ملاعلي
13-08-2008, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفلح من صلى على محمد وأل محمد
إن كل حركة يقوم بها المؤمن ، لا بد لها من فقهٍ ظاهري وباطني .. وواضح أن حضور مجالس عزاء سيد الشهداء يمثل إقامة لشعيرة من شعائر الدين الحنيف .. إذ لولا دمه الطاهر ، لما بقي من الاسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه .. وهي من مصاديق إحياء الأمر الذي دعا الإمام الصادق لمن أحياه قائلا: ( رحم الله من أحيا أمرنا ).. ومن هذا المنطلق ، أحببنا التنويه على ملاحظات مهمة في هذا المجال وذلك لان عطاء هذه المواسم كعطاء الشمس ، فهي واحدة في أصل العطاء ، ومتعددة في أثارها الخارجية ، بحسب القابليات ، واختلاف درجات المستقبلين لهذا العطاء :
(1) لا بد لاصحاب المجالس من أن يقصدوا القربة الخالصة ، بعيدين عن كل صور الشرك الخفي .. وعلامة ذلك عدم الاهتمام بعدد الحضور ، فالأجر مرتبط بما يقوم به هو ، لا بما يقوم به الآخرون .. فما عليك إلا أن تفتح بابك ، وتنشر بساطك ، كما ذكر الصادق في باب المعاملة .
(2) مجالس ذكر الحسين إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى ، فإنه انما اكتسب الخلود ، لانه حقق اعلى صور العبودية لرب العالمين ، وهي الفداء بالنفس .. وعليه فلا بد من توقير تلك المجالس بالدخول فيها بالتسمية والطهور، واستحضارها كجامعة من اعرق الجامعات الاسلامية ، التي تضم في صفوفها مختلف الطبقات الاجتماعية ، وهذا ايضا من اسباب التفوق العلمي في القاعدة الشعبية للموالين نسبة الى غيرهم ، وذلك لتعرضهم لهذا الاشعاع النوري منذ نعومة اظفارهم .
(3) لا بد من الاستعداد النفسي قبل دخول المجلس ، فيستحسن الاستغفار وذكر الله تعالى كثيرا ، والصلوات على النبي وآله الطاهرين ، والتهيؤ النفسي لنزول النفحات الالهية في ذلك المكان ، إذ ما من شك ان لله تعالى في أيام دهرنا نفحات ، بحسب الازمنة والامكنة ، ولا شك ان مجلس ذكر الامام الشهيد في مضان نزول انواع الرحمة الالهية التي لا يمكن ان نحصل عليها في غير تلك المجالس.
(4) إذا كان المجلس مقاما في بيت من بيوت الله تعالى ، فلا تنس تحية المسجد بركعتين مع توجه ، بالاضافة الى مراعاة جميع آداب المساجد المعروفة في الفقه ، وخاصة الالتزام بالحجاب الشرعي للنساء ، وعدم اختلاط الرجال بالنساء في الطريق العام ، فإن موجبات حبط الاجر موجودة دائمة ، ولا ينبغي التعويل على قداسة الجو للتفريط ببعض الواجبات الواضحة فقها واخلاقا..
(5) ليكن الهدف من استماع الخطب ، هو استخلاص النقاط العملية التي يمكن ان تغير مسيرة الفرد في الحياة ، وعليه فانظر إلى ما يقال ، ولا تنظر الى من يقول ، وعلى المستمع ان يفترض نفسه انه هو المعني بالخطاب الذي يتوجه للعموم ، ولا ينبغي نسيان هذه الحقيقة ، أن الله تعالى قد يجري معلومة ضرورية للفرد على لسان متكلم غير قاصد لما يقول ، ولكن الله تعالى يجعل في ذلك خطابا لمن يريد ان يوقظه من غفلة من الغفلات القاتلة.
