ابنة المرجعيه
04-07-2008, 02:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله ..
حديث سدّ الأبوابومن الأحاديث الصحيحة الثابتة المشهورة، بل المتواترة.. الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام... حديث «سدّوا الأبواب إلاّ باب علي»... وهذه نصوص من ألفاظه:
حديث سدّ الأبواب إلاّ باب عليّ
أخرج الترمذي بسنده عن ابن عبّاس: «أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب علي»
وأخرج عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعليّ: يا عليّ، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.
قال عليّ بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث ؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك»(2).
وأخرج أحمد بسنده عن عبدالله بن الرقيم الكناني، قال: «خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي»
وأخرجه أحمد كذلك بأسانيد مختلفة عن غير واحد من الصحابة
وأخرج الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال: «كانت لنفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوماً: سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي.
قال: فتكلم في ذلك الناس، فقام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته.
هذا حديث صحيح الإسناد»
وأخرج بسنده عن أبي هريرة قال: «قال عمر بن الخطاب: لقد أعطي علي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم. قيل: وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال: تزوّجه فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.
هذا حديث صحيح الإسناد»
وأخرج النسائي بسنده عن الحارث بن مالك قال: «أتيت مكة فلقيت سعد ابن أبي وقاص فقلت له: سمعت لعلي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في المسجد فروى فينا لسدّه ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول الله وآل عليّ. قال: فخرجنا، فلما أصبح أتاه عمه فقال: يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام. إن الله هو أمر به.
قال النسائي: قال فطر: عن عبدالله بن شريك، عن عبدالله بن أرقم، عن سعد: إن العباس أتى النبي فقال: سددت أبوابنا إلاّ باب علي ؟! فقال: ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها
هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمة، ولو أردنا استقصاء طرقه وألفاظه المختلفة عن الصحابة الذين رووه لطال بنا المقام، وربّما نقف على بعضها أيضاً في خلال البحث... وبالجملة فإن الخبر قد تعدّى الرواية وبلغ حد الدراية... ونحن إنّما ذكرنا طرفاً من ذلك تمهيداً لما أخرج في الصحيحين من حديث الخوخة، وما ترتب على ذلك من نظرات وبحوث عند الشراح وكبار أئمة الحديث.
قلب الحديث
لقق قلبوا حديث «سدّ الأبواب» عن «علي» إلى «أبي بكر» ووضعوا أيضاً «حديث الخوخة» وأخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما والترمذي وأحمد... وغيرهم ممن تقدّم وتأخر...
والعمدة ما جاء في كتابي البخاري ومسلم... فإذا درسناه وتوصّلنا إلى واقع الحال فيه أغنانا عن النظر في غيره... ولربما تعرضنا لغيره في خلال البحث.
الحديث المقلوب عند البخاري
والبخاري أخرجه في أكثر من باب...
ففي «باب الخوخة والممرّ في المسجد» قال: «حدّثنا عبدالله بن محمد الجعفي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا أبي، قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّه ليس من الناس أحد أمن عليّ في نفسه وماله. من أبي بكر بن أبي قحافة؛ ولو كنت متخذاً من الناس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلّة الإسلام أفضل؛ سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر».
وفي «باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة» قال: «حدّثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدّثني مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن عبيد ـ يعني ابن حنين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جلس على المنبر فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختارما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وامهاتنا، فعجبنا له وقال الناس: أنظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به.
وقال رسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر إلاّ خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر».
الحديث المقلوب عند مسلم
وأخرجه مسلم في باب فضائل الصحابة فقال:
«حدّثني عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد، حدثنا معن، حدّثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم جلس على المنبر فقال: عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده؛ فبكى أبو بكر وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا به.
وقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام؛ لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.
حدثنا سعيد بن منصور، حدّثنا فليح بن سليمان، عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطب رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلّم الناس يوماً. بمثل حديث مالك».
تحريف البخاري الحديث المقلوب
ثم إن البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في «باب الخوخة والممر في المسجد» كما عرفت حرّفه في «باب المناقب» حيث قال: «باب قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم».
