المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا كان بينها وبين أبي بكر وعمر ؟ للشيعة والسنة!


محاور عقائدي
12-09-2008, 05:56 PM
- دعوة الى سبيل المؤمنين - طارق زين العابدين ص 80 :

ماذا كان بينها وبين أبي بكر وعمر ؟

ونأتي بعد هذا ونسأل: ماذا كان بينها وبين أبي بكر وعمر في مسألة ميراثها من أبيها محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!

يروي البخاري عن عائشة أم المؤمنين : " أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم مما أفاء الله

- ص 81 -

عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة. . . إلى قولها : فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة [ ( عليها السلام ) ] منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر
في ذلك فهجرته ، فلم تكلمه حت توفيت ، وعاشت بعد النبي [ ( صلى الله عليه وآله ) ] ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها [ ( عليها السلام ) ] " ( 1 ) .

ويروي البخاري أيضا : " . . . فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله [ ( صلى الله عليه وآله ) ] ستة أشهر . قالت عائشة : فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله [ ( صلى الله عليه وآله ) ] من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك " ( 2 ) .

وفدك هذه مما أفاء الله به على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو ملك خاص له إذ لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ( 3 ) ، فصالح اليهود النبي ( صلى الله عليه وآله ) على نصفها يوم فتح حصون خيبر .

وروي أن عمر بن الخطاب قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد ما أفاء الله عليه من خيبر : " ألا تخمس ما أصبت - أي تأخذ الخمس منه وتقسم الباقي على المسلمين - فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المسلمين ، يقول : ما أفاء الله على رسوله " ( 4 ) .

يتضح من هذا جليا أن ما أفاء الله به على رسوله من فدك وغيرها خالص لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولآل بيته الكرام . ولما طالبه ابن الخطاب بأخذ الخمس منه وتقسيم ما يتبقى بين المسلمين ، لم يقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذلك منه وخص به نفسه ، كما خصه به الله تعالى ، ولم يشرك معه أحدا من المسلمين فيه .

فانظر إلى قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المسلمين " ، فإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يقبل بإعطاء أحد من المسلمين شيئا من فدك واحتفظ بها لنفسه ولأهله وهو

* هامش *
( 1 ) صحيح البخاري 5 : 139 - طبعة 1314 ه‍ مصر .
( 2 ) صحيح البخاري : كتاب الخمس - باب فرض الخمس ، وصحيح مسلم : كتاب الجهاد .
( 3 ) فتوح البلدان للبلاذري 1 : 41 ، كتاب السقيفة ص 97 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 110 .
( 4 ) المغازي للواقدي 1 : 377 - 378 .
( 5 ) الكامل في التاريخ 2 : 174 ، تاريخ الطبري 2 : 226 . ( * )


- ص 82 -

حي من بينهم ، فكيف يحرمهم منها بعد وفاته وغيابه عنهم ؟ !
فهل كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يرى أن أهل بيته أحوج إلى فدك في حياته منها بعد وفاته ؟ !
أيعقل هذا يا أولي الألباب ؟ !
فمن حيث إن فدكا وغيرها كانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولأهل بيته ، فقد صارت بذلك ميراثا للزهراء وعلي وابنيهما ( عليهم السلام ) .

ومن حيث إن عليا ( عليه السلام ) وابن عباس وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهم ، رووا : " أنه لما نزل قوله تعالى : ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله [ ( صلى الله عليه وآله ) ] فاطمة فأعطاها فدكا " ( 1 ) ، فمن حيث ذلك يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد نحل الزهراء ( عليها السلام ) فدكا ، وصارت ملكا لها في حياته ( صلى الله عليه وآله ) .

فأما من حيث الميراث فقد رد قولها أبو بكر بقوله : إن رسول الله قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة ! وأما من حيث إنها كانت نحلة لها ( عليها السلام ) فقد طالبها أبو بكر بالشهود ، فشهد لها علي ( عليه السلام ) وأم أيمن ، وقيل جاءت برباح -
مولى رسول الله - وأم أيمن ( 2 ) ، فلم يقبل دعواها لعدم اكتمال الشهود ، كما يقول ابن حجر الهيثمي : " ودعوى فاطمة أنه صلى الله عليه وآله نحلها فدكا لم تأت عليها إلا بعلي وأم أيمن ، فلم يكمل نصاب البينة " ( 3 ) .

فالزهراء ( عليها السلام ) لم تكن ترى أبا بكر وعمر إلا ظالمين قد حرماها من إرث أبيها بلا وجه حق ، أو منعاها نحلتها منه . لذا لم تكن ترى ما رواه أبو بكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بصواب ولا بحق .