(6) حاول أن تعيش بنفسك الاجواء التي يمكن ان تثير عندك الدمعة ، وذلك باستذكار ما جرى في واقعة الطف ، من دون الاعتماد على ما يذكره الخطيب فحسب .. وتذكر قول الرضا : فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام .. ومن المعلوم ايضا ان التوفيق في هذا المجال مرتبط بمطالعة اجمالية لمجمل هذه السيرة العطرة ، وذلك من المصادر المعتبرة .
(7) اذا لم توفق للبكاء ، حاول أن تتباكى ، وتتظاهر بمظهر الحزن والتلهف على ما دهى سيد الشهداء مع عدم الاعتناء بالجالسين حولك ، فإن من تلبيس ابليس ان يمنعك من ذلك بدعوى الرياء .. وليس من الادب ان يعامل المستمع ساعة النعي كساعة الوعظ حتى في طريقة الاستماع .. ولا يخفى على المتأمل ان رقة القلب حصيلة تفاعلات سابقة ، فالذي لا يمتلك منهجا تربويا لنفسه في حياته ، من الطبيعي ان يعيش حالة الذهول الفكري اضافة االى الجفاف العاطفي.
(8) اذا استمرت قسوة القلب طوال الموسم ، فابحث عن العوامل الموجبة لهذا الخذلان ، فقد ورد عن علي أنه قال : ( ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ) .. وخاصة اذا استمرت هذه الحالة فترة من الزمن ، فإنها مشعرة بعلاقة متوترة مع الغيب ، إذ كيف لا يتألم الانسان لما جرى على من يحب ، إن كان هنالك حب في البين !..
(9) استغل ساعة الدعاء بعد انتهاء المجلس ، فإنها من ساعات الاستجابة ، وحاول أن يكون لك جو من الدعاء الخاص ، غير مكتف بما دعا به الخطيب ، فالملاحظ ان الدعاء بعد المجلس لا روح فيه بشكل عام ، أي بمعنى ان الناس لا ينظرون الى هذه الفقرة نظرة جد واعتناء ، وكأن الحديث مع الرب المتعال امر هامشي ، لا يعطى له ما يستحقه من الالتفات.
(10) حاول أن تبحث عن التنوع في مجالس العزاء .. إذ لكل مجلس هيئته الخاصة ، ولكل خطيب تأثيره الخاص .. وعلى المستمع ان يبحث عن المجلس الذي يثير فيه العبرة والاعتبار ، تاركا كل الجهات الباطلة الاخرى : كارضاء اصحاب المجالس ، او التعصب لجهات معينة ، او الميل القلبي الذي لا مبرر له ، سوى الارتياح الذاتي لا الرسالي .
(11) حاول أن تفرغ نفسك أيام عاشوراء من جهة : العمل والدراسة والتجارة ، لئلا يكون يومك في يوم عاشوراء كباقي الايام مشتغلا بأمور الدنيا ، تاركاً مشاطرة صاحب الامر في مصيبته التي يبكى عليها بدل الدموع دما .. والامر يعطي ثماره عندما يكون ذلك مقترنا بشيء من المجاهدة في هذا المجال .
(12) اذا كنت في بلد خال من مجالس الحسين فاستعن بالمسموعات والمرئيات والمواقع الهادفة ، لئلا تحرم بركات الموسم ، بل ان احياء الذكر في اماكن غير متعارفة له اثره الخاص .. وهذه من المجربات التي لا تخلف لاثرها ، إذ ان الذكر في الخلوات ، يخلو من كل شوائب الجلوات ، ومن هنا كان العمل اقرب للقبول من غيره.
(13) من المستحسن – في المنزل والسيارة - أن يعيش الاجواء المثيرة للعواطف ، بالاستماع الى ما أمكن من محاضرات ، ومجالس عزاء ، وقراءة الكتب المتعلقة بالسيرة والمقتل.. وكم من الجدير ان يحول المؤمن هذه الايام الى اسبوع شحن فكري وعاطفي ، في مختلف المجالات ، حتى العبادية منها.. فإن احياء هذه الذكرى مقدمة لاحياء الدين ، بكل حدوده وثغوره.
