بنتُ علي
14-05-2008, 11:35 PM
أهمية شبكة اتصالات حزب الله (1)
بقلم: حسام مطلق
09 أيار 2008 الساعة 21:47
http://www.halwasat.com/images/stories/opinion/war.jpgجرت العادة في الأنظمة العربية أن تعتمد سياسة سد الذرائع " الباب إلي يجيك منو الريح سدو واستريح " ومن هنا فليس دور المواطن أن يعرف, نحن نعرف هذا يكفي, سوف نتخذ كل وسيلة ممكنة لحماية الوطن. ولكن في لحظة ما وفي منعطف ما تتجه الأمور إلى زاوية لم تكن في الحسبان. ربما لأنها تتطلب أحمقا كي يدفع بها إلى هناك, وربما لأن الطرف الآخر أدرك هذا الضعف المعرفي لدى المواطن العربي وآمل بأن يستفيد منه في لعبة الحرب النفسية.
يوم أمس كنت أتحدث إلى صديقة من لبنان ليس لدي أدنى شك في حبها لبلدها ولا في ولائها له وصدمني أنها تتحدث عن مائة ألف خط لحزب الله وأن العدد كبير وتستغرق في تفاصيل أخرى حاولت بسؤال واحد أن أدفعها كي تعيد النظر في طريقة التفكير : هل عيشك اليومي متأثر إن كان لحزب الله مائة ألف أو مليون خط؟. لأن ما علينا أن نمنع أيا كان من الاقتراب منه هو العيش الكريم للمواطن, أما التفاصيل الأخرى فيفترض أن يمتلك المواطن تلقائيا مناعة المحاكمة العقلية التي تقوده للنتيجة السليمة والتي تتطلب قبل كل شيء المعرفة.
ما أناقشه في السطور أدناه هو قرار الحكومة اللبنانية وضع شبكة حزب الله تحت سيطرة الدولة وقرار ملاحقة المخالفين. لن أتحدث عن الأسانيد القانونية ففي اللحظة التي تتعرض فيها سلامة الأوطان للخطر تسقط كل الاعتبارات وكل القيم ويصبح الحفاظ على سلامة الوطن هو الحق الوحيد. ما سآتي عليه في السطور أدناه هو عرض لمعلومات ليست سرية بل متداولة في مراكز الأبحاث ولكنها سرية فقط على عقول المواطنين العرب بناء على قرار من الأجهزة الأمنية تحت بند سد الذراع.
كي أصل إلى القضية الأساس, أي شبكة اتصالات حزب الله, سوف أمر على تفاصيل كثيرة قد يرى البعض فيها خروجا عن الموضوع نفسه, ومن هنا كانت مقدمتي السابقة فأنا أخاطب هنا وعي الإنسان العربي ولا أكترث للدفاع عن حزب الله. فللحزب من يدافعون عنه وله كما شاهدنا مقاتلين يمنعون ما يضر به. المشكلة برأيي أن الأنظمة العربية, كلا وفقا لزاويته, قد أغرقت الشعوب العربية بالمحظورات المعرفية وكلها في لحظة ما تصبح أما ضرورة خطبة ود الشارع العربي وعندها تتجه إلى النخب كي تتحرك الأقلام للدفاع عن المواقف.
بالنسبة لي سوف أقفز فوق قواعد اللعبة الراسخة بين المثقف العربي والسلطة وأعرض على القراء معلومات وصفتها بأنها ليست سرية إلا في قاموس المخابرات العربية وأمام المواطن العربي ولكنها برأي كفيلة بأن تضع المواطن العربي في إطار معلوماتي صحيح يخوله أن يطلق أحكاما منطقية على الأحداث المستجدة بدون نجدة الأقلام المدجنة مخابراتيا. ولذا أقدم في السطور التالية بحثا متواضعا هو في حقيقته ليس أكثر من تجميع معلومات مبعثرة من مراجع متعددة تساعد القراء العرب من غير المتخصصين كي يدركوا ماذا يجري في لبنان وليكون في متناولهم ما يكفي من الخلفية المعرفية التي تحصنهم لمرات قادمة.
البحث وكي تكتمل الفائدة منه سوف أتعرض فيه للتالي :
1- العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
2- الحرب النفسية.
3- لمحة عن المراكز الأمنية الإسرائيلية والأميركية وعلاقة التنسيق بينها وبين عدد من الدول العربية.
4- معلومات تقنية عن السي أي ايه .
5- إلقاء ضوء عن مراكز الأبحاث الأميركية المؤثرة في السياسة الأميركية.
6- آليات التجسس الإلكتروني.
7- كيف يجند الأميركيون العملاء وتحديدا بين العرب.