ولهذا تصدت لهذا الظلم ، وخاطبت أبا بكر على ملأ من المهاجرين والأنصار . يروي أبو بكر الجواهري : " لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدكا، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت جلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ

* هامش *
( 1 ) شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 388 ، الدر المنثور للسيوطي 5 : 273 - 274 ، ينابيع المودة 119 .
( 2 ) طبقات ابن سعد 2 : 316 .
( 3 ) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ص 21 - الشبهة رقم 7 . ( * )


- ص 83 -

ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية النبي ( ص ) ، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ، ثم أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت
فورتهم ، افتتحت كلامها بحمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله [ ( صلى الله عليه وآله ) ] ثم قالت : " أنا فاطمة ! ابنة محمد ، أقول عودا على بدء ، ( لقد جاءكم سول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف
رحيم ) ، فإن تعدوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم . . . ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ! ! ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ؟ ! يا ابن أبي قحافة ! ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا
، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ( ص )، والموعد يوم القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون " ، وعج المكان ببكاء الناس . ثم خاطبت الأنصار فقالت : " إيها بني قيلة ، اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى
ومسمع ، تبلغكم الدعوة ويشملكم الصوت ، وفيكم العدة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار . باديتم العرب ، وبادهتم الأمور ، وكافحتم البهم ، حتى دارت بكم رحى الإسلام، ودر حلبه وخبت نيران الحرب،
وسكنت فورة الشرك، وهدأت دعوة الهرج، واستوثق نظام الدين ، أفتأخرتم بعد الإقدام ؟ ! ونكصتم بعد الشدة ؟ ! وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نقضوا إيمانهم من بعد عهدهم ، وطعنوا في دينكم ( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ). . .
ألا قد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، وخور القناة وضعف اليقين ، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف ، باقية العار ، موسومة الشعار ، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تعملون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) " ( 1 ) .

ثم قالت فيما خاطب به أبا بكر وأصحابه : " أفعلى عند تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ، إذ يقول الله تبارك وتعالى : ( وورث سليمان داود ) ، وقال عز وجل فيما قص من خبر يحيى بن زكريا : ( رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) ، وقال عز ذكره :

* هامش *
( 1 ) كتاب السقيفة لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجواهري : ص 99 - 100 . ( * )


- ص 84 -

( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، وقال : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) ، وقال : ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) . وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي ولا رحم
بيننا ! أفخصكم الله بآية أخرج نبيه ( ص ) منها ، أو تقولون : أهل ملتين لا يتوارثون ؟ ! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ ! لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي ( ص ) ( أفحكم الجاهلية يبغون ) " ( 1 ) ؟

فمن الواضح أن الزهراء ( عليها السلام ) كانت شديدة على أبي بكر وقومه في مسألة ميراثها من أبيها ، فاضطرها ذلك لأن تخرج وتخاطبه أمام الناس داحضة ما ادعى سماعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عدم توريثه ، وأن ما تركه صدقة ، فاحتجت الزهراء ( عليها السلام ) عليه بآيات التوريث ، وأشارت إلى عموم حكم الوراثة .

وفي قولها : " لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) " إشارة إلى أنه لو كان ثمة شئ لما خفي على النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى يعلموه هم دونه .
ولما كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعلم بهذا الأمر منهم فهي تعلم ذلك أيضا ، إذ أنها مسألة لا يمكن أن تجهلها الزهراء ويعلمها أبو بكر وحده ، فهي وارثة علم أبيها ، كما شهد به أبو بكر نفسه .

وأبو بكر يعلم يقينا قدر زهراء ( عليها السلام ) وبعدها عن الكذب وادعاء الباطل، ذلك لأنه سمع مرارا قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " فاطمة بضعة مني ، يغضبني ما يغضبها "، لأن هذا الغضب لا يمكن أن يكون بلا وجه حق ، وإلا لكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاسيا على الناس وأبي بكر بفرض إرضاء الزهراء رغم ظلمها للناس بالغضب عليهم بلا أساس .

فأبو بكر يعلم هذا ، ولذا كان عليه أن يجعل غضبها دليلا على خطئه وبعده عن الحق في مسألة ميراث هذه ، وأن يجعل رضاها عنه عنوانا على صحة وسلامة منهجه وتصرفه في مسألة ميراثها ، لأنه لو قدر لأبي بكر أن يحكم بهذا في حياة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) لغضب عليه ومنعه ، لأن الزهراء كانت ستغضب غضبها ذاك ، وهذا مما يغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما عرفنا .

وإذا صححنا لأبي بكر حكمه في ميراث الزهراء ومنعها إياه ، فعلينا أن نحكم بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد ترك لبنته زمام الغضب تسوقه متى شاءت على من شاءت من الناس ،

* هامش *
( 1 ) بلاغات النساء لابن طيفور ص 16 - 17 . ( * )


- ص 85 -

بالباطل وبلا حق يؤيدها . فالرسول ( صلى الله عليه وآله ) ما قرن غضبه بغضبها ، ورضاه برضاها إلا لأنها صادقة حين ترضى ومحقة حين تغضب على الدوام . . فكيف ابتعدت أفهام أبي بكر عن ذلك وغمرته الغفلة عن هذا ؟ !

إن الزهراء ما كانت تحتاج في مطالبتها بإرث أبيها إلى الخروج أمام المهاجرين والأنصار وتخاطبهم باللهجة التي قرأت لولا ثقل الظلم الذي كانت تنوء به هي نفسها ، ولولا يقينها الذي لا يشوبه الظن بخطأ أبي بكر في هذا الأمر ، سواء أكان ذلك الحكم أن ليس للرسول ( صلى الله عليه وآله ) إرث لبنته ، أو رده ادعاءها بأن أباها ( صلى الله عليه وآله ) قد نحلها فدكا .

