ذو النفس الزكية
22-09-2008, 06:11 PM
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين
اما بعد
فاسذكر هنا مجموعة من الادلة على صحة عقيدتنا وارجو الانتباه الكلي والبعد عن التعصب الاعمى فان اقتنعن فخير على خير وان لم تقتنع فالمشكلة في العقل عافانا الله واياكم
من الادلة:
الادلة العقلية:
أولاً:
إنّ الإمامة واجبةٌ عقلاً بمقتضى قاعدة اللطف التي هي عبارة عمّا يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية من باب الرحمة والكمال المطلق للَّه تعالى، وهي تماماً كالنبوّة: لطفٌ منه تعالى بعباده حيث يرسل إليهم الرسل ليرشدوهم إلى منافعهم ومصالحهم ويبعّدوهم عن المضارّ في الدنيا والآخرة، لأنّ العقل محدود في تفكيره فلا يكفي إرشادهم إلى ما ينفعهم وما يضرّهم؛ كما أنّ التجريبيّات الحاصلة للبشر طوال التاريخ لم تكن وافية بذلك. هذا مضافاً إلى أن حاجات الإنسان لا تنحصر بالعالم المادي المشهود، وأنّ ما وراءه لا يُكْشف عادة بالعقل ولا يكون في حيطة الحسّ والتجربة، والوجدان غير كافٍ للكشف عمّا وراء الطبيعة بشكل تفصيليّ، لأنّ الكشف عن الأمور التفصيلية عما وراء الطبيعة بحاجة إلى عوامل مساعدة تحيط بذاك العالم، وهذا لا يكون إلا بواسطة الأنبياء والأولياء والرسل، ولو أهمل سبحانه الإنسان مع ما له من العقل والوجدان ولم يرسل لهم الأنبياء والأولياء لكان لهم العذر والحجّة على اللَّه تعالى لعدم تمكنّهم من نيل السعادة بدون وساطة الإنبياء، ولكنّ إرسال الرسل يقطع عذرهم وتكون الحجّة عليهم آكد، وذلك لقوله تعالى:
]رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً[.
إذن فائدة بعثة الأنبياء والأولياء إرشاد العباد إلى الخير والصّلاح وإبعادهم عن الشرّ والفساد. وهناك فوائد أُخر لبعثتهم وهي تزكية النفوس البشرية المركّبة من عقل وشهوة، وبما أنّ طبيعة المخلوق الأرضيّ ونزوعه نحو المادّة سوف تطغى عليه عوامل الشرّ والفساد فيزيغ عن الصراط السويّ وفي ذلك فساد كبير ونقضٌ للغاية التي خُلق لأجلها الإنسان وهي المعرفة والعبادة ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[، وحتى تنتظم عوامل الخير عند الإنسان أرسل سبحانه المبشّرين والمنذرين لتنال البشرية حظها الأوفر من المعرفة الإلهية.
ومن فوائد بعثة الانبياء عليهم السلام:
ضبط الروابط الاجتماعية من الانحراف نحو الظلم والفحشاء والمنكرات بردع الظّالم عن ظلمه، وحفظ الشريعة من الانحراف والزيادة والنقصان؛ وإزالة الشبهات التي تعترض معتنقيها.
هذه أهم الفوائد لبعثة الأنبياء وهي بنفسها وظائف للإمام أو الإمامة، لأنّ الإمامة خلافة عن النبوّة، قائمة مقامها إلاّ في تلقي الوحي، فكما أن البعثة واجبةٌ على اللَّه تعالى بحكم العقل كذلك الإمامة واجبةٌ عليه تعالى بحكم العقل وطبقاً لقاعدة اللطف.
وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوّة على طول خط الزمن، فكما أنّ زمناً ما لم يخل من نبيّ منذ آدم (عليه السَّلام) إلى نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، كذلك لن يخلو زمنٌ بعد خاتم الإنبياء من وجود إمام يزيل الشبهات ويفسّر الكتاب ويبيّن ويوضّح المتشابهات، خصوصاً وأنّ شريعة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ناسخة لكل الشرائع فلا بدّ لها أنْ تعطي لكلّ حادثة متجددة حلاً لها، وهذا لا يمكن حصره في فترة زمنية قصيرة فيتعيّن إيجاد أشخاص وأفراد كاملين بمنزلة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يبيّنون ما خفي على الناس من معرفة دينهم ويشرحون لهم ما عجزوا عن حلّه، وهذا ما يتكفّله المعصوم الذي ينوب عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فإذا لم يبعث اللَّه تعالى للناس مَنْ يبيّن لهم ما خفي عليهم مع حاجتهم إلى ذلك، دلّ على خلوّ الزمان من إمام، وهو فاسدٌ.
قال العلاّمة النّراقي قدّس سرّه:
"إن رتبة الإمامة قريب من رتبة النبوّة إلاّ أنّ النبي مؤسسٌ للتكاليف والأحكام الشرعية بمعنى أنه جاء بالشريعة والأحكام والأوامر والنواهي من جانبه ابتداءاً والإمام يحفظها ويبقيها بعنوان النيابة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
"فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربّهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها كما أنّ النبي رابط بين الناس وبين ربّهم في أخذ الفيوضات الظاهرية وهي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي وتنتشر منه وبتوسّطه إلى الناس وفيهم، والإمام دليل هادٍ للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبيّ دليلٌ يهدي إلى الاعتقادات الحقّة والأعمال الصالحة".
ولا يخفى أنّ ما ذكره العلاّمة الطباطبائي قدّس سره في تعريف وظائف الإمام وأنها باطنية لا يناقض وظائفه الظاهرية التي كانت من مختصّات النبي إذْ لا فرق بين النبي والإمام إلا في تلقّي الوحي.
