ملاعلي
12-09-2008, 02:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
كثيرة هي محاولات طمس معالم مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وعديدة هي التهم والمزاعم الباطلة - واهنة الحجة - التي يختلقها أعداء الشيعة استناداً إلى تاريخ مزيف، عكف على تأليفه مؤرخو البلاط الأموى، ذوو الخيال الخصب، والضمائر الميتة! والجهل بالتاريخ، والتخبط في تحليل الأحداث يدعو الإنسان إلى الضلال عن دروب الصواب، ويمنعه من الوصول إلى الحقيقة، فلا غرو فيمن لا يكلف نفسه مشقة البحث وينصاع للفكر الموروث والتاريخ المزيف أن يتيه عن طريق اليقين، ولذلك نجد تهمة الأصل السبئي للشيعة تغدر بكثير من رعاع هذه الأمة، الذين لم يتحرروا من ربقة الإمعة.
وقصة (السبئية) هذه، هي أن رجلاً من صفاء اليمن، كان يكنى بـ(ابن السوداء) لكون أمه حبشية، أعلن إسلامه في عصر (عثمان بن عفان)، ثم ألّه علياً (عليه السلام)، ونشر الأفكار اليهودية التي تقوم على تقديس أولياء الله وتأليههم!! فبعث على الفرقة والفتنة في زمن عثمان، وكان هذا السبئي هو مشعل جذوة الفتنة الكبرى التي تأججت نارها لتسفر عن المذهب الشيعي!!
يقول ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7 ص 167):
(ذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان رجل يقال له عبد الله بن سبأ، كان يهودياً، فأظهر إسلامه وصار إلى مصر فأوحى إلى طائفة من الناس كلاماً اخترعه من عند نفسه).
سنحاول إحصاء بعض من التناقضات الجسيمة التي أظهرت هذه القصة الغريبة حول تلك الشخصية على شكل بنود:
(1) الكتب التاريخية السنية تؤكد دائماً أن الفتنة نشبت في زمن عثمان، لكن أصحابها في الوقت ذاته ينعتون الشيعة (بالرافضة) لكونهم رفضوا خلافة أبي بكر، ورفضوا بيعته يوم السقيفة، وهذا معناه أن ظهور المذهب الشيعي كان أقدم من زمن خلافة عثمان، أي بعد استشهاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله). كما أن العديد من الأخبار الواردة في المصادر الشيعية والسنية تؤكد أن المذهب الشيعي نشأ في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد كان الخلص من أصحابه - أمثال (أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، سلمان الفارسي) من المتفاخرين باتّباع هذا المذهب الذي يقوم على ركيزة أساسية، هي الولاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والولاء والمودة لأهل البيت (سلام الله عليهم).
وثمة أدلة كثيرة لا تحصى تفيد بظهور لفظة (شيعة علي) في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلى لسانه، منها ما رواه ابن المغازلي في مناقبه عن ابن عباس قال:
(سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قوله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون) فقال: قال لي جبرئيل: ذلك علي وشيعته هم السابقون إلى الجنة، المقربون من الله لكرامته).
وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت الآية: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).
فكان الصحابة إذا أقبل علي (عليه السلام) يقولون: قد جاء خير البرية.
جميع هذه الأخبار والروايات تشير إلى أن التشيع بدأ في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهل مذهب أهل البيت إلا تطبيق حي لمعطيات الإسلام؟!
(2) كان من الأحرى على من اتهم الشيعة بالسبئية أن يبين بجلاء أصول ابن سبأ اليهودي، فعند التنقيب في التاريخ الإسلامي يعتذر علينا أن نجد له ترجمة في الأنساب، ولا يذكر له المؤرخون نسباً في أمهات الكتب التاريخية، وفي ذلك الزمان كان هناك عشرات من الناس يسمون بعبد الله بن سبأ خصوصاً وأن السبئية لم تكن تعني في ألقاب القدامى سوى القبيلة المنسوبة إلى سبأ بن يشجب.
فمن هو عبد الله بن سبأ؟!
