تراب البقيع...
08-09-2008, 09:51 AM
http://www.wlidk.net/upfiles/okS52859.gif (http://www.wlidk.net/)
http://www.wlidk.net/upfiles/QPw52859.gif (http://www.wlidk.net/)
ثم إنّ الوهابيين لما لم يضعوا للعبادة حدّاً منطقياً تتميّز به عن غيرها ، عمدوا إلى وضع ملاكات للعبادة ، عجيبة جداً ، وهي مبثوثة في كتبهم وثنايا دعاياتهم وهي :
1 ـ الاعتقاد بالسلطة الغيبية.
2 ـ الاعتقاد بأن المدعو يقضي حاجته بسبب غير عادي.
3 ـ طلب الحاجة من الميت.
4 ـ طلب الحاجة مع كون المطلوب منه عاجزاً.
إلى غير ذلك من المعايير الّتي لا تمت إلى التوحيد والشرك بصلة أبداً ولكون هذه الملاكات تدور على ألسنتهم و تتكرر في كتبهم ، نركّز على هذه المعايير وأشباهها لنخرج بنتيجة قطعية ، وهي أنّ الملاك في تمييز التوحيد عن الشرك أمر واحد وهو الاعتقاد بالألوهية والربوبية ، أو كون الفاعل مستقلا ومفوضاً إليه الأمر ، وأمّا هذه المعايير فكلها معايير عرضية ، بل لا تمت إلى مسألة العبادة بصلة أصلا ، بل كل منها يوصف بالتوحيد على وجه ، وبالشرك على آخر ، وإليك البيان :
===============================
1 ـ هل الاعتقاد بالسلطة الغيبية معيار للشرك ؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
« إنّ هناك من يتصور أن الاعتقاد بالسلطة الغيبية في المدعو يلازم الاعتقاد بكونه إلهاً. يقول الكاتب المودودي : « إنّ التصوّر الّذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرّع إليه هو ـ لا جرم ـ تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على الطبيعة ، وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة » وهذا الكلام صريح في أنّه جعل الاعتقاد بهذه السلطة ملازماً للاعتقاد بالألوهية ، وعلى ضوء ذلك فكل من اعتقد في واحد من الصالحين بأنّ له تلك السلطة فهو معتقد بألوهيته ، فيصبح دعاؤه عبادة ، والداعي عابداً له.
وهو مردود من وجهين :
أولا : إنّ التصور الّذي لأجله يدعو الإنسان الإله ، لا ينحصر في تصوّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة ، بل يكفي الاعتقاد بكونه مالكاً للشفاعة والمغفرة ، كما كان عليه فريق من عرب الجاهلية ، إذ كانوا يعتقدون في شأن أصنامهم بأنّها آلهتهم لأنّها تملك الشفاعة والمغفرة ، وهو غير القول بوجود السلطة على عالم التكوين ، وبذلك يظهر الضعف في كلام آخر له ، حيث يقول :
« إنّ كلا من السلطة والألوهية تستلزم الأُخرى ».
والحال أنّ الإعتقاد بالألوهية أعمّ من الاعتقاد بالسلطة ، فلو افترضنا أن الاعتقاد بالسلطة يستلزم الألوهية ، ولكن الاعتقاد بالألوهية لا يستلزم الاعتقاد بالسلطة ، بل يكفي أن يعتقد أنّ المدعو يملك مقام الشفاعة والمغفرة ، أو شأناً من شؤونه سبحانه.
وثانياً : إنّ الاعتقاد بالسلطة إنّما يستلزم الاعتقاد بالألوهية إذا كان ينطوي على الاعتقاد بأنّه فوّضت إليه تلك السلطة تفويضاً ، بحيث يقوم بأعمالها باختياره من دون استئذان من اللّه سبحانه واعتماد عليه ، وعلى ضوء ذلك لا يكون الاعتقاد بها ـ إذا كان إعمال تلك السلطة بإذن اللّه ـ ملازماً للاعتقاد بالألوهية ، وإلاّ وجب أن لا نسجّل أحداً من المسلمين المعتقدين بالقرآن في ديوان الموحدين ، فإنّه يثبت ليوسف وموسى وسليمان والمسيح ، بل لأناس آخرين ليسوا بأنبياء سلطة غيبية. هذا قوله سبحانه في قصة سليمان : ( قال يَا أيُّها المَلأ أيُّكُم يَأتِيني بِعَرْشِها قَبْلَ أن يَأتُوني مُسلِمينَ * قال عِفْريتٌ مِنَ الجنّ أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أمينُ * قَالَ الّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْك طَرْفُكَ فَلَمّا رَآه مُستَقرّاً عَندَهُ قَالَ هَذَا مَنْ فَضلَ رَبّي لِيَبْلُوني أأشْكُرُ أم أكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ رَبَّي غَنِىٌّ كَرِيمٌ ).