فاضطرب الشراح في توجيه هذا التحريف، فاضطروا إلى حمل ذلك على أنه نقل بالمعنى:
قال ابن حجر: «وصله المصنّف في الصلاة بلفظ: سدّوا عني كل خوخة، فكأنه ذكره بالمعنى»(1).
وقال العيني: «هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدّوا عنّي كلّ خوخة في المسجد، وهذا هنا نقل بالمعنى...».
وهل يصدق على أن نقل «الخوخة» إلى «الباب» نقل بالمعنى؟! على أن ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول: «كأنه...»!
وكما حرف الحديث عن ابن عبّاس، كذلك حرف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في «باب هجرة النبي» كما عرفت، فقال في «باب المناقب»:
«حدثني عبدالله بن محمد، حدّثني أبو عامر، حدّثنا فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:
خطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال: إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله؛ قال: فبكى أبو بكر؛ فعجبنا لبكائه أن
يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبد خيّر، فكان رسول الله هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوّة الإسلام ومودته؛ لا يبقين في المسجد باب إلاّ سدّ إلاّ باب أبي بكر».
نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين
أن البخاري ومسلماً يرويانه عن ابن عبّاس وأبي سعيد الخدري... لكنه ساقط عن درجة الاعتبار عن كليهما:
أما الحديث عن ابن عباس:
فهو عند البخاري فقط... ويكفي في سقوطه ـ بعد غضّ النظر عن بعض الكلام في «وهب بن جرير»
وعما قيل في أبيه «جرير بن حازم» فإن البخاري يقول: «ربّما يهّم» ويقول يحيى بن معين: «هو عن قتادة ضعيف» والذهبي يقول: «تغيرّ قبل موته فحجبه ابنه وهب»
ـ إن راويه عن ابن عبّاس هو «عكرمة البربري» مولاه، وإليك طرفاً من أوصاف هذا الرجل:
موجز ترجمة عكرمة مولى ابن عبّاس:
1 ـ إنّه كان يرى رأي الخوارج وكان داعية إليه، وقد أخذ كثيرون من أهل أفريقية رأي الصفرية من عكرمة. قال الذهبي: قد تكلّم الناس في عكرمة لأنه كان يرى رأي الخوارج.
2 ـ وكان يطعن في الدين ويستهزئ بالأحكام، فقد نقلوا عنه قوله: إنمّا أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.
وقال في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالا.
ووقف على باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلاّ كافر.
3 ـ وكان كذاباً، حتى أوثقه عليّ بن عبدالله بن عباس على باب كنيف الدار، فقيل له: تفعلون هذا بمولاكم ؟! فقال: إن هذا يكذب على أبي. وأشتهر قول عبدالله ابن عمر لمولاه نافع: اتق الله، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك وجماعة غيرهم: كذاب.
4 ـ وعكوفه على أبواب الأمراء للدنيا مشهور، حتى قيل له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان ؟! فقال: أسعى على بناتي. وقال لآخر: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم.
5 ـ ولأجل هذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته، فما حمله أحد، وأكتروا له أربعة رجال من السودان
وأمّا الحديث عن أبي سعيد الخدري:
فقد رواه البخاري عن: إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدّري...
ورواه مسلم ـ في طريقه الأول ـ عن عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد، عن معن، عن مالك...
ورواه الترمذي عن أحمد بن الحسن، عن عبيدالله بن مسلمة، عن مالك... وقال: هذا حديث حسن صحيح ..
فمداره على «مالك بن أنس».
ومالك بن أنس وإن كان أحد الأئمة الأربعة، تقلّده طائفة كبيرة من أهل السنة... فهو لا يعتمد على رواياته، خاصة في مثل هذا المقام... لعقيدته التي انفرد بها حول الإمام عليه السلام... والتي خرج بها عن إجماع اهل الإسلام...!!