وأعجب من ذلك رده شهادة رجل ما جرى الكذب على لسانه يوما منذ نعومة أظافره ، رجل شهد له الله تعالى بالإيمان والاستقامة والصلاح . . فعن علي ( عليه السلام ) ، قال : " جاء النبي أناس من قريش فقالوا : يا محمد ، إنا جيرانك
وحلفاؤك ، وإن أناسا من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه ، إنما فروا من ضياعنا وأموالنا ، فارددهم إلينا ، فقال لأبي بكر : ما تقول ؟ قال : صدقوا ، إنهم جيرانك . . قال : فتغير وجه النبي ( ص ) ، ثم قال لعمر :
ما تقول ؟ قال : صدقوا ، إنهم لجيرانك وحلفاؤك . . فتغير وجه النبي ( ص ) . . . فقال : يا معشر قريش ، ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قبله بالإيمان ، فيضربكم على الدين . فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله ؟ قال : لا . قال عمر : أنا يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه الذي يخصف النعل . . وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها " ( 1 ) .

فلقد كان هذا كافيا لأبي بكر بأن يقبل شهادة الإمام علي ، ويحكم لصالح الزهراء ، ويقبل ادعاءها بلا أدنى شك .
لقد كانت لخزيمة بن ثابت شهادة عدلين لصدقه ، فهل كان خزيمة أصدق من
* هامش *
( 1 ) مسند أحمد بن حنبل 1 : 155 ، كنز العمال 6 : 396 . ( * )


- ص 86 -

علي ( عليه السلام ) ؟! فعلي ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بما فيهم أبو بكر وعمر وخزيمة ذو الشهادتين ، فيكف وجد أبو بكر سبيلا لرد شهادته وقد سمع نص امتحان الله قلبه بالإيمان من فم النبي ( صلى الله عليه وآله )
؟ ! فكان لأبي بكر أن ينحو منحى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أجل ذرية وبضعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فيعد ادعاء الزهراء وحدها دليلا على صدقها وأحقيتها فيما ادعته ، تبرئة لها من الكذب ، ولطهارتها من الرجس التي أكدها القرآن
الكريم . أو كان لأبي بكر أن ينتهج نهج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أجل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أخيه وأبي ولده الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فيعده من أهل الشهادتين ، وينزله مقام خزيمة على أقل التقادير .

غير أن معاوية ابن أبي سفيان قد اقتطع ثلث فدك هره لمروان بن الحكم ، واستحقها مروان دون ادعاء ميراثها أو نحلتها ! فإذا حرمت الزهراء فدكا لأنها مال المسلمين ، فقد صارت إرثا من مروان لابنه عبد العزيز ، ذلك أن مروان قد اقتطعها لابنه هذا من بعده ( 1 ) .

على أن أبا بكر لم يراع قانون حفظ أموال المسلمين كما راعى ذلك في مسألة فدك ، فقد كانت أموال المسلمين توهب لكل من هبت من نواحيه عواصف الخطر على الخلافة ! يقول الطبري : " كان النبي [ ( صلى الله عليه وآله ) ] قد بعث أبا سفيان
ساعيا [ على أموال اليمن ] فرجع من سعايته ، وقد مات النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فلقيه قوم فسألهم ، فقالوا : مات رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم . فقال : من ولي بعده ؟ قيل : أبو بكر . . . فلما قدم المدينة ، قال : إني لأرى
عجاجة لا يطفئها إلا الدم . . . فكلم عمر أبا بكر فقال : إن أبا سفيان قدم ، وإنا لا نأمن شره ، فدفع له ما في يده ، فتركه ورضي " ( 2 ) .

فهكذا اتقى أبو بكر وعمر شر أبي سفيان ، وأطفئت عجاجته بما كان في يده من أموال المسلمين التي جمعها ساعيا بأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! أما الزهراء فلا تأخذ من الإرث حقها ، ولا بادعائها وشهادة أمير المؤمنين ولا تنال

* هامش *
( 1 ) كتاب السقيفة لأبي بكر الجواهري ص 137 الملحقات . ( 2 ) تاريخ الطبري 3 : 202 ، الكامل لابن الأثير 2 : 215 . ( * )


- ص 87 -

نحلتها من أبيها ! غير أن أبا بكر لما كان مستيقنا من أنه لا بد أن يكون للزهراء إرث من أبيها بأي حال من الأحوال ، قال لها : إنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " إنا معشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا ، ولكنا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنة " ( 1 ) .

ولعمري ، لقد أراد أبو بكر أن يرد ادعاء الزهراء وينفي إرثها من أبيها ، ولكنه أثبت لها ذلك من حيث لا يشعر ، فإنه بغض النظر عن الذهب والفضة والأرض والعقار والدار ، قد أثبت للزهراء إرث الإيمان والحكمة والعلم والسنة من أبيها ! !
إذاً ، فهي قد ورثت من أبيها الأرض أيضا ، ذلك لأنها ورثت الإيمان من أبيها فلا سبيل للكذب وادعاء الباطل إليها ، إذ أن هذا الإيمان يعصمها بلا ريب من ادعاء شئ ليس لها فيه حق ، وإن ادعت شيئا فادعاؤها حق لا شبهة فيه .
وإذاً كانت قد ورثت العلم والسنة فالزهراء ( عليها السلام ) إذا هي أعلم بالسنة من أبي بكر ، ولا يجوز - مع وراثتها السنة من أبيها - أن تجهل حديثا يعلم به أبو بكر دونها ودون ابن عمها ، وأبو بكر ليس بوارث شيئا من علم وسنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

والحديث الذي رواه يمنع به إرث الزهراء حديث انفرد به هو دون والصحابة ، فكيف جهلت الزهراء هذا الحديث وهي وارثة السنة ؟ ! فهذا أمر لا يستقيم له عود ، لذا فمعارضتها تبطل الحديث .