8- لمحة عن الصراع بين حزب الله وإسرائيل يتضمن عرض لتاريخ ما تسميه إسرائيل بالاستهداف .
9- وأختم بتوضيح عن طبيعة طلب الحكومة إلحاق شبكة اتصالات حزب الله بشبكة الدولة .
وسوف أؤجل التنويه إلى المراجع التي استند إليها حتى نهاية السلسلة بالنظر لاحتمال أن استعين بأكثر مما هو وارد في ذهني الآن مع انطلاقي بإعداد هذه الحلقة.
آملا أن تعم الفائدة على الجميع كي نصل إلى مواطن مخلص بوعي لا بالعاطفة. مواطن متحضر محصن بذاته عن الخارج لا بتهديد المخابرات وسطوة أقبيتها المقيتة. فالإنسان إن كان لا يستطيع أن يتحكم بظروفه إلا أنه حتما قادر على أن يتحكم بردود أفعاله عند وقوع المستجدات, وهو لهذا بحاجة إلى الحصانة المعرفية وأذكر الجميع هنا بفلم البريء لأحمد زكي والذي يمثل عمليا واقع الكثير من المواطنين العرب. الكل غيور على الوطن والكل مستعد لقتل باقي هذا الكل خدمة لأعداء الوطن.
أولا – العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
تعتبر نظرية الجيش الإسرائيلي على المستوى الإستراتيجي دفاعية ولكنها تتخذ أسلوب الهجوم لتحقيق النتيجة الدفاعية. فإسرائيل ورغم كل الحديث عن الحدود الممتدة من الفرات إلى النيل يحكمها من يدركون جيدا استحالة تحقيق هذا الشعار ولكنهم يستمرون بطرحه لأنه أساسا يحقق لهم من خصومهم ردود أفعال تخدمهم في ظل مجتمعهم الأكثر وعيا من مجتمعات " أعدائهم " باللغة الخطابية الأصلح مع المجتمع الدولي. الشعار الإسرائيلي هو جزء من الحرب النفسية التي سوف نتطرق لها لاحقا.
لماذا يعتمد الإسرائيليون تكتيك الهجوم لتحقيق إستراتيجية الدفاع؟.
في الحرب عادة هناك مد وجزر, هناك مرات تتقدم فيها قواتك ومرات تتعثر, وفي مرات تتراجع. فحتى الجيش الأميركي بكل سطوته وبرغم كل حال التقهقر التي كان عليها الجيش العراقي بعد أسابيع من القصف الجوي المركز وقف عاجزا عن التقدم في النقطة الدفاعية العراقية الأولى " ميناء بحري صغير " مما اضطره إلى تجاوزه والاكتفاء بمحاصرته والزحف عبر الصحراء ليواجه مرة أخرى في الناصرية بمقاومة ليست في حسبانه أسر خلالها جنود أميركيون ثم ثالثا وبعد أن دمر الجيش العراقي نهائيا كانت المعركة الأخيرة في المطار حيث اضطر الأميركيون إلى استخدام اليورانيوم المنضب معرضين حياة جنودهم للخطر الإشعاعي لحسم المعركة. ماذا لو كان العراق فقط الناصرية وماذا لو كان الجيش الأميركي مثلا هو المتموضع على جغرافيا لا تتجاوز مساحتها الناصرية؟. هكذا علينا أن نفكر كي نفهم كيف يفكر الإسرائيليون ولماذا يميلون إلى التحرك ويميل العرب إلى البلادة.
في الحالة الإسرائيلية فإن المعركة سوف تدور في محافظة عراقية واحدة, فإن تكرر سيناريو حرب تشرين من عام 1973 فإن نصر عسكري واحد واضح كافي بإزالة إسرائيل وكل قرارات مجلس الأمن لن تعيدها للحياة بعدها.
من هنا وجد الإسرائيليون أن الحروب يجب أن تقوم على ما أسموه " أرض العدو " أي في سوريا أو لبنان أو الأردن أو مصر.
وتدريجيا ومع كل مرة يخرج فيها نظام عربي من المواجهة المباشرة إما باتفاق سلام أو باتفاق فض اشتباك تتقلص الأرض التي يكون الإسرائيليون قادرون فيها على الحرب. لتصل في نهاية المطاف إلى مزارع شبعا وفقا لاتفاق الاشتباك الذي توافقت عليه الأطراف الميدانية بعد أن أشرف تيري رد لارسون على رسم الخط الأزرق, ومن هنا كان العذر الإسرائيلي في حرب 2006 حين أسر حزب الله الجنود متجاوزا الخط الأزرق من غير مزارع شبعا. يجب أن ندرك أمرا مهما هنا أن حالة اللاسلم واللاحرب تخدم إسرائيل أكثر من أي طرف أخر حين تكون هناك قواعد للاشتباك. فالمساحة التي على الإسرائيليين أن يحذروا منها هي مؤطرة بحدود ضيقة وقواعد اشتباك أنتجتها موازين قوى دولية تصب في مصلحتهم. من هنا علينا دائما أن نبني في دواخلنا قناعة ترتكز إلى نقطتين : التحرك – التحرك بحرية. فكلما ارتفع مستوى المفاجئة كلما كان الارتباك والنزعة نحو الارتجال أعلى. والارتجال الذي يقوم على ارتباك له نتيجة واحدة هي الفشل. إسرائيل تنتصر لأنها تخطط وتنفذ والطرف العربي دائما هو المدافع المرتبك. اعتقد أنه قد آن الآوان كي تطوى هذه الصفحة.