(14) إن علامة قبول العزاء : وعظاً ، واستماعاً ، وبكاءً ، وإبكاءً هو الخروج بالتوبة الصادقة بعد الموسم ، إقلاعاً عن الذنوب ، وتشديداً للمراقبة .. والملاحظة - مع الاسف الشديد - ان الانسان يفرط بسرعة في المكاسب التي اكتسبها في الموسم ، وذلك بمجرد الخروج منه.. وهذا الامر يتكرر في كل عام مما يعظم له الحسرة يوم القيامة .. فهو بمثابة انسان ، ورد الغدير ، ولم يغترف منه الا لعطش ساعته ، من دون ان يتزود لسفره البعيد ، في القاحل من الارض .
(15) حاول أن تصطحب اهلك وأولادك واصدقائك لمجالس الحسين فإنها مضان التحول الجوهري حتى للنفوس العاصية ، ولا شك أنه يترك أثراً لا شعورياً في نفوس الاحداث ، حتى في السن المبكر .. وذلك لان للمعصوم عنايته واشرافه بعد وفاته ، كما ان الامر كذلك في حياته ، وذلك لان الفارق بين المعصوم الحي ، والمستشهد ، كالفارق بين الراكب والراجل ، إذ انه بانتقاله من هذه النشأة الدنيا ترجل عن بدنه الشريف .. فهل تجد فرقا بينهما ؟!..
(16) يغلب على بعض المستمعين - مع الأسف - جو الاسترسال واللغو بعد انتهاء المجلس مباشرة ، وفي ذلك خسارة كبرى لما اكتسبه اثناء المجلس ، فحاول أن تغادر المجلس إن كنت تخشى من الوقوع في الباطل .. ومن المعروف في هذا المجال ، أن الادبار الاختياري بعد الاقبال العبادي مع رب العالمين ، أو في مجالس اهل البيت ، من موجبات العقوبة الالهية .. وقد ورد انه ما ضرب عبد بعقوبة اشد من قساوة القلب.. وهذا ايضا يفسر بعض صور الادبار الشديد ، بعد الاقبال الشديد ، وذلك لعدم قيام العبد برعاية آداب الاقبال ، كما هو حقه.
(17) إن البعض يحضر المجلس طلباً لحاجة من الحوائج ، فيدخل في باب المعاملة مع رب العالمين ، والحال أن الهدف الاساسي من هذه المجالس هو التذكير بالله تعالى ، وبما اراده امراً ونهياً ، فشعارنا ( تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ، لكنما عيني لاجلك باكية ) .. إذ ما قيمة بعض الحوائج المادية الفانية في مقابل النظرة الالهية للعبد التي تقلب كيانه رأسا على عقب .
(18) إن المعزى في هذه المواسم بالدرجة الاولى هو بقية الماضين منهم ، ألا وهو صاحب الامر ، فحاول استحضار درجة الالم الذي يعتصر قلبه الشريف ، وذلك بانه الخبير بما جرى على جده الحسين في واقعة الطف ، إذ أن ما وصل الينا – رغم فداحته – لا يمثل الا القليل بالنسبة الى ما جرى على آل الله تعالى.
(19) إن البعض ينظر الى ما جرى في واقعة الطف و كأنه امور لا يمكن ان يتكرر ، ولو تقليدا في درجة دانية .. والحال انه كما اننا مأمورون بالتأسي بالنبي الاكرم ، فإننا مأمورون بالتأسي بسيد الشهداء : رفضا للظلم ، وذكرا لله تعالى على كل حال ، وفناء في العقيدة ، واستقامة في جهاد الاعداء ، وبصيرة في فهم حدود الشريعة .
(20) إن من الملفت حقا تنوع العناصر التي شاركت في واقعة الطف .. فمنهم الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر الاسدي ، ومنهم الطفل الرضيع ، ومنهم الشاب في ريعانة شبابه كالقاسم والاكبر ، ومنهم العبد الاسود كجون ، ومنهم النساء اللاتي شاركن في قسم من المعركة ، وما بعد المعركة .. اليس في ذلك درس للجميع وان التكليف لا يختص بفئة دون فئة اخرى ؟!..
