الحيدرية
11-04-2008, 07:56 PM
تعريف الوحي:
الوحي في اللغة: عرف اللغويون الوحي بقولهم: «اصل الوحي: الاشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: امر وحي، وذلك يكون بالكلام، وعلى سبيل الرمز والتعريض،وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وباشارة بعض الجوارح وبالكتابة... ويقالللكلمة الالهية التي تلقى الى انبيائه واوليائه وحي . وذلك اضرب حسبما دل عليهقوله(وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا...) الى قوله (باذنه من يشاء).
وذلك اما برسول مشاهد ترى ذاته، ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل(ع) للنبي في صورةمعينة، واما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى(ع) كلام اللّه، واما بالقاء فيالروع، كما ذكر عليه الصلاة والسلام: ان روح القدس نفث في روعي، واما بتسخيرنحو قوله: (واوحى ربك الى النحل)، او بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام: «انقطعالوحيوبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن، فالالهام والتسخير والمنام
وعرف الشيخ المفيد الوحي فقال: (اصل الوحي هو الكلام الخفي، ثم قد يطلق علىكل شيء قصد به الى افهام المخاطب على السر له عن غيره، والتخصيص له به دون منسواه، واذا اءضيف الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل(ص) خاصة دون من سواهمعلى عرف الاسلام وشريعة النبي.
وتحدث المفسر الامامي الكبير الطبرسي عن الوحي فعرفه بقوله: (الايحاء: هو القاءالمعنى الى الغير على وجه يخفى، والايحاء الارسال الى الانبياء، نقول اوحى اللّه اليه،اي ارسل اليه ملكا. والايحاء الالهام، ومنه قوله تعالى: (واوحى ربك الى النحل).
وقوله: (بان ربك اوحى لها): معناه القى اليها معنى ما اراد منها، قال العجاج: اوحىاليها القرار فاستقرت. وشدها بالراسيات الثبت.
والايحاء: الايماء، قال: فاوحت الينا والانامل رسلها.
ومنه قوله تعالى: (فاوحى اليهم ان سبحوه بكرة وعشيا) اي اشار اليهم. والوحيالكتابة. قال رؤبة: لقدر كان وحاه الواحي. وقال: في سور من ربنا موحية. والقلم الذييكتب به. والقلم الذي يجال بين القوم.
وبهذا الاستعراض من اساطين العلم واللغة، نعرف ان معنى الوحي في اللغة، هو القاءالمعنى الى الغير بطريقة السر والخفاء بين الملقي، والملقى اليه.
الوحي في الاصطلاح:
وكلمة الوحي هي مصطلح قرآني من اعرق واهم المصطلحات الاسلامية في مجالالفكر والعقيدة، ويشكل الايمان به القاعدة الاساسية للايمان بالانبياء والرسل(ع)،وقد استعملها القرآن بهذا المعنى في موارد عديدة، كما جاءت في السنة المطهرةوعلى السن العلماء الاسلاميين، وهو الوحي الى الانبياء والرسل.
وهو المعنى المتبادر الى ذهن الانسان المسلم من استعمال هذه الكلمة، كقوله تعالى:(ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه).
وكقوله تعالى: (واءوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ
وقد اوضح الشيخ المفيد الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي بقوله: (اذا اضيف«الوحي» الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل صلى اللّه عليهم خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعةالنبي(ص
وهذا الصنف من الوحي الالهي الى البشر قد انقطع بوفاة نبينا محمد(ص) ولتاكيد هذاالمعتقد الضروري في الاسلام قال الشيخ المفيد: (...والاتفاق على انه من زعم ان احدابعد نبينا محمد(ص) يوحى اليه فقد اخطا وكفر، ولحصول العلم بذلك من دينالنبي(ص
ثم يوضح المعنى الاصطلاحي للوحي، ويفصله عن غيره، رغم استعمال نفس اللفظبقوله: (وقد يري اللّه سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تاويله، وتثبتحقيقته، لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقتلمن طبعه اللّه على علم شيء انه يوحى اليه
وقد جاء في توضيح المعنى الاصطلاحي ايضا:
(واما تفسير وحي النبوة والرسالة فهو: قوله تعالى: (انا اوحينا اليك كما اوحينا الىنوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل
وهكذا يتضح الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي، ويفترق عن الاستعمالاتالاخرى التي تنطبق على غير الانبياء، كما يتضح
ذلك.
