المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوسل في الآيات الكريمة:


الثائر العربي
10-09-2008, 10:40 PM
وأمّا الآيات التي تمسك بها الوهابيون فهي مرتبطة بالعبادة، ولا يوجد أحد يقوم بعبادة أولياء الله.
فهل توسلنا بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) تعني عبادته؟ وهل نعتقد بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)يؤثر ويكشف الكرب على نحو الاستقلال؟
فالتوسل الذي يدعو إليه القرآن الكريم هو التوسل بالوسيلة التي تقربنا إلى الله، بمعنى أنّ هؤلاء يقومون بالشفاعة عند الله، كما ذكرنا ذلك في بحث الشفاعة.
وفي الواقع أنّ حقيقة التوسل والشفاعة واحدة، فهناك آيات كثيرة تدلّ على الشفاعة، وآيتان تدلاّن على التوسل، والملفت للنظر أنّ الآية السابعة والخمسين من سورة الإسراء تقول: (أيُّهُم أقْرَبُ) حيث تخيرهم لاختيار الوسيلة الأقرب من بين الملائكة والمسيح، وضمير «هم» لجمع العاقل، يعني أنّهم يتوسلون بالصالحين وبأولياء الله.
وعلى كل حال يجب في البداية أن نوضح أنّه ما معنى التوسل بأولياء الله؟ فهل هو عبادتهم أو العبودية لهم؟
ليس كذلك قطعاً!
فهل يرون أنّ لهم استقلالاً في التأثير؟ كلاّ!
أم هل لهم قضاء الحاجات وكشف الكربات؟ كلاّ.
إنّهم يشفعون عند الله لمن توسل بهم، كما إذا أردنا الذهاب إلى منزل شخصية مرموقة لا نعرفها، فنلجأ إلى شخص تربطه بهذه الشخصية علاقة حميمة، فنتوسل إليه للذهاب معنا إلى تلك الشخصية، ليعرفنا عليها ويشفع لنا عندها.
فهذا العمل ليس عبودية، وليس استقلالاً في التأثير؟
ومن المناسب هنا أن نقرأ الكلام الجميل «لابن علوي» في كتابه المعروف «مفاهيم يجب أن تصحح» حيث يقول: لقد إلتبس على كثير من الناس فهم حقيقة التوسل، ولأجل هذا سنبين المفهوم الصحيح للتوسل حسب وجهة نظرنا، وقبل ذلك لابدّ من بيان بعض النقاط للتذكير:
1. التوسل نوع من الدعاء، وفي الواقع باب من أبواب التوجه لله سبحانه وتعالى، فإذاً المقصد والمقصود الأصلي والحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، والشخص الذي يتوسل به واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله، ومن يعتقد غير هذا فهو مشرك.
2. من يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بشخص فلأجل كون هذا الشخص محبوباً لديه ويعتقد به، ويعتقد بأنّ الله سبحانه وتعالى يحبّه، فلو فرضنا أنّه ظهر خلاف ذلك، فسيبتعد عنه كلياً وسيخالفه; لأنّ المعيار محبة الله له.
. 3-إذا توسل شخص واعتقد بأن المتوسل به يؤثر في المسائل على نحو الاستقلال وبنفسه، كما هي الحال بالنسبة لله سبحانه وتعالى، فهو شخص مشرك.
4. التوسل ليس أمراً واجباً وضرورياً، ولا تنحصر استجابة الدعاء بالتوسل، فالمهم هو الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، بأي شكل كان، كما يقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)(1).
واستعرض ابن علوي المالكي بعد ذكر هذه المقدمة آراء العلماء والفقهاء والمتكلمين من أهل السنة، فقال: لا يوجد خلاف بين المسلمين في مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، مثلاً: أن يصوم شخص أو يصلي أو يقرأ القرآن، أو يتصدّق في سبيل الله، ويتوسل بهذه الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ويتقرب بها، فهذا الأمر من المسلّمات ولا بحث فيه.