ثانياً:
يجب أن يكون الإمام "الذي ثبُتت حاجة الناس إليه" معصوماً عن الخطأ وبما أنّ غير الأئمة (عليهم السَّلام) ليسوا معصومين إجماعاً فتعيّنت العصمة لهم وإلاّ لزم خلوّ الزمان من المعصوم وهو مستحيل لما تقدّم من فائدة بعثة الأنبياء والأولياء وأنها لطف، وكون وجود الإمام لطفاً من وجوه:
أحدها: إنّ الإمام يحفظ الشرائع ويحرسها من الزيادة والنقصان.
ثانيها: إنّ اعتقاد المكلّفين بوجود الإمام وتجويز إنفاذ حكمه عليهم في كل وقت سببٌ لردعهم عن الفساد ولقربهم من الصلاح وهذا معلومٌ بالضرورة.
ثالثها: إنّ تصرّفه لا شك أنه لطف وذلك لا يتم إلا بوجوده فيكون وجوده بنفسه لطفاً، وتصرّفه يُعدّ لطفاً آخراً.
ثالثاً:
إنّ الكمالات النفسانية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحد من أئمتنا (عليهم السَّلام)، ومَنْ كان كاملاً في نفسه كذا هو مكمّلٌ لغيره وذلك يدلّ على استحقاقه الرياسة العامّة لأنه أفضل أهل زمانه، وحيث يقبح تقديم المفضول على الفاضل، يقبح تقديم غيرهم عليهم، فيثبت كون كل واحد منهم إماماً وهو المطلوب.
اما الادلة النقلية فهي:
فمن الكتاب، قوله تعالى:
]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ [البقرة:30].
بتقريب:
إنّ اللَّه سبحانه هو الجاعل للناس خليفة ولا يحقّ لغيره أنْ ينتخب خليفته سبحانه، وحيث إنّ حيثية الخلافة لم تكن مقيّدة بجهة معيّنة. يُفهم من ذلك أن الخلافة ظاهرة في كون هذا الخليفة نائباً عن المستخلف له في جميع شؤون ما استُخلف عليه، فلا تختصّ خلافته ببعضٍ دون بعض وفي مورد دون آخر بل هي عامة لمختلف الشؤون الخاصّة والعامّة، وهذا يدلّ على أنّ الخليفة يُفرض له أن يتحلّى بكل الأسماء الإلهية والصّفات الربانية لأنه نائب عنه سبحانه فيها، وحيث إنّ تعبيره سبحانه ب]إني جاعلٌ[ ولم يقل "سوف أجعل" أو "جعلت" يدلّ على استمرار هذا الجعل في أمد الزمان من أوّل خلقه آدم إلى يوم القيامة، فأوّل فرد من أفراد الإنسان يكون كذلك، وإلاّ لم يكن جاعلاً في الأرض خليفة، ويدوم ذلك كذلك إلى آخر الزمن، فوجود الإنسان الكامل الخليفة لا يختصّ بزمان دون زمان.
ومن الآيات أيضاً قوله تعالى:
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ[ [النساء:59].
هنا، أوجب سبحانه طاعة أولي الأمر وهم أئمتنا (عليهم السَّلام) على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى وطاعة رسوله بمقتضى العطف الموجب لإلحاق حكم المعطوف بالمعطوف عليه، ومن المعلوم ضرورة عموم طاعته تعالى وطاعة رسوله في كل الأزمنة والأمور فليست طاعته تعالى وطاعة رسوله منحصرة أو مقيّدة بزمن دون آخر بل هي عامة إلى يوم القيامة، فيجب مثل ذلك لأولي الأمر بموجب الأمر، وذلك يقتضي توجّه الخطاب ب: "أولي الأمر" إلى أمير المؤمنين عليفبن أبي طالب (عليه السَّلام) لأنه لا أحد قال بعموم طاعة أولي الأمر إلاّ خصّ بها علياً أمير المؤمنين والأئمة من ذريّته (عليهم السَّلام)، وإذا عمّت طاعته الأمّة والأزمان والأمور ثبت كونه معصوماً لاجتماع الأمة على إمامة من كان كذلك وعدم استحقاقه لغيره.
ومن الآيات قوله تعالى:
]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[ [الأحزاب:33].
إتفق الخاصّة والعامة على نزول الآية المباركة بأهل الكساء الخمسة في بيت أم المؤمنين "أم سلمة"، فقد أخرج ابن كثير في تفسيره عن أحمدفبن حنبل، بسند معنعن عن أم سلمة، قالت: كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيتي، فأتته فاطمة (رضي اللَّه عنها) ببرمةٍ فيها خزيرة أو عصيدة، تحملها على طبق، فوضعتها بين يديه فقال لها: "ادعي زوجك وابنيك" قالت: فجاء عليٌّ والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم، فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك العصيدة، وكان تحته (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كساءٌ خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل اللَّه عز وجل الآية، قالت أم سلمة: فأخذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فضل الكساء فغطاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السَّماء، ثم قال: "اللهم هؤلاء هم أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً" قالت: فأدخلت رأسي، فقلت: وأنا معكم يا رسول اللَّه؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "إنّك إلى خير، إنك إلى خير".
وعن أحمد بن حنبل بإسناده إلى أنسفبن مالك أنه قال: إن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً".
والآية المباركة تشير إلى عصمة أهل البيت الذين كانوا تحت الكساء، وقد اعترض جمهور علماء العامة في مصادرهم بأنّ الآية نزلت لبيان فضل النبي محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ولا يُراد من إذهاب الرجس والتطهير سوى العصمة، فإذا ثبتت عصمتهم (عليهم السَّلام) ثبتت قيادتهم للمجتمع، وإنهم أئمة وقادة، فمن كان معصوماً فهو جدير بأن يكون خليفة، يأخذ بيد البشرية إلى غايتها المنشودة، فقياس المعصوم على غيره قياس مع الفارق، حيث إن المعصوم يستحيل أن يتطرق إلى ساحته خطأٌ، بعكس غيره، فإن جُلّ تصرفاته تكون مشوبة بالخطر والخطأ والسهو والنسيان، فتقديم غير المعصوم على المعصوم في إدارة شؤون المجتمع بعد رحيل النبي يعتبر تنكيساً لحكم العقل القائل بقبح تقديم الجاهل على العالم، والظلمة على النور، قال تعالى مقرّعاً هؤلاء:]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[ ]وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ[ [فاطر:19_20].
