عامر الموسوي
12-08-2008, 08:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
الآداب الباطنية لقراءة القرآن الكريم:
إن القرآن الكريم -كما هو معلوم- عبارة عن حديث رب العالمين مع الإنسان، بينما الصلاة عبارة عن حديث العبد مع رب العالمين.. كم من الجميل أن يصل الإنسان إلى درجة المعرفة الباطنية لكتاب الله عزوجل!.. كم من الجميل أن يصل الإنسان إلى درجة أنه يتجلى له رب العالمين كلما يقرأ القرآن الكريم؛ فيشعر وكأنه المخاطب في الخطاب الإلهي، ويفهم كل معانيه، ويأخذ بكل ما فيه من الخزائن!.. إن الله سبحانه وتعالى تجلى لعباده في عالم الأنفس والآفاق، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}.. ولنا هنا وقفة نبين فيها معنى هذه التجليات:
أولاً: التجلي الآفاقي: وهو إن الله عزوجل تجلى لنا في خلقه هذا الكون، من الذرة إلى المجرة.. ولهذا فإن الإنسان كلما ازداد توغلاً في علوم الطبيعة، ازداد قرباً إلى الله عزوجل، بشرط أن يكون له لب يفكر فيه.. وإلا فإنه إذا لم يكن له لب، فلا فائدة في علمه مهما بلغ ما بلغ!.. كما نلاحظ عند البعض من أصحاب المختبرات والمعامل والصواريخ الفضائية، حيث أنهم لا يستفيدون من علمهم، وهم والمجهر على حد سواء.. هذه العين التي تنظر من خلال المجهر إلى دقائق الذرة، هي والمجهر على حد سواء.. المجهر آلة لا تعقل، وهذه عين لا تعقل.. المجهر يعكس الصور، وهذه العين تلتقط الصور.. ترى البعض منهم تقدم في علم الفضاء إلى درجة أنه يحوم حول الأرض مرة أو مرتين، ثم يرجع ويقول: لم أر خالقاً لهذا الوجود!.. إن هذا الإنسان في منتهى السخافة والسذاجة!.. يحوم حول قشرة الأرض، وكأنه وصل إلى أعماق الوجود!.. إذن، معنى ذلك: أن التجلي الآفاقي يحتاج إلى لب مدرك.
ثانياً: التجلي الأنفسي: وهو إن الله عزوجل يتجلى في نفوس عباده على هيئتين:
الأولى: التجلي الأنفسي المعنوي: وهو عبارة عن التفاعل مع المعاني، التي أنزلها الله عزوجل في كتابه الكريم.
والحقيقة لو أننا تأملنا الأمر، نلاحظ بأن القرآن الكريم في حد نفسه، إنما هو منتهى التفضل على بني آدم!.. ولهذا عندما كان أحدهم يقرأ -مثلاً-: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، كان يقول: إن لذة الخطاب ذهبت بالعناء!.. إن الله عزوجل تفضل علينا بأن وجه لنا الخطاب، وكان بإمكان الله عزوجل أن يبلّغ المعاني عن طريق الأنبياء، عن طريق الحديث القدسي.. ومن المعلوم أن الحديث القدسي فرقه عن القرآن الكريم: أن القرآن المعنى واللفظ من الله عزوجل، بينما الحديث القدسي المعاني من الله عزوجل، والألفاظ من النبي (ص)، أو وصيه (ع).. كان بإمكان الله عزوجل أن يخاطب البشرية من خلال الوحي النبوي، من خلال الحديث القدسي، ولم يكلم بني آدم مباشرة.. ولهذا نلاحظ أن القرآن الكريم عندما يصف بعض صور التعذيب يوم القيامة، فإنه يصف التعذيب النفسي، كما يقول الله عزوجل: {...وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..}، {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}.. أنت يا بني آدم، كرمتك، وحدثتك في دار الدنيا، وأمرتك بالسجود والطاعة، فخالفتني؛ فاليوم لا تكلمني!.. وكلمة (اخسأ) إنما تقال للكلب للحيوان النجس.
فإذن، إن القرآن الكريم هو تجلٍّ أنفسي معنوي، معانٍ أنزلها الله عزوجل للمؤمنين كافة.
والثانية: التجلي الأنفسي الحالي: وهذا التجلي هو للخواص من عباده، الذين عندما يصلون ويقرؤون القرآن؛ يعيشون وجود الله عزوجل بكل وجودهم!.. ومن المناسب هنا أن نتأمل في هذه الآيات التي تتناول تعريف القرآن الكريم:
قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}.. يا لها من مناسبة!.. لماذا قال: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}؟.. ما الربط بين مواقع النجوم، وبين آيات القرآن الكريم؟.. كأنه أراد أن يقول بلسان خفي: يا بني آدم، إن الذي أتقن الفلك الدوار، والذي رفع السماوات بغير عمد نراها؛ هو صاحب الآيات الكريمة.. الذي فلق الذرة، {فَالِقُ الإِصْبَاحِ}، والذي أخرج النبات من الأرض؛ هو صاحب القرآن الكريم.. فإذن، كما أن النجوم لها مواقع لا تتغير ملايين السنين، والأرض تحوم حول الشمس، لا تقترب ذرة من الشمس ولا تبتعد عن أفلاكها: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}؛ فكذلك الآيات الكريمة، هي كالأنجم والشموس، لها مواقع، قدرها خالق الشموس والنجوم.
قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.. لو أمكن أن ينزل الله عزوجل كلاماً أفضل من القرآن لأنزله.. ما معنى قوله تعالى في هذه الآية: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا}؟.. وفي آية أخرى يقول تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}.. ما الفائدة من قرآن كله متشابه؟.. نعم، هنا الإنسان المسلم بالإمكان أن يحتار في الجواب!..
إن كلمة المتشابه في قوله تعالى: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا}، لا بمعنى المتشابه في قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، فهنا يقول: إن القرآن كله متشابه، يعني كله على وزن واحد، وكله على سياق واحد، يؤيد بعضه بعضاً، إذن لا تجد فيه اختلافاً، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}.
{مَّثَانِيَ}: أي يعطف بعضه على بعض، في تمام الانسجام.
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: ما ارتباط الجلد بالقرآن؟.. فالجلد عبارة عن مسامات، وعبارة عن شعر، وعبارة عن عروق للدم وغير ذلك؛ فما ربطه بالقرآن؟.. كأن القرآن الكريم بالنسبة إلى هؤلاء قد تغلغل في وجودهم، لم يقتصر على الفكر فحسب، وإنما تجاوز الفكر إلى القلب، والقلب أيضاً تجاوز إلى الحواس، ولهذا أخذ يقشعر.. ومعنى ذلك، أن الأمر وصل مداه، تجاوز الفكر والقلب، ووصل إلى الجلد، فضلاً عن العين والدمع.. ولهذا كان أئمتنا (ع) يتلونون صفرة وحمرة، عند تلاوتهم للقرآن، وقيامهم للصلاة بين يدي الله عزوجل.
{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}: نلاحظ أنه لما ذكر القشعريرة خص بها الجلود فقط، أما عندما ذكر الاطمئنان لم يقتصر على الجلود، بل ذكر القلوب أيضاً؛ لأن الاطمئنان من صفات القلب لا من صفات الجلد.. فهل نحن كذلك عندما نقرأ القرآن الكريم؟.. القرآن يشير إلى أن هذه خاصية القرآن.. فمعنى ذلك، أن الذي يقرأ ولا يجد هذه الخاصية؛ فإن هذا الإنسان بعيد عن القرآن.. كما أن الذي يصلي ولا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ إنسان بعيد عن الصلاة.. كذلك إن الذي لا يتفاعل في قراءته للقرآن الكريم؛ هو بعيد عن القرآن الكريم.. فإذن، ماهية الصلاة هذه، وماهية القرآن هذه، فلننظر هل حُزْنا على هذه الصفات المقدسة أم لا؟.. عن النبي الأكرم (ص): (ألا من اشتاق إلى الله، فليسمع كلام الله)، وعن الإمام الباقر (ع): (إنما يعرف القرآن من خوطب به) وهم محمد وآل محمد (ص).
الآداب الظاهرية لقراءة القرآن الكريم:
- تعلم القراءة الصحيحة: من اللازم أن نتعلم القرآن الكريم ظاهره وباطنه.. فإن مما يثير الأسف أن ترى إنساناً عربي اللسان، ولكن عندما تستمع إلى تلاوته ترى خللاً في تلاوته، فضلاً عن التدبر في معاني القرآن الكريم.. فمن اللازم أن نراجع أهل الخبرة في هذا المجال، لنتقن قراءتنا للقرآن الكريم.. قد البعض يتقن الحروف، ولكنه لا يتقن الإدغام، ولا يتقن المد، ومن المعلوم أن بعض هذه الأمور ينبغي مراعاتها في الصلاة الواجبة.. ومن المناسب أن تكون لنا في شهر رمضان وقفة مع تفسير مبسط على هامش القرآن.. ويحسن مراجعة كتاب (مختصر تفسير الميزان)، وهو كتاب واحد فيه تلخيص لأجزاء تفسير الميزان على هامش الآيات الكريمة، ويعطيك رأي هذا المفسر العظيم في الآيات الكريمة بشكل موجز.. ويا حبذا لو يجعل الإنسان لنفسه برنامجاً يومياً، ليقرأ دورة مبسطة من تفسير القرآن الكريم؛ لئلا يبتلى بالإبهام.. أليس من القبيح أن يقرأ القرآن الكريم عمراً، وهو لا يعلم معنى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}؟!.. و{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}؟!.. يقرأ هذه الآيات ويرددها مرة ومرتين أو ختمة وختمتين بل عشرات الختمات، وهو لا يعلم معنى هذه الآيات!..
يقول النبي (ص): (إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعملوا مأدبته ما استطعتم).. وإن الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يصرح لنا بأن القرآن الكريم ميسر للجميع، مهما كان مستواه أو تخصصه العلمي.. إن القرآن الكريم ليس كتاباً تخصصياً، إذ هناك قدر متيقن يمكن للجميع أن يفهمه، نعم، هو كتاب تخصصي عند التعمق في معانيه، وإلا في معانيه الظاهرة فهو كتاب مبين، كما في قوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}؛ فعلينا أن نتعلم من هذه المأدبة ما استطعنا.. وإن من إعجاز القرآن الكريم أنه قابل للتفسير في شتى الجوانب.. قد ترى إنساناً متخصصاً في الهندسة والطب، وإذا به يفسر لك القرآن الكريم تفسيراً قد لم يخطر على بال أحد.. نعم إذا أراد الله عزوجل، فما المانع أن يفتح الأبواب على عبد من عباده.. قبل سنوات خلت التقيت بطبيب متخصص، وإذا له قرآن محشى، هو كتب على هامش القرآن تعليقه على كتاب الله عزوجل، وكان تعليقاً قيماً.. نعم، الإنسان إذا أراد أن يستفيد من هذه المائدة؛ فإن الله عزوجل سيفتح له الأبواب الموصدة على عامة خلقه.
