مكتب النجاتي
08-09-2008, 12:07 PM
الشيخ النجاتي يجيب على أسئلةٍ حول ولاية الفقيه وتداعيات مقابلة الوسط
على هامش مقابلة (الوسط) ولاية الفقيه وقضايا مهمة أخرى سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي يجيب على أسئلة السيدة يسرى الموسوي
· النموذج الإيراني مفخرة من مفاخر الإسلام.
· ولاية الفقيه أصل من الأصول الفقهية.
· ولاية الفقيه لا تتحدد بحدود جغرافية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مولانا, هذه مجموعةٌ من الأسئلة قد تكون مكررةً في المضمون, وضعتها بين أيديكم بناءً على ما قد يتسائل عنه البعض حول ما جاء في مقابلتكم مع جريدة (الوسط) بيوم الاثنين بتاريخ 19/محرم الحرام/1429ﻫ الموافق 29/1/2008م، وقد أحبَّ جمعٌ من المؤمنين الاطِّلاع على وجهات نظركم - بشكلٍ دقيق - حول ما جاء فيها, وذلك منعاً للمغرضين من تشويه وتحريف ما ذكرتموه في المقابلة من القضايا المهمة التي تناولت القضايا المهمة للوطن والدفاع عن حقوق الناس ومطالبهم السياسية وقضاياهم العادلة, فلو تفضلتم بالإجابة عليها ربّما كان مناسباً ونافعا، وفيه رضاً لله تعالى ولرسوله (ص) وأهل بيته (ع), ومصلحةً للوطن.
السيدة يسرى الموسوي
مديرة حوزة النور الأكاديمية النسائية
11/صفر الخير/1429ﻫ - 19/2/2008م
1- فهم البعض من تصريحاتكم في المقابلة أنكم ترفضون ولاية الفقيه والنموذج المطبق في جمهورية إيران الإسلامية, هل هذا الفهم صحيح ؟
الجواب:
أ- هذا الفهم بعيدٌ عما ذكرناه في المقابلة بُعد السماء عن الأرض, ولا علاقة بينهما أصلا, إنّ النموذج المطبق هناك يُعتبر من مفاخر الإسلام والمسلمين, ويُعتبر من أروع انجازات الإسلام في تاريخه, ولم يحصل بعد عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (ع) نظيراً له في التاريخ, فكيف يمكن رفض ذاك النموذج الذي يعتز به الإسلام ونعتبره من المفاخر، وكيف يمكن رفض ذلك النموذج الذي هو مورد نظر ولي الله الأعظم إمامنا المهدي (صلوات الله وسلامه عليه، وروحي فداه فداه فداه) والمشمول لعنايته وأدعيته المباركة؟! وكفى للفقهاء فخراً أن تمكّنوا من تحقيق ذلك النموذج.
ب- وأما نظرية ولاية الفقيه فهي الأخرى من مفاخرنا, ولا يوجد فقيهٌ من فقهاء مذهب أهل البيت (ع) إلا ويقول بها, وإن اختلفوا في تحديد حدود الولاية, وأما نحن فنرى أنّ ولاية الفقيه عامةٌ وليست محدودةٌ وخاصة.
وقد أوضحنا هذه النقطة في الجواب على أسئلةٍ كثيرةٍ قد نُشرت في مجلة (الحكمة) طيلة السنين الماضية, يمكن الاطّلاع عليها بالمراجعة.
ت- وإنما الذي طرح في المقابلة أن هناك أطرافاً مشبوهةً في البلد تتهم علماء الدين والتيار الإسلامي في البلد عموماً بأنهم يسعون لتطبيق النموذج الإيراني هنا, وذلك بهدف المنع من أي تعاطفٍ من المؤسسات الدولية مع قضيتنا العادلة في البحرين, حيث نعيش الظلامة في جميع مرافق الحياة, فكان الجواب أن هذه ليست إلا تهمةً كاذبةً فالعلماء ليسو بهذا الصدد, وإنما هم بصدد تحقيق العدالة بين المواطنين ووضع الحكومة أمام مسؤولياتها في التوقف عن التمييز الطائفي, والتمكين من اقرار الشعب لدستوره العادل, وتجميد مشروع البندر, والتوقف عن التعذيب والهجوم على النساء وبيوت الآمنين بمسيلات الدموع, والتوقف عن التجنيس السياسي, وغير ذلك من المطالب العادلة المعروفة.
