المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوحي


الحيدرية
11-04-2008, 07:56 PM
تعريف الوحي:


الوحي في اللغة: عرف اللغويون الوحي بقولهم: «اصل الوحي: الاشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: امر وحي، وذلك يكون بالكلام، وعلى سبيل الرمز والتعريض،وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وباشارة بعض الجوارح وبالكتابة... ويقال‏للكلمة الالهية التي تلقى الى انبيائه واوليائه وحي . وذلك اضرب حسبما دل عليه‏قوله(وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا...) الى قوله (باذنه من يشاء).
وذلك اما برسول مشاهد ترى ذاته، ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل(ع) للنبي في صورة‏معينة، واما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى(ع) كلام اللّه، واما بالقاء في‏الروع، كما ذكر عليه الصلاة والسلام: ان روح القدس نفث في روعي، واما بتسخيرنحو قوله: (واوحى ربك الى النحل)، او بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام: «انقطع‏الوحي‏وبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن، فالالهام والتسخير والمنام
وعرف الشيخ المفيد الوحي فقال: (اصل الوحي هو الكلام الخفي، ثم قد يطلق على‏كل شي‏ء قصد به الى افهام المخاطب على السر له عن غيره، والتخصيص له به دون من‏سواه، واذا اءضيف الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل(ص) خاصة دون من سواهم‏على عرف الاسلام وشريعة النبي.
وتحدث المفسر الامامي الكبير الطبرسي عن الوحي فعرفه بقوله: (الايحاء: هو القاءالمعنى الى الغير على وجه يخفى، والايحاء الارسال الى الانبياء، نقول اوحى اللّه اليه،اي ارسل اليه ملكا. والايحاء الالهام، ومنه قوله تعالى: (واوحى ربك الى النحل).
وقوله: (بان ربك اوحى لها): معناه القى اليها معنى ما اراد منها، قال العجاج: اوحى‏اليها القرار فاستقرت. وشدها بالراسيات الثبت.
والايحاء: الايماء، قال: فاوحت الينا والانامل رسلها.
ومنه قوله تعالى: (فاوحى اليهم ان سبحوه بكرة وعشيا) اي اشار اليهم. والوحي‏الكتابة. قال رؤبة: لقدر كان وحاه الواحي. وقال: في سور من ربنا موحية. والقلم الذي‏يكتب به. والقلم الذي يجال بين القوم.
وبهذا الاستعراض من اساطين العلم واللغة، نعرف ان معنى الوحي في اللغة، هو القاءالمعنى الى الغير بطريقة السر والخفاء بين الملقي، والملقى اليه.

الوحي في الاصطلاح:

وكلمة الوحي هي مصطلح قرآني من اعرق واهم المصطلحات الاسلامية في مجال‏الفكر والعقيدة، ويشكل الايمان به القاعدة الاساسية للايمان بالانبياء والرسل(ع)،وقد استعملها القرآن بهذا المعنى في موارد عديدة، كما جاءت في السنة المطهرة‏وعلى السن العلماء الاسلاميين، وهو الوحي الى الانبياء والرسل.
وهو المعنى المتبادر الى ذهن الانسان المسلم من استعمال هذه الكلمة، كقوله تعالى:(ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه).
وكقوله تعالى: (واءوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ
وقد اوضح الشيخ المفيد الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي بقوله: (اذا اضيف‏«الوحي‏» الى اللّه تعالى كان فيما يخص به ‏الرسل صلى اللّه عليهم خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعة‏النبي(ص
وهذا الصنف من الوحي الالهي الى البشر قد انقطع بوفاة نبينا محمد(ص) ولتاكيد هذاالمعتقد الضروري في الاسلام قال الشيخ المفيد: (...والاتفاق على انه من زعم ان احدابعد نبينا محمد(ص) يوحى اليه فقد اخطا وكفر، ولحصول العلم بذلك من دين‏النبي(ص
ثم يوضح المعنى الاصطلاحي للوحي، ويفصله عن غيره، رغم استعمال نفس اللفظ‏بقوله: (وقد يري اللّه سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تاويله، وتثبت‏حقيقته، لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت‏لمن طبعه اللّه على علم شي‏ء انه يوحى اليه
وقد جاء في توضيح المعنى الاصطلاحي ايضا:
(واما تفسير وحي النبوة والرسالة فهو: قوله تعالى: (انا اوحينا اليك كما اوحينا الى‏نوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل
وهكذا يتضح الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي، ويفترق عن الاستعمالات‏الاخرى التي تنطبق على غير الانبياء، كما يتضح
ذلك.