ومن المعلوم أن حديث أبي بكر هذا من أخبار الآحاد ، وحتى إذا لم يعارضه في مفاد هذا الحديث أحد ، فهو لا يفيد إلا الظن بصدقه هذا مع عدم المعارضة ، فكيف الحال إذا تمت المعارضة ، ولا سيما إذا تمت من الزهراء ( عليها السلام ) وأمثالها من بيت النبوة ؟ !
إذا فالحديث يتنزل حتى من درجة إفادة الظن في الصدق ، بعد المعارضة ، إلى أسفل الدرجات ، وتبطل به الحجة .

يقول صاحب فواتح الرحموت عن الذي يحدث بخبر الواحد : " إذا أخبر بحضرة خلق كثير فأمسكوا عن تكذيبه ، يفيد ظن صدقه " ( 2 ) ، ولكن قد كذبته الزهراء وأمير
* هامش *
( 1 ) أنظر : كتاب السقيفة لابن أبي بكر الجواهري ص 101 .
( 2 ) كتاب فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت للعلامة عبد العلي بن نظام الدين الأنصاري 2 : 125 - الأصل الثاني - ( * )


- ص 88 -

المؤمنين ( عليه السلام ) ، إذا فالظن بالصدق لا يستفاد من مفاد الحديث ، ويسقط بالتالي عن الاعتبار .
إن أبا بكر ، لا يستطيع بهذا الحديث الذي انفرد بروايته وحده أن يمنع الزهراء إرثها من أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . كما أنه لا يستطيع أن يبطل ادعاءها بأن أباها قد نحلها فدكا ، ذلك لأنه لا يمكن أن يدعي أن الزهراء قد طلبت ما ليس لها بحق لها جهلا منها أو كذبا ، و حاشاها .

إذاً أنه بنفسه قد أثبت لها أنها ورثت من أبيها الإيمان والعلم والحكمة والسنة ، فلا جهل مع العلم والحكمة والسنة ، ولا كذب مع الإيمان الموروث . كما أنها لا سبيل إلى إبطال شهادة الإمام علي ( عليه السلام ) ، لأنه يعرف مقامه جيدا ، وقد سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي ( عليه السلام ) كرات ومرات : " أنت ولي كل مؤمن بعدي " ( 1 ) .

وعلى هذا ، فأبو بكر من موالي أمير المؤمنين كما هو واضح ، وذلك لعموم الحديث ، فلا يمكن أن يطوف بذهن الصديق أن الإمام عليا ( عليه السلام ) قد أخذته الحمية وجاء يشهد لزوجته شهادة زور وقد بلغ الإمام هذا المقام الولائي الذي يأتي بعد مرتبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بلا فصل ، فأبو بكر يعلم كل ذلك ولم تخف في ذلك عليه خافية .

ولكن المسألة لها اتجاه آخر ، فالأمر لم يكن فصلا في قضية حكم فيها أبو بكر بما صدر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومنع على أثرها الزهراء من أن ترث أباها ، وإنما كان هذا ظاهر القضية لا غير .

في الواقع إن أبا بكر ومن تصافق معه قد استكثروا ما تركه النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الزهراء وزوجها وابنيهما ( عليهم السلام ) . وقد كان أبو بكر يرى نفسه أولى من غيره بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فيكف لا تكون فدك في يده هو ،
لا سيما وأنه قد تسلم زمام الخلافة ؟ ! فاعتبار نفسه بأنه من عشيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ناحية ، والحاجة إلى تقوية موقفه السياسي من حيث الجانب المالي من ناحية أخرى . . كل ذلك جعله لا يرى سببا يجعل كل فدك في يد علي
وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، لا سيما وأن هؤلاء الأربعة يمثلون خطرا سياسيا له ، وأنه بأخذ فدك منهم ، وضرب الحصار السياسي عليهم بعد الإضعاف المالي ، سيأمن على خلافته

* هامش *
( 1 ) السنة - طبعة بغداد 1970 ، بهامش كتاب المستصفى للغزالي .
مسند أحمد بن حنبل 1 : 331 ، والحديث المذكور من الخصائص التي يرويها سعد بن أبي وقاص . ( * )


- ص 89 -

منهم . وبنفس المنطق الذي استولى به أبو بكر على الخلافة وجرد منها الأنصار استولى على فدك ، إلى جانب منطق الحاجة السياسية والاقتصادية إلى مصدر مالي يجعله يقوم بأعمال شتى لتقوية دولته وحماية حكومته ، فكان هذا المصدر المالي في ذلك الوقت هو فدك .