فلم يكن المطروح رفض ذلك النموذج, وإنما إن تطبيق ذلك ليس من أجندة العلماء في البلد.
عندما تَعايش أئمة أهل البيت (ع) مع الحكومات هل كان معنى ذلك قبولهم نظرياً بتلك الخلافات ؟ ! كلا, بل رأوا أن المصلحة العامة في التعايش.
وعندما يتأخر أمامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه, وروحي فداه فداه فداه) في الخروج هل لأنه راضٍ عن الوضع القائم ؟!
كلا وألف كلا, بل لأنه يرى المصلحة فعلاً في التعايش, ولأن شرائط الظهور وأرضيته لم تتوفر بعد، ولو كان يصح له الخروج ولو كانت الأرضية مهيأة لما تأخَّر حتى لحظةً واحدة، لكن على المؤمنين انتظار الفرج والعمل على تهيئة مقدمات الظهور إن شاء الله تعالى.
وعنما تعايش علماؤنا وفقهاؤنا طول التاريخ مع الحكومات، هل لأنهم كانوا نظرياً يؤمنون بسلامة الوضع، ويرفضون الطرح الإسلامي؟ كلا وألف كلا..
وعندما يتعايش سماحة آية الله العظمى السيستاني (دام ظله) مع النموذج الذي أُقيم الآن في العراق هل لأنه يرفض النموذج الإسلامي الخالص ؟! كلا وألف كلا..
وعندما يتعايش حزب الله في لبنان مع الدستور اللبناني هل لأنه يرفض النموذج الإسلامي نظريا ؟! كلا وألف كلا؟؟
والخلاصة: إن المطروح في المقابلة ليس إلا الحديث عن الجانب العملي وليس المعتقدات النظرية, وليس إلا إننا مستعدون للقبول بالطرح الذي يضمن العدالة والكرامة لنا, وليس إلا إننا مستعدون للتعايش مع كل المواطنين والطوائف والتوجهات شريطة العدالة.
2- هل ترون أن ولاية الفقيه لا تمثل أصلاً من أصول الشيعة, وما هو موقف أغلب الفقهاء في الإلتزام بها نظرياً وعمليا ؟
الجواب: لا شك أنها من أهم الأصول الفقهية, وسبق في جواب السؤال المتقدم أن جميع فقهائنا يقولون بهذه النظرية, وإن اختلفوا في تحديد حدودها, هذا نظريا.
واذا كانوا يؤمنون بها نظرياً فكيف لا يلتزمون بها عمليا ؟!
نعم قد لا يتصدون لتطبيقها, لتشخيصهم عدم المصلحة في التصدي لذلك, كما رأى أئمة أهل البيت (ع) أيضاً هذه المصلحة في حياتهم, فلم يتصدوا لتطبيق ولايتهم, لعدم وجوب ذلك مع عدم تهيؤ الظروف المساعدة, ولو بسبب عدم توفر الامكانيات اللازمة لتحقيق ذلك.
3- هناك ادّعاءٌ بأن الالتزام العملي بولاية الفقيه المطلقة يعني الخروج على الأنظمة الحاكمة, وذلك لأن ولاية الفقيه تعني تفويض الحكم للولي الفقيه فما ترون ؟
الجواب: نعم, الالتزام العملي بالقرارات الحكومية الصادرة عنه سيجرّ إلى ذلك, فإذا لم يكن ذلك من المصلحة مطلقا, وكانت المصلحة العامة في التعايش فالنتيجة أنه لا يجب الالتزام العملي, ولذلك حتى ولاية الفقيه القائمة لا ترى وجوباً لهذا الالتزام العملي.
4- حدود ولاية الفقيه المطلقة هل تعني الحكومة المطلقة للفقيه التي لا تحدها حدود ؟
الجواب: لا تعني ذلك اطلاقا, بل الولاية المطلقة مقيدةٌ في نفوذ قراراتها شرعاً بأمور وحدودٍ أهمها:
أ- رعاية الضوابط الشرعية, وتطابق القرارات معها.
ب- رعاية المصلحة العامة واقتضاءتها.