الوحي في القرآن:
لقد استعمل القرآن الكريم كلمة الوحي في معان عديدة، وهذه الاستعمالات هي:
1 استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعناها الاصطلاحي‏كما اشرنا اليه آنفا.
2 استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعنى الالقاء في نفوس بعض العباد من غيرالانبياء، كالقاء اللّه سبحانه ما اراد القاءه في نفس ام موسى والهامها.
قال تعالى: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي‏ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين
وقد نقل الشيخ المفيد تفسير هذا اللون من الوحي بقوله عند تفسير الاية الانفة الذكر:(فاتفق اهل الاسلام على ان الوحي كان رؤيا، او كلاما سمعته ام موسى في منامها على‏الاختصاص)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link11)
وكالقائه سبحانه في نفوس الحواريين ليؤمنوا بعيسى الذي صوره بقوله: (واذ اوحيت‏الى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي
ونقرا تفسيرا آخر لكلمة الوحي بمعنى الهام بعض الناس او توجيه بعض الخلائق،فقد نقل العلا مة المجلسي من تفسير النعماني مانصه:
«واما وحي الالهام فهو قوله عزوجل: (واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال‏بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون). ومثله: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذاخفت عليه فالقيه في اليم

وقد اشار الشيخ المفيد الى ان هذا اللون من الالقاء يحصل لائمة اهل البيت الهداة(ع)لما اتصفوا به من طهارة الذات، وصفاء النفس، وكمال التقوى، والتوجه الى اللّهسبحانه، على ان هذا الالقاء كما يوضح الشيخ المفيد ليس هو القاء احكام او تشريع،فان ذلك منقطع بعد النبي(ص) ولا يصح القول به.
قال رحمه اللّه: (وعندنا ان اللّه يسمع الحجج بعد نبيه كلاما يلقيه اليهم في علم ما يكون،لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي، لما قدمناه من اجماع المسلمين على انه لا وحي الى‏احد بعد نبينا، وانه لا يقال في شي‏ء مما ذكرناه انه وحي الى احد
فهذا الصنف من الالقاء الذي اشار اليه الرسول(ص) واجمع المسلمون على حصوله‏لغير الانبياء يتحقق للاولياء في المنام والالهام والرؤيا، وغير ذلك من المبشرات التي‏ذكرها الحديث النبوي الشريف.
3 استعمل القرآن كلمة (الوحي) بمعنى الوسوسة والالقاء الخبيث في النفس، وقدجاء هذا الاستعمال في قوله تعالى: (وان الشياطين ليوحون الى‏اوليائهم
وبقوله: (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا...).
4 واستعمل القرآن كلمة الوحي بمعنى الاشارة المفهمة افهاما خفيا للمراد.
فقد جاء هذا الاستعمال في وصفه تعالى لاشارة النبي يحيى(ع) الى اصحابه، قال‏تعالى: (فخرج على قومه من المحراب فاوحى اليهم
5 الايحاء بمعنى التسخير و وضع النظام التكويني من قبل اللّه تعالى لتسير وفقه عوالم‏الطبيعة والمادة والاحياء. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات‏في يومين واوحى في كل سماء امرها
(واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر وممايعرشون.
صور الوحي الى الانبياء: قال تعالى: (وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولافيوحي‏باذنه ما يشاء انه علي حكيم‏# وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا
لقد تحدث القرآن الكريم عن حالات عديدة للالقاء الالهي وحالات الوحي الى‏الانبياء التي يتلقاها الانبياء بوعي ووضوح كامل لما يريد اللّه سبحانه ان يلقيه اليهم.

