالإنصاف إن دلالة الصحيحة على إطلاق الوجوب وعدم الاشتراط بزمن الحضور قويه جدا . والمناقشة المذكورة في غير محلها ، كما إن السند أيضا صحيح لصحة طريق الصدوق إلى زراره . ومنها : صحيحة محمد بن مسلم وزراره عن أبي جعفر (عليه السلام ) قال : (( تجب ألجمعه على كل من كان منها على فرسخين )) (2) ودلالتها كما مر سابقا .ومنها : صحيحة زراره قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): ( ألجمعه واجبه على من إن صلى الغداة في أهله أدرك ألجمعه وكان رسول الله (صلى الله عليه واله ) أنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي أذا قضوا الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه واله ) رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك سنّه إلى يوم ألقيامه )(3)ومنها : صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم قالا : سمعنا أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول : (( من ترك ألجمعه ثلاثا متواليات بغير عله طبع الله على قلبه )) (4) فان الطبع على القلب من أوصاف المنافقين فهو كتابه عن العصيان والنفاق كما أشير أليه في القران وتومى أليه الرواية الاتيه . ومنها : صحيحة زراره عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (( صلاة ألجمعه فريضة والاجتماع أليها فريضة مع الإمام ، فان ترك رجل من غير عله ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ولا يدع ثلاث فرائض من غير عله ألا منافق ))( 5) السند صحيح والدلالة ظاهره كما مرّ . ثم يرجع ويقول في البحث : في المقام شواهد وقرائن تمنع من أرادة الوجوب ألتعييني . فلا مناص من الحمل على ألتخييري . ويحتج بان الوجوب العيني لو كان ثابتا في مثل هذه المسالة الكثيرة الدوران لظهر وبان وشاع وذاع وكان كالنار على المنار كسائر الفرائض الخمس أليوميه ولم يختلف فيه اثنان . وهذا مردور عليه حسب عقلي القاصر المقصر لان الأحاديث التي ذكرها تفيد الوجوب العيني وهناك غيرها استدل بها العلماء الإعلام الذين يقولون بوجوب صلاة ألجمعه العيني ، وأيضا كيف غاب عنه أنها تحتوي على خطبه تختص بأحوال المجتمع أي فيها كلام لا تستسيغه ألدوله ألظالمه مما تمنعه وتمنع معارضيها بإقامة صلاة ألجمعه ، التي فيها ما فيها من وعظ وإرشاد وقول الحق ورد الظلم ، والتقية ديني ودين أبائي كما في الحديث ، واقل التقية هي أن تصلى بين الخواص ولا مانع من التكتم عليها ولكي لا تترك هذه الفريضة مما أعطاها خفائا بعكس غيرها من الفرائض التي هي شعار ألدوله إن ذاك ولم يكن فيها معارضه للدولة الحاكمة ولو كان في إقامتهما معارضه للدولة لمنعت علنيا كما منعت صلاة ألجمعه .ويقول أيضا بالبحث حول عدم وجوب صلاة ألجمعه العيني : إن أصحاب ألائمه (عليهم السلام ) لاسيما الصادق(عليه السلام) على كثرتهم على عدم إقامة هذه الصلاة مع أنهم الرواة لهذه الأحاديث فلو كان واجبا تعيينا كيف أهملوها ولم يعتنوا بشأنها ، ولرد هذا الإشكال هو نفس الرد الأول مع إن الإمام ينصح بالتقية فكيف بهم إن يخالفوا قول الإمام(عليه السلام) وهو ينقل روايتين عن زراره اعتقد أنها تكونا ضد احتجاجه.