ت- التشاور في الأمور مع الخبراء الصلحاء من أصحاب التوجهات والمدارس المختلفة.
5- نظرياً الولاية المطبقة في إيران هل تسري فقط على الداخل الإيراني أم على الشيعة في جميع أنحاء العالم ؟
الجواب: نظرياً ولاية الفقيه لا تتحدد بالحدود الجغرافية, إلا أن لا تكون هناك مصلحةٌ عامة - بأي سببٍ كان - في أن يتصدى الولي الفقيه لأعمال الولاية في الخارج, فلا تتوسع الولاية حينئذ.
لكن هذا كله بحثٌ نظريٌ ولا علاقة له بالحالة القائمة إطلاقا.
6- عملياً هل يطبق الولي الفقيه ولايته المطلقة في الشؤون العامة على البلدان الأخرى, أم يراعي في أحكامه الحدود الجغرافية والأنظمة والقوانين الحاكمة فيها حفاظاً على المصلحة العامة ؟
الجواب: الجانب العملي مرتبطٌ تمام الارتباط بالجانب النظري, فلولاية الفقيه القائمة - في أيّ زمانٍ أو مكانٍ كان - تعميم وتوسيع ولايته إلا في الحالة المشار إليها في جواب السؤال السابق, فلا يصح فيهما التعميم والتوسّع.
والولاية القائمة فعلاً لا تطبق الولاية على الخارج لعدم المصلحة في ذلك.
7- النموذج المطبق حالياً لولاية الفقيه ألا يمثل عزةً وقوةً للإسلام والمسلمين سنةً وشيعة, وقيمةً دينيةً ينبغي الدفاع عنها وعدم تضعيفها ؟
الجواب: لا شك في أنها تمثل عزةً وقوةٌ وفخراً للجميع, ولا يجوز شرعاً - وبأيّ وجهٍ من الوجوه وتحت أيّ غطاءٍ وعنوان - تضعيفها, ومن هنا قلنا منذ سنين لا مصلحة في التطبير, لأنه يمثل تضعيفاً لكلمتها.
8- ما ذكرتموه في المقابلة من أنكم تطالبون بتطبيق النموذج الديمقراطي البريطاني أو الأمريكي في البحرين لإدارة الحكم, ألا يفهم منه:
أ- إنه دعوةٌ صريحةٌ من فقيهٍ لفصل الدين عن السياسة ؟
ب- عدم صلاحية الدين والذي يحوي النظام الإلهي الأكمل في لإدارة الدولة وإدارة الحياة, وفي المقابل قدرة وأهلية الأنظمة الوضعية الأخرى القاصرة في إدارة شؤون الحكم والبلاد ؟
ت- ضمناً تخفيض سطح المطالب السياسية وقبولنا بالأقل ألا يفتح الباب أمام تنازلاتٍ أكبر وأعمق؟
الجواب:
1- كل كلامٍ يجب أن يفهم ضمن السياق العام للحديث, وضمن مجمل المداولات والحوارات القائمة في البلد, لا ببتره وتقطيع أوصاله عن بقية عناصره وقطعه عن القرائن الحالية والمقالية والزمانية والمكانية القائمة.
هذا الكلام إنما قيل في سياق حديثٍ ذُكرت فيه أمور, وفي بلدٍ يعيش وضعاً خاصاً به, وكل هذه العناصر يجب أن تُؤخذ في فهم الكلام وتحليله, ومن لا تتوفر فيه أهلية الفهم عليه أن يرجع إلى المتخصصين, لأن هذا الكلام لم يكن لمخاطبة مجموعةٍ صغيرةٍ ومحدودة, بل هو لمخاطبة الداخل والعالم كله بما فيه من المتخصصين والمحللين كي يتضح الوضع الذي نعيشه.
2- نحن لم نطالب بذلك طلباً ابتدائيا, وإنما قلنا ذلك حتى نوضح للعالم كله أن السلطة السياسية في البلد غير مستعدةٍ لمنح المواطنين أيّ نموذجٍٍ من النماذج الديمقراطية القائمة في العالم, وإنما منهجها الانفراد بالحكم.