ضمن هذا الواقع الميداني فإن الجيش الإسرائيلي أمام واقع أسموه " لا خيار ". أي ليس لدى إسرائيل رفاهية انتظار الحرب, عليها دائما أن تبادر إليها هي. الجيش الإسرائيلي ملزم باتخاذ المبادرة وعلى القيادة السياسية أن تنفذ الخيار العسكري وأن تفتعل الظروف الإقليمية والدولية المناسبة ولذا أشار تقرير غرينود إلى أن الإعداد لحرب 2006 كان قد سبق مهاجمة حزب الله لأهداف إسرائيلية بستة أشهر . بكل بساطة وقت الضرورة على الحكومة أن تفتعل حدثا لتنفيذ الحرب على أرض العدو عبر أجهزة استخباراتها حتى ولو كان الطرف العربي, كما هو في معظمه, في حال الغيبوبة. المعركة دائما يجب أن تدور على أرض " العدو ". وقد آمن الجيش الإسرائيلي على مدى ما يقرب من نصف قرن أن عداء الدول العربية المجاورة لإسرائيل غير قابل للتغيير, عداء الشعوب طبعا.
ويرى المفكرون العسكريون في إسرائيل ، إن الرد على التفوق الكمي لـ " أعدائهم " يكون بالجودة. الجودة الشاملة التي تشكل التكنولوجيا جانبا منها فقط.
رأى الكثير من المحللين الإسرائيليين أن كارثة حرب تشرين كانت تجسيداً لعواقب الإقدام على فعل ما يخالف النظرية الأمنية : فقد كان من المفترض أن تُوجَّه ضربة وقائية إلى كل من مصر وسورية ، وهو ما لم يفعله قادة إسرائيل .
ويضيف هؤلاء المراقبين إنه لو تصرف الجيش الإسرائيلي حسب الإنذار الذي تلقاه وتصرف على ضوء عقيدته وشن الهجوم فإن كل الفشل لما كان ليحدث أبداً. هذا الدرس تعلم منه الإسرائيليون, التفوق وحده غير كافي حين تكون لدى عدوك إرادة القتال, لابد من تدمير عدوك, إن لم يكن بدنيا فلا أقل من تدمير إمكانياته كي لا يكون قادرا على الهجوم. وأكرر هنا, إن الهجوم الإسرائيلي ليس رغبة في احتلال العواصم العربية بل خوف من تلك الملايين التي تحيط بهم. فبكل بساطة لو جردت الدول العربية من الجيوش فلن تجرؤ إسرائيل على التقدم نحوها وتجربة الانتفاضة في الضفة وغزة دليل ما بعده دليل على عجز الجيش الإسرائيلي على السيطرة على التجمعات السكانية.
بإمكاننا أن نفهم المعادلة بشكلها الأوضح حين نقيم مقارنة بالورقة والقلم بين قوة منظمة التحرير الفلسطينية ( دبابات – مضادات طائرات كتف – مضادات دبابات – مليارات الدولارات – حدود برية مفتوحة للتزويد بأي احتياجات ومع ذلك طردت منظمة التحرير- , وبين واقع الفلسطيني في الضفة وغزة في ظل الانتفاضتين ) .
كانت نسبة القتلى الفلسطينيين إلى الإسرائيليين تساوي تقريبا 25 فلسطينيا مقابل إسرائيلي واحد ، قلصت الانتفاضة الثانية هذا العدد ليصل إلى ثلاث فلسطينيين مقابل إسرائيلي واحد.
ضمن مبدأ التفوق النوعي الذي يؤمن الإسرائيليون أنهم مجبرون على حيازته تأتي قضية الحرب النفسية وحرب المعلومات وكل منهما موضوع مستقل من الناحية التقنية ولكنها في المحصلة جزء من الحرب الكلية.
في هذا الجزء سوف أتطرق إلى الحرب النفسية تعريفيا فقط تاركا للقراء الكرام أن يستخلصوا النتيجة في النهاية .
