المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخطاب المهدوي في زمن الظهور


m-mahdi.com
04-04-2008, 05:06 PM
--------------------------------------------------------------------------------

الخطاب المهدوي في زمن الظهور*
السيد علاء الموسوي
أستاذ في الحوزة العلمية
روى علي بن إبراهيم القمي بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: والله لكأني انظر إلى القائم عليه السلام وقد أسند ظهره إلى الحجر, ثم ينشد الله حقه, ثم يقول:
يا أيها الناس.. من يحاجني في الله فأنا أولى بالله..
أيها الناس من يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم..
يا أيها الناس من يحاجني في نوح فانا أولى الناس بنوح..
أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم..
يا أيها الناس من يحاجني في موسى فانا أولى الناس بموسى..
أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى..
أيها الناس من يحاجني في رسول الله محمد صلى الله عليه وآله فانا أولى الناس برسول الله محمد صلى الله عليه وآله أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فانا أولى الناس بكتاب الله.
ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين وينشد الله حقه.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: هو والله المضطر في كتاب الله في قوله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ).
فيكون أول من يبايعه جبرائيل ثم الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا.
هكذا سيخطب الإمام على مسامع أهل العالم, ويبدأ بتعريف نفسه, في أول ظهور علني له بعد غيبة طويلة امتدت دهورا ودهورا, ليتعرف الناس بكافة أعراقهم ودياناتهم ولغاتهم على هذا المصلح الأعظم, وعلى برنامجه في الإصلاح, وطريقته في سياسية الأمور, وعلى ما يتبناه من تجارب البشر, وما يرفضه منها, و على موقفه من الأنبياء والمصلحين, ومن دياناتهم وكتبهم الإلهية, وما أتوا به من تعاليم ومبادئ.
إن اللقاء الأول, و ما يتركه من انطباع في النفوس, لهو أمر في غاية الخطورة في شأن البشر, ولذا فان هذا الخطاب الأول الذي سيسمعه الناس بكافة أعراقهم ولغاتهم في مشارق الأرض ومغاربها.. يعد (الهوية العقائدية والسياسية) لهذا المصلح..
ان التعريف في مثل هذه الحالات.. يجب أن يطرد مع خطورة الدعوى وعظم المهمة, فبقدر ما تكون المهمة خطيرة, وبقدر ما تكون الدعاوى كبيرة, لابد أن يكون التعريف أكثر دقة ووضوحا. لأن الناس لا تسلم مقاليدها في الأمور الخطيرة إلى من لا تعرفه, ولا تعرف جذوره وأهدافه, وتجهل مواقفه إزاء مسلماتها الفكرية والفطرية.خصوصا إذا كانت الدعاوى كبيرة كالتي ستسمعها من هذا القادم من وراء الغيب.
إن دعوى إصلاح العالم أجمع..
وإقامة الدولة الموحدة في بقاع الأرض..
وتطبيق العدل الإلهي في كل زوايا الحياة..
ودعوى تمثيل مشاهير الأنبياء الذين آمن بهم البشر, واتبعهم الكثير منهم والتزم تعاليمهم, بل تمثيل جميع الأنبياء والمرسلين منذ بعث الله آدم إلى النبوة الخاتمة, لهي دعاوى خطيرة تحتاج إلى الكثير من التوضيح, والكثير من البيان, لاستيعاب حقيقة هذا القادم من أعماق التاريخ .
الغائب الحاضر:
المخضرم الذي عاصر الأمم المتعاقبة.. والدول المتوالية, وعايشها كيف تتكون وتنمو وتتسع, وكيف تضمر وتنهاروتتلاشى.. ليحل محلها غيرها في دورة طبيعية سنها الخالق في مجتمع البشر.. سنة الخالق في تداول السلطة وتبادل الأيام:
(وَتِلْكَ الأَْيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ).
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً).
القادم الجديد الذي عاش دهورا يتقلب على فراش الهموم وهو يرى مظالم البشر, ويعيش نكبات الإنسانية, وتملأ أسماعه آهات الألم التي تنطلق من حناجر ملايين الأيتام على مر التاريخ, وصيحات الرعب التي يخنقها صخب القتل والنهب والاعتداء.