وهذا النوع من التوسل مقبول حتى من قبل السلفيين، ومن جملتهم ابن تيمية، كما هو مذكور في مجموعة من كتبه المختلفة وبالخصوص في رسالته: «القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة».
ابن تيمية صرح بجواز هذا النوع من التوسل، يعني التوسل بالأعمال الصالحة، فإذاً أين هو محل الاختلاف؟
محل الاختلاف هو في التوسل بغير الأعمال الصالحة، مثل التوسل بذوات أولياء الله، كأن يقول أحد: «اللهم إنّي أتوسل إليك بنبيّك محمّد(صلى الله عليه وآله)» وبعدها يضيف قائلاً: والاختلاف في هذا المعنى وإنكار الوهابيين للتوسل بأولياء الله، هو في الواقع نوع من الاختلاف الشكلي واللفظي، وليس خلافاً
جوهرياً، وبتعبير آخر: هو نزاع لفظي; لأن التوسل بأولياء الله يرجع في الواقع إلى توسل الإنسان بأعمال هؤلاء، وهو مشروع، فلو لاحظ المخالفون بعين الإنصاف والبصيرة لاتضح لهم الأمر بشكل واضح وجلي، والإشكال حينها سينحل، وستنطفىء نار الفتنة، ولن تصل النوبة لاتهام المسلمين بالشرك والضلال.
ويضيف بعد ذلك لتوضيح هذا الكلام: إذا توسل شخص بواحد من أولياء الله فإنّ ذلك لأجل كونه محبوباً عنده.
ولكن لماذا يكون محبوباً عنده؟
لأجل كونه رجلاً صالحاً، أو أنّه محب لله سبحانه وتعالى، أو أنّ الله سبحانه وتعالى يحبه، أو الإنسان يحب هذه الوسيلة، وعندما نتعمق في كل هذه الأمور نجد أنّها ناشئة من العمل.
يعني في الواقع أنّ التوسل حاصل بالأعمال الصالحة عند الله سبحانه وتعالى، وهذا هو المعنى المتفق عليه عند جميع المسلمين(1).
طبعاً نحن سنشير فيما بعد إلى أنّ التوسل بالأفراد مع جلالة شأنهم ليس لأجل أعمالهم، بعنوان كونهم وجهاء وعزيزين وعظماء عند الله، أو بأي دليل كان، بل لكونهم غير مستقلين بالتأثير، بل لأنّهم شفعاء عند الحضرة الإلهيّة، وهذا التوسل ليس كفراً ولا ممنوعاً.
ولقد أشارت الآيات القرآنيّة عدّة مرّات إلى هذا النوع من التوسل.
فالشرك هو أن نعتقد بأنّ هناك شيئاً له تأثير مستقل في مقابل الله، واشتباه الوهابيين هو أنّهم خلطوا بين «العبادة» و«الشفاعة» الموجودة في آية: (مَا

نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(1) وتصوّروا أنّ الشفاعة شرك أيضاً، بينما عبادة الوسائط شرك، وليس طلب الشفاعة منهم أو التوسل بهم كذلك. (تأملوا).
التوسل في الروايات الإسلاميّة:
إضافة إلى إطلاق آيات التوسل، فأي توسل لا يخالف العقائد الإسلاميّة الصحيحة يكون جائزاً، بل يعتبر مطلوباً.
وعندنا روايات كثيرة حول التوسل تصل إلى حدّ التواتر أو قريب منه.
والكثير من هذه الروايات يرتبط بالتوسل بشخص النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، فبعضها قبل ولادة النبي(صلى الله عليه وآله) وبعضها بعد ولادته وبعضها في حياته وبعضها بعد مماته.
وهناك أيضاً قسم آخر يرتبط بالتوسل بغير النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) من علماء الدين.
ونضيف: إنّ بعضها جاء بلسان الرجاء والدعاء، وبعضها بلسان طلب الشفاعة من الله، وبعضها يبين الله سبحانه وتعالى فيها مقام النبي(صلى الله عليه وآله).