وهناك آيات كثيرة دلت على فضائل العترة الطاهرة فوق المائة آية، ولكن من أراد المزيد فليراجع "نهج الحق" للعلاّمة الحلّي قدّس سره.
وأما الأخبار: الدالة على إمامة الأئمة الطاهرين (عليهم السَّلام) فكثيرة، منها:
ما رواه الطرفان: أن الأئمة (عليهم السَّلام) إثنا عشر خليفة إلى يوم القيامة. فعن جابر ابن سمرة قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليَهم إثنا عشر رجلاً؛ ثم تكلم النبي بكلمةٍ خفيت عليّ، فسألتُ أبي: ماذا قال رسول اللَّه؟ قال: كُلّهم من قريش".
وبسند آخر عن جابر بن سمرة قال:
قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "لا يزال الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. قال: ثم تكلّم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش".
وفي طريق آخر عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص؛ قال: كتبتُ إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني شيء سمعتَه من رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: فكتب إليّ: سمعتُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يوم الجمعة، عشية رُجِمَ الأسلمي، يقول: لا يزالُ الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش".
وبلفظ آخر رواه البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: يكون إثنا عشر أميراً. . .
والمقصود من الاثني عشر خليفة أو أمير: هم النقباء الذين عيّنهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في حياته بدءاً بعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السَّلام) وانتهاءاً بالإمام المهدي (عليه السَّلام).
وقد فشلت كل المحاولات التي قام بها بعض العامة لتطبيق الحديث المذكور على خلافة الأربعة وأطلقوا عليهم اسم الخلفاء الراشدين، مروراً ببعض خلفاء بين أمية وبني العباس، ولنا على هذه المحاولة ملاحظات تُبطل ما ذهب إليه القوم منها:
إن العدد 12 لا يستغرق تاريخ الخلافة الأموية والعباسية ولا تاريخ الخلفاء الراشدين الأربعة أو الخمسة بإنضمام الإمام الحسن بن عليّ (عليه السَّلام) لكونهم أقل عدداً أو خلافة في سواهم لكونهم أكثر عدداً.
هذا مضافاً إلى أن بني أمية وبني العبّاس أغلبهم من أهل الفسق والفجور قد قضوا أعمارهم بشرب الخمور والملاهي والمحرّمات، فكيف يصح أو يجوز أن يكونوا خلفاء رسول اللَّه، مع أن الخلافة منصب رباني يعتبر في الخليفة أن يكون القدوة في الإيمان والصالحات، كما لا بدّ أن يكون الخليفة المرجع في كل الأمور لا سيّما العلمية منها، في حين نرى كل هؤلاء الخلفاء ليست فيهم صفة واحدة من صفات العترة الطاهرة. هذا بالغض عن أن هؤلاء تربّعوا على سدنة الخلافة بالقهر والقوة.
كما أن الحديث المزبور لا ينطبق أيضاً على ما تعتقده سائر فرق الشيعة من الزيدية والإسماعيلية والفطحية والواقفية وغيرهم لكون أئمتهم أقل، فينحصر إنطباقها على ما يعتقده الشيعة الاثنا عشرية من إمامة الأئمة الاثنى عشر الذين هم عترة النبي أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي الحجة بن الحسن العسكري (عليه السَّلام).
ومما يؤكد هذا ما رواه القندوزي الحنفي عن جابرفبن سمرة قال: كنتُ مع أبي عند رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فسمعته يقول: بعدي اثنى عشر خليفة ثم أخفى صوته فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟
قال أبي: قال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): كلُّهم من بني هاشم.
ورواه بطريق آخر عن سماك بن حرب.
ومما يزيد الأمر جلاءً وأن الخلفاء هم أناسٌ مخصوصون بالتطهير والكرامة، ما رواه القندوزي بطريقين عن الشعبي عن عمرفبن قيس قال: كنا جلوساً في حلقة فيها عبداللَّهفبن مسعود، فجاء أعرابي فقال: أيكم عبداللَّهفبن مسعود؟
قال: أنا عبداللَّه بن مسعود، قال: هل حدّثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟
قال: نعم، اثني عشر عدد نقباء بني إسرائيل.
وعن الشعبي عن مسروق قال: بينما نحن عند ابن مسعود نعرض مصالحنا عليه إذ قال له فتى: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟
قال: إنّك لحديث السن، وإنّ هذا شيء ما سألني أحد قبلك، نعم، عهد إلينا نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه سيكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.
وعن جرير عن أشعث عن ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: الخلفاء بعدي اثنى عشر خليفة بعدة نقباء بني إسرائيل.
وفي لفظ آخر: يكون بعدي عدد نقباء موسى (عليه السَّلام) قال اللَّه عز وجلّ: ]وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً[.
والروايات من مصادرنا كثيرة دلت على أن الأوصياء بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثنى عشر وصياً، ذكرهم النبيّ بأسمائهم منها ما رواه القندوزي:
عن الأصبع بن نباتة عن عبد اللَّه بن عباس قال: سمعتُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
وعن عباية بن ربعي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: أنا سيد النبيّين وعلي سيّد الوصيين، إن أوصيائي بعدي اثنى عشر، أولهم عليّ وآخرهم القائم المهدي.
فحديث نقباء بني إسرائيل دالٌّ على انحصار الخلافة في اثني عشر إماماً، وأنهم خلفاء بالنص من اللَّه تعالى كعدة نقباء بني إسرائيل لقوله تعالى: ]وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً[.
وقد عرفتَ أخي القارىء بما تقدم من أن الخلفاء بعد النبي إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل كخبر جرير وابن مسروق المروي في الينابيع ومسند أحمدفبن حنبل ج1/398 وغيره من مصادر القوم.
