m-mahdi.com
04-04-2008, 04:59 PM
الرجعة في مفاهيم الحركة المهدوية(1)
الأستاذ: ولاء أياد طه
رابطة وحدة الكلمة ـ بابل تكثر في الآونة الأخيرة وفي أيامنا هذه تداعيات كثيرة حول موضوع الأمام صاحب الزمان، وتنقل لنا وسائل الأعلام أن أكثر بني البشر الذين يؤمنون بالرسالات السماوية وغيرهم يأملون حضور شخص يسمى لديهم المخلِّص) أو المصلح الأكبر في آخر الزمان، وكلا الفريقين يترقب بشغف البشارات والعلامات السماوية والأحداث على الأرض. ونحن شيعة أهل البيت عليهم السلام من أكثر الشعوب والأمم والمذاهب انتظاراً للفرج الشريف والنور الأكبر. حيث يود كثير من المؤمنين الأحياء أن يكونوا في عصر الظهور ليتشرفوا بالطلعة البهية والنور العظيم والفوز الأكبر جنباً إلى جنب مع قائم آل محمد عليه السلام، وتصدح حناجرهم بالدعاء ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً للإمام بالفرج، حتى ندب كثير من المؤمنين نفسه للتصدق عن الإمام تعجيلاً للفرج وحرصاً على الدعاء بدعائي العهد والندبة يوم الجمعة 000 وبالرجوع إلى مضمون الأدعية نجد تمني المؤمنين ممن محض الأيمان الرجوع مع قائم آل محمد إلى الحياة الدنيا.
اعلم إن الرجعة سر من إسرار الله والقول بها من ثمار الإيمان بالغيب.
و المراد بها رجوع الأئمة عليهم السلام وشيعتهم وأعدائهم ممن محض من الفريقين الإيمان أو الكفر محضاً، فان من أهلكه الله في الدنيا بالعذاب لا يرجع إلى الدنيا. قال الله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)). الآية 95 الأنبياء
روى القمي عنهما عليهما السلام قال <كل قرية اهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة>.
وقال الصادق عليه السلام.. والدليل على أن هذا في الرجعة قوله تعالى ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا)) قال: <الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام..>.
فقال الرجل: إن العامة تزعم إن قوله تعالى: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً))، يعنى في يوم القيامة؟
فقال عليه السلام..: أفيحشر الله عز وجل يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا، ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة فهي: ((وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)).(2)
وعنه عليه السلام: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا ويرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الأيمان محضاً ومحض الكفر محضاً).
وفي الكافي عنه عليه السلام في قوله تعالى: ((بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)).(3)
إنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وتراً لآل محمد إلا قتلوه.
وبقوله تعالى: ((يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ))(4) في حديث أشراط الساعة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أول الآيات الدخان ؛ ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر ؛ قيل: وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية، وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).
وفي تفسير على بن إبراهيم قال: <ذلك في الرجعة من القبر... إلى أن قال: ثم قال: ((إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ))(5) يعني يوم القيامة 0 ولو كان قوله: ((يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)) في القيامة لم يقل: ((إِنَّكُمْ عائِدُونَ)) لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها 0 ثم قال: ((يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى..))(6) يعني في القيامة ((إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)) أنتهى0
أقول: قوله: من قعر عدن أبين ) معنى أبين أسم رجل وهو الثاني من الأعرابيين. وعدن اسم موضع؛ يعني النار التي تسوق الناس من مسببات مضمرات فتن باطن ذلك الأعرابي.
وفي الجملة قول للأكثرين من الإمامية للأخبار المتكثرة المتواترة معنى والآيات الكثيرة.وقد أنكرها بعض الأمامية ولم يثبت إلا خروج القائم عليه السلام لأنه من المجمع عليه بين المسلمين وإن اختلفوا في القائم على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: عيسى بن مريم عليه السلام ومنهم من قال: هو المهدي من بني العباس، كما رجحه ابن حجر في الصواعق). ومنهم من قال: هو محمد بن الحسن العسكري،وهو قول جميع شيعة أهل البيت عليهم السلام وقليل من الجمهور.
وأما الجمهور) فأنهم ينكرون الرجعة أشد الإنكار ويشنعون على الشيعة وينسبونهم في القول بذلك إلى الابتداع. قال ابن الأثير في النهاية): والرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم ومذهب طائفة من فرق المسلمين من أولي البدع والأهواء؛ يقولون: إن الميت يرجع إلى الحياة الدنيا ويكون فيها حياً كما كان.
واعلم أن المخالفين كانوا في الصدر الأول كثيراً ما ينافون علي بن أبي طالب عليه السلام ليصرفوا وجوه الناس عنه إليهم. فكانوا يسألون عن أحكامه واعتقاداته فيقولون بخلافها ويتكلفون الأدلة على بدع ويؤولون ما يوافق المذهب الحق ويوردون الشُبه التي تخفى على العامة في صورة الحق دليلاً لهم على من لا يفهم وعذراً لهم عمن يفهم. فنصب أئمة الهدى عليهم السلام أدلة الحق الموصلة إلى طريق الرشاد والنافية لحجج أهل الخلاف والعناد. ما بين مجملات وقواعد ومفصلات وشواهد. فمن المجملات والقواعد ما أمروا به وجعلوه أصلاً ينفتح به ألف باب وهو قولهم صلى الله عليهم: خذ بما خالف القوم فان الرشد في خلافهم) والعلة في ذلك أن خلافهم هو قول علي عليه السلام واعتقاده. والرجعة) من ذلك لما أخبر بها هو وأهل بيته، أنكروها غاية الإنكار وأوردوا عليها الشبه تمويهاً على الحق بالباطل 0
سؤال/ ثمة تباين في مسألة الرجعة بين ما تقرأه في قوله تعالى من سورة المؤمنون أية 99ـ ((قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ)) وبين ما نقرأه في الزيارة الجامعة في قولنا<مصدقٌ برجعتكم> فكيف نوفق بين النصّين؟
جواب / مسألة الرجعة هي من الأمور الثابتة ومن المسلّمات عند مذهب الأمامية، والرجعة عبارة عن عودة مجموعة من خُلص المؤمنين في زمان ظهور الأمام المهدي عليه السلام ورجوع سائر أهل البيت عليهم السلام(7) وقد جاء القرآن بصحة ذلك, وتظافرت به الأخبار عن الأمامية بأجمعها عليه إلاّ من شذّ منهم.
والرجعة تشمل أيضاً رجوع مجموعة من الأفراد ممن محض بالكفر والشرك والعناد. إن هؤلاء يعودون جميعاً إلى الحياة الدنيا مرةً أخرى بقدرة الله تعالى، وغني عن القول أن هذا الأمر ممكن وغير ممتنع ذاتاً. وفي مجـال الأخبار الواردة في المسـألة فقد ذكر العلامة المجلسـي أن ما يقارب المأتين من الأخبار والأحاديث نقلت عن أهل البيت عليهم السلام فـي الرجعة. والاعتقاد بها إجمالاً يعد من الواجبات دون أن تكون ثمة ضرورة للعلم بالتفاصيل عن كيفية الرجعة ومدتها ومن تشمل من الأفراد. وجواب الشبهة المثارة في السؤال كيف توفق بين الآية الكريمة التي تتحدث صراحة عن عدم إجابة دعوة الكفار في العودة إلى الدنيا ورد طلبهم من قبل العزيز الحكيم , فيما نقول في عقيدتنا بالرجعة بأن بعض الكفار سيعودون إلى الحياة الدنيا مرة أخرى.
في الواقع إن جوهـر الإجابة يكمن في الالتفات إلى الاختلاف بين الموضوعين فالآية تتحدث عما يتمناه الكافرون من عودة إلى الحياة الدنيا لتحصيل الإيمان لأمنيتهم هذه) أما الرجعة فتكون لبعض الكافرين لهدف آخر غير ما تتحدث عنه الآية الكريمة, إذ هم يعادون إلى الحياة الدنيا بقدرة الله تعالـى ليروا السلطة الإلهية الحقة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقتلون على أيديهم وعلى أيدي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن الواضح أن عودة هؤلاء تتم لهدف أخر ولهـا موضوعها الخاص الذي يختلف عن الهدف والموضوع اللذين تتحدث عنهما الآية مورد السـؤال، فرجعة هؤلاء البعض من الكفار تكون كنوع من الانتقام والجزاء لما اقترفوه من أعمال سيئة في حياتهم الدنيا تماماً كما أن عودة بعض المؤمنين ورجعتهم إلى الدنـيا في زمن الظهور تكون بهدف أن يروا أهدافهم وما كانوا يتمنونه ويسعون إليه في حياتهم الدنيا من قيام سلطة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الأمر في الواقع هو نوع من المجازاة والتعويض عما لاقوه في حياتهـم من متاعب وهمـوم وغموم وآلام. وبعبارة ثانية تسـتطيع أن تقول إن عودة مجموعة من الكفار والمؤمنين إلى الحياة الدنيا وقت الظهور ورجعتهم إليها تكون بمثابة تحقق نوع من مراتب ودرجات الثواب والعقاب لكل منهما وهـي بالتالـي لا تكون بهدف تكميل الإيمان وتحصيله ولا للقيام بالعمل الصالح. لذلك جاءت قضية الرجعة كما يفهم من بعض الأخبار لتعتبر جزء من القيامة حتى أن البعض يذهب إلى تأويل الساعة الواردة في بعض الآيات بأن المقصود منها هو زمان الرجعة كما جاء في بعض الأحاديث إن أيام الله ثلاثة:يوم الظهور ويوم الكرة ويوم القيامة ) وفي رواية أخرى يوم الموت ويوم الكرة ويوم القيامة).
والآن.. لا بأس أن نضع هذه العقيدة على طاولة التشريح، لنطلع على أبعادها وحقيقتها ونعرضها على كتاب الله وسنة رسول الله والعقل، لننظر موقف القرآن والسنة والعقل من هذه العقيدة وهل أن فيها شيئا يدعو الى التهريج والإستهزاء؟!
الرجعة في اللغة:
بالفتح هى المرة في الرجوع ومعناه العود الى الدنيا بعد الموت.
قال ابن فارس: <رَجَع: الراء والجيم والعين، أصلٌ كبير مطرد منقاس، يدل على ردّ وتكرار. تقول: رَجَع يرجع رجوعاً إذا عاد وراجع الرجل امراته وهى الرَجعة والرِجعة... والاسم الرجعة...(8).
الرجعة في الاصطلاح:
وهي عندنا بمعنى رجوع الحجج الإلهية ورجوع الأئمة الطاهرين ورجوع ثلة من المؤمنين وغيرهم إلى الدنيا بعد قيام دولة المهدي.
وقد فسرها البعض برجوع دولة الحق لا رجوع الأموات إلى الدنيا وهو تفسير شاذ لا يقول به مشهور الامامية.
1ـ قال الصدوق: <إن الذي تذهب اليه الشيعة الامامية، اَنّ الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن كان تقدم موته من شيعته وقوماً من أعدائه>.(9)
2ـ وقال المفيد: <اتفقت الامامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وان كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف>.(10)
و قال أيضا: <إنما يرجع الى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان أو محض الكفر محضاً فأما سوى هذين فلارجوع الى يوم المأب>.(11)
توضيح الاختلاف: لعل المراد بالاختلاف الذى اشار اليه الشيخ المفيد هو تأويل بعض الشيعة الامامية، للاخبار المستفيضه في الرجعة الى رجوع دولة الحق، ورجوع الامر والنهي إلى الأئمة عليهم السلام والى شيعتهم واخذهم بمجارى الامور، دون رجوع اعيان الاشخاص. واليه اشار الشيخ الصدوق قائلا: <وانّ قوماً من الشيعة تأوّلوا الرجعة على معناها: رجوع الدولة والامر والنهي من دون رجوع الاشخاص وإحياء الاموات>.(12)
الامكان والوقوع:
قبل الخوض في الادلة واثبات هذه الفكرة، لدينا سؤال يطرح نفسه وهو هل انّ الرجعة امر ممكن ذاتاً ام ممتنع ومحال.
والجواب: لايرى العقل اىّ استبعاد في ذلك ولايراها من الممتنعات العقلية كاجتماع النقيضين والضدين وذلك لان مفاد الرجعة التى نعتقدها هى عبارة عن احياء بعض النفوس في هذه النشأة بعد ما ذاقت الموت وهذا امر ممكن الحصول والوقوع وشي معقول، كيف وهو من رشحات قدرة الخالق تعالى الذي عمّت قدرته جميع الممكنات.
اذن لا يلزم من القول بها محال ولا المنافات للتكليف بل على المستشكل فيها من الالتزام باحد الامرين: اما انكار الصغرى ودعوى ان الرجعة ليست من الامور الممكنة.
او انكار الكبرى ودعوى ان الله ليس بقادر ـ والعياذ بالله ـ على ان يحيي الموتى، وكلاهما في حيَّز المنع بلاريب.
وحينئذ: فلوقامت الادلة الصحيحة على هذه العقيدة والفكرة. فمن اللازم قبولها والالتزام بها، كأىّ عقيدة من العقائد الاسلامية التي تبنّاها المسلمون والتزموا بها نتيجة لقيام البراهين الصحيحة والادلة القاطعة.
هل الرجعة امر واقع؟
قد يقال: هب أنّ الرجعة امر ممكن ولكن هل هو امرٌ واقع؟ اذ ليس كل امر ممكن هو واقع ايضاً.
والجواب: لدينا شواهد قرآنية وأحاديث شريفة ونصوص تاريخية، تصرح بالحياة بعد الموت ـ في هذه الدنياـ وتحقق الرجعة في الامم السابقة وفي هذه الامة المرحومة بالذات وقد صنف بعض علماء السنة في هذا الحقل مصنفات واوردوا قائمة باسماء الذين رجعوا الى الدنيا بعد الموت.هذا ابن ابي الدنيا المولود عام 208 والمتوفى 281 هـ ق ـ المشهور بالتصانيف الكثيرة النافعة الذائعة في الرقائق وغيرها الصدوق الحافظ ـ كما عن ابن كثير(13) ـ والاديب، تراه يخصص مصنفاً من مصنفاته بمن رجع إلى الدنيا ويسميه <من عاش بعد الموت>.
الهدف من الرجعة:
قد يسأل احد عن الهدف من رجوع ثلة من المؤمنين وثلة من الفاسقين الى الدنيا...؟
والجواب: اولا لدينا كثير من الامور في عالم التكوين والتشريع. لم يتضح لنا الغرض والهدف منها وهذا ليس معناه انه لم يكن فيه غرض فليكن هذا منه.
ثانياً، قد يقال ان ذلك لاجل تشفّي المؤمنين حينما يرون عذاب الظالمين والانتقام منهم في الدنيا وذلك لان عذاب الظالمين في الاخرة لم يكن بمنظر من المؤمنين ولعل هذا هو مضمون الحديث يرجع المؤمن لزيادة الفرح والسرور والكافر لزيادة الغم والهم.
ثالثاً: الترغيب والتشجيع للسير نحو الكمال والالتزام بتعاليم الدين الحنيف، كي يوفق بلقاء المعصوم في الدنيا.كما انه تحذير للمنافقين والظالمين ليرتدعوا عن غيِّهم وضلالهم قبل أن يبتلوا بعذاب الدنيا قبل الآخرة وهناك نقاط وجهات أخرى تركناها رعاية للاختصار.
مفهوم الرجعة:
إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود كماً وكيفاً، ويحدث قبل يوم القيامة، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدأوا حياتهم الخالدة، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب وأمرها أعظم من الرجعة.
وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع، فالدليل على إمكان المعاد يمكن أن يقام دليلاً على إمكان الرجعة، والاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية، ولا ريب أنّ جميع المسلمين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم، إذن فجميعهم يذعنون بإمكانية الرجعة.
يقول السيد المرتضىH: إعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحدين في جوازه، وأنّه مقدور لله تعالى، وإنّما الخلاف بينهم في أنّه يوجد لا محالة أو ليس كذلك.ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلاّ خارج عن أقوال أهل التوحيد، لاَنَّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها، وإذا كان عليها قادراً، جاز أن يوجدها متى شاء.(14)
فإذا كان إمكان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ـ حتى قال الآلوسي: وكون الإحياء بعد الإماتة والإرجاع إلى الدنيا من الأمور المدورة له عزَّ وجلَّ ممّا لا ينتطح فيه كبشان، إلاّ أنّ الكلام في وقوعه.(15) إذن فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة ؟ ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها لورود الإخبار الصحيحة المتواترة عن أئمة الهدى عليهم السلام بوقوعها ؟ يقول الشيخ محمد رضا المظفر: لا سبب لاستغراب الرجعة إلاّ أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يُقرّ بها إلى اعترافنا أو يبعدها، وخيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبّل تصديق ما لم يألفه، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول: مَن يُحيي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)) فيقال له: يُحييها الَّذِي أنشَأها أوَلَ مَرةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ)).(16) نعم في مثل ذلك، مما لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته، أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الإلهي، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات، كمعجزة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى.
أدلة الرجعة:
أورد الحر العاملي في الباب الثاني من كتابه الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) اثني عشر دليلاً على صحة الاعتقاد بالرجعة، وأهم ما استدل به الإمامية على ذلك هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمة عليهم السلام المروية في الكتب المعتمدة، وإجماع الطائفة المحقة على ثبوت الرجعة حتى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين، كما استدلوا أيضاً بالآيات القرآنية الدالة على وقوع الرجعة في الأمم السابقة، أو الدالة على وقوعها في المستقبل إما نصاً صريحاً أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها، وفيما يلي نسوق بعض الأدلة نبدأها بالأدلة القرآنية:
أولاً: وقوعها في الأمم السابقة:
لقد حدّثنا القرآن الكريم بصريح العبارة وبما لا يقبل التأويل أو الحمل عن رجوع أقوام من الأمم السابقة إلى الحياة الدنيا رغم ما عرف وثبت من موتهم وخروجهم من الحياة إلى عالم الموتى، فإذا جاز حدوثها في الأزمنة الغابرة، فلم لا يجوز حدوثها مستقبلاً(سُنَّةَ اللهِ في الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبدِيلاً)).(17)
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا عليه السلام: يا أبا الحسن، ما تقول في الرجعة ؟
فقال عليه السلام: <إنّها الحقّ، قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم عليه السلام فصلى خلفه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ثم يرجع الحقّ إلى أهله>.(18)
وفيما يلي نقرأ ونتأمل الآيات الدالة على إحياء الموتى:
الرجعة في الأمم السابقة:
إحياء قوم من بني إسرائيل:
قال تعالى: ((ألم تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لَهُم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم إنَّ اللهَ لذُو فَضلٍ على النَّاسِ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ)).(19)
فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة تدل على أنَّ هؤلاء ماتوا مدة طويلة، ثم أحياهم الله تعالى، فرجعوا إلى الدنيا، وعاشوا مدة طويلة.
قال الشيخ الصدوق: كان هؤلاء سبعين ألف بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كلّ سنة، فيخرج الأغنياء لقُوّتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقول الذين يقيمون: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون، ويقول الذين خرجوا، لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.
فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم، فنزلوا على شاطئ البحر، فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا جميعاً، فكنستهم المارّة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله.
ثم مرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له أرمي(20)، فقال: لو شئت يا ربِّ لأحييتهم، فيعمروا بلادك، ويلدوا عبادك، ويعبدوك مع من يعبدك، فأوحى الله تعالى إليه: أفتحبَّ أن أحييهم لك ؟ قال: نعم. فأحياهم الله تعالى وبعثهم معه، فهؤلاء ماتوا، ورجعوا إلى الدنيا، ثم ماتوا بآجالهم.(21)
فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا بعد الموت، وقد سأل حمران بن أعين الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن هؤلاء، قائلاً: أحياهم حتى نظر الناس إليهم، ثم أماتهم من يومهم، أو ردّهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء؟
قال عليه السلام: <بل ردّهم الله حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله، ثم ماتوا بآجالهم>.(22)
إحياء عزير أو أرميا:
قال تعالى: ((أو كالَّذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عُرُوشِهَا قال أنَّى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتِها فأماتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بعثهُ قال كم لَبِثتَ قال لَبِثتُ يوماً أو بعضَ يومٍ قال بل لَبِثتَ مائةَ عامٍ فانظُر إلى طعامِكَ وشرابِكَ لم يتسنَّه وانظُر إلى حمارِكَ ولنجعَلَكَ آيةً للنَّاسِ وانظُر إلى العِظَام كيفَ نُنشِزُها ثُمَّ نكسُوها لَحمَاً فلمّا تَبينَ لهُ قال أعلمُ أنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ)).(23)
لقد اختلفت الروايات والتفاسير في تحديد هذا الذي مرَّ على قرية، لكنها متّفقة على أنّه مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها، ثم مات بأجله، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا.
قال الطبرسي: الذي مرَّ على قرية هو عزير، وهو المروي عن أبي عبدا لله عليه السلام وقيل: هو أرميا، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.(24)
وهناك أمثلة أخرى وردت في القرآن الكريم على إحياء الموتى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى عليه السلام.
2 ـ إحياء المسيح عليه السلام لبعض الموتى.
3 ـ إحياء أصحاب الكهف.
4 ـ إحياء قتيل في بني إسرائيل كما ورد في سورة البقرة.
5 ـ إحياء أهل أيوب عليه السلام.
ثانياً: الآيات الدالة على وقوعها قبل القيامة:
أولاً: قوله تعالى: ((وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ))(25) إلى قوله تعالى: ((ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ من في السَّماواتِ ومن في الأرض إلاّ من شاءَ اللهُ وكلٌّ أتوهُ داخرينَ)).(26)
من أمعن النظر في سياق الآيات المباركة وما قيل حولها من تفسير، يلاحظ أنّ هناك ثلاثة أحداث مهمة تدلُّ عليها، وهي بمجموعها تدلُّ على علامات تقع بين يدي الساعة وهي:
1 ـ إخراج دابة من الأرض: ((أخرَجَنا لَـهُم دابَّةً من الأرض)).
2 ـ الحشر الخاص: ((ويومَ نَحشُرُ من كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً)).
3 ـ نفخة النشور ثم القيامة: ((ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ))، وسوف نتحدث عمّا في تلك الآيات من دلالة واضحة على الاعتقاد بالرجعة وعلى النحو الآتي:
فالآية الأولى تتعلق بالوقائع التي تحدث قبل يوم القيامة باتّفاق المفسرين، ويدلُّ عليه أيضاً ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <إنَّ بين يدي الساعة الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج والدخان وطلوع الشمس من مغربها>.(27)
استدلال الأئمة عليهم السلام على الرجعة:
لقد استدل أئمة الهدى من آل البيت عليهم السلام بهذه الآية على صحة الاعتقاد بالرجعة، فقد روي عن أبي بصير، أنّه قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: <ينكر أهل العراق الرجعة ؟> قلتُ: نعم، قال: ((أما يقرأون القرآن ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً)) ؟>.(28) وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بالاسناد عن حماد، عن الصادق عليه السلام، قال: ((ما يقول الناس في هذه الآية ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً))؟>. قلتُ: يقولون إنّها في القيامة.
قال عليه السلام: <ليس كما يقولون، إنّ ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلِّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة قوله: ((وَحَشَرناهُم فَلَم نُغادِر مِنهُم أحداً))>.(29)
استدلال أعلام الشيعة:
واستدل بها أيضاً جملة من علماء الشيعة ومفسريهم على صحة عودة الاَموات إلى الحياة قبل يوم القيامة، قال الشيخ المفيد رحمه الله: إنَّ الله تعالى يحيي قوماً من أُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختص به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخبر الله عزَّ وجل في ذكر الحشر الاَكبر يوم القيامة وَحَشَرناهُم فلم نُغادِر منهُم أحداً))(30) ، وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة: ((ويومَ نحشرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً مِمن يُكذِّبُ بآياتِنَا)) فأخبر أنَّ الحشر حشران عام وخاص.(31)
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الاِمامية، بأن قال: أنّ دخول من) في الكلام يوجب التبعيض، فدلّ ذلك على أنَّ اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه(وَحَشَرناهُم فلم نُغادِر منهُم أحداً)). وقد تظافرت الاَخبار عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام في أنّ الله تعالى سيعيد عند قيام القائم عليه السلام قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب في الدنيا من القتل على أيدي شيعته والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته، ولايشكّ عاقل أنَّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: <سيكون في أُمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أنَّ أحدهم دخل جُحر ضبٍّ لدخلتموه>.
الأشكال العقلي في الرجعة:
وبعضهم رام ابطال الرجعة بما زعمه من الدليل العقلي فقال ما حاصله إن الموت بحسب العناية الإلهية لا يطرأ على حيّ حتى يستكمل كمال الحياة ويخرج من القوة الى الفعل في كل ماله من الكمال فرجوعه إلى الدنيا بعد موته رجوع الى القوة وهو بالفعل، هذا محال إلا أن يخبر به مخبر صادق وهو الله سبحانه أو خليفة من خلفائه كما أخبر به في قصص موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام وغيرهم.
ولم يرو منه تعالى ولا منهم في أمر الرجعة شيء وما يتمسك به المثبتون غير تام، ثم أخذ في تضعيف الروايات فلم يدع منها صحيحة ولا سقيمة، هذا ولم يدر هذا المسكين أنّ دليله هذا لو تم دليلا عقلاً أبطل صدره ذيله، فما كان محالا ذاتياً لم يقبل استثنائاً ولم ينقلب باخبار المخبر الصادق ممكناً وأن المخبر بوقوع المحال لا يكون صادقاً ولو فرض صدقه في اخباره اوجب ذلك اضطراراً تأويل كلامه الى ما يكون ممكناً كما لو أخبر بأن الواحد ليس نصف الاثنين وان كل صادق فهو بعينه كاذب.
وما ذكره من امتناع عود ما خرج من القوه الى الفعل، الى القوه ثانياً، حق لكن الصغرى ممنوعة، فانه انما يلزم المحال المذكور في احياء الموتى ورجوعهم الى الدنيا بعد الخروج عنها اذا كان ذلك بعد الموت الطبيعى الذى افترضوه وهو أن تفارق النفس البدن بعد خروجها من القوة الى الفعل خروجاً تاماً مفارقتها البدن بطباعها واما الموت الاخترامي الذي يكون بقسر قاسر، كقتل او مرض فلا يستلزم الرجوع الى الدنيا بعده محذوراً فان من الجائز ان يستعد الانسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الاولى، فيموت ثم يحيى لحيازة الكمال المعدّ له في الزمان الثانى، او يستعد لكمال مشروط بتخلل حياة ما في البرزخ فيعود الى الدنيا بعد استيفاء الشرط. فيجوز على احد الفرضين الرجعة الى الدنيا من غير محذور المحال...
الجواب عن مناقشة الروايات: واما ما ناقشه في كل واحد من الروايات ففيه: أن الروايات متواترةٌ معنى عن أئمة اهل البيت، حتى عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة وأئمتهم من لدن الصدر الاول. والتواتر لايبطل بقبول آحاد الروايات للخدشة والمناقشة، على أن عدة من الايات النازلة فيها، والروايات الوارده فيها تامة الدلالة قابلة للاعتماد.... والروايات المثبة للرجعة وان كانت مختلفة الاحاد الا أنها على كثرتها متحدة في معنى واحد وهو أن سير النظام الدنيوي متوجه الى يوم تظهر فيه آيات الله كل الظهور، فلا يعصى فيه سبحانه وتعالى، بل يعبد عبادة خالصة لايشوبها هوى نفس ولا يعتريه اغواء الشيطان ويعود فيه بعض الاموات من اولياء الله تعالى وأعدائه الى الدنيا ويفصل الحق من الباطل.
وهذا يفيد أن يوم الرجعة من مراتب يوم القيامة وان كان دونه في الظهور لامكان الشر والفساد فيه في الجملة دون يوم القيامة ولذلك ربما ألحق به يوم ظهور المهدي عليه السلام أيضاً تمام الظهور وان كان هو أيضاً دون الرجعة.
وقد ورد عن ائمة اهل البيت: أيام الله ثلاثة: يوم الظهور ويوم الكرة ويوم القيامة.
وفي بعضها: أيام الله ثلاثة يوم الموت ويوم الكرة ويوم القيامة وهذا المعنى أعنى الاتحاد بحسب الحقيقة والاختلاف بحسب المراتب هو الموجب لما ورد من تفسيرهم عليهم السلام. بعض الايات بالقيامة تارة وبالرجعة أخرى وبالظهور ثالثة وقد عرفت.... أن هذا اليوم ممكن في نفسه بل واقع، ولا دليل مع المنكر يدل على نفيه>.(32)
الاستدلال بالقرآن الكريم:
بعد هذا البسط والتفصيل من الاستدلال والشواهد لا يبقى مجال للشبهة والاشكال، لمن له اذن صاغية وترك اللجاج والعصبية واراد فهم الحقائق، ولكن لأجل تكملة البحث نتطرّق لبعض الآيات الكريمة التي استدل بها علماؤنا وان كانت الايات في غاية الوضوح والظهور:
1 ـ وحرام على قرية اهلكناها أنهم لا يرجعون(33) وهى من اعظم الدلائل القرآنية في الرجعة، لان أحداً من أهل الإسلام لا ينكر ان الناس كلهم يرجعون إلى القيامة: من هلك منهم ومن لم يهلك... فلابد ان يكون المراد بقوله تعالى لا يرجعون)) غير القيامة وهو الرجعة ـ في الدنيا، أما القيامة: فيرجعون حتى يدخلوا النار.
هذه الآية الشريفة اكبر برهان على صحة القول بالرجعة ضرورة أنه في الرجعة الكبرى جميع الخلق يحشرون، فتخصيصه تبارك وتعالى بمن أهلكه بالعذاب أقوى دليل عليه نظير ما يأتي في قوله تعالى: يوم نحشر من كل امة فوجاً)).(34)
الهوامش:
(1) من البحوث المشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الاشرف في 22/ تموز/ 2007م.
(2) سورة الكهف:الآية 47.
(3) سورة الإسراء: لآية 5.
(4) سورة الدخان الآيات 16،15،11،10.
(5) سورة الدخان الآيات 16،15،11،10.
(6) سورة الدخان الآيات 16،15،11،10.
(7) الشيخ المفيد في الرجعة.
(8) معجم مقائيس اللغة، ج 2، ص 490.
(9) اعيان الشيعة، 1، 132.
(10) اوائل المقالات، 46.
(11) تصحيح الاعتقاد، 90.
(12) الاعتقادات: 76.اعيان الشيعة، 1، 132.
(13) البداية والنهاية، 11، 71.
(14) رسائل الشريف المرتضى 3: 135 ـ الدمشقيات ـ دار القرآن الكريم ـ قم.
(15) روح المعاني 20: 27 دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(16) سورة يس 36: 78 ـ 79.
(17) سورة الأحزاب 33: 62.
(18) بحار الأنوار 53: 59 | 45.
(19) سورة البقرة 2: 243.
(20) في رواية الشيخ الكليني في الكافي 8: 170 | 237 عن الإمام الباقر عليه السلام ورواية السيوطي عن السدّي عن أبي مالك وغيره: يقال له حزقيل.
(21) الاعتقادات، للصدوق: 60 نشر مؤتمر الذكرى الألفية للشيخ المفيد. والدر المنثور، للسيوطي 1: 741 ـ 743 دار الفكر ـ بيروت.
(22) تفسير العياشي 1: 130 | 433 المكتبة العلمية ـ طهران.
(23) سورة البقرة 2: 259.
(24) مجمع البيان، للطبرسي 2: 639 دار المعرفة ـ بيروت.
(25) سورة النمل 27: 82 ـ 84.
(26) سورة النمل 27: 87.
(27) الدر المنثور، للسيوطي 6: 380.
(28) مختصر بصائر الدرجات: 25. وبحار الاَنوار، للمجلسي 53: 40 | 6. والايقاظ من الهجعة: 278 | 91. والرجعة، للاسترآبادي: 55 | 30.
(29) تفسير القمي 1: 24. ومختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 41. وبحار الاَنوار 53: 60 | 49. والرجعة، للاسترآبادي: 77 | 48.
(30) سورة الكهف 18: 47.
(31) المسائل السروية، تحقيق الاُستاذ صائب عبدالحميد: 33 نشر مؤتمر الشيخ المفيد رحمه الله.
(32) تفسير الميزان، 2، 108.
(33) الأنبياء، 95.
(34) الشيعة والرجعة، 2، 161.
http://www.alentedar.com/alentedar_adad12/page07.htm
الأستاذ: ولاء أياد طه
رابطة وحدة الكلمة ـ بابل تكثر في الآونة الأخيرة وفي أيامنا هذه تداعيات كثيرة حول موضوع الأمام صاحب الزمان، وتنقل لنا وسائل الأعلام أن أكثر بني البشر الذين يؤمنون بالرسالات السماوية وغيرهم يأملون حضور شخص يسمى لديهم المخلِّص) أو المصلح الأكبر في آخر الزمان، وكلا الفريقين يترقب بشغف البشارات والعلامات السماوية والأحداث على الأرض. ونحن شيعة أهل البيت عليهم السلام من أكثر الشعوب والأمم والمذاهب انتظاراً للفرج الشريف والنور الأكبر. حيث يود كثير من المؤمنين الأحياء أن يكونوا في عصر الظهور ليتشرفوا بالطلعة البهية والنور العظيم والفوز الأكبر جنباً إلى جنب مع قائم آل محمد عليه السلام، وتصدح حناجرهم بالدعاء ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً للإمام بالفرج، حتى ندب كثير من المؤمنين نفسه للتصدق عن الإمام تعجيلاً للفرج وحرصاً على الدعاء بدعائي العهد والندبة يوم الجمعة 000 وبالرجوع إلى مضمون الأدعية نجد تمني المؤمنين ممن محض الأيمان الرجوع مع قائم آل محمد إلى الحياة الدنيا.
اعلم إن الرجعة سر من إسرار الله والقول بها من ثمار الإيمان بالغيب.
و المراد بها رجوع الأئمة عليهم السلام وشيعتهم وأعدائهم ممن محض من الفريقين الإيمان أو الكفر محضاً، فان من أهلكه الله في الدنيا بالعذاب لا يرجع إلى الدنيا. قال الله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)). الآية 95 الأنبياء
روى القمي عنهما عليهما السلام قال <كل قرية اهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة>.
وقال الصادق عليه السلام.. والدليل على أن هذا في الرجعة قوله تعالى ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا)) قال: <الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام..>.
فقال الرجل: إن العامة تزعم إن قوله تعالى: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً))، يعنى في يوم القيامة؟
فقال عليه السلام..: أفيحشر الله عز وجل يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا، ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة فهي: ((وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)).(2)
وعنه عليه السلام: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا ويرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الأيمان محضاً ومحض الكفر محضاً).
وفي الكافي عنه عليه السلام في قوله تعالى: ((بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)).(3)
إنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وتراً لآل محمد إلا قتلوه.
وبقوله تعالى: ((يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ))(4) في حديث أشراط الساعة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أول الآيات الدخان ؛ ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر ؛ قيل: وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية، وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).
وفي تفسير على بن إبراهيم قال: <ذلك في الرجعة من القبر... إلى أن قال: ثم قال: ((إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ))(5) يعني يوم القيامة 0 ولو كان قوله: ((يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)) في القيامة لم يقل: ((إِنَّكُمْ عائِدُونَ)) لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها 0 ثم قال: ((يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى..))(6) يعني في القيامة ((إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)) أنتهى0
أقول: قوله: من قعر عدن أبين ) معنى أبين أسم رجل وهو الثاني من الأعرابيين. وعدن اسم موضع؛ يعني النار التي تسوق الناس من مسببات مضمرات فتن باطن ذلك الأعرابي.
وفي الجملة قول للأكثرين من الإمامية للأخبار المتكثرة المتواترة معنى والآيات الكثيرة.وقد أنكرها بعض الأمامية ولم يثبت إلا خروج القائم عليه السلام لأنه من المجمع عليه بين المسلمين وإن اختلفوا في القائم على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: عيسى بن مريم عليه السلام ومنهم من قال: هو المهدي من بني العباس، كما رجحه ابن حجر في الصواعق). ومنهم من قال: هو محمد بن الحسن العسكري،وهو قول جميع شيعة أهل البيت عليهم السلام وقليل من الجمهور.
وأما الجمهور) فأنهم ينكرون الرجعة أشد الإنكار ويشنعون على الشيعة وينسبونهم في القول بذلك إلى الابتداع. قال ابن الأثير في النهاية): والرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم ومذهب طائفة من فرق المسلمين من أولي البدع والأهواء؛ يقولون: إن الميت يرجع إلى الحياة الدنيا ويكون فيها حياً كما كان.
واعلم أن المخالفين كانوا في الصدر الأول كثيراً ما ينافون علي بن أبي طالب عليه السلام ليصرفوا وجوه الناس عنه إليهم. فكانوا يسألون عن أحكامه واعتقاداته فيقولون بخلافها ويتكلفون الأدلة على بدع ويؤولون ما يوافق المذهب الحق ويوردون الشُبه التي تخفى على العامة في صورة الحق دليلاً لهم على من لا يفهم وعذراً لهم عمن يفهم. فنصب أئمة الهدى عليهم السلام أدلة الحق الموصلة إلى طريق الرشاد والنافية لحجج أهل الخلاف والعناد. ما بين مجملات وقواعد ومفصلات وشواهد. فمن المجملات والقواعد ما أمروا به وجعلوه أصلاً ينفتح به ألف باب وهو قولهم صلى الله عليهم: خذ بما خالف القوم فان الرشد في خلافهم) والعلة في ذلك أن خلافهم هو قول علي عليه السلام واعتقاده. والرجعة) من ذلك لما أخبر بها هو وأهل بيته، أنكروها غاية الإنكار وأوردوا عليها الشبه تمويهاً على الحق بالباطل 0
سؤال/ ثمة تباين في مسألة الرجعة بين ما تقرأه في قوله تعالى من سورة المؤمنون أية 99ـ ((قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ)) وبين ما نقرأه في الزيارة الجامعة في قولنا<مصدقٌ برجعتكم> فكيف نوفق بين النصّين؟
جواب / مسألة الرجعة هي من الأمور الثابتة ومن المسلّمات عند مذهب الأمامية، والرجعة عبارة عن عودة مجموعة من خُلص المؤمنين في زمان ظهور الأمام المهدي عليه السلام ورجوع سائر أهل البيت عليهم السلام(7) وقد جاء القرآن بصحة ذلك, وتظافرت به الأخبار عن الأمامية بأجمعها عليه إلاّ من شذّ منهم.
والرجعة تشمل أيضاً رجوع مجموعة من الأفراد ممن محض بالكفر والشرك والعناد. إن هؤلاء يعودون جميعاً إلى الحياة الدنيا مرةً أخرى بقدرة الله تعالى، وغني عن القول أن هذا الأمر ممكن وغير ممتنع ذاتاً. وفي مجـال الأخبار الواردة في المسـألة فقد ذكر العلامة المجلسـي أن ما يقارب المأتين من الأخبار والأحاديث نقلت عن أهل البيت عليهم السلام فـي الرجعة. والاعتقاد بها إجمالاً يعد من الواجبات دون أن تكون ثمة ضرورة للعلم بالتفاصيل عن كيفية الرجعة ومدتها ومن تشمل من الأفراد. وجواب الشبهة المثارة في السؤال كيف توفق بين الآية الكريمة التي تتحدث صراحة عن عدم إجابة دعوة الكفار في العودة إلى الدنيا ورد طلبهم من قبل العزيز الحكيم , فيما نقول في عقيدتنا بالرجعة بأن بعض الكفار سيعودون إلى الحياة الدنيا مرة أخرى.
في الواقع إن جوهـر الإجابة يكمن في الالتفات إلى الاختلاف بين الموضوعين فالآية تتحدث عما يتمناه الكافرون من عودة إلى الحياة الدنيا لتحصيل الإيمان لأمنيتهم هذه) أما الرجعة فتكون لبعض الكافرين لهدف آخر غير ما تتحدث عنه الآية الكريمة, إذ هم يعادون إلى الحياة الدنيا بقدرة الله تعالـى ليروا السلطة الإلهية الحقة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقتلون على أيديهم وعلى أيدي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن الواضح أن عودة هؤلاء تتم لهدف أخر ولهـا موضوعها الخاص الذي يختلف عن الهدف والموضوع اللذين تتحدث عنهما الآية مورد السـؤال، فرجعة هؤلاء البعض من الكفار تكون كنوع من الانتقام والجزاء لما اقترفوه من أعمال سيئة في حياتهم الدنيا تماماً كما أن عودة بعض المؤمنين ورجعتهم إلى الدنـيا في زمن الظهور تكون بهدف أن يروا أهدافهم وما كانوا يتمنونه ويسعون إليه في حياتهم الدنيا من قيام سلطة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الأمر في الواقع هو نوع من المجازاة والتعويض عما لاقوه في حياتهـم من متاعب وهمـوم وغموم وآلام. وبعبارة ثانية تسـتطيع أن تقول إن عودة مجموعة من الكفار والمؤمنين إلى الحياة الدنيا وقت الظهور ورجعتهم إليها تكون بمثابة تحقق نوع من مراتب ودرجات الثواب والعقاب لكل منهما وهـي بالتالـي لا تكون بهدف تكميل الإيمان وتحصيله ولا للقيام بالعمل الصالح. لذلك جاءت قضية الرجعة كما يفهم من بعض الأخبار لتعتبر جزء من القيامة حتى أن البعض يذهب إلى تأويل الساعة الواردة في بعض الآيات بأن المقصود منها هو زمان الرجعة كما جاء في بعض الأحاديث إن أيام الله ثلاثة:يوم الظهور ويوم الكرة ويوم القيامة ) وفي رواية أخرى يوم الموت ويوم الكرة ويوم القيامة).
والآن.. لا بأس أن نضع هذه العقيدة على طاولة التشريح، لنطلع على أبعادها وحقيقتها ونعرضها على كتاب الله وسنة رسول الله والعقل، لننظر موقف القرآن والسنة والعقل من هذه العقيدة وهل أن فيها شيئا يدعو الى التهريج والإستهزاء؟!
الرجعة في اللغة:
بالفتح هى المرة في الرجوع ومعناه العود الى الدنيا بعد الموت.
قال ابن فارس: <رَجَع: الراء والجيم والعين، أصلٌ كبير مطرد منقاس، يدل على ردّ وتكرار. تقول: رَجَع يرجع رجوعاً إذا عاد وراجع الرجل امراته وهى الرَجعة والرِجعة... والاسم الرجعة...(8).
الرجعة في الاصطلاح:
وهي عندنا بمعنى رجوع الحجج الإلهية ورجوع الأئمة الطاهرين ورجوع ثلة من المؤمنين وغيرهم إلى الدنيا بعد قيام دولة المهدي.
وقد فسرها البعض برجوع دولة الحق لا رجوع الأموات إلى الدنيا وهو تفسير شاذ لا يقول به مشهور الامامية.
1ـ قال الصدوق: <إن الذي تذهب اليه الشيعة الامامية، اَنّ الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن كان تقدم موته من شيعته وقوماً من أعدائه>.(9)
2ـ وقال المفيد: <اتفقت الامامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وان كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف>.(10)
و قال أيضا: <إنما يرجع الى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان أو محض الكفر محضاً فأما سوى هذين فلارجوع الى يوم المأب>.(11)
توضيح الاختلاف: لعل المراد بالاختلاف الذى اشار اليه الشيخ المفيد هو تأويل بعض الشيعة الامامية، للاخبار المستفيضه في الرجعة الى رجوع دولة الحق، ورجوع الامر والنهي إلى الأئمة عليهم السلام والى شيعتهم واخذهم بمجارى الامور، دون رجوع اعيان الاشخاص. واليه اشار الشيخ الصدوق قائلا: <وانّ قوماً من الشيعة تأوّلوا الرجعة على معناها: رجوع الدولة والامر والنهي من دون رجوع الاشخاص وإحياء الاموات>.(12)
الامكان والوقوع:
قبل الخوض في الادلة واثبات هذه الفكرة، لدينا سؤال يطرح نفسه وهو هل انّ الرجعة امر ممكن ذاتاً ام ممتنع ومحال.
والجواب: لايرى العقل اىّ استبعاد في ذلك ولايراها من الممتنعات العقلية كاجتماع النقيضين والضدين وذلك لان مفاد الرجعة التى نعتقدها هى عبارة عن احياء بعض النفوس في هذه النشأة بعد ما ذاقت الموت وهذا امر ممكن الحصول والوقوع وشي معقول، كيف وهو من رشحات قدرة الخالق تعالى الذي عمّت قدرته جميع الممكنات.
اذن لا يلزم من القول بها محال ولا المنافات للتكليف بل على المستشكل فيها من الالتزام باحد الامرين: اما انكار الصغرى ودعوى ان الرجعة ليست من الامور الممكنة.
او انكار الكبرى ودعوى ان الله ليس بقادر ـ والعياذ بالله ـ على ان يحيي الموتى، وكلاهما في حيَّز المنع بلاريب.
وحينئذ: فلوقامت الادلة الصحيحة على هذه العقيدة والفكرة. فمن اللازم قبولها والالتزام بها، كأىّ عقيدة من العقائد الاسلامية التي تبنّاها المسلمون والتزموا بها نتيجة لقيام البراهين الصحيحة والادلة القاطعة.
هل الرجعة امر واقع؟
قد يقال: هب أنّ الرجعة امر ممكن ولكن هل هو امرٌ واقع؟ اذ ليس كل امر ممكن هو واقع ايضاً.
والجواب: لدينا شواهد قرآنية وأحاديث شريفة ونصوص تاريخية، تصرح بالحياة بعد الموت ـ في هذه الدنياـ وتحقق الرجعة في الامم السابقة وفي هذه الامة المرحومة بالذات وقد صنف بعض علماء السنة في هذا الحقل مصنفات واوردوا قائمة باسماء الذين رجعوا الى الدنيا بعد الموت.هذا ابن ابي الدنيا المولود عام 208 والمتوفى 281 هـ ق ـ المشهور بالتصانيف الكثيرة النافعة الذائعة في الرقائق وغيرها الصدوق الحافظ ـ كما عن ابن كثير(13) ـ والاديب، تراه يخصص مصنفاً من مصنفاته بمن رجع إلى الدنيا ويسميه <من عاش بعد الموت>.
الهدف من الرجعة:
قد يسأل احد عن الهدف من رجوع ثلة من المؤمنين وثلة من الفاسقين الى الدنيا...؟
والجواب: اولا لدينا كثير من الامور في عالم التكوين والتشريع. لم يتضح لنا الغرض والهدف منها وهذا ليس معناه انه لم يكن فيه غرض فليكن هذا منه.
ثانياً، قد يقال ان ذلك لاجل تشفّي المؤمنين حينما يرون عذاب الظالمين والانتقام منهم في الدنيا وذلك لان عذاب الظالمين في الاخرة لم يكن بمنظر من المؤمنين ولعل هذا هو مضمون الحديث يرجع المؤمن لزيادة الفرح والسرور والكافر لزيادة الغم والهم.
ثالثاً: الترغيب والتشجيع للسير نحو الكمال والالتزام بتعاليم الدين الحنيف، كي يوفق بلقاء المعصوم في الدنيا.كما انه تحذير للمنافقين والظالمين ليرتدعوا عن غيِّهم وضلالهم قبل أن يبتلوا بعذاب الدنيا قبل الآخرة وهناك نقاط وجهات أخرى تركناها رعاية للاختصار.
مفهوم الرجعة:
إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود كماً وكيفاً، ويحدث قبل يوم القيامة، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدأوا حياتهم الخالدة، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب وأمرها أعظم من الرجعة.
وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع، فالدليل على إمكان المعاد يمكن أن يقام دليلاً على إمكان الرجعة، والاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية، ولا ريب أنّ جميع المسلمين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم، إذن فجميعهم يذعنون بإمكانية الرجعة.
يقول السيد المرتضىH: إعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحدين في جوازه، وأنّه مقدور لله تعالى، وإنّما الخلاف بينهم في أنّه يوجد لا محالة أو ليس كذلك.ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلاّ خارج عن أقوال أهل التوحيد، لاَنَّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها، وإذا كان عليها قادراً، جاز أن يوجدها متى شاء.(14)
فإذا كان إمكان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ـ حتى قال الآلوسي: وكون الإحياء بعد الإماتة والإرجاع إلى الدنيا من الأمور المدورة له عزَّ وجلَّ ممّا لا ينتطح فيه كبشان، إلاّ أنّ الكلام في وقوعه.(15) إذن فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة ؟ ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها لورود الإخبار الصحيحة المتواترة عن أئمة الهدى عليهم السلام بوقوعها ؟ يقول الشيخ محمد رضا المظفر: لا سبب لاستغراب الرجعة إلاّ أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يُقرّ بها إلى اعترافنا أو يبعدها، وخيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبّل تصديق ما لم يألفه، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول: مَن يُحيي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)) فيقال له: يُحييها الَّذِي أنشَأها أوَلَ مَرةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ)).(16) نعم في مثل ذلك، مما لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته، أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الإلهي، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات، كمعجزة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى.
أدلة الرجعة:
أورد الحر العاملي في الباب الثاني من كتابه الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) اثني عشر دليلاً على صحة الاعتقاد بالرجعة، وأهم ما استدل به الإمامية على ذلك هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمة عليهم السلام المروية في الكتب المعتمدة، وإجماع الطائفة المحقة على ثبوت الرجعة حتى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين، كما استدلوا أيضاً بالآيات القرآنية الدالة على وقوع الرجعة في الأمم السابقة، أو الدالة على وقوعها في المستقبل إما نصاً صريحاً أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها، وفيما يلي نسوق بعض الأدلة نبدأها بالأدلة القرآنية:
أولاً: وقوعها في الأمم السابقة:
لقد حدّثنا القرآن الكريم بصريح العبارة وبما لا يقبل التأويل أو الحمل عن رجوع أقوام من الأمم السابقة إلى الحياة الدنيا رغم ما عرف وثبت من موتهم وخروجهم من الحياة إلى عالم الموتى، فإذا جاز حدوثها في الأزمنة الغابرة، فلم لا يجوز حدوثها مستقبلاً(سُنَّةَ اللهِ في الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبدِيلاً)).(17)
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا عليه السلام: يا أبا الحسن، ما تقول في الرجعة ؟
فقال عليه السلام: <إنّها الحقّ، قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم عليه السلام فصلى خلفه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ثم يرجع الحقّ إلى أهله>.(18)
وفيما يلي نقرأ ونتأمل الآيات الدالة على إحياء الموتى:
الرجعة في الأمم السابقة:
إحياء قوم من بني إسرائيل:
قال تعالى: ((ألم تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لَهُم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم إنَّ اللهَ لذُو فَضلٍ على النَّاسِ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ)).(19)
فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة تدل على أنَّ هؤلاء ماتوا مدة طويلة، ثم أحياهم الله تعالى، فرجعوا إلى الدنيا، وعاشوا مدة طويلة.
قال الشيخ الصدوق: كان هؤلاء سبعين ألف بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كلّ سنة، فيخرج الأغنياء لقُوّتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقول الذين يقيمون: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون، ويقول الذين خرجوا، لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.
فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم، فنزلوا على شاطئ البحر، فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا جميعاً، فكنستهم المارّة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله.
ثم مرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له أرمي(20)، فقال: لو شئت يا ربِّ لأحييتهم، فيعمروا بلادك، ويلدوا عبادك، ويعبدوك مع من يعبدك، فأوحى الله تعالى إليه: أفتحبَّ أن أحييهم لك ؟ قال: نعم. فأحياهم الله تعالى وبعثهم معه، فهؤلاء ماتوا، ورجعوا إلى الدنيا، ثم ماتوا بآجالهم.(21)
فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا بعد الموت، وقد سأل حمران بن أعين الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن هؤلاء، قائلاً: أحياهم حتى نظر الناس إليهم، ثم أماتهم من يومهم، أو ردّهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء؟
قال عليه السلام: <بل ردّهم الله حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله، ثم ماتوا بآجالهم>.(22)
إحياء عزير أو أرميا:
قال تعالى: ((أو كالَّذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عُرُوشِهَا قال أنَّى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتِها فأماتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بعثهُ قال كم لَبِثتَ قال لَبِثتُ يوماً أو بعضَ يومٍ قال بل لَبِثتَ مائةَ عامٍ فانظُر إلى طعامِكَ وشرابِكَ لم يتسنَّه وانظُر إلى حمارِكَ ولنجعَلَكَ آيةً للنَّاسِ وانظُر إلى العِظَام كيفَ نُنشِزُها ثُمَّ نكسُوها لَحمَاً فلمّا تَبينَ لهُ قال أعلمُ أنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ)).(23)
لقد اختلفت الروايات والتفاسير في تحديد هذا الذي مرَّ على قرية، لكنها متّفقة على أنّه مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها، ثم مات بأجله، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا.
قال الطبرسي: الذي مرَّ على قرية هو عزير، وهو المروي عن أبي عبدا لله عليه السلام وقيل: هو أرميا، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.(24)
وهناك أمثلة أخرى وردت في القرآن الكريم على إحياء الموتى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى عليه السلام.
2 ـ إحياء المسيح عليه السلام لبعض الموتى.
3 ـ إحياء أصحاب الكهف.
4 ـ إحياء قتيل في بني إسرائيل كما ورد في سورة البقرة.
5 ـ إحياء أهل أيوب عليه السلام.
ثانياً: الآيات الدالة على وقوعها قبل القيامة:
أولاً: قوله تعالى: ((وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ))(25) إلى قوله تعالى: ((ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ من في السَّماواتِ ومن في الأرض إلاّ من شاءَ اللهُ وكلٌّ أتوهُ داخرينَ)).(26)
من أمعن النظر في سياق الآيات المباركة وما قيل حولها من تفسير، يلاحظ أنّ هناك ثلاثة أحداث مهمة تدلُّ عليها، وهي بمجموعها تدلُّ على علامات تقع بين يدي الساعة وهي:
1 ـ إخراج دابة من الأرض: ((أخرَجَنا لَـهُم دابَّةً من الأرض)).
2 ـ الحشر الخاص: ((ويومَ نَحشُرُ من كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً)).
3 ـ نفخة النشور ثم القيامة: ((ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ))، وسوف نتحدث عمّا في تلك الآيات من دلالة واضحة على الاعتقاد بالرجعة وعلى النحو الآتي:
فالآية الأولى تتعلق بالوقائع التي تحدث قبل يوم القيامة باتّفاق المفسرين، ويدلُّ عليه أيضاً ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <إنَّ بين يدي الساعة الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج والدخان وطلوع الشمس من مغربها>.(27)
استدلال الأئمة عليهم السلام على الرجعة:
لقد استدل أئمة الهدى من آل البيت عليهم السلام بهذه الآية على صحة الاعتقاد بالرجعة، فقد روي عن أبي بصير، أنّه قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: <ينكر أهل العراق الرجعة ؟> قلتُ: نعم، قال: ((أما يقرأون القرآن ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً)) ؟>.(28) وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بالاسناد عن حماد، عن الصادق عليه السلام، قال: ((ما يقول الناس في هذه الآية ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً))؟>. قلتُ: يقولون إنّها في القيامة.
قال عليه السلام: <ليس كما يقولون، إنّ ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلِّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة قوله: ((وَحَشَرناهُم فَلَم نُغادِر مِنهُم أحداً))>.(29)
استدلال أعلام الشيعة:
واستدل بها أيضاً جملة من علماء الشيعة ومفسريهم على صحة عودة الاَموات إلى الحياة قبل يوم القيامة، قال الشيخ المفيد رحمه الله: إنَّ الله تعالى يحيي قوماً من أُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختص به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخبر الله عزَّ وجل في ذكر الحشر الاَكبر يوم القيامة وَحَشَرناهُم فلم نُغادِر منهُم أحداً))(30) ، وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة: ((ويومَ نحشرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً مِمن يُكذِّبُ بآياتِنَا)) فأخبر أنَّ الحشر حشران عام وخاص.(31)
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الاِمامية، بأن قال: أنّ دخول من) في الكلام يوجب التبعيض، فدلّ ذلك على أنَّ اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه(وَحَشَرناهُم فلم نُغادِر منهُم أحداً)). وقد تظافرت الاَخبار عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام في أنّ الله تعالى سيعيد عند قيام القائم عليه السلام قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب في الدنيا من القتل على أيدي شيعته والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته، ولايشكّ عاقل أنَّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: <سيكون في أُمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أنَّ أحدهم دخل جُحر ضبٍّ لدخلتموه>.
الأشكال العقلي في الرجعة:
وبعضهم رام ابطال الرجعة بما زعمه من الدليل العقلي فقال ما حاصله إن الموت بحسب العناية الإلهية لا يطرأ على حيّ حتى يستكمل كمال الحياة ويخرج من القوة الى الفعل في كل ماله من الكمال فرجوعه إلى الدنيا بعد موته رجوع الى القوة وهو بالفعل، هذا محال إلا أن يخبر به مخبر صادق وهو الله سبحانه أو خليفة من خلفائه كما أخبر به في قصص موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام وغيرهم.
ولم يرو منه تعالى ولا منهم في أمر الرجعة شيء وما يتمسك به المثبتون غير تام، ثم أخذ في تضعيف الروايات فلم يدع منها صحيحة ولا سقيمة، هذا ولم يدر هذا المسكين أنّ دليله هذا لو تم دليلا عقلاً أبطل صدره ذيله، فما كان محالا ذاتياً لم يقبل استثنائاً ولم ينقلب باخبار المخبر الصادق ممكناً وأن المخبر بوقوع المحال لا يكون صادقاً ولو فرض صدقه في اخباره اوجب ذلك اضطراراً تأويل كلامه الى ما يكون ممكناً كما لو أخبر بأن الواحد ليس نصف الاثنين وان كل صادق فهو بعينه كاذب.
وما ذكره من امتناع عود ما خرج من القوه الى الفعل، الى القوه ثانياً، حق لكن الصغرى ممنوعة، فانه انما يلزم المحال المذكور في احياء الموتى ورجوعهم الى الدنيا بعد الخروج عنها اذا كان ذلك بعد الموت الطبيعى الذى افترضوه وهو أن تفارق النفس البدن بعد خروجها من القوة الى الفعل خروجاً تاماً مفارقتها البدن بطباعها واما الموت الاخترامي الذي يكون بقسر قاسر، كقتل او مرض فلا يستلزم الرجوع الى الدنيا بعده محذوراً فان من الجائز ان يستعد الانسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الاولى، فيموت ثم يحيى لحيازة الكمال المعدّ له في الزمان الثانى، او يستعد لكمال مشروط بتخلل حياة ما في البرزخ فيعود الى الدنيا بعد استيفاء الشرط. فيجوز على احد الفرضين الرجعة الى الدنيا من غير محذور المحال...
الجواب عن مناقشة الروايات: واما ما ناقشه في كل واحد من الروايات ففيه: أن الروايات متواترةٌ معنى عن أئمة اهل البيت، حتى عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة وأئمتهم من لدن الصدر الاول. والتواتر لايبطل بقبول آحاد الروايات للخدشة والمناقشة، على أن عدة من الايات النازلة فيها، والروايات الوارده فيها تامة الدلالة قابلة للاعتماد.... والروايات المثبة للرجعة وان كانت مختلفة الاحاد الا أنها على كثرتها متحدة في معنى واحد وهو أن سير النظام الدنيوي متوجه الى يوم تظهر فيه آيات الله كل الظهور، فلا يعصى فيه سبحانه وتعالى، بل يعبد عبادة خالصة لايشوبها هوى نفس ولا يعتريه اغواء الشيطان ويعود فيه بعض الاموات من اولياء الله تعالى وأعدائه الى الدنيا ويفصل الحق من الباطل.
وهذا يفيد أن يوم الرجعة من مراتب يوم القيامة وان كان دونه في الظهور لامكان الشر والفساد فيه في الجملة دون يوم القيامة ولذلك ربما ألحق به يوم ظهور المهدي عليه السلام أيضاً تمام الظهور وان كان هو أيضاً دون الرجعة.
وقد ورد عن ائمة اهل البيت: أيام الله ثلاثة: يوم الظهور ويوم الكرة ويوم القيامة.
وفي بعضها: أيام الله ثلاثة يوم الموت ويوم الكرة ويوم القيامة وهذا المعنى أعنى الاتحاد بحسب الحقيقة والاختلاف بحسب المراتب هو الموجب لما ورد من تفسيرهم عليهم السلام. بعض الايات بالقيامة تارة وبالرجعة أخرى وبالظهور ثالثة وقد عرفت.... أن هذا اليوم ممكن في نفسه بل واقع، ولا دليل مع المنكر يدل على نفيه>.(32)
الاستدلال بالقرآن الكريم:
بعد هذا البسط والتفصيل من الاستدلال والشواهد لا يبقى مجال للشبهة والاشكال، لمن له اذن صاغية وترك اللجاج والعصبية واراد فهم الحقائق، ولكن لأجل تكملة البحث نتطرّق لبعض الآيات الكريمة التي استدل بها علماؤنا وان كانت الايات في غاية الوضوح والظهور:
1 ـ وحرام على قرية اهلكناها أنهم لا يرجعون(33) وهى من اعظم الدلائل القرآنية في الرجعة، لان أحداً من أهل الإسلام لا ينكر ان الناس كلهم يرجعون إلى القيامة: من هلك منهم ومن لم يهلك... فلابد ان يكون المراد بقوله تعالى لا يرجعون)) غير القيامة وهو الرجعة ـ في الدنيا، أما القيامة: فيرجعون حتى يدخلوا النار.
هذه الآية الشريفة اكبر برهان على صحة القول بالرجعة ضرورة أنه في الرجعة الكبرى جميع الخلق يحشرون، فتخصيصه تبارك وتعالى بمن أهلكه بالعذاب أقوى دليل عليه نظير ما يأتي في قوله تعالى: يوم نحشر من كل امة فوجاً)).(34)
الهوامش:
(1) من البحوث المشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الاشرف في 22/ تموز/ 2007م.
(2) سورة الكهف:الآية 47.
(3) سورة الإسراء: لآية 5.
(4) سورة الدخان الآيات 16،15،11،10.
(5) سورة الدخان الآيات 16،15،11،10.
(6) سورة الدخان الآيات 16،15،11،10.
(7) الشيخ المفيد في الرجعة.
(8) معجم مقائيس اللغة، ج 2، ص 490.
(9) اعيان الشيعة، 1، 132.
(10) اوائل المقالات، 46.
(11) تصحيح الاعتقاد، 90.
(12) الاعتقادات: 76.اعيان الشيعة، 1، 132.
(13) البداية والنهاية، 11، 71.
(14) رسائل الشريف المرتضى 3: 135 ـ الدمشقيات ـ دار القرآن الكريم ـ قم.
(15) روح المعاني 20: 27 دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(16) سورة يس 36: 78 ـ 79.
(17) سورة الأحزاب 33: 62.
(18) بحار الأنوار 53: 59 | 45.
(19) سورة البقرة 2: 243.
(20) في رواية الشيخ الكليني في الكافي 8: 170 | 237 عن الإمام الباقر عليه السلام ورواية السيوطي عن السدّي عن أبي مالك وغيره: يقال له حزقيل.
(21) الاعتقادات، للصدوق: 60 نشر مؤتمر الذكرى الألفية للشيخ المفيد. والدر المنثور، للسيوطي 1: 741 ـ 743 دار الفكر ـ بيروت.
(22) تفسير العياشي 1: 130 | 433 المكتبة العلمية ـ طهران.
(23) سورة البقرة 2: 259.
(24) مجمع البيان، للطبرسي 2: 639 دار المعرفة ـ بيروت.
(25) سورة النمل 27: 82 ـ 84.
(26) سورة النمل 27: 87.
(27) الدر المنثور، للسيوطي 6: 380.
(28) مختصر بصائر الدرجات: 25. وبحار الاَنوار، للمجلسي 53: 40 | 6. والايقاظ من الهجعة: 278 | 91. والرجعة، للاسترآبادي: 55 | 30.
(29) تفسير القمي 1: 24. ومختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 41. وبحار الاَنوار 53: 60 | 49. والرجعة، للاسترآبادي: 77 | 48.
(30) سورة الكهف 18: 47.
(31) المسائل السروية، تحقيق الاُستاذ صائب عبدالحميد: 33 نشر مؤتمر الشيخ المفيد رحمه الله.
(32) تفسير الميزان، 2، 108.
(33) الأنبياء، 95.
(34) الشيعة والرجعة، 2، 161.
http://www.alentedar.com/alentedar_adad12/page07.htm