والخلاصة: إننا نلاحظ جميع أقسام التوسل موجودة في هذه الروايات بشكل يسد الباب أمام جميع الذرائع التي يتمسك بها الوهابيون.
والآن نستعرض بعض الأمثلة من هذه الروايات:
1. توسل آدم بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قبل ولاته، فقد نقل الحاكم في المستدرك وجماعة آخرون من المحدثين هذا الحديث عن النبي
الأكرم(صلى الله عليه وآله) يقول: «لمَّا اقترف آدم الخطيئة قال: يَا رَبِّ اَسْألُكَ بِحَقِّ مُحَمَّد لَمَا غَفَرْتَ لِي.
فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمّداً ولم أخلقه، قال: يا ربّ لأنّك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم، إنّه لأحبّ الخلق إليَّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك»(1).
2. الحديث الآخر مرتبط بتوسل أبي طالب بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) عندما كان طفلاً، وخلاصة الحديث كما نقله ابن حجر في كتابه «فتح الباري»: عندما نزل القحط في مكة ذهبت قريش إلى أبي طالب وقالت له: أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق لنا، فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنّه شمس دجنة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ به، أي: توسل بهذا الطفل، ولا توجد في السماء قطعة من سحاب، فأقبل السحاب من هنا ومن ههنا واغدودق وانفجر له الوادي من شدة المطر وأخصب النادي والبادي. وقال أبو طالب حينها شعراً في مدح النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)من أكثر من ثمانين بيتاً منها هذا البيت:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل(2)
.3- توسل الرجل الضرير بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله): ذهب رجل ضرير إلى النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في زمن حياته، متوسلاً به فشافاه النبي(صلى الله عليه وآله) وأعاد البصر إليه(1).
وخلاصة الحديث: أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال فادعه، قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: «اللّهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمّد(صلى الله عليه وآله) نبي الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللّهم شفِّعه فيّ» فقام الرجل وفعل ما قاله الرسول(صلى الله عليه وآله).
يقول عثمان بن عمير راوي هذا الحديث: كنّا جالسين في نفس المجلس نتحدث وبعد مضي فترة إذ قدم الرجل الضرير إلى المجلس، وكان يبصر كحالته السابقة بحيث لايوجد أي أثر للعمى.
والملفت للنظر أن الكثير من كبار أهل السنّة قد صرّح بأنّ هذا الحديث صحيح، فالترمذي يصحح الحديث، وابن ماجه قال: إنّه صحيح(2)، والرفاعي قال: إنّه لا شك في أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور(3).
4. التوسل بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بعد مماته، «الدارمي» هو أحد علماء أهل السنّة المعروفين يقول في كتابه المعروف «سنن الدارمي» تحت عنوان باب
ما أكرم الله تعالى نبيه(صلى الله عليه وآله)بعد موته» وهذا الباب معقود لبيان الكرامات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى للنبي(صلى الله عليه وآله)بعد موته: «قَحُطَ أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي(صلى الله عليه وآله) فاجعلوا منه كوي إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب،وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق»(1).
5. التوسل بالعباس عم النبي(صلى الله عليه وآله)، ينقل البخاري في صحيحه: أنّ عمر بن الخطاب إذا قحط استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وكان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إنّا كنا نتوسل إليك بنبيّنا(صلى الله عليه وآله)فتسقينا، وإنّا نتوسل إليك بعم نبينِّا فاسقنا» قال الراوي: «فيسقون مطراً كثيراً»(2).
6. ينقل ابن حجر المكي في الصواعق عن الإمام الشافعي من علماء أهل السنّة المعروفين: أنّه كان يتوسل بأهل بيت النبي(عليهم السلام) وينقل عنه الشعر المعروف:
آل النبي ذريعتي *** وهم إليه وسيلتي
أرجو بهم أعطى غداً *** بيدي اليمين صحيفتي
أورد هذا الحديث الرفاعي في كتابه «التوصل إلى حقيقة التوسل».
http://up.stop55.com/upfiles/ZBk67853.jpg