ولذا قلنا: أنتم تتهمون علماء الدين والتيار الديني أنه يسعى وراء تطبيق النموذج الإيراني, خيراً نحن لا نريد هذا النموذج, لكن ما هو النموذج الذي أنتم تحترمونه وتقدرونه ؟
سيقولون: النموذج البريطاني أو الأمريكي, ولذا طالب الميثاق صريحاً بتطبيق نموذج الديمقراطيات العريقة في البلد, وأوضح مثالٍ في العالم للديمقراطية العريقة هو النموذج المُطبق في هذين البلدين..
لذا قلنا لهم: خيراً تفضلوا وطبقوا هذين النموذجين, لا من باب المطالبة الابتدائية بهما, بل لنوضح للعالم أنهم غير مستعدين لتطبيق حتى هذين النموذجين اللذين يدّعون الإيمان بهما واللذين ألزمهم الميثاق به.
ولنوضح أن السلطة لا تريد أن تعطي الشعب أيّ نموذجٍ لا الإيراني ولا البريطاني ولا الأمريكي ولا غير ذلك, وغير مستعدةٍ للالتزام بتعهداتها الواجبة عليها بموجب الميثاق الذي هو عهدٌ ثنائيٌ بين طرفين الشعب والسلطة, وإنما تريد الانفراد بالحكم وعدم مشاركة الشعب في القرار, وأنها لا تتعامل مع الناس إلا باللف والدوران.
فإذا قيل لها: تفضلوا وطبقوا البريطاني والأمريكي.
قالوا: لا, الإيراني أقرب إلى الإسلام.
وإذا قيل لهم: إذاً تفضلوا وطبقوا الإيراني.
قالوا: لا، نحن بلدٌ مختلف...
فماذا تريدون أن تطبقوا ؟!
هل ديمقراطية الاستجداء..وثقافة الذل, هل تريدون أن تفرضوا فهمكم على غالبية الناس, بأيّ شريعةٍ ودينٍ يجوز لكم ذلك, وبأيّ ديمقراطية, أين ذهبت إلتزامات الميثاق ؟ !
والخلاصة: إن تلك المطالبة لم تأت إلا في سياق كشف حقيقة ما تفعلة السلطة مع الناس للرأي العام, وكشف مدى إلتزامها بواجبات الميثاق, وليس حرصاً على تلك النماذج وتفضيلاً لها, والعقلاء والمحللون فهموا معنى الكلام ومغزاه.
3- وهكذا يتضح جلياً أن المطالبة المذكورة لا علاقة لها من قريبٍ أو بعيدٍ بمسألة فصل الدين عن السياسة, وإنما هي مطالبةٌ سياسيةٌ لكشف حقيقة نوايا السلطة.
كيف ! ومن الواضح جدّاً أن الدين غير منفصلٍ عن السياسية, بل الدين عين السياسة النظيفة, والسياسة النظيفة وسيلةٌ لتحقيق مطالب الأنبياء (عليهم السلام), وحينئذٍ هل من المعقول أن نطالب بالفصل ؟؟ !!
4- وأيضاً المطالبة المذكورة لا علاقة لها بمسألة نفي صلاحية الدين - والذي يحوي النظام الإلهي الأكمل في إدارة الدولة, وفي المقابل قدرة وأهلية الأنظمة الوضعية الأخرى القاصرة في إدارة شؤون الحكم والبلاد – كما جاء في السؤال.
فصلاحية الدين لإدارة جميع شؤون الحياة من أبده البديهيات, فكيف يمكن أن نقول غير ذلك, إنما المطالبة التي طرحناها جاء في سياقٍ آخر كما شرحناه, وبين ما قلناه وبين هذا الفهم بُعد المشرقين.
5- كما لا علاقة للمطالبة المذكورة بتخفيض سطح المطالب السياسية, وأن قبولنا بالأقل سيفتح الباب أمام تنازلاتٍ أكبر وأعمق, كما جاء في السؤال.
فالمطالبة جاء في سياقٍٍ آخر, وليس في سياق التنازلات.
على أن تلك المطالبة إنما جائت في سياق مطالبة السلطة الساسية بواجباتها وتعهداتها بموجب الميثاق, حيث أوجب الميثاق على السلطة إقامة نموذج الديمقراطيات العريقة في البلد, فكيف يُسمى ذلك تنازلاً وهو مطلب الميثاق الذي صوّت له الناس بنسبةٍ عالية, ولم أنصح الناس بأن يُصوتوا له..