إن جميع الكتب التاريخية السنية ترجع إلى راوي متفرد في خبر ابن سبأ، وهو (سيف بن عمر التميمي)، هذا الراوي المتهم بالزندقة والأكاذيب، ولم يأخذ العديد من علماء السنة بروايته فهو عند النسائي (متروك الحديث، ليس بثقة، غير موزون)! ولكن العجيب هو أن تراهم يرجعون إليه فقط في (أحجية) عبد الله بن سبأ هذه!!
فيصبح سيف بن عمر الضعيف الحديث إلى رجل من الثقات فقط في هذه الرواية!! (راجع كتب، ابن خلدون، أبو جعفر الطبري، ابن الأثير).
(3) يبدو أن أسطورة ابن سبأ، بدأت تكشف الستار عن العديد من الترهات التي نسجها المؤرخون ورواة الحديث!
يقول أهل السنة أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). وأن الصحابة في نظر السنة كلهم عدول، وهذا كله من صميم معتقداتهم، ولكن المصيبة الكبرى هي أنهم بذاتهم يفندون مزاعمهم، من خلال عدم إتقانهم للحبكة القصصية!
فتجد في صحاحهم أن صحابة الرسول هم خير الآخرين، وقد يكون أبو بكر وعمر - مثلاً - أفضل من خير الأولين!!
وعثمان صحابي جليل تستحي منه الملائكة، وأبو ذر الغفاري صحابي جليل أيضاً، كثير التفقه، شديد التقوى والورع، وعمار بن ياسر كذلك صحابي جليل، قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله): (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، وابن مسعود أيضاً، صحابي جليل من رواة الحديث، وكل هؤلاء صحابة أجلاء، يستحقون التبجيل والتقدير، برغم أن عثمان نفى أبا ذر إلى الربذة، وأمعن في إيذائه و(التضييق) عليه، ورغم أنه ضرب عمار بن ياسر حتى فتق بطنه، ورغم أنه كان يكثر من شتم ابن مسعود وينعته (بالدابة السوداء)! فكلهم عدول! وكلهم صحابة الرسول! وكلهم مبشرين بالجنة! وكلهم مؤمنون بالنص!
إن هذا الهراء لم يعد يجدي في التظليل على حقيقة مؤرخي البلاط الأموي، ولم تعد هذه الأكاذيب ناجحة في إخفاء مدى جهل وسذاجة أعداء أهل البيت (عليهم السلام) في محاولاتهم الفاشلة لطمس المذهب الحق. لقد تفنن - ذوو الخيال الجانح - في نسج أسطورة ابن سبأ، وأبدعوا في جعل شخصيته، شخصية خارقة، استطاعت - وهي على أعتاب الإسلام - أن تؤثر على كبار الصحابة المتصدين لمعارضة سياسة خلافة عثمان بن عفان مثل (أبو ذر الغفاري) رضوان الله تعالى عليه، و(عمار بن ياسر).
فيتحول (أبو ذر الغفاري) السبّاق إلى الإسلام، والذي أكثر من صحبة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحفظ عنه العديد من الأحكام والشرائع، إلى رجل مشاكس، غير متزن، يتحرك بالوشاية، وينصاع لأفكار ابن سبأ الدخيل على الإسلام، بل ويأخذ منه أحكام الحلال والحرام!
أوَ ليس هو من صحابة الرسول؟!
أوَ ليس هو من الذين قال فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟) فكيف يتحول هذا الصحابي إلى رجل أخرق، طيّع في يد يهودي طارئ على الإسلام؟!
يقول د. طه حسين:
(ومن أغرب ما يروى من أمر عبد الله بن سبأ هذا أنه هو الذي لقن أبا ذر نقد معاوية في ما كان يقول من أن المال مال الله، وعلمه أن الصواب أن يقول إنه مال المسلمين. ومن هذا التلقين إلى أن يقال أنه الذي لقن أبا ذر مذهبه كله في نقد الأمراء والأغنياء وتبشير الكانزين للذهب والفضة بمكاوٍ من نار).