ترجمة مالك
وقد اقتض هذا المقام أن نفصّل الكلام في ترجمة مالك بن أنس:
1 ـ كونه من الخوارج:
فأوّل ما فيه كونه يرى رأي الخوارج... قال المبرّد في بحث له حول الخوارج:
«وكان عدّة من الفقهاء ينسبون إليه، منهم: عكرمة مولى ابن عبّاس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس.
ويروي الزبيريّون: أن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّ وطلحة والزبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر»
2 ـ رأيه الباطل في مسالة التفضيل:
وكان مالك يرى مساواة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لسائر الناس، فكان يقول بأن أفضل الأمّة هم أبو بكر وعمر وعثمان ثم يقف ويقول: هنا يتساوى
الناس
وكان في هذا الرأي تبعاً لابن عمر في رأيه حيث قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل.
هذا الرأي الذي ذكره ابن عبد البر وأنكره جدّاً، قال: «وهو الذي أنكره ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن علياً أفضل الناس بعد عثمان، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم غلط، وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده إسناده صحيحا...»
3 ـ تركه الرواية عن امير المؤمنين عليه السلام:
ثم إنه لانحرافه عن أمير المؤمنين عليه السلام لم يخرج عنه شيئاً في كتابه «الموطأ»!... الأمر الذي استغرب منه هارون الرشيد، فلمّا سأله عن السبب اعتذر بأنه: لم يكن في بلدي ولم ألق رجاله!! (3).
هذا مع روايته عن معاوية وعبد الملك بن مروان... واستناده إلى آرائهما..!
وروايته عن هشام بن عروة مع قوله: هشام بن عروة كذاب !!.
وقال بعضهم: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطأ )».
4 ـ كان مدلّساً:
وهو ـ مضافاً إلى ذلك ـ كان مدلّساً:
قال عبدالله بن أحمد:
«سمعت أبي يقول: لم يسمع مالك بن أنس من بكير بن عبدالله شيئاً، وقد حدّثنا وكيع عن مالك عن بكير بن عبدالله. قال أبي: يقولون: إنّها كتب ابنه»
وقال الخطيب في ذكر شيء من أخبار بعض المدلّسين:
«ويقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عبّاس، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عبّاس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة فأسقط اسمه من الحديث وأرسله.
وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يرى الاحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم ان الحديث عمّن ليس بحجة عنده. وأمّا المرسل فهو أحسن حالة من هذا، لانه لم يثبت من حال من أرسل عنه أنه ليس بحجّة»
5 ـ اجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم:
وكان مالك في غاية الفقر والشدّة، حتى ذكروا أنه باع خشبة سقف بيته.
ولكن حاله تبدّلت وتحسّنت منذ أن أصبح بخدمة السلطات والحكّام، فكانت الدنانير تدرّ عليه بكثرة، حتى أنه أخذ من هارون ألف دينار وتركها لورّاثه.
ومن الطبيعي حينئذٍ أن يكون مطيعاً للسلاطين، مشيداً لسياستهم، ساكتاً عن منكراتهم ومظالمهم....
قال عبدالله بن أحمد:
«سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء فيتكلم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل»
فهو في هذه الحالة مثل شيخه الزهري، فيتوجه إليه ما ذكره الإمام السجاد عليه السلام في كتابه إلى الزهري
6 ـ حمل الحكومة الناس على الموطأ وفتاوى مالك:
وكان من الطبيعي أيضاً أن يقابل من قبل الحكام بالمثل:
فقد قال له المنصور اجعل هذا العلم علماً واحداً... ضع الناس كتاباً أحملهم عليه... نضرب عليه عامّتهم بالسيف، ونقطع عليه ظهورهم بالسياط...(3).
وقال له: لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه... أن يعملوا بما فيها ولا يتعدّوه إلى غيرها(5).
ولما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن احمل الناس على الموطّأ كما حمل عثمان الناس على القرآن
ثم اراد هارون أن يعلّق الموطّأ على الكعبة!
ونادى منادي الحكومة: «ألا لا يفتي الناس إلاّ مالك بن أنس»
ومن الطبيعي أن لا يعامل غيره هذه المعاملة:
فقد قدم ابن جريج على أبي جعفر المنصور فقال له: إني قد جمعت حديث جدّك عبدالله بن عباس وما جمعه أحد جمعي. فلم يعطه شيئاً..