فإذن، علينا أن نتعلم القرآن الكريم، ولقد أمرنا بمدارسة القرآن في البيوت، فعن النبي الأكرم (ص): (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم فيمن عنده).. ولعل من فلسفة القراءة الجماعية للقرآن الكريم، هو هذا المعنى.
- حفظ القرآن الكريم: إن لحافظ القرآن الكريم منزلةً عظيمةً عند الله عزوجل، فعن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: (من أعطاهُ الله حفظَ كتابه، فظنَ أنّ أحداً اُعطيَ أفضل مما أُعطي، فقد غمط أفضل النعمة)!.. فيجب علينا أن نهتم بحفظ القرآن الكريم، وثم نراجع ما حفظناه لئلا ننساه.. فإن الإنسان الذي يحفظ القرآن الكريم، ثم ينسى ما حفظه من الآيات، فإنه يوم القيامة تكشف له بعض الدرجات، ثم يحرمها، ويقال له: إن هذا كان ثواب هذه الآيات التي حفظتها من القرآن الكريم ثم نسيتها.. يقول الصادق (ع): (من نَسَيَ سورةً من القرآن مُثّلت لهُ في صورةٍ حَسَنةٍ ودرجةٍ رفيعةٍ في الجنة، فإذا رآها قال: ما أنت؟!.. فما أحسَنَكِ؟!.. ليتك لي؟!.. فتقول: أما تعرفني؟!.. أنا سورة كذا وكذا، ولو لم تنسني لرفعتكَ إلى هذا المكان)!..
ما المانع أن يحفظ الإنسان السور المتميزة في القرآن الكريم -والقرآن كله مميز- مثل: سورة يس، وسورة الرحمن، وسورة الواقعة، وسورة الملك، وقصار السور، كالسور التي نقرأها في يوم الجمعة: سورة الجمعة، والمنافقون؛ وسورة الأعلى التي نقرأها في ليلة الجمعة.. فعلى المؤمن أن يتقن قراءة هذه السور القصيرة، ليحوز على فضلها.
ونحن نلاحظ في روايات أهل البيت (ع) أن هناك تعبير حملة القرآن، فمن هو حامل القرآن؟.. هل هو الذي يحفظ حفظاً مجرداً، أم هنالك معنى أعمق من الحفظ المجرد؟.. عن النبي المصطفى (ص): (حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبوسون نور الله، المعلمون كلام الله.. من عاداهم فقد عادى الله، ومن والاهم فقد والى الله). وعنه (ص): (أشراف أمتي: حملة القرآن، وأصحاب الليل).. إن حامل القرآن ليس هو الذي يقرأ القرآن قراءة مجردة، وإنما الذي يعمل بكتاب ربه بحذافيره.
- الأنس بالقرآن الكريم: إننا نلاحظ -مع الأسف- إن البعض يعلق القرآن الكريم في السيارة أو في بروايز مقفلة في المنزل.. نحن لا نحبذ أن يبروز الإنسان كتاب الله عزوجل، بأن يجعله في زجاجة مغلقة، ويجعله للزينة.. إن هذا الكتاب طبع لتقرأ منه، وتلتمس منه النور الذي يهديك إلى الصراط المستقيم، لا لتعلقه فوق رأسك!.. يقول الإمام السجاد (ع): (لو مات من بين المشرق والمغرب، لما استوحشت، بعد أن يكون القرآن معي).. يقول أحدهم: لو أنه حبس في دار ومعه الكتاب، لما استوحش في تلك الدار السنوات المتمادية.. ولهذا كان البعض منهم عندما يسجن، يشكر الله عزوجل على هذه النعمة، ويخرج من السجن وإذا بين يديه أجزاء من تفسير القرآن، كان يؤلفها في سجون الظالمين.
وأئمتنا (ع) هم الذين دعونا للتدبر في كتاب الله سبحانه وتعالى: عن الحسن بن علي قال: قيل لرسول الله (ص): (إن أمتك ستفتتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟.. فقال: كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضله الله، ومن ولي هذا الأمر من جبار فعمل بغيره قصمه الله، وهو الذكر الحكيم والنور المبين، والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الذي سمعته الجن فلم تناها أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به}، لا يخلق على طول الرد ولا ينقضي عبره، ولا تفنى عجائبه).
- الاستياك: قبل تلاوة القرآن الكريم ينبغي تنظيف الفم، لأن هذا الفم مجرى آيات الكتاب الكريم.. ومن غير اللائق بالإنسان المؤمن أن يتلو كتاب ربه، والطعام بين أسنانه وبرائحة كريهة.
- الاستعاذة: قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.. إن الله عزوجل يأمرنا بالاستعاذة عند قراءة القرآن الكريم؛ لأن الشيطان موجود حسود وموجود خبيث؛ لا يريد للإنسان أن يستفيد من كلام الله عزوجل، فيأتي ويحول بينه وبين القرآن الكريم.. ليجرب الإنسان أن يقرأ القرآن الكريم، ثم يغلقه فجأة، ويحاول أن يتذكر آخر آية قرأها.. فسوف يرى نفسه أنه لا يتذكر شيئاً من كلام الله عزوجل!.. أهكذا تكون قراءة القرآن الكريم؟!.. بينما لو يأخذ الصحيفة ويقرأها من أولها إلى آخرها، حتى الأرقام، وحتى جزئيات الأخبار؛ فإنه يحفظها في نفسه!.. أما عندما يفتح كتاب رب العالمين ويقرأ الصفحة والصفحتين، فإنه ينظر إلى ختام الجزء، ويقرأ القرآن الكريم وهمه آخر القرآن!.. فهل هذه التلاوة المتدبرة لكلام الله عزوجل؟!.. فإذن، إن الشيطان الرجيم يأتي ليجلس على قلب الإنسان المؤمن، عند تلاوته لكتاب الله عزوجل؛ لذا علينا الاستعاذة بالله تعالى منه.