ولا يرتاب أحد في أنّ سليمان سأل ما سأل بعد اعتقاده بكونهم أصحاب السلطة الغيبية ،
أفيصح للمودودي أن يرمي ذلك النبي العظيم بما لا يليق بساحته ، بل لا يحتمل في حقه؟.
إنّ الذكر الحكيم يثبت ـ لسليمان ـ نفسه سلطة غيبية ، وأنّه كان له سلطة على الجن والطير حتّى أصبحا من جنوده ، كما يقول : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنودُهُ مِنَ الجِنّ وَ الإنسِ وَ الطّيرِ ... ).
وكانت له السلطة على عالم الحيوانات حتّى أنّه كان يخاطبهم ويطلب منهم تنفيذ أوامره ، كما يقول : ( وَ تَفَقَّدَ الطّيرَ فَقالَ مَاليَ لا أرَى الهُدْهُدَ أم كَانَ مِنَ الغَائَبينَ * لاُعذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَديداً أو لأَذْبَحَنَّهُ أوْ لَيَأتِيَنىّ بِسُلطان مُبين ) ،
وكانت له السلطة على الجن ، فكانوا يعملون بأمره وإرادته ، كما يقول : ( وَ مِنَ الجنّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَإذْنِ رَبَّهِ ... يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ ... ) ،
وكانت له السلطة على الريح أيما تسليط كما يقول : ( وَ لِسُلَيَْمانَ الرّيحَ عاصَفَةً تَجْرِيَ بأَمْرِهِ ) .
وعلى أىّ تقدير فايّة سلطة أعظم وأوضح من هذه السلطة الّتي كانت لسليمان؟
والجدير بالذكر أنّ بعض الآيات صرحت بأنّ كل هذه الأُمور غير العادية كانت تتحقق بأمره.
هذا ما ذكره القرآن في حق سليمان ، وقد ذكر نظيره في حق غير واحد من الأنبياء ،
لاحظ الآيات فكيف يكون الاعتقاد بالسلطة الغيبية المهيمنة على الطبيعة على وجه الإطلاق ملازماً للاعتقاد بالألوهية ؟
==============================
2 ـ هل طلب قضاء الحاجة بأسباب غير طبيعية معيار للشرك ؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
يرى المودودي ان التوسل بالأسباب الطبيعية ليس بشرك ، أمّا طلب الحاجة وإنجازها بأسباب غيرها فهو يلازم الشرك. يقول : فالمرء إذا كان أصابه العطش فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء ، لا يطلق عليه حكم الدعاء ، ولا أن الرجل اتخذ إلهاً ، وذلك أنّ كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب ، ولكن إذا استغاث بولىّ في هذا الحال فلا شك أنّه دعاه لتفريج الكربة واتّخذه إلهاً ، فكأنّي به يراه سميعاً بصيراً ، ويزعم أنّ له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب مما يجعله قادراً على أن يقوم بإبلاغه الماء ، أو شفائه من المرض.
أقول : إنّ ما ذكره صورة أُخرى للمعيار الأول ، وكلاهما وجهان لعملة واحدة ، فإنّ طلب التوسل بالأسباب غير الطبيعية لا ينفك عن الاعتقاد بكونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة.
يلاحظ عليه : أنّ المودودي تصوّر أنّ طلب التوسل بالأسباب الطبيعية ليس بشرك ، وإنّما الشرك هو طلب التوسل بغيرها. والحال أنّ كلا منهما على وجهين : فلو تصوّر أنّ القائم بعمل على وفق الأُصول الطبيعية ، إنّما يقوم به عند نفسه وباقتدار مستقل من دون اعتماد على اقداره سبحانه واستئذان منه ، فقد اعتقد بألوهيته وطلب فعل الإله من غيره ، وأمّا إذا اعتقد أنّ الخادم يحضر الماء بقدرة مكتسبة واستئذان منه فهو نفس التوحيد. ومثله الكلام في الأسباب غير الطبيعية ،
فلا شك أنّ أُمة المسيح كانوا يعتقدون في حقه ـ بعدما رأوا الآيات والمعجزات منه ـ أنّ له سلطة غيبية ، وكانوا يسألونه إبراء مرضاهم وإحياء موتاهم ،
أفهل يتصوّر أنّ سؤالهم هذا كان شركاً؟
وأنّ المسيح كان مجيباً لدعوتهم الشركية؟!