ففي سقيفة بني ساعدة خاطب أبو بكر الأنصار قائلا : " . . . وخص المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه [ وفي ذلك إشارة إلى نفسه ] ، فهم أول من عبد الله في الأرض ، وهم أولياؤه وعترته وأحق الناس بالأمر بعده ، ولا ينازعهم فيه إلا ظالم ".

إذا ، فما دام أبو بكر يرى أنه من أولياء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته ، وهم بالتالي أحق الناس بالخلافة من بعده . . فكيف لا يكون هو أحق الناس بفدك وغير فدك ؟ ! وما دام أنه يرى أحقيته في الخلافة ، فلا بد أن يدعم هذا الحق بما تركه النبي ( صلى الله عليه وآله ) باعتباره خليفته من بعده ، كما يرى ، ولهذا كان لا بد من الاستيلاء على فدك هذه .

أما أبو حفص ، فلم يكن يرى خلاف ما كان يراه أبو بكر ، فهما في الأمر سيان ، وقد تصافقا عليه وتوحدا ، يقول ابن الخطاب مخاطبا الأنصار : " هيهات ، لا يجتمع سيفان في غمد ، من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه
وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة ؟ ! " وبهذا يرفع أبو حفص النقاب ، ويبدي سبب الاستيلاء على فدك جليا واضحا . .

فانظر إلى قوله : " من ذا يخاصمنا في ميراث محمد وسلطانه " ، فعمر كان يرى أنه هو و أبو بكر ورثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لماذا ؟ لأنهما أولياؤه وعشيرته ! وإذا كان من حق أبي بكر وعمر أن يرثا الخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه
وآله ) ، فكيف لا يكون من حقهما أن يرثا إرثهما في فدك وغيرها ؟ ! وبعد حصول إرث الخلافة ، فماذا يمنع من حصول إرث كل شئ آخر ، لا سيما إذا كان مربوطا بالخلافة سياسيا واقتصاديا ؟ !

يقول عمر بن الخطاب: " لما قبض النبي ( ص ) جئت أنا وأبو بكر إلى علي، فقلنا : ما تقول فيما ترك رسول الله ( ص ) ؟
- ص 90 -

قال : نحن أحق الناس برسول الله ( ص ) . قال [ عمر ] : قلت : والذي بخيبر ؟ قال [ علي ] : والذي بخيبر . قلت : والذي بفدك ؟ قال : والذي بفدك . قلت : أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير ، فلا " ( 1 ) .

فهذا الحوار الذي دار بين عمر والإمام علي ( عليه السلام ) يؤكد ما ذهبنا إليه من استكثار القوم فدكا على أهل البيت ، وإحساسهم بحقهم في إرث النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

فلما لم يكن في استطاعة أبي بكر وعمر إنكار حق الإمام وأهل بيته في إرث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، اضطرهما ذلك إلى التفكير بالتسوية واقتسام ما ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإلا فليس هناك تفسير غير ذلك لهذا الحوار . فما معنى أن يعودا مرة أخرى ويسألا الإمام عليا عن فدك وخيبر ؟ !

فأبو بكر أصدر حكمه برد ادعاء الزهراء منح النبي ( صلى الله عليه وآله ) إياها فدكا ، وأكد عدم توريث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن ما تركه صدقة ليس لبنته حق في إرثه ، فماذا بعد الحكم القضائي وعدم اكتمال البينة - كما يدعي القوم - وبعد إثبات أن ما تركه النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو حق للمسلمين كافة ؟ !

وأما إن كان هذا الحوار هو أول كلام في أمر فدك وخيبر ، فلا يجوز لأبي بكر وعمر أن يأتيا إلى الإمام علي يسألانه رأيه في ما ترك النبي ( صلى الله عليه وآله )، لو كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد قال حقا: " لا نورث ، ما تركناه صدقة "
،لأن هذا الحديث لا يتيح مجالا لأبي بكر وعمر ليساوما في أمر أصدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله فيه وبين حكمه ، فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يورث ما تركه صدقة للمسلمين، فما معنى محاورة الإمام علي ( عليه السلام ) وهو لا يملك شيئا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل ليس له شئ فيما ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) سواء كان إرثا أو صدقة ؟ !

فلماذا يسأل عن رأيه في تركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو غير وارث له طبقا لحديث أبي بكر ، ولا صدقة له فيما ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحكم أن أهل البيت قد حرموا الصدقة ؟ ! ( 2 )

* هامش *
( 1 ) مجمع الزوائد : باب ما تركه الرسول ( ص ) ، نقلا عن الطبراني في الأوسط .
( 2 ) صحيح البخاري 1 : 181 - كتاب الزكاة - باب ما يذكر في الصدقة للنبي . ( * )


- ص 91 -

ولما رأى عمر عدم مساومة الإمام علي ( عليه السلام ) في حقه الشرعي ، وأنه لم يحقق ما حلما به في الاقتسام ، قال له عمر - كما رأيت - : " أما والله ، حتى تحزوا رقابنا بالمناشير ، فلا " .

