الصابر!!!!!
01-07-2008, 01:42 PM
نذكر في الفضل أسماءها سلام الله عليها، مذيلة كل واحدة منها بشرح معناها وتوضيح مغزاها ووجه التسمية بها.
1 ـ فاطمة:
1 ـ عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء. ثم قال عليه السلام: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر، ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(1).
2 ـ عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن محمد بن زياد مولى بني هاشم قال: حدثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجية بن إسحاق الفزاري قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن حسن قال: قال أبو الحسن عليه السلام: لم سميت فاطمة فاطمة؟ قلت: فرقا بينه وبين الأسماء. قال: إن ذلك لمن الأسماء، ولكن الاسم الذي سميت به، أن الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه، فعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى (فاطمة) لما أخرج منها وجعل في ولدها، ففطمهم ما طمعوا، فبهذا سميت فاطمة (فاطمة)، لأنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت: قطعت. بيان: قوله: (فرقا بينه وبين الأسماء) لعله توهم أن هذا الاسم مما لم يسبقها إليه أحد، فلذا سميت به لئلا يشاركها فيه امرأة ممن مضى، فأجاب عليه السلام بأنه كان من الأسماء التي كانوا يسمون بها قبل. قوله تعالى: (إن الله) أي لأن الله(2).
3 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام إنه فال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة: فاطمة، والقدر: الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنما سميت (فاطمة) لأن الخلق فطموا عن معرفتها(3).
4 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة: شق الله لك اسما من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة(4).
5 ـ قال علي عليه السلام: إنما سميت فاطمة لأن الله فطم من أحبها عن النار(5).
6 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله: إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها وفطم محبيها عن النار(6).
7 ـ قال الصادق عليه السلام: تدري أي شئ تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشر. ويقال: إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث(7).
8 ـ عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة عليها السلام وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبا فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة، إني سميتك فاطمة، وفطمت بك من أحبك وأحب ذريتك وتولاهم. من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد ـ الحديث(8).
9 ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عز وجل إلى ملك فانطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم، وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
بيان: (فطمتك بالعلم) أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت وفطمت؛ أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم؛ أوجعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية. وعلى التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدفق بمعنى المدفوق؛ أو يقرأ على بناء التفعيل أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل؛ أو المعني: لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه. والوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله: (فطمتك عن الطمث) إلا بتكلف، بأن يجعل الطمث كناية عن الأخلاق والأفعال الذميمة، أو يقال فطمتك عن الأدناس الروحانية والجسمانية، فأنت تفطم الناس عن الأدناس المعنوية. وقال أيضا في ذيل حديث: (لم سميت فاطمة؟ قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار):
بيان: لا يقال: المناسب على ما ذكر في وجه التسمية أن تسمى مفطومة إذ الفطم بمعنى القطع، يقال: فطمت الأم صبيها، وفطمت الرجل عن عادته، وفطمت الحبل. لأنا نقول: كثيرا ما يجئ فاعل بمعنى مفعول، كقولهم: سر كاتم، ومكان عامر، وكما قالوا في قوله تعالى: (عيشة راضية) و(ماء دافق). ويحتمل أن يكون ورد الفطم لازما أيضا.
قال الفيروزآبادي: أفطم السخلة: حان أن تفطم، فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم(9)...
وقال المولى محمد علي الأنصاري (ره): وقد تلخص منها (الأخبار) وجوه متعددة لتسميتها عليها السلام بتلك التسمية: مثل فطم نفسها بالعلم، وفطمها عن الشر، وفطمها عن الطمث، وفطم ذريتها وشيعتها من النار، وكذلك فطم من تولاها وأحبها منها، وفطم الأعداء عن طمع الوراثة في الملك، وعن حبها، ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار، لأن الفطم معنى يصدق مع كل الوجوه المذكورة؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعداد الذاتية، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة؛ وكل هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، الذي هو مخالف للقواعد الظاهرية اللفظية، لأن فاطمة مشتقٌ من الفطم بمعنى الفصل، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع، يقال: فطمت المرضع الرضيع فطماً، من باب ضرب: فصلته عن الرضاع، فهي فاطمة، والصغير فطم بمعنى المفطوم. وأفطم الرجل: دخل في وقت الفطام، مثل أحصد الزرع: إذا حان حصاده. وفطمت الحبل: قطعته. وفطمت الرجل عن عادته: إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصا بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه، بل هو مطلق الفصل عن الشئ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّع منه، فيكون معنى (فاطمة) فاصلة أو قاطعة أو مانعة، وكلٌّ منها معنى كليٌّ وماهية مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة، فسميت من عند الله بها.
ويلزم في تحقق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول به، مثلاً إذا لم كانت الأم فاطمة لطفلها، فهي فاصلة، والطفل مفصول، واللبن مفصول عنه، والغذاء مفصول به. فيكون معنى فاطمة أنها تفطم نفسها ولو بسبب قابليتها الذاتية عن الجهل بالعلم، وعن الشر بالخير، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة، وتفطم ذريتها وشيعتها ومن تولاها وأحبها من النار بالجنة، وتفطم أعدائها عن طمع الوراثة باليأس عنها، وعن حبها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعددة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتى توجب تعدد معاني اللفظ، بل هي لحاظات خارجية باعتبارها وقعت التسمية.
مثلا لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مختلفة وأسباب متعددة، فقيل: (جاء زيد)، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملا في المعاني المتعددة. نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحباء بمعنى كونها ذات فطم من المبني للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطمية، وفي فطمها عن الشر بمعنى ذات فطم من المبني للمفعول أي ذات مفطومية، لزم المحذور المذكور، ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور. ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم مطلقا من باب النسبة فيكون جامدا يستوي فيه المذكر والمؤنث..نعم، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول، أي المفطومة، من باب الصفة بحال المتعلق بلحاظ المآل والحقيقة؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم، من المصدر المبني للفاعل أو المفعول لكن على سبيل القضية الكلية لا الجزئية، كما لا يخفى.
وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شئ؛ أو كون معناها معنى كُليّاً يشمل على وجوه كثيرة، فيحتمل احتمالا ظاهرا أن يكون ملحوظا في وجه التسمية أمور عليحدة أيضا كفطمها عن الأخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيبة الزكية، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة، وعن الظلمانية بالنورانية، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة، وعن عدم العصمة بالمعصومية، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانية والباطنية، فيلزم حينئذ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة والأولى. فتكون حينئذ معصومة تقية نقية ولية صديقة مباركة طاهرة إلى آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية. وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقي عليه السلام إما من جهة اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضا؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطة كما يشعر به قوله عليه السلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله(10)...
أقول: إن قلت: وما وجه اشتقاق فاطمة من (فطر) مع مغايرة المادة؟ قلت: إن الاشتقاق على ثلاثة أقسام: صغير، وكبير وأكبر. فإذا كان المشتق والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق يسمى اشتقاقا صغيرا، كضرب ونصر، فهما من الضرب والنصر. وإن جمع الفرع حروف الأصل ولكن لم يلحظ فيه الترتيب يسمى بالاشتقاق الكبير، كجذب وجبذ، قال ابن المنظور في (لسان العرب): (جبذ لغة في جذب). وإن لم يشتمل على جميع الأصل ولكن فيه أكثر حروف الأصل يسمى بالاشتقاق الأكبر، كهضم وخضم، ونبع ونيع، وقصم وفصم، وفطم وفطر، كما في هذا الموقف؛ ويكون هذا الاشتقاق دليلا على إنها سلام الله عليها مظهرا للصفات الربوبية.
ثم أقول: هذا الاسم سواء كان من عند الله عز وجل أو بإلهام من الله تعالى كما لاحظت في الأخبار الماضية، لم يكن للعلامة وتمييز المسماة به عن غيرها فحسب، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالبا بينها وبين الأعيان والذوات، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهية حكمة وسر وتناسب عميق بين الاسم والمسماة به. وإنّ مادة (فطم) على أي وجه فرضت فيها فاعلا أو مفعولا، كانت بمعنى القطع والفصل على نحو الإطلاق، ولا يختص بأحد الوجوه السابقة من الشر والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك، لإنها سلام الله عليها متصفة بجميع المكارم، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص، فتناسب الاسم لها ـ فاعلا ـ لكونها سلام الله عليها فطمت نفسها وذريتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار، وتناسبه لها ـ مفعولاً ـ أنها سلام الله عليها مفطومة عن معرفتها الناس،(11) فهو وصف المتعلق. فمن الذي يبلغ معرفتها؟! هيهات! ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العلماء، وحصرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنها، ودرك درجة من سمو رفعتها.
هي قطب دائرة الوجود ونقطة لما تنزلت أكثرت كثراتها
هي أحمد الثاني وأحمد عصرها هي عنصر التوحيد في عرصاتها
ومن عرف فاطمة عليها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.(12) والتشابه من وجوه: الأول: إن ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها، وكذلك البضعة الأحمدية والجزء المحمدية عليها السلام مجهولة قدرها، مخفية قبرها. والثاني: كما أن ليلة القدر يفرق فيها كل أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر. والثالث: كما صارت ليلة القدر ظرفا لنزول الآيات والسور، فهي سلام الله عليها صارت وعاء للإمامة والمصحف. والرابع: إن ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء، وكذلك ولايتها مرقاة لوصولهم إلى النبوة والرسالة والعظمة(13).
والخامس: إن ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، وكذلك التوسل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليات.(14) والسادس: إن ليلة القدر خير من ألف شهر، وكذلك هي سلام الله عليها خير نساء الأولين والآخرين، بل إن فاطمة خير أهل الأرض عنصرا وشرفا وكرما.
هي مشكاة نور الله جل جلاله زيتونة عم الورى بركاتها
وهي ـ سلام الله عليها ـ كما قال الباقر عليه السلام عنصر الشجرة الطيبة التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرعها علي عليه السلام(15).
فلاحظ هذا الحديث وتدبر فيه، ثم ارجع البصر كرتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسر (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)(16) وسر قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا علي، أنفذ ما أمرتك به الزهراء عليها السلام)(17) وسر قول علي عليه السلام: (يا بقية النبوة)(18)، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلى الله عليه وآله للدين عمود، ولا اخضر له عود. ولنعم ما قال الأزري (ره): نحن من باري السماوات سر لو كرهنا وجودها ما براها بل بآثارنا ولطف رضانا سطح الأرض والسماء بناها وبأضوائنا التي ليس تخبو حوت الشمس ما حوت من سناها.
ثم إن الأحاديث التي أوردناها من(البحار) أوردها جمع كثير من العامة في كتبهم كصاحب (ينابيع المودة) و(الذخائر العقبى) و(نزهة المجالس) و(مقتل الحسين) و(إحقاق الحق)ج10 و19 نقلا عن مصادر العامة.
ومما ينبغي لفت النظر إليه هو إن المعصومين عليهم السلام يهتمون بهذا الاسم الشريف اهتماما شديدا، ويكرمونه إكراما عظيما، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسفون، ويحبون التي سميت به، ويحبون بيتا كان فيه اسم فاطمة، وهم عليهم السلام يتوسلون به. فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه السلام فإنه ذيله بالقسم والتأكيد بقوله: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
وأيضا إنه عليه السلام ـ إذا وعكه الحمى (وقيل وجعها وآلمها) استعان بالماء البارد، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة المجلسي رحمه الله: لعل النداء كان استشفاعا بها صلوات الله عليها للشفاء. قال المحدث القمي: إني أحتمل قويا كما أنه أثر الحمى في جسده اللطيف كذلك أثر كتمان حزنه على أمه المظلومة في قلبه الشريف، فكما إنه يطفي حرارة جسده بالماء، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيدة النساء، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفس الصعداء، فإن تأثير مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار عليهم السلام آلم من حز الشفار، وأحر من جمرة النار(19).
وعن فضالة بن أيوب، عن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم ومكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك. فسري والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة. قال: آه آه آه ثم وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها(20).
وعن بشار المكاري قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة وقد قدم له طبق رطب طبرزد(21) وهو يأكل، فقال: يا بشار، أدن فكل. فقلت:هناك الله وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شئ رأيته في طريقي! أوجع قلبي، وبلغ مني. فقال لي: بحقي لما دنوت فأكلت. قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك، قلت: رأيت جلوازا(22) يضرب رأس امرأة ويسوقها إلى الحبس، وهي تنادي بأعلى صوتها: (المستغاث بالله ورسوله) ولا يغيثها أحد. قال: ولم فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: ( لعن الله ظالميك يا فاطمة)، فارتكب منها ما ارتكب.
قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع، ثم قال: يا بشار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة. قال: ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطان، وتقدم إليه بإن لايبرح إلى أن يأتيه رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنا. قال: فصرنا إلى مسجد السهلة، وصلى كل منا ركعتين، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال: أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال: فخر ساجدا لا أسمع منه إلا النفس، ثم رفع رأسه فقال: قم، فقد أطلقت المرأة.
قال: فخرجنا جميعا، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه إلى باب السلطان،فقال له عليه السلام: ما الخبر؟ قال: قد أطلق عنها. قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنني كنت واقفا على باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلمت؟ قالت: عثرت فقلت: (لعن الله ظالميك يا فاطمة)، ففعل بي ما فعل. قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الأمير في حل؛ فأبت أن تأخذها؛ فلما رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك، ثم خرج فقال: انصرفي إلى بيتك؛ فذهبت إلى منزلها.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم، وهي والله محتاجة إليها. قال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير. وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام، وادفع إليها هذه الدنانير. قال فذهبنا جميعا، فأقرأناها منه السلام، فقالت: بالله أقرأني السلام جعفر بن محمد السلام؟ فقلت لها: رحمك الله، والله إن جعفر بن محمد أقرأك السلام، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها. قال: فصبرنا حتى أفاقت، وقالت: أعدها عليّ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثا، ثم قلنا لها: خذي، هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منا وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله، فما أعرف أحدا توسل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام.
قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله عليه السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو لها، ثم قلت: ليت شعري متى أرى فرج آل محمد عليهم السلام(23). وعن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء(24). وأيضا عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله عند قرب وفاته: (ألا إن فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله). قال عيسى (الراوي للحديث): فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلا، وقطع بقية كلامه وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمه صلوات الله عليها(25).
1 ـ فاطمة:
1 ـ عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء. ثم قال عليه السلام: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر، ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(1).
2 ـ عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن محمد بن زياد مولى بني هاشم قال: حدثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجية بن إسحاق الفزاري قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن حسن قال: قال أبو الحسن عليه السلام: لم سميت فاطمة فاطمة؟ قلت: فرقا بينه وبين الأسماء. قال: إن ذلك لمن الأسماء، ولكن الاسم الذي سميت به، أن الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه، فعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى (فاطمة) لما أخرج منها وجعل في ولدها، ففطمهم ما طمعوا، فبهذا سميت فاطمة (فاطمة)، لأنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت: قطعت. بيان: قوله: (فرقا بينه وبين الأسماء) لعله توهم أن هذا الاسم مما لم يسبقها إليه أحد، فلذا سميت به لئلا يشاركها فيه امرأة ممن مضى، فأجاب عليه السلام بأنه كان من الأسماء التي كانوا يسمون بها قبل. قوله تعالى: (إن الله) أي لأن الله(2).
3 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام إنه فال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة: فاطمة، والقدر: الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنما سميت (فاطمة) لأن الخلق فطموا عن معرفتها(3).
4 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة: شق الله لك اسما من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة(4).
5 ـ قال علي عليه السلام: إنما سميت فاطمة لأن الله فطم من أحبها عن النار(5).
6 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله: إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها وفطم محبيها عن النار(6).
7 ـ قال الصادق عليه السلام: تدري أي شئ تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشر. ويقال: إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث(7).
8 ـ عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة عليها السلام وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبا فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة، إني سميتك فاطمة، وفطمت بك من أحبك وأحب ذريتك وتولاهم. من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد ـ الحديث(8).
9 ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عز وجل إلى ملك فانطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم، وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
بيان: (فطمتك بالعلم) أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت وفطمت؛ أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم؛ أوجعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية. وعلى التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدفق بمعنى المدفوق؛ أو يقرأ على بناء التفعيل أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل؛ أو المعني: لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه. والوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله: (فطمتك عن الطمث) إلا بتكلف، بأن يجعل الطمث كناية عن الأخلاق والأفعال الذميمة، أو يقال فطمتك عن الأدناس الروحانية والجسمانية، فأنت تفطم الناس عن الأدناس المعنوية. وقال أيضا في ذيل حديث: (لم سميت فاطمة؟ قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار):
بيان: لا يقال: المناسب على ما ذكر في وجه التسمية أن تسمى مفطومة إذ الفطم بمعنى القطع، يقال: فطمت الأم صبيها، وفطمت الرجل عن عادته، وفطمت الحبل. لأنا نقول: كثيرا ما يجئ فاعل بمعنى مفعول، كقولهم: سر كاتم، ومكان عامر، وكما قالوا في قوله تعالى: (عيشة راضية) و(ماء دافق). ويحتمل أن يكون ورد الفطم لازما أيضا.
قال الفيروزآبادي: أفطم السخلة: حان أن تفطم، فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم(9)...
وقال المولى محمد علي الأنصاري (ره): وقد تلخص منها (الأخبار) وجوه متعددة لتسميتها عليها السلام بتلك التسمية: مثل فطم نفسها بالعلم، وفطمها عن الشر، وفطمها عن الطمث، وفطم ذريتها وشيعتها من النار، وكذلك فطم من تولاها وأحبها منها، وفطم الأعداء عن طمع الوراثة في الملك، وعن حبها، ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار، لأن الفطم معنى يصدق مع كل الوجوه المذكورة؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعداد الذاتية، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة؛ وكل هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، الذي هو مخالف للقواعد الظاهرية اللفظية، لأن فاطمة مشتقٌ من الفطم بمعنى الفصل، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع، يقال: فطمت المرضع الرضيع فطماً، من باب ضرب: فصلته عن الرضاع، فهي فاطمة، والصغير فطم بمعنى المفطوم. وأفطم الرجل: دخل في وقت الفطام، مثل أحصد الزرع: إذا حان حصاده. وفطمت الحبل: قطعته. وفطمت الرجل عن عادته: إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصا بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه، بل هو مطلق الفصل عن الشئ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّع منه، فيكون معنى (فاطمة) فاصلة أو قاطعة أو مانعة، وكلٌّ منها معنى كليٌّ وماهية مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة، فسميت من عند الله بها.
ويلزم في تحقق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول به، مثلاً إذا لم كانت الأم فاطمة لطفلها، فهي فاصلة، والطفل مفصول، واللبن مفصول عنه، والغذاء مفصول به. فيكون معنى فاطمة أنها تفطم نفسها ولو بسبب قابليتها الذاتية عن الجهل بالعلم، وعن الشر بالخير، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة، وتفطم ذريتها وشيعتها ومن تولاها وأحبها من النار بالجنة، وتفطم أعدائها عن طمع الوراثة باليأس عنها، وعن حبها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعددة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتى توجب تعدد معاني اللفظ، بل هي لحاظات خارجية باعتبارها وقعت التسمية.
مثلا لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مختلفة وأسباب متعددة، فقيل: (جاء زيد)، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملا في المعاني المتعددة. نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحباء بمعنى كونها ذات فطم من المبني للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطمية، وفي فطمها عن الشر بمعنى ذات فطم من المبني للمفعول أي ذات مفطومية، لزم المحذور المذكور، ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور. ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم مطلقا من باب النسبة فيكون جامدا يستوي فيه المذكر والمؤنث..نعم، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول، أي المفطومة، من باب الصفة بحال المتعلق بلحاظ المآل والحقيقة؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم، من المصدر المبني للفاعل أو المفعول لكن على سبيل القضية الكلية لا الجزئية، كما لا يخفى.
وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شئ؛ أو كون معناها معنى كُليّاً يشمل على وجوه كثيرة، فيحتمل احتمالا ظاهرا أن يكون ملحوظا في وجه التسمية أمور عليحدة أيضا كفطمها عن الأخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيبة الزكية، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة، وعن الظلمانية بالنورانية، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة، وعن عدم العصمة بالمعصومية، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانية والباطنية، فيلزم حينئذ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة والأولى. فتكون حينئذ معصومة تقية نقية ولية صديقة مباركة طاهرة إلى آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية. وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقي عليه السلام إما من جهة اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضا؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطة كما يشعر به قوله عليه السلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله(10)...
أقول: إن قلت: وما وجه اشتقاق فاطمة من (فطر) مع مغايرة المادة؟ قلت: إن الاشتقاق على ثلاثة أقسام: صغير، وكبير وأكبر. فإذا كان المشتق والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق يسمى اشتقاقا صغيرا، كضرب ونصر، فهما من الضرب والنصر. وإن جمع الفرع حروف الأصل ولكن لم يلحظ فيه الترتيب يسمى بالاشتقاق الكبير، كجذب وجبذ، قال ابن المنظور في (لسان العرب): (جبذ لغة في جذب). وإن لم يشتمل على جميع الأصل ولكن فيه أكثر حروف الأصل يسمى بالاشتقاق الأكبر، كهضم وخضم، ونبع ونيع، وقصم وفصم، وفطم وفطر، كما في هذا الموقف؛ ويكون هذا الاشتقاق دليلا على إنها سلام الله عليها مظهرا للصفات الربوبية.
ثم أقول: هذا الاسم سواء كان من عند الله عز وجل أو بإلهام من الله تعالى كما لاحظت في الأخبار الماضية، لم يكن للعلامة وتمييز المسماة به عن غيرها فحسب، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالبا بينها وبين الأعيان والذوات، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهية حكمة وسر وتناسب عميق بين الاسم والمسماة به. وإنّ مادة (فطم) على أي وجه فرضت فيها فاعلا أو مفعولا، كانت بمعنى القطع والفصل على نحو الإطلاق، ولا يختص بأحد الوجوه السابقة من الشر والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك، لإنها سلام الله عليها متصفة بجميع المكارم، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص، فتناسب الاسم لها ـ فاعلا ـ لكونها سلام الله عليها فطمت نفسها وذريتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار، وتناسبه لها ـ مفعولاً ـ أنها سلام الله عليها مفطومة عن معرفتها الناس،(11) فهو وصف المتعلق. فمن الذي يبلغ معرفتها؟! هيهات! ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العلماء، وحصرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنها، ودرك درجة من سمو رفعتها.
هي قطب دائرة الوجود ونقطة لما تنزلت أكثرت كثراتها
هي أحمد الثاني وأحمد عصرها هي عنصر التوحيد في عرصاتها
ومن عرف فاطمة عليها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.(12) والتشابه من وجوه: الأول: إن ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها، وكذلك البضعة الأحمدية والجزء المحمدية عليها السلام مجهولة قدرها، مخفية قبرها. والثاني: كما أن ليلة القدر يفرق فيها كل أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر. والثالث: كما صارت ليلة القدر ظرفا لنزول الآيات والسور، فهي سلام الله عليها صارت وعاء للإمامة والمصحف. والرابع: إن ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء، وكذلك ولايتها مرقاة لوصولهم إلى النبوة والرسالة والعظمة(13).
والخامس: إن ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، وكذلك التوسل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليات.(14) والسادس: إن ليلة القدر خير من ألف شهر، وكذلك هي سلام الله عليها خير نساء الأولين والآخرين، بل إن فاطمة خير أهل الأرض عنصرا وشرفا وكرما.
هي مشكاة نور الله جل جلاله زيتونة عم الورى بركاتها
وهي ـ سلام الله عليها ـ كما قال الباقر عليه السلام عنصر الشجرة الطيبة التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرعها علي عليه السلام(15).
فلاحظ هذا الحديث وتدبر فيه، ثم ارجع البصر كرتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسر (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)(16) وسر قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا علي، أنفذ ما أمرتك به الزهراء عليها السلام)(17) وسر قول علي عليه السلام: (يا بقية النبوة)(18)، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلى الله عليه وآله للدين عمود، ولا اخضر له عود. ولنعم ما قال الأزري (ره): نحن من باري السماوات سر لو كرهنا وجودها ما براها بل بآثارنا ولطف رضانا سطح الأرض والسماء بناها وبأضوائنا التي ليس تخبو حوت الشمس ما حوت من سناها.
ثم إن الأحاديث التي أوردناها من(البحار) أوردها جمع كثير من العامة في كتبهم كصاحب (ينابيع المودة) و(الذخائر العقبى) و(نزهة المجالس) و(مقتل الحسين) و(إحقاق الحق)ج10 و19 نقلا عن مصادر العامة.
ومما ينبغي لفت النظر إليه هو إن المعصومين عليهم السلام يهتمون بهذا الاسم الشريف اهتماما شديدا، ويكرمونه إكراما عظيما، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسفون، ويحبون التي سميت به، ويحبون بيتا كان فيه اسم فاطمة، وهم عليهم السلام يتوسلون به. فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه السلام فإنه ذيله بالقسم والتأكيد بقوله: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
وأيضا إنه عليه السلام ـ إذا وعكه الحمى (وقيل وجعها وآلمها) استعان بالماء البارد، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة المجلسي رحمه الله: لعل النداء كان استشفاعا بها صلوات الله عليها للشفاء. قال المحدث القمي: إني أحتمل قويا كما أنه أثر الحمى في جسده اللطيف كذلك أثر كتمان حزنه على أمه المظلومة في قلبه الشريف، فكما إنه يطفي حرارة جسده بالماء، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيدة النساء، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفس الصعداء، فإن تأثير مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار عليهم السلام آلم من حز الشفار، وأحر من جمرة النار(19).
وعن فضالة بن أيوب، عن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم ومكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك. فسري والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة. قال: آه آه آه ثم وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها(20).
وعن بشار المكاري قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة وقد قدم له طبق رطب طبرزد(21) وهو يأكل، فقال: يا بشار، أدن فكل. فقلت:هناك الله وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شئ رأيته في طريقي! أوجع قلبي، وبلغ مني. فقال لي: بحقي لما دنوت فأكلت. قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك، قلت: رأيت جلوازا(22) يضرب رأس امرأة ويسوقها إلى الحبس، وهي تنادي بأعلى صوتها: (المستغاث بالله ورسوله) ولا يغيثها أحد. قال: ولم فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: ( لعن الله ظالميك يا فاطمة)، فارتكب منها ما ارتكب.
قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع، ثم قال: يا بشار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة. قال: ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطان، وتقدم إليه بإن لايبرح إلى أن يأتيه رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنا. قال: فصرنا إلى مسجد السهلة، وصلى كل منا ركعتين، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال: أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال: فخر ساجدا لا أسمع منه إلا النفس، ثم رفع رأسه فقال: قم، فقد أطلقت المرأة.
قال: فخرجنا جميعا، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه إلى باب السلطان،فقال له عليه السلام: ما الخبر؟ قال: قد أطلق عنها. قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنني كنت واقفا على باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلمت؟ قالت: عثرت فقلت: (لعن الله ظالميك يا فاطمة)، ففعل بي ما فعل. قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الأمير في حل؛ فأبت أن تأخذها؛ فلما رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك، ثم خرج فقال: انصرفي إلى بيتك؛ فذهبت إلى منزلها.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم، وهي والله محتاجة إليها. قال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير. وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام، وادفع إليها هذه الدنانير. قال فذهبنا جميعا، فأقرأناها منه السلام، فقالت: بالله أقرأني السلام جعفر بن محمد السلام؟ فقلت لها: رحمك الله، والله إن جعفر بن محمد أقرأك السلام، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها. قال: فصبرنا حتى أفاقت، وقالت: أعدها عليّ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثا، ثم قلنا لها: خذي، هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منا وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله، فما أعرف أحدا توسل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام.
قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله عليه السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو لها، ثم قلت: ليت شعري متى أرى فرج آل محمد عليهم السلام(23). وعن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء(24). وأيضا عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله عند قرب وفاته: (ألا إن فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله). قال عيسى (الراوي للحديث): فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلا، وقطع بقية كلامه وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمه صلوات الله عليها(25).