فمن ذا الّذي يسمع قول المسيح بين بني إسرائيل : ( أنّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطّيرِ فَأنْفُخُ فِيْهِ فَيَكُونُ طَيراً بإذنِ اللّهِ و أُبْرَىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ و أُحيِ المَوْتى بِإذنِ اللّهِ وأُنَبِّئُكُم بِما تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم إنَّ في ذَلِكَ لآيةً لَكُمْ إنْ كُنْتُم مُؤمِنينَ ) .
فَمَنْ ذا الّذي يسمع كلامه هذا ـ ولا يعتقد بسلطته الغيبية؟ ولا يسأله كشف الكرب والملمات بإذنه سبحانه؟ أفيصح للمودودي أن يتّهم أُمة المسيح وفيهم الحواريون الذين أُنزلت عليهم مائدة من السماء ومدحهم سبحانه في الذكر الحيكم (2)بالشرك ؟
هذا هو الذكر الحكيم ينقل عن السامري قوله : ( بَصُرْتُ بِما لَمْ يِبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَ كَذَلِكَ سَوَّلَتْ لي نَفْسي ) (3).
وهو يعطي أنّ السامري توسّل بالتراب المأخوذ من أثر الرسول ، وكان له أثر خاص في إخراج العجل الّذي كان له خوار. فلو اعتقد المسلم ـ تبعاً للقرآن ـ بأنه توسل باسباب غير طبيعية لإضلال قومه ، فهل يصحّ اتهامه بالشرك؟.
وبالجملة : ليس الاعتقاد بالسلطة الغيبية في مقابل الاعتقاد بالسلطة العادية ، كما وليس التوسل بالأسباب غير العادية في مقابل التوسل بالأسباب العادية ، معيارين للتوحيد والشرك ، بل كل واحد منهما يمكن أن يقع على وجهين ، فعلى وجه يوافق الأُصول التوحيدية ، وعلى آخر يخالفها.
============================
3 ـ هل الموت والحياة ملاكان للتوحيد والشرك؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
يظهر من الوهابيين أنهم يجوّزون استغاثة الأحياء ، وفي الوقت نفسه يرون استغاثة الأموات شركاً. يقول محمد بن عبدالوهاب : وهذا جائز في الدنيا والآخرة أن تأتي رجلا صالحاً تقول له : ادع اللّه لي ، كما كان أصحاب الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) يسألونه في حياته ، وأمّا بعد مماته فحاشا وكلاّ أن يكونوا سألوا ذلك ، بل أنكر السلف على من قصد دعاء اللّه عند قبره ، فكيف بدعاء نفسه .
عجيب جداً أن يكون عمل محدد ومشخّص إذا طلب من الحي ، نفس التوحيد ، وإذ طلب من الميت يكون عين الشرك. إنّ القرآن ينقل عن بعض شيعة موسى ويقول : ( فاسْتَغَاثَهُ الّذي مِنْ شِيَعتِه عَلَى الّذي من عَدوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوْسى فَقَضى عَلَيْهِ ) فنفس هذه الاستغاثة في حال الحياة ، يتصور على وجهين ، يحكم على أحدهما أنه موافق لأصول التوحيد ، وعلى الآخر بخلافها!!
إنّ هذه الاستغاثة إنما تكون على وفق التوحيد إذا اعتقد أنّ موسى في حال حياته يقوم بالاغاثة بقدرة مكتسبة وإذن منه سبحانه ، ولو اعتقد بأصالته في إغاثة المستغيث فقد اعتقد بألوهيته ، فإذا كان هذا هو المعيار في الاستغاثة من الحي ، فليكن هذا هو المعيار عند الاستمداد بالأرواح المقدسة العالمة الشاعرة حسب أخبار القرآن ( أو الأموات ) على زعم الوهابيين.
فلو فرضنا أنّ أحداً من شيعة موسى استغاث به بعد خروج روحه الشريف عن بدنه على نحو الاستغاثة الأُولى ،
فهل يتصوّر أنّه أشرك باللّه؟
وأنّه عبد موسى لاعتقاده أنّه يغيث المستغيث حياً وميتاً؟.
ولو كانت حياة المستغاث ومماته معياراً ، فإنّما يصحّ أن يكون معياراً في الجدوائية وخلافها ، لا في الشرك و التوحيد.
وبذلك تقف على ضعف كلام تلميذ ابن تيمية حيث يقول : « و من أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإنّ الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً » .
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من الدليلين لا يثبت مدّعاه ، لأنّ قوله : « فإنّ الميت قد انقطع عمله » على فرض صحته ، يثبت عدم الفائدة في الاستغاثة بالميت ، لا انّه شرك ، وأمّا قوله : « ولا يملك نفسه ضراً ولا نفعاً » فهو جار في الحي والميت ، فليس في صفحة الوجود من يملك لنفسه شيئاً ، فإنما يملك بإذنه وإراته سواء أكان حياً أم ميتاً ، ومع الإذن الإلهي يقدرون على إيصال النفع والضر أحياءً وأمواتاً.
هذا كلام التلميذ ، فهلمّ ندرس كلام أُستاذه ابن تيمية وهو يقول : كل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعاً من الإلهية وجعل يقول : يا سيدي فلان أنصرني وأغثني ... فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه ، فإن تاب ، وإلاّ قتل .
يلاحظ عليه : أنّ الإستغاثة بالأموات ـ حسب تعبير الوهابيين ، أو الأرواح المقدسة حسب تعبيرنا ـ إذا كانت ملازمة للاعتقاد بنوع من الألوهية ، يلزم أن تكون الاستغاثة بالأحياء ملازمةً لذلك ، لأنّ حياة المستغاث ومماته حدّ لجدوائية الاستغاثة وعدمها ، وليس حداً للتوحيد والشرك ، في حين أنّ الاستغاثة بالحي تعد من أشد الضروريات للحياة الاجتماعية.
وهناك كلام آخر له هلم معي نستمع إليه يقول :
« والذين يدعون مع اللّه ألهة أخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا يعتقدون أنّها تخلق الخلائق ، أو تنزل المطر ، وإنّما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم ، أو يعبدون صورهم; يقولون : ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إى اللّه زلفى ، أو هؤلاء شفعاؤنا » .
إنّ قياس استغاثة المسلمين بما يقوم به المسيحيون والوثنيون ، والخلط بينهما ابتعاد عن الموضوعية ، لأنّ المسيحيين يعتقدون بألوهية المسيح ، والوثنيين يعتقدون بتملّك الأوثان مقام الشفاعة والمغفرة ، بل مقام التصرف في الكون كإرسال الأمطار على ما نقله ابن هشام ولأجل هذا الاعتقاد كان طلبهم واستغاثتهم بالمسيح والأوثان عبادة لها.
وأمّا استغاثة المسلمين بالأرواح المقدّسة فخالية من هذه الشوائب فعندئذ ، لا يكون شركاً ولا عبادة ، بل استغاثة بعبد لا يقوم بشيء إلاّ بإذنه سبحانه ، فإن أذن أجاب ، وإن لم يأذن سكت ،
فما معنى توصيف هذا بالشرك ؟
===========================
4 ـ هل القدرة والعجز حدان للتوحيد والشرك ؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
وهناك معيار مزعوم آخر يظهر من كلمات ابن تيمية ، وهو أنّ قدرة المستغاث على تحقيق الحاجة يوجب أن لا يكون الطلب شركاً ولكن عجزه عن قضاء الحاجة يضفي على الطلب لون الشرك ، يقول ابن تيمية : « مَنْ يأتي إلى قبر نبيى أو صالح ويسأل حاجته ويستنجد به ، مثل أن يسأله أن يزيل مرضه ويقضي دينه ، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلاّ اللّه عزّوجلّ. فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلاّ قتل » .
وليس هذا ملاكاً جديداً بل هو وجه آخر للملاك السابق ، غير أنّه عبّر في السابق بموت المستغاث وحياته ، وهنا بالعجز والقدرة ، يقول الصنعاني :
« الاستغاثة بالمخلوقين في ما يقدرون عليه مما لا ينكرها أحد ، وإنّما الكلام في استغاثة القبوريين وغيرهم بأوليائهم ، وطلبهم منهم أُموراً لا يقدر عليها إلاّ اللّه تعالى ، من عافية المرض وغيرها ، وقد قالت أُم سليم : يا رسول اللّه. خادمك أنس ، ادع اللّه له ، وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء منه وهو حي ، وهذا أمبر متفق على جوازه ، والكلام في طلب القبوريين من الأموات أو من الأحياء أن يشفوا مرضاهم ويردوا غائبهم ، ونحو ذلك من المطالب الّتي لا يقدر عليها إلاّ اللّه » . وعلى أىّ تقدير ، فسواء أكان هذا وجهاً آخر للملاك السابق أم ملاكاً آخر بقرينة عطف الأحياء على الأموات في هذا الكلام ، فليست القدرة والعجز ملاكين للتوحيد والشرك ، وإنّما هما ملاك الجدوائية وعدمها.
