المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لنكن عقلانيين ونبتعد عن الإنفعالية وثقافة التقليد


سلمان منا أهل البيت
19-07-2008, 11:48 PM
لنكن عقلانيين ونبتعد عن الإنفعالية وثقافة التقليد

يصطدم من يتابع المشهد الثقافي العراقي في حقله المتعاطي مع الواقعة السياسية بنمط من الخطاب الإنفعالي لا ينطلق من منهج فكري محدد ، ولا يبدو أن ثمة وعياً بحقيقة المرحلة وأبعادها يوجه مساراته ، فهو خطاب تهيمن عليه العاطفية الساذجة ويقف عند حدود رد الفعل ويفتقر كلياً للنظرة الثاقبة الحصيفة .
لست بصدد ذكر الأمثلة – ولعلها لمن شاء أكثر من أن يُمثل لها – بقدر ما أرى أن الضرورة تقتضي وقفة تأمل بهدف ترشيد حركتنا واستشراف الآفاق التي نتطلع لها وبالنتيجة عقلنة خطاباتنا والإبتعاد بها عن منطقة الإنفعال التي أقل ما يقال فيها إنها تشتت مجهودنا وتظهرنا بصورة من يقول الشئ ونقيضه في الآن نفسه .
لعلكم لاحظتم أن أكثر خطاباتنا تنتقد مؤسسة المرجعية والحكومة العميلة ، وهذا الإنتقاد ينبغي – بطبيعة الحال – أن يكون منطلقاً من حقيقة مواقف هذه الجهات المداهنة أو العميلة وبالنتيجة المستهترة بمصير الأمة وجوداً وهوية ، ولكننا لا نعدم – بل لعل الأمر بدأ يشكل ظاهرة – من يحاول حرف منطلقاتنا الحقيقية ويجيرها لمصلحة توجه مشكوك في إخلاصه .
كلكم سمعتم من يحاول وصم الشعب العراقي بالجهل والتخلف ويعيد نغمة النظريات العرقية النشاز بأفق فلسفي أقرب ما يكون الى الكولاج الردئ ، ثم يخرج من الفوضى الفكرية التي يفبركها بنتيجة تعيدنا من جديد الى نفس المربع الذي نتطلع الى الخروج منه ( أمريكا الأم الرؤوم التي لاغنى لطفولتنا الأبدية عن حضنها الدافئ ) ، بل إن نظرة لا تنقصها الريبة قد تسارع الى الربط بين هكذا خطاب وبين ما روج له إبان الغزو الأوربي للبلاد الإسلامية من قبيل طروحات رينان العرقية ، ومفاهيم الإستعمار الضروري لبلاد الشرق .
لا أريد لإشارتي هذه أن تفهم في إطار دائرة التشهير ، فما يهمني حقاً هو الإشارة الى نمط التصورات التي بدأت تتسرب بيننا ( وأقول تتسرب بيننا بقدر غير قليل من الريبة ) ، ولا أدري إذا كان ممكناً إضافة الحديث المتخصص بمتابعة سقطات النظام الإيراني الكثيرة وغض النظر تماماً عن المحتل الأمريكي ، بل الإشارة إليه أحياناً بلغة يشوبها الثناء ، أقول هل من الممكن إضافة هذا الحديث الى قائمة التخبطات والسير الفكري المرتجل ؟
كثيرة هي الملاحظات التي يمكن للمتابع أن يطرحها ، ولن يجد – بحدود فهمي – سوى إجابة واحدة مؤسفة هي افتقار أكثر كتاباتنا الى الأفق الفكري الواضح الذي يمكن أن ينتظمها ، ولعل الداء العضال الذي يتحكم بتصوراتنا يتمثل بإلفتنا الكسولة للحلول الجاهزة وغياب الحس التحليلي الحقيقي لدينا ، فما زلنا وللأسف الشديد أسارى المنطق القروي الرومانسي الذي لا يرى الأشياء إلا عبر صورها الكلية ، ولا يفهم معنى للنظرة النسبية التي هي منطقة العقل التحليلي .
أقول هذا وأنا أضع نصب عيني نصوصاً كثيرة يهاجم أصحابها أدوات المحتل المحلية ويغضون الطرف كلياً عن نفس المحتل ، بل إن بعضهم لا يأنف من التصريح بضرورة بقاء المحتل ، ويرى وجوده ضمانة أكيدة ، كما أن السائد الآن في أوساط المثقفين هو التطلع بعين المعترف للمشروع الغربي بالتفوق والجدارة ، وهو اعتراف للأسف الشديد منبني على أساس خاطئ يتمثل بالنظر الى التصورات المشوهة للإسلام على أنها تجربة فشل للتصور الإسلامي الحقيقي .
والحقيقة إن هؤلاء الكتاب – إذا ما استثنينا الجماعات التي تشكل وعيها في الغرب وعلى نمط الثقافة الغربية – أقول هؤلاء الكتاب تنقصهم الجرأة على المبادرة ويفتقرون لحرية التفكير ، فهم شأنهم شأن العامة من الناس ممن تنقصهم الثقافة أسرى تصورات المؤسسة الدينية المشوهة ، بل لعلهم وهو المرجح لا يرون تصوراً للإسلام غير التصور المشوه الذي تتبناه لمؤسسة المذكورة ، فهم من هذه الناحية مقلدون شاءوا أم أبوا .
فالحق إن أقل ما يمكن أن يتوجه لهم من نقد هو أنهم لم يحاولوا التعرف على حقيقة دينهم أو قل هويتهم وتركوا لغيرهم ( المؤسسة ) تحديدها ، وحين فشل مشروع المؤسسة راحوا يقلدون غيرها ، فهم دائماً يستمدون تصوراتهم من غيرهم ولا يملكون الشجاعة الكافية لخوض معركة التعرف على الهوية الحقيقية على الرغم من كونها كامنة بين أضلعهم على الأرجح .
مشكلتنا إذن هي مشكلة التقليد الذي يحكم كل سلوكنا وتصوراتنا ، ولعل الأوان مناسب جداً للإنسلاخ من هذا الأفق الثقافي المسدود .