ثانيا – الحرب النفسية :
تعريف الحرب النفسية : استخدام وسائل إقناع غير عنيفة لتحقيق أهداف الحرب ، مع العلم أن الحرب النفسية لا تحسم الحروب ، فهي ليست سوى أداة إضافية لتحقيق أهداف الحرب .
إن هدف الحرب النفسية هو زعزعة الوضع النفسي في أوساط جنود العدو ، ودفعهم إلى التفكير بشكل عام وطرح أفكار وجودية بشكل خاص
أشار السيد حسن نصر الله في كلمته يوم أمس إلى ملايين الدولارات التي أنفقت من أجل تشويه صورة الحزب ونتائج الحرب التي خاضها مع إسرائيل في تموز 2006 . إلا أن دراسة قامت بها عدة مراكز أبحاث أميركية مجتمعة توزع عملها على ستة دول عربية خلصت إلى أن السيد حسن نصر الله هو الزعيم العربي الأكثر احتراما في نظر العرب, إلى ماذا يقودنا هذا؟. أن الشعوب العربية مستعدة من حيث المبدأ للتضحية, وأعداد العرب المشاركين في الحرب العراقية خير دليل. ومن هنا يجب التفكير في الآلية لا في النية. عودة إلى الحرب النفسية ولها ثلاثة عناصر : الجمهور المستهدف ، الرسائل ، وسبل إيصالها ، ويمكن تقسيم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة : الداخل - العدو- جمهور حيادي ، ويعتبر الجمهور المستهدف الأكثر أهمية فهو المتلقي الداخلي ، فعندما تريد دولة تجنيد كل طاقاتها للحرب فهي ملزمة بإقناع مواطنيها في أن يكونوا ضحايا .
الجمهور المستهدف الثاني هو العدو، وهذا الجمهور يتقسم إلى اثنين : الجيش والمدنيين ، والهدف هو إقناع العدو بأنه لا يوجد له أمل في النصر ، وانه كلما انتهت الحرب بسرعة كلما كان ذلك أفضل له .
أما الجمهور المستهدف الثالث والأخير فهو الجمهور المحايد ، وهم الناس الذين لا يوجد لديهم علاقة مباشرة بالمعارك ، وذلك بهدف الحصول على تأييدهم أو على الأقل منع تأيدهم للعدو وهنا نحن نتحدث عن المجتمع الدولي في حالة إسرائيل.
العنصر الآخر هو الرسائل ، وهناك مجموعة من الرسائل تنقل إلى الجمهور المستهدف : رسائل لجمهور الداخل ، وهي رسائل تلبس العدو لباسا شيطانيا، رسائل لجمهور العدو تظهر عدم وجود أمل في الحرب ، ورسائل لعموم المتلقين ، تتضمن إيراد أدلة عن العدل والأخلاق.
تم دمج العمل النفسي مع العمل العسكري ، حيث استطاع حزب الله تحديد نقطة الضعف لجيش جنوب لبنان واستخدمها في حرب العصابات ، وقد جند حزب الله عملاء له داخل جيش جنوب لبنان ، والذين أعطوا الإحساس بأن كل شئ مكشوف مما ساهم في انهيار الروح المعنوية .
لقد أعطى الإلمام بالثقافة الإسرائيلية ثماره من خلال الاستفادة في تشكيل الرسائل ، فرون أراد الطيار الإسرائيلي وكذلك المفقودون ، شكلت صدمة للمجتمع الإسرائيلي، فتحرير الأسرى لا يزال محفور بشكل عميق في الثقافة اليهودية ، وقد أجاد حزب الله ذلك. ضمن جملة عناصر هي :
1 ) الإلمام بموضوع الحرب النفسية وجمع المعلومات وتوظيفها.
2 ) تحديد الرسائل الأساسية المركزة وعدم الانجرار إلى أحداث جانبية " وهو ما تحاول الحكومة اللبنانية اليوم توريطه فيه.
3 ) الانتقال إلى البصري عبر استخدامه للكميرا وتوثيقه للعمليات فهو بذلك نزع قدرة إسرائيل على الكذب ونستحضر حين كذبت إسرائيل سيطرة حزب الله على أحد المواقع ورفعه العلم اللبناني ليبث حزب الله شريطا يوثق المعركة بتفاصيلها بعد أن ترك إسرائيل تستغرق في كذبتها إمعانا في إذلالها.
4 ) كشف المعلومات وجمعها وهذا يستدعي ضمنا تحصين الذات عن تسريب المعلومات للعدو.
5 ) التنسيق والربط وهذا مع البند السابق ما يتطلب شبكة اتصالات آمنة والتي تشكل موضوع الأزمة الحالية في لبنان.
يتبع ( الحلقة القادمة لمحة عن المراكز الأمنية الأميركية والإسرائيلية ذات الطابع التجسسي).
بقلم: حسام مطلق
09 أيار 2008 الساعة 21:47
http://www.halwasat.com/images/stories/opinion/war.jpgجرت العادة في الأنظمة العربية أن تعتمد سياسة سد الذرائع " الباب إلي يجيك منو الريح سدو واستريح " ومن هنا فليس دور المواطن أن يعرف, نحن نعرف هذا يكفي, سوف نتخذ كل وسيلة ممكنة لحماية الوطن. ولكن في لحظة ما وفي منعطف ما تتجه الأمور إلى زاوية لم تكن في الحسبان. ربما لأنها تتطلب أحمقا كي يدفع بها إلى هناك, وربما لأن الطرف الآخر أدرك هذا الضعف المعرفي لدى المواطن العربي وآمل بأن يستفيد منه في لعبة الحرب النفسية.
يوم أمس كنت أتحدث إلى صديقة من لبنان ليس لدي أدنى شك في حبها لبلدها ولا في ولائها له وصدمني أنها تتحدث عن مائة ألف خط لحزب الله وأن العدد كبير وتستغرق في تفاصيل أخرى حاولت بسؤال واحد أن أدفعها كي تعيد النظر في طريقة التفكير : هل عيشك اليومي متأثر إن كان لحزب الله مائة ألف أو مليون خط؟. لأن ما علينا أن نمنع أيا كان من الاقتراب منه هو العيش الكريم للمواطن, أما التفاصيل الأخرى فيفترض أن يمتلك المواطن تلقائيا مناعة المحاكمة العقلية التي تقوده للنتيجة السليمة والتي تتطلب قبل كل شيء المعرفة.
ما أناقشه في السطور أدناه هو قرار الحكومة اللبنانية وضع شبكة حزب الله تحت سيطرة الدولة وقرار ملاحقة المخالفين. لن أتحدث عن الأسانيد القانونية ففي اللحظة التي تتعرض فيها سلامة الأوطان للخطر تسقط كل الاعتبارات وكل القيم ويصبح الحفاظ على سلامة الوطن هو الحق الوحيد. ما سآتي عليه في السطور أدناه هو عرض لمعلومات ليست سرية بل متداولة في مراكز الأبحاث ولكنها سرية فقط على عقول المواطنين العرب بناء على قرار من الأجهزة الأمنية تحت بند سد الذراع.
كي أصل إلى القضية الأساس, أي شبكة اتصالات حزب الله, سوف أمر على تفاصيل كثيرة قد يرى البعض فيها خروجا عن الموضوع نفسه, ومن هنا كانت مقدمتي السابقة فأنا أخاطب هنا وعي الإنسان العربي ولا أكترث للدفاع عن حزب الله. فللحزب من يدافعون عنه وله كما شاهدنا مقاتلين يمنعون ما يضر به. المشكلة برأيي أن الأنظمة العربية, كلا وفقا لزاويته, قد أغرقت الشعوب العربية بالمحظورات المعرفية وكلها في لحظة ما تصبح أما ضرورة خطبة ود الشارع العربي وعندها تتجه إلى النخب كي تتحرك الأقلام للدفاع عن المواقف.
بالنسبة لي سوف أقفز فوق قواعد اللعبة الراسخة بين المثقف العربي والسلطة وأعرض على القراء معلومات وصفتها بأنها ليست سرية إلا في قاموس المخابرات العربية وأمام المواطن العربي ولكنها برأي كفيلة بأن تضع المواطن العربي في إطار معلوماتي صحيح يخوله أن يطلق أحكاما منطقية على الأحداث المستجدة بدون نجدة الأقلام المدجنة مخابراتيا. ولذا أقدم في السطور التالية بحثا متواضعا هو في حقيقته ليس أكثر من تجميع معلومات مبعثرة من مراجع متعددة تساعد القراء العرب من غير المتخصصين كي يدركوا ماذا يجري في لبنان وليكون في متناولهم ما يكفي من الخلفية المعرفية التي تحصنهم لمرات قادمة.
البحث وكي تكتمل الفائدة منه سوف أتعرض فيه للتالي :
1- العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
2- الحرب النفسية.
3- لمحة عن المراكز الأمنية الإسرائيلية والأميركية وعلاقة التنسيق بينها وبين عدد من الدول العربية.
4- معلومات تقنية عن السي أي ايه .
5- إلقاء ضوء عن مراكز الأبحاث الأميركية المؤثرة في السياسة الأميركية.
6- آليات التجسس الإلكتروني.
7- كيف يجند الأميركيون العملاء وتحديدا بين العرب.
8- لمحة عن الصراع بين حزب الله وإسرائيل يتضمن عرض لتاريخ ما تسميه إسرائيل بالاستهداف .