إذن حديث النقباء دلالة واضحة على انحصار الخلافة في اثني عشر وأنهم خلفاء بالنص لقوله صلوات اللَّه عليه وآله "كعدة نقباء بني إسرائيل" فإنّ نقباءهم خلفاء بالنص لقوله تعالى: ]وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً[ وسؤال الصحابة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إنما كان عن خلفائه بالنص، وليس سؤالاً عن تأمير الناس، ولا تغلُّب السلاطين على الأمة الإسلامية، لأن تأمير الناس وتغلُّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتى يَهُمَّ الصحابة بالسؤال عنه، ولأن السلاطين بلا نص، لا يحتاج إلى السؤال عنهم، وعن عددهم، لأن العادة جرت على وجود مثلهم، وأنهم لا ينحصرون بعدد، فظهر أن السؤال إنما هو عن الخلفاء بالنص، وعنهم أجاب النبيّ، ولا قائل بأن الخلفاء اثنى عشر بالنص غير أئمتنا (عليهم السَّلام) فيكونون هم المراد بالاثنى عشر في هذا الحديث.
ومن الأخبار: على إمامة الأئمة (عليهم السَّلام) ما رواه الفريقان عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال:
"النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمانٌ لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، كما صحّحه ابن حجر في صواعقه.
وقد روي الحديث بطرق وألفاظ متعددة منها ما أخرجه محمدفبن المنكدر عن أبيه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه خرج ذات ليلة وقد أخّر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة، والناس ينتظرون في المسجد، فقال:
ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ثم قال: أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء، فإنْ طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون )إلى أن قال( وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون.
ورواه القندوزي عن أحمد في المناقب عن الإمام عليّ كرّم اللَّه وجهه قال: قال رسول اللَّه (عليه السَّلام):
النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
ثم قال القندوزي: "أيضاً أخرجه ابن أحمد في زيادات المسند والحمويني في فرائد السمطين عن عليّ كرّم اللَّه وجهه، أيضاً أخرجه الحاكم عن محمد الباقر عن أبيه عن جده عن علي رضي اللَّه عنهم".
وهذا الحديث المبارك شاهد صدقٍ على إمامة الأئمة (عليهم السَّلام) إذ لا يكون المكلّف أماناً لأهل الأرض إلاّ لكرامته على اللَّه تعالى، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة مع كونه معصوماً، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه فضلاً عن أن يكون أماناً لغيره.
فإذا كانوا أفضل الناس باعتبار كونهم أماناً لأهل الأرض فإن ذلك دليل على بقائهم ما دامت الأرض، وهذه حجّة على المخالفين الذين أنكروا ولادة الإمام المهديّ المنتظر عجّل اللَّه فرجه الشريف وادّعوا أنه سيولد.
والسرّ في كون الأئمة (عليهم السَّلام) أماناً لأهل الأرض هو أنهم منزهون مقدّسون مطهرون عنده سبحانه، هذا مضافاً إلى إحاطتهم لصفات الجمال والكمال الرباني وعبادتهم للَّه وحده؛ وهذه المكرمة التي اختصهم بها المولى سبحانه تماماً كمكرمة نبيّه الأعظم الذي به دُفع العذاب عن العباد ما دام بين ظهرانيهم وما داموا يستغفرون قال تعالى:
]وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[ والأئمة (عليهم السَّلام) هم نفس النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لقوله تعالى: ]فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[.
ومثل حديث الأمان حديث السفينة المروي عند الفريقين أيضاً بسند صحيح عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ باب الكعبة: أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعتُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.
وفي تاريخ بغداد ج12/19 روى بسنده عن أنسفبن مالك قال: قال رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إنما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوحٍ من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.
كما رواه القندوزي بطرق متعددة:
وورد في مستدرك الصحيحين حديث رقم (4720) زيادة "وهوى" في ذيل الحديث هكذا:
"مثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوحٍ من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى".
ودلالة الحديث واضحة على أن من يتخلّف عن ركب سفينة الأئمة (عليهم السَّلام) فهو هالك لا محالة، لأن سفينتهم هي خشبة الخلاص من أمواج الكفر والضلال والشبهات، فتصور أخي المسلم أنك على شاطىء تريد السفر، وأمامك ثلاث وسبعين سفينة، كلها ستغرق إلاّ واحدة ستصل بأمان، وكل أصحاب السفن ينادون: نحن الناجون، وأثناء حيرتك جاءك خبير السفن وكنت تعرف صدقه وقال لك: إذا ركبت السفينة رقم اثني عشر نجوت وإذا تخلّفت عنها غرقت. بعد هذا هل ستترك السفينة رقم اثني عشر وتعدل إلى غيرها؟!!
لا نعتقد أن عاقلاً يفعل ذلك.
ونحن هنا في سفينة الحياة يحدّد لنا سيد الخلق السفينة الناجية من بين ثلاث وسبعين سفينة، وعلى المعتقد بخبير السفن أن لا يعدل عنه إلى غيره، لأن هذا الخبير أي سيد الرحمة محمدفبن عبدفاللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نصح بركوبها، فما لنا لا نقبل إرشاده ونصحه؟ ألا يحب أحدٌ النجاة؟!
لقد نادى نوحٌ ابنه ليركب سفينته ]يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا[ شفقة عليه، وهكذا رسول اللَّه ينادي أمته التي علم بتفرقها يناديها "مثَل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق"، فلنذكر هذا ولا نكن كابن نوح الذي قال ]قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ[.
هذا مضافاً إلى أن الحديث دالٌّ على وجودهم ما دام وجود الناس لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الحديث "فيكم" المروي في الينابيع ص30 نقلاً عن الأوسط قال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "وإنما مَثَل أهل بيتي فيكم مثَل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له".