وهذه الحالات هي:
1 الوحي المباشر: لقد حظ‏ي بعض الانبياء بالحديث الالهي المباشر، والقاء الكلمة‏اليهم، واسماعهم من غير واسطة الملك(ع) وقد وصف الامام جعفر بن محمدالصادق(ع) هذا الصنف من الوحي الذي تلقاه نبينا محمد(ص) بقوله: «كان رسول‏اللّه(ص) اذا اتاه الوحي وبينهما جبرئيل(ع) يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل،واذا اتاه الوحي، وليس بينهما جبرئيل، تصيبه تلك السبتة، ويغشاه منه ما يغشاه، لثقل الوحي عليه من اللّه عزوجل‏
وروى زرارة قال: «قلت لابي عبد اللّه(ع) جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب‏رسول اللّه(ص) اذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك اذا لم يكن بينه وبين اللّه احد،ذاك اذا تجلى اللّه له، قال: ثم قال: تلك النبوة يازرارة‏
ويصف الشيخ المفيد هذه الحالة فيقول: (فاما الوحي من اللّه تعالى الى نبيه(ص) فقدكان تارة باسماعه الكلام من غير واسطة ومثاله ما كلم اللّه به النبي‏محمدا(ص) في معراجه المبارك عند سدرة المنتهى
وهذه المباشرة لا تعني زوال الحجاب الذي يكلم من ورائه البشر، كما ذكر اللّه سبحانه‏ذلك.
2 الوحي بواسطة الملك جبرئيل: وهذا اللون من الوحي هو الوحي المالوف في‏الرسالات، وبه نزلت الكتب والشرائع، فقد جعل اللّه جبرئيل(ع) وسيطا لايصال‏رسالاته الى الانبياء(ع).
قال اللّه تعالى: موضحا نزول القرآن على نبينا محمد(ص) بواسطة جبرئيل(ع)نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين
وقال سبحانه: (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن اللّه
3 الوحي بواسطة الرؤيا: ومن صور الوحي للانبياء هو الرؤيا الصادقة التي يريها اللّهسبحانه لانبيائه ورسله(ع).
وقد تحدث القرآن عن رؤيا ابراهيم ويوسف ومحمد(ص)، نذكر منها حديث القرآن‏عن الرؤيا التي اراها اللّه سبحانه لنبيه في دخول المسجد الحرام، وتحقيق النصر له.
قال تعالى: (لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّهآمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاقريبا)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link27)
(واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس‏والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا)
وروى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) حين سئل: كم تتاخر الرؤيا؟ قال: «راى‏رسول اللّه(ص) في منامه كان كلبا ابقع يلغ في دمه فكان، اي ذلك الكلب الابقع شمرا،قاتل الحسين، وكان ابرص، فكان تاخير الرؤيا بعد خمسين سنة‏.
وورد عن الامام علي بن ابي طالب(ع) قوله: «رؤيا الانبياء وحي‏».
ويوضح الامام الصادق(ع) ان صنفا من الانبياء يتلقون وحيهم عن طريق الرؤيا، فقدروي عنه قوله في هذا الصنف من التلقي: «...الرسول الذي ياتيه جبريل قبلا فيراه‏ويكلمه، فهذا الرسول.
واما النبي فهو الذي يرى في منامه. نحو رؤيا ابراهيم.
ونحوماكان راى رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه جبريل(ع) من‏عند اللّه بالرسالة‏
وقد روي عن عائشة قولها: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي الرؤيا الصالحة‏في النوم
4 النفث في الروع والالقاء في النفس: ومن صور الوحي والالقاء الالهي في نفوس‏الانبياء هو النفث في الروع. فقد روي عن النبي(ص) بيانه لهذه الصورة من صورالوحي، روى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) قول الرسول(ص): «ايها الناس اني‏لم اءدع شيئا يقربكم الى الجنة، ويباعدكم من النار، الا وقد نباتكم به، اءلا وان روح‏القدس (قد) نفث في روعي، واخبرني ان لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوااللّه عزوجل، واجملوا في الطلب‏.
وهكذا يوضح هذا الحديث طريقة النفث في الروع والالقاء في نفس النبي(ص)المقدسة.
وفيما يلي نقرا تلخيصا لصور الوحي في قوله تعالى: (ما كان لبشر) اي لايصح له(ان يكلمه اللّه الا وحيا) اي الهاما وقذفا في القلوب، او القاء في المنام، (او من وراءحجاب) اي يكلمه من وراء حجاب، كما كلم موسى بخلق الصوت في الطور، وكماكلم نبينا في المعراج، وهذا اما على سبيل الاستعارة والتشبيه، فان من يسمع الكلام،ولا يرى المتكلم، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب، او المراد بالحجاب‏الحجاب المعنوي من كماله تعالى ونقص الممكنات، ونوريته تعالى وظلمانية غيره، كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد. (او يرسل رسولا) اي ملكا (فيوحي باذنه‏مايشاء).
فظهر ان وحيه تعالى منحصر في اقسام ثلاثة:
اما بالالهام والالقاء في المنام، او بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى اليه.
او بارسال ملك
بدء الوحي:
يشكل الوحي ابرز ظاهرة ربانية غيبية في عالم الانسان والشهادة. ولقد تحدث القرآن‏عن الوحي، واضاء ما لابد للانسان معرفته من هذه الظاهرة الغيبية.
وفي هذا الموضوع نحاول ان ندرس مسالة بدء الوحي الى النبي محمد(ص) فان‏تحديد بداية الوحي الى النبي(ص) توضح لنا مسائل عديدة، من ابرزها انهاءالتقولات التي وصف بها موقف النبي حين مخاطبة جبريل(ع) له في غار حراء.
فقد جاءت روايات مختلفة تصور لنا موقف النبي(ص) من تلقي البشارة بالبعثة الى‏البشرية يوم اراد اللّه سبحانه بعثه الى الناس كافة، تروي ان النبي(ص) لم يكن يعرف‏ما حدث له، فعاد الى اهله يملا قلبه الرعب والشك بنفسه، وهو يبحث عن تفسير لماراى وسمع، فكان فهم ذلك وتفسيره عند خديجة وورقة بن نوفل.
ولكي نقف على جانب من تلك الروايات فلنقرا:
اخرج البخاري عن عائشة: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي، الرؤياالصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا وجاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء،وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى‏اهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في‏غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرا، قال:
(ما انا بقارئ). قال: (فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، قلت: ما انا بقارئ، فاءخذني فغطني الثانية‏حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فاخذني فغطني الثالثة،ثم ارسلني فقال: (اقرا باسم ربك الذي خلق‏ خلق الانسان من علق‏ اقرا وربك‏الاكرم). فرجع بها رسول اللّه(ص) يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد،رضي اللّه عنها، فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة،واخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا ، واللّه ما يخزيك اللّهابدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين‏على نوائب الحق.

