نجف الخير
02-08-2006, 12:41 PM
الكوفـة
نشأتها وتطورها :
أسسها سعد بن أبي وقاص في عهد عمر بن الخطاب ، سنة (17هـ/638م) ، وقيل سنة (18 أو 19هـ) ؛ لتكون قاعدة عسكرية للمسلمين ، لموقعها الجغرافي – حيث لا يفصلها عن المدينة المنورة فاصل طبيعي ، من بحر أو عارض – بدلاً من المدائن .
وتبدأ الفترة المهمة في تاريخ الكوفة في شهر رجب عام (36هـ) ، حينما اختارها الإمام علي عليه السلام – بعد انتصاره في معركة الجمل – لتكون عاصمة للخلافة الإسلامية . وكان مع الإمام علي عليه السلام حين خرج إلى حرب الجمل – على ما يذكر ابن قتيبة – 900 رجلاً من الأنصار والمهاجرين ، ولا يعرف عدد من توطّن الكوفة منهم ، لكنهم اسموا ممّن ثبت توطّنه منهم 149 صحابياً ، منهم سبعون ممّن شهد بدراً وبيعة الرضوان .. وبذلك أصبحت الكوفة المركز السياسي والعالمي الأوّل في العالم الإسلامي ، فهاجر إليها الناس وطلاب العلم ، واتسعت بناءً وسكاناً ، وعظمت مكانةً وشأناً في كلّ جانب . وكانت الكوفة أيضاً عاصمة لخلافة الإمام الحسن عليه السلام ، وعاصمة أولى للعباسيين ، ولدولة المختار .
وليس بين أيدينا إحصاء دقيق لعدد سكانها آنذاك ، هذا وقد اختطت الكوفة سنة (17هـ) لتتسـع – حسب رواية الشعبي – لعشرين ألفاً غير أنّ سكانها ازدادوا في الفترة من (23هـ - 41هـ) ليصلوا إلى أربعين ألفاً ، يضاف إليهم 19 ألفاً ممّن أدرك من الأولاد .. وفي إحصاء أجراه زياد بن أبيه بين (45هـ - 53هـ) بلغ عدد المقاتلة ممّن يفرض لهم العطاء ستين ألفاً ، وعيالاتهم ثمانين ألفاً .
ولا يعرف العدد الذي لم يدخل في هذا الإحصاء ، ولا ما بلغ إليه حين أصبحت عاصمة للدولة العباسية ، لكن بشر بن عبد الوهاب القرشي المتوفّى سنة 204هـ ، قال :
(( أنّها كانت تضم خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر ، وستة وثلاثين ألف دار لليمن ، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب )) .
وظلت الكوفة تتسع وتزدهر حتّى أصبحت في القرن الرابع الهجري ، كما يقول (ماسبنيون ) : (( حاضرة لإحدى الكور العراقية الست ، تتبعها بابل وعين التمر وسوراً والنيل … )) .
لكن هذا الازدهار لم يستمر ، فإنّ هجمات الخوارج ، وغزو بعض القبائل جعلت سكانها من الشيعة وطلاب العلم يهاجرون إلى مدينة النجف التي قامت منذ القرن الثالث حول ضريح الإمام عليّ عليه السلام نماءً وتطوراً ، وتحضى بعناية بالغة من الخلفاء والسلاطين .
وفي القرن السادس بدأت الكوفة تضمحل أو تكاد ... فقد ذكر ابن جبير في رحلته وقد زارها سنة 58هـ إنّها :
(( عتيقة البناء قد استولى الخراب على أكثرها ، فالغامر فيها أكثر من العامر )) .
وفي القرن السابع فاض الفرات فغرقت الكوفة وأحاط الماء بجامعها ...
وبقيت الكوفة مهملة الشأن ، وازداد هذا الإهمال في عهد العثمانيين ...
فقد قال الرحالة البرتغالي (ديلافاله) ، وقد مر بقرب الكوفة في مطلع القرن الحادي عشر الهجري – 26 حزيران سنة 1625م : ( أنّه لم يجد للكوفة وجوداً .. ) .
وأكد الرحالة ( كارستن نيبور ) وقد زارها بعد الأوّل بقرن ونصف تقريباً سنة 1765م فقال : (( أنّها كانت خالية من السكان تقريباً ، بل أنّه وجد مسجدها ، ولم يبق منه شيء يذكر سوى الجدران )) .