================================================
http://www.wlidk.net/upfiles/QPw52859.gif (http://www.wlidk.net/)
ثم إنّ الوهابيين لما لم يضعوا للعبادة حدّاً منطقياً تتميّز به عن غيرها ، عمدوا إلى وضع ملاكات للعبادة ، عجيبة جداً ، وهي مبثوثة في كتبهم وثنايا دعاياتهم وهي :
1 ـ الاعتقاد بالسلطة الغيبية.
2 ـ الاعتقاد بأن المدعو يقضي حاجته بسبب غير عادي.
3 ـ طلب الحاجة من الميت.
4 ـ طلب الحاجة مع كون المطلوب منه عاجزاً.
إلى غير ذلك من المعايير الّتي لا تمت إلى التوحيد والشرك بصلة أبداً ولكون هذه الملاكات تدور على ألسنتهم و تتكرر في كتبهم ، نركّز على هذه المعايير وأشباهها لنخرج بنتيجة قطعية ، وهي أنّ الملاك في تمييز التوحيد عن الشرك أمر واحد وهو الاعتقاد بالألوهية والربوبية ، أو كون الفاعل مستقلا ومفوضاً إليه الأمر ، وأمّا هذه المعايير فكلها معايير عرضية ، بل لا تمت إلى مسألة العبادة بصلة أصلا ، بل كل منها يوصف بالتوحيد على وجه ، وبالشرك على آخر ، وإليك البيان :
===============================
1 ـ هل الاعتقاد بالسلطة الغيبية معيار للشرك ؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
« إنّ هناك من يتصور أن الاعتقاد بالسلطة الغيبية في المدعو يلازم الاعتقاد بكونه إلهاً. يقول الكاتب المودودي : « إنّ التصوّر الّذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرّع إليه هو ـ لا جرم ـ تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على الطبيعة ، وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة » وهذا الكلام صريح في أنّه جعل الاعتقاد بهذه السلطة ملازماً للاعتقاد بالألوهية ، وعلى ضوء ذلك فكل من اعتقد في واحد من الصالحين بأنّ له تلك السلطة فهو معتقد بألوهيته ، فيصبح دعاؤه عبادة ، والداعي عابداً له.
وهو مردود من وجهين :
أولا : إنّ التصور الّذي لأجله يدعو الإنسان الإله ، لا ينحصر في تصوّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة ، بل يكفي الاعتقاد بكونه مالكاً للشفاعة والمغفرة ، كما كان عليه فريق من عرب الجاهلية ، إذ كانوا يعتقدون في شأن أصنامهم بأنّها آلهتهم لأنّها تملك الشفاعة والمغفرة ، وهو غير القول بوجود السلطة على عالم التكوين ، وبذلك يظهر الضعف في كلام آخر له ، حيث يقول :
« إنّ كلا من السلطة والألوهية تستلزم الأُخرى ».
والحال أنّ الإعتقاد بالألوهية أعمّ من الاعتقاد بالسلطة ، فلو افترضنا أن الاعتقاد بالسلطة يستلزم الألوهية ، ولكن الاعتقاد بالألوهية لا يستلزم الاعتقاد بالسلطة ، بل يكفي أن يعتقد أنّ المدعو يملك مقام الشفاعة والمغفرة ، أو شأناً من شؤونه سبحانه.
وثانياً : إنّ الاعتقاد بالسلطة إنّما يستلزم الاعتقاد بالألوهية إذا كان ينطوي على الاعتقاد بأنّه فوّضت إليه تلك السلطة تفويضاً ، بحيث يقوم بأعمالها باختياره من دون استئذان من اللّه سبحانه واعتماد عليه ، وعلى ضوء ذلك لا يكون الاعتقاد بها ـ إذا كان إعمال تلك السلطة بإذن اللّه ـ ملازماً للاعتقاد بالألوهية ، وإلاّ وجب أن لا نسجّل أحداً من المسلمين المعتقدين بالقرآن في ديوان الموحدين ، فإنّه يثبت ليوسف وموسى وسليمان والمسيح ، بل لأناس آخرين ليسوا بأنبياء سلطة غيبية. هذا قوله سبحانه في قصة سليمان : ( قال يَا أيُّها المَلأ أيُّكُم يَأتِيني بِعَرْشِها قَبْلَ أن يَأتُوني مُسلِمينَ * قال عِفْريتٌ مِنَ الجنّ أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أمينُ * قَالَ الّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْك طَرْفُكَ فَلَمّا رَآه مُستَقرّاً عَندَهُ قَالَ هَذَا مَنْ فَضلَ رَبّي لِيَبْلُوني أأشْكُرُ أم أكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ رَبَّي غَنِىٌّ كَرِيمٌ ).
ولا يرتاب أحد في أنّ سليمان سأل ما سأل بعد اعتقاده بكونهم أصحاب السلطة الغيبية ،
أفيصح للمودودي أن يرمي ذلك النبي العظيم بما لا يليق بساحته ، بل لا يحتمل في حقه؟.
إنّ الذكر الحكيم يثبت ـ لسليمان ـ نفسه سلطة غيبية ، وأنّه كان له سلطة على الجن والطير حتّى أصبحا من جنوده ، كما يقول : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنودُهُ مِنَ الجِنّ وَ الإنسِ وَ الطّيرِ ... ).
وكانت له السلطة على عالم الحيوانات حتّى أنّه كان يخاطبهم ويطلب منهم تنفيذ أوامره ، كما يقول : ( وَ تَفَقَّدَ الطّيرَ فَقالَ مَاليَ لا أرَى الهُدْهُدَ أم كَانَ مِنَ الغَائَبينَ * لاُعذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَديداً أو لأَذْبَحَنَّهُ أوْ لَيَأتِيَنىّ بِسُلطان مُبين ) ،
وكانت له السلطة على الجن ، فكانوا يعملون بأمره وإرادته ، كما يقول : ( وَ مِنَ الجنّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَإذْنِ رَبَّهِ ... يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ ... ) ،
وكانت له السلطة على الريح أيما تسليط كما يقول : ( وَ لِسُلَيَْمانَ الرّيحَ عاصَفَةً تَجْرِيَ بأَمْرِهِ ) .
وعلى أىّ تقدير فايّة سلطة أعظم وأوضح من هذه السلطة الّتي كانت لسليمان؟
والجدير بالذكر أنّ بعض الآيات صرحت بأنّ كل هذه الأُمور غير العادية كانت تتحقق بأمره.
هذا ما ذكره القرآن في حق سليمان ، وقد ذكر نظيره في حق غير واحد من الأنبياء ،
لاحظ الآيات فكيف يكون الاعتقاد بالسلطة الغيبية المهيمنة على الطبيعة على وجه الإطلاق ملازماً للاعتقاد بالألوهية ؟
==============================
2 ـ هل طلب قضاء الحاجة بأسباب غير طبيعية معيار للشرك ؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
يرى المودودي ان التوسل بالأسباب الطبيعية ليس بشرك ، أمّا طلب الحاجة وإنجازها بأسباب غيرها فهو يلازم الشرك. يقول : فالمرء إذا كان أصابه العطش فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء ، لا يطلق عليه حكم الدعاء ، ولا أن الرجل اتخذ إلهاً ، وذلك أنّ كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب ، ولكن إذا استغاث بولىّ في هذا الحال فلا شك أنّه دعاه لتفريج الكربة واتّخذه إلهاً ، فكأنّي به يراه سميعاً بصيراً ، ويزعم أنّ له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب مما يجعله قادراً على أن يقوم بإبلاغه الماء ، أو شفائه من المرض.
أقول : إنّ ما ذكره صورة أُخرى للمعيار الأول ، وكلاهما وجهان لعملة واحدة ، فإنّ طلب التوسل بالأسباب غير الطبيعية لا ينفك عن الاعتقاد بكونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة.
يلاحظ عليه : أنّ المودودي تصوّر أنّ طلب التوسل بالأسباب الطبيعية ليس بشرك ، وإنّما الشرك هو طلب التوسل بغيرها. والحال أنّ كلا منهما على وجهين : فلو تصوّر أنّ القائم بعمل على وفق الأُصول الطبيعية ، إنّما يقوم به عند نفسه وباقتدار مستقل من دون اعتماد على اقداره سبحانه واستئذان منه ، فقد اعتقد بألوهيته وطلب فعل الإله من غيره ، وأمّا إذا اعتقد أنّ الخادم يحضر الماء بقدرة مكتسبة واستئذان منه فهو نفس التوحيد. ومثله الكلام في الأسباب غير الطبيعية ،
فلا شك أنّ أُمة المسيح كانوا يعتقدون في حقه ـ بعدما رأوا الآيات والمعجزات منه ـ أنّ له سلطة غيبية ، وكانوا يسألونه إبراء مرضاهم وإحياء موتاهم ،
أفهل يتصوّر أنّ سؤالهم هذا كان شركاً؟
وأنّ المسيح كان مجيباً لدعوتهم الشركية؟!