الحيدرية
11-04-2008, 07:57 PM
فانطلقت به خديجة حتى اتت به ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى، ابن عم‏خديجة، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من‏الانجيل بالعبرانية ما شاء اللّه ان يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة:يابن عم، اسمع من ابن اخيك. فقال له ورقة: ياابن اخي ماذاترى؟ فاخبره رسول‏اللّه(ص) خبر ما راى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله اللّه على‏موسى
ويتحدث الطبري في تاريخه المعروف بتاريخ الطبري عن بدء الوحي في غار حراءفيصور ذلك المشهد بالرواية التي رواها البخاري مضيفا: (...حتى فجاه الحق فاتاه،فقال: يامحمد انت رسول اللّه، قال رسول اللّه(ص) فجثوت لركبتي وانا قائم، ثم‏زحفت ترجف بوادري، ثم دخلت على خديجة، فقلت: زملوني، زملوني حتى ذهب‏عني الروع، ثم اتاني فقال: يا محمد انت رسول اللّه، قال: فلقد هممت ان اطرح نفسي‏من حالق من جبل فتبدى لي حين هممت بذلك، فقال: يا محمد انا جبريل، وانت‏رسول اللّه...)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link37)
ويروي لنا الطبري حوادث بدء الوحي في رواية اخرى، فيقول بعد ان تحدث عن‏حوار جبريل مع النبي: (...فجاء الى خديجة فقال: يا خديجة ما اراني الا قد عرض لي،قالت: كلا ، واللّه ماكان ربك يفعل ذلك بك، ما اتيت فاحشة قط، قال: فاتت خديجة ‏ورقة ابن‏نوفل فاخبرته الخبر، فقال: لئن كنت صادقة، ان زوجك لنبي
ثم يروي الطبري عن النبي(ص) انه قال: ان جبريل جاءه، وهو نائم في غار حراء ليلا،فقال له: اقرا، والنبي يقول: ماذا اقرا؟ ثم يكرر عليه، وهو يقول: ماذا اقرا؟ فقال له في‏المرة الثالثة: (اقرا باسم ربك الذي خلق) الى قوله (علم الانسان مالم يعلم).
ثم ينقل عن النبي(ص) قوله: «فقراته، ثم انتهى، ثم انصرف عني، وهببت من نومي،وكانما كتب في قلبي كتابا».
قال اي النبي(ص): «ولم يكن من خلق اللّه احد ابغض الي من شاعر او مجنون كنت‏لا اطيق ان انظر اليهما، قال: قلت ان الابعد يعني نفسه لشاعر او مجنون، لا تحدث بهاعني قريش ابدا، لاعمدن الى حالق من الجبل فلاطرحن نفسي منه، فلاقتلنهافلاستريحن.
قال(ص): فخرجت اريد ذلك، حتى اذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من‏السماء يقول: يا محمد انت رسول اللّه، وانا جبرئيل...)
ثم يواصل الطبري نقله لهذه الرواية التي تنسب الى النبي(ص): (...وانصرفت راجعاالى اهلي حتى اتيت خديجة فجلست الى فخذها مضيفا، فقالت: يا ابا القاسم اين‏كنت؟ فواللّه لقد بعثت رسلي في طلبك، حتى بلغوا مكة، ورجعوا الي، قال: قلت لها:ان الابعد لشاعر او مجنون، فقالت: اعيذك باللّه من ذلك يا ابا القاسم: ما كان اللّه ليصنع‏ذلك بك مع ما اعلم منك من صدق حديثك، وعظم امانتك، وحسن خلقك، وصلة‏رحمك، وذاك يا ابن عم ! لعلك رايت شيئا؟ قال: فقلت لها: نعم. ثم حدثتها بالذي‏رايت، فقالت: ابشر ياابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده اني لارجو ان تكون‏نبي هذه الامة.
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت الى ورقة بن نوفل بن اسدوهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرا الكتب، وسمع من اهل التوراة والانجيل‏فاخبرته بما اخبرها به رسول اللّه(ص) انه راى وسمع، فقال ورقة: قدوس، قدوس!والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الاكبر يعني‏بالناموس جبرئيل(ع) الذي كان ياتي موسى وانه لنبي هذه الامة، فقولي له فليثبت.فرجعت خديجة الى رسول اللّه(ص)، فاخبرته بقول ورقة فسهل ذلك عليه بعض ماهو فيه
من الهم
وهكذا تصور هذه الروايات شخصية النبي الاكرم محمد(ص) وموقفه من تلقي‏الوحي بشكل يتناقض وما ورد عن ائمة اهل البيت وعلمائهم، وتبرز ثلاثة عناصراساسية حرية بان نناقشها، ونكشف ماحوت من طعن في شخص النبي الكريم(ص)وتوهين لموقفه، ومخالفة للعقل والمنطق. فهي تصور:
1- ان النبي كان يجهل ما سمع وراى، ولا يعرف له تفسيرا.