فعمر لم يبن رفضه هذا على حديث من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يقل أبو بكر إني سمعت النبي يقول لا نورث . . . إذ لم ينبس أحد منهما بهذا الحديث في ذلك الحوار ، بل كان هذا الرفض مبنيا على ما كان يشعر به الشيخان من حق لهما
فيما ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلى ما كان يلمسانه من الحاجة إلى مصدر مالي يدعمان به الخلافة والدولة . ولو كان الإمام علي رضي بالاقتسام لرضيا به ، كما هو واضح من مجيئهما إليه لمعرفة رأيه فيما ترك النبي ( صلى الله عليه
وآله ) ، وبهذا يثبتان له حقه ، وبرفضهما تمسك الإمام بكل التركة يوضحان إحساسهما بالحق فيما ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) . إذا ، فالاعتراف بحق أهل البيت وإحساسهما بالحق في ذلك أيضا يوضح نية الاقتسام من تلك الزيارة .

ولما لم يجد الشيخان من الإمام ( عليه السلام ) استجابة لما نوياه من اقتسام تركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووجداه ثابت الرأي في أحقية أهل البيت في كل التركة ، لم يجد بدا من الاستمرار في الاستيلاء عليها والاستئثار بها ، إذ حتمت السياسة والحاجة الاقتصادية ذلك من قبل فأخذا فدكا .

يقول الإمام في خطابه لعثمان بن حنيف - واليه على البصرة - : " بلى ، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله " ( 1 ) .

ولهذا غضبت الزهراء ( عليها السلام ) ، ولم تكلم أبا بكر حتى لحقت بأبيها وهي غاضبة عليه لما فعل .
يقول البخاري : " فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ( ص ) ستة أشهر . قالت عائشة : فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله ( ص ) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر
* هامش *
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 77 . ( * )


- ص 92 -

عليها ذلك " .
ولكن . . هل يقف الأمر عند أعتاب غضب الزهراء ( عليها السلام ) وينتهي كل شئ ؟
روى البخاري ، كما ذكر النبهاني في " الشرف المؤبد " : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : " فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها " ،
ويروى أيضا " فمن أغضبها أغضبني " . . . ولهذا صار أبو بكر وعمر بين أمرين أحلاهما مر ، فهما يريان أهمية فدك ، إذ أنها خير دعم سياسي واقتصادي للخلافة ، ويريان في نفس الوقت حق الزهراء في فدك ، إذ أنها ميراث النبي ( صلى الله
عليه وآله ) الذي تركه لها ، وقد استقلت لذلك غضبا وسخطا . . ولهذا حاول أبو بكر وعمر مرة أخرى إرضاء الزهراء عنهما ، ولكن مع الاحتفاظ بفدك . ولتحقيق هذا الأمر قال عمر لأبي بكر : " انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنا قد أغضبناها " .

وهذا يؤكد إحساسهما بثقل وخطورة غضب البتول وبضعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : " فانطلقا جميعا ، فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فأدخلهما عليها . فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها ، فلم ترد
عليهما السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : . . . أفترين أعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ؟ ! ألا إني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : لا نورث ، ما تركناه صدقة ، فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا
عن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، تعرفانه وتعملان به ؟ قالا : نعم . فقالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله [ ( صلى الله عليه وآله ) ] يقول : رضاء فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ،
ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، من أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم . قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي [ ( صلى الله عليه وآله ) ]
لأشكونكما إليه . فقال أبو بكر : إني عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة . . ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه تزهق وهي تقول : والله لأدعون عليك كل صلاة

- ص 93 -

أصليها . . ثم خرج باكيا ، فاجتمع إليه الناس ، فقال لهم : يبيت كل رجل منكم يعانق حليلته ، مسرورا بأهله ، وتركتموني وما أنا فيه ؟ ! لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتكم " ( 1 ) .

إذا ، فأبو بكر يعلم أن غضب الزهراء ( عليها السلام ) يغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن سخطها يسخطه ، ويعلم براءتها من الغضب الذي لا أساس له ، فقد شهد بهذا أبو بكر نفسه بإثباته أنها ورثت العلم والإيمان والحكمة والسنة من
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا يوضح أن غضبها لا يكون إلا بالحق ، ولا يكون رضاها إلا به ، ولذلك استعاذ أبو بكر بالله من غضبها قائلا : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه . . . . ، ثم انتحب يبكي ، إحساسا منه بخطورة الموقف .

واهتزت أركان الخلافة بسبب هذا الغضب الفاطمي ، وأصبحت بيعة الناس له لا تزن عنده عقال بعير ، فسعى لأن يكون منها في حل لو استطاع . ولكن هيهات ، فلقد أحكم عقدها في أعناق الناس ، ولما لم يجد أبو بكر فكاكا منها صار في لحظات احتضاره يجتر مرارة الندم ويتعلق بحبال التمني .

فقد قال يوم وفاته : " ثلاث فعلتهن ، ليتني كنت تركتهن ، فليتني تركت بيت علي ، وإن كان أعلن علي الحرب " ( 2 ) . . وقد صاحت الزهراء يومئذ مخبرة أباها عليه السلام بما حدث لأهل بيته من بعده ، فقالت : " يا أبت ، يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ! " ( 3 ) .
فماذا لقيت الزهراء ( عليها السلام ) منهما يا ترى ؟ ! !