9- وأختم بتوضيح عن طبيعة طلب الحكومة إلحاق شبكة اتصالات حزب الله بشبكة الدولة .
وسوف أؤجل التنويه إلى المراجع التي استند إليها حتى نهاية السلسلة بالنظر لاحتمال أن استعين بأكثر مما هو وارد في ذهني الآن مع انطلاقي بإعداد هذه الحلقة.
آملا أن تعم الفائدة على الجميع كي نصل إلى مواطن مخلص بوعي لا بالعاطفة. مواطن متحضر محصن بذاته عن الخارج لا بتهديد المخابرات وسطوة أقبيتها المقيتة. فالإنسان إن كان لا يستطيع أن يتحكم بظروفه إلا أنه حتما قادر على أن يتحكم بردود أفعاله عند وقوع المستجدات, وهو لهذا بحاجة إلى الحصانة المعرفية وأذكر الجميع هنا بفلم البريء لأحمد زكي والذي يمثل عمليا واقع الكثير من المواطنين العرب. الكل غيور على الوطن والكل مستعد لقتل باقي هذا الكل خدمة لأعداء الوطن.
أولا – العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
تعتبر نظرية الجيش الإسرائيلي على المستوى الإستراتيجي دفاعية ولكنها تتخذ أسلوب الهجوم لتحقيق النتيجة الدفاعية. فإسرائيل ورغم كل الحديث عن الحدود الممتدة من الفرات إلى النيل يحكمها من يدركون جيدا استحالة تحقيق هذا الشعار ولكنهم يستمرون بطرحه لأنه أساسا يحقق لهم من خصومهم ردود أفعال تخدمهم في ظل مجتمعهم الأكثر وعيا من مجتمعات " أعدائهم " باللغة الخطابية الأصلح مع المجتمع الدولي. الشعار الإسرائيلي هو جزء من الحرب النفسية التي سوف نتطرق لها لاحقا.
لماذا يعتمد الإسرائيليون تكتيك الهجوم لتحقيق إستراتيجية الدفاع؟.
في الحرب عادة هناك مد وجزر, هناك مرات تتقدم فيها قواتك ومرات تتعثر, وفي مرات تتراجع. فحتى الجيش الأميركي بكل سطوته وبرغم كل حال التقهقر التي كان عليها الجيش العراقي بعد أسابيع من القصف الجوي المركز وقف عاجزا عن التقدم في النقطة الدفاعية العراقية الأولى " ميناء بحري صغير " مما اضطره إلى تجاوزه والاكتفاء بمحاصرته والزحف عبر الصحراء ليواجه مرة أخرى في الناصرية بمقاومة ليست في حسبانه أسر خلالها جنود أميركيون ثم ثالثا وبعد أن دمر الجيش العراقي نهائيا كانت المعركة الأخيرة في المطار حيث اضطر الأميركيون إلى استخدام اليورانيوم المنضب معرضين حياة جنودهم للخطر الإشعاعي لحسم المعركة. ماذا لو كان العراق فقط الناصرية وماذا لو كان الجيش الأميركي مثلا هو المتموضع على جغرافيا لا تتجاوز مساحتها الناصرية؟. هكذا علينا أن نفكر كي نفهم كيف يفكر الإسرائيليون ولماذا يميلون إلى التحرك ويميل العرب إلى البلادة.
في الحالة الإسرائيلية فإن المعركة سوف تدور في محافظة عراقية واحدة, فإن تكرر سيناريو حرب تشرين من عام 1973 فإن نصر عسكري واحد واضح كافي بإزالة إسرائيل وكل قرارات مجلس الأمن لن تعيدها للحياة بعدها.
من هنا وجد الإسرائيليون أن الحروب يجب أن تقوم على ما أسموه " أرض العدو " أي في سوريا أو لبنان أو الأردن أو مصر.
وتدريجيا ومع كل مرة يخرج فيها نظام عربي من المواجهة المباشرة إما باتفاق سلام أو باتفاق فض اشتباك تتقلص الأرض التي يكون الإسرائيليون قادرون فيها على الحرب. لتصل في نهاية المطاف إلى مزارع شبعا وفقا لاتفاق الاشتباك الذي توافقت عليه الأطراف الميدانية بعد أن أشرف تيري رد لارسون على رسم الخط الأزرق, ومن هنا كان العذر الإسرائيلي في حرب 2006 حين أسر حزب الله الجنود متجاوزا الخط الأزرق من غير مزارع شبعا. يجب أن ندرك أمرا مهما هنا أن حالة اللاسلم واللاحرب تخدم إسرائيل أكثر من أي طرف أخر حين تكون هناك قواعد للاشتباك. فالمساحة التي على الإسرائيليين أن يحذروا منها هي مؤطرة بحدود ضيقة وقواعد اشتباك أنتجتها موازين قوى دولية تصب في مصلحتهم. من هنا علينا دائما أن نبني في دواخلنا قناعة ترتكز إلى نقطتين : التحرك – التحرك بحرية. فكلما ارتفع مستوى المفاجئة كلما كان الارتباك والنزعة نحو الارتجال أعلى. والارتجال الذي يقوم على ارتباك له نتيجة واحدة هي الفشل. إسرائيل تنتصر لأنها تخطط وتنفذ والطرف العربي دائما هو المدافع المرتبك. اعتقد أنه قد آن الآوان كي تطوى هذه الصفحة.