الوحي في القرآن:
لقد استعمل القرآن الكريم كلمة الوحي في معان عديدة، وهذه الاستعمالات هي:
1 استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعناها الاصطلاحيكما اشرنا اليه آنفا.
2 استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعنى الالقاء في نفوس بعض العباد من غيرالانبياء، كالقاء اللّه سبحانه ما اراد القاءه في نفس ام موسى والهامها.
قال تعالى: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافيولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين
وقد نقل الشيخ المفيد تفسير هذا اللون من الوحي بقوله عند تفسير الاية الانفة الذكر:(فاتفق اهل الاسلام على ان الوحي كان رؤيا، او كلاما سمعته ام موسى في منامها علىالاختصاص)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link11)
وكالقائه سبحانه في نفوس الحواريين ليؤمنوا بعيسى الذي صوره بقوله: (واذ اوحيتالى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي
ونقرا تفسيرا آخر لكلمة الوحي بمعنى الهام بعض الناس او توجيه بعض الخلائق،فقد نقل العلا مة المجلسي من تفسير النعماني مانصه:
«واما وحي الالهام فهو قوله عزوجل: (واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبالبيوتا ومن الشجر ومما يعرشون). ومثله: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذاخفت عليه فالقيه في اليم
وقد اشار الشيخ المفيد الى ان هذا اللون من الالقاء يحصل لائمة اهل البيت الهداة(ع)لما اتصفوا به من طهارة الذات، وصفاء النفس، وكمال التقوى، والتوجه الى اللّهسبحانه، على ان هذا الالقاء كما يوضح الشيخ المفيد ليس هو القاء احكام او تشريع،فان ذلك منقطع بعد النبي(ص) ولا يصح القول به.
قال رحمه اللّه: (وعندنا ان اللّه يسمع الحجج بعد نبيه كلاما يلقيه اليهم في علم ما يكون،لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي، لما قدمناه من اجماع المسلمين على انه لا وحي الىاحد بعد نبينا، وانه لا يقال في شيء مما ذكرناه انه وحي الى احد
فهذا الصنف من الالقاء الذي اشار اليه الرسول(ص) واجمع المسلمون على حصولهلغير الانبياء يتحقق للاولياء في المنام والالهام والرؤيا، وغير ذلك من المبشرات التيذكرها الحديث النبوي الشريف.
3 استعمل القرآن كلمة (الوحي) بمعنى الوسوسة والالقاء الخبيث في النفس، وقدجاء هذا الاستعمال في قوله تعالى: (وان الشياطين ليوحون الىاوليائهم
وبقوله: (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا...).
4 واستعمل القرآن كلمة الوحي بمعنى الاشارة المفهمة افهاما خفيا للمراد.
فقد جاء هذا الاستعمال في وصفه تعالى لاشارة النبي يحيى(ع) الى اصحابه، قالتعالى: (فخرج على قومه من المحراب فاوحى اليهم
5 الايحاء بمعنى التسخير و وضع النظام التكويني من قبل اللّه تعالى لتسير وفقه عوالمالطبيعة والمادة والاحياء. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (فقضاهن سبع سماواتفي يومين واوحى في كل سماء امرها
(واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر وممايعرشون.
صور الوحي الى الانبياء: قال تعالى: (وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولافيوحيباذنه ما يشاء انه علي حكيم# وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا
لقد تحدث القرآن الكريم عن حالات عديدة للالقاء الالهي وحالات الوحي الىالانبياء التي يتلقاها الانبياء بوعي ووضوح كامل لما يريد اللّه سبحانه ان يلقيه اليهم.
وهذه الحالات هي:
1 الوحي المباشر: لقد حظي بعض الانبياء بالحديث الالهي المباشر، والقاء الكلمةاليهم، واسماعهم من غير واسطة الملك(ع) وقد وصف الامام جعفر بن محمدالصادق(ع) هذا الصنف من الوحي الذي تلقاه نبينا محمد(ص) بقوله: «كان رسولاللّه(ص) اذا اتاه الوحي وبينهما جبرئيل(ع) يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل،واذا اتاه الوحي، وليس بينهما جبرئيل، تصيبه تلك السبتة، ويغشاه منه ما يغشاه، لثقل الوحي عليه من اللّه عزوجل
وروى زرارة قال: «قلت لابي عبد اللّه(ع) جعلت فداك الغشية التي كانت تصيبرسول اللّه(ص) اذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك اذا لم يكن بينه وبين اللّه احد،ذاك اذا تجلى اللّه له، قال: ثم قال: تلك النبوة يازرارة
ويصف الشيخ المفيد هذه الحالة فيقول: (فاما الوحي من اللّه تعالى الى نبيه(ص) فقدكان تارة باسماعه الكلام من غير واسطة ومثاله ما كلم اللّه به النبيمحمدا(ص) في معراجه المبارك عند سدرة المنتهى
وهذه المباشرة لا تعني زوال الحجاب الذي يكلم من ورائه البشر، كما ذكر اللّه سبحانهذلك.
2 الوحي بواسطة الملك جبرئيل: وهذا اللون من الوحي هو الوحي المالوف فيالرسالات، وبه نزلت الكتب والشرائع، فقد جعل اللّه جبرئيل(ع) وسيطا لايصالرسالاته الى الانبياء(ع).
قال اللّه تعالى: موضحا نزول القرآن على نبينا محمد(ص) بواسطة جبرئيل(ع)نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين
وقال سبحانه: (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن اللّه
3 الوحي بواسطة الرؤيا: ومن صور الوحي للانبياء هو الرؤيا الصادقة التي يريها اللّهسبحانه لانبيائه ورسله(ع).
وقد تحدث القرآن عن رؤيا ابراهيم ويوسف ومحمد(ص)، نذكر منها حديث القرآنعن الرؤيا التي اراها اللّه سبحانه لنبيه في دخول المسجد الحرام، وتحقيق النصر له.
قال تعالى: (لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّهآمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاقريبا)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link27)
(واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناسوالشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا)
وروى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) حين سئل: كم تتاخر الرؤيا؟ قال: «راىرسول اللّه(ص) في منامه كان كلبا ابقع يلغ في دمه فكان، اي ذلك الكلب الابقع شمرا،قاتل الحسين، وكان ابرص، فكان تاخير الرؤيا بعد خمسين سنة.
وورد عن الامام علي بن ابي طالب(ع) قوله: «رؤيا الانبياء وحي».
ويوضح الامام الصادق(ع) ان صنفا من الانبياء يتلقون وحيهم عن طريق الرؤيا، فقدروي عنه قوله في هذا الصنف من التلقي: «...الرسول الذي ياتيه جبريل قبلا فيراهويكلمه، فهذا الرسول.
واما النبي فهو الذي يرى في منامه. نحو رؤيا ابراهيم.
ونحوماكان راى رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه جبريل(ع) منعند اللّه بالرسالة
وقد روي عن عائشة قولها: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي الرؤيا الصالحةفي النوم
4 النفث في الروع والالقاء في النفس: ومن صور الوحي والالقاء الالهي في نفوسالانبياء هو النفث في الروع. فقد روي عن النبي(ص) بيانه لهذه الصورة من صورالوحي، روى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) قول الرسول(ص): «ايها الناس انيلم اءدع شيئا يقربكم الى الجنة، ويباعدكم من النار، الا وقد نباتكم به، اءلا وان روحالقدس (قد) نفث في روعي، واخبرني ان لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوااللّه عزوجل، واجملوا في الطلب.
وهكذا يوضح هذا الحديث طريقة النفث في الروع والالقاء في نفس النبي(ص)المقدسة.
وفيما يلي نقرا تلخيصا لصور الوحي في قوله تعالى: (ما كان لبشر) اي لايصح له(ان يكلمه اللّه الا وحيا) اي الهاما وقذفا في القلوب، او القاء في المنام، (او من وراءحجاب) اي يكلمه من وراء حجاب، كما كلم موسى بخلق الصوت في الطور، وكماكلم نبينا في المعراج، وهذا اما على سبيل الاستعارة والتشبيه، فان من يسمع الكلام،ولا يرى المتكلم، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب، او المراد بالحجابالحجاب المعنوي من كماله تعالى ونقص الممكنات، ونوريته تعالى وظلمانية غيره، كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد. (او يرسل رسولا) اي ملكا (فيوحي باذنهمايشاء).