- الترتيل والقراءة الخاشعة: إن قراءة القرآن الكريم بصوت جميل، لها تأثير قوي على النفس، وتهز المشاعر هزاً من الأعماق.. قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}.. إلا أننا نلاحظ أن البعض يقرأ القرآن الكريم بفكره، لا بلسانه، ولا يحرك شفتيه، فهذه القراءة غير مجزية، هذه ليست تلاوة لكتاب الله عزوجل!.. لو صلى صلاته بهذه الكيفية، فصلاته باطلة.. إذ كيف يصلي، وهو لم يقرأ، وإنما تمتم!.. سئل رسول الله (ص) عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، قال (ص): (بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمّل، ولا تهذَّه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكون همُّ أحدكم آخر السورة).. وكان الإمام الرضا (ع) في طريقه إلى خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار، بكى وسأل الله الجنة، وتعوّذ به من النار.
- التدبر في معانيه: حتى يكون القرآن الكريم منهجاً للحياة، يستضيء به المؤمن؛ لابد له من قراءته قراءة واعية، متدبراً في معانيه.. وإن الله عزوجل في قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؛ يستنكر على الناس إهمالهم لتدبر القرآن الكريم.. وقد تقدم ذكر أمثلة في التأمل في بعض الآيات الكريمة.
- الاستماع: من الظواهر الخاطئة التي نلاحظها في المجالس التي تقام لتلاوة القرآن الكريم، أن الأغلب ينشغل في الكلام عن الاستماع للتلاوة؛ غير ملتفت إلى أن هذا فيه هتك للقرآن الكريم، وهذا الهتك لا يعوضه ثواب التلاوة الذي يريد أن يكسبه صاحب المجلس!.. إن البعض يوجب الإنصات عند تلاوة القرآن الكريم، لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.. ثم إن عكس الرحمة الغضب.. فإذا كان المستمع في مظان نزول الرحمة الإلهية عليه؛ فإنه يُخشى حلول الغضب على هؤلاء الذين لا يحترمون كلام الله عزوجل، وهو يتلى على أسماعهم!.. لو أن شخصية راقية -مثلاً : وزير أو أمير- يتكلم على المنصة، ألا يلتزم الجميع بالصمت؟.. ولو تكلم أحدهم أثناء كلامه، لعله يعاقب ويؤدب على سوء أدبه.. وهذا كتاب الله عزوجل يُقرأ، والناس يتكلمون في أثناء ذلك!.. وهذا الذي يمنعنا من حضور مجالس القرآن الكريم، أن الإنسان يتورط في هذه المجالس، حيث يُسأل ويضطر لأن يتكلم، وترى القهقهة والحديث في كل حق وباطل، وليس هذا من أدب الاستماع إلى القرآن الكريم.
- تجنب التفسير بالرأي: إن علينا أن نتجنب تفسير القرآن الكريم.. فلا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى آية من كتاب الله عزوجل، ويأخذ في التفسير والتعليق، وبنحو الجزم.. نعم، لا مانع لو يقول: هكذا يتراءى، أو هكذا يُفهم من كتاب الله عزوجل، دون أن ينسب المعنى إلى الله عزوجل.. كقراءة القرآن الخاطئة.. فمثلاً: إنسان يعلم أنه سيخطئ في تلاوته لكتاب الله عزوجل، ويختم القرآن الكريم في شهر رمضان.. لا إشكال في ذلك، لأنه لا يدعي أن تلاوته هو ما أنزله جبرائيل.. وكذلك عندما يفسر القرآن، فإنه يفسره بحسب ما يفهم، أما لو جزم بتفسيره لكان من الذين فسروا القرآن برأيهم!..
- مراجعة التفاسير: إن من اللازم للإنسان إذا أراد أن يستفيد من كلام الله عزوجل، مراجعة ما ورد عن أهل البيت (ع) في تفسير القرآن الكرم.. فإن العترة هم عدل القرآن الكريم، وهم المخاطبون بالقرآن الكريم، وإنما يعرف القرآن من خوطب به.. ويا حبذا لو أن أحدنا جمع بين الصلاة والقرآن في آن واحد، بأن يختم القرآن في صلاته!.. أعلم أحدهم في سفرة إلى بيت الله الحرام، ختم القرآن الكريم مصلياً أو طائفاً.. لأن الصلاة المستحبة يمكن أن تصلى ماشياً، ويجوز فيها قراءة سورة غير كاملة.. فتطوف حول البيت وأنت تصلي، وبدلاً من سورة التوحيد تبدأ في ختم القرآن الكريم، وتستمر إلى أن تختمه في طوافك وفي أثناء صلاتك، وهكذا تكون قد جمعت بين الطواف والصلاة وتلاوة القرآن الكريم. وفقنا الله وإياكم، لأن نكون من التالين لكتابه حق تلاوته!..