اتمنى من اخواني اهل السنة القرائة بشكل جيد وتمعن حتى وعسى الله ان يهيدهم وايانا لسواء السبيل والعاقبة للمتقين
اللهم صلي على محمد وال محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اما بعد
فاسذكر هنا مجموعة من الادلة على صحة عقيدتنا وارجو الانتباه الكلي والبعد عن التعصب الاعمى فان اقتنعن فخير على خير وان لم تقتنع فالمشكلة في العقل عافانا الله واياكم
من الادلة:
الادلة العقلية:
أولاً:
إنّ الإمامة واجبةٌ عقلاً بمقتضى قاعدة اللطف التي هي عبارة عمّا يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية من باب الرحمة والكمال المطلق للَّه تعالى، وهي تماماً كالنبوّة: لطفٌ منه تعالى بعباده حيث يرسل إليهم الرسل ليرشدوهم إلى منافعهم ومصالحهم ويبعّدوهم عن المضارّ في الدنيا والآخرة، لأنّ العقل محدود في تفكيره فلا يكفي إرشادهم إلى ما ينفعهم وما يضرّهم؛ كما أنّ التجريبيّات الحاصلة للبشر طوال التاريخ لم تكن وافية بذلك. هذا مضافاً إلى أن حاجات الإنسان لا تنحصر بالعالم المادي المشهود، وأنّ ما وراءه لا يُكْشف عادة بالعقل ولا يكون في حيطة الحسّ والتجربة، والوجدان غير كافٍ للكشف عمّا وراء الطبيعة بشكل تفصيليّ، لأنّ الكشف عن الأمور التفصيلية عما وراء الطبيعة بحاجة إلى عوامل مساعدة تحيط بذاك العالم، وهذا لا يكون إلا بواسطة الأنبياء والأولياء والرسل، ولو أهمل سبحانه الإنسان مع ما له من العقل والوجدان ولم يرسل لهم الأنبياء والأولياء لكان لهم العذر والحجّة على اللَّه تعالى لعدم تمكنّهم من نيل السعادة بدون وساطة الإنبياء، ولكنّ إرسال الرسل يقطع عذرهم وتكون الحجّة عليهم آكد، وذلك لقوله تعالى:
]رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً[.
إذن فائدة بعثة الأنبياء والأولياء إرشاد العباد إلى الخير والصّلاح وإبعادهم عن الشرّ والفساد. وهناك فوائد أُخر لبعثتهم وهي تزكية النفوس البشرية المركّبة من عقل وشهوة، وبما أنّ طبيعة المخلوق الأرضيّ ونزوعه نحو المادّة سوف تطغى عليه عوامل الشرّ والفساد فيزيغ عن الصراط السويّ وفي ذلك فساد كبير ونقضٌ للغاية التي خُلق لأجلها الإنسان وهي المعرفة والعبادة ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[، وحتى تنتظم عوامل الخير عند الإنسان أرسل سبحانه المبشّرين والمنذرين لتنال البشرية حظها الأوفر من المعرفة الإلهية.
ومن فوائد بعثة الانبياء عليهم السلام:
ضبط الروابط الاجتماعية من الانحراف نحو الظلم والفحشاء والمنكرات بردع الظّالم عن ظلمه، وحفظ الشريعة من الانحراف والزيادة والنقصان؛ وإزالة الشبهات التي تعترض معتنقيها.
هذه أهم الفوائد لبعثة الأنبياء وهي بنفسها وظائف للإمام أو الإمامة، لأنّ الإمامة خلافة عن النبوّة، قائمة مقامها إلاّ في تلقي الوحي، فكما أن البعثة واجبةٌ على اللَّه تعالى بحكم العقل كذلك الإمامة واجبةٌ عليه تعالى بحكم العقل وطبقاً لقاعدة اللطف.
وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوّة على طول خط الزمن، فكما أنّ زمناً ما لم يخل من نبيّ منذ آدم (عليه السَّلام) إلى نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، كذلك لن يخلو زمنٌ بعد خاتم الإنبياء من وجود إمام يزيل الشبهات ويفسّر الكتاب ويبيّن ويوضّح المتشابهات، خصوصاً وأنّ شريعة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ناسخة لكل الشرائع فلا بدّ لها أنْ تعطي لكلّ حادثة متجددة حلاً لها، وهذا لا يمكن حصره في فترة زمنية قصيرة فيتعيّن إيجاد أشخاص وأفراد كاملين بمنزلة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يبيّنون ما خفي على الناس من معرفة دينهم ويشرحون لهم ما عجزوا عن حلّه، وهذا ما يتكفّله المعصوم الذي ينوب عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فإذا لم يبعث اللَّه تعالى للناس مَنْ يبيّن لهم ما خفي عليهم مع حاجتهم إلى ذلك، دلّ على خلوّ الزمان من إمام، وهو فاسدٌ.
قال العلاّمة النّراقي قدّس سرّه:
"إن رتبة الإمامة قريب من رتبة النبوّة إلاّ أنّ النبي مؤسسٌ للتكاليف والأحكام الشرعية بمعنى أنه جاء بالشريعة والأحكام والأوامر والنواهي من جانبه ابتداءاً والإمام يحفظها ويبقيها بعنوان النيابة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
"فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربّهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها كما أنّ النبي رابط بين الناس وبين ربّهم في أخذ الفيوضات الظاهرية وهي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي وتنتشر منه وبتوسّطه إلى الناس وفيهم، والإمام دليل هادٍ للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبيّ دليلٌ يهدي إلى الاعتقادات الحقّة والأعمال الصالحة".
ولا يخفى أنّ ما ذكره العلاّمة الطباطبائي قدّس سره في تعريف وظائف الإمام وأنها باطنية لا يناقض وظائفه الظاهرية التي كانت من مختصّات النبي إذْ لا فرق بين النبي والإمام إلا في تلقّي الوحي.
ثانياً:
يجب أن يكون الإمام "الذي ثبُتت حاجة الناس إليه" معصوماً عن الخطأ وبما أنّ غير الأئمة (عليهم السَّلام) ليسوا معصومين إجماعاً فتعيّنت العصمة لهم وإلاّ لزم خلوّ الزمان من المعصوم وهو مستحيل لما تقدّم من فائدة بعثة الأنبياء والأولياء وأنها لطف، وكون وجود الإمام لطفاً من وجوه:
أحدها: إنّ الإمام يحفظ الشرائع ويحرسها من الزيادة والنقصان.
ثانيها: إنّ اعتقاد المكلّفين بوجود الإمام وتجويز إنفاذ حكمه عليهم في كل وقت سببٌ لردعهم عن الفساد ولقربهم من الصلاح وهذا معلومٌ بالضرورة.
ثالثها: إنّ تصرّفه لا شك أنه لطف وذلك لا يتم إلا بوجوده فيكون وجوده بنفسه لطفاً، وتصرّفه يُعدّ لطفاً آخراً.
ثالثاً:
إنّ الكمالات النفسانية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحد من أئمتنا (عليهم السَّلام)، ومَنْ كان كاملاً في نفسه كذا هو مكمّلٌ لغيره وذلك يدلّ على استحقاقه الرياسة العامّة لأنه أفضل أهل زمانه، وحيث يقبح تقديم المفضول على الفاضل، يقبح تقديم غيرهم عليهم، فيثبت كون كل واحد منهم إماماً وهو المطلوب.
اما الادلة النقلية فهي:
فمن الكتاب، قوله تعالى:
]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ [البقرة:30].
بتقريب:
إنّ اللَّه سبحانه هو الجاعل للناس خليفة ولا يحقّ لغيره أنْ ينتخب خليفته سبحانه، وحيث إنّ حيثية الخلافة لم تكن مقيّدة بجهة معيّنة. يُفهم من ذلك أن الخلافة ظاهرة في كون هذا الخليفة نائباً عن المستخلف له في جميع شؤون ما استُخلف عليه، فلا تختصّ خلافته ببعضٍ دون بعض وفي مورد دون آخر بل هي عامة لمختلف الشؤون الخاصّة والعامّة، وهذا يدلّ على أنّ الخليفة يُفرض له أن يتحلّى بكل الأسماء الإلهية والصّفات الربانية لأنه نائب عنه سبحانه فيها، وحيث إنّ تعبيره سبحانه ب]إني جاعلٌ[ ولم يقل "سوف أجعل" أو "جعلت" يدلّ على استمرار هذا الجعل في أمد الزمان من أوّل خلقه آدم إلى يوم القيامة، فأوّل فرد من أفراد الإنسان يكون كذلك، وإلاّ لم يكن جاعلاً في الأرض خليفة، ويدوم ذلك كذلك إلى آخر الزمن، فوجود الإنسان الكامل الخليفة لا يختصّ بزمان دون زمان.
ومن الآيات أيضاً قوله تعالى:
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ[ [النساء:59].
هنا، أوجب سبحانه طاعة أولي الأمر وهم أئمتنا (عليهم السَّلام) على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى وطاعة رسوله بمقتضى العطف الموجب لإلحاق حكم المعطوف بالمعطوف عليه، ومن المعلوم ضرورة عموم طاعته تعالى وطاعة رسوله في كل الأزمنة والأمور فليست طاعته تعالى وطاعة رسوله منحصرة أو مقيّدة بزمن دون آخر بل هي عامة إلى يوم القيامة، فيجب مثل ذلك لأولي الأمر بموجب الأمر، وذلك يقتضي توجّه الخطاب ب: "أولي الأمر" إلى أمير المؤمنين عليفبن أبي طالب (عليه السَّلام) لأنه لا أحد قال بعموم طاعة أولي الأمر إلاّ خصّ بها علياً أمير المؤمنين والأئمة من ذريّته (عليهم السَّلام)، وإذا عمّت طاعته الأمّة والأزمان والأمور ثبت كونه معصوماً لاجتماع الأمة على إمامة من كان كذلك وعدم استحقاقه لغيره.
ومن الآيات قوله تعالى:
]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[ [الأحزاب:33].
إتفق الخاصّة والعامة على نزول الآية المباركة بأهل الكساء الخمسة في بيت أم المؤمنين "أم سلمة"، فقد أخرج ابن كثير في تفسيره عن أحمدفبن حنبل، بسند معنعن عن أم سلمة، قالت: كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيتي، فأتته فاطمة (رضي اللَّه عنها) ببرمةٍ فيها خزيرة أو عصيدة، تحملها على طبق، فوضعتها بين يديه فقال لها: "ادعي زوجك وابنيك" قالت: فجاء عليٌّ والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم، فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك العصيدة، وكان تحته (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كساءٌ خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل اللَّه عز وجل الآية، قالت أم سلمة: فأخذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فضل الكساء فغطاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السَّماء، ثم قال: "اللهم هؤلاء هم أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً" قالت: فأدخلت رأسي، فقلت: وأنا معكم يا رسول اللَّه؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "إنّك إلى خير، إنك إلى خير".
وعن أحمد بن حنبل بإسناده إلى أنسفبن مالك أنه قال: إن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً".
والآية المباركة تشير إلى عصمة أهل البيت الذين كانوا تحت الكساء، وقد اعترض جمهور علماء العامة في مصادرهم بأنّ الآية نزلت لبيان فضل النبي محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ولا يُراد من إذهاب الرجس والتطهير سوى العصمة، فإذا ثبتت عصمتهم (عليهم السَّلام) ثبتت قيادتهم للمجتمع، وإنهم أئمة وقادة، فمن كان معصوماً فهو جدير بأن يكون خليفة، يأخذ بيد البشرية إلى غايتها المنشودة، فقياس المعصوم على غيره قياس مع الفارق، حيث إن المعصوم يستحيل أن يتطرق إلى ساحته خطأٌ، بعكس غيره، فإن جُلّ تصرفاته تكون مشوبة بالخطر والخطأ والسهو والنسيان، فتقديم غير المعصوم على المعصوم في إدارة شؤون المجتمع بعد رحيل النبي يعتبر تنكيساً لحكم العقل القائل بقبح تقديم الجاهل على العالم، والظلمة على النور، قال تعالى مقرّعاً هؤلاء:]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[ ]وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ[ [فاطر:19_20].
وهناك آيات كثيرة دلت على فضائل العترة الطاهرة فوق المائة آية، ولكن من أراد المزيد فليراجع "نهج الحق" للعلاّمة الحلّي قدّس سره.
وأما الأخبار: الدالة على إمامة الأئمة الطاهرين (عليهم السَّلام) فكثيرة، منها:
ما رواه الطرفان: أن الأئمة (عليهم السَّلام) إثنا عشر خليفة إلى يوم القيامة. فعن جابر ابن سمرة قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليَهم إثنا عشر رجلاً؛ ثم تكلم النبي بكلمةٍ خفيت عليّ، فسألتُ أبي: ماذا قال رسول اللَّه؟ قال: كُلّهم من قريش".
وبسند آخر عن جابر بن سمرة قال:
قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "لا يزال الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. قال: ثم تكلّم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش".
وفي طريق آخر عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص؛ قال: كتبتُ إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني شيء سمعتَه من رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: فكتب إليّ: سمعتُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يوم الجمعة، عشية رُجِمَ الأسلمي، يقول: لا يزالُ الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش".
وبلفظ آخر رواه البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: يكون إثنا عشر أميراً. . .
والمقصود من الاثني عشر خليفة أو أمير: هم النقباء الذين عيّنهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في حياته بدءاً بعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السَّلام) وانتهاءاً بالإمام المهدي (عليه السَّلام).
وقد فشلت كل المحاولات التي قام بها بعض العامة لتطبيق الحديث المذكور على خلافة الأربعة وأطلقوا عليهم اسم الخلفاء الراشدين، مروراً ببعض خلفاء بين أمية وبني العباس، ولنا على هذه المحاولة ملاحظات تُبطل ما ذهب إليه القوم منها:
إن العدد 12 لا يستغرق تاريخ الخلافة الأموية والعباسية ولا تاريخ الخلفاء الراشدين الأربعة أو الخمسة بإنضمام الإمام الحسن بن عليّ (عليه السَّلام) لكونهم أقل عدداً أو خلافة في سواهم لكونهم أكثر عدداً.
هذا مضافاً إلى أن بني أمية وبني العبّاس أغلبهم من أهل الفسق والفجور قد قضوا أعمارهم بشرب الخمور والملاهي والمحرّمات، فكيف يصح أو يجوز أن يكونوا خلفاء رسول اللَّه، مع أن الخلافة منصب رباني يعتبر في الخليفة أن يكون القدوة في الإيمان والصالحات، كما لا بدّ أن يكون الخليفة المرجع في كل الأمور لا سيّما العلمية منها، في حين نرى كل هؤلاء الخلفاء ليست فيهم صفة واحدة من صفات العترة الطاهرة. هذا بالغض عن أن هؤلاء تربّعوا على سدنة الخلافة بالقهر والقوة.
كما أن الحديث المزبور لا ينطبق أيضاً على ما تعتقده سائر فرق الشيعة من الزيدية والإسماعيلية والفطحية والواقفية وغيرهم لكون أئمتهم أقل، فينحصر إنطباقها على ما يعتقده الشيعة الاثنا عشرية من إمامة الأئمة الاثنى عشر الذين هم عترة النبي أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي الحجة بن الحسن العسكري (عليه السَّلام).
ومما يؤكد هذا ما رواه القندوزي الحنفي عن جابرفبن سمرة قال: كنتُ مع أبي عند رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فسمعته يقول: بعدي اثنى عشر خليفة ثم أخفى صوته فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟
قال أبي: قال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): كلُّهم من بني هاشم.
ورواه بطريق آخر عن سماك بن حرب.
ومما يزيد الأمر جلاءً وأن الخلفاء هم أناسٌ مخصوصون بالتطهير والكرامة، ما رواه القندوزي بطريقين عن الشعبي عن عمرفبن قيس قال: كنا جلوساً في حلقة فيها عبداللَّهفبن مسعود، فجاء أعرابي فقال: أيكم عبداللَّهفبن مسعود؟
قال: أنا عبداللَّه بن مسعود، قال: هل حدّثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟
قال: نعم، اثني عشر عدد نقباء بني إسرائيل.
وعن الشعبي عن مسروق قال: بينما نحن عند ابن مسعود نعرض مصالحنا عليه إذ قال له فتى: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟
قال: إنّك لحديث السن، وإنّ هذا شيء ما سألني أحد قبلك، نعم، عهد إلينا نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه سيكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.
وعن جرير عن أشعث عن ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: الخلفاء بعدي اثنى عشر خليفة بعدة نقباء بني إسرائيل.
وفي لفظ آخر: يكون بعدي عدد نقباء موسى (عليه السَّلام) قال اللَّه عز وجلّ: ]وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً[.
والروايات من مصادرنا كثيرة دلت على أن الأوصياء بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثنى عشر وصياً، ذكرهم النبيّ بأسمائهم منها ما رواه القندوزي:
عن الأصبع بن نباتة عن عبد اللَّه بن عباس قال: سمعتُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
وعن عباية بن ربعي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: أنا سيد النبيّين وعلي سيّد الوصيين، إن أوصيائي بعدي اثنى عشر، أولهم عليّ وآخرهم القائم المهدي.
فحديث نقباء بني إسرائيل دالٌّ على انحصار الخلافة في اثني عشر إماماً، وأنهم خلفاء بالنص من اللَّه تعالى كعدة نقباء بني إسرائيل لقوله تعالى: ]وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً[.
وقد عرفتَ أخي القارىء بما تقدم من أن الخلفاء بعد النبي إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل كخبر جرير وابن مسروق المروي في الينابيع ومسند أحمدفبن حنبل ج1/398 وغيره من مصادر القوم.
إذن حديث النقباء دلالة واضحة على انحصار الخلافة في اثني عشر وأنهم خلفاء بالنص لقوله صلوات اللَّه عليه وآله "كعدة نقباء بني إسرائيل" فإنّ نقباءهم خلفاء بالنص لقوله تعالى: ]وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً[ وسؤال الصحابة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إنما كان عن خلفائه بالنص، وليس سؤالاً عن تأمير الناس، ولا تغلُّب السلاطين على الأمة الإسلامية، لأن تأمير الناس وتغلُّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتى يَهُمَّ الصحابة بالسؤال عنه، ولأن السلاطين بلا نص، لا يحتاج إلى السؤال عنهم، وعن عددهم، لأن العادة جرت على وجود مثلهم، وأنهم لا ينحصرون بعدد، فظهر أن السؤال إنما هو عن الخلفاء بالنص، وعنهم أجاب النبيّ، ولا قائل بأن الخلفاء اثنى عشر بالنص غير أئمتنا (عليهم السَّلام) فيكونون هم المراد بالاثنى عشر في هذا الحديث.
ومن الأخبار: على إمامة الأئمة (عليهم السَّلام) ما رواه الفريقان عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال:
"النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمانٌ لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، كما صحّحه ابن حجر في صواعقه.
وقد روي الحديث بطرق وألفاظ متعددة منها ما أخرجه محمدفبن المنكدر عن أبيه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه خرج ذات ليلة وقد أخّر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة، والناس ينتظرون في المسجد، فقال:
ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ثم قال: أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء، فإنْ طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون )إلى أن قال( وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون.
ورواه القندوزي عن أحمد في المناقب عن الإمام عليّ كرّم اللَّه وجهه قال: قال رسول اللَّه (عليه السَّلام):
النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
ثم قال القندوزي: "أيضاً أخرجه ابن أحمد في زيادات المسند والحمويني في فرائد السمطين عن عليّ كرّم اللَّه وجهه، أيضاً أخرجه الحاكم عن محمد الباقر عن أبيه عن جده عن علي رضي اللَّه عنهم".
وهذا الحديث المبارك شاهد صدقٍ على إمامة الأئمة (عليهم السَّلام) إذ لا يكون المكلّف أماناً لأهل الأرض إلاّ لكرامته على اللَّه تعالى، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة مع كونه معصوماً، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه فضلاً عن أن يكون أماناً لغيره.
فإذا كانوا أفضل الناس باعتبار كونهم أماناً لأهل الأرض فإن ذلك دليل على بقائهم ما دامت الأرض، وهذه حجّة على المخالفين الذين أنكروا ولادة الإمام المهديّ المنتظر عجّل اللَّه فرجه الشريف وادّعوا أنه سيولد.
والسرّ في كون الأئمة (عليهم السَّلام) أماناً لأهل الأرض هو أنهم منزهون مقدّسون مطهرون عنده سبحانه، هذا مضافاً إلى إحاطتهم لصفات الجمال والكمال الرباني وعبادتهم للَّه وحده؛ وهذه المكرمة التي اختصهم بها المولى سبحانه تماماً كمكرمة نبيّه الأعظم الذي به دُفع العذاب عن العباد ما دام بين ظهرانيهم وما داموا يستغفرون قال تعالى:
]وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[ والأئمة (عليهم السَّلام) هم نفس النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لقوله تعالى: ]فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[.
ومثل حديث الأمان حديث السفينة المروي عند الفريقين أيضاً بسند صحيح عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ باب الكعبة: أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعتُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.
وفي تاريخ بغداد ج12/19 روى بسنده عن أنسفبن مالك قال: قال رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إنما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوحٍ من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.
كما رواه القندوزي بطرق متعددة:
وورد في مستدرك الصحيحين حديث رقم (4720) زيادة "وهوى" في ذيل الحديث هكذا:
"مثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوحٍ من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى".
ودلالة الحديث واضحة على أن من يتخلّف عن ركب سفينة الأئمة (عليهم السَّلام) فهو هالك لا محالة، لأن سفينتهم هي خشبة الخلاص من أمواج الكفر والضلال والشبهات، فتصور أخي المسلم أنك على شاطىء تريد السفر، وأمامك ثلاث وسبعين سفينة، كلها ستغرق إلاّ واحدة ستصل بأمان، وكل أصحاب السفن ينادون: نحن الناجون، وأثناء حيرتك جاءك خبير السفن وكنت تعرف صدقه وقال لك: إذا ركبت السفينة رقم اثني عشر نجوت وإذا تخلّفت عنها غرقت. بعد هذا هل ستترك السفينة رقم اثني عشر وتعدل إلى غيرها؟!!
لا نعتقد أن عاقلاً يفعل ذلك.
ونحن هنا في سفينة الحياة يحدّد لنا سيد الخلق السفينة الناجية من بين ثلاث وسبعين سفينة، وعلى المعتقد بخبير السفن أن لا يعدل عنه إلى غيره، لأن هذا الخبير أي سيد الرحمة محمدفبن عبدفاللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نصح بركوبها، فما لنا لا نقبل إرشاده ونصحه؟ ألا يحب أحدٌ النجاة؟!
لقد نادى نوحٌ ابنه ليركب سفينته ]يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا[ شفقة عليه، وهكذا رسول اللَّه ينادي أمته التي علم بتفرقها يناديها "مثَل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق"، فلنذكر هذا ولا نكن كابن نوح الذي قال ]قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ[.
هذا مضافاً إلى أن الحديث دالٌّ على وجودهم ما دام وجود الناس لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الحديث "فيكم" المروي في الينابيع ص30 نقلاً عن الأوسط قال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "وإنما مَثَل أهل بيتي فيكم مثَل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له".
اتمنى من اخواني اهل السنة القرائة بشكل جيد وتمعن حتى وعسى الله ان يهيدهم وايانا لسواء السبيل والعاقبة للمتقين
اللهم صلي على محمد وال محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته