m-mahdi.com
15-04-2008, 12:30 PM
متى يظهر الإمام الحجة عليه السلام(1)
السيد علي السيد محمد الحسيني الصدر/ باحث وأستاذ في الحوزة العلمية ـ قم المقدسة ـ
اقتضت الحكمة الإلهية البارعة أن يكون وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام مخفيّاً عند الناس كخفاء ليلة القدر.
ولم يوقّته نفس أهل البيت عليهم السلام، بل منعوا عن التوقيت..
ولذلك ورد في حديث منذر الجواز عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل).(2)
ولعلّ من حِكم ومصالح خفاء وقت ظهوره عليه السلام ما يلي:
الأول: إدراك فضيلة انتظار الفرج، الذي هو من أفضل الأعمال وأهمّ الخصال. إذ لو كان وقت ظهوره المبارك موقّتاً محدّداً معلوماً، لكان الانتظار مبدّلاً إلى اليأس في الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين، ممّن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور.
فلم تحصل لهم حالة الانتظار، ولم يفوزوا بفضيلته التي نصّت وحثّت عليه الأحاديث المتظافرة مثل:
1 ـ حديث أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال ذات يوم: (ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلاّ به؟ فقلت: بلى. فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده (ورسوله)، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا (يعني الأئمة خاصة)، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم عليه السلام.
ثم قال: إن لنا دولة يجيئ الله بها إذا شاء.
ثم قال: من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه.
فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة).(3)
2 ـ حديث البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال:
(ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله عز وجل: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)،(4) (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(5)؟
فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم).(6)
3 ـ حديث الاربعمائة الشريف جاء فيه:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج).
وقال عليه السلام: (مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجّل، واستعينوا بالله واصبروا. إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم).
وقال عليه السلام: (الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله).(7)
فنلاحظ ونعرف من خلال هذه الأحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الإلهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أعمال أُمته.
إذ به فاز الاسلام منذ بدئه، حينما لم يكن الا هو صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه عليه السلام وناصراه سيدنا أبو طالب، والسيدة خديجة.
وبه دام الإسلام ببركة جهاد وجهود أوصيائه وعترته.
وبه يظهر الإسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مُصلحه وصاحبه.
فانتظار الفرج الحقيقي هي العُدّة والعَدد والحفاظ، في قبال الصدمات والكوارث والمخططات، التي يريد بها الأعداء أن يطفئوا نور الله: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
لذلك يحق أن يكون انتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الأصيل لبقاء العقيدة الاسلامية الخالصة، المتجسدة في ظهور الإمام المهدي عليه السلام ودولته الحقّة.
الثاني: التهيؤ لمقدمه الشريف، وإصلاح النفس لقدومه المبارك، فان هذا الانتظار يسنح الفرصة المناسبة والوازع الأكيد لاصلاح النفس، وتزكية الروح، وقابلية الشخص، بل تحصيل درجات الفضل والكمال.
كما نلاحظ ونلمسه فيمن اتّصف بها من المؤمنين المنتظرين الذين حازوا فائق الكرامات، ونالوا رائق المكرمات، من كُبّار العلماء والصالحين.
الثالث: حكمة الامتحان واختبار الخلق.
فان ممّا تقتضيه الحكمة الإلهية، اتماماً للحجة وكشفاً للمحجة، اختبار الناس ليتّضح مدى تصديقهم وتسليمهم لظهور الإمام المهدي عليه السلام الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه.
وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطّلعوا على وقت تحقّقه، فيُمتحنون بذلك، وتتم عليهم الحجّة هنالك.
قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ).(8)
وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
وبالامتحان يتبيّن الحال وحقائق الرجال.
فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان ظهور الإمام الحجة عليه السلام وعدم توقيته، رعاية لهذه المصالح العامة، والدواعي التامة.
لكن في نفس الوقت جُعل للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحقّقه، وتبشر المؤمنين بأوان تبلّجه، وتفيض علينا شآبيب النور وآيات السرور.
وقد قسّمت هذه العلائم إلى أقسام ثلاثة، لا ينبغي أن يُعدّ جميعها علائم ظهوره، لأن بعضها تحدث في زمان غيبته، بل حدث بعضها.
وبعضها الآخر يحدث قبل ظهوره..
والبعض الآخر يكون علامةً قريبة للظهور المبارك بالبيان التالي:
القسم الأول: العلائم العامة التي تحدث في زمان غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
القسم الثاني: العلائم التي تحدث قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام بسنوات غير كثيرة.
القسم الثالث: العلائم القريبة من الظهور، في سنتها أو قبلها.
والقسم الثالث هذا على نوعين: المحتومة وغير المحتومة.
ونشير إلى هذه الأقسام باختصار:
القسم الأول: العلائم العامة
وهي علامات كثيرة وحوادث متكاثرة، تحدث في الغيبة الكبرى قبل الظهور، مثل خروج الدجال ونحوه، وقد جاءت في روايات عديدة مثل:
1 ـ حديث النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: قال خَطَبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلّى على محمد وآله، ثم قال: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني ـ ثلاثاً ـ فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟
... فقال عليه السلام: احفظ، فإنّ علامة ذلك، إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الكذب، وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا، وشيّدوا البنيان، وباعوا الدين بالدّنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدِّماء.
وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادة الزّور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطوّلت المنارات، واُكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهنّ في التّجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقي الفاجر مخافة شرّه، وصُدِّق الكاذب، وائتُمن الخائن.
واتُّخذت القيان(9) والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أوّلها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه، وتُفقّه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذِّئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر... ).(10)
2 ـ الحديث العلوي الشريف: (يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة ـ وهو شرّ الأزمنة ـ نسوةٌ كاشفات عاريات متبرجات، من الدين (خارجات خ ل)، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاّت للمحرمات، في جهنّم (داخلات خل) خالدات).(11)
3 ـ الحديث الصادقي الشريف المفصّل، جاء فيه:
(ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غداً في زمرتنا. فإذا رأيت ال حقَّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق، واُحدث فيه ما ليس فيه، ووُجّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفا كما ينكفئ الاناء.
ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشرّ ظاهراً لا ينهى عنه ويعذّر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردُّ عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطّعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردُّ عليه قوله.
ورأيت الغلام يعطي ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوّجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوّذ بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع.
ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحبُّ الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقَّرون ويحتقر من يحبّهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً وسبيل الشر مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عُطّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله.
ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال.
ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، وأظهروا الخضاب، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم، وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن وكان الربا ظاهراً لا يعيّر، وكان الزنا تمتدح به النساء.
ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهنّ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدّون بشاهد الزّور، ورأيت الحرام يحلّل، ورأيت الحلال يحرّم، ورأيت الدين بالرأي، وعُطّل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفي به من الجرأة على الله.
ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلاّ بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل.
ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد.
ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفي بهنّ، ورأيت الرجل يقتل على (التهمة وعلى) الظنّة، ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعيّر على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها.
ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته، ويرضى بالدنيّ من الطعام والشراب، ورأيت الايمان بالله عز وجل كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرُّ بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سُلطانه.
ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبّنا يزوَّر ولا يقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه.
ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخفّ على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عطّلت وعُمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشرّ قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تُستملح ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً.
ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يُذلّ للكافر والمؤمن، ورأيت الخراب قد اُديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخفُّ بها.
ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدّنيا، ويشهّر نفسه بخبث اللسان ليتّقي وتسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استخفّ بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر.
ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتمّ بما (يقول) الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاّه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم، وثقل الذّكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنّما يصلّي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة.
ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يُذمُّ ويعيّر، وطالب الحرام يمدح ويعظّم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبُّ الله، لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين.
ورأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، يقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزَّ (ء) به فلا يفزع له أحد.
ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرّ أكثر ممّا كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلاّ الأغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به، ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم (أي علانية)، لا ينكر أحد منكراً تخوُّفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله، ويمنع اليسير في طاعة الله.
ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كلّ أمر، لا يؤتى إلاّ مالهنّ فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه، ويدعو على والديه، ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم، من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر، كئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره.
ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزّور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التديّن به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة، ورياح أهل الحق لا تحرك.
ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشيةً ممّن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلّي بالناس فهو لا يعقل، ولا يشان بالسكر، وإذا سكر اُكرم واتّقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذَّر بسكره.
ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدَّث بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله، يأخذون منهم ويخلّونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى، ولا يعمل القائل بما يأمر.
ورأيت الصلاة قد استخفَّ بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست.
فكن على حذر، واطلب من الله عز وجل النجاة، واعلم أنّ الناس في سخط الله عز وجل وإنّما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقّباً! واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه.
فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم، عجّلت إلى رحمة الله، وإن أُخّرت ابتلوا وكنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على الله عز وجل.
واعلم أنّ الله لا يضيع أجر المحسنين، وأنّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين).(12)
القسم الثاني: العلائم القريبة
وهي علامات كثيرة أيضاً تحدث قريباً من الظهور ذكرتها الأحاديث الشريفة التي جمعها شيخ الشيعة المفيد قدس سره في باب ذكر علامات قيام الإمام المهدي عليه السلام ولخّص قدس سره تلك العلامات في أول الباب، وعدّ منها:
(كُسُوفُ الشمسِ في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان.
وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلعُ العرب أعنّتها وتملّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم.
وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، واقبال رايات سود من المشرق نحوها.
وبَثْقٌ في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جَلُولاءَ وخانقين، وعقدُ الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها.
وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلاّت، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم.
(ومسخٌ لقوم) من أهل البدع حتى يصيروا قردةً وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، ووجهٌ وصدرٌ يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرةً يتصل فتحيا به الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام.
فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة، فيتوجّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.(13)
وتفصيل العلامات تلاحظها في خطبة البيان المروية عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.(14)
القسم الثالث: العلائم المقترنة
وهي علامات خاصة قريبة جداً من الظهور المبارك؛ تحدث في نفس سنة الظهور أو السنة السابقة عليه.
وهي كما تقدم على نوعين:
علائم محتومة.
وعلائم غير محتومة.
بالبيان التالي:
أما العلائم المحتومة
فهي ما في حديث الإمام الصادق عليه السلام:
(قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء).(15)
فلنشر إلى شيء من بيان العلائم الحتمية الخمس للظهور المبارك:
1 ـ الصيحة السماوية
وهي النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل عليه السلام في ليلة الجمعة، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك:
(يا عباد الله! اسمعوا ما أقول: إنّ هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فأجيبوه)، كما في خطبة البيان.(16)
وهذا من أبرز الآيات وأوضح العلامات على ظهوره الشريف.
ويكون بصوت مفهوم ومسموع، يسمعه جميع أهل العالم، كلّ قوم بلسانهم؛ كما في حديث زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام.(17)
وفي حديث آخر: ينادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المشرق والمغرب فلا يبقى راقد إلاّ قام، ولا قائم إلاّ قعد، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه السلام.(18)
وتكون هذه الصيحة أعظم بشرى وسرور للمؤمنين، حتى تسمعه العذراء في خدرها، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج لنصرة الإمام المهدي عليه السلام.
في حين هي أكبر تهديد وإنذار للظالمين والمتكبرين، حيث يأخذهم الفزع والخوف، كما قد يستفاد من حديث الإمام الباقر عليه السلام.(19)
2 ـ خروج السفياني
وهو رجل سفّاك للدماء، أمويّ النسب، حقود على أهل البيت عليهم السلام، اسمه عثمان بن عنبسة من ولد أبي سفيان.
وهو وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، يخرج من الوادي اليابس بالشام، كما في حديث أمير المؤمنين عليه السلام.(20)
وله محنة كبرى وبلاءٌ عظيم وقتل ذريع وهتك للحرمات، يفعلها هو وجيشه الذي يكون في الشام ويبعثه إلى العراق والى المدينة، كما يستفاد من خطبة البيان.(21)
ويكون خروجه في رجب، ورايته حمراء، كما في حديث البحار.(22) أما جيشه إلى العراق فيرجع إلى الشام بعد إفساد كثير، وأما جيشه إلى المدينة فيُخسف بهم في البيداء، كما يأتي في العلامة الثالثة.
ونهاية أمره هو الخسران المبين، كما تلاحظ مفصل بيانه في كتاب الإمام المهدي عليه السلام (23) وحاصله:
توجه الإمام المهدي عليه السلام بعد الكوفة إلى الشام وقضاؤه على السفياني وأصحابه وجيشه الراجع إلى الشام، ويريح الله العباد من شرّه.
3 ـ خسف البيداء
البيداء اسم للمفازة التي لا شيء فيها، وهي اسم أرض خاصة بين مكة والمدينة، على ميلٍ ـ أي 1860 متراً ـ من ذي الحليفة نحو مكة، وكأنها مأخوذة من الإبادة أي الاهلاك.
وفي الحديث نُهي عن الصلاة فيها، وعلل بأنها من الأماكن المغضوب عليها، كما في مجمع البحرين.(24)
ومن العلامات الحتمية انخساف هذه الأرض بجيش السفياني وابتلاعها لهم، فان السفياني يبعث جيشه إلى المدينة ـ كما عرفت ـ فيبغي فيها الظلم والفساد.
ويخرج الامام المهدي عليه السلام من المدينة إلى مكة على سُنة موسى بن عمران، فيبلغ قائد جيش السفياني ان الإمام المهدي عليه السلام قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشه على أثره ليهدم الكعبة.
وينزل الجيش البيداء، فتبيدهم الأرض، كما يشير اليه حديث الامام الباقر عليه السلام.(25)
وينجو من هذا الخسف رجلان، أحدهما يبشر الإمام المهدي بهلاك الظالمين، والآخر ينذر السفياني بهلاك جيشه، كما في حديث المفضل حيث جاء فيه:
ثم يقبل على القائم عليه السلام رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء.
فيقول له القائم عليه السلام بيِّن قصّتك وقصّة أخيك.
فيقول الرجل: كنتُ وأخي في جيش السفياني وخرّبنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جمّاء وخرّبنا الكوفة وخرّبنا المدينة...
وخرجنا منها، وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرّسنا فيها، فصاح بنا صائح: يا بيداء أبيدي القوم الظالمين.
فانفجرت الأرض وابتلعت كل الجيش، فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري وغير أخي.
فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى فقال لأخي: ويلك يا نذير! امض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد عليه السلام وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء.
وقال لي: يا بشير، إلحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين، وتب على يده فإنه يقبل توبتك.
فيمر القائم عليه السلام يده على وجهه فيرده سوياً كما كان، ويبايعه ويكون معه).(26)
4 ـ خروج اليماني
من العلائم المحتومة خروج اليماني الذي يدعو إلى الحق والى الطريق المستقيم، كما صرّحت به الأحاديث مثل:
حديث الإمام الباقر عليه السلام: (وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على (الناس و) كل مسلم. وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق والى طريق مستقيم).(27)
واستفيد من بعض الأخبار الشريفة أن خروجه من صنعاء اليمن.(28)
كما جاء في بعض الأحاديث انه من ذرية زيد الشهيد عليه السلام.(29)
5 ـ قتل النفس الزكية
وهو غلام من آل محمد عليهم السلام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، يقتل بين الركن والمقام بدون أيّ ذنب، كما يستفاد من حديث الإمام الباقر عليه السلام.(30)
يرسله الإمام المهدي عليه السلام إلى أهل مكة ـ قبل وصوله إليها ـ إتماماً للحجة واستنصاراً لمظلومية أهل البيت عليهم السلام، كما يستفاد من حديث الإمام الباقر عليه السلام جاء فيه:
(يقول القائم عليه السلام لأصحابه يا قوم إن أهل مكة لا يريدونني، ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم.
فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له امض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة! أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا.
فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا اليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية.
فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنّ أهل مكة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ـ عدة أهل بدر ـ حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويُثني عليه ويذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصلي عليه ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد من الناس... ).(31)
وهذه العلائم الخمس من علامات الظهور المحتّمات ـ كما تقدم ـ تكون في سنة الظهور ويكون بعده القيام.(32)
أمّا العلائم غير المحتومة
فهي علامات عديدة منها:
1 ـ خروج راية السيد الحسني الهاشمي.
يشير إليه حديث الإمام الباقر عليه السلام:
(يخرج شاب من بني هاشم، بكفّه اليمنى خال، ويأتي من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزموهم).(33)
وكذلك حديث خطبة البيان التي ورد فيها:
(فيلحقه (أي الإمام المهدي عليه السلام) رجل من أولاد الحسن، في اثنا عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العم، أنا أحق منك بهذا الأمر لأني من ولد الحسن وهو أكبر من الحسين.
فيقول المهدي: إني أنا المهدي.
فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟
فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيؤمي إليه فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة. ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء، فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع.
فيقول الحسني: الأمر لك. فيسلّم وتسلّم جنوده).(34)
وفي حديث المفضّل:
(ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم، يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد! أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح.
فتجيبه كنوز الله بالطالقان؛ كنوز وأي كنوز. ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلا.
فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السلام ويقولون: يا ابن رسول الله، من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟
فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد؟ وهو والله يعلم أنه المهدي، وإنه ليعرفه ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو.
فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع، وناقته العضباء، وبغلته الدُّلدُل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين عليه السلام ؟
فيخرج له ذلك، ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلاّ أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتى يبايعوه.
فيقول الحسني: الله أكبر! مدّ يدك يا ابن رسول الله حتى نبايعك.
فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلاّ أربعين ألفاً، أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية، فإنهم يقولون: ما هذا إلا سحر عظيم؟
فيختلط العسكران، فيقبل المهدي عليه السلام على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً).(35)
2 ـ خسوف القمر لخمسٍ بقين، وكسوف الشمس لخمس عشرة مضين من شهر رمضان.
وهذه ظاهرة كونية خارقة للنظام الفلكي، يشير اليها حديث الإمام الباقر عليه السلام:
(آيتان (اثنان) بين يدي هذا الأمر: خسوف القمر لخمس وكسوف الشمس عشرة، (و) لم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السلام إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين).(36)
3 ـ كثرة الأمطار في جمادي الآخرة، وعشرة أيام من رجب.
ويشير إليها حديث الإمام الصادق عليه السلام: (إذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة الأيام من رجب، مطراً لم تر الخلائق مثله).(37)
ولعله يشير إليه أيضاً حديث سعيد بن جبير الذي نقله الشيخ المفيد قدس سره.(38)
4 ـ الموت الأحمر والموت الأبيض بذهاب ثلثي أهل العالم.
ويشير إليها حديث الإمام الصادق عليه السلام:
1 ـ عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(قدّام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة. الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون).(39)
2 ـ عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس.
فقيل له: إذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟
فقال عليه السلام: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي).(40)
إلى غير ذلك من العلائم الأخرى التي وردت في أحاديث كثيرة، تلاحظها في باب علائم الظهور من الغيبتين.
مثل ما في حديث أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز وجل: (عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)،(41) ما هو عذاب خزي الدنيا؟
فقال: (وأيُّ خزي أخزى ـ يا أبا بصير ـ من أن يكون الرَّجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله، إذ شقّ أهله الجيوب عليه وصرخوا، فيقول الناس: ما هذا؟ فيقال: مُسخ فلان الساعة. فقلت: قبل قيام القائم عليه السلام أو بعده؟ قال: لا، بل قبله).(42)
ومن المناسب في المقام ذكر ما يكون من الحوادث عند ظهوره عليه السلام في رواية المفضل البيانية المفصلة، ويأتي بيانها.
هذه ملامح خاصة من علائم ظهور تلك الشمس المشرقة، وبزوغ ذلك النور الإلهي الأبلج، وانقشاع سحاب الغيبة عن جمال وجه الإمام المهدي عليه السلام أرواحنا فداه، ليقوم ويملأ الأرض بالقسط والعدل.
الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من البحوث المشاركة في المؤتمر العلمي الأول الذي أقامه مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الأشرف في 22/7/2007م.
(2) الغيبة للشيخ الطوسي، ص 262.
(3) الغيبة للشيخ النعماني، ص 200، باب 11، ح16.
(4) سورة هود، الآية 63.
(5) الاعراف: 71.
(6) كمال الدين، ص 654، ب55، ح5.
(7) البحار، ج 52، ص 122، ح7.
(8) العنكبوت: 3.
(9) القيان: جمع قينة، الإماء المغنّيات.
(10) كمال الدين، ص 535، ب 47، ح1.
(11) منتخب الأثر، ص 426.
(12) روضة الكافي، ج8، ص 36 ـ 42؛ البحار، ج 52، ص 256، باب 25، حديث 147.
(13) الارشاد، ج2، ص 368؛ كمال الدين، ص 330، باب 32، حديث 16.
(14) الزام الناصب، ج2، ص 178.
(15) كمال الدين: ص 650، باب 57، حديث 7.
(16) الزام الناصب، ج2، ص 200.
(17) كمال الدين: ص 650، باب 57، حديث8.
(18) البحار: ج 52، ص 290.
(19) الغيبة للشيخ النعماني: ص 254، باب 14، حديث 13.
(20) كمال الدين: ص 651، باب 57، حديث 188.
(21) الزام الناصب: ج2، ص 188.
(22) البحار، ج 53، ص 248، حديث 131 وص 273، حديث 167.
(23) الامام المهدي عليه السلام من المهد الى الظهور: ص 433.
(24) مجمع البحرين، ص 198.
(25) البحار، ج 52، ص 238، باب 25، حديث 105.
(26) البحار، ج53، ص 10، باب 25، حديث1.
(27) البحار: ج 52، ص 232، باب 25، حديث 96.
(28) مهدي منتظر، ص 175.
(29) بشارة الإسلام، ص 175.
(30) البحار: ج52، ص 192، باب 25، حديث 24.
(31) البحار: ج52، ص 307، باب 26، حديث 81.
(32) كمال الدين: ص 655، باب 57، حديث 25.
(33) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس، ص 77.
(34) الزام الناصب: ج2، ص 205.
(35) البحار: ج 53، ص 15.
(36) كمال الدين: ص 655، ح 25، ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي، ص 270.
(37) الزام النائب، ج2، ص 159.
(38) الإرشاد، ج2، ص 373.
(39) كمال الدين، ص 655، ب 75، ح 27.
(40) كمال الدين: ص 655، ب 75، ح 29.
(41) فصّلت: 16.
(42) الغيبة للشيخ النعماني: ص 269.
http://www.alentedar.com/alentedar_adad13/page02.htm
المقال منقول عن مجلة الانتظار وليس بالضرورة يمثل رأي المركز.
السيد علي السيد محمد الحسيني الصدر/ باحث وأستاذ في الحوزة العلمية ـ قم المقدسة ـ
اقتضت الحكمة الإلهية البارعة أن يكون وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام مخفيّاً عند الناس كخفاء ليلة القدر.
ولم يوقّته نفس أهل البيت عليهم السلام، بل منعوا عن التوقيت..
ولذلك ورد في حديث منذر الجواز عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل).(2)
ولعلّ من حِكم ومصالح خفاء وقت ظهوره عليه السلام ما يلي:
الأول: إدراك فضيلة انتظار الفرج، الذي هو من أفضل الأعمال وأهمّ الخصال. إذ لو كان وقت ظهوره المبارك موقّتاً محدّداً معلوماً، لكان الانتظار مبدّلاً إلى اليأس في الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين، ممّن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور.
فلم تحصل لهم حالة الانتظار، ولم يفوزوا بفضيلته التي نصّت وحثّت عليه الأحاديث المتظافرة مثل:
1 ـ حديث أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال ذات يوم: (ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلاّ به؟ فقلت: بلى. فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده (ورسوله)، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا (يعني الأئمة خاصة)، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم عليه السلام.
ثم قال: إن لنا دولة يجيئ الله بها إذا شاء.
ثم قال: من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه.
فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة).(3)
2 ـ حديث البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال:
(ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله عز وجل: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)،(4) (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(5)؟
فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم).(6)
3 ـ حديث الاربعمائة الشريف جاء فيه:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج).
وقال عليه السلام: (مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجّل، واستعينوا بالله واصبروا. إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم).
وقال عليه السلام: (الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله).(7)
فنلاحظ ونعرف من خلال هذه الأحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الإلهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أعمال أُمته.
إذ به فاز الاسلام منذ بدئه، حينما لم يكن الا هو صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه عليه السلام وناصراه سيدنا أبو طالب، والسيدة خديجة.
وبه دام الإسلام ببركة جهاد وجهود أوصيائه وعترته.
وبه يظهر الإسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مُصلحه وصاحبه.
فانتظار الفرج الحقيقي هي العُدّة والعَدد والحفاظ، في قبال الصدمات والكوارث والمخططات، التي يريد بها الأعداء أن يطفئوا نور الله: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
لذلك يحق أن يكون انتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الأصيل لبقاء العقيدة الاسلامية الخالصة، المتجسدة في ظهور الإمام المهدي عليه السلام ودولته الحقّة.
الثاني: التهيؤ لمقدمه الشريف، وإصلاح النفس لقدومه المبارك، فان هذا الانتظار يسنح الفرصة المناسبة والوازع الأكيد لاصلاح النفس، وتزكية الروح، وقابلية الشخص، بل تحصيل درجات الفضل والكمال.
كما نلاحظ ونلمسه فيمن اتّصف بها من المؤمنين المنتظرين الذين حازوا فائق الكرامات، ونالوا رائق المكرمات، من كُبّار العلماء والصالحين.
الثالث: حكمة الامتحان واختبار الخلق.
فان ممّا تقتضيه الحكمة الإلهية، اتماماً للحجة وكشفاً للمحجة، اختبار الناس ليتّضح مدى تصديقهم وتسليمهم لظهور الإمام المهدي عليه السلام الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه.
وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطّلعوا على وقت تحقّقه، فيُمتحنون بذلك، وتتم عليهم الحجّة هنالك.
قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ).(8)
وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
وبالامتحان يتبيّن الحال وحقائق الرجال.
فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان ظهور الإمام الحجة عليه السلام وعدم توقيته، رعاية لهذه المصالح العامة، والدواعي التامة.
لكن في نفس الوقت جُعل للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحقّقه، وتبشر المؤمنين بأوان تبلّجه، وتفيض علينا شآبيب النور وآيات السرور.
وقد قسّمت هذه العلائم إلى أقسام ثلاثة، لا ينبغي أن يُعدّ جميعها علائم ظهوره، لأن بعضها تحدث في زمان غيبته، بل حدث بعضها.
وبعضها الآخر يحدث قبل ظهوره..
والبعض الآخر يكون علامةً قريبة للظهور المبارك بالبيان التالي:
القسم الأول: العلائم العامة التي تحدث في زمان غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
القسم الثاني: العلائم التي تحدث قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام بسنوات غير كثيرة.
القسم الثالث: العلائم القريبة من الظهور، في سنتها أو قبلها.
والقسم الثالث هذا على نوعين: المحتومة وغير المحتومة.
ونشير إلى هذه الأقسام باختصار:
القسم الأول: العلائم العامة
وهي علامات كثيرة وحوادث متكاثرة، تحدث في الغيبة الكبرى قبل الظهور، مثل خروج الدجال ونحوه، وقد جاءت في روايات عديدة مثل:
1 ـ حديث النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: قال خَطَبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلّى على محمد وآله، ثم قال: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني ـ ثلاثاً ـ فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟
... فقال عليه السلام: احفظ، فإنّ علامة ذلك، إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الكذب، وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا، وشيّدوا البنيان، وباعوا الدين بالدّنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدِّماء.
وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادة الزّور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطوّلت المنارات، واُكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهنّ في التّجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقي الفاجر مخافة شرّه، وصُدِّق الكاذب، وائتُمن الخائن.
واتُّخذت القيان(9) والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أوّلها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه، وتُفقّه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذِّئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر... ).(10)
2 ـ الحديث العلوي الشريف: (يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة ـ وهو شرّ الأزمنة ـ نسوةٌ كاشفات عاريات متبرجات، من الدين (خارجات خ ل)، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاّت للمحرمات، في جهنّم (داخلات خل) خالدات).(11)
3 ـ الحديث الصادقي الشريف المفصّل، جاء فيه:
(ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غداً في زمرتنا. فإذا رأيت ال حقَّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق، واُحدث فيه ما ليس فيه، ووُجّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفا كما ينكفئ الاناء.
ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشرّ ظاهراً لا ينهى عنه ويعذّر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردُّ عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطّعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردُّ عليه قوله.
ورأيت الغلام يعطي ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوّجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوّذ بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع.
ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحبُّ الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقَّرون ويحتقر من يحبّهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً وسبيل الشر مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عُطّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله.
ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال.
ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، وأظهروا الخضاب، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم، وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن وكان الربا ظاهراً لا يعيّر، وكان الزنا تمتدح به النساء.
ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهنّ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدّون بشاهد الزّور، ورأيت الحرام يحلّل، ورأيت الحلال يحرّم، ورأيت الدين بالرأي، وعُطّل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفي به من الجرأة على الله.
ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلاّ بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل.
ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد.
ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفي بهنّ، ورأيت الرجل يقتل على (التهمة وعلى) الظنّة، ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعيّر على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها.
ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته، ويرضى بالدنيّ من الطعام والشراب، ورأيت الايمان بالله عز وجل كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرُّ بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سُلطانه.
ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبّنا يزوَّر ولا يقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه.
ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخفّ على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عطّلت وعُمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشرّ قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تُستملح ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً.
ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يُذلّ للكافر والمؤمن، ورأيت الخراب قد اُديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخفُّ بها.
ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدّنيا، ويشهّر نفسه بخبث اللسان ليتّقي وتسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استخفّ بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر.
ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتمّ بما (يقول) الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاّه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم، وثقل الذّكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنّما يصلّي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة.
ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يُذمُّ ويعيّر، وطالب الحرام يمدح ويعظّم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبُّ الله، لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين.
ورأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، يقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزَّ (ء) به فلا يفزع له أحد.
ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرّ أكثر ممّا كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلاّ الأغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به، ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم (أي علانية)، لا ينكر أحد منكراً تخوُّفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله، ويمنع اليسير في طاعة الله.
ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كلّ أمر، لا يؤتى إلاّ مالهنّ فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه، ويدعو على والديه، ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم، من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر، كئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره.
ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزّور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التديّن به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة، ورياح أهل الحق لا تحرك.
ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشيةً ممّن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلّي بالناس فهو لا يعقل، ولا يشان بالسكر، وإذا سكر اُكرم واتّقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذَّر بسكره.
ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدَّث بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله، يأخذون منهم ويخلّونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى، ولا يعمل القائل بما يأمر.
ورأيت الصلاة قد استخفَّ بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست.
فكن على حذر، واطلب من الله عز وجل النجاة، واعلم أنّ الناس في سخط الله عز وجل وإنّما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقّباً! واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه.
فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم، عجّلت إلى رحمة الله، وإن أُخّرت ابتلوا وكنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على الله عز وجل.
واعلم أنّ الله لا يضيع أجر المحسنين، وأنّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين).(12)
القسم الثاني: العلائم القريبة
وهي علامات كثيرة أيضاً تحدث قريباً من الظهور ذكرتها الأحاديث الشريفة التي جمعها شيخ الشيعة المفيد قدس سره في باب ذكر علامات قيام الإمام المهدي عليه السلام ولخّص قدس سره تلك العلامات في أول الباب، وعدّ منها:
(كُسُوفُ الشمسِ في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان.
وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلعُ العرب أعنّتها وتملّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم.
وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، واقبال رايات سود من المشرق نحوها.
وبَثْقٌ في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جَلُولاءَ وخانقين، وعقدُ الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها.
وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلاّت، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم.
(ومسخٌ لقوم) من أهل البدع حتى يصيروا قردةً وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، ووجهٌ وصدرٌ يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرةً يتصل فتحيا به الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام.
فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة، فيتوجّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.(13)
وتفصيل العلامات تلاحظها في خطبة البيان المروية عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.(14)
القسم الثالث: العلائم المقترنة
وهي علامات خاصة قريبة جداً من الظهور المبارك؛ تحدث في نفس سنة الظهور أو السنة السابقة عليه.
وهي كما تقدم على نوعين:
علائم محتومة.
وعلائم غير محتومة.
بالبيان التالي:
أما العلائم المحتومة
فهي ما في حديث الإمام الصادق عليه السلام:
(قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء).(15)
فلنشر إلى شيء من بيان العلائم الحتمية الخمس للظهور المبارك:
1 ـ الصيحة السماوية
وهي النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل عليه السلام في ليلة الجمعة، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك:
(يا عباد الله! اسمعوا ما أقول: إنّ هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فأجيبوه)، كما في خطبة البيان.(16)
وهذا من أبرز الآيات وأوضح العلامات على ظهوره الشريف.
ويكون بصوت مفهوم ومسموع، يسمعه جميع أهل العالم، كلّ قوم بلسانهم؛ كما في حديث زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام.(17)
وفي حديث آخر: ينادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المشرق والمغرب فلا يبقى راقد إلاّ قام، ولا قائم إلاّ قعد، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه السلام.(18)
وتكون هذه الصيحة أعظم بشرى وسرور للمؤمنين، حتى تسمعه العذراء في خدرها، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج لنصرة الإمام المهدي عليه السلام.
في حين هي أكبر تهديد وإنذار للظالمين والمتكبرين، حيث يأخذهم الفزع والخوف، كما قد يستفاد من حديث الإمام الباقر عليه السلام.(19)
2 ـ خروج السفياني
وهو رجل سفّاك للدماء، أمويّ النسب، حقود على أهل البيت عليهم السلام، اسمه عثمان بن عنبسة من ولد أبي سفيان.
وهو وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، يخرج من الوادي اليابس بالشام، كما في حديث أمير المؤمنين عليه السلام.(20)
وله محنة كبرى وبلاءٌ عظيم وقتل ذريع وهتك للحرمات، يفعلها هو وجيشه الذي يكون في الشام ويبعثه إلى العراق والى المدينة، كما يستفاد من خطبة البيان.(21)
ويكون خروجه في رجب، ورايته حمراء، كما في حديث البحار.(22) أما جيشه إلى العراق فيرجع إلى الشام بعد إفساد كثير، وأما جيشه إلى المدينة فيُخسف بهم في البيداء، كما يأتي في العلامة الثالثة.
ونهاية أمره هو الخسران المبين، كما تلاحظ مفصل بيانه في كتاب الإمام المهدي عليه السلام (23) وحاصله:
توجه الإمام المهدي عليه السلام بعد الكوفة إلى الشام وقضاؤه على السفياني وأصحابه وجيشه الراجع إلى الشام، ويريح الله العباد من شرّه.
3 ـ خسف البيداء
البيداء اسم للمفازة التي لا شيء فيها، وهي اسم أرض خاصة بين مكة والمدينة، على ميلٍ ـ أي 1860 متراً ـ من ذي الحليفة نحو مكة، وكأنها مأخوذة من الإبادة أي الاهلاك.
وفي الحديث نُهي عن الصلاة فيها، وعلل بأنها من الأماكن المغضوب عليها، كما في مجمع البحرين.(24)
ومن العلامات الحتمية انخساف هذه الأرض بجيش السفياني وابتلاعها لهم، فان السفياني يبعث جيشه إلى المدينة ـ كما عرفت ـ فيبغي فيها الظلم والفساد.
ويخرج الامام المهدي عليه السلام من المدينة إلى مكة على سُنة موسى بن عمران، فيبلغ قائد جيش السفياني ان الإمام المهدي عليه السلام قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشه على أثره ليهدم الكعبة.
وينزل الجيش البيداء، فتبيدهم الأرض، كما يشير اليه حديث الامام الباقر عليه السلام.(25)
وينجو من هذا الخسف رجلان، أحدهما يبشر الإمام المهدي بهلاك الظالمين، والآخر ينذر السفياني بهلاك جيشه، كما في حديث المفضل حيث جاء فيه:
ثم يقبل على القائم عليه السلام رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء.
فيقول له القائم عليه السلام بيِّن قصّتك وقصّة أخيك.
فيقول الرجل: كنتُ وأخي في جيش السفياني وخرّبنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جمّاء وخرّبنا الكوفة وخرّبنا المدينة...
وخرجنا منها، وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرّسنا فيها، فصاح بنا صائح: يا بيداء أبيدي القوم الظالمين.
فانفجرت الأرض وابتلعت كل الجيش، فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري وغير أخي.
فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى فقال لأخي: ويلك يا نذير! امض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد عليه السلام وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء.
وقال لي: يا بشير، إلحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين، وتب على يده فإنه يقبل توبتك.
فيمر القائم عليه السلام يده على وجهه فيرده سوياً كما كان، ويبايعه ويكون معه).(26)
4 ـ خروج اليماني
من العلائم المحتومة خروج اليماني الذي يدعو إلى الحق والى الطريق المستقيم، كما صرّحت به الأحاديث مثل:
حديث الإمام الباقر عليه السلام: (وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على (الناس و) كل مسلم. وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق والى طريق مستقيم).(27)
واستفيد من بعض الأخبار الشريفة أن خروجه من صنعاء اليمن.(28)
كما جاء في بعض الأحاديث انه من ذرية زيد الشهيد عليه السلام.(29)
5 ـ قتل النفس الزكية
وهو غلام من آل محمد عليهم السلام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، يقتل بين الركن والمقام بدون أيّ ذنب، كما يستفاد من حديث الإمام الباقر عليه السلام.(30)
يرسله الإمام المهدي عليه السلام إلى أهل مكة ـ قبل وصوله إليها ـ إتماماً للحجة واستنصاراً لمظلومية أهل البيت عليهم السلام، كما يستفاد من حديث الإمام الباقر عليه السلام جاء فيه:
(يقول القائم عليه السلام لأصحابه يا قوم إن أهل مكة لا يريدونني، ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم.
فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له امض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة! أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا.
فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا اليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية.
فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنّ أهل مكة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ـ عدة أهل بدر ـ حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويُثني عليه ويذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصلي عليه ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد من الناس... ).(31)
وهذه العلائم الخمس من علامات الظهور المحتّمات ـ كما تقدم ـ تكون في سنة الظهور ويكون بعده القيام.(32)
أمّا العلائم غير المحتومة
فهي علامات عديدة منها:
1 ـ خروج راية السيد الحسني الهاشمي.
يشير إليه حديث الإمام الباقر عليه السلام:
(يخرج شاب من بني هاشم، بكفّه اليمنى خال، ويأتي من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزموهم).(33)
وكذلك حديث خطبة البيان التي ورد فيها:
(فيلحقه (أي الإمام المهدي عليه السلام) رجل من أولاد الحسن، في اثنا عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العم، أنا أحق منك بهذا الأمر لأني من ولد الحسن وهو أكبر من الحسين.
فيقول المهدي: إني أنا المهدي.
فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟
فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيؤمي إليه فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة. ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء، فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع.
فيقول الحسني: الأمر لك. فيسلّم وتسلّم جنوده).(34)
وفي حديث المفضّل:
(ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم، يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد! أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح.
فتجيبه كنوز الله بالطالقان؛ كنوز وأي كنوز. ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلا.
فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السلام ويقولون: يا ابن رسول الله، من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟
فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد؟ وهو والله يعلم أنه المهدي، وإنه ليعرفه ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو.
فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع، وناقته العضباء، وبغلته الدُّلدُل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين عليه السلام ؟
فيخرج له ذلك، ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلاّ أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتى يبايعوه.
فيقول الحسني: الله أكبر! مدّ يدك يا ابن رسول الله حتى نبايعك.
فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلاّ أربعين ألفاً، أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية، فإنهم يقولون: ما هذا إلا سحر عظيم؟
فيختلط العسكران، فيقبل المهدي عليه السلام على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً).(35)
2 ـ خسوف القمر لخمسٍ بقين، وكسوف الشمس لخمس عشرة مضين من شهر رمضان.
وهذه ظاهرة كونية خارقة للنظام الفلكي، يشير اليها حديث الإمام الباقر عليه السلام:
(آيتان (اثنان) بين يدي هذا الأمر: خسوف القمر لخمس وكسوف الشمس عشرة، (و) لم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السلام إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين).(36)
3 ـ كثرة الأمطار في جمادي الآخرة، وعشرة أيام من رجب.
ويشير إليها حديث الإمام الصادق عليه السلام: (إذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة الأيام من رجب، مطراً لم تر الخلائق مثله).(37)
ولعله يشير إليه أيضاً حديث سعيد بن جبير الذي نقله الشيخ المفيد قدس سره.(38)
4 ـ الموت الأحمر والموت الأبيض بذهاب ثلثي أهل العالم.
ويشير إليها حديث الإمام الصادق عليه السلام:
1 ـ عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(قدّام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة. الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون).(39)
2 ـ عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس.
فقيل له: إذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟
فقال عليه السلام: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي).(40)
إلى غير ذلك من العلائم الأخرى التي وردت في أحاديث كثيرة، تلاحظها في باب علائم الظهور من الغيبتين.
مثل ما في حديث أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز وجل: (عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)،(41) ما هو عذاب خزي الدنيا؟
فقال: (وأيُّ خزي أخزى ـ يا أبا بصير ـ من أن يكون الرَّجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله، إذ شقّ أهله الجيوب عليه وصرخوا، فيقول الناس: ما هذا؟ فيقال: مُسخ فلان الساعة. فقلت: قبل قيام القائم عليه السلام أو بعده؟ قال: لا، بل قبله).(42)
ومن المناسب في المقام ذكر ما يكون من الحوادث عند ظهوره عليه السلام في رواية المفضل البيانية المفصلة، ويأتي بيانها.
هذه ملامح خاصة من علائم ظهور تلك الشمس المشرقة، وبزوغ ذلك النور الإلهي الأبلج، وانقشاع سحاب الغيبة عن جمال وجه الإمام المهدي عليه السلام أرواحنا فداه، ليقوم ويملأ الأرض بالقسط والعدل.
الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من البحوث المشاركة في المؤتمر العلمي الأول الذي أقامه مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الأشرف في 22/7/2007م.
(2) الغيبة للشيخ الطوسي، ص 262.
(3) الغيبة للشيخ النعماني، ص 200، باب 11، ح16.
(4) سورة هود، الآية 63.
(5) الاعراف: 71.
(6) كمال الدين، ص 654، ب55، ح5.
(7) البحار، ج 52، ص 122، ح7.
(8) العنكبوت: 3.
(9) القيان: جمع قينة، الإماء المغنّيات.
(10) كمال الدين، ص 535، ب 47، ح1.
(11) منتخب الأثر، ص 426.
(12) روضة الكافي، ج8، ص 36 ـ 42؛ البحار، ج 52، ص 256، باب 25، حديث 147.
(13) الارشاد، ج2، ص 368؛ كمال الدين، ص 330، باب 32، حديث 16.
(14) الزام الناصب، ج2، ص 178.
(15) كمال الدين: ص 650، باب 57، حديث 7.
(16) الزام الناصب، ج2، ص 200.
(17) كمال الدين: ص 650، باب 57، حديث8.
(18) البحار: ج 52، ص 290.
(19) الغيبة للشيخ النعماني: ص 254، باب 14، حديث 13.
(20) كمال الدين: ص 651، باب 57، حديث 188.
(21) الزام الناصب: ج2، ص 188.
(22) البحار، ج 53، ص 248، حديث 131 وص 273، حديث 167.
(23) الامام المهدي عليه السلام من المهد الى الظهور: ص 433.
(24) مجمع البحرين، ص 198.
(25) البحار، ج 52، ص 238، باب 25، حديث 105.
(26) البحار، ج53، ص 10، باب 25، حديث1.
(27) البحار: ج 52، ص 232، باب 25، حديث 96.
(28) مهدي منتظر، ص 175.
(29) بشارة الإسلام، ص 175.
(30) البحار: ج52، ص 192، باب 25، حديث 24.
(31) البحار: ج52، ص 307، باب 26، حديث 81.
(32) كمال الدين: ص 655، باب 57، حديث 25.
(33) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس، ص 77.
(34) الزام الناصب: ج2، ص 205.
(35) البحار: ج 53، ص 15.
(36) كمال الدين: ص 655، ح 25، ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي، ص 270.
(37) الزام النائب، ج2، ص 159.
(38) الإرشاد، ج2، ص 373.
(39) كمال الدين، ص 655، ب 75، ح 27.
(40) كمال الدين: ص 655، ب 75، ح 29.
(41) فصّلت: 16.
(42) الغيبة للشيخ النعماني: ص 269.
http://www.alentedar.com/alentedar_adad13/page02.htm
المقال منقول عن مجلة الانتظار وليس بالضرورة يمثل رأي المركز.