أسالكم الدعاء
وأفلح من صلى على محمد وأل محمد
إن كل حركة يقوم بها المؤمن ، لا بد لها من فقهٍ ظاهري وباطني .. وواضح أن حضور مجالس عزاء سيد الشهداء يمثل إقامة لشعيرة من شعائر الدين الحنيف .. إذ لولا دمه الطاهر ، لما بقي من الاسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه .. وهي من مصاديق إحياء الأمر الذي دعا الإمام الصادق لمن أحياه قائلا: ( رحم الله من أحيا أمرنا ).. ومن هذا المنطلق ، أحببنا التنويه على ملاحظات مهمة في هذا المجال وذلك لان عطاء هذه المواسم كعطاء الشمس ، فهي واحدة في أصل العطاء ، ومتعددة في أثارها الخارجية ، بحسب القابليات ، واختلاف درجات المستقبلين لهذا العطاء :
(1) لا بد لاصحاب المجالس من أن يقصدوا القربة الخالصة ، بعيدين عن كل صور الشرك الخفي .. وعلامة ذلك عدم الاهتمام بعدد الحضور ، فالأجر مرتبط بما يقوم به هو ، لا بما يقوم به الآخرون .. فما عليك إلا أن تفتح بابك ، وتنشر بساطك ، كما ذكر الصادق في باب المعاملة .
(2) مجالس ذكر الحسين إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى ، فإنه انما اكتسب الخلود ، لانه حقق اعلى صور العبودية لرب العالمين ، وهي الفداء بالنفس .. وعليه فلا بد من توقير تلك المجالس بالدخول فيها بالتسمية والطهور، واستحضارها كجامعة من اعرق الجامعات الاسلامية ، التي تضم في صفوفها مختلف الطبقات الاجتماعية ، وهذا ايضا من اسباب التفوق العلمي في القاعدة الشعبية للموالين نسبة الى غيرهم ، وذلك لتعرضهم لهذا الاشعاع النوري منذ نعومة اظفارهم .
(3) لا بد من الاستعداد النفسي قبل دخول المجلس ، فيستحسن الاستغفار وذكر الله تعالى كثيرا ، والصلوات على النبي وآله الطاهرين ، والتهيؤ النفسي لنزول النفحات الالهية في ذلك المكان ، إذ ما من شك ان لله تعالى في أيام دهرنا نفحات ، بحسب الازمنة والامكنة ، ولا شك ان مجلس ذكر الامام الشهيد في مضان نزول انواع الرحمة الالهية التي لا يمكن ان نحصل عليها في غير تلك المجالس.
(4) إذا كان المجلس مقاما في بيت من بيوت الله تعالى ، فلا تنس تحية المسجد بركعتين مع توجه ، بالاضافة الى مراعاة جميع آداب المساجد المعروفة في الفقه ، وخاصة الالتزام بالحجاب الشرعي للنساء ، وعدم اختلاط الرجال بالنساء في الطريق العام ، فإن موجبات حبط الاجر موجودة دائمة ، ولا ينبغي التعويل على قداسة الجو للتفريط ببعض الواجبات الواضحة فقها واخلاقا..
(5) ليكن الهدف من استماع الخطب ، هو استخلاص النقاط العملية التي يمكن ان تغير مسيرة الفرد في الحياة ، وعليه فانظر إلى ما يقال ، ولا تنظر الى من يقول ، وعلى المستمع ان يفترض نفسه انه هو المعني بالخطاب الذي يتوجه للعموم ، ولا ينبغي نسيان هذه الحقيقة ، أن الله تعالى قد يجري معلومة ضرورية للفرد على لسان متكلم غير قاصد لما يقول ، ولكن الله تعالى يجعل في ذلك خطابا لمن يريد ان يوقظه من غفلة من الغفلات القاتلة.
(6) حاول أن تعيش بنفسك الاجواء التي يمكن ان تثير عندك الدمعة ، وذلك باستذكار ما جرى في واقعة الطف ، من دون الاعتماد على ما يذكره الخطيب فحسب .. وتذكر قول الرضا : فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام .. ومن المعلوم ايضا ان التوفيق في هذا المجال مرتبط بمطالعة اجمالية لمجمل هذه السيرة العطرة ، وذلك من المصادر المعتبرة .
(7) اذا لم توفق للبكاء ، حاول أن تتباكى ، وتتظاهر بمظهر الحزن والتلهف على ما دهى سيد الشهداء مع عدم الاعتناء بالجالسين حولك ، فإن من تلبيس ابليس ان يمنعك من ذلك بدعوى الرياء .. وليس من الادب ان يعامل المستمع ساعة النعي كساعة الوعظ حتى في طريقة الاستماع .. ولا يخفى على المتأمل ان رقة القلب حصيلة تفاعلات سابقة ، فالذي لا يمتلك منهجا تربويا لنفسه في حياته ، من الطبيعي ان يعيش حالة الذهول الفكري اضافة االى الجفاف العاطفي.
(8) اذا استمرت قسوة القلب طوال الموسم ، فابحث عن العوامل الموجبة لهذا الخذلان ، فقد ورد عن علي أنه قال : ( ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ) .. وخاصة اذا استمرت هذه الحالة فترة من الزمن ، فإنها مشعرة بعلاقة متوترة مع الغيب ، إذ كيف لا يتألم الانسان لما جرى على من يحب ، إن كان هنالك حب في البين !..
(9) استغل ساعة الدعاء بعد انتهاء المجلس ، فإنها من ساعات الاستجابة ، وحاول أن يكون لك جو من الدعاء الخاص ، غير مكتف بما دعا به الخطيب ، فالملاحظ ان الدعاء بعد المجلس لا روح فيه بشكل عام ، أي بمعنى ان الناس لا ينظرون الى هذه الفقرة نظرة جد واعتناء ، وكأن الحديث مع الرب المتعال امر هامشي ، لا يعطى له ما يستحقه من الالتفات.
(10) حاول أن تبحث عن التنوع في مجالس العزاء .. إذ لكل مجلس هيئته الخاصة ، ولكل خطيب تأثيره الخاص .. وعلى المستمع ان يبحث عن المجلس الذي يثير فيه العبرة والاعتبار ، تاركا كل الجهات الباطلة الاخرى : كارضاء اصحاب المجالس ، او التعصب لجهات معينة ، او الميل القلبي الذي لا مبرر له ، سوى الارتياح الذاتي لا الرسالي .
(11) حاول أن تفرغ نفسك أيام عاشوراء من جهة : العمل والدراسة والتجارة ، لئلا يكون يومك في يوم عاشوراء كباقي الايام مشتغلا بأمور الدنيا ، تاركاً مشاطرة صاحب الامر في مصيبته التي يبكى عليها بدل الدموع دما .. والامر يعطي ثماره عندما يكون ذلك مقترنا بشيء من المجاهدة في هذا المجال .
(12) اذا كنت في بلد خال من مجالس الحسين فاستعن بالمسموعات والمرئيات والمواقع الهادفة ، لئلا تحرم بركات الموسم ، بل ان احياء الذكر في اماكن غير متعارفة له اثره الخاص .. وهذه من المجربات التي لا تخلف لاثرها ، إذ ان الذكر في الخلوات ، يخلو من كل شوائب الجلوات ، ومن هنا كان العمل اقرب للقبول من غيره.
(13) من المستحسن – في المنزل والسيارة - أن يعيش الاجواء المثيرة للعواطف ، بالاستماع الى ما أمكن من محاضرات ، ومجالس عزاء ، وقراءة الكتب المتعلقة بالسيرة والمقتل.. وكم من الجدير ان يحول المؤمن هذه الايام الى اسبوع شحن فكري وعاطفي ، في مختلف المجالات ، حتى العبادية منها.. فإن احياء هذه الذكرى مقدمة لاحياء الدين ، بكل حدوده وثغوره.