وبقيت الكوفة على هذا الحال حتى مطلع القرن الماضي ، فدبت فيها الحياة من جديد ، وبدأ السكن من ضفة النهر إلى المسجد ، وامتدت أحياؤها بعد سنة (1378هـ/1958م) شيئاً فشيئاً من الجهة الغربية حتى اتصلت اليوم بـ ( كركي سعد) وهو حدها المتصل بأحياء النجف الأشرف ..
وهي من الناحية الإدارية قضاء تابع لمحافظة النجف ، وتتبعه ناحيتان : العباسية والحرية . ونفوس مركز قضاء الكوفة بحسب إحصاء ذُكر في كتاب محافظة النجف لسنة 1986م يتجاوز 93 ألف نسمة ، وعدد نفوس العباسية يتجاوز 48 ألف نسمة ، وعدد نفوس الحرية يتجاوز 22 ألف نسمة
أهم معالمها :
جامع الكوفة
مكانته ، وأهميته العلمية والسياسية :
إنّ الذي تولّى تخطيط مدينة الكوفة جعل الجامع وسطاً ليكون المركز فيها ، وقد شيّد على أرض مربعة الشكل ، بانحراف قليل عن القبلة بمقدار 17 درجة تقريباً ، وقد خططه ليتسع لأربعين ألف مصلٍ ، وقد مرّ بتطويرات وإصلاحات متعددة حتّى استقر على وضعه القائم وبالشكل التالي .
طول الضلع المواجه للقبلة 110م ، والجدار المقابل له 109م ، أمّا الضلعان الآخران فيبلغ طول كل منهما 116م .
ودلّت الدراسات الأثرية : إنّ هذه الجدران كانت نازلة في الأرض إلى عمق خمسة أمتار ونصف ، وأنّ الجدران كانت مدعومة من الخارج بأبراج نصف دائرية الجدران إلى حدود عشرين متراً ..
يضم الجانب القبلي مقام الإمام عليّ عليه السلام ، وأمّا الجوانب الثلاثة الأخرى فتضم غرفاً صغيرة بنيت في عهد متأخر للمعتكفين .
وللمسجد أربعة أبواب ، لكلّ ضلع باب أكبرها ( باب الفيل ) ويسمّى ( باب الثعبان ) وهو المقابل للضلع القبلي لمقام الإمام عليّ عليه السلام ومنبره ..
والمسجد في الإسلام كان مكاناً للعبادة والدرس العلمي والقضاء والاجتماعات العامة التي تتصل بالمصالح العليا للأمة ، ومسجد الكوفة كان منذ السنوات الأولى من تأسيسه محلاً لهذه الوظائف التي قام بها عدد من الصحابة .
وقد ذكروا من هؤلاء عمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، وقرظة بن كعب الأنصاري ، وعثمان بن حنيف ، وحذيفة بن اليمان ، وسليمان بن كعب ، وسلمان بن ربيعة ، والبرّاء بن عازب ، وسهل بن حنيف ، وخبّاب بن الأرت ، وغير هؤلاء ممّن كانوا أمراء أو قادة منهم ، وكان مجلس هؤلاء – في كلّ ذلك – المسجد كما هو الأمر في الصدر الأول .
وحين حلّ الإمام علي عليه السلام فيها سنة 36هـ ، واتخذها عاصمة لخلافته ، حلّ فيها معه عدد كبير من الصحابة الذين رافقوه ، وأصبح المسجد الجامعة العلمية الإسلامية الأولى دون منازع .
فشهد المسجد دروس الإمام عليّ عليه السلام – وهو باب مدينة علم النبي صلّى الله عليه وآله – وخطبه ، وحديثه ، وأقضيته مدى سني خلافته .
وشهد أيضاً دروس الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، وعلماء الصحابة والتابعين بعده في العقيدة الإسلامية ، وفي التفسير ، والقراءات ، والحديث .
ثمّ بعد ذلك في العربية (النحو) الذي ألقاه الإمام عليّ عليه السلام لأوّل مرة إلى أبي الأسود الدؤلي فبنى عليه ، ونحا نحوه .
وإلى الكوفة ينسب الخط المعروف ، وللإمام عليّ عليه السلام كلمات في طريقة تجويده وتحسينه ، وعلى يد أبي الأسود كان تشكيله ووضع الحركات عليه لأوّل مرّة أيضاً .