ويقول الطبري:
وكأن أبا ذر كان بحاجة لمن يعلمه أحكام الإسلام وتعاليم الدين!!
ثم من يكون ابن السوداء هذا، حتى يستطيع أن يخترق كياناً إسلامياً وينفث فيه أفكار اليهود، وهل هو بهذه القوة الخارقة التي تمكنه من تأسيس مذهب كالمذهب الشيعي في زمن يتواجد فيه عدد كبير من الصحابة، مثل علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وأبا ذر، وعمّار بن ياسر وأبو الدرداء وغيرهم، كيف يستطيع حديث الإسلام أن يؤسس مذهباً يقوم على عقائد وأحكام وقوانين ونواميس، ويعود بذلك كله إلى جهابذة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)؟ أي عقل وقدره يمتلك؟!
وإن صدقنا حقاً بوجوده، فلماذا لم ينل نصيباً من الاضطهاد والشجب والتضييق الذي لاقاه (أتباعه)؟ لماذا لم تطله سلطة عثمان الأموية وتردم الفتنة التي أشعل جذوتها؟! رغم أن هذه السلطة أمعنت في اضطهاد وإيذاء معارضيها الذين يزعم المؤرخون أنهم ينتمون إلى حزب عبد الله بن سبأ!
روى ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء ج 21، ص 38:
(قدم معاوية الشام بعد أن أحس بمن يعارض عثمان، فدخل مجلساً فيه عليّ بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام وسعد بن أبي وقاص، وعمّار بن ياسر، وعبد الرحمن بن عوف، فقال لهم:
(يا معشر الصحابة، أوصيكم بشيخي هذا خيراً - يعني عثمان - فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلاً ورجالاً) ثم أقبل على عمّار بن ياسر فقال: (يا عمار، إن بالشام مئة ألف فارس كل يأخذ بالوطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون علياً ولا قرابته، ولا عمّاراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحبته، فإياك يا عمّار أن تقعد غداً في فتنة تنجلي، فيقال هذا قاتل عمار، وهذا قاتل علي).
إن التأمل لهذا الحديث يقودنا إلى أمرين:
الأول: إما أن يكون عبد الله بن سبأ شخصية وهمية، اختلقها مؤرخون النواصب وهذا وارد، لأنه إن كانت هناك هوية حقيقية لعبد الله بن سبأ، لخصّه معاوية بالتهديد، ولطالته السلطات الأموية، وهو النكرة الذي لا وزن له في الكيان الإسلامي.
الثاني: أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ غطاءً كثيفاً لأحد المعارضين النشطين في زمن عثمان بن عفان، وهذا وارد أيضاً، لكون عبد الله بن سبأ - وإن لم يكن هذا هو اسمه الحقيقي - شخصاً معروفاً ومهيباً لدى السلطات الأموية، وهنا تدخل اللعبة السياسية الأموية الشنيعة، لتستخف بعقول الناس، وتنأى بمداركهم عن الحقيقة، وتحيطهم بإبهام وغموض أحجية ابن سبأ في هالة من الاتهامات الباطلة، واهنة الحجة.
فمن هو عبد الله بن سبأ؟!
لقد أثبت المؤرخون أن المتصدرين لحركة المعارضة في زمن عثمان هم ثلاثة من رجال الصحابة (أبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر). وعمار بن ياسر كان نشطاً سياسياً ومزعجاً للأمويين وعثمان، مما حدا بهم لوضعه تحت المجهر لاسيما وأن قتله كان سيحملهم تبعات كثيرة، لكونه مقدساً في نفوس المسلمين ولكون الرسول (صلى الله عليه وآله) قال فيه: (ابن سمية تقتله الفئة الباغية)، وعمار بن ياسر كان أكثر الصحابة استفزازاً للأمويين، وكان دائم الكشف لمثالب سلطة عثمان.
يذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة:
(دخل عمار بن ياسر على عثمان، وكان عنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع إليه الكتاب (كتاب معارضة واستنكار) فقرأة، فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا منك، قال: من هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت علي من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود - يعني عماراً - قد جرأ الناس عليك، وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه، فقال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، وجرّوه حتى طرحوه على باب الدار.. إلى آخر الرواية).
فأي الاحتمالين نختار؟! لا شك أنه الاحتمال الثاني إذ قصدوا بابن السوداء الصحابي الجليل عمار بن ياسر (عليه السلام).
(4) لقد تناسى المفترون أن مذهب آل البيت (عليهم السلام) يقوم على ركيزة أساسية هي المودة لذي القربى والولاية لوصي الرسول (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهل في دين اليهود ومعتقداتهم مثل هذه الأفكار؟ منذ متى كان اليهود يحترمون أوصياءهم، بل منذ متى كانوا يقدسون أولياء الله، إن القرآن الكريم يثبت أنهم أكثر الأمم تنكيلاً بالأنبياء وتعذيباً لهم، وقد عرفوا باتهام أنبيائهم بأبشع التهم وقذفهم بالجرائم والمعاصي.
ترى ما هو العامل المشترك بين اليهود والمذهب الشيعي حتى يدعي المؤرخون أن مؤسس المذهب الشيعي شخص يهودي مثل ابن سبأ؟!
(6) كان على المؤرخين أن يحسنوا الحبكة القصصية أكثر من هذا فكيف يؤله شخص يهودي الإمام على بن أبي طالب، وهو فاتح خيبر ومبيد يهودها، هل تناسى المؤرخون الأحقاد الخيبرية التي يكنها اليهود لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟!
أي أمر دفع ذلك اليهودي لتأليه عدوه وخصمه؟!
لقد تداعت خيوط هذه الأسطورة الواهية، ولم تعد تجدي في كتم سذاجة أعداء آل البيت (عليهم السلام) ولم يعودوا يستطيعون تبضيع الحقائق، والعبث بها، محاولين بذلك إبادة نور الله المتمثل بأهل البيت (صلوات الله عليهم).
اللهم العن الجبت والطاغوت
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
كثيرة هي محاولات طمس معالم مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وعديدة هي التهم والمزاعم الباطلة - واهنة الحجة - التي يختلقها أعداء الشيعة استناداً إلى تاريخ مزيف، عكف على تأليفه مؤرخو البلاط الأموى، ذوو الخيال الخصب، والضمائر الميتة! والجهل بالتاريخ، والتخبط في تحليل الأحداث يدعو الإنسان إلى الضلال عن دروب الصواب، ويمنعه من الوصول إلى الحقيقة، فلا غرو فيمن لا يكلف نفسه مشقة البحث وينصاع للفكر الموروث والتاريخ المزيف أن يتيه عن طريق اليقين، ولذلك نجد تهمة الأصل السبئي للشيعة تغدر بكثير من رعاع هذه الأمة، الذين لم يتحرروا من ربقة الإمعة.
وقصة (السبئية) هذه، هي أن رجلاً من صفاء اليمن، كان يكنى بـ(ابن السوداء) لكون أمه حبشية، أعلن إسلامه في عصر (عثمان بن عفان)، ثم ألّه علياً (عليه السلام)، ونشر الأفكار اليهودية التي تقوم على تقديس أولياء الله وتأليههم!! فبعث على الفرقة والفتنة في زمن عثمان، وكان هذا السبئي هو مشعل جذوة الفتنة الكبرى التي تأججت نارها لتسفر عن المذهب الشيعي!!
يقول ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7 ص 167):
(ذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان رجل يقال له عبد الله بن سبأ، كان يهودياً، فأظهر إسلامه وصار إلى مصر فأوحى إلى طائفة من الناس كلاماً اخترعه من عند نفسه).