اللهم صلي على محمد وآل محمد
الآداب الباطنية لقراءة القرآن الكريم:
إن القرآن الكريم -كما هو معلوم- عبارة عن حديث رب العالمين مع الإنسان، بينما الصلاة عبارة عن حديث العبد مع رب العالمين.. كم من الجميل أن يصل الإنسان إلى درجة المعرفة الباطنية لكتاب الله عزوجل!.. كم من الجميل أن يصل الإنسان إلى درجة أنه يتجلى له رب العالمين كلما يقرأ القرآن الكريم؛ فيشعر وكأنه المخاطب في الخطاب الإلهي، ويفهم كل معانيه، ويأخذ بكل ما فيه من الخزائن!.. إن الله سبحانه وتعالى تجلى لعباده في عالم الأنفس والآفاق، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}.. ولنا هنا وقفة نبين فيها معنى هذه التجليات:
أولاً: التجلي الآفاقي: وهو إن الله عزوجل تجلى لنا في خلقه هذا الكون، من الذرة إلى المجرة.. ولهذا فإن الإنسان كلما ازداد توغلاً في علوم الطبيعة، ازداد قرباً إلى الله عزوجل، بشرط أن يكون له لب يفكر فيه.. وإلا فإنه إذا لم يكن له لب، فلا فائدة في علمه مهما بلغ ما بلغ!.. كما نلاحظ عند البعض من أصحاب المختبرات والمعامل والصواريخ الفضائية، حيث أنهم لا يستفيدون من علمهم، وهم والمجهر على حد سواء.. هذه العين التي تنظر من خلال المجهر إلى دقائق الذرة، هي والمجهر على حد سواء.. المجهر آلة لا تعقل، وهذه عين لا تعقل.. المجهر يعكس الصور، وهذه العين تلتقط الصور.. ترى البعض منهم تقدم في علم الفضاء إلى درجة أنه يحوم حول الأرض مرة أو مرتين، ثم يرجع ويقول: لم أر خالقاً لهذا الوجود!.. إن هذا الإنسان في منتهى السخافة والسذاجة!.. يحوم حول قشرة الأرض، وكأنه وصل إلى أعماق الوجود!.. إذن، معنى ذلك: أن التجلي الآفاقي يحتاج إلى لب مدرك.
ثانياً: التجلي الأنفسي: وهو إن الله عزوجل يتجلى في نفوس عباده على هيئتين:
الأولى: التجلي الأنفسي المعنوي: وهو عبارة عن التفاعل مع المعاني، التي أنزلها الله عزوجل في كتابه الكريم.
والحقيقة لو أننا تأملنا الأمر، نلاحظ بأن القرآن الكريم في حد نفسه، إنما هو منتهى التفضل على بني آدم!.. ولهذا عندما كان أحدهم يقرأ -مثلاً-: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، كان يقول: إن لذة الخطاب ذهبت بالعناء!.. إن الله عزوجل تفضل علينا بأن وجه لنا الخطاب، وكان بإمكان الله عزوجل أن يبلّغ المعاني عن طريق الأنبياء، عن طريق الحديث القدسي.. ومن المعلوم أن الحديث القدسي فرقه عن القرآن الكريم: أن القرآن المعنى واللفظ من الله عزوجل، بينما الحديث القدسي المعاني من الله عزوجل، والألفاظ من النبي (ص)، أو وصيه (ع).. كان بإمكان الله عزوجل أن يخاطب البشرية من خلال الوحي النبوي، من خلال الحديث القدسي، ولم يكلم بني آدم مباشرة.. ولهذا نلاحظ أن القرآن الكريم عندما يصف بعض صور التعذيب يوم القيامة، فإنه يصف التعذيب النفسي، كما يقول الله عزوجل: {...وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..}، {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}.. أنت يا بني آدم، كرمتك، وحدثتك في دار الدنيا، وأمرتك بالسجود والطاعة، فخالفتني؛ فاليوم لا تكلمني!.. وكلمة (اخسأ) إنما تقال للكلب للحيوان النجس.
فإذن، إن القرآن الكريم هو تجلٍّ أنفسي معنوي، معانٍ أنزلها الله عزوجل للمؤمنين كافة.
والثانية: التجلي الأنفسي الحالي: وهذا التجلي هو للخواص من عباده، الذين عندما يصلون ويقرؤون القرآن؛ يعيشون وجود الله عزوجل بكل وجودهم!.. ومن المناسب هنا أن نتأمل في هذه الآيات التي تتناول تعريف القرآن الكريم:
قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}.. يا لها من مناسبة!.. لماذا قال: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}؟.. ما الربط بين مواقع النجوم، وبين آيات القرآن الكريم؟.. كأنه أراد أن يقول بلسان خفي: يا بني آدم، إن الذي أتقن الفلك الدوار، والذي رفع السماوات بغير عمد نراها؛ هو صاحب الآيات الكريمة.. الذي فلق الذرة، {فَالِقُ الإِصْبَاحِ}، والذي أخرج النبات من الأرض؛ هو صاحب القرآن الكريم.. فإذن، كما أن النجوم لها مواقع لا تتغير ملايين السنين، والأرض تحوم حول الشمس، لا تقترب ذرة من الشمس ولا تبتعد عن أفلاكها: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}؛ فكذلك الآيات الكريمة، هي كالأنجم والشموس، لها مواقع، قدرها خالق الشموس والنجوم.
قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.. لو أمكن أن ينزل الله عزوجل كلاماً أفضل من القرآن لأنزله.. ما معنى قوله تعالى في هذه الآية: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا}؟.. وفي آية أخرى يقول تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}.. ما الفائدة من قرآن كله متشابه؟.. نعم، هنا الإنسان المسلم بالإمكان أن يحتار في الجواب!..
إن كلمة المتشابه في قوله تعالى: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا}، لا بمعنى المتشابه في قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، فهنا يقول: إن القرآن كله متشابه، يعني كله على وزن واحد، وكله على سياق واحد، يؤيد بعضه بعضاً، إذن لا تجد فيه اختلافاً، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}.
{مَّثَانِيَ}: أي يعطف بعضه على بعض، في تمام الانسجام.
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: ما ارتباط الجلد بالقرآن؟.. فالجلد عبارة عن مسامات، وعبارة عن شعر، وعبارة عن عروق للدم وغير ذلك؛ فما ربطه بالقرآن؟.. كأن القرآن الكريم بالنسبة إلى هؤلاء قد تغلغل في وجودهم، لم يقتصر على الفكر فحسب، وإنما تجاوز الفكر إلى القلب، والقلب أيضاً تجاوز إلى الحواس، ولهذا أخذ يقشعر.. ومعنى ذلك، أن الأمر وصل مداه، تجاوز الفكر والقلب، ووصل إلى الجلد، فضلاً عن العين والدمع.. ولهذا كان أئمتنا (ع) يتلونون صفرة وحمرة، عند تلاوتهم للقرآن، وقيامهم للصلاة بين يدي الله عزوجل.
{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}: نلاحظ أنه لما ذكر القشعريرة خص بها الجلود فقط، أما عندما ذكر الاطمئنان لم يقتصر على الجلود، بل ذكر القلوب أيضاً؛ لأن الاطمئنان من صفات القلب لا من صفات الجلد.. فهل نحن كذلك عندما نقرأ القرآن الكريم؟.. القرآن يشير إلى أن هذه خاصية القرآن.. فمعنى ذلك، أن الذي يقرأ ولا يجد هذه الخاصية؛ فإن هذا الإنسان بعيد عن القرآن.. كما أن الذي يصلي ولا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ إنسان بعيد عن الصلاة.. كذلك إن الذي لا يتفاعل في قراءته للقرآن الكريم؛ هو بعيد عن القرآن الكريم.. فإذن، ماهية الصلاة هذه، وماهية القرآن هذه، فلننظر هل حُزْنا على هذه الصفات المقدسة أم لا؟.. عن النبي الأكرم (ص): (ألا من اشتاق إلى الله، فليسمع كلام الله)، وعن الإمام الباقر (ع): (إنما يعرف القرآن من خوطب به) وهم محمد وآل محمد (ص).
الآداب الظاهرية لقراءة القرآن الكريم:
- تعلم القراءة الصحيحة: من اللازم أن نتعلم القرآن الكريم ظاهره وباطنه.. فإن مما يثير الأسف أن ترى إنساناً عربي اللسان، ولكن عندما تستمع إلى تلاوته ترى خللاً في تلاوته، فضلاً عن التدبر في معاني القرآن الكريم.. فمن اللازم أن نراجع أهل الخبرة في هذا المجال، لنتقن قراءتنا للقرآن الكريم.. قد البعض يتقن الحروف، ولكنه لا يتقن الإدغام، ولا يتقن المد، ومن المعلوم أن بعض هذه الأمور ينبغي مراعاتها في الصلاة الواجبة.. ومن المناسب أن تكون لنا في شهر رمضان وقفة مع تفسير مبسط على هامش القرآن.. ويحسن مراجعة كتاب (مختصر تفسير الميزان)، وهو كتاب واحد فيه تلخيص لأجزاء تفسير الميزان على هامش الآيات الكريمة، ويعطيك رأي هذا المفسر العظيم في الآيات الكريمة بشكل موجز.. ويا حبذا لو يجعل الإنسان لنفسه برنامجاً يومياً، ليقرأ دورة مبسطة من تفسير القرآن الكريم؛ لئلا يبتلى بالإبهام.. أليس من القبيح أن يقرأ القرآن الكريم عمراً، وهو لا يعلم معنى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}؟!.. و{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}؟!.. يقرأ هذه الآيات ويرددها مرة ومرتين أو ختمة وختمتين بل عشرات الختمات، وهو لا يعلم معنى هذه الآيات!..
يقول النبي (ص): (إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعملوا مأدبته ما استطعتم).. وإن الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يصرح لنا بأن القرآن الكريم ميسر للجميع، مهما كان مستواه أو تخصصه العلمي.. إن القرآن الكريم ليس كتاباً تخصصياً، إذ هناك قدر متيقن يمكن للجميع أن يفهمه، نعم، هو كتاب تخصصي عند التعمق في معانيه، وإلا في معانيه الظاهرة فهو كتاب مبين، كما في قوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}؛ فعلينا أن نتعلم من هذه المأدبة ما استطعنا.. وإن من إعجاز القرآن الكريم أنه قابل للتفسير في شتى الجوانب.. قد ترى إنساناً متخصصاً في الهندسة والطب، وإذا به يفسر لك القرآن الكريم تفسيراً قد لم يخطر على بال أحد.. نعم إذا أراد الله عزوجل، فما المانع أن يفتح الأبواب على عبد من عباده.. قبل سنوات خلت التقيت بطبيب متخصص، وإذا له قرآن محشى، هو كتب على هامش القرآن تعليقه على كتاب الله عزوجل، وكان تعليقاً قيماً.. نعم، الإنسان إذا أراد أن يستفيد من هذه المائدة؛ فإن الله عزوجل سيفتح له الأبواب الموصدة على عامة خلقه.