(14) إن علامة قبول العزاء : وعظاً ، واستماعاً ، وبكاءً ، وإبكاءً هو الخروج بالتوبة الصادقة بعد الموسم ، إقلاعاً عن الذنوب ، وتشديداً للمراقبة .. والملاحظة - مع الاسف الشديد - ان الانسان يفرط بسرعة في المكاسب التي اكتسبها في الموسم ، وذلك بمجرد الخروج منه.. وهذا الامر يتكرر في كل عام مما يعظم له الحسرة يوم القيامة .. فهو بمثابة انسان ، ورد الغدير ، ولم يغترف منه الا لعطش ساعته ، من دون ان يتزود لسفره البعيد ، في القاحل من الارض .
(15) حاول أن تصطحب اهلك وأولادك واصدقائك لمجالس الحسين فإنها مضان التحول الجوهري حتى للنفوس العاصية ، ولا شك أنه يترك أثراً لا شعورياً في نفوس الاحداث ، حتى في السن المبكر .. وذلك لان للمعصوم عنايته واشرافه بعد وفاته ، كما ان الامر كذلك في حياته ، وذلك لان الفارق بين المعصوم الحي ، والمستشهد ، كالفارق بين الراكب والراجل ، إذ انه بانتقاله من هذه النشأة الدنيا ترجل عن بدنه الشريف .. فهل تجد فرقا بينهما ؟!..
(16) يغلب على بعض المستمعين - مع الأسف - جو الاسترسال واللغو بعد انتهاء المجلس مباشرة ، وفي ذلك خسارة كبرى لما اكتسبه اثناء المجلس ، فحاول أن تغادر المجلس إن كنت تخشى من الوقوع في الباطل .. ومن المعروف في هذا المجال ، أن الادبار الاختياري بعد الاقبال العبادي مع رب العالمين ، أو في مجالس اهل البيت ، من موجبات العقوبة الالهية .. وقد ورد انه ما ضرب عبد بعقوبة اشد من قساوة القلب.. وهذا ايضا يفسر بعض صور الادبار الشديد ، بعد الاقبال الشديد ، وذلك لعدم قيام العبد برعاية آداب الاقبال ، كما هو حقه.
(17) إن البعض يحضر المجلس طلباً لحاجة من الحوائج ، فيدخل في باب المعاملة مع رب العالمين ، والحال أن الهدف الاساسي من هذه المجالس هو التذكير بالله تعالى ، وبما اراده امراً ونهياً ، فشعارنا ( تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ، لكنما عيني لاجلك باكية ) .. إذ ما قيمة بعض الحوائج المادية الفانية في مقابل النظرة الالهية للعبد التي تقلب كيانه رأسا على عقب .
(18) إن المعزى في هذه المواسم بالدرجة الاولى هو بقية الماضين منهم ، ألا وهو صاحب الامر ، فحاول استحضار درجة الالم الذي يعتصر قلبه الشريف ، وذلك بانه الخبير بما جرى على جده الحسين في واقعة الطف ، إذ أن ما وصل الينا – رغم فداحته – لا يمثل الا القليل بالنسبة الى ما جرى على آل الله تعالى.
(19) إن البعض ينظر الى ما جرى في واقعة الطف و كأنه امور لا يمكن ان يتكرر ، ولو تقليدا في درجة دانية .. والحال انه كما اننا مأمورون بالتأسي بالنبي الاكرم ، فإننا مأمورون بالتأسي بسيد الشهداء : رفضا للظلم ، وذكرا لله تعالى على كل حال ، وفناء في العقيدة ، واستقامة في جهاد الاعداء ، وبصيرة في فهم حدود الشريعة .
(20) إن من الملفت حقا تنوع العناصر التي شاركت في واقعة الطف .. فمنهم الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر الاسدي ، ومنهم الطفل الرضيع ، ومنهم الشاب في ريعانة شبابه كالقاسم والاكبر ، ومنهم العبد الاسود كجون ، ومنهم النساء اللاتي شاركن في قسم من المعركة ، وما بعد المعركة .. اليس في ذلك درس للجميع وان التكليف لا يختص بفئة دون فئة اخرى ؟!..
أسالكم الدعاء