على هامش مقابلة (الوسط) ولاية الفقيه وقضايا مهمة أخرى سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي يجيب على أسئلة السيدة يسرى الموسوي
· النموذج الإيراني مفخرة من مفاخر الإسلام.
· ولاية الفقيه أصل من الأصول الفقهية.
· ولاية الفقيه لا تتحدد بحدود جغرافية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مولانا, هذه مجموعةٌ من الأسئلة قد تكون مكررةً في المضمون, وضعتها بين أيديكم بناءً على ما قد يتسائل عنه البعض حول ما جاء في مقابلتكم مع جريدة (الوسط) بيوم الاثنين بتاريخ 19/محرم الحرام/1429ﻫ الموافق 29/1/2008م، وقد أحبَّ جمعٌ من المؤمنين الاطِّلاع على وجهات نظركم - بشكلٍ دقيق - حول ما جاء فيها, وذلك منعاً للمغرضين من تشويه وتحريف ما ذكرتموه في المقابلة من القضايا المهمة التي تناولت القضايا المهمة للوطن والدفاع عن حقوق الناس ومطالبهم السياسية وقضاياهم العادلة, فلو تفضلتم بالإجابة عليها ربّما كان مناسباً ونافعا، وفيه رضاً لله تعالى ولرسوله (ص) وأهل بيته (ع), ومصلحةً للوطن.
السيدة يسرى الموسوي
مديرة حوزة النور الأكاديمية النسائية
11/صفر الخير/1429ﻫ - 19/2/2008م
1- فهم البعض من تصريحاتكم في المقابلة أنكم ترفضون ولاية الفقيه والنموذج المطبق في جمهورية إيران الإسلامية, هل هذا الفهم صحيح ؟
الجواب:
أ- هذا الفهم بعيدٌ عما ذكرناه في المقابلة بُعد السماء عن الأرض, ولا علاقة بينهما أصلا, إنّ النموذج المطبق هناك يُعتبر من مفاخر الإسلام والمسلمين, ويُعتبر من أروع انجازات الإسلام في تاريخه, ولم يحصل بعد عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (ع) نظيراً له في التاريخ, فكيف يمكن رفض ذاك النموذج الذي يعتز به الإسلام ونعتبره من المفاخر، وكيف يمكن رفض ذلك النموذج الذي هو مورد نظر ولي الله الأعظم إمامنا المهدي (صلوات الله وسلامه عليه، وروحي فداه فداه فداه) والمشمول لعنايته وأدعيته المباركة؟! وكفى للفقهاء فخراً أن تمكّنوا من تحقيق ذلك النموذج.
ب- وأما نظرية ولاية الفقيه فهي الأخرى من مفاخرنا, ولا يوجد فقيهٌ من فقهاء مذهب أهل البيت (ع) إلا ويقول بها, وإن اختلفوا في تحديد حدود الولاية, وأما نحن فنرى أنّ ولاية الفقيه عامةٌ وليست محدودةٌ وخاصة.
وقد أوضحنا هذه النقطة في الجواب على أسئلةٍ كثيرةٍ قد نُشرت في مجلة (الحكمة) طيلة السنين الماضية, يمكن الاطّلاع عليها بالمراجعة.
ت- وإنما الذي طرح في المقابلة أن هناك أطرافاً مشبوهةً في البلد تتهم علماء الدين والتيار الإسلامي في البلد عموماً بأنهم يسعون لتطبيق النموذج الإيراني هنا, وذلك بهدف المنع من أي تعاطفٍ من المؤسسات الدولية مع قضيتنا العادلة في البحرين, حيث نعيش الظلامة في جميع مرافق الحياة, فكان الجواب أن هذه ليست إلا تهمةً كاذبةً فالعلماء ليسو بهذا الصدد, وإنما هم بصدد تحقيق العدالة بين المواطنين ووضع الحكومة أمام مسؤولياتها في التوقف عن التمييز الطائفي, والتمكين من اقرار الشعب لدستوره العادل, وتجميد مشروع البندر, والتوقف عن التعذيب والهجوم على النساء وبيوت الآمنين بمسيلات الدموع, والتوقف عن التجنيس السياسي, وغير ذلك من المطالب العادلة المعروفة.