وهي صحيحة زراره قال (( حثنا أبو عبد الله (عليه السلام) على صلاة ألجمعه حتى ظننت انه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك ، فقال ؛لا أنما عنيت عندكم)) (6) ومنها موثقة عبد الملك (آخى زراره ) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (( قال مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله ، قال : قلت كيف اصنع ؟ قال صلوا جماعة يعني صلاة ألجمعه ))(7)فإذا كان الإمام (عليه السلام) يحث أصحابه على صلاة ألجمعه بحيث يضن انه يريد إقامتها لوجوبها ولأهميتها وفضلها ، فمن هذه الناحية لم يكن يستطيع وهو في تقيه مكثفه أن يقيم ألجمعه بنفسه ، وهو مضطر أن يذهب ويصلي جمعه وراء الرجل الحاكم ، بل يحث أصحابه أن يصلوا ألجمعه في البلاد الأخرى ، فهل من المعقول أن مثل هولاء الرواة الذين يوثقهم العلماء بنقل الأحاديث أنهم يخالفوا قول الإمام ولم يصلوا ، وهذا من الادله الباطلة التي لا يعقلها العقل الواعي ، وفي الرواية الثانية تأكيد لمن لم يصلي في حياته صلاة جمعه لاحتمال أن صلاة ألجمعه ليست واجبه كما يضن البعض ألان أو لأي سبب كان والإمام (عليه السلام) يوكد عليه في أقامة الصلاة، فهل من المعقول أن لا يصلي بعد هذا الكلام وهو يعلم ما هو الإمام وإذا أردنا تطبيق الواقع ونحن منصاعون لنائب الإمام أي من المجتهد في أوامرهم فكيف بمن يرى الإمام ويسمع كلامه وهو عالما بمقامه ، فيكون مثل هذه الدليل واضحة البطلان أيضا .وهناك بعض الإشكالات على صلاة ألجمعه مع جوابها ، كالأتي أن إيجاب مثل هذا الحكم أي وجوب صلاة ألجمعه في زمن الغيبة مثار للفتنة وموجب للهرج والمرج فلا يظن بالشارع الحكيم تشريعه ، فان الإلزام باقتداء الكل خلف شخص واحد وإيكال تعيينه إليهم ، مع تأبّي النفوس عن الائتمام خلف من يراه مثله أو دونه في الأهلية ، وميل الطباع لإشغال ذاك المنصب وحيازته ، معرض للافتتان ، بل موجب لاختلال النظام ، لتشاحّ النفوس في طلب الرئاسة والتصدي لمقام الإمامة ، فربما يؤدي إلى التشاجر والنزاع بين المسلمين ، لانتصار أهل كل محلة لإمامها ، وقد ينجرّ إلى القتل كما اتفق في عصرنا الحاضر في بعض البلاد ، فلابد وأن يكون التعيين بنظر الشارع وإذنه الخاص كي تنحسم به مادة النزاع .وفيه أوّلاً : أن هذا التقرير على تسليمه فإنما يجدي لنفي التعيين لا أصل المشروعية ولو تخييراً ، فانّ الوجوب ألتخييري حيث لا إلزام فيه على سبيل ألحتم والبتّ لوجود المندوحة ، فلا يتضمن الفتنة ، لإمكان التخلص منها باختيار العدل الآخر وهو صلاة الظهر .وثانياً : أن الفتنة ممنوعة من أصلها حتى على القول بالوجوب ألتعييني ، فانّ من قدّم للإمامة إما أن يرى غيره أهليته لها لاستجماعه الشرائط أو لا ، فعلى الأول يجب عليه الائتمام ولا حزازة فيه ، وإن كان دونه في المقام فقد حثّ الشارع على التواضع ومجاهدة النفس ، وحذّر عن الأنانية والكِبَر ، وقد شاهدنا بعض زهّاد العصر يأتم خلفه جمّ غفير من الجهابذة والأساطين وهم أفقه منه وأعظم شأناً بمراتب غير قليلة .وعلى الثاني : فالجماعة باطلة بنظره ، فلم تنعقد جمعة صحيحة كي يجب السعي إليها والحضور فيها . هذا بناء على المختار احتياطاً من عدم الوجوب إلا بعد الانعقاد ، وكذا على القول بوجوب العقد ، فانه يسقط عندئذ بناء على ما هو الأظهر من عدم جواز عقد جمعتين في بلد واحد حتى مع العلم ببطلان إحداهما ، فلم يكن هناك موجب للافتتان وباعث على الجدال والنزاع من ناحية إيجاب الجمعة في حدّ نفسه ، وأما البواعث الأخر فهي أجنبية عن هذا التشريع كما لا يخفى ، فتدبر جيداً .ويقول المولى المقدس محمد محمد صادق الصدر (قدس الله نفسه الزكيه ) حول صلاة ألجمعه ، هناك سؤالين يعرضان ، واحد من فضلاء الحوزة جزاه الله خيرا ، قال لي بأنهم يقولون للناس هل صلى أمتكم جمعه ؟ إذا لم يكونوا قد صلوا جمعه ، فلماذا تصلون أنتم جمعه ؟ ويقولون الآخرون هل صلى علماؤكم السابقون جمعه ؟ فإذا لم يكونوا قد صلوا جمعه فأنتم لماذا تصلون جمعه ؟ هاذان الجوابان عزَّا عليّ جداً لأن المصادر قليله ، والتفقه قليل عند غالب الناس ، فلذا وددت إن أتعرض لشيء من جواب ذلك . أنا أقول إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) صلى ألجمعه ، وأمير المؤمنين (سلام الله عليه ) صلى ألجمعه ، والإمام الحسن (سلام الله عليه ) صلى ألجمعه ، والإمام الحسين (سلام الله عليه ) صلى ألجمعه ، وكثير من المسلمين في مختلف مذاهبهم بما فيهم الاماميه صلوا ألجمعه ، ولا اعتقد أنها تُركت في أسبوع إطلاقا من صدر الإسلام إلى العصر الحاضر . ولكن تحتاج إلى توفيق ، طبعاً ليس كلنا موفقين هذا التوفيق . ويقول المولى المقدس افترضوا أن مجتهدا من المجتهدين قال بأنه حتّى لو اجتمع خمسه أو سبعه احدهم الإمام ، تبقى على الوجوب ألتخيري ( على العين والرأس ) المجتهد له كفل واحد من الثواب أذا أخطا ، وكفلين من الثواب أذا أصاب ، جزاه الله خيرا ، لكن ألا يمكن اختيار ألجمعه كأحد طرفي التخيير ؟ أنت حر ، تستطيع أن تصلي الظهر ، وتستطيع أن تصلي ألجمعه ، فأنت تختار الظهر دائما ، ولا تختار ألجمعه دائما ، ليس بإنصاف حبيبي ، وأنت تعلم أن ألجمعه أفضل الفردين ، فاختر أفضل الفردين ( رحم الله والديك ) مع العلم أنهم لا يختارون أفضل الفردين ، يختارون أردأ الفردين ، وأقلهما ثوابا ، هل هذا ممّا يرضي الله سبحانه وتعالى .ويقول ( قدس سره الشريف ) إن الأمر بالولاية يعم المقلدين وغير المقلدين ، معنى ذلك إذا أجتمع خمس أحدهم الإمام وجبت عيناً ، هذا شيء مشروع بأمر الشريعة ، وأما بالنسبه ما إذا لم تكن مقلداً لشخص من هذا القبيل ، أو تذهب اجتهاداً أو تقليداً إلى خلافه ، فلا أقل إن تطيع أمر الولاية وتحضر . فليذهب أمر الولاية ، اضمن التكاتف والالفه بين المجتمع ، والتكاتف الديني وليس التعصب ، هذا أيضاً ليس بجيد ؟ فلماذا التأبي عن حضور صلاة ألجمعه ؟ ــــــــــــــــــــــــــــ(1) الوسائل باب 1 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 1(2) الوسائل باب 4 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 5 (3) الوسائل باب 4 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 1 (4) الوسائل باب 1 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 11(5) الوسائل باب 1 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 8(6) الوسائل باب 5 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 1(7) الوسائل باب 5 من أبواب صلاة ألجمعه حديث 2