ولذا لمّا قيل لشيخه ربيعة الرأي: «كيف يحظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟!»!قال: «أما علمتم أن مثقالا من دولةً خير من حملي علم».
7 ـ كان يتغنّى بالآلات:
واشتهر مالك بن أنس بالغناء، وهذا ما نص عليه غير واحد.
وقد ذكر القرطبي أنه «لا تقبل شهادة المغني والرقاص»
وقال الشوكاني: «استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذّذ بها كفر».
8 ـ جهله بالمسائل الشرعية:
ومما يجلب الانتباه ما ذكره المترجمون له، من أنه كان إذا سئل عن مسألة تهرب من الإجابة، أو قال: لا أدري...
فقد ذكروا أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري !!
وسأله عراقي عن أربعين مسألة فما أجابه إلاّ عن خمس!!.
وسأله رجل عن مسائل فلم يجبه بشيء أصلاً(2).
وكان مالك يصرح بأنه أدرك سبعين من المشايخ يحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يأخذ من أحدهم شيئا!!
9 ـ بكاؤه على الفتيا بالرأي:
وأجمع المؤرّخون على رواية خبر بكائه في مرض موته وقوله: «ليتني جُلدت بكل كلمة تكلّمت بها في هذا الأمر بسوط»
ولا بُدّ له أن يبكي.. ومن أحق منه بالبكاء كما قال ؟! وهل ينفعه ؟!
فقد قال الليث بن سعد: «قد أحصيت على مالك سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنة النبي مّما قال مالك فيها برأيه. قال: ولقد كتبت إليه بذلك في ذلك»(5).
10 ـ تكلّم الأعلام فيه:
هذا.. وقد تكلّم في مالك وعابه جماعة من أعلام الأئمّة:
قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه»ثم ذكر: ابن أبي ذؤيب، وعبدالعزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق (7).
وقال يحيى بن معين: «سفيان أحب إليّ من مالك في كلّ شيء».
وقال سفيان في مالك: «ليس له حفظ».
وقال ابن عبدالبرّ «تكلّم ابن أبي ذؤيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره»
وتكلّم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه.
وكذلك تكلم فيه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وابن أبي يحيى
وناظره عمر بن قيس ـ في شيء من أمر الحج بحضرة هارون ـ فقال عمر لمالك: «أنت أحياناً تخطئ وأحياناً لا تصيب. فقال مالك: كذاك الناس»
ترجمة ابن أبي أويس
والراوي عن مالك ـ عند البخاري ـ هو «إسماعيل بن أبي أويس» وهو ابن أخت مالك ـ:
قال النسائي: «ضعيف».
وقال يحيى بن معين: «هو وأبوه يسرقان الحديث».
وقال الدولابي: «سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب».
وقال الذهبي بعد نقل ما تقدّم: «ساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث، ثم قال: روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد»وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى: «مخلّط، يكذب، ليس بشيء»
وقال ابن حزم في «المحلّى»: قال أبو الفتح الأزدي: حدثني سيف بن محمد: «أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث»
وقال العيني: «أقرّ على نفسه بالوضع كما حكاه النسائي»
* ورواه مسلم بطريق آخر ليس فيه «مالك» بل هو: «عن فليح بن سليمان، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري».
ترجمة فليح بن سليمان
لكن فيه: «فليح بن سليمان»:
قال النسائي: «ليس بالقوي».
وكذا قال أبو حاتم ويحيى بن معين.
وقال يحيى عن أبي كامل مظفر بن مدرك: «ثلاثة يتقى حديثهم: محمد بن طلحة ابن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان».
وقال الرملي عن داود: «ليس بشيء»
وقال ابن أبي شيبة: قال علي بن المديني: «كان فليح وأخره عبدالحميد ضعيفين».
وذكره كل من العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء، وذكره ابن حبّان في المجروحين...
وصلي الله علي محمد وال محمد ..