فظهر ان وحيه تعالى منحصر في اقسام ثلاثة:
اما بالالهام والالقاء في المنام، او بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى اليه.
او بارسال ملك
بدء الوحي:
يشكل الوحي ابرز ظاهرة ربانية غيبية في عالم الانسان والشهادة. ولقد تحدث القرآنعن الوحي، واضاء ما لابد للانسان معرفته من هذه الظاهرة الغيبية.
وفي هذا الموضوع نحاول ان ندرس مسالة بدء الوحي الى النبي محمد(ص) فانتحديد بداية الوحي الى النبي(ص) توضح لنا مسائل عديدة، من ابرزها انهاءالتقولات التي وصف بها موقف النبي حين مخاطبة جبريل(ع) له في غار حراء.
فقد جاءت روايات مختلفة تصور لنا موقف النبي(ص) من تلقي البشارة بالبعثة الىالبشرية يوم اراد اللّه سبحانه بعثه الى الناس كافة، تروي ان النبي(ص) لم يكن يعرفما حدث له، فعاد الى اهله يملا قلبه الرعب والشك بنفسه، وهو يبحث عن تفسير لماراى وسمع، فكان فهم ذلك وتفسيره عند خديجة وورقة بن نوفل.
ولكي نقف على جانب من تلك الروايات فلنقرا:
اخرج البخاري عن عائشة: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي، الرؤياالصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا وجاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء،وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الىاهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو فيغار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرا، قال:
(ما انا بقارئ). قال: (فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، قلت: ما انا بقارئ، فاءخذني فغطني الثانيةحتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فاخذني فغطني الثالثة،ثم ارسلني فقال: (اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربكالاكرم). فرجع بها رسول اللّه(ص) يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد،رضي اللّه عنها، فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة،واخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا ، واللّه ما يخزيك اللّهابدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعينعلى نوائب الحق.
الوحي في اللغة: عرف اللغويون الوحي بقولهم: «اصل الوحي: الاشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: امر وحي، وذلك يكون بالكلام، وعلى سبيل الرمز والتعريض،وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وباشارة بعض الجوارح وبالكتابة... ويقالللكلمة الالهية التي تلقى الى انبيائه واوليائه وحي . وذلك اضرب حسبما دل عليهقوله(وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا...) الى قوله (باذنه من يشاء).
وذلك اما برسول مشاهد ترى ذاته، ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل(ع) للنبي في صورةمعينة، واما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى(ع) كلام اللّه، واما بالقاء فيالروع، كما ذكر عليه الصلاة والسلام: ان روح القدس نفث في روعي، واما بتسخيرنحو قوله: (واوحى ربك الى النحل)، او بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام: «انقطعالوحيوبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن، فالالهام والتسخير والمنام
وعرف الشيخ المفيد الوحي فقال: (اصل الوحي هو الكلام الخفي، ثم قد يطلق علىكل شيء قصد به الى افهام المخاطب على السر له عن غيره، والتخصيص له به دون منسواه، واذا اءضيف الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل(ص) خاصة دون من سواهمعلى عرف الاسلام وشريعة النبي.
وتحدث المفسر الامامي الكبير الطبرسي عن الوحي فعرفه بقوله: (الايحاء: هو القاءالمعنى الى الغير على وجه يخفى، والايحاء الارسال الى الانبياء، نقول اوحى اللّه اليه،اي ارسل اليه ملكا. والايحاء الالهام، ومنه قوله تعالى: (واوحى ربك الى النحل).
وقوله: (بان ربك اوحى لها): معناه القى اليها معنى ما اراد منها، قال العجاج: اوحىاليها القرار فاستقرت. وشدها بالراسيات الثبت.
والايحاء: الايماء، قال: فاوحت الينا والانامل رسلها.
ومنه قوله تعالى: (فاوحى اليهم ان سبحوه بكرة وعشيا) اي اشار اليهم. والوحيالكتابة. قال رؤبة: لقدر كان وحاه الواحي. وقال: في سور من ربنا موحية. والقلم الذييكتب به. والقلم الذي يجال بين القوم.
وبهذا الاستعراض من اساطين العلم واللغة، نعرف ان معنى الوحي في اللغة، هو القاءالمعنى الى الغير بطريقة السر والخفاء بين الملقي، والملقى اليه.
الوحي في الاصطلاح:
وكلمة الوحي هي مصطلح قرآني من اعرق واهم المصطلحات الاسلامية في مجالالفكر والعقيدة، ويشكل الايمان به القاعدة الاساسية للايمان بالانبياء والرسل(ع)،وقد استعملها القرآن بهذا المعنى في موارد عديدة، كما جاءت في السنة المطهرةوعلى السن العلماء الاسلاميين، وهو الوحي الى الانبياء والرسل.
وهو المعنى المتبادر الى ذهن الانسان المسلم من استعمال هذه الكلمة، كقوله تعالى:(ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه).
وكقوله تعالى: (واءوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ
وقد اوضح الشيخ المفيد الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي بقوله: (اذا اضيف«الوحي» الى اللّه تعالى كان فيما يخص به الرسل صلى اللّه عليهم خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعةالنبي(ص
وهذا الصنف من الوحي الالهي الى البشر قد انقطع بوفاة نبينا محمد(ص) ولتاكيد هذاالمعتقد الضروري في الاسلام قال الشيخ المفيد: (...والاتفاق على انه من زعم ان احدابعد نبينا محمد(ص) يوحى اليه فقد اخطا وكفر، ولحصول العلم بذلك من دينالنبي(ص
ثم يوضح المعنى الاصطلاحي للوحي، ويفصله عن غيره، رغم استعمال نفس اللفظبقوله: (وقد يري اللّه سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تاويله، وتثبتحقيقته، لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقتلمن طبعه اللّه على علم شيء انه يوحى اليه
وقد جاء في توضيح المعنى الاصطلاحي ايضا:
(واما تفسير وحي النبوة والرسالة فهو: قوله تعالى: (انا اوحينا اليك كما اوحينا الىنوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل
وهكذا يتضح الاستعمال الاصطلاحي لكلمة وحي، ويفترق عن الاستعمالاتالاخرى التي تنطبق على غير الانبياء، كما يتضح
ذلك.
الوحي في القرآن:
لقد استعمل القرآن الكريم كلمة الوحي في معان عديدة، وهذه الاستعمالات هي:
1 استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعناها الاصطلاحيكما اشرنا اليه آنفا.
2 استعمل القرآن الكريم كلمة وحي بمعنى الالقاء في نفوس بعض العباد من غيرالانبياء، كالقاء اللّه سبحانه ما اراد القاءه في نفس ام موسى والهامها.
قال تعالى: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافيولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين
وقد نقل الشيخ المفيد تفسير هذا اللون من الوحي بقوله عند تفسير الاية الانفة الذكر:(فاتفق اهل الاسلام على ان الوحي كان رؤيا، او كلاما سمعته ام موسى في منامها علىالاختصاص)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link11)
وكالقائه سبحانه في نفوس الحواريين ليؤمنوا بعيسى الذي صوره بقوله: (واذ اوحيتالى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي
ونقرا تفسيرا آخر لكلمة الوحي بمعنى الهام بعض الناس او توجيه بعض الخلائق،فقد نقل العلا مة المجلسي من تفسير النعماني مانصه:
«واما وحي الالهام فهو قوله عزوجل: (واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبالبيوتا ومن الشجر ومما يعرشون). ومثله: (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذاخفت عليه فالقيه في اليم
وقد اشار الشيخ المفيد الى ان هذا اللون من الالقاء يحصل لائمة اهل البيت الهداة(ع)لما اتصفوا به من طهارة الذات، وصفاء النفس، وكمال التقوى، والتوجه الى اللّهسبحانه، على ان هذا الالقاء كما يوضح الشيخ المفيد ليس هو القاء احكام او تشريع،فان ذلك منقطع بعد النبي(ص) ولا يصح القول به.
قال رحمه اللّه: (وعندنا ان اللّه يسمع الحجج بعد نبيه كلاما يلقيه اليهم في علم ما يكون،لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي، لما قدمناه من اجماع المسلمين على انه لا وحي الىاحد بعد نبينا، وانه لا يقال في شيء مما ذكرناه انه وحي الى احد
فهذا الصنف من الالقاء الذي اشار اليه الرسول(ص) واجمع المسلمون على حصولهلغير الانبياء يتحقق للاولياء في المنام والالهام والرؤيا، وغير ذلك من المبشرات التيذكرها الحديث النبوي الشريف.
3 استعمل القرآن كلمة (الوحي) بمعنى الوسوسة والالقاء الخبيث في النفس، وقدجاء هذا الاستعمال في قوله تعالى: (وان الشياطين ليوحون الىاوليائهم
وبقوله: (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا...).
4 واستعمل القرآن كلمة الوحي بمعنى الاشارة المفهمة افهاما خفيا للمراد.
فقد جاء هذا الاستعمال في وصفه تعالى لاشارة النبي يحيى(ع) الى اصحابه، قالتعالى: (فخرج على قومه من المحراب فاوحى اليهم
5 الايحاء بمعنى التسخير و وضع النظام التكويني من قبل اللّه تعالى لتسير وفقه عوالمالطبيعة والمادة والاحياء. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (فقضاهن سبع سماواتفي يومين واوحى في كل سماء امرها
(واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر وممايعرشون.
صور الوحي الى الانبياء: قال تعالى: (وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولافيوحيباذنه ما يشاء انه علي حكيم# وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا
لقد تحدث القرآن الكريم عن حالات عديدة للالقاء الالهي وحالات الوحي الىالانبياء التي يتلقاها الانبياء بوعي ووضوح كامل لما يريد اللّه سبحانه ان يلقيه اليهم.
وهذه الحالات هي:
1 الوحي المباشر: لقد حظي بعض الانبياء بالحديث الالهي المباشر، والقاء الكلمةاليهم، واسماعهم من غير واسطة الملك(ع) وقد وصف الامام جعفر بن محمدالصادق(ع) هذا الصنف من الوحي الذي تلقاه نبينا محمد(ص) بقوله: «كان رسولاللّه(ص) اذا اتاه الوحي وبينهما جبرئيل(ع) يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل،واذا اتاه الوحي، وليس بينهما جبرئيل، تصيبه تلك السبتة، ويغشاه منه ما يغشاه، لثقل الوحي عليه من اللّه عزوجل
وروى زرارة قال: «قلت لابي عبد اللّه(ع) جعلت فداك الغشية التي كانت تصيبرسول اللّه(ص) اذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك اذا لم يكن بينه وبين اللّه احد،ذاك اذا تجلى اللّه له، قال: ثم قال: تلك النبوة يازرارة
ويصف الشيخ المفيد هذه الحالة فيقول: (فاما الوحي من اللّه تعالى الى نبيه(ص) فقدكان تارة باسماعه الكلام من غير واسطة ومثاله ما كلم اللّه به النبيمحمدا(ص) في معراجه المبارك عند سدرة المنتهى
وهذه المباشرة لا تعني زوال الحجاب الذي يكلم من ورائه البشر، كما ذكر اللّه سبحانهذلك.
2 الوحي بواسطة الملك جبرئيل: وهذا اللون من الوحي هو الوحي المالوف فيالرسالات، وبه نزلت الكتب والشرائع، فقد جعل اللّه جبرئيل(ع) وسيطا لايصالرسالاته الى الانبياء(ع).
قال اللّه تعالى: موضحا نزول القرآن على نبينا محمد(ص) بواسطة جبرئيل(ع)نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين
وقال سبحانه: (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن اللّه
3 الوحي بواسطة الرؤيا: ومن صور الوحي للانبياء هو الرؤيا الصادقة التي يريها اللّهسبحانه لانبيائه ورسله(ع).
وقد تحدث القرآن عن رؤيا ابراهيم ويوسف ومحمد(ص)، نذكر منها حديث القرآنعن الرؤيا التي اراها اللّه سبحانه لنبيه في دخول المسجد الحرام، وتحقيق النصر له.
قال تعالى: (لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّهآمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاقريبا)( (http://www.14masom.com/ahlulbait/books/11/alghor02.htm#link27)
(واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناسوالشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا)
وروى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) حين سئل: كم تتاخر الرؤيا؟ قال: «راىرسول اللّه(ص) في منامه كان كلبا ابقع يلغ في دمه فكان، اي ذلك الكلب الابقع شمرا،قاتل الحسين، وكان ابرص، فكان تاخير الرؤيا بعد خمسين سنة.
وورد عن الامام علي بن ابي طالب(ع) قوله: «رؤيا الانبياء وحي».
ويوضح الامام الصادق(ع) ان صنفا من الانبياء يتلقون وحيهم عن طريق الرؤيا، فقدروي عنه قوله في هذا الصنف من التلقي: «...الرسول الذي ياتيه جبريل قبلا فيراهويكلمه، فهذا الرسول.
واما النبي فهو الذي يرى في منامه. نحو رؤيا ابراهيم.
ونحوماكان راى رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه جبريل(ع) منعند اللّه بالرسالة
وقد روي عن عائشة قولها: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي الرؤيا الصالحةفي النوم
4 النفث في الروع والالقاء في النفس: ومن صور الوحي والالقاء الالهي في نفوسالانبياء هو النفث في الروع. فقد روي عن النبي(ص) بيانه لهذه الصورة من صورالوحي، روى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) قول الرسول(ص): «ايها الناس انيلم اءدع شيئا يقربكم الى الجنة، ويباعدكم من النار، الا وقد نباتكم به، اءلا وان روحالقدس (قد) نفث في روعي، واخبرني ان لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوااللّه عزوجل، واجملوا في الطلب.
وهكذا يوضح هذا الحديث طريقة النفث في الروع والالقاء في نفس النبي(ص)المقدسة.
وفيما يلي نقرا تلخيصا لصور الوحي في قوله تعالى: (ما كان لبشر) اي لايصح له(ان يكلمه اللّه الا وحيا) اي الهاما وقذفا في القلوب، او القاء في المنام، (او من وراءحجاب) اي يكلمه من وراء حجاب، كما كلم موسى بخلق الصوت في الطور، وكماكلم نبينا في المعراج، وهذا اما على سبيل الاستعارة والتشبيه، فان من يسمع الكلام،ولا يرى المتكلم، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب، او المراد بالحجابالحجاب المعنوي من كماله تعالى ونقص الممكنات، ونوريته تعالى وظلمانية غيره، كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد. (او يرسل رسولا) اي ملكا (فيوحي باذنهمايشاء).
فظهر ان وحيه تعالى منحصر في اقسام ثلاثة:
اما بالالهام والالقاء في المنام، او بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى اليه.
او بارسال ملك
بدء الوحي:
يشكل الوحي ابرز ظاهرة ربانية غيبية في عالم الانسان والشهادة. ولقد تحدث القرآنعن الوحي، واضاء ما لابد للانسان معرفته من هذه الظاهرة الغيبية.
وفي هذا الموضوع نحاول ان ندرس مسالة بدء الوحي الى النبي محمد(ص) فانتحديد بداية الوحي الى النبي(ص) توضح لنا مسائل عديدة، من ابرزها انهاءالتقولات التي وصف بها موقف النبي حين مخاطبة جبريل(ع) له في غار حراء.
فقد جاءت روايات مختلفة تصور لنا موقف النبي(ص) من تلقي البشارة بالبعثة الىالبشرية يوم اراد اللّه سبحانه بعثه الى الناس كافة، تروي ان النبي(ص) لم يكن يعرفما حدث له، فعاد الى اهله يملا قلبه الرعب والشك بنفسه، وهو يبحث عن تفسير لماراى وسمع، فكان فهم ذلك وتفسيره عند خديجة وورقة بن نوفل.
ولكي نقف على جانب من تلك الروايات فلنقرا:
اخرج البخاري عن عائشة: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي، الرؤياالصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا وجاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء،وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الىاهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو فيغار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرا، قال:
(ما انا بقارئ). قال: (فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، قلت: ما انا بقارئ، فاءخذني فغطني الثانيةحتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فاخذني فغطني الثالثة،ثم ارسلني فقال: (اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربكالاكرم). فرجع بها رسول اللّه(ص) يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد،رضي اللّه عنها، فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة،واخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا ، واللّه ما يخزيك اللّهابدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعينعلى نوائب الحق.