سنحاول إحصاء بعض من التناقضات الجسيمة التي أظهرت هذه القصة الغريبة حول تلك الشخصية على شكل بنود:
(1) الكتب التاريخية السنية تؤكد دائماً أن الفتنة نشبت في زمن عثمان، لكن أصحابها في الوقت ذاته ينعتون الشيعة (بالرافضة) لكونهم رفضوا خلافة أبي بكر، ورفضوا بيعته يوم السقيفة، وهذا معناه أن ظهور المذهب الشيعي كان أقدم من زمن خلافة عثمان، أي بعد استشهاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله). كما أن العديد من الأخبار الواردة في المصادر الشيعية والسنية تؤكد أن المذهب الشيعي نشأ في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد كان الخلص من أصحابه - أمثال (أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، سلمان الفارسي) من المتفاخرين باتّباع هذا المذهب الذي يقوم على ركيزة أساسية، هي الولاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والولاء والمودة لأهل البيت (سلام الله عليهم).
وثمة أدلة كثيرة لا تحصى تفيد بظهور لفظة (شيعة علي) في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلى لسانه، منها ما رواه ابن المغازلي في مناقبه عن ابن عباس قال:
(سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قوله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون) فقال: قال لي جبرئيل: ذلك علي وشيعته هم السابقون إلى الجنة، المقربون من الله لكرامته).
وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت الآية: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).
فكان الصحابة إذا أقبل علي (عليه السلام) يقولون: قد جاء خير البرية.
جميع هذه الأخبار والروايات تشير إلى أن التشيع بدأ في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهل مذهب أهل البيت إلا تطبيق حي لمعطيات الإسلام؟!
(2) كان من الأحرى على من اتهم الشيعة بالسبئية أن يبين بجلاء أصول ابن سبأ اليهودي، فعند التنقيب في التاريخ الإسلامي يعتذر علينا أن نجد له ترجمة في الأنساب، ولا يذكر له المؤرخون نسباً في أمهات الكتب التاريخية، وفي ذلك الزمان كان هناك عشرات من الناس يسمون بعبد الله بن سبأ خصوصاً وأن السبئية لم تكن تعني في ألقاب القدامى سوى القبيلة المنسوبة إلى سبأ بن يشجب.
فمن هو عبد الله بن سبأ؟!
إن جميع الكتب التاريخية السنية ترجع إلى راوي متفرد في خبر ابن سبأ، وهو (سيف بن عمر التميمي)، هذا الراوي المتهم بالزندقة والأكاذيب، ولم يأخذ العديد من علماء السنة بروايته فهو عند النسائي (متروك الحديث، ليس بثقة، غير موزون)! ولكن العجيب هو أن تراهم يرجعون إليه فقط في (أحجية) عبد الله بن سبأ هذه!!
فيصبح سيف بن عمر الضعيف الحديث إلى رجل من الثقات فقط في هذه الرواية!! (راجع كتب، ابن خلدون، أبو جعفر الطبري، ابن الأثير).
(3) يبدو أن أسطورة ابن سبأ، بدأت تكشف الستار عن العديد من الترهات التي نسجها المؤرخون ورواة الحديث!
يقول أهل السنة أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). وأن الصحابة في نظر السنة كلهم عدول، وهذا كله من صميم معتقداتهم، ولكن المصيبة الكبرى هي أنهم بذاتهم يفندون مزاعمهم، من خلال عدم إتقانهم للحبكة القصصية!
فتجد في صحاحهم أن صحابة الرسول هم خير الآخرين، وقد يكون أبو بكر وعمر - مثلاً - أفضل من خير الأولين!!
وعثمان صحابي جليل تستحي منه الملائكة، وأبو ذر الغفاري صحابي جليل أيضاً، كثير التفقه، شديد التقوى والورع، وعمار بن ياسر كذلك صحابي جليل، قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله): (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، وابن مسعود أيضاً، صحابي جليل من رواة الحديث، وكل هؤلاء صحابة أجلاء، يستحقون التبجيل والتقدير، برغم أن عثمان نفى أبا ذر إلى الربذة، وأمعن في إيذائه و(التضييق) عليه، ورغم أنه ضرب عمار بن ياسر حتى فتق بطنه، ورغم أنه كان يكثر من شتم ابن مسعود وينعته (بالدابة السوداء)! فكلهم عدول! وكلهم صحابة الرسول! وكلهم مبشرين بالجنة! وكلهم مؤمنون بالنص!
