عاشقة المرتضى
22-09-2008, 08:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما تبجح البعض وتمسك بهذه الشبهة وان الشيعة تعتقد تكفير المسلمين من ابناء السنة، وقد ذكرها مقدم برامج المستقلة السيد الهاشمي مرارا ومرارا في مناظراته بل حتى خارج المناظرات.
لذلك رأيت من المهم البحث في هذه الشبهة بشيء من المنهجية والموضوعية، لكي يتضح ان هذه الشبهة ليست تامة وعلى تقدير تماميتها فليس الشيعة وحدهم من يكفر المسلمين بل السنة ايضا يكفرون المسلمين .
قال القفاري في ;كتابه اصول المذهب الشيعي : (( وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة الإسلام ، فيقول : اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة ، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار .))
بيان الشبهة:
إن الشيعة تعتقد بأن من يخالفهم من المذاهب الأخرى- كلّهم- كفرة؛ لأنهم لا يعتقدون بالإمامة التي يقول بها الشيعة، فهم يكفّرون كلّ المسلمين باستثناء طائفتهم، ويحكمون عليهم بأنهم يستحقون جميعاً دخول النار، وهذا واضح في كلمات علمائهم ومشايخهم، فالشيخ المفيد من كبار علمائهم لم يخف ذلك وصرح به.
ويبدو أن أساس الشبهة هذه يرتكز على أمور منها:
أولاً: إن القفاري أراد أن يصور أن الكفر هنا بالمعنى المصطلح وهو ما يترتب عليه الأحكام الشرعية المعروفة كالنجاسة ووجوب القتل وغيرها.
ثانياً: عدم فهم القفاري لمسالة الاعتقاد بالإمامة ومعاملة هذا المعتقد كمعتقد ليس بالمهم ولا يعدو مسالة تافهة جداً، ولا دليل عليها ولانص، فهو ينطلق في شبهته بل أغلب شبهاته- كما ذكرنا في البحوث السابقة- من مبانيه الفكرية والعقدية والتي تبتعد كثيرا عن الفهم الصحيح لمعتقدات الشيعة.
الجواب:
الكفر في اللغة: ستر الشيء و تغطيته، و منه سمي الليل كافرا؛ لأنه يغطي كل شيء بسواده[ الجوهري: الصحاح، ج2، ص807-808]. و الكفر قد استعمل في القران في معانٍ عديدة منها:
أولاً: في مقابل الشكر قال تعالى: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [سورة لقمان، الآية: 12] .وهو ما يعبر عنه بكفر النعم.
ثانياً: في مقابل الإيمان، قال الله تعالى: ( وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [سورة الكهف، الآية:29]، وهو ما يعبر عنه بكفر الجحود ، وهذا الجحود تارة يكون بلا معرفة فيجحد ربوبية الرب وتارة يكون مقارناً مع المعرفة، فالأول مثل قول القائل: لا رب و لا جنّة و لا نار. والثاني من قبيل المعنى في قوله تعالى: } وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ{[البقرة: آية 89] فقد استعمل القران كلمة كفر وأراد بها من أنكر وجحد ما كان به على معرفة وعلم، فهو جحود بعد استقرار في النفس ويقين.
ثالثاً- في مقابل الولاية، وهو ما يعبر عنه بكفر البراءة و ذلك قوله عزّ و جلّ يحكي قول إبراهيم } كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{ [الممتحنة: آية 4] فمعنى الكفر هنا: أننا تبرأنا منكم.
وكذا قوله تعالى يذكر الشيطان وبراءته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: }إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ{ ٍٍٍ[إبراهيم: 22] وقال: } إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً { [العنكبوت:25]يعني تبرّأ بعض من بعض.
رابعاً: في مقابل الطاعة، وهو ما يعبر عنه بكفر ترك الأمر الإلهي وهو قول الله تعالى: } وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون{ [البقرة: 84-85]
فنلاحظ أن الكفر له أكثر من معنى ولا ينحصر معناه في المعنى المتعارف والذي ينصرف إليه اللفظ وهو الكفر الذي يقابل الإسلام.
ونلاحظ أيضاً أن المعنى الرابع من المعاني للكفر هو المعنى الذي قالت به الشيعة في حق المخالف للإمامة، فان ترك طاعة الأمر الإلهي يعد كفراً ويستحق فاعله النار حاله حال كثير من المعاصي التي توجب دخول النار وقد استعمل في الآية المباركة لهجة شديدة في تصوير العقاب لمن فعل ذلك فيرد إلى اشد العذاب يوم القيامة .
وهذا المعنى من الكفر للمتتبع في الروايات يجده قد استعمل كثيراً فيمن ترك أمر الله تعالى أو أتى بما نهى عنه، من قبيل ما روي عن النبي في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر [صحيح البخاري - البخاري - ج 1 - ص 17 – 18] أو في مسالة ترك الصلاة مثلاً، فقد روي بسند صحيح: أن بين العبد والكفر ترك الصلاة، فقد رواه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم [صحيح مسلم، ج1، ص62. سنن الترمذي، ج4، ص125. صحيح ابن حبان، ج4، ص304 ] وروى الترمذي من طريق شقيق بن عبد الله العقيلي- المتفق على جلالته- قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة [ سنن الترمذي، ج4، ص126] .
وكذلك روي عن النبي ( ص ) أنه قال : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر .رواه الترمذي في السنن وصححه [ سنن الترمذي، ج4، ص126]
وقد نقل الشوكاني في نيل الأوطار قولاً يحكي فيه الإجماع على كفر تارك الصلاة كالمرتد وقال وهو الظاهر.[نيل الأوطار، الشوكاني، ج 1، ص 371 – 372]
وقال النووي في شرحه صحيح مسلم: > وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو أن فعله فعل الكفار< [شرح مسلم، النووي، ج 2، ص 71 ]
وفي الاعتقاد القادري كما ينقله الذهبي في تاريخه : ( ... ولا نكفّر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة، فإن من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يجحدها؛ لقوله عليه السلام : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر، ولا يزال كافرا حتى يندم ويعيدها، وإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد، لم يصل عليه، وحشر مع فرعون ، وهامان ، وقارون...) [تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 29، ص 323 - 324]
وهذا الاعتقاد الذي الذي قال عن عنه ابن كثير انه فيه رأي أهل السنة والجماعة:
(( وفي يوم النصف من جمادى الآخرة قرئ الاعتقاد القادري الذي فيه مذهب أهل السنة ، والإنكار على أهل البدع ، وقرأ أبو مسلم الكجي البخاري المحدث كتاب التوحيد لابن خزيمة على الجماعة الحاضرين . وذكر بمحضر من الوزير ابن جهير وجماعة الفقهاء وأهل الكلام، واعترفوا بالموافقة...)) [ البداية والنهاية، ابن كثير، ج 12، ص 118]
فإطلاق الكفر على مخالفة بعض الأوامر والنواهي شائع ومتعارف.
ومن هنا نقول: إن مسالة الإمامة من المسائل التي نعتقد بكونها لا تقلّ أهمية عن الإيمان بالصلاة، فكما أن الصلاة تعدّ من شعب الإيمان وشرائطه [التفتازاني، شرح المقاصد، ج2، ص256] كذلك نعتقد أن الاعتقاد بالإمامة من شرائط الإيمان ومن ثمراته. بل تعتقد الشيعة أن مسالة الإمامة أهم من مسالة الصلاة في سلم الأهميات؛ لكونها تمثل الوظيفة التي تحفظ بها كل الأوامر الإلهية الربانية.
فالشيعة تعتقد إن أمر الله تعالى بالإمامة واضح من خلال النص القرآني ومن خلال الروايات، وأدلتها موكولة إلى محلها[ فهناك الكثير من الأدلة الواضحة- لمن يترك التعصب- على ثبوت الإمامة واختصاصها باهل البيت عليهم السلام، فآية إكمال الدين وآية أطيعوا الله ورسوله وأولو الأمر منكم، وكثير من الآيات القرآنية وكذلك حديث الغدير وحديث الثقلين المرويان بسند صحيح عند أهل السنة وغيرها من الأدلة]
فمن يخالف ذلك الأمر الإلهي فهو كافر مستحق ما للكفار من عذاب شديد يوم القيامة؛ لكونه قد استنكف واستكبر ولم يخضع لأمر النبي صلوات الله عليه بالإمامة ، ورفضُ الخضوع للنبي هو رفضُ الخضوع لله تعالى، ورفض الخضوع لله كفرٌ كما صرح به القرآن الكريم : }إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين{ [ص: 74] .
وفي سورة البقرة } وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين { [ البقرة: 34] .
وليس بدعاً من القول ادعاء حال مخالف الإمامة كحال تارك الصلاة بأنه كافر وأنه يحشر مع قارون وهامان فيكون مستحقاً للخلود في النار كما في الاعتقاد القادري.