فمن ذا الّذي يسمع قول المسيح بين بني إسرائيل : ( أنّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطّيرِ فَأنْفُخُ فِيْهِ فَيَكُونُ طَيراً بإذنِ اللّهِ و أُبْرَىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ و أُحيِ المَوْتى بِإذنِ اللّهِ وأُنَبِّئُكُم بِما تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم إنَّ في ذَلِكَ لآيةً لَكُمْ إنْ كُنْتُم مُؤمِنينَ ) .
فَمَنْ ذا الّذي يسمع كلامه هذا ـ ولا يعتقد بسلطته الغيبية؟ ولا يسأله كشف الكرب والملمات بإذنه سبحانه؟ أفيصح للمودودي أن يتّهم أُمة المسيح وفيهم الحواريون الذين أُنزلت عليهم مائدة من السماء ومدحهم سبحانه في الذكر الحيكم (2)بالشرك ؟
هذا هو الذكر الحكيم ينقل عن السامري قوله : ( بَصُرْتُ بِما لَمْ يِبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَ كَذَلِكَ سَوَّلَتْ لي نَفْسي ) (3).
وهو يعطي أنّ السامري توسّل بالتراب المأخوذ من أثر الرسول ، وكان له أثر خاص في إخراج العجل الّذي كان له خوار. فلو اعتقد المسلم ـ تبعاً للقرآن ـ بأنه توسل باسباب غير طبيعية لإضلال قومه ، فهل يصحّ اتهامه بالشرك؟.
وبالجملة : ليس الاعتقاد بالسلطة الغيبية في مقابل الاعتقاد بالسلطة العادية ، كما وليس التوسل بالأسباب غير العادية في مقابل التوسل بالأسباب العادية ، معيارين للتوحيد والشرك ، بل كل واحد منهما يمكن أن يقع على وجهين ، فعلى وجه يوافق الأُصول التوحيدية ، وعلى آخر يخالفها.
============================
3 ـ هل الموت والحياة ملاكان للتوحيد والشرك؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
يظهر من الوهابيين أنهم يجوّزون استغاثة الأحياء ، وفي الوقت نفسه يرون استغاثة الأموات شركاً. يقول محمد بن عبدالوهاب : وهذا جائز في الدنيا والآخرة أن تأتي رجلا صالحاً تقول له : ادع اللّه لي ، كما كان أصحاب الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) يسألونه في حياته ، وأمّا بعد مماته فحاشا وكلاّ أن يكونوا سألوا ذلك ، بل أنكر السلف على من قصد دعاء اللّه عند قبره ، فكيف بدعاء نفسه .
عجيب جداً أن يكون عمل محدد ومشخّص إذا طلب من الحي ، نفس التوحيد ، وإذ طلب من الميت يكون عين الشرك. إنّ القرآن ينقل عن بعض شيعة موسى ويقول : ( فاسْتَغَاثَهُ الّذي مِنْ شِيَعتِه عَلَى الّذي من عَدوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوْسى فَقَضى عَلَيْهِ ) فنفس هذه الاستغاثة في حال الحياة ، يتصور على وجهين ، يحكم على أحدهما أنه موافق لأصول التوحيد ، وعلى الآخر بخلافها!!
إنّ هذه الاستغاثة إنما تكون على وفق التوحيد إذا اعتقد أنّ موسى في حال حياته يقوم بالاغاثة بقدرة مكتسبة وإذن منه سبحانه ، ولو اعتقد بأصالته في إغاثة المستغيث فقد اعتقد بألوهيته ، فإذا كان هذا هو المعيار في الاستغاثة من الحي ، فليكن هذا هو المعيار عند الاستمداد بالأرواح المقدسة العالمة الشاعرة حسب أخبار القرآن ( أو الأموات ) على زعم الوهابيين.
فلو فرضنا أنّ أحداً من شيعة موسى استغاث به بعد خروج روحه الشريف عن بدنه على نحو الاستغاثة الأُولى ،
فهل يتصوّر أنّه أشرك باللّه؟
وأنّه عبد موسى لاعتقاده أنّه يغيث المستغيث حياً وميتاً؟.
ولو كانت حياة المستغاث ومماته معياراً ، فإنّما يصحّ أن يكون معياراً في الجدوائية وخلافها ، لا في الشرك و التوحيد.
وبذلك تقف على ضعف كلام تلميذ ابن تيمية حيث يقول : « و من أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإنّ الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً » .
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من الدليلين لا يثبت مدّعاه ، لأنّ قوله : « فإنّ الميت قد انقطع عمله » على فرض صحته ، يثبت عدم الفائدة في الاستغاثة بالميت ، لا انّه شرك ، وأمّا قوله : « ولا يملك نفسه ضراً ولا نفعاً » فهو جار في الحي والميت ، فليس في صفحة الوجود من يملك لنفسه شيئاً ، فإنما يملك بإذنه وإراته سواء أكان حياً أم ميتاً ، ومع الإذن الإلهي يقدرون على إيصال النفع والضر أحياءً وأمواتاً.
هذا كلام التلميذ ، فهلمّ ندرس كلام أُستاذه ابن تيمية وهو يقول : كل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعاً من الإلهية وجعل يقول : يا سيدي فلان أنصرني وأغثني ... فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه ، فإن تاب ، وإلاّ قتل .
يلاحظ عليه : أنّ الإستغاثة بالأموات ـ حسب تعبير الوهابيين ، أو الأرواح المقدسة حسب تعبيرنا ـ إذا كانت ملازمة للاعتقاد بنوع من الألوهية ، يلزم أن تكون الاستغاثة بالأحياء ملازمةً لذلك ، لأنّ حياة المستغاث ومماته حدّ لجدوائية الاستغاثة وعدمها ، وليس حداً للتوحيد والشرك ، في حين أنّ الاستغاثة بالحي تعد من أشد الضروريات للحياة الاجتماعية.
وهناك كلام آخر له هلم معي نستمع إليه يقول :
« والذين يدعون مع اللّه ألهة أخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا يعتقدون أنّها تخلق الخلائق ، أو تنزل المطر ، وإنّما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم ، أو يعبدون صورهم; يقولون : ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إى اللّه زلفى ، أو هؤلاء شفعاؤنا » .
إنّ قياس استغاثة المسلمين بما يقوم به المسيحيون والوثنيون ، والخلط بينهما ابتعاد عن الموضوعية ، لأنّ المسيحيين يعتقدون بألوهية المسيح ، والوثنيين يعتقدون بتملّك الأوثان مقام الشفاعة والمغفرة ، بل مقام التصرف في الكون كإرسال الأمطار على ما نقله ابن هشام ولأجل هذا الاعتقاد كان طلبهم واستغاثتهم بالمسيح والأوثان عبادة لها.
وأمّا استغاثة المسلمين بالأرواح المقدّسة فخالية من هذه الشوائب فعندئذ ، لا يكون شركاً ولا عبادة ، بل استغاثة بعبد لا يقوم بشيء إلاّ بإذنه سبحانه ، فإن أذن أجاب ، وإن لم يأذن سكت ،
فما معنى توصيف هذا بالشرك ؟
===========================
4 ـ هل القدرة والعجز حدان للتوحيد والشرك ؟ (http://www.rafed.net/books/aqaed/almelal-wa-alnahal-4/index.html)
وهناك معيار مزعوم آخر يظهر من كلمات ابن تيمية ، وهو أنّ قدرة المستغاث على تحقيق الحاجة يوجب أن لا يكون الطلب شركاً ولكن عجزه عن قضاء الحاجة يضفي على الطلب لون الشرك ، يقول ابن تيمية : « مَنْ يأتي إلى قبر نبيى أو صالح ويسأل حاجته ويستنجد به ، مثل أن يسأله أن يزيل مرضه ويقضي دينه ، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلاّ اللّه عزّوجلّ. فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلاّ قتل » .
وليس هذا ملاكاً جديداً بل هو وجه آخر للملاك السابق ، غير أنّه عبّر في السابق بموت المستغاث وحياته ، وهنا بالعجز والقدرة ، يقول الصنعاني :
« الاستغاثة بالمخلوقين في ما يقدرون عليه مما لا ينكرها أحد ، وإنّما الكلام في استغاثة القبوريين وغيرهم بأوليائهم ، وطلبهم منهم أُموراً لا يقدر عليها إلاّ اللّه تعالى ، من عافية المرض وغيرها ، وقد قالت أُم سليم : يا رسول اللّه. خادمك أنس ، ادع اللّه له ، وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء منه وهو حي ، وهذا أمبر متفق على جوازه ، والكلام في طلب القبوريين من الأموات أو من الأحياء أن يشفوا مرضاهم ويردوا غائبهم ، ونحو ذلك من المطالب الّتي لا يقدر عليها إلاّ اللّه » . وعلى أىّ تقدير ، فسواء أكان هذا وجهاً آخر للملاك السابق أم ملاكاً آخر بقرينة عطف الأحياء على الأموات في هذا الكلام ، فليست القدرة والعجز ملاكين للتوحيد والشرك ، وإنّما هما ملاك الجدوائية وعدمها.
================================================