والسؤال الذي يطرح نفسه لا محالة : كيف للزهراء الطاهرة أن تقف هذا الموقف من أبي بكر وعمر ، والرسول قد قيل إنه قال : " اقتدوا باللذين من بعدي : أبو بكر وعمر " ؟ ! أفتراها نسيت ما ورثته من عمل وحكمة وسنة ، ولما يمض على وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا أيام ؟ ! !

* هامش *
( 1 ) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 عند ذكر حوادث السقيفة : أعلام النساء 4 : 123 - 124 .
( 2 ) الإمامة والسياسة ج 1 - وفاة أبي بكر .
( 3 ) تاريخ الطبري 3 : 210 ، الإمامة والسياسة 1 : 13 . ( * )


- ص 94 -

أم تراها مخالفة لما ورثته من سنة أبيها والدين الذي أنزل عليه ، فخالفته فيما أمر به ؟ ! !
أم هو حديث صاغته سدنة بني أمية لإثارة الغبار والضباب ، لإخفاء فضائل علي ( عليه السلام ) ، وخفضا لمقامه ، ومحقا للدين ؟ ! ! نعم ، هو ذلك لعمري ، حديث موضوع ، يدحضه قول الصادق الأمين ، مخاطبا أبا بكر وقومه : " لا أدري ما
تحدثون بعدي " ( 1 ) . . وما كان لأبي بكر يوم ذلك الخطاب إلا البكاء ، لو يجدي البكاء ! وكان الغضب الفاطمي ذا مرارة طغت على لذة الخلافة والسلطة ، فانتزعت تلك المرارة الحقيقة من أعماق الفطرة مهما كان ولكن فات الأوان .

وبين سكرات الموت قال أبو بكر : " فوددت أني سألته - يعني رسول الله - لمن هذا الأمر ، فكنا لا ننازعه أهله " ( 2 ) ولكن . . لات ساعة مندم .
* هامش *
( 1 ) الموطأ 1 : 307 ، المغازي للواقدي 1 : 310 - غزوة أحد .
( 2 ) الإمامة والسياسة ج 1 - وفاة أبي بكر ، كتاب السقيفة للجواهري 41 . ( * )

king
12-09-2008, 06:48 PM
......................

محاور عقائدي
12-09-2008, 08:19 PM
شنــــــــــــو

لبيك داعي الله
13-09-2008, 02:28 AM
فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت

( إن الله يرضى لرضى فاطمة وسغضب لغضبها )