فلم يكن المطروح رفض ذلك النموذج, وإنما إن تطبيق ذلك ليس من أجندة العلماء في البلد.
عندما تَعايش أئمة أهل البيت (ع) مع الحكومات هل كان معنى ذلك قبولهم نظرياً بتلك الخلافات ؟ ! كلا, بل رأوا أن المصلحة العامة في التعايش.
وعندما يتأخر أمامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه, وروحي فداه فداه فداه) في الخروج هل لأنه راضٍ عن الوضع القائم ؟!
كلا وألف كلا, بل لأنه يرى المصلحة فعلاً في التعايش, ولأن شرائط الظهور وأرضيته لم تتوفر بعد، ولو كان يصح له الخروج ولو كانت الأرضية مهيأة لما تأخَّر حتى لحظةً واحدة، لكن على المؤمنين انتظار الفرج والعمل على تهيئة مقدمات الظهور إن شاء الله تعالى.
وعنما تعايش علماؤنا وفقهاؤنا طول التاريخ مع الحكومات، هل لأنهم كانوا نظرياً يؤمنون بسلامة الوضع، ويرفضون الطرح الإسلامي؟ كلا وألف كلا..
وعندما يتعايش سماحة آية الله العظمى السيستاني (دام ظله) مع النموذج الذي أُقيم الآن في العراق هل لأنه يرفض النموذج الإسلامي الخالص ؟! كلا وألف كلا..
وعندما يتعايش حزب الله في لبنان مع الدستور اللبناني هل لأنه يرفض النموذج الإسلامي نظريا ؟! كلا وألف كلا؟؟
والخلاصة: إن المطروح في المقابلة ليس إلا الحديث عن الجانب العملي وليس المعتقدات النظرية, وليس إلا إننا مستعدون للقبول بالطرح الذي يضمن العدالة والكرامة لنا, وليس إلا إننا مستعدون للتعايش مع كل المواطنين والطوائف والتوجهات شريطة العدالة.
2- هل ترون أن ولاية الفقيه لا تمثل أصلاً من أصول الشيعة, وما هو موقف أغلب الفقهاء في الإلتزام بها نظرياً وعمليا ؟
الجواب: لا شك أنها من أهم الأصول الفقهية, وسبق في جواب السؤال المتقدم أن جميع فقهائنا يقولون بهذه النظرية, وإن اختلفوا في تحديد حدودها, هذا نظريا.
واذا كانوا يؤمنون بها نظرياً فكيف لا يلتزمون بها عمليا ؟!
نعم قد لا يتصدون لتطبيقها, لتشخيصهم عدم المصلحة في التصدي لذلك, كما رأى أئمة أهل البيت (ع) أيضاً هذه المصلحة في حياتهم, فلم يتصدوا لتطبيق ولايتهم, لعدم وجوب ذلك مع عدم تهيؤ الظروف المساعدة, ولو بسبب عدم توفر الامكانيات اللازمة لتحقيق ذلك.
3- هناك ادّعاءٌ بأن الالتزام العملي بولاية الفقيه المطلقة يعني الخروج على الأنظمة الحاكمة, وذلك لأن ولاية الفقيه تعني تفويض الحكم للولي الفقيه فما ترون ؟
الجواب: نعم, الالتزام العملي بالقرارات الحكومية الصادرة عنه سيجرّ إلى ذلك, فإذا لم يكن ذلك من المصلحة مطلقا, وكانت المصلحة العامة في التعايش فالنتيجة أنه لا يجب الالتزام العملي, ولذلك حتى ولاية الفقيه القائمة لا ترى وجوباً لهذا الالتزام العملي.
4- حدود ولاية الفقيه المطلقة هل تعني الحكومة المطلقة للفقيه التي لا تحدها حدود ؟
الجواب: لا تعني ذلك اطلاقا, بل الولاية المطلقة مقيدةٌ في نفوذ قراراتها شرعاً بأمور وحدودٍ أهمها:
أ- رعاية الضوابط الشرعية, وتطابق القرارات معها.
ب- رعاية المصلحة العامة واقتضاءتها.
ت- التشاور في الأمور مع الخبراء الصلحاء من أصحاب التوجهات والمدارس المختلفة.