إن هذا الهراء لم يعد يجدي في التظليل على حقيقة مؤرخي البلاط الأموي، ولم تعد هذه الأكاذيب ناجحة في إخفاء مدى جهل وسذاجة أعداء أهل البيت (عليهم السلام) في محاولاتهم الفاشلة لطمس المذهب الحق. لقد تفنن - ذوو الخيال الجانح - في نسج أسطورة ابن سبأ، وأبدعوا في جعل شخصيته، شخصية خارقة، استطاعت - وهي على أعتاب الإسلام - أن تؤثر على كبار الصحابة المتصدين لمعارضة سياسة خلافة عثمان بن عفان مثل (أبو ذر الغفاري) رضوان الله تعالى عليه، و(عمار بن ياسر).
فيتحول (أبو ذر الغفاري) السبّاق إلى الإسلام، والذي أكثر من صحبة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحفظ عنه العديد من الأحكام والشرائع، إلى رجل مشاكس، غير متزن، يتحرك بالوشاية، وينصاع لأفكار ابن سبأ الدخيل على الإسلام، بل ويأخذ منه أحكام الحلال والحرام!
أوَ ليس هو من صحابة الرسول؟!
أوَ ليس هو من الذين قال فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟) فكيف يتحول هذا الصحابي إلى رجل أخرق، طيّع في يد يهودي طارئ على الإسلام؟!
يقول د. طه حسين:
(ومن أغرب ما يروى من أمر عبد الله بن سبأ هذا أنه هو الذي لقن أبا ذر نقد معاوية في ما كان يقول من أن المال مال الله، وعلمه أن الصواب أن يقول إنه مال المسلمين. ومن هذا التلقين إلى أن يقال أنه الذي لقن أبا ذر مذهبه كله في نقد الأمراء والأغنياء وتبشير الكانزين للذهب والفضة بمكاوٍ من نار).
ويقول الطبري:
وكأن أبا ذر كان بحاجة لمن يعلمه أحكام الإسلام وتعاليم الدين!!
ثم من يكون ابن السوداء هذا، حتى يستطيع أن يخترق كياناً إسلامياً وينفث فيه أفكار اليهود، وهل هو بهذه القوة الخارقة التي تمكنه من تأسيس مذهب كالمذهب الشيعي في زمن يتواجد فيه عدد كبير من الصحابة، مثل علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وأبا ذر، وعمّار بن ياسر وأبو الدرداء وغيرهم، كيف يستطيع حديث الإسلام أن يؤسس مذهباً يقوم على عقائد وأحكام وقوانين ونواميس، ويعود بذلك كله إلى جهابذة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)؟ أي عقل وقدره يمتلك؟!
وإن صدقنا حقاً بوجوده، فلماذا لم ينل نصيباً من الاضطهاد والشجب والتضييق الذي لاقاه (أتباعه)؟ لماذا لم تطله سلطة عثمان الأموية وتردم الفتنة التي أشعل جذوتها؟! رغم أن هذه السلطة أمعنت في اضطهاد وإيذاء معارضيها الذين يزعم المؤرخون أنهم ينتمون إلى حزب عبد الله بن سبأ!
روى ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء ج 21، ص 38:
(قدم معاوية الشام بعد أن أحس بمن يعارض عثمان، فدخل مجلساً فيه عليّ بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام وسعد بن أبي وقاص، وعمّار بن ياسر، وعبد الرحمن بن عوف، فقال لهم:
(يا معشر الصحابة، أوصيكم بشيخي هذا خيراً - يعني عثمان - فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلاً ورجالاً) ثم أقبل على عمّار بن ياسر فقال: (يا عمار، إن بالشام مئة ألف فارس كل يأخذ بالوطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون علياً ولا قرابته، ولا عمّاراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحبته، فإياك يا عمّار أن تقعد غداً في فتنة تنجلي، فيقال هذا قاتل عمار، وهذا قاتل علي).