فإذن، علينا أن نتعلم القرآن الكريم، ولقد أمرنا بمدارسة القرآن في البيوت، فعن النبي الأكرم (ص): (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم فيمن عنده).. ولعل من فلسفة القراءة الجماعية للقرآن الكريم، هو هذا المعنى.
- حفظ القرآن الكريم: إن لحافظ القرآن الكريم منزلةً عظيمةً عند الله عزوجل، فعن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: (من أعطاهُ الله حفظَ كتابه، فظنَ أنّ أحداً اُعطيَ أفضل مما أُعطي، فقد غمط أفضل النعمة)!.. فيجب علينا أن نهتم بحفظ القرآن الكريم، وثم نراجع ما حفظناه لئلا ننساه.. فإن الإنسان الذي يحفظ القرآن الكريم، ثم ينسى ما حفظه من الآيات، فإنه يوم القيامة تكشف له بعض الدرجات، ثم يحرمها، ويقال له: إن هذا كان ثواب هذه الآيات التي حفظتها من القرآن الكريم ثم نسيتها.. يقول الصادق (ع): (من نَسَيَ سورةً من القرآن مُثّلت لهُ في صورةٍ حَسَنةٍ ودرجةٍ رفيعةٍ في الجنة، فإذا رآها قال: ما أنت؟!.. فما أحسَنَكِ؟!.. ليتك لي؟!.. فتقول: أما تعرفني؟!.. أنا سورة كذا وكذا، ولو لم تنسني لرفعتكَ إلى هذا المكان)!..
ما المانع أن يحفظ الإنسان السور المتميزة في القرآن الكريم -والقرآن كله مميز- مثل: سورة يس، وسورة الرحمن، وسورة الواقعة، وسورة الملك، وقصار السور، كالسور التي نقرأها في يوم الجمعة: سورة الجمعة، والمنافقون؛ وسورة الأعلى التي نقرأها في ليلة الجمعة.. فعلى المؤمن أن يتقن قراءة هذه السور القصيرة، ليحوز على فضلها.
ونحن نلاحظ في روايات أهل البيت (ع) أن هناك تعبير حملة القرآن، فمن هو حامل القرآن؟.. هل هو الذي يحفظ حفظاً مجرداً، أم هنالك معنى أعمق من الحفظ المجرد؟.. عن النبي المصطفى (ص): (حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبوسون نور الله، المعلمون كلام الله.. من عاداهم فقد عادى الله، ومن والاهم فقد والى الله). وعنه (ص): (أشراف أمتي: حملة القرآن، وأصحاب الليل).. إن حامل القرآن ليس هو الذي يقرأ القرآن قراءة مجردة، وإنما الذي يعمل بكتاب ربه بحذافيره.
- الأنس بالقرآن الكريم: إننا نلاحظ -مع الأسف- إن البعض يعلق القرآن الكريم في السيارة أو في بروايز مقفلة في المنزل.. نحن لا نحبذ أن يبروز الإنسان كتاب الله عزوجل، بأن يجعله في زجاجة مغلقة، ويجعله للزينة.. إن هذا الكتاب طبع لتقرأ منه، وتلتمس منه النور الذي يهديك إلى الصراط المستقيم، لا لتعلقه فوق رأسك!.. يقول الإمام السجاد (ع): (لو مات من بين المشرق والمغرب، لما استوحشت، بعد أن يكون القرآن معي).. يقول أحدهم: لو أنه حبس في دار ومعه الكتاب، لما استوحش في تلك الدار السنوات المتمادية.. ولهذا كان البعض منهم عندما يسجن، يشكر الله عزوجل على هذه النعمة، ويخرج من السجن وإذا بين يديه أجزاء من تفسير القرآن، كان يؤلفها في سجون الظالمين.
وأئمتنا (ع) هم الذين دعونا للتدبر في كتاب الله سبحانه وتعالى: عن الحسن بن علي قال: قيل لرسول الله (ص): (إن أمتك ستفتتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟.. فقال: كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضله الله، ومن ولي هذا الأمر من جبار فعمل بغيره قصمه الله، وهو الذكر الحكيم والنور المبين، والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الذي سمعته الجن فلم تناها أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به}، لا يخلق على طول الرد ولا ينقضي عبره، ولا تفنى عجائبه).
- الاستياك: قبل تلاوة القرآن الكريم ينبغي تنظيف الفم، لأن هذا الفم مجرى آيات الكتاب الكريم.. ومن غير اللائق بالإنسان المؤمن أن يتلو كتاب ربه، والطعام بين أسنانه وبرائحة كريهة.
- الاستعاذة: قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.. إن الله عزوجل يأمرنا بالاستعاذة عند قراءة القرآن الكريم؛ لأن الشيطان موجود حسود وموجود خبيث؛ لا يريد للإنسان أن يستفيد من كلام الله عزوجل، فيأتي ويحول بينه وبين القرآن الكريم.. ليجرب الإنسان أن يقرأ القرآن الكريم، ثم يغلقه فجأة، ويحاول أن يتذكر آخر آية قرأها.. فسوف يرى نفسه أنه لا يتذكر شيئاً من كلام الله عزوجل!.. أهكذا تكون قراءة القرآن الكريم؟!.. بينما لو يأخذ الصحيفة ويقرأها من أولها إلى آخرها، حتى الأرقام، وحتى جزئيات الأخبار؛ فإنه يحفظها في نفسه!.. أما عندما يفتح كتاب رب العالمين ويقرأ الصفحة والصفحتين، فإنه ينظر إلى ختام الجزء، ويقرأ القرآن الكريم وهمه آخر القرآن!.. فهل هذه التلاوة المتدبرة لكلام الله عزوجل؟!.. فإذن، إن الشيطان الرجيم يأتي ليجلس على قلب الإنسان المؤمن، عند تلاوته لكتاب الله عزوجل؛ لذا علينا الاستعاذة بالله تعالى منه.