بوركت يداك

موفق

محاور عقائدي
13-09-2008, 05:12 PM
مشكور مولانا

تحياتي لك

الحازم2008
14-09-2008, 10:47 AM
أرض فدك ، قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود، و لمّا فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر، قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فدك ، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها مما لم يُوجف عليها بخيل و لا ركاب.
و رغم أنّّ خلاف الخليفة أبو بكر مع السيدة فاطمة رضوان الله عليهما كان خلافاً سائغاً بين طرفين يملك كل منهما أدلة على رأيه إلا أنّ حساسية البعض من شخصية أبو بكر تجعله ينظر إلى الأمور بغير منظارها فتنقلب الحبة إلى قبة. و لو أننا استبدلنا شخصيات القصة ( أبو بكر و فاطمة ) بفقيهين من الشيعة مثلاً أو مرجعين من مراجعهم لكان لكل طرف منهما مكانته وقدره دون التشنيع عليه وإتهام نيته ، ولكانت النظرة إلى رأي الطرفين نظرة احترام وتقدير على اعتبار وجود نصوص وأدلة يستند إليها الطرفين في دعواهما وإن كان الأرجح قول أحدهما. لكن أمام ( ابو بكر ) و ( فاطمة ) الأمر يختلف ، فأبو بكر عدو للشيعة وما دام عدواً فكل الشر فيه وكل الخطأ في رأيه ، هكذا توزن الأمور!!! توزن بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين فكيف بدراسة أحداث تاريخية ودراسة تأصيلها الشرعي!!!
لكن المنصف الذي لا ينقاد إلى عاطفته بل إلى الحق حيث كان ، يقف وقفة تأمل لذاك الخلاف ليضع النقاط على الحروف فأرض فدك هذه لا تخلو من أمرين: إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر.
فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري و مسلم و غيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر وغيرهما. فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( إنّا لا نورّث ، ما تركناه صدقة ) وفي رواية عند أحمد ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث )، فوجدت فاطمة على أبي بكر بينما استدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}.
و لنكن حياديين ها هنا ولننسى أنّ المطالب بالإرث امرأة نحبها ونجلها لأنها بنت نبينا وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند الله عز وجل ما لها ، لنقول : كلام محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد ، فإذ صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد ان نقبله ونرفض ما سواه ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبو بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه بحذافيره ؟!!
لقد صح حديث ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) عند الفريقين السنة والشيعة ، فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح ويُتهم بالمقابل باختلاقه الحديث لكي يغصب فاطمة حقها في فدك؟!! أما صحته عند أهل السنة فهو أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، وأما صحته عند الشيعة فإليك بيانه:
روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ) قال عنه المجلسي في مرآة العقول 1/111 ( الحديث الأول ( أي الذي بين يدينا ) له سندان الأول مجهول والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح ) فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به ، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم!!
والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحة عند الشيعة حتى يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية على جواز ولاية الفقيه فيقول تحت عنوان (صحيحة القداح ) : ( روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح ( عبد الله بن ميمون ) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ، سلك الله به طريقاً إلى الجنة … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) ويعلق على الحديث بقوله ( رجال الحديث كلهم ثقات ، حتى أنّ والد علي بن إبراهيم ( إبراهيم بن هاشم ) من كبار الثقات ( المعتمدين في نقل الحديث ) فضلاً عن كونه ثقة ) ثم يشير الخميني بعد هذا إلى حديث آخر بنفس المعنى ورد في الكافي بسند ضعيف فيقول ( وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف ، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح ، لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد اله عليه السلام قال: ( إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم … ))
إذاً حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً و لا درهماً و لكن ورّثوا العلم) صحيح كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله ، فلماذا لا يؤخذ بحديث صحيح النسبة إلى رسول الله مع أننا مجمعين على أنه لا اجتهاد مع نص؟!! ولماذا يُستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويُهمل في قضية فدك؟!! فهل المسألة يحكمها المزاج؟!!
إنّ الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا عليه السلام { فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب } على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم استدلال غريب يفتقد إلى المنطق في جميع حيثياته ، وذلك لعدة أمور هي:
أولاً: لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولداّ لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا عليه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله ، إنما أراد زكريا عليه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده ، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة.
ثانياً: المشهور أنّ زكريا عليه السلام كان فقيراً يعمل نجاراً ، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً ، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير.
ثالثاً: إنّ لفظ ( الإرث ) ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما يقول الله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } وقوله تعالى { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال.
رابعاً: حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً و لا درهماً و لكن ورّثوا العلم) الذي ذكرناه آنفاً يتضمن نفي صريح لجواز وراثة أموال الأنبياء ، وهذا كاف بحد ذاته.
و كذلك الحال في قوله تعالى { وورث سليمان داود } فإنّ سليمان عليه السلام لم يرث من داود عليه السلام المال وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين إثنين:
الأول: أنّ داود عليه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة أي أمة ، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان عليه السلام؟!! فتخصيص سليمان عليه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد.
الثاني: لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك و تعالى، إذ أنّه من الطبيعي أنّ يرث الولد والده ، والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان عليهما السلام فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله فأي اختصاص لسليمان عليه السلام في وراثة مال أبيه!! ، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان عليه السلام وما خصه الله به من الفضل ، وإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت ، ومثل هذا لا يُقص عن الأنبياء ، إذ لا فائدة فيه ، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد وإلا فقول القائل ( مات فلان وورث فلان ابنه ماله ) مثل قوله عن الميت ( ودفنوه ) ومثل قوله ( أكلوا وشربوا وناموا ) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن.
وأعجب من هذا كله حقيقة تخفى على الكثيرين وهي أنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار و الأرض شيئاً ، فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم؟!!
فقد بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان ( إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً ) روى فيه عن أبي جعفر قوله: ( النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً ) و روى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث ، فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما) و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً) و عن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً)
كما أنّ فدك لو كانت إرثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان لنساء النبي و منهن عائشة بنت أبي بكر وزينب وأم كلثوم بنات النبي حصة منها ، لكن أبا بكر لم يعط ابنته عائشة ولا أحد من نساء النبي ولا بناته شيئاً استناداً للحديث ، فلماذا لا يُذكر هؤلاء كطرف في قضية فدك بينما يتم التركيز على السيدة فاطمة وحدها؟!!
هذا على فرض أنّ فدك كانت إرثاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني في تفسيره الصافي 3/186 فالأمر يحتاج إلى وقفة أخرى أيضاً. فعلى فرض صحة الرواية والتي تناقضها مع روايات السنة والشيعة حول مطالبة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك كأرث لا كهبة من أبيها ، فإننا لا يمكن أن نقبلها لاعتبار آخر وهو نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام. إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ، إني قد وهبت ابني حديقة واريد أن أُشهدك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أكُلّ أولادك أعطيت؟ قال: لا ، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه ( اذهب فإني لا أشهد على جور )
فسمّى النبي صلى الله ليه وآله وسلم تفضيل الرجل بعض أولاده على بعض بشيء من العطاء جوراً ، فكيف يُظن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنبي معصوم لا يشهد على جور أن يفعل الجور ( عياذاً بالله )؟!! هل يُظن به وهو أمين من في السماء أو يجور في أمانة أرضية دنيوية بأن يهب السيدة فاطمة فدك دون غيرها من بناته؟!! فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة ، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة ، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً؟!! و الثبات من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبو بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة ، وهذا ما كان يراه الإمام علي نفسه إذ أنه لمّا استُخلف على المسلمين لم يعط فدك لأولاده بعد وفاة أمهم فاطمة بحيث يكون له الربع لوجود الفرع الوارث ، وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي { للذكر مثل حظ الأنثيين } وهذا معلوم في التاريخ ، فلماذا يُشنع على أبي بكر في شيء فعله علي بن أبي طالب نفسه ؟!! بل يروي السيد مرتضى ( الملقب بعلم الهدى ) في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي ما نصه ( إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كُلّم في رد فدك ، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر )