m-mahdi.com
04-04-2008, 05:01 PM
الذي تسألون عنه في بيت الشيخ
اختيار: السيد علي البعاج
نقل لي أحد المؤمنين عن السيد جعفر بحر العلوم، المضمون التالي: أنه كان يوماً في بيت السيد حسين بحر العلوم، نجل آية الله السيد علي بحر العلوم، صاحب كتاب (برهان الفقه)، وكان سماحته في ديوانه يستقبل الوفود والمراجعين، وكان من بين المراجعين الذين وفدوا عليه مروّض مسلم من الهند، وبعد أن استقرّ به المجلس وعرّف نفسه لسماحته، قال: بإمكاني أن أخبركم عن كل ما تسألون بالقلم والقرطاس.
وبالفعل كان يجيب بصواب على الأسئلة العادية التي طُرحتْ عليه من الحاضرين. وذلك وفق حسابات رياضية كان يحرّرها على الورق.
حينذاك أقبل سماحته عليه، وقال: هناك سؤال أظنك لا تقدر على الجواب عنه.
قال المروّض: وما هو؟ قال سماحته: إنه صعب وخارج عن وسعك.
قال المروّض: وليكن صعباً فإني أحاول الإجابة عنه، فما هو؟
قال سماحته: الآن وقد أصررتَ فأخبرنا عن المكان الذي يتواجد فيه سيّدنا ومولانا، ومن بوجوده استقرتْ الأرض ورُزق الخلق، الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام.
قال المروض: نعم، وبدأ يبحث عن الجواب من خلال حساباته الرياضية المعقدة، لكنّه ولأول مرة أبطأ في الجواب مما دعا سماحته إلى أن يقول له: ألم أقل لك أنّك لا تقدر على الإجابة عن هذا السؤال.
فأجاب: اصبروا قليلاً لعلي أهتدي إلى الجواب. ثم بعد مدة قال: ليس الأمر كما تظنّ، ولكن أفكّر في أنّ الشيخ طه نجف من هو؟
أجابه سماحته: إن الشيخ محمد طه نجف، أحد مراجع التقليد المعروفين عندنا في النجف الأشرف.
قال المروّض: الذي تسألون عنه هو الآن في بيت الشيخ وعنده، وهنا أسرع سماحته بصحبة السيد جعفر ونفر آخرين متجهين نحو بيت المرجع آية الله الشيخ محمد طه نجف، وفي الطريق انتهوا إلى مفترق طرق ثلاثة، ينتهي أحدها إلى بيت الشيخ، حيث التقوا هناك بإنسان في الزي العراقي يرتدي العباءة والعقال والكوفية، وعليه الوقار والسكينة، وتطفح من جوانبه هيبة وعزّ، فاجتازوه نحو بيت الشيخ، وما إن دخلوه حتى رأوا ديوان الشيخ مصفراً من الناس، حتى الذي يستقبل المراجعين ويقدّم لهم الماء والقهوة، لكنّ الذي فاجأهم بالمرة هو جلوس الشيخ في ناحية من الحجرة، جلسة الحزين، ينبعث منه أنين وزفير، تتساقط قطرات الدموع على كريمته، وهو يتمتم قائلاً: صار في يدي، فلم أنتبه له، ولما انتبهتُ كان قد فلت من يدي.
فتعجّب الواردون كثيراً، وتساءلوا ـ بعد التحية والسلام ـ علام يبكي الشيخ؟ وكان الشيخ قد فقد كريمته أواخر أيامه، لذلك لم يلتفت لقدومهم إلا بعد التحية والسلام فقام ورحّب بهم وجلس إليهم يحدّثهم بالحادث الذي تركه حزيناً، يكفكف دموعه ويخفي لوعته قائلاً: إنكم تعلمون برجوع الناس إليّ في مسائلهم واستفتاءاتهم وخصوماتهم، وأنا أجيبهم وأفتي لهم، وأفصل بينهم، وآخذ الأموال وأعطيها وأنصب القيِّم والمتولّي ونحو ذلك. كل ذلك بتحرٍّ واجتهاد، ليوافق الشرع الشريف، غير أنه منذ سنوات، أخذتْ تُقْرِيني فكرة: هل أنّي مصيب في كل ما أفتيت وما قضيتُ وزاولتُ وعملت، وهل أني مرضيّ عند الله ورسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام ؟
وقبل ثلاث سنوات استشفعت إلى الله بمولاي أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك وطلبتُ منه بإلحاح أن أجِد في نفسي صواب أو خطأ هذه الأعمال عن قصور لا تقصير.
فلما اشتد إصراري وتوسلي رأيت ذات ليلة في المنام مولاي أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرني: إن ما أريده سيتم عند ولده المهدي صاحب العصر والزمان عليه السلام فبقيت أرقب الأيام والليالي، أنتظر قدوم الحبيب في كل آن ولحظة، ولم أحسب ان سأحصل عليه وأعرِفه وفي هذا اليوم بالذات وقبل مجيئكم بقليل خلا الديوان من المراجعين وكان خادمنا قد ذهب ليهيئ بعض لوازم البيت.
فدخل رجل كانت تدل لهجته على أنه من العشائر العراقية. فسألني بعد السلام عن مسألة فأجبتُ عنها، فأشكل عليها إشكالاً علمياً، وحاولت الإجابة عن الإشكال، غير أنه قاطعني ـ وهو عالم بمغزى جوابي كله ـ بإشكال ثانٍ وبدأت أجيب عن الإشكال الثاني فقاطعني للمرة الثانية بإشكال علمي ثالث، وهكذا كلّما بدأت في الجواب بادرني بإشكال علمي آخر، حتى خالجتني أفكار متناقضة حول الرجل وفضله، وأنه كيف يمكن التوفيق بين معرفة هذه المباحث الدقيقة، وبين ظاهر رجل عشائري، بعيد كل البعد عن هذه المباحث العلمية. لكن غفلة عميقة خيّمتْ على ذهني، وأنستني ما كنتُ بانتظاره وترقّبه من التشرّف بلقاء الحبيب.
واستمرّتْ غفلتي عن حاجتي، ولم أنتبه حتى مع ضرب الرجل يده على كتفي وقوله لي: (أنت مَرْضيٌّ عندنا) وزاد استغرابي من أن رجلاً يدلّ صوته على أنه من أهل البادية كيف يقول هذه الكلمة لمرجع تقليد؟
وفجأة بعد مغادرته الديوان، انكشفتْ غفلتي، وعاودتني فطنتي، وتذكرتُ أملي وأمنيتي فطالما كنت أفكّر بها، وأرجو التصرف في حالي وموقفي عند ربّي ونبيي وأئمتي عليهم السلام وقد أخبرني الرجل عن ذلك بقوله: (أنت مرضيٌ عندنا) ولم أنتبه. إنه الحبيب الذي جنّدتُ نفسي لنصرته وصرفتُ عمري لخدمته حتى دخل عندي، فيا أسفي على نفسي، صار عندي وبمرأى مني فلم أنتبه له. لأتزوّد منه ومن نوره وبركاته، ولما انتبهتُ كان قد خرج عن وسعي، أليس حقيقاً لمثلي أن يئن ويبكي؟
فقال السيد بحر العلوم للشيخ: (شيخنا لهذا جئنا) واحتملوا أن يكون الرجل ذو المهابة والوقار الذي رأوه قريباً من بيت الشيخ هو سيدنا ومولانا صاحب العصر عجل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمرضيين عنده بمحمد وآله الطاهرين.(1)
الهوامش
(1)قصص وخواطر../ ص 260/ قصة رقم 210.
http://www.alentedar.com/alentedar_adad11/page17.htm
اختيار: السيد علي البعاج
نقل لي أحد المؤمنين عن السيد جعفر بحر العلوم، المضمون التالي: أنه كان يوماً في بيت السيد حسين بحر العلوم، نجل آية الله السيد علي بحر العلوم، صاحب كتاب (برهان الفقه)، وكان سماحته في ديوانه يستقبل الوفود والمراجعين، وكان من بين المراجعين الذين وفدوا عليه مروّض مسلم من الهند، وبعد أن استقرّ به المجلس وعرّف نفسه لسماحته، قال: بإمكاني أن أخبركم عن كل ما تسألون بالقلم والقرطاس.
وبالفعل كان يجيب بصواب على الأسئلة العادية التي طُرحتْ عليه من الحاضرين. وذلك وفق حسابات رياضية كان يحرّرها على الورق.
حينذاك أقبل سماحته عليه، وقال: هناك سؤال أظنك لا تقدر على الجواب عنه.
قال المروّض: وما هو؟ قال سماحته: إنه صعب وخارج عن وسعك.
قال المروّض: وليكن صعباً فإني أحاول الإجابة عنه، فما هو؟
قال سماحته: الآن وقد أصررتَ فأخبرنا عن المكان الذي يتواجد فيه سيّدنا ومولانا، ومن بوجوده استقرتْ الأرض ورُزق الخلق، الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام.
قال المروض: نعم، وبدأ يبحث عن الجواب من خلال حساباته الرياضية المعقدة، لكنّه ولأول مرة أبطأ في الجواب مما دعا سماحته إلى أن يقول له: ألم أقل لك أنّك لا تقدر على الإجابة عن هذا السؤال.
فأجاب: اصبروا قليلاً لعلي أهتدي إلى الجواب. ثم بعد مدة قال: ليس الأمر كما تظنّ، ولكن أفكّر في أنّ الشيخ طه نجف من هو؟
أجابه سماحته: إن الشيخ محمد طه نجف، أحد مراجع التقليد المعروفين عندنا في النجف الأشرف.
قال المروّض: الذي تسألون عنه هو الآن في بيت الشيخ وعنده، وهنا أسرع سماحته بصحبة السيد جعفر ونفر آخرين متجهين نحو بيت المرجع آية الله الشيخ محمد طه نجف، وفي الطريق انتهوا إلى مفترق طرق ثلاثة، ينتهي أحدها إلى بيت الشيخ، حيث التقوا هناك بإنسان في الزي العراقي يرتدي العباءة والعقال والكوفية، وعليه الوقار والسكينة، وتطفح من جوانبه هيبة وعزّ، فاجتازوه نحو بيت الشيخ، وما إن دخلوه حتى رأوا ديوان الشيخ مصفراً من الناس، حتى الذي يستقبل المراجعين ويقدّم لهم الماء والقهوة، لكنّ الذي فاجأهم بالمرة هو جلوس الشيخ في ناحية من الحجرة، جلسة الحزين، ينبعث منه أنين وزفير، تتساقط قطرات الدموع على كريمته، وهو يتمتم قائلاً: صار في يدي، فلم أنتبه له، ولما انتبهتُ كان قد فلت من يدي.
فتعجّب الواردون كثيراً، وتساءلوا ـ بعد التحية والسلام ـ علام يبكي الشيخ؟ وكان الشيخ قد فقد كريمته أواخر أيامه، لذلك لم يلتفت لقدومهم إلا بعد التحية والسلام فقام ورحّب بهم وجلس إليهم يحدّثهم بالحادث الذي تركه حزيناً، يكفكف دموعه ويخفي لوعته قائلاً: إنكم تعلمون برجوع الناس إليّ في مسائلهم واستفتاءاتهم وخصوماتهم، وأنا أجيبهم وأفتي لهم، وأفصل بينهم، وآخذ الأموال وأعطيها وأنصب القيِّم والمتولّي ونحو ذلك. كل ذلك بتحرٍّ واجتهاد، ليوافق الشرع الشريف، غير أنه منذ سنوات، أخذتْ تُقْرِيني فكرة: هل أنّي مصيب في كل ما أفتيت وما قضيتُ وزاولتُ وعملت، وهل أني مرضيّ عند الله ورسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام ؟
وقبل ثلاث سنوات استشفعت إلى الله بمولاي أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك وطلبتُ منه بإلحاح أن أجِد في نفسي صواب أو خطأ هذه الأعمال عن قصور لا تقصير.
فلما اشتد إصراري وتوسلي رأيت ذات ليلة في المنام مولاي أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرني: إن ما أريده سيتم عند ولده المهدي صاحب العصر والزمان عليه السلام فبقيت أرقب الأيام والليالي، أنتظر قدوم الحبيب في كل آن ولحظة، ولم أحسب ان سأحصل عليه وأعرِفه وفي هذا اليوم بالذات وقبل مجيئكم بقليل خلا الديوان من المراجعين وكان خادمنا قد ذهب ليهيئ بعض لوازم البيت.
فدخل رجل كانت تدل لهجته على أنه من العشائر العراقية. فسألني بعد السلام عن مسألة فأجبتُ عنها، فأشكل عليها إشكالاً علمياً، وحاولت الإجابة عن الإشكال، غير أنه قاطعني ـ وهو عالم بمغزى جوابي كله ـ بإشكال ثانٍ وبدأت أجيب عن الإشكال الثاني فقاطعني للمرة الثانية بإشكال علمي ثالث، وهكذا كلّما بدأت في الجواب بادرني بإشكال علمي آخر، حتى خالجتني أفكار متناقضة حول الرجل وفضله، وأنه كيف يمكن التوفيق بين معرفة هذه المباحث الدقيقة، وبين ظاهر رجل عشائري، بعيد كل البعد عن هذه المباحث العلمية. لكن غفلة عميقة خيّمتْ على ذهني، وأنستني ما كنتُ بانتظاره وترقّبه من التشرّف بلقاء الحبيب.
واستمرّتْ غفلتي عن حاجتي، ولم أنتبه حتى مع ضرب الرجل يده على كتفي وقوله لي: (أنت مَرْضيٌّ عندنا) وزاد استغرابي من أن رجلاً يدلّ صوته على أنه من أهل البادية كيف يقول هذه الكلمة لمرجع تقليد؟
وفجأة بعد مغادرته الديوان، انكشفتْ غفلتي، وعاودتني فطنتي، وتذكرتُ أملي وأمنيتي فطالما كنت أفكّر بها، وأرجو التصرف في حالي وموقفي عند ربّي ونبيي وأئمتي عليهم السلام وقد أخبرني الرجل عن ذلك بقوله: (أنت مرضيٌ عندنا) ولم أنتبه. إنه الحبيب الذي جنّدتُ نفسي لنصرته وصرفتُ عمري لخدمته حتى دخل عندي، فيا أسفي على نفسي، صار عندي وبمرأى مني فلم أنتبه له. لأتزوّد منه ومن نوره وبركاته، ولما انتبهتُ كان قد خرج عن وسعي، أليس حقيقاً لمثلي أن يئن ويبكي؟
فقال السيد بحر العلوم للشيخ: (شيخنا لهذا جئنا) واحتملوا أن يكون الرجل ذو المهابة والوقار الذي رأوه قريباً من بيت الشيخ هو سيدنا ومولانا صاحب العصر عجل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمرضيين عنده بمحمد وآله الطاهرين.(1)
الهوامش
(1)قصص وخواطر../ ص 260/ قصة رقم 210.
http://www.alentedar.com/alentedar_adad11/page17.htm