ضد المنحرفين
20-03-2008, 07:52 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم ..
كلنا سمعنا بما جرى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, حيث أن بعض الصحابة إمتنع عن أداء الزكاة لأبي بكر لما علم بتنحية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن الخلافة .. متعجباً كيف أنهم سرعان مانكثوا عهد الرسول (ص) في يوم الغدير عندما نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وصياً للمسلمين ..
من هؤلاء الصحابة هو الصحابي الجليل مالك بن نويرة بن جَمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثَعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي, أدرك الإسلام وأسلم وولاه رسول الله (ص) صدقات قومه (بني يربوع) ..
كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف .
وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعاً ولم يتخلف منهم رجل واحد .
وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبي (ص) حتى نصبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلها، وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه ..
اختص مالك بأمير المؤمنين عليه السلام ، وأخلص له نهاية الإخلاص، حتى أنه ما بايع أبا بكر، وأنكر عليه أشد الإنكار، وعاتبه بقوله له : أربِع على ضلعك، والزم قعر بيتك، واستغفر لذنبك ، وردّ الحق إلى أهله، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجة ، ولا معذرة .. تنقيح المقال : 2/50 .
وامتنع مالك عن بيعة أبي بكر وعن دفع الزكاة إليه، وقام بإعادة الأموال إلى أصحابها من قومه، وقال لهم شعراً :
فقلت خذوا أموالك غير خائف ** ولا ناظر ماذا يجئ مع الغد
فإن قام بالدين المحوق قائـم ** أطعنا وقلنا الدين دين محمد
أرسل أبو بكر – في بداية خلافته – خالد بن الوليد لمحاربة المرتدين، ولما فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته.
وكان مالك قد فرق أفراد عشيرته، ونهاهم عن الإجتماع، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً، فأمر خالد ببث السرايا، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام، وإلقاء القبض على كل من لم يجب داعي الإسلام، وأن يقتلوا كل مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر .
فلما دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل إرتاع القوم، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم، فقالوا : إنا لمسلمون، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ ، فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! ، فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح، ثم صلى الطرفان، فلما انتهت الصلاة قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك، فكتفوهم بما فيهم مالك بن نويرة، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد .
وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة إرتدَّ عن الإسلام، فأنكر مالك ذلك وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت .
وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد وهما : أبو قتادة الأنصاري، وعبد الله بن عمر، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقه .
فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وقبض على أم تميم ( زوجة مالك ) ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة ( رضوان الله عليه ) ..
أدلة ماحدث بين مالك بن نويرة رضي الله عنه وبين خالد بن الوليد من كتب أهل السنة :
1- كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة فلما اتصلت بمسيلمة لعنهما الله ثم ترحلت إلى بلادها ، فلما كان ذلك ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره ، وتلوم في شأنه وهو نازل بمكان يقال له: البطاح ، فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق.
فقال لهم خالد: إن هذا أمر لابد من فعله وفرصة لا بد من انتهازها وإنه لم يأتني فيها كتاب وأنا الأمير، وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح فسار يومين، ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة وبذلوا الزكوات إلا ما كان من مالك بن نويرة فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم فشهد أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا.
فيقال: إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد ، فنادى منادي خالد : أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال : إذا أراد الله أمراً أصابه واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة وهي أم تميم ابنة المنهال وكانت جملية ، فلما حلت بني بها ، ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك.
فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار إضرب عنقه، فضربت عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم.
ويقال : إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر، ولم تفرغ الشعر لكثرته .. إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
2- عن إبن أبي عون وغيره أن خالد بن الوليد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه، فانكر مالك ذلك، وقال : أنا على الإسلام ما غيرت ولا بدلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه، وقبض خالد امرأته .. المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
3- وفي أيام أبي بكر منعت بنو يربرع الزكاة وكان كبيرهم مالك بن نويرة وكان ملكا فارسا مطاعا شاعرا قدم على النبي (ص) وأسلم فولاه صدقه قومه فلما منع الزكاة أرسل أبو بكر إلي مالك المذكور خالد بن الوليد في معنى الزكاة فقال مالك : أنا آتي بالصلاة دون الزكاة, فقال خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك: قد كان صاحبكم يقول ذلك.
قال خالد : أوما تراه لك صاحبا والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تجاولا في الكلام فقال له خالد: إِني قاتلك.
فقال له : أو بذلك أمرك صاحبك قال: وهذه بعد تلك وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما.
فقال مالك : يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا.
فقال خالد : لا أقالني الله إن أقلتك وتقدم إلي ضرار بن الأزور بضرب عنقه فالتفت مالك إلي زوجته وقال لخالد : هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال فقال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال مالك : أنا على الإسلام فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه، فضرب عنقه وجعل رأسه اثفية ....... وقال لابن عمر ولأبي قتادة: احضرا النكاح فأبيا وقال له إبن عمر: نكتب إلي أبي بكر ونعلمه بأمرها وتتزوج بها فأبى وتزوجها. وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي : قضى خالد بغيا عليه بعرسه وكان له فيها هوى قبل ذلك فأمضى هواه خالد غير عاطف عنان الهوى عنها ولا متمالك فأصبح ذا أهل وأصبح مالك إِلي غير أهل هالكا في الهوالك .. تاريخ أبي الفداء - رقم الصفحة : ( 18 من 87 )
ردة فعل أبي بكر وعمر من فعل خالد بن الوليد :
1- وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصديق، وتكلم عمر مع أبي قتادة في خالد وقال للصديق : إعزله فإن في سيفه رهقا، فقال أبو بكر : لا أشيم سيفا سله الله على الكفار.
وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالدا وعمر يساعده، وينشد الصديق ما قال في أخيه من المراثي، فوداه الصديق من عنده.
ومن قول متمم في ذلك:
وكنا كندمانى جذيمة برهة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وقال أيضا:
لقد لامني عند العبورِ علي البكى * رفيقي لتذراف الدموع السوافك
وقال أتبكي كل قبر رأيته * لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى * فدعني فهذا كله قبر مالك
والمقصود أنه لم يزل عمر بن الخطاب ( ر ) يحرض الصديق ويذمره على عزل خالد عن الإمرة ويقول : إن في سيفه لرهقا، حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدماء، وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء .
فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها وقال : أرياء قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت على امرأته، والله لارجمنك بالجنادل وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي الصديق فيه كرأي عمر، حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودى مالك بن نويرة، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد فقال خالد : هلم إلي يا إبن أم شملة، فلم يرد عليه وعرف أن الصديق قد رضي عنه.
واستمر أبو بكر بخالد على الإمرة وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله كما أن رسول الله (ص) لما بعثه إلى أبي جذيمة فقتل أولئك الأسارى الذين قالوا: صبأنا صبأنا ، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا ، فوداهم رسول الله (ص) حتى رد إليهم ميلغة الكلب ، ورفع يديه وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ومع هذا لم يعزل خالدا عن الإمرة .. إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
بعد هذا كله يعتبر المخالفون خالد بن الوليد صحابي جليل وسيفاً من سيوف الله, وإن مافعله مع مالك بن نويرة وزوجته كان إجتهاداً من خالد .. لعن الله هذا الإجتهاد الذي يدعو إلى سفك دماء المسلمين ونشر الفساد .. إدعوه لمعاوية عندما خرج على أمير المؤمنين عليه السلام, وأدعوه لعائشة عندما خرجت على إمام زمانها .. ولانقول إلا : ( إذا كان هؤلاء هم الرجال الذين أسسوا الدولة الإسلامية, فلا غرابة أن نرى الدماء تلون كل أوراق تاريخنا ) ..
كلنا سمعنا بما جرى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, حيث أن بعض الصحابة إمتنع عن أداء الزكاة لأبي بكر لما علم بتنحية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن الخلافة .. متعجباً كيف أنهم سرعان مانكثوا عهد الرسول (ص) في يوم الغدير عندما نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وصياً للمسلمين ..
من هؤلاء الصحابة هو الصحابي الجليل مالك بن نويرة بن جَمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثَعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي, أدرك الإسلام وأسلم وولاه رسول الله (ص) صدقات قومه (بني يربوع) ..
كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف .
وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعاً ولم يتخلف منهم رجل واحد .
وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبي (ص) حتى نصبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلها، وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه ..
اختص مالك بأمير المؤمنين عليه السلام ، وأخلص له نهاية الإخلاص، حتى أنه ما بايع أبا بكر، وأنكر عليه أشد الإنكار، وعاتبه بقوله له : أربِع على ضلعك، والزم قعر بيتك، واستغفر لذنبك ، وردّ الحق إلى أهله، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجة ، ولا معذرة .. تنقيح المقال : 2/50 .
وامتنع مالك عن بيعة أبي بكر وعن دفع الزكاة إليه، وقام بإعادة الأموال إلى أصحابها من قومه، وقال لهم شعراً :
فقلت خذوا أموالك غير خائف ** ولا ناظر ماذا يجئ مع الغد
فإن قام بالدين المحوق قائـم ** أطعنا وقلنا الدين دين محمد
أرسل أبو بكر – في بداية خلافته – خالد بن الوليد لمحاربة المرتدين، ولما فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته.
وكان مالك قد فرق أفراد عشيرته، ونهاهم عن الإجتماع، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً، فأمر خالد ببث السرايا، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام، وإلقاء القبض على كل من لم يجب داعي الإسلام، وأن يقتلوا كل مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر .
فلما دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل إرتاع القوم، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم، فقالوا : إنا لمسلمون، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ ، فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! ، فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح، ثم صلى الطرفان، فلما انتهت الصلاة قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك، فكتفوهم بما فيهم مالك بن نويرة، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد .
وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة إرتدَّ عن الإسلام، فأنكر مالك ذلك وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت .
وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد وهما : أبو قتادة الأنصاري، وعبد الله بن عمر، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقه .
فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وقبض على أم تميم ( زوجة مالك ) ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة ( رضوان الله عليه ) ..