2- اتهم النبي(ص) نفسه بانه شاعر او مجنون. مما يكشف التلفيق الواضح، والدس‏الصريح الماخوذ من تهم الاعداء لشخص النبي(ص) بعد التعريف بنبوته.
3- لقد فقد النبي السيطرة على موقفه العصبي، وحاول ان يلقي بنفسه من اعلى الجبل‏ليقتلها.
4- ان خديجة وورقة بن نوفل قد اكتشفا ان الذي رآه النبي(ص) هو جبريل، وان ماحدث له ان هو الا تباشير النبوة.
فطماناه بذلك فعرف انه نبي مخاطب بالوحي منهما،وبذا اطمانت نفسه، وعرف تفسير ما راى. اما هو فلم يستطع معرفة ما راى وسمع.
5- ان ما رآه النبي(ص) هو رؤية منام، وليس يقظة كما اورد الطبري ذلك في احدى‏رواياته.
6- تتناقض هذه الروايات مع صدر الرواية التي رواها البخاري عن عائشة من ان‏الوحي الى النبي(ص) قد بدئ بالرؤية الصالحة، فكان لايرى رؤية الا جاءت كفلق‏الصبح.
واذا كانت هذه المجموعة من الروايات تتحدث بهذا الشكل المشوه والمفترى في بدءالوحي، وتلقي الرسول(ص) لهذا الفتح الغيبي الفريد في عالم الانسان، والتي تبناهاالمستشرقون والمشوهون لمبدا النبوة، فلنتناول مجموعة اخرى من الروايات والاراءالتي تتحدث عن بدء الوحي، وعن موقف الرسول(ص) وعلاقته باللّه سبحانه قبل ان‏يتفضل المولى عليه ببشارة البعثة في غار حراء، لنسجل التناقض بين المجموعتين،ونعرض الفهم السليم لشخص الرسول، ولنزول الوحي، وكيفية تلقيه(ص) لهذاالحدث العظيم.
فقد جاء عن ائمة اهل البيت(ع)، وعن عدد من علماء ينتسبون الى مدارس مذهبية‏متباينة؟. ان النبي لم يفاجا بالوحي، وان هناك مرحلة اعداد الهي، وتربية للنبي(ص)ليكون مؤهلا لتلقي الوحي، واستقبال المهمة الكبرى في عالم الانسان.
قال الاحول: سالت ابا جعفر عن الرسول والنبي والمحدث: قال: (الرسول الذي ياتيه‏جبريل قبلا فيراه ويكلمه، فهذا الرسول.
واما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤياابراهيم(ع) ونحو ما كان راي رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه‏جبريل(ع) من عند اللّه بالرسالة، وكان محمد(ص) حين جمع له النبوة، وجاءته‏الرسالة من عند اللّه يجيئه بها جبريل(ع)، ويكلمه قبلا
وعن زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه: كيف لم يخف رسول اللّه(ص) فيما ياتيه من قبل‏اللّه ان يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال: فقال: «ان اللّه اذا اتخذ عبدا رسولا انزل‏عليه السكينة والوقار فكان ياتيه من قبل اللّه، عزوجل، مثل الذي يراه بعينه‏
وتحدث الامام علي(ع) في الاعداد الالهي لشخص النبي الكريم وتاهيله للنبوة فقال:«لقد قرن اللّه به من لدن كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم،ومحاسن اخلاق العالم، ليله ونهاره‏
ونقل الماوردي عن الشعبي ما يساوق قول الامام علي(ع) فقد جاء فيه: (ان اللّه قرن‏اسرافيل(ع) بنبيه ثلاث سنين، يسمع حسه، ولا يرى شخصه، يعلمه الشي‏ء بعدالشي‏ء، ولا يذكر له القرآن، فكان في هذه المدة مبشرا بالنبوة، وامهله هذه المدة،ليتاهب لوحيه)
واخرج البخاري عن عائشة رض انها قالت: (اول ما بدئ به رسول اللّه من الوحي‏الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح...).
وقال القاضي وغيره: (وانما ابتدئ رسول اللّه(ص) بالرؤيا لئلا يفجاه الملك الذي هوجبرئيل(ع) بالنبوة: اي الرسالة، فلا تتحملها القوى البشرية: اي لان القوى البشرية لاتتحمل رؤية الملك، وان لم يكن على صورته التي خلقه اللّه عليها، ولا على سماع‏صوته، ولاعلى ما يخبر به، لا سيما الرسالة، فكانت الرؤيا تانيسا له(ص) والمرادبالملك جبرئيل(ع
ثم نقل الحلبي في سياق عرضه للاراء الواردة في بدئ الوحي فقال: وعن علقمة بن‏قيس: (اول ما يؤتى به الانبياء في النوم، اي ما يكون في المنام، حتى تهدا قلوبهم، ثم‏ينزل الوحي
ثم علق الحلبي على ذلك بقوله: اي في اليقظة، لان رؤيا الانبياء وحي وصدق‏وحق، لا اضغاث احلام، ولا تخيل من الشيطان، اذ لا سبيل له عليهم، لان قلوبهم‏نورانية فما يرونه في المنام، له حكم اليقظة، فجميع ما ينطبع في عالم مثالهم لا يكون‏الا حقا، ومن ثم جاء: «نحن معاشر الانبياء تنام اعيننا ولا تنام قلوبنا
ثم قال: (وذكر بعضهم ان مدة الرؤيا ستة اشهر، قال: فيكون ابتداء الرؤيا حصل في‏شهر ربيع الاول، وهو مولده(ص) ثم اوحى اللّه اليه في اليقظة، اي في رمضان، ذكره‏البيهقي وغيره)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link49)
وتحدث العلا مة المجلسي بعد ان عرض جملة من الاخبار والروايات والتحليلات‏المتعلقة ببدء الوحي، قال: (فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي ظهر لي من الاخبارالمعتبرة، والاثار المستفيضة، هو انه كان قبل بعثته، مذ اكمل اللّه عقله في بدو سنه، نبيامؤيدا بروح القدس، يكلمه الملك، ويسمع الصوت، ويرى في المنام، ثم بعد اربعين‏سنة صار رسولا، وكلمه الملك معاينة، ونزل عليه القرآن، وامر بالتبليغ، وكان يعبد اللّهقبل ذلك بصنوف العبادات، اما موافقا لما امر به الناس بعد التبليغ، وهو اظهر، او على‏وجه آخر، اما مطابقا لشريعة ابراهيم(ع) او غيره ممن تقدمه من الانبياء(ع) لا على‏وجه كونه تابعا لهم، او عاملا بشريعتهم، بل ان ما اوحي اليه كان مطابقا لبعض‏شرائعهم، او على وجه آخر، نسخ بما نزل عليه بعد الارسال
ان هذه المجموعة من الروايات والاراء والتحليلات العلمية التي وردت عن ائمة اهل‏البيت وعلمائهم، وعدد من علماء المذاهب الاسلامية الاخرى. لتؤكد لنا حقيقة‏منطقية، وتكشف واقعا موضوعيا يتلخص في المبادئ الاتية: 1- ان اللّه اعد نبيه، وهياه لتحمل تلك المسؤولية الكبرى، ورعاه رعاية ربانية عن طريق‏ملك (روح القدس) مكلف بذلك قبل ان يكلف بحمل الرسالة الى البشرية في غارحراء. 2- ان بدء الوحي، هو الرؤية الصادقة في المنام التي كان يدرك حقيقتها، كما يدرك في‏عالم اليقظة.
3- انه نبئ فكان نبيا، مذ اكمل اللّه عقله في بدو سنه، يتلقى الوحي عن طريق المنام‏والالقاء في النفس وحديث الملك قبل ان يبعث الى الناس رسولا.
4- ان فترة الخلوة التي كان يخلوها في غار حراء كان فيها نبيا، فكان يخلو للتعبدوالتامل، منتظرا البعثة والرسالة. ولم يفاجا بشي‏ء ابدا.
5 بعد ان كمل عمره الشريف اربعين سنة، نزل عليه جبريل(ع) بالقرآن، وبعثه اللّه الى‏الناس رسولا.