محمدي
14-09-2006, 07:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمدالطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الغاية من الامتحان الالهي ؟
السؤال :
قال الله تعالى في كتابه العزيز " الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " ([1]) هنا يطرح السؤال التالي : لا يحتاج الى الامتحان سوى من لا يعلم بعاقبة الأمور ؛ والله الذي يستوي الظاهر والباطن بالنسبة له ، ولا يخفى عليه ما في السماوات ولا في الأرض ، ما هي حاجته الى امتحان عباده ؟
الجواب :
بصورة إجمالية ينبغي الالتفات الى أن للامتحان الالهي هدفاً ومعنى آخر . بغية كشف الحقيقة ورفع الغموض يضطر البشر – نتيجة لمحدودية علومهم – الى استعمال الاختبار ، لكن بما أن هذه القضية محالة بالنسبة لله تعالى لاحاطته بجميع الأمور نتيجة العلم اللامحدود الذي لديه ، يكون الامتحان بهذا المعنى بالنسبة له غير معقول ، بل إن امتحانه يحمل معنى آخر وأهدافاً أخرى نبينها فيما يلي :
1- هدفه من امتحان عباده إعدادهم وتنمية قابلياتهم .
حينما يولد الانسان تولد معه سلسلة من القابليات والامكانيات الكامنة والمودعة في فطرته ؛ جميع الكمالات الانسانية والفضائل الأخلاقية مودعة في وجوده وتندمج في فطرته ، لكن هذه القابليات شأنها شأن الثروات الطبيعية لا تظهرالى الوجود إلا بأدوات خاصة ، ولا تخرج من مرحلة القوة الى مرحلة الفعلية إلا بذلك . بدهي أنه ما لم تصل هذه القابلية الى مرحلة الظهور لن ينال الانسان التكامل والفضيلة ومن ثم الثواب الالهي .
إنما يحصل هذا الامتحان بهدف تربية البشر وتنمية السجايا الانسانية الرفيعة لديه ؛ فلولا هذه التكاليف والامتحانات لما ظهرت هذه القابليات في وجود البشر قط ، ولما استحق شخص الثواب والتقدير .
أوضح أمير المؤمنين (ع) هذه الحقيقة في نهج البلاغة في جملة مختصرة وبليغة وعالية المضامين حيث قال : " لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة ؛ لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن " ([2]) ، ثم أضاف الامام موضحاً العلة من الامتحان قائلاً : " ليتبين الساخط لرزقه ، والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب " .
كما تلاحظون فان الامام (ع) يعتبر الهدف من الامتحان الالهي ظهور الصفات الداخلية والقابليات الباطنية بشكل فعل خارجي في ظل الامتحان ومن ثم ينال الانسان الثواب والعقاب ، وإلا فبالصفات الداخلية فقط ( بدون عمل خارجي ) لا يمكن إعطاء الثواب ولا تحديد العقاب ، وفي الحقيقة لا يحدث تكامل أبداً .
فعلى سبيل المثال عندما اختبر الله تعالى النبي إبراهيم (ع) وذلك بأمره بذبح ابنه ، ليس الهدف منه أن يعلم مدى إطاعة إبراهيم لأوامره من عدمها ، بل الهدف هو تنمية روح الطاعة والتسليم مقابل أوامر الله تعالى التي كانت كامنة في وجود إبراهيم (ع) ، وإيصالها الى مرحلة الفعلية ، وبذا يتقدم إبراهيم (ع) خطوة نحو التكامل . (تأملوا)
ولهذا السبب يمتحن الله سبحانه عباده بشتى الصعوبات كما قال جل شأنه :" ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " ([3]) .
إن المشاكل والصعاب تشبه النار التي تصقل الحديد وتزيد من صلابته ، وكذلك هو الانسان تزيده الحوادث صلابة وقوة فيغدو قادراً على اجتياز كافة العوائق الموجودة في طريق سعادته .