السلام عليكم ورحمة الله ..
حديث سدّ الأبوابومن الأحاديث الصحيحة الثابتة المشهورة، بل المتواترة.. الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام... حديث «سدّوا الأبواب إلاّ باب علي»... وهذه نصوص من ألفاظه:
حديث سدّ الأبواب إلاّ باب عليّ
أخرج الترمذي بسنده عن ابن عبّاس: «أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب علي»
وأخرج عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعليّ: يا عليّ، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.
قال عليّ بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث ؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك»(2).
وأخرج أحمد بسنده عن عبدالله بن الرقيم الكناني، قال: «خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي»
وأخرجه أحمد كذلك بأسانيد مختلفة عن غير واحد من الصحابة
وأخرج الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال: «كانت لنفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوماً: سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي.
قال: فتكلم في ذلك الناس، فقام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته.
هذا حديث صحيح الإسناد»
وأخرج بسنده عن أبي هريرة قال: «قال عمر بن الخطاب: لقد أعطي علي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم. قيل: وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال: تزوّجه فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.
هذا حديث صحيح الإسناد»
وأخرج النسائي بسنده عن الحارث بن مالك قال: «أتيت مكة فلقيت سعد ابن أبي وقاص فقلت له: سمعت لعلي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في المسجد فروى فينا لسدّه ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول الله وآل عليّ. قال: فخرجنا، فلما أصبح أتاه عمه فقال: يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام. إن الله هو أمر به.
قال النسائي: قال فطر: عن عبدالله بن شريك، عن عبدالله بن أرقم، عن سعد: إن العباس أتى النبي فقال: سددت أبوابنا إلاّ باب علي ؟! فقال: ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها
هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمة، ولو أردنا استقصاء طرقه وألفاظه المختلفة عن الصحابة الذين رووه لطال بنا المقام، وربّما نقف على بعضها أيضاً في خلال البحث... وبالجملة فإن الخبر قد تعدّى الرواية وبلغ حد الدراية... ونحن إنّما ذكرنا طرفاً من ذلك تمهيداً لما أخرج في الصحيحين من حديث الخوخة، وما ترتب على ذلك من نظرات وبحوث عند الشراح وكبار أئمة الحديث.
قلب الحديث
لقق قلبوا حديث «سدّ الأبواب» عن «علي» إلى «أبي بكر» ووضعوا أيضاً «حديث الخوخة» وأخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما والترمذي وأحمد... وغيرهم ممن تقدّم وتأخر...
والعمدة ما جاء في كتابي البخاري ومسلم... فإذا درسناه وتوصّلنا إلى واقع الحال فيه أغنانا عن النظر في غيره... ولربما تعرضنا لغيره في خلال البحث.
الحديث المقلوب عند البخاري
والبخاري أخرجه في أكثر من باب...
ففي «باب الخوخة والممرّ في المسجد» قال: «حدّثنا عبدالله بن محمد الجعفي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا أبي، قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّه ليس من الناس أحد أمن عليّ في نفسه وماله. من أبي بكر بن أبي قحافة؛ ولو كنت متخذاً من الناس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلّة الإسلام أفضل؛ سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر».
وفي «باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة» قال: «حدّثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدّثني مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن عبيد ـ يعني ابن حنين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جلس على المنبر فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختارما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وامهاتنا، فعجبنا له وقال الناس: أنظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به.
وقال رسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر إلاّ خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر».
الحديث المقلوب عند مسلم
وأخرجه مسلم في باب فضائل الصحابة فقال:
«حدّثني عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد، حدثنا معن، حدّثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم جلس على المنبر فقال: عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده؛ فبكى أبو بكر وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا به.
وقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام؛ لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.
حدثنا سعيد بن منصور، حدّثنا فليح بن سليمان، عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطب رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلّم الناس يوماً. بمثل حديث مالك».
تحريف البخاري الحديث المقلوب
ثم إن البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في «باب الخوخة والممر في المسجد» كما عرفت حرّفه في «باب المناقب» حيث قال: «باب قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم».