إن التأمل لهذا الحديث يقودنا إلى أمرين:
الأول: إما أن يكون عبد الله بن سبأ شخصية وهمية، اختلقها مؤرخون النواصب وهذا وارد، لأنه إن كانت هناك هوية حقيقية لعبد الله بن سبأ، لخصّه معاوية بالتهديد، ولطالته السلطات الأموية، وهو النكرة الذي لا وزن له في الكيان الإسلامي.
الثاني: أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ غطاءً كثيفاً لأحد المعارضين النشطين في زمن عثمان بن عفان، وهذا وارد أيضاً، لكون عبد الله بن سبأ - وإن لم يكن هذا هو اسمه الحقيقي - شخصاً معروفاً ومهيباً لدى السلطات الأموية، وهنا تدخل اللعبة السياسية الأموية الشنيعة، لتستخف بعقول الناس، وتنأى بمداركهم عن الحقيقة، وتحيطهم بإبهام وغموض أحجية ابن سبأ في هالة من الاتهامات الباطلة، واهنة الحجة.
فمن هو عبد الله بن سبأ؟!
لقد أثبت المؤرخون أن المتصدرين لحركة المعارضة في زمن عثمان هم ثلاثة من رجال الصحابة (أبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر). وعمار بن ياسر كان نشطاً سياسياً ومزعجاً للأمويين وعثمان، مما حدا بهم لوضعه تحت المجهر لاسيما وأن قتله كان سيحملهم تبعات كثيرة، لكونه مقدساً في نفوس المسلمين ولكون الرسول (صلى الله عليه وآله) قال فيه: (ابن سمية تقتله الفئة الباغية)، وعمار بن ياسر كان أكثر الصحابة استفزازاً للأمويين، وكان دائم الكشف لمثالب سلطة عثمان.
يذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة:
(دخل عمار بن ياسر على عثمان، وكان عنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع إليه الكتاب (كتاب معارضة واستنكار) فقرأة، فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا منك، قال: من هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت علي من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود - يعني عماراً - قد جرأ الناس عليك، وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه، فقال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، وجرّوه حتى طرحوه على باب الدار.. إلى آخر الرواية).
فأي الاحتمالين نختار؟! لا شك أنه الاحتمال الثاني إذ قصدوا بابن السوداء الصحابي الجليل عمار بن ياسر (عليه السلام).
(4) لقد تناسى المفترون أن مذهب آل البيت (عليهم السلام) يقوم على ركيزة أساسية هي المودة لذي القربى والولاية لوصي الرسول (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهل في دين اليهود ومعتقداتهم مثل هذه الأفكار؟ منذ متى كان اليهود يحترمون أوصياءهم، بل منذ متى كانوا يقدسون أولياء الله، إن القرآن الكريم يثبت أنهم أكثر الأمم تنكيلاً بالأنبياء وتعذيباً لهم، وقد عرفوا باتهام أنبيائهم بأبشع التهم وقذفهم بالجرائم والمعاصي.
ترى ما هو العامل المشترك بين اليهود والمذهب الشيعي حتى يدعي المؤرخون أن مؤسس المذهب الشيعي شخص يهودي مثل ابن سبأ؟!
(6) كان على المؤرخين أن يحسنوا الحبكة القصصية أكثر من هذا فكيف يؤله شخص يهودي الإمام على بن أبي طالب، وهو فاتح خيبر ومبيد يهودها، هل تناسى المؤرخون الأحقاد الخيبرية التي يكنها اليهود لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟!
أي أمر دفع ذلك اليهودي لتأليه عدوه وخصمه؟!
لقد تداعت خيوط هذه الأسطورة الواهية، ولم تعد تجدي في كتم سذاجة أعداء آل البيت (عليهم السلام) ولم يعودوا يستطيعون تبضيع الحقائق، والعبث بها، محاولين بذلك إبادة نور الله المتمثل بأهل البيت (صلوات الله عليهم).
اللهم العن الجبت والطاغوت