5- نظرياً الولاية المطبقة في إيران هل تسري فقط على الداخل الإيراني أم على الشيعة في جميع أنحاء العالم ؟
الجواب: نظرياً ولاية الفقيه لا تتحدد بالحدود الجغرافية, إلا أن لا تكون هناك مصلحةٌ عامة - بأي سببٍ كان - في أن يتصدى الولي الفقيه لأعمال الولاية في الخارج, فلا تتوسع الولاية حينئذ.
لكن هذا كله بحثٌ نظريٌ ولا علاقة له بالحالة القائمة إطلاقا.
6- عملياً هل يطبق الولي الفقيه ولايته المطلقة في الشؤون العامة على البلدان الأخرى, أم يراعي في أحكامه الحدود الجغرافية والأنظمة والقوانين الحاكمة فيها حفاظاً على المصلحة العامة ؟
الجواب: الجانب العملي مرتبطٌ تمام الارتباط بالجانب النظري, فلولاية الفقيه القائمة - في أيّ زمانٍ أو مكانٍ كان - تعميم وتوسيع ولايته إلا في الحالة المشار إليها في جواب السؤال السابق, فلا يصح فيهما التعميم والتوسّع.
والولاية القائمة فعلاً لا تطبق الولاية على الخارج لعدم المصلحة في ذلك.
7- النموذج المطبق حالياً لولاية الفقيه ألا يمثل عزةً وقوةً للإسلام والمسلمين سنةً وشيعة, وقيمةً دينيةً ينبغي الدفاع عنها وعدم تضعيفها ؟
الجواب: لا شك في أنها تمثل عزةً وقوةٌ وفخراً للجميع, ولا يجوز شرعاً - وبأيّ وجهٍ من الوجوه وتحت أيّ غطاءٍ وعنوان - تضعيفها, ومن هنا قلنا منذ سنين لا مصلحة في التطبير, لأنه يمثل تضعيفاً لكلمتها.
8- ما ذكرتموه في المقابلة من أنكم تطالبون بتطبيق النموذج الديمقراطي البريطاني أو الأمريكي في البحرين لإدارة الحكم, ألا يفهم منه:
أ- إنه دعوةٌ صريحةٌ من فقيهٍ لفصل الدين عن السياسة ؟
ب- عدم صلاحية الدين والذي يحوي النظام الإلهي الأكمل في لإدارة الدولة وإدارة الحياة, وفي المقابل قدرة وأهلية الأنظمة الوضعية الأخرى القاصرة في إدارة شؤون الحكم والبلاد ؟
ت- ضمناً تخفيض سطح المطالب السياسية وقبولنا بالأقل ألا يفتح الباب أمام تنازلاتٍ أكبر وأعمق؟
الجواب:
1- كل كلامٍ يجب أن يفهم ضمن السياق العام للحديث, وضمن مجمل المداولات والحوارات القائمة في البلد, لا ببتره وتقطيع أوصاله عن بقية عناصره وقطعه عن القرائن الحالية والمقالية والزمانية والمكانية القائمة.
هذا الكلام إنما قيل في سياق حديثٍ ذُكرت فيه أمور, وفي بلدٍ يعيش وضعاً خاصاً به, وكل هذه العناصر يجب أن تُؤخذ في فهم الكلام وتحليله, ومن لا تتوفر فيه أهلية الفهم عليه أن يرجع إلى المتخصصين, لأن هذا الكلام لم يكن لمخاطبة مجموعةٍ صغيرةٍ ومحدودة, بل هو لمخاطبة الداخل والعالم كله بما فيه من المتخصصين والمحللين كي يتضح الوضع الذي نعيشه.
2- نحن لم نطالب بذلك طلباً ابتدائيا, وإنما قلنا ذلك حتى نوضح للعالم كله أن السلطة السياسية في البلد غير مستعدةٍ لمنح المواطنين أيّ نموذجٍٍ من النماذج الديمقراطية القائمة في العالم, وإنما منهجها الانفراد بالحكم.