هذا القادم الذي يعدنا العدل, ويمنينا الرخاء, ويدعونا إلى أن ننظر إلى وجه رسول الله في وجهه, ونستشرف غرة أمير المؤمنين عليه السلام في محياه. ويحتج على البشر بما نزل على كافة أنبياء الله من كتب وألواح وحكمة. بزبور داود وتوراة موسى وأنجيل عيسى وفرقان محمد صلوات الله عليهم أجمعين. يقرأ كل تلك الكتب بلسان أهلها, وكما أنزلت من السماء صحيحة نقية بلا شائبة. ففي رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام:
(ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة, وبين أهل الانجيل بالانجيل, وبين أهل الزبور بالزبور, وبين أهل القرآن بالقرآن.) غيبة النعماني 243.
إن لحظة التعريف هذه.. ستكون من أخطر وأهم اللحظات في حركة الإمام عليه السلام, لأنها ستعطي(الانطباع الأول) لجميع البشر, وستوضح حقيقة هوية المصلح الأعظم, وستربط بينه وبين تاريخ الأنبياء والمقدسات التي يعتقد بها جميع البشر بلا استثناء, حتى اللادينيين منهم. وستثبت للناس أجمعين بما لا يقبل الشك.. أن هذا القادم ما هو إلا امتداد شرعي لجميع الأنبياء الذين آمنت بهم البشرية على طول تاريخها. وما هو إلا الوارث لعلومهم وتعاليمهم.
وهو المثال الحقيقي للإنسان الكامل والحجة على من لا يتصل بالأديان ولا يؤمن بها, هكذا ستقوم الحجة على الناس (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ).
وبدون هذا الاستيعاب والشمول في تمثيل الأنبياء وتمثيل المبادئ التي يعتقد بها البشر, لن تتم الحجة عليهم وستكون منقوصة مخدوشة, ولئن أقنعت فئة ستضيع فئات.هذه هي الحجة البالغة التي لا يتمكن أحد من التهرب من لزومها ووضوحها.
تفاصيل الخطاب والاحتجاج:
هكذا يبدأ الخطاب الأول الذي يعرف به الإمام نفسه أمام العالم ويدعوهم الى نصرته ومؤازرته لإقامة حكومة العدل الإلهي على هذه الأرض المنكوبة منذ قابيل. يبدأ بالله تعالى الواحد الخالق الواهب.
الله.. الخالق الواهب:
من يحاجني في الله فأنا أولى بالله.
هذه بداية لفتح باب النقاش والاحتجاج, وهي في الواقع النهاية والنتيجة أيضا, فان الإمام عليه السلام بعد أن سيثبت للناس أولويته بجميع الأنبياء والمرسلين, سيكون من الطبيعي أنه هو الأولى بالله تعالى.ولا يخفى أن البدء بهذه الدعوى الكبيرة, والتي تعني أن هذا المتكلم يدعي انه هو الأقرب إلى الله تعالى, دون بقية الناس, هو تحفيز للحوار وإثارة للاحتجاج ..الأمر الذي يدعو إليه القادم الجديد ويحرص على تحقيقه.
لكن.. ما هو معنى هذه الأولوية ؟
ما معنى أن يكون أحد البشر أولى من بقيتهم بالله تعالى في زمن ما؟
إن لكل من البشر تصوره الخاص عن الله تعالى وعمن هو الأقرب من الناس اليه, فاليهودي مثلا له تصوراته في هذا المجال, التي قد تصيب وقد تخطىء, وللمسيحي تصوراته كذلك, لكنهم جميعا يتفقون على مبادئ وأساسيات في شخصية الإنسان الأقرب إلى الله تعالى, والقدر المتيقن من تلك المبادئ: أنه هو الشخص القادر على الحديث في خصوصيات الأديان وتفاصيلها بأدق مما يتحدث بها أهلها ومعتنقيها, وهو الشخص الذي سيخبر أرباب الديانات بتاريخ ديانتهم وما جرى عليها وعلى كبرائها على مر التاريخ. بما لا يدع مجالا للشك أن هذا المتحدث متصل بالغيب, وهو أعرف بديانتهم وبنبيهم من أنفسهم. وهو الشخص القادر على الإتيان بالخوارق للعادات والمعاجز التي يكل عن الإتيان بها كافة أهل الاختصاص من البشر.