وتميّز مسجد الكوفة بأنهّ كان أوّل ، وأوسع مدرسة لقراءة القرآن الكريم ، ففيه جلس أشهر وأوثق القرّاء ، ومن هؤلاء :
عبد الرحمن السلمي ، الذي أخذ القراءة عن الإمام عليّ والحسنين عليهم السلام ، وعن عبد الله بن مسعود ، ومنهم عاصم بن أبي النجود الاسدي ، وحمزة بن حبيب المعروف بالزيات ، وعلي بن حمزة الكسائي ، وهؤلاء جميعاً من القرّاء السبعة ، لهذا صارت مدرسة الكوفة أشهر مدرسة للقرّاء في العالم الإسلامي ، ولمدرستها النحوية منهج وسمات متميزة عن نهج مدرسة البصرة .
وفي الفقه والعلوم الإسلامية نشأت مدرسة الرأي ، ورأسها أبو حنيفة ، وحين جاء الإمام الصادق عليه السلام زمن المنصور إلى الحيرة ، ازدحم عليه المئات من طلاب العلم ، حتّى أنّ محمد بن معروف الهلالي لم يصل إليه لكثرة الناس ، إلاّ في اليوم الرابع( [1] ) .
وكان منهم أبو حنيفة الذي لازمه مدى سنتين اللتين سكنهما هناك ، وكان يذكرهما فيقول : (( لولا السنتان لهلك النعمان ))( [2] ) .
ويقول أبو حنيفة أيضاً : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال : إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس على يمينه .. فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر .. وذكر أنّه سأله بأمر المنصور أربعين مسألة كان يقول في الجواب على كلّ منها : انتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا .
ثّم قال أبو حنيفة : أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس .
ولازمه بعد ذلك رغم محاورات الإمام الحادة معه في شأن القياس( [3] ) .
وقال أبو نعيم الأصفهاني : وللإمام عليه السلام حوارات مع أبي حنيفة حول القياس( [4] ) . وظل أثر مدرسة الإمام الصادق عليه السلام ممتداً في طلابه الذين كانوا يؤدون دورهم التعليمي في مسجد الكوفة .
قال الوشاء : (( أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمّد عليه السلام ))( [5] ) .
نشأتها وتطورها :
أسسها سعد بن أبي وقاص في عهد عمر بن الخطاب ، سنة (17هـ/638م) ، وقيل سنة (18 أو 19هـ) ؛ لتكون قاعدة عسكرية للمسلمين ، لموقعها الجغرافي – حيث لا يفصلها عن المدينة المنورة فاصل طبيعي ، من بحر أو عارض – بدلاً من المدائن .
وتبدأ الفترة المهمة في تاريخ الكوفة في شهر رجب عام (36هـ) ، حينما اختارها الإمام علي عليه السلام – بعد انتصاره في معركة الجمل – لتكون عاصمة للخلافة الإسلامية . وكان مع الإمام علي عليه السلام حين خرج إلى حرب الجمل – على ما يذكر ابن قتيبة – 900 رجلاً من الأنصار والمهاجرين ، ولا يعرف عدد من توطّن الكوفة منهم ، لكنهم اسموا ممّن ثبت توطّنه منهم 149 صحابياً ، منهم سبعون ممّن شهد بدراً وبيعة الرضوان .. وبذلك أصبحت الكوفة المركز السياسي والعالمي الأوّل في العالم الإسلامي ، فهاجر إليها الناس وطلاب العلم ، واتسعت بناءً وسكاناً ، وعظمت مكانةً وشأناً في كلّ جانب . وكانت الكوفة أيضاً عاصمة لخلافة الإمام الحسن عليه السلام ، وعاصمة أولى للعباسيين ، ولدولة المختار .
وليس بين أيدينا إحصاء دقيق لعدد سكانها آنذاك ، هذا وقد اختطت الكوفة سنة (17هـ) لتتسـع – حسب رواية الشعبي – لعشرين ألفاً غير أنّ سكانها ازدادوا في الفترة من (23هـ - 41هـ) ليصلوا إلى أربعين ألفاً ، يضاف إليهم 19 ألفاً ممّن أدرك من الأولاد .. وفي إحصاء أجراه زياد بن أبيه بين (45هـ - 53هـ) بلغ عدد المقاتلة ممّن يفرض لهم العطاء ستين ألفاً ، وعيالاتهم ثمانين ألفاً .
ولا يعرف العدد الذي لم يدخل في هذا الإحصاء ، ولا ما بلغ إليه حين أصبحت عاصمة للدولة العباسية ، لكن بشر بن عبد الوهاب القرشي المتوفّى سنة 204هـ ، قال :
(( أنّها كانت تضم خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر ، وستة وثلاثين ألف دار لليمن ، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب )) .
وظلت الكوفة تتسع وتزدهر حتّى أصبحت في القرن الرابع الهجري ، كما يقول (ماسبنيون ) : (( حاضرة لإحدى الكور العراقية الست ، تتبعها بابل وعين التمر وسوراً والنيل … )) .
لكن هذا الازدهار لم يستمر ، فإنّ هجمات الخوارج ، وغزو بعض القبائل جعلت سكانها من الشيعة وطلاب العلم يهاجرون إلى مدينة النجف التي قامت منذ القرن الثالث حول ضريح الإمام عليّ عليه السلام نماءً وتطوراً ، وتحضى بعناية بالغة من الخلفاء والسلاطين .
وفي القرن السادس بدأت الكوفة تضمحل أو تكاد ... فقد ذكر ابن جبير في رحلته وقد زارها سنة 58هـ إنّها :
(( عتيقة البناء قد استولى الخراب على أكثرها ، فالغامر فيها أكثر من العامر )) .
وفي القرن السابع فاض الفرات فغرقت الكوفة وأحاط الماء بجامعها ...
وبقيت الكوفة مهملة الشأن ، وازداد هذا الإهمال في عهد العثمانيين ...
فقد قال الرحالة البرتغالي (ديلافاله) ، وقد مر بقرب الكوفة في مطلع القرن الحادي عشر الهجري – 26 حزيران سنة 1625م : ( أنّه لم يجد للكوفة وجوداً .. ) .
وأكد الرحالة ( كارستن نيبور ) وقد زارها بعد الأوّل بقرن ونصف تقريباً سنة 1765م فقال : (( أنّها كانت خالية من السكان تقريباً ، بل أنّه وجد مسجدها ، ولم يبق منه شيء يذكر سوى الجدران )) .
وبقيت الكوفة على هذا الحال حتى مطلع القرن الماضي ، فدبت فيها الحياة من جديد ، وبدأ السكن من ضفة النهر إلى المسجد ، وامتدت أحياؤها بعد سنة (1378هـ/1958م) شيئاً فشيئاً من الجهة الغربية حتى اتصلت اليوم بـ ( كركي سعد) وهو حدها المتصل بأحياء النجف الأشرف ..
وهي من الناحية الإدارية قضاء تابع لمحافظة النجف ، وتتبعه ناحيتان : العباسية والحرية . ونفوس مركز قضاء الكوفة بحسب إحصاء ذُكر في كتاب محافظة النجف لسنة 1986م يتجاوز 93 ألف نسمة ، وعدد نفوس العباسية يتجاوز 48 ألف نسمة ، وعدد نفوس الحرية يتجاوز 22 ألف نسمة
أهم معالمها :
جامع الكوفة
مكانته ، وأهميته العلمية والسياسية :
إنّ الذي تولّى تخطيط مدينة الكوفة جعل الجامع وسطاً ليكون المركز فيها ، وقد شيّد على أرض مربعة الشكل ، بانحراف قليل عن القبلة بمقدار 17 درجة تقريباً ، وقد خططه ليتسع لأربعين ألف مصلٍ ، وقد مرّ بتطويرات وإصلاحات متعددة حتّى استقر على وضعه القائم وبالشكل التالي .
طول الضلع المواجه للقبلة 110م ، والجدار المقابل له 109م ، أمّا الضلعان الآخران فيبلغ طول كل منهما 116م .
ودلّت الدراسات الأثرية : إنّ هذه الجدران كانت نازلة في الأرض إلى عمق خمسة أمتار ونصف ، وأنّ الجدران كانت مدعومة من الخارج بأبراج نصف دائرية الجدران إلى حدود عشرين متراً ..
يضم الجانب القبلي مقام الإمام عليّ عليه السلام ، وأمّا الجوانب الثلاثة الأخرى فتضم غرفاً صغيرة بنيت في عهد متأخر للمعتكفين .