ولذا قلنا: أنتم تتهمون علماء الدين والتيار الديني أنه يسعى وراء تطبيق النموذج الإيراني, خيراً نحن لا نريد هذا النموذج, لكن ما هو النموذج الذي أنتم تحترمونه وتقدرونه ؟
سيقولون: النموذج البريطاني أو الأمريكي, ولذا طالب الميثاق صريحاً بتطبيق نموذج الديمقراطيات العريقة في البلد, وأوضح مثالٍ في العالم للديمقراطية العريقة هو النموذج المُطبق في هذين البلدين..
لذا قلنا لهم: خيراً تفضلوا وطبقوا هذين النموذجين, لا من باب المطالبة الابتدائية بهما, بل لنوضح للعالم أنهم غير مستعدين لتطبيق حتى هذين النموذجين اللذين يدّعون الإيمان بهما واللذين ألزمهم الميثاق به.
ولنوضح أن السلطة لا تريد أن تعطي الشعب أيّ نموذجٍ لا الإيراني ولا البريطاني ولا الأمريكي ولا غير ذلك, وغير مستعدةٍ للالتزام بتعهداتها الواجبة عليها بموجب الميثاق الذي هو عهدٌ ثنائيٌ بين طرفين الشعب والسلطة, وإنما تريد الانفراد بالحكم وعدم مشاركة الشعب في القرار, وأنها لا تتعامل مع الناس إلا باللف والدوران.
فإذا قيل لها: تفضلوا وطبقوا البريطاني والأمريكي.
قالوا: لا, الإيراني أقرب إلى الإسلام.
وإذا قيل لهم: إذاً تفضلوا وطبقوا الإيراني.
قالوا: لا، نحن بلدٌ مختلف...
فماذا تريدون أن تطبقوا ؟!
هل ديمقراطية الاستجداء..وثقافة الذل, هل تريدون أن تفرضوا فهمكم على غالبية الناس, بأيّ شريعةٍ ودينٍ يجوز لكم ذلك, وبأيّ ديمقراطية, أين ذهبت إلتزامات الميثاق ؟ !
والخلاصة: إن تلك المطالبة لم تأت إلا في سياق كشف حقيقة ما تفعلة السلطة مع الناس للرأي العام, وكشف مدى إلتزامها بواجبات الميثاق, وليس حرصاً على تلك النماذج وتفضيلاً لها, والعقلاء والمحللون فهموا معنى الكلام ومغزاه.
3- وهكذا يتضح جلياً أن المطالبة المذكورة لا علاقة لها من قريبٍ أو بعيدٍ بمسألة فصل الدين عن السياسة, وإنما هي مطالبةٌ سياسيةٌ لكشف حقيقة نوايا السلطة.
كيف ! ومن الواضح جدّاً أن الدين غير منفصلٍ عن السياسية, بل الدين عين السياسة النظيفة, والسياسة النظيفة وسيلةٌ لتحقيق مطالب الأنبياء (عليهم السلام), وحينئذٍ هل من المعقول أن نطالب بالفصل ؟؟ !!
4- وأيضاً المطالبة المذكورة لا علاقة لها بمسألة نفي صلاحية الدين - والذي يحوي النظام الإلهي الأكمل في إدارة الدولة, وفي المقابل قدرة وأهلية الأنظمة الوضعية الأخرى القاصرة في إدارة شؤون الحكم والبلاد – كما جاء في السؤال.
فصلاحية الدين لإدارة جميع شؤون الحياة من أبده البديهيات, فكيف يمكن أن نقول غير ذلك, إنما المطالبة التي طرحناها جاء في سياقٍ آخر كما شرحناه, وبين ما قلناه وبين هذا الفهم بُعد المشرقين.
5- كما لا علاقة للمطالبة المذكورة بتخفيض سطح المطالب السياسية, وأن قبولنا بالأقل سيفتح الباب أمام تنازلاتٍ أكبر وأعمق, كما جاء في السؤال.
فالمطالبة جاء في سياقٍٍ آخر, وليس في سياق التنازلات.
على أن تلك المطالبة إنما جائت في سياق مطالبة السلطة الساسية بواجباتها وتعهداتها بموجب الميثاق, حيث أوجب الميثاق على السلطة إقامة نموذج الديمقراطيات العريقة في البلد, فكيف يُسمى ذلك تنازلاً وهو مطلب الميثاق الذي صوّت له الناس بنسبةٍ عالية, ولم أنصح الناس بأن يُصوتوا له..