ضمن هذا الواقع الميداني فإن الجيش الإسرائيلي أمام واقع أسموه " لا خيار ". أي ليس لدى إسرائيل رفاهية انتظار الحرب, عليها دائما أن تبادر إليها هي. الجيش الإسرائيلي ملزم باتخاذ المبادرة وعلى القيادة السياسية أن تنفذ الخيار العسكري وأن تفتعل الظروف الإقليمية والدولية المناسبة ولذا أشار تقرير غرينود إلى أن الإعداد لحرب 2006 كان قد سبق مهاجمة حزب الله لأهداف إسرائيلية بستة أشهر . بكل بساطة وقت الضرورة على الحكومة أن تفتعل حدثا لتنفيذ الحرب على أرض العدو عبر أجهزة استخباراتها حتى ولو كان الطرف العربي, كما هو في معظمه, في حال الغيبوبة. المعركة دائما يجب أن تدور على أرض " العدو ". وقد آمن الجيش الإسرائيلي على مدى ما يقرب من نصف قرن أن عداء الدول العربية المجاورة لإسرائيل غير قابل للتغيير, عداء الشعوب طبعا.
ويرى المفكرون العسكريون في إسرائيل ، إن الرد على التفوق الكمي لـ " أعدائهم " يكون بالجودة. الجودة الشاملة التي تشكل التكنولوجيا جانبا منها فقط.
رأى الكثير من المحللين الإسرائيليين أن كارثة حرب تشرين كانت تجسيداً لعواقب الإقدام على فعل ما يخالف النظرية الأمنية : فقد كان من المفترض أن تُوجَّه ضربة وقائية إلى كل من مصر وسورية ، وهو ما لم يفعله قادة إسرائيل .
ويضيف هؤلاء المراقبين إنه لو تصرف الجيش الإسرائيلي حسب الإنذار الذي تلقاه وتصرف على ضوء عقيدته وشن الهجوم فإن كل الفشل لما كان ليحدث أبداً. هذا الدرس تعلم منه الإسرائيليون, التفوق وحده غير كافي حين تكون لدى عدوك إرادة القتال, لابد من تدمير عدوك, إن لم يكن بدنيا فلا أقل من تدمير إمكانياته كي لا يكون قادرا على الهجوم. وأكرر هنا, إن الهجوم الإسرائيلي ليس رغبة في احتلال العواصم العربية بل خوف من تلك الملايين التي تحيط بهم. فبكل بساطة لو جردت الدول العربية من الجيوش فلن تجرؤ إسرائيل على التقدم نحوها وتجربة الانتفاضة في الضفة وغزة دليل ما بعده دليل على عجز الجيش الإسرائيلي على السيطرة على التجمعات السكانية.
بإمكاننا أن نفهم المعادلة بشكلها الأوضح حين نقيم مقارنة بالورقة والقلم بين قوة منظمة التحرير الفلسطينية ( دبابات – مضادات طائرات كتف – مضادات دبابات – مليارات الدولارات – حدود برية مفتوحة للتزويد بأي احتياجات ومع ذلك طردت منظمة التحرير- , وبين واقع الفلسطيني في الضفة وغزة في ظل الانتفاضتين ) .
كانت نسبة القتلى الفلسطينيين إلى الإسرائيليين تساوي تقريبا 25 فلسطينيا مقابل إسرائيلي واحد ، قلصت الانتفاضة الثانية هذا العدد ليصل إلى ثلاث فلسطينيين مقابل إسرائيلي واحد.
ضمن مبدأ التفوق النوعي الذي يؤمن الإسرائيليون أنهم مجبرون على حيازته تأتي قضية الحرب النفسية وحرب المعلومات وكل منهما موضوع مستقل من الناحية التقنية ولكنها في المحصلة جزء من الحرب الكلية.
في هذا الجزء سوف أتطرق إلى الحرب النفسية تعريفيا فقط تاركا للقراء الكرام أن يستخلصوا النتيجة في النهاية .
ثانيا – الحرب النفسية :
تعريف الحرب النفسية : استخدام وسائل إقناع غير عنيفة لتحقيق أهداف الحرب ، مع العلم أن الحرب النفسية لا تحسم الحروب ، فهي ليست سوى أداة إضافية لتحقيق أهداف الحرب .
إن هدف الحرب النفسية هو زعزعة الوضع النفسي في أوساط جنود العدو ، ودفعهم إلى التفكير بشكل عام وطرح أفكار وجودية بشكل خاص
أشار السيد حسن نصر الله في كلمته يوم أمس إلى ملايين الدولارات التي أنفقت من أجل تشويه صورة الحزب ونتائج الحرب التي خاضها مع إسرائيل في تموز 2006 . إلا أن دراسة قامت بها عدة مراكز أبحاث أميركية مجتمعة توزع عملها على ستة دول عربية خلصت إلى أن السيد حسن نصر الله هو الزعيم العربي الأكثر احتراما في نظر العرب, إلى ماذا يقودنا هذا؟. أن الشعوب العربية مستعدة من حيث المبدأ للتضحية, وأعداد العرب المشاركين في الحرب العراقية خير دليل. ومن هنا يجب التفكير في الآلية لا في النية. عودة إلى الحرب النفسية ولها ثلاثة عناصر : الجمهور المستهدف ، الرسائل ، وسبل إيصالها ، ويمكن تقسيم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة : الداخل - العدو- جمهور حيادي ، ويعتبر الجمهور المستهدف الأكثر أهمية فهو المتلقي الداخلي ، فعندما تريد دولة تجنيد كل طاقاتها للحرب فهي ملزمة بإقناع مواطنيها في أن يكونوا ضحايا .
الجمهور المستهدف الثاني هو العدو، وهذا الجمهور يتقسم إلى اثنين : الجيش والمدنيين ، والهدف هو إقناع العدو بأنه لا يوجد له أمل في النصر ، وانه كلما انتهت الحرب بسرعة كلما كان ذلك أفضل له .
أما الجمهور المستهدف الثالث والأخير فهو الجمهور المحايد ، وهم الناس الذين لا يوجد لديهم علاقة مباشرة بالمعارك ، وذلك بهدف الحصول على تأييدهم أو على الأقل منع تأيدهم للعدو وهنا نحن نتحدث عن المجتمع الدولي في حالة إسرائيل.
العنصر الآخر هو الرسائل ، وهناك مجموعة من الرسائل تنقل إلى الجمهور المستهدف : رسائل لجمهور الداخل ، وهي رسائل تلبس العدو لباسا شيطانيا، رسائل لجمهور العدو تظهر عدم وجود أمل في الحرب ، ورسائل لعموم المتلقين ، تتضمن إيراد أدلة عن العدل والأخلاق.
تم دمج العمل النفسي مع العمل العسكري ، حيث استطاع حزب الله تحديد نقطة الضعف لجيش جنوب لبنان واستخدمها في حرب العصابات ، وقد جند حزب الله عملاء له داخل جيش جنوب لبنان ، والذين أعطوا الإحساس بأن كل شئ مكشوف مما ساهم في انهيار الروح المعنوية .
لقد أعطى الإلمام بالثقافة الإسرائيلية ثماره من خلال الاستفادة في تشكيل الرسائل ، فرون أراد الطيار الإسرائيلي وكذلك المفقودون ، شكلت صدمة للمجتمع الإسرائيلي، فتحرير الأسرى لا يزال محفور بشكل عميق في الثقافة اليهودية ، وقد أجاد حزب الله ذلك. ضمن جملة عناصر هي :
1 ) الإلمام بموضوع الحرب النفسية وجمع المعلومات وتوظيفها.
2 ) تحديد الرسائل الأساسية المركزة وعدم الانجرار إلى أحداث جانبية " وهو ما تحاول الحكومة اللبنانية اليوم توريطه فيه.
3 ) الانتقال إلى البصري عبر استخدامه للكميرا وتوثيقه للعمليات فهو بذلك نزع قدرة إسرائيل على الكذب ونستحضر حين كذبت إسرائيل سيطرة حزب الله على أحد المواقع ورفعه العلم اللبناني ليبث حزب الله شريطا يوثق المعركة بتفاصيلها بعد أن ترك إسرائيل تستغرق في كذبتها إمعانا في إذلالها.
4 ) كشف المعلومات وجمعها وهذا يستدعي ضمنا تحصين الذات عن تسريب المعلومات للعدو.
5 ) التنسيق والربط وهذا مع البند السابق ما يتطلب شبكة اتصالات آمنة والتي تشكل موضوع الأزمة الحالية في لبنان.
يتبع ( الحلقة القادمة لمحة عن المراكز الأمنية الأميركية والإسرائيلية ذات الطابع التجسسي).