وللمسجد أربعة أبواب ، لكلّ ضلع باب أكبرها ( باب الفيل ) ويسمّى ( باب الثعبان ) وهو المقابل للضلع القبلي لمقام الإمام عليّ عليه السلام ومنبره ..
والمسجد في الإسلام كان مكاناً للعبادة والدرس العلمي والقضاء والاجتماعات العامة التي تتصل بالمصالح العليا للأمة ، ومسجد الكوفة كان منذ السنوات الأولى من تأسيسه محلاً لهذه الوظائف التي قام بها عدد من الصحابة .
وقد ذكروا من هؤلاء عمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، وقرظة بن كعب الأنصاري ، وعثمان بن حنيف ، وحذيفة بن اليمان ، وسليمان بن كعب ، وسلمان بن ربيعة ، والبرّاء بن عازب ، وسهل بن حنيف ، وخبّاب بن الأرت ، وغير هؤلاء ممّن كانوا أمراء أو قادة منهم ، وكان مجلس هؤلاء – في كلّ ذلك – المسجد كما هو الأمر في الصدر الأول .
وحين حلّ الإمام علي عليه السلام فيها سنة 36هـ ، واتخذها عاصمة لخلافته ، حلّ فيها معه عدد كبير من الصحابة الذين رافقوه ، وأصبح المسجد الجامعة العلمية الإسلامية الأولى دون منازع .
فشهد المسجد دروس الإمام عليّ عليه السلام – وهو باب مدينة علم النبي صلّى الله عليه وآله – وخطبه ، وحديثه ، وأقضيته مدى سني خلافته .
وشهد أيضاً دروس الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، وعلماء الصحابة والتابعين بعده في العقيدة الإسلامية ، وفي التفسير ، والقراءات ، والحديث .
ثمّ بعد ذلك في العربية (النحو) الذي ألقاه الإمام عليّ عليه السلام لأوّل مرة إلى أبي الأسود الدؤلي فبنى عليه ، ونحا نحوه .
وإلى الكوفة ينسب الخط المعروف ، وللإمام عليّ عليه السلام كلمات في طريقة تجويده وتحسينه ، وعلى يد أبي الأسود كان تشكيله ووضع الحركات عليه لأوّل مرّة أيضاً .
وتميّز مسجد الكوفة بأنهّ كان أوّل ، وأوسع مدرسة لقراءة القرآن الكريم ، ففيه جلس أشهر وأوثق القرّاء ، ومن هؤلاء :
عبد الرحمن السلمي ، الذي أخذ القراءة عن الإمام عليّ والحسنين عليهم السلام ، وعن عبد الله بن مسعود ، ومنهم عاصم بن أبي النجود الاسدي ، وحمزة بن حبيب المعروف بالزيات ، وعلي بن حمزة الكسائي ، وهؤلاء جميعاً من القرّاء السبعة ، لهذا صارت مدرسة الكوفة أشهر مدرسة للقرّاء في العالم الإسلامي ، ولمدرستها النحوية منهج وسمات متميزة عن نهج مدرسة البصرة .
وفي الفقه والعلوم الإسلامية نشأت مدرسة الرأي ، ورأسها أبو حنيفة ، وحين جاء الإمام الصادق عليه السلام زمن المنصور إلى الحيرة ، ازدحم عليه المئات من طلاب العلم ، حتّى أنّ محمد بن معروف الهلالي لم يصل إليه لكثرة الناس ، إلاّ في اليوم الرابع( [1] ) .
وكان منهم أبو حنيفة الذي لازمه مدى سنتين اللتين سكنهما هناك ، وكان يذكرهما فيقول : (( لولا السنتان لهلك النعمان ))( [2] ) .
ويقول أبو حنيفة أيضاً : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال : إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس على يمينه .. فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر .. وذكر أنّه سأله بأمر المنصور أربعين مسألة كان يقول في الجواب على كلّ منها : انتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا .
ثّم قال أبو حنيفة : أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس .
ولازمه بعد ذلك رغم محاورات الإمام الحادة معه في شأن القياس( [3] ) .
وقال أبو نعيم الأصفهاني : وللإمام عليه السلام حوارات مع أبي حنيفة حول القياس( [4] ) . وظل أثر مدرسة الإمام الصادق عليه السلام ممتداً في طلابه الذين كانوا يؤدون دورهم التعليمي في مسجد الكوفة .
قال الوشاء : (( أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمّد عليه السلام ))( [5] ) .