أن هذا الاحتجاج يعني فيما يعني عدة أمور:
أولا: أنه إذا كان لله حجة في الأرض فهو هذا الشخص لا غيره.
ثانيا: انه إذا كان للبشر اتصال بعالم الغيب فهو منحصر في هذا الشخص بشكله الأتم.
ثالثا: أنه إن كان شخص ما مخول في بيان أحكام الله تعالى وبيان أرادته, فهو هذا الشخص لا غير.
رابعا: أنه أقرب الخلق وأرضاهم للخالق عز وجل وأحبهم إليه وأكرمهم عليه.بالشكل الذي سيمكنه من إظهار الكرامات والمعجزات التي يعجز كافة البشر عن مجاراتها.
وإذا أثبت الإمام عليه السلام أنه أقرب الخلق إلى الله تعالى, فان أول ما سيثبته بعد ذلك هو ارتباطه بخط الأنبياء وأنه ليس بدعاً من الأولياء, بل ما هو استمرار لخطهم وإحياء لأمرهم.
آدم.. بديع الفطرة:
(أيها الناس من يحاجني في آدم فأنا أولى بآدم).
آدم عليه السلام هو أول بديع للفطرة وأول خلق لله تعالى على هذه السجية, وهو بذلك يمثل الرمز للفطرة الأولى, والمسحة الإنسانية البريئة من كل ريبة, والطاهرة النقية من كل شائبة.
فمن أراد أن يختبر إنسانية هذا المدعي فليتقدم ليرى إن هذا الإنسان الذي جاء بعد آلاف الأجيال من ذرية آدم يحمل آدم بين جنبتيه, ويحمل فطرته الصافية النقية في قلبه.
وليس المراد من هذا الاحتجاج افتراض أن لآدم ديانة باقية وأتباع يحملونها ويحتجون بها على الأمام المهدي عليه السلام , إنما المقصود والله العالم هو ما تبقى من آدم في البشر من فطرة سليمة وثوابت إنسانية تصلح للاحتجاج , حينذاك سيجد كل انسان يفتخر بانسانية آدم وفطرته النقية أن هذا الامام هو آدم بعينه, بفطرته الكاملة.. وسجاياه الجميلة.
نوح.. شيخ الأنبياء:
(يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى بنوح)
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ). يونس 71 -72-73
المعاناة.. هي عنوان الحديث عن نوح عليه السلام, فمن طول المدة التي قضاها في دعوة قومه وهي تسعمائة وخمسون سنة, إلى شدة عنادهم وكثرة استهزائهم به وبالمؤمنين به.إلى صعوبة المهمة الإلهية الموكلة إليه في بناء السفينة من جذوع نخل زرعه بيده, وانتظر حتى كبر ونما ليعود جذوعا طويلة تصلح لبناء أكبر سفينة في تاريخ البشر إلى ذلك اليوم, ولتحمل أصناف المخلوقات وتنجو بها إلى ما بعد الطوفان العظيم, لتكون جيلا جديدا من الخلق على وجه الأرض.
إلى فقدانه لبعض أهله وهو ولده في الطوفان, بل خروجه من أهله لأنه عمل غير صالح. إلى ما عاناه في رحلة النجاة في السفينة وتقلب الأنواء وتلاطم الأمواج العاتية, والتي لم ينج منها إلا بالتوسل والدعاء إلى الله تعالى بنبي آخر الزمان وبأهل بيته.
لقد كانت دعوة نوح من أوضح الدعوات يسرا وسهولة, فهو لم يطلب من قومه إلا أمرا فطريا كامنا في دواخل البشر, ولا يحتاج الأمر إلا إلى الإقرار به والسير على طبقه, وهو توحيد الله تعالى ونبذ الآلهة سواه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ). 25-26 هود.
ومع ذلك.. طالت دعوته لقومه حدود الألف سنة, لم يحصل فيها إلا على عدة قليلة منهم آمنت به وصدقته وصبرت معه, وغربلها طول البلاء حتى لم يبق منهم إلا الأقل.
وها نحن بعد آلاف من السنين.. نرى من يحتج على البشر بأنه أولى بنوح.. لأنه الحامل لهموم نوح ولآلامه, والمحيي لدعوته والشارح لمبادئه, الداعي إلى التوحيد والى الفطرة المتجسدة بالإسلام..
فإذا كان نوح عليه السلام قد صبر المئات من السنين داعيا قومه إلى الأيمان بالخالق, وجاهد لإقناع قومه بكلمة التوحيد, فها هو الصابر ما لا يحصى من السنين ليعيد كلمة التوحيد بحقها إلى حياة البشر, والمرابط الذي لا تعييه الليالي والأيام على طولها عن التربص لأمر الله وانتظار أذنه. الغائب الوحيد الشريد الذي لا يؤوي إلى جبل, ولا يستكن في واد, ينتقل من دار إلى أخرى, ومن بقعة إلى ثانية, مستوحشا خائفا حزينا, يطلب ما طلبه نوح, ويسعى إلى ما جاهد من أجله ومات عليه هو وجميع الأنبياء.
إبراهيم شيخ الأنبياء:
أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم..
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا).
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ).
إبراهيم هو النبي الذي لم تنسخ ملته وبقيت حجة على البشر حتى ضمن رسالة الإسلام, ومن يرغب عن ملته فهو ممن سفه نفسه وأضاع حظه.وقد أكد نبي الإسلام هذه الحقيقة مرارا وهو يكرر: جئتكم بالحنيفة السهلة السمحة, وهي ملة إبراهيم .
وقد أمر الله نبيه بالتمسك بملة ابراهيم:
(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) النساء 125
(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) النحل 123
إن لإبراهيم صلوات الله عليه دورا تأسيسيا في الأديان التالية له.
فلقد حطم الأصنام التي كانت تعبد من دون الله بيديه, في خطوة فريدة جريئة لم تسبق بمثلها من قبل الدعاة إلى الله تعالى من أنبياء وأوصياء, وواجه نتيجة لذلك عقوبة فريدة من نوعها أيضا أعدها له نمرود طاغية زمانه, إذ قذفه بالمنجنيق في الهواء إلى قلب النار التي سجرها أياما وليال حتى عادت حارقة للوجوه على بعد, وإذا بإبراهيم الذي دعا إلى التوحيد وجاهد في سبيل إيضاحه وتثبيته للناس بلسانه وبيانه, إذا به اليوم يوضح التوحيد ويثبته بفعله وبجوارحه, إذ أذهل باطمئنانه وبوثوقه واستقامته على دعوته وعدم تراجعه عنها قيد شعرة, وهو يرى النار الحارقة الحاطمة أمامه وقد هيأت له فقط لا لغيره.. أذهل نمرود وعموم من حضر ذلك اليوم, وكل من سمع بذلك إلى آخر الدهر.
لقد جسد إبراهيم عليه السلام التوحيد العملي الذي يكون به العبد عبدا خالصا لربه لا يخاف سواه ولا يرجو غيره, حينما جاءه جبرائيل عليه السلام في تلك اللحظة الحرجة وهو في الهواء قبل أن يبلغ إلى النار بلحظة.. وعرض عليه خدماته.. قائلا: هل من حاجة ؟ فأجابه جواب الواثق بربه: أما أليك فلا.وأما إلى الله فنعم.
وأخرج بعدها من وطنه لأن نمرود لا يتحمل وجوده وقد أصبح حديث الناس بعد نجاته من النار.. فخرج غريبا وحيدا خائفا.. حتى انتهى به المسير إلى بلد قفر.. فأمر بالوقوف فيه وبناء الكعبة المشرفة.
لقد أسس إبراهيم عليه السلام البيت الحرام وبناه بيده بمعونة ولده إسماعيل, ليكون مهوى لأفئدة الناس وقبلة لأهل الإسلام ومحجا يحج إليه جميع أبناء إسماعيل. وليكون الشاخص الاكبر من شواخص التوحيد والإخلاص في العبودية لله تعالى إلى منتهى حياة البشر.
كما جاء بالسنن الحنيفية التي لا زالت من السنن المؤكدة في ديانة الإسلام, وهي آداب في الجسم خمسة منها في الرأس وخمسة في البدن. وهو في جميع ذلك أمة قائمة بنفسها.. لأنه كان مدة من حياة دعوته وحيدا بلا أتباع.. ولقد مرت فترة على الأرض لا يعبد الله فيها إلا إبراهيم صلوات الله عليه.
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شاكِراً لأَِنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). النحل 120-121.
ولقد قدر الله تعالى أن تكون الإمامة مستمرة في عقب إبراهيم إلى يوم القيامة, بعد أن جعله للناس إماما عقب اختبارات عسيرة وكلمات ثقيلة أتمهن إبراهيم وخرج منها ناجحا موفقا:
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). البقرة: 124.
فكانت الإمامة العظمى في نبينا صلى الله عليه وآله ثم في الأئمة الأثني عشر من بعده وآخرهم الإمام المهدي عليه السلام, الذي هو أولى الناس بإبراهيم, فهو الإمام من ذريته, وهو المنادي بمبادئه والمحيي لسننه الحنيفية, وهو مسند ظهره إلى الكعبة التي بناها أبواه إبراهيم وإسماعيل.
فيما قد يعد إشارة واضحة إلى الاستناد إلى مبدأ إبراهيم وعمله وسيرته في هذه الدعوة العالمية إلى الإصلاح.
أيها الناس من يحاجني في موسى فانا أولى الناس بموسى..
أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى..
أيها الناس من يحاجني في رسول الله محمد صلى الله عليه وآله فانا أولى الناس برسول الله محمد صلى الله عليه وآله.
إن التأكيد على وحدة الخط ووحدة الأهداف بين الإمام المهدي ودعوته من جهة.. وبين دعوات الأنبياء جميعا من جهة أخرى .. هو المحور الأساسي الذي نلحظه في هذا البيان الأول الذي يعلن به الإمام حركته وظهوره. خصوصا سادة الأنبياء ومشايخهم الذين حملوا راية التوحيد كإبراهيم صلوات الله عليه.
إن نظرة متمعنة في الروايات التي وردت عن علاقة الأنبياء بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.. توضح مدى عمق الارتباط بين الأنبياء والأولياء والأوصياء على مدى التاريخ.. وبين نبينا والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين. فآدم إنما تاب الله عليه بعد أن توسل إليه بمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. ونوح إنما نجا من الطوفان بعد توسله بأسمائهم صلوات الله عليهم.. وهكذا إبراهيم نجا من النار ببركة التوسل بهم والاعتراف بحقهم.وأصبح خليلا لله تعالى ببركة كثرة صلاته على محمد وآل محمد. وهكذا بقية الأنبياء الذين أخذ الله عليهم أن يقروا بنبوة محمد وإمامة أهل بيته شرطا لتبوئهم المنصب الإلهي من إمامة أو نبوة.
المهدي وكتاب الله:
أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فانا أولى الناس بكتاب الله.
الكتاب الكريم.. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون.. فيه تبيان كل شيء.. هدى ورحمة للمؤمنين.. فيه هدى ونور..يحكم به النبيون..
لا ريب فيه.. هدى للمتقين..
منه آيات بينات.. بل هو آيات بينات في قلوب الذين أوتوا العلم..
تبيانا لكل شيء.. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.... تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين ..
كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور بأذن ربهم الى صراط العزيز الحميد..
قرآنا عجبا يهدي الى الرشد
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.
لم يشأ الله تعالى أن يدع هذا الكتاب العجيب وحيدا في ساحة الهدى والحجج.. بل شفعه بحجة ناطقة تبين آياته وتفسر غوامضه وتثبت محكماته.. بشرا ناطقا مبينا فصيحا معصوما من الخطأ مصونا من الزلل.. جعل أحكام الكتاب مرهونة بتفسيره وبيانه, وهداه وبيناته دائرة مدار فعله وحركته وسكونه, وأودعه أسرار الكتاب الذي هو تبيان لكل شيء.. وجعله آيات بينات في قلبه.. وما ذلك البشر الا الامام المعصوم المفترض الطاعة.
الامام المهدي عليه السلام هو الوارث لهذه الخصال والمجسد لها بعد آبائه الطاهرين.. فهو الاولى بكتاب الله تعالى.. ليست دعوى بلا دليل.. بل دعوى مدعومة بالبرهان العملي والحجة الفورية .. اذ سيدعو كل من يريد الاحتجاج بالكتاب الكريم الى ذلك بلا حاجز ولا مانع.. وسيجيب على كل ما يسأل عنه من الكتاب وتفسيره وبيانه على لسان جده النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. في موقفه ذاك عند الكعبة المشرفة وامام أنظار وأسماع العالم الذي سيتمكن في تلك اللحظة من سماع ومشاهدة كل التفاصيل.
الكتاب الذي جاء تبيانا لكل شيء.. سيقف أمام الناس ناطقا بالحقائق التي انتظرها البشر وتشوق لها العلماء على مدى أزمنة الاحتجاب, متجسدا في هذا الرجل الذي يدعوهم الى الصدق..والى الحوار الصريح.. والى كشف الحقائق وعدم تأجيل أي قضية دون أن تتضح بكل جوانبها وأسرارها..
هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء بالصدق, وابن أمير المؤمنين عليه السلام الذي صدق به.. الذي كان يصرخ في أصحابه يوم رفع المصاحف: ويلكم هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق ..
هذا هو المعصوم المؤيد بالآيات والبينات.. الذي لن يترك مبهمة في أذهان البشر الا وأوضحها, ولا عويصة من عويصات العلوم الا وبينها.. ولا حقيقة من حقائق القرآن العظيم الا وأحياها حتى تعود في حياة البشر واقعا يلمسه الناس . ويحسه ويتلمسه كما يتلمس الاشياء من حوله.
هذا الامام الذي سيمر بيده الكريمة على رؤوس الخلائق فتعود كاملة مهيئة لقبول حقائق الاسلام..تلك الحقائق التي كانت قبل ذلك مدعاة لاشمئزاز القلوب ونفور الاسماع.. وما ذلك الا لأن القلوب مدخولة والعقول عليلة. وعلاجها فقط هو ما سيجيء به هذا الإمام من الصدق والوضوح ..وما سيفيض به على الناس من تأثيره الروحي المعصوم, المنطلق من ثقافة القرآن وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وآله.


الهوامش
*بحثمشاركفيالمؤتمرالعلميالأولفيالإمامالمهديالذيعقد همركزالدراساتالتخصصيةفيالإمامالمهدي عليه السلامفيمدينةالنجفالاشرففي 22/ تموز/ 2007م.

http://www.alentedar.com/alentedar_adad11/page03.htm

خادمة الشيخ المهاجر
10-04-2008, 05:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جَعَلَ الْحَمْدَ مفْتَاح اًلذِكْرِهِ وَخَلَقَ الأشْيَاءَ نَاطِقَةً بحَمْدِه وَشُكرِهِ
وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّدالْمُشتَقِّ اسْمُهُ مِنْ اسْمِهِ الْمحْمُود
ِوَعَلى آلهِ الطَّاهِرينَ أُولِي الْمَكارِمِ وَالْجُوِد
http://www.wlidk.com/upfiles/Nd445640.gif (http://www.wlidk.com/)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنتم كثيرا سيدنا الكريم في كتابة الخطاب المهدوي وهذا يعتبر توفيق من لدن حكيم عليم
فخادمتكم الصغيرة لأول مرة تتشرف بقرآءة هذا الخطاب الجامع للكلم من فم أشرف المخلوقات على وجهة الأرض
ابن محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء و ابن الحسن المجتبى وابن الحسين الشهيد بكربلاء
ومن وجهة نظري الناقصة أن قرآءة مثل هذه الخطابات في جمع من الناس لا يعتبر تذكيرا فحسب وإنما هو إنماء وإلتفاته إلى مقام الإمام المنتظر بقية الله في أرضه وهو يتحدث عن من يحاجه في الله وملائكته ورسوله
أسأل الله أن يجعلنا نقتفي أثره وما نفوسنا التواقة إلى مقامة إلا منتظرة لمخرجة وتعجيل فرجه
موفق إلى كل خير سيدنا
http://www.wlidk.com/upfiles/oJj28373.gif (http://www.wlidk.com/)
ودمتم برعاية بقية الله الأعظم