حينما نقول : غرض الباري جل وعلا من امتحان عباده إعدادهم وتنمية السجايا الرفيعة في وجودهم ، لا نعني من ذلك أن جميع الأفراد الذين يدخلون الامتحان ينالون هذا الهدف وتنمو لديهم الصفات الأخلاقية السامية ، بل المراد أن الامتحان الالهي يخلق لديهم الأرضية المناسبة لذلك ؛ فمن يروم السعادة الأبدية يغتنم هذه الفرصة ولا يفرط فيها ويصل الى ما يطمح اليه ، وهناك فئة من الناس يسيؤون الاستفادة من ذلك ويبرزون صفاتهم السيئة الكامنة في ذواتهم ويجسدونها في الأعمال القبيحة ، وبالتالي يرسبون في هذا الامتحان ، هذا أحد أسرار الامتحان الالهي .
2- الثمرة الأخرى للامتحان الالهي التي تتعلق بالامتحانات الجماعية هي – فضلاً عن موضوع التربية – معرفة الصالح من الطالح ، والمؤمن من الفاسد ، والجيد من الرديء ، لقد أشار القرآن الكريم الى هذه النقطة معبراً عنها بلفظ التمحيص : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ([4]) .
3- الفائدة الثالثة للامتحان الالهي إتمام الحجة على المدعين بلا وجه حق ؛ فهناك من يدعي شيئاً ولكنه في مقام العمل يقوم بشيء آخر ! أي أنهم رجال حديث لا رجال عمل ، فبهذا الامتحان يتضح موقف أولئك .
اذا لم يوضع هكذا أفراد على محك الاختبار ، ولم يتضح باطنهم الأجوف المخالف لظاهرهم المنمق ، ربما يبقون على الخطأ ويبقى الآخرون مخدوعين بهم ، مما يدعوهم الى افتراض العذاب الالهي أو عدم ألطافه لهم ظلماً بحقهم ؛ أما الامتحان فيكشف النقاب عن أعمالهم ويجلي صورتهم أمام أنفسهم والآخرين أيضاً ، هذه فلسفة الامتحان الالهي .
اللهم صل على محمد وآل محمد
--------------------------------------------------------------------------------
من موقع سماحة آية الله
الشيخ مكارم الشيرازي
(1) الملك 67 : 2 .
(2) نهج البلاغة ، محمد عبده ، الكلمات القصار 93 .
(3) البقرة 2 : 155 .
(4) آل عمران 3 : 14
اللهم صل على محمد وآل محمدالطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الغاية من الامتحان الالهي ؟
السؤال :
قال الله تعالى في كتابه العزيز " الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " ([1]) هنا يطرح السؤال التالي : لا يحتاج الى الامتحان سوى من لا يعلم بعاقبة الأمور ؛ والله الذي يستوي الظاهر والباطن بالنسبة له ، ولا يخفى عليه ما في السماوات ولا في الأرض ، ما هي حاجته الى امتحان عباده ؟
الجواب :
بصورة إجمالية ينبغي الالتفات الى أن للامتحان الالهي هدفاً ومعنى آخر . بغية كشف الحقيقة ورفع الغموض يضطر البشر – نتيجة لمحدودية علومهم – الى استعمال الاختبار ، لكن بما أن هذه القضية محالة بالنسبة لله تعالى لاحاطته بجميع الأمور نتيجة العلم اللامحدود الذي لديه ، يكون الامتحان بهذا المعنى بالنسبة له غير معقول ، بل إن امتحانه يحمل معنى آخر وأهدافاً أخرى نبينها فيما يلي :
1- هدفه من امتحان عباده إعدادهم وتنمية قابلياتهم .
حينما يولد الانسان تولد معه سلسلة من القابليات والامكانيات الكامنة والمودعة في فطرته ؛ جميع الكمالات الانسانية والفضائل الأخلاقية مودعة في وجوده وتندمج في فطرته ، لكن هذه القابليات شأنها شأن الثروات الطبيعية لا تظهرالى الوجود إلا بأدوات خاصة ، ولا تخرج من مرحلة القوة الى مرحلة الفعلية إلا بذلك . بدهي أنه ما لم تصل هذه القابلية الى مرحلة الظهور لن ينال الانسان التكامل والفضيلة ومن ثم الثواب الالهي .
إنما يحصل هذا الامتحان بهدف تربية البشر وتنمية السجايا الانسانية الرفيعة لديه ؛ فلولا هذه التكاليف والامتحانات لما ظهرت هذه القابليات في وجود البشر قط ، ولما استحق شخص الثواب والتقدير .