فاضطرب الشراح في توجيه هذا التحريف، فاضطروا إلى حمل ذلك على أنه نقل بالمعنى:
قال ابن حجر: «وصله المصنّف في الصلاة بلفظ: سدّوا عني كل خوخة، فكأنه ذكره بالمعنى»(1).
وقال العيني: «هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدّوا عنّي كلّ خوخة في المسجد، وهذا هنا نقل بالمعنى...».
وهل يصدق على أن نقل «الخوخة» إلى «الباب» نقل بالمعنى؟! على أن ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول: «كأنه...»!
وكما حرف الحديث عن ابن عبّاس، كذلك حرف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في «باب هجرة النبي» كما عرفت، فقال في «باب المناقب»:
«حدثني عبدالله بن محمد، حدّثني أبو عامر، حدّثنا فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:
خطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال: إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله؛ قال: فبكى أبو بكر؛ فعجبنا لبكائه أن
يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبد خيّر، فكان رسول الله هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوّة الإسلام ومودته؛ لا يبقين في المسجد باب إلاّ سدّ إلاّ باب أبي بكر».
نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين
أن البخاري ومسلماً يرويانه عن ابن عبّاس وأبي سعيد الخدري... لكنه ساقط عن درجة الاعتبار عن كليهما:
أما الحديث عن ابن عباس:
فهو عند البخاري فقط... ويكفي في سقوطه ـ بعد غضّ النظر عن بعض الكلام في «وهب بن جرير»
وعما قيل في أبيه «جرير بن حازم» فإن البخاري يقول: «ربّما يهّم» ويقول يحيى بن معين: «هو عن قتادة ضعيف» والذهبي يقول: «تغيرّ قبل موته فحجبه ابنه وهب»
ـ إن راويه عن ابن عبّاس هو «عكرمة البربري» مولاه، وإليك طرفاً من أوصاف هذا الرجل:
موجز ترجمة عكرمة مولى ابن عبّاس:
1 ـ إنّه كان يرى رأي الخوارج وكان داعية إليه، وقد أخذ كثيرون من أهل أفريقية رأي الصفرية من عكرمة. قال الذهبي: قد تكلّم الناس في عكرمة لأنه كان يرى رأي الخوارج.
2 ـ وكان يطعن في الدين ويستهزئ بالأحكام، فقد نقلوا عنه قوله: إنمّا أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.
وقال في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالا.
ووقف على باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلاّ كافر.
3 ـ وكان كذاباً، حتى أوثقه عليّ بن عبدالله بن عباس على باب كنيف الدار، فقيل له: تفعلون هذا بمولاكم ؟! فقال: إن هذا يكذب على أبي. وأشتهر قول عبدالله ابن عمر لمولاه نافع: اتق الله، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك وجماعة غيرهم: كذاب.
4 ـ وعكوفه على أبواب الأمراء للدنيا مشهور، حتى قيل له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان ؟! فقال: أسعى على بناتي. وقال لآخر: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم.
5 ـ ولأجل هذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته، فما حمله أحد، وأكتروا له أربعة رجال من السودان
وأمّا الحديث عن أبي سعيد الخدري:
فقد رواه البخاري عن: إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدّري...
ورواه مسلم ـ في طريقه الأول ـ عن عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد، عن معن، عن مالك...
ورواه الترمذي عن أحمد بن الحسن، عن عبيدالله بن مسلمة، عن مالك... وقال: هذا حديث حسن صحيح ..
فمداره على «مالك بن أنس».
ومالك بن أنس وإن كان أحد الأئمة الأربعة، تقلّده طائفة كبيرة من أهل السنة... فهو لا يعتمد على رواياته، خاصة في مثل هذا المقام... لعقيدته التي انفرد بها حول الإمام عليه السلام... والتي خرج بها عن إجماع اهل الإسلام...!!