- الترتيل والقراءة الخاشعة: إن قراءة القرآن الكريم بصوت جميل، لها تأثير قوي على النفس، وتهز المشاعر هزاً من الأعماق.. قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}.. إلا أننا نلاحظ أن البعض يقرأ القرآن الكريم بفكره، لا بلسانه، ولا يحرك شفتيه، فهذه القراءة غير مجزية، هذه ليست تلاوة لكتاب الله عزوجل!.. لو صلى صلاته بهذه الكيفية، فصلاته باطلة.. إذ كيف يصلي، وهو لم يقرأ، وإنما تمتم!.. سئل رسول الله (ص) عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، قال (ص): (بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمّل، ولا تهذَّه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكون همُّ أحدكم آخر السورة).. وكان الإمام الرضا (ع) في طريقه إلى خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار، بكى وسأل الله الجنة، وتعوّذ به من النار.
- التدبر في معانيه: حتى يكون القرآن الكريم منهجاً للحياة، يستضيء به المؤمن؛ لابد له من قراءته قراءة واعية، متدبراً في معانيه.. وإن الله عزوجل في قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؛ يستنكر على الناس إهمالهم لتدبر القرآن الكريم.. وقد تقدم ذكر أمثلة في التأمل في بعض الآيات الكريمة.
- الاستماع: من الظواهر الخاطئة التي نلاحظها في المجالس التي تقام لتلاوة القرآن الكريم، أن الأغلب ينشغل في الكلام عن الاستماع للتلاوة؛ غير ملتفت إلى أن هذا فيه هتك للقرآن الكريم، وهذا الهتك لا يعوضه ثواب التلاوة الذي يريد أن يكسبه صاحب المجلس!.. إن البعض يوجب الإنصات عند تلاوة القرآن الكريم، لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.. ثم إن عكس الرحمة الغضب.. فإذا كان المستمع في مظان نزول الرحمة الإلهية عليه؛ فإنه يُخشى حلول الغضب على هؤلاء الذين لا يحترمون كلام الله عزوجل، وهو يتلى على أسماعهم!.. لو أن شخصية راقية -مثلاً : وزير أو أمير- يتكلم على المنصة، ألا يلتزم الجميع بالصمت؟.. ولو تكلم أحدهم أثناء كلامه، لعله يعاقب ويؤدب على سوء أدبه.. وهذا كتاب الله عزوجل يُقرأ، والناس يتكلمون في أثناء ذلك!.. وهذا الذي يمنعنا من حضور مجالس القرآن الكريم، أن الإنسان يتورط في هذه المجالس، حيث يُسأل ويضطر لأن يتكلم، وترى القهقهة والحديث في كل حق وباطل، وليس هذا من أدب الاستماع إلى القرآن الكريم.
- تجنب التفسير بالرأي: إن علينا أن نتجنب تفسير القرآن الكريم.. فلا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى آية من كتاب الله عزوجل، ويأخذ في التفسير والتعليق، وبنحو الجزم.. نعم، لا مانع لو يقول: هكذا يتراءى، أو هكذا يُفهم من كتاب الله عزوجل، دون أن ينسب المعنى إلى الله عزوجل.. كقراءة القرآن الخاطئة.. فمثلاً: إنسان يعلم أنه سيخطئ في تلاوته لكتاب الله عزوجل، ويختم القرآن الكريم في شهر رمضان.. لا إشكال في ذلك، لأنه لا يدعي أن تلاوته هو ما أنزله جبرائيل.. وكذلك عندما يفسر القرآن، فإنه يفسره بحسب ما يفهم، أما لو جزم بتفسيره لكان من الذين فسروا القرآن برأيهم!..
- مراجعة التفاسير: إن من اللازم للإنسان إذا أراد أن يستفيد من كلام الله عزوجل، مراجعة ما ورد عن أهل البيت (ع) في تفسير القرآن الكرم.. فإن العترة هم عدل القرآن الكريم، وهم المخاطبون بالقرآن الكريم، وإنما يعرف القرآن من خوطب به.. ويا حبذا لو أن أحدنا جمع بين الصلاة والقرآن في آن واحد، بأن يختم القرآن في صلاته!.. أعلم أحدهم في سفرة إلى بيت الله الحرام، ختم القرآن الكريم مصلياً أو طائفاً.. لأن الصلاة المستحبة يمكن أن تصلى ماشياً، ويجوز فيها قراءة سورة غير كاملة.. فتطوف حول البيت وأنت تصلي، وبدلاً من سورة التوحيد تبدأ في ختم القرآن الكريم، وتستمر إلى أن تختمه في طوافك وفي أثناء صلاتك، وهكذا تكون قد جمعت بين الطواف والصلاة وتلاوة القرآن الكريم. وفقنا الله وإياكم، لأن نكون من التالين لكتابه حق تلاوته!..