أوضح أمير المؤمنين (ع) هذه الحقيقة في نهج البلاغة في جملة مختصرة وبليغة وعالية المضامين حيث قال : " لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة ؛ لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن " ([2]) ، ثم أضاف الامام موضحاً العلة من الامتحان قائلاً : " ليتبين الساخط لرزقه ، والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب " .
كما تلاحظون فان الامام (ع) يعتبر الهدف من الامتحان الالهي ظهور الصفات الداخلية والقابليات الباطنية بشكل فعل خارجي في ظل الامتحان ومن ثم ينال الانسان الثواب والعقاب ، وإلا فبالصفات الداخلية فقط ( بدون عمل خارجي ) لا يمكن إعطاء الثواب ولا تحديد العقاب ، وفي الحقيقة لا يحدث تكامل أبداً .
فعلى سبيل المثال عندما اختبر الله تعالى النبي إبراهيم (ع) وذلك بأمره بذبح ابنه ، ليس الهدف منه أن يعلم مدى إطاعة إبراهيم لأوامره من عدمها ، بل الهدف هو تنمية روح الطاعة والتسليم مقابل أوامر الله تعالى التي كانت كامنة في وجود إبراهيم (ع) ، وإيصالها الى مرحلة الفعلية ، وبذا يتقدم إبراهيم (ع) خطوة نحو التكامل . (تأملوا)
ولهذا السبب يمتحن الله سبحانه عباده بشتى الصعوبات كما قال جل شأنه :" ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " ([3]) .
إن المشاكل والصعاب تشبه النار التي تصقل الحديد وتزيد من صلابته ، وكذلك هو الانسان تزيده الحوادث صلابة وقوة فيغدو قادراً على اجتياز كافة العوائق الموجودة في طريق سعادته .
حينما نقول : غرض الباري جل وعلا من امتحان عباده إعدادهم وتنمية السجايا الرفيعة في وجودهم ، لا نعني من ذلك أن جميع الأفراد الذين يدخلون الامتحان ينالون هذا الهدف وتنمو لديهم الصفات الأخلاقية السامية ، بل المراد أن الامتحان الالهي يخلق لديهم الأرضية المناسبة لذلك ؛ فمن يروم السعادة الأبدية يغتنم هذه الفرصة ولا يفرط فيها ويصل الى ما يطمح اليه ، وهناك فئة من الناس يسيؤون الاستفادة من ذلك ويبرزون صفاتهم السيئة الكامنة في ذواتهم ويجسدونها في الأعمال القبيحة ، وبالتالي يرسبون في هذا الامتحان ، هذا أحد أسرار الامتحان الالهي .
2- الثمرة الأخرى للامتحان الالهي التي تتعلق بالامتحانات الجماعية هي – فضلاً عن موضوع التربية – معرفة الصالح من الطالح ، والمؤمن من الفاسد ، والجيد من الرديء ، لقد أشار القرآن الكريم الى هذه النقطة معبراً عنها بلفظ التمحيص : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ([4]) .
3- الفائدة الثالثة للامتحان الالهي إتمام الحجة على المدعين بلا وجه حق ؛ فهناك من يدعي شيئاً ولكنه في مقام العمل يقوم بشيء آخر ! أي أنهم رجال حديث لا رجال عمل ، فبهذا الامتحان يتضح موقف أولئك .
اذا لم يوضع هكذا أفراد على محك الاختبار ، ولم يتضح باطنهم الأجوف المخالف لظاهرهم المنمق ، ربما يبقون على الخطأ ويبقى الآخرون مخدوعين بهم ، مما يدعوهم الى افتراض العذاب الالهي أو عدم ألطافه لهم ظلماً بحقهم ؛ أما الامتحان فيكشف النقاب عن أعمالهم ويجلي صورتهم أمام أنفسهم والآخرين أيضاً ، هذه فلسفة الامتحان الالهي .
اللهم صل على محمد وآل محمد
--------------------------------------------------------------------------------
من موقع سماحة آية الله
الشيخ مكارم الشيرازي
(1) الملك 67 : 2 .
(2) نهج البلاغة ، محمد عبده ، الكلمات القصار 93 .
(3) البقرة 2 : 155 .
(4) آل عمران 3 : 14