ترجمة مالك
وقد اقتض هذا المقام أن نفصّل الكلام في ترجمة مالك بن أنس:
1 ـ كونه من الخوارج:
فأوّل ما فيه كونه يرى رأي الخوارج... قال المبرّد في بحث له حول الخوارج:
«وكان عدّة من الفقهاء ينسبون إليه، منهم: عكرمة مولى ابن عبّاس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس.
ويروي الزبيريّون: أن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّ وطلحة والزبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر»
2 ـ رأيه الباطل في مسالة التفضيل:
وكان مالك يرى مساواة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لسائر الناس، فكان يقول بأن أفضل الأمّة هم أبو بكر وعمر وعثمان ثم يقف ويقول: هنا يتساوى
الناس
وكان في هذا الرأي تبعاً لابن عمر في رأيه حيث قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل.
هذا الرأي الذي ذكره ابن عبد البر وأنكره جدّاً، قال: «وهو الذي أنكره ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن علياً أفضل الناس بعد عثمان، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم غلط، وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده إسناده صحيحا...»
3 ـ تركه الرواية عن امير المؤمنين عليه السلام:
ثم إنه لانحرافه عن أمير المؤمنين عليه السلام لم يخرج عنه شيئاً في كتابه «الموطأ»!... الأمر الذي استغرب منه هارون الرشيد، فلمّا سأله عن السبب اعتذر بأنه: لم يكن في بلدي ولم ألق رجاله!! (3).
هذا مع روايته عن معاوية وعبد الملك بن مروان... واستناده إلى آرائهما..!
وروايته عن هشام بن عروة مع قوله: هشام بن عروة كذاب !!.
وقال بعضهم: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطأ )».
4 ـ كان مدلّساً:
وهو ـ مضافاً إلى ذلك ـ كان مدلّساً:
قال عبدالله بن أحمد:
«سمعت أبي يقول: لم يسمع مالك بن أنس من بكير بن عبدالله شيئاً، وقد حدّثنا وكيع عن مالك عن بكير بن عبدالله. قال أبي: يقولون: إنّها كتب ابنه»
وقال الخطيب في ذكر شيء من أخبار بعض المدلّسين:
«ويقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عبّاس، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عبّاس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة فأسقط اسمه من الحديث وأرسله.
وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يرى الاحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم ان الحديث عمّن ليس بحجة عنده. وأمّا المرسل فهو أحسن حالة من هذا، لانه لم يثبت من حال من أرسل عنه أنه ليس بحجّة»
5 ـ اجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم:
وكان مالك في غاية الفقر والشدّة، حتى ذكروا أنه باع خشبة سقف بيته.
ولكن حاله تبدّلت وتحسّنت منذ أن أصبح بخدمة السلطات والحكّام، فكانت الدنانير تدرّ عليه بكثرة، حتى أنه أخذ من هارون ألف دينار وتركها لورّاثه.
ومن الطبيعي حينئذٍ أن يكون مطيعاً للسلاطين، مشيداً لسياستهم، ساكتاً عن منكراتهم ومظالمهم....
قال عبدالله بن أحمد:
«سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء فيتكلم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل»
فهو في هذه الحالة مثل شيخه الزهري، فيتوجه إليه ما ذكره الإمام السجاد عليه السلام في كتابه إلى الزهري
6 ـ حمل الحكومة الناس على الموطأ وفتاوى مالك:
وكان من الطبيعي أيضاً أن يقابل من قبل الحكام بالمثل:
فقد قال له المنصور اجعل هذا العلم علماً واحداً... ضع الناس كتاباً أحملهم عليه... نضرب عليه عامّتهم بالسيف، ونقطع عليه ظهورهم بالسياط...(3).
وقال له: لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه... أن يعملوا بما فيها ولا يتعدّوه إلى غيرها(5).
ولما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن احمل الناس على الموطّأ كما حمل عثمان الناس على القرآن
ثم اراد هارون أن يعلّق الموطّأ على الكعبة!
ونادى منادي الحكومة: «ألا لا يفتي الناس إلاّ مالك بن أنس»
ومن الطبيعي أن لا يعامل غيره هذه المعاملة:
فقد قدم ابن جريج على أبي جعفر المنصور فقال له: إني قد جمعت حديث جدّك عبدالله بن عباس وما جمعه أحد جمعي. فلم يعطه شيئاً..
ولذا لمّا قيل لشيخه ربيعة الرأي: «كيف يحظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟!»!قال: «أما علمتم أن مثقالا من دولةً خير من حملي علم».
7 ـ كان يتغنّى بالآلات:
واشتهر مالك بن أنس بالغناء، وهذا ما نص عليه غير واحد.
وقد ذكر القرطبي أنه «لا تقبل شهادة المغني والرقاص»
وقال الشوكاني: «استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذّذ بها كفر».
8 ـ جهله بالمسائل الشرعية:
ومما يجلب الانتباه ما ذكره المترجمون له، من أنه كان إذا سئل عن مسألة تهرب من الإجابة، أو قال: لا أدري...
فقد ذكروا أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري !!
وسأله عراقي عن أربعين مسألة فما أجابه إلاّ عن خمس!!.
وسأله رجل عن مسائل فلم يجبه بشيء أصلاً(2).
وكان مالك يصرح بأنه أدرك سبعين من المشايخ يحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يأخذ من أحدهم شيئا!!
9 ـ بكاؤه على الفتيا بالرأي:
وأجمع المؤرّخون على رواية خبر بكائه في مرض موته وقوله: «ليتني جُلدت بكل كلمة تكلّمت بها في هذا الأمر بسوط»
ولا بُدّ له أن يبكي.. ومن أحق منه بالبكاء كما قال ؟! وهل ينفعه ؟!
فقد قال الليث بن سعد: «قد أحصيت على مالك سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنة النبي مّما قال مالك فيها برأيه. قال: ولقد كتبت إليه بذلك في ذلك»(5).
10 ـ تكلّم الأعلام فيه:
هذا.. وقد تكلّم في مالك وعابه جماعة من أعلام الأئمّة:
قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه»ثم ذكر: ابن أبي ذؤيب، وعبدالعزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق (7).
وقال يحيى بن معين: «سفيان أحب إليّ من مالك في كلّ شيء».
وقال سفيان في مالك: «ليس له حفظ».
وقال ابن عبدالبرّ «تكلّم ابن أبي ذؤيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره»
وتكلّم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه.
وكذلك تكلم فيه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وابن أبي يحيى
وناظره عمر بن قيس ـ في شيء من أمر الحج بحضرة هارون ـ فقال عمر لمالك: «أنت أحياناً تخطئ وأحياناً لا تصيب. فقال مالك: كذاك الناس»
ترجمة ابن أبي أويس
والراوي عن مالك ـ عند البخاري ـ هو «إسماعيل بن أبي أويس» وهو ابن أخت مالك ـ:
قال النسائي: «ضعيف».
وقال يحيى بن معين: «هو وأبوه يسرقان الحديث».
وقال الدولابي: «سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب».
وقال الذهبي بعد نقل ما تقدّم: «ساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث، ثم قال: روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد»وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى: «مخلّط، يكذب، ليس بشيء»
وقال ابن حزم في «المحلّى»: قال أبو الفتح الأزدي: حدثني سيف بن محمد: «أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث»
وقال العيني: «أقرّ على نفسه بالوضع كما حكاه النسائي»
* ورواه مسلم بطريق آخر ليس فيه «مالك» بل هو: «عن فليح بن سليمان، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري».
ترجمة فليح بن سليمان
لكن فيه: «فليح بن سليمان»:
قال النسائي: «ليس بالقوي».
وكذا قال أبو حاتم ويحيى بن معين.
وقال يحيى عن أبي كامل مظفر بن مدرك: «ثلاثة يتقى حديثهم: محمد بن طلحة ابن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان».
وقال الرملي عن داود: «ليس بشيء»
وقال ابن أبي شيبة: قال علي بن المديني: «كان فليح وأخره عبدالحميد ضعيفين».
وذكره كل من العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء، وذكره ابن حبّان في المجروحين...
وصلي الله علي محمد وال محمد ..