أدلة ماحدث بين مالك بن نويرة رضي الله عنه وبين خالد بن الوليد من كتب أهل السنة :
1- كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة فلما اتصلت بمسيلمة لعنهما الله ثم ترحلت إلى بلادها ، فلما كان ذلك ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره ، وتلوم في شأنه وهو نازل بمكان يقال له: البطاح ، فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق.
فقال لهم خالد: إن هذا أمر لابد من فعله وفرصة لا بد من انتهازها وإنه لم يأتني فيها كتاب وأنا الأمير، وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح فسار يومين، ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة وبذلوا الزكوات إلا ما كان من مالك بن نويرة فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم فشهد أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا.
فيقال: إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد ، فنادى منادي خالد : أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال : إذا أراد الله أمراً أصابه واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة وهي أم تميم ابنة المنهال وكانت جملية ، فلما حلت بني بها ، ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك.
فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار إضرب عنقه، فضربت عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم.
ويقال : إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر، ولم تفرغ الشعر لكثرته .. إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
2- عن إبن أبي عون وغيره أن خالد بن الوليد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه، فانكر مالك ذلك، وقال : أنا على الإسلام ما غيرت ولا بدلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه، وقبض خالد امرأته .. المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
3- وفي أيام أبي بكر منعت بنو يربرع الزكاة وكان كبيرهم مالك بن نويرة وكان ملكا فارسا مطاعا شاعرا قدم على النبي (ص) وأسلم فولاه صدقه قومه فلما منع الزكاة أرسل أبو بكر إلي مالك المذكور خالد بن الوليد في معنى الزكاة فقال مالك : أنا آتي بالصلاة دون الزكاة, فقال خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك: قد كان صاحبكم يقول ذلك.
قال خالد : أوما تراه لك صاحبا والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تجاولا في الكلام فقال له خالد: إِني قاتلك.
فقال له : أو بذلك أمرك صاحبك قال: وهذه بعد تلك وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما.
فقال مالك : يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا.
فقال خالد : لا أقالني الله إن أقلتك وتقدم إلي ضرار بن الأزور بضرب عنقه فالتفت مالك إلي زوجته وقال لخالد : هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال فقال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال مالك : أنا على الإسلام فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه، فضرب عنقه وجعل رأسه اثفية ....... وقال لابن عمر ولأبي قتادة: احضرا النكاح فأبيا وقال له إبن عمر: نكتب إلي أبي بكر ونعلمه بأمرها وتتزوج بها فأبى وتزوجها. وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي : قضى خالد بغيا عليه بعرسه وكان له فيها هوى قبل ذلك فأمضى هواه خالد غير عاطف عنان الهوى عنها ولا متمالك فأصبح ذا أهل وأصبح مالك إِلي غير أهل هالكا في الهوالك .. تاريخ أبي الفداء - رقم الصفحة : ( 18 من 87 )
ردة فعل أبي بكر وعمر من فعل خالد بن الوليد :
1- وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصديق، وتكلم عمر مع أبي قتادة في خالد وقال للصديق : إعزله فإن في سيفه رهقا، فقال أبو بكر : لا أشيم سيفا سله الله على الكفار.
وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالدا وعمر يساعده، وينشد الصديق ما قال في أخيه من المراثي، فوداه الصديق من عنده.
ومن قول متمم في ذلك:
وكنا كندمانى جذيمة برهة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وقال أيضا:
لقد لامني عند العبورِ علي البكى * رفيقي لتذراف الدموع السوافك
وقال أتبكي كل قبر رأيته * لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى * فدعني فهذا كله قبر مالك
والمقصود أنه لم يزل عمر بن الخطاب ( ر ) يحرض الصديق ويذمره على عزل خالد عن الإمرة ويقول : إن في سيفه لرهقا، حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدماء، وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء .
فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها وقال : أرياء قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت على امرأته، والله لارجمنك بالجنادل وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي الصديق فيه كرأي عمر، حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودى مالك بن نويرة، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد فقال خالد : هلم إلي يا إبن أم شملة، فلم يرد عليه وعرف أن الصديق قد رضي عنه.
واستمر أبو بكر بخالد على الإمرة وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله كما أن رسول الله (ص) لما بعثه إلى أبي جذيمة فقتل أولئك الأسارى الذين قالوا: صبأنا صبأنا ، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا ، فوداهم رسول الله (ص) حتى رد إليهم ميلغة الكلب ، ورفع يديه وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ومع هذا لم يعزل خالدا عن الإمرة .. إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
بعد هذا كله يعتبر المخالفون خالد بن الوليد صحابي جليل وسيفاً من سيوف الله, وإن مافعله مع مالك بن نويرة وزوجته كان إجتهاداً من خالد .. لعن الله هذا الإجتهاد الذي يدعو إلى سفك دماء المسلمين ونشر الفساد .. إدعوه لمعاوية عندما خرج على أمير المؤمنين عليه السلام, وأدعوه لعائشة عندما خرجت على إمام زمانها .. ولانقول إلا : ( إذا كان هؤلاء هم الرجال الذين أسسوا الدولة الإسلامية, فلا غرابة أن نرى الدماء تلون كل أوراق تاريخنا ) ..