وبهذا يتبين لك معنى الكفر المراد في قول الشيخ المفيد وما هو سبب الاعتقاد به، وليس من الإنصاف أن نحمل على خلاف وجهته المرادة، بل هو نوع تعسف لا مبرر له، فلم يقصد الشيخ المفيد أن المراد من الكفر هنا هو الكفر المقابل للإسلام الذي يترتب عليه الأحكام الفقهية من النجاسة ونحوها، وما يرشدنا إلى هذا، هو نفس كلام المفيد في كتاب له آخر يفسر معنى الكفر، ففي كتابه معركة الجمل قال:
>واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة، ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه، وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام، وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان مستحقين اللعنة والخلود والنار حسبما قدمناه<. [ الجمل - الشيخ المفيد - ص 29 – 30 .]
فأهل السنة والجماعة مسلمون في عقيدة الشيعة وعلي الشيعة احترام دمائهم وأعراضهم وأموالهم ولا يجوز تكفيرهم بالمعنى المتعارف للكفر.
فإن قيل كيف يحكم الشيعة بإسلام المخالف وهم يعتقدون بكفره باطناً وانه مستحق للخلود في النار وهل هذا إلا تهافت في المعتقد؟
وجواب هذا الإشكال واضح، فان الاعتقاد بكفرهم الباطني أو بكفرهم في نفس الأمر ليس هو محط الأثر فلا يترتب عليه أي أثر خارجي.
بقي شيء مهم وهو: تساؤل عن حال الشخص المخالف لمذهب الشيعة والذي ينكر الإمامة لكنه ينكرها جهلاً بها، فهل هذا له نفس الحكم في نظر العقيدة الشيعية؟
فقد يقال كلا، لان الأحكام تتنجز بالعلم ومادام جاهلا فلا يستحق ما ذكر.
ويتفرع على ذلك القول: إن غالب أهل السنة والجماعة ينكرون الإمامة جهلاً بها؛ لعدم وضوح دليلها لديهم؛ ولأنهم تعرضوا لممارسات سياسية أفضت إلى تغيير جوهري في فهم الدليل الدال على الإمامة وضرورتها، فقد بدأ هذا النوع من الممارسات في زمن معاوية واستمر إلى يومنا هذا، فالسني لم ينكر أمراً واضحاً كوضوح وجوب الصلاة.
لذلك فلا يكون لهم حكم الكفر في نفس الأمر، عند الشيعة، نعم في خصوص البعض المعاند فانه حكمه ما ذكروه، وبهذا فان هذا المعتقد المذكور يكون موضوعه إفرادا قلة تميزوا بالعناد والاستكبار فيخرج عنه غالب المسلمين من أبناء السنة والجماعة.
ويؤيد هذا الذي قلناه- وأن الأكثرية من أهل السنة لا يشملهم هذا الحكم في كلام المفيد رحمه الله- بعض الروايات التي رويت في كتب الحديث الشيعية بسند صحيح :
ففي الكافي ينقل عن ضريس بن عبد الملك [ الكناسي] : قلت : أصلحك الله فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم ؟ فقال : أما هؤلاء فإنهم في حفرتهم لا يخرجون منها فمن كان منهم له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنه يخدّ [ أي يشق] له خد إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة وإما إلى النار فهؤلاء موقوفون لأمر الله[الكافي، الشيخ الكليني ، ج 3 ، ص 247 ].
وقال صاحب البحار:> وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئا من ضروريات دين الإسلام فهم فرقتان : إحداهما المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار خالدون ، والأخرى المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات، والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة ، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله ، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، فيرجى لهم النجاة من النار[ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 8 ،ص 363 – 368 ] .
من أنكر إمامة أحد الشيخين فهو كافر يستحق النار
وبعد أن قمنا بإعطاء تفسير لمعنى الكفر الذي يقول به الشيعة لمن أنكر إمامة أحد أئمة الشيعة، نقول نحن أيضا نطالب بتفسير واضح للتكفير الذي يملأ كتب أهل السنة لمن لا يعتقد بخلافة الشيخين وأنكرهما.
فإننا من حقنا أيضا أن نقول للقفاري إن الطائفة السنية قد كفرت ثلث المسلمين ممن يشهدون الشهادتين، وقد امتلأت كتب السنة بتكفير الشيعة أو الرافضة، وهو واضح جداً ، وسبب التكفير الرئيس هو إنكار خلافة الشيخين.
فقد نقل ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة قال:
((وفي الفتاوى البديعية من أنكر إمامة أبي بكر رضي الله عنه فهو كافر وقال بعضهم وهو مبتدع والصحيح أنه كافر وكذلك من أنكر خلافة عمر في أصح الأقوال ولم يتعرض أكثرهم للكلام على ذلك.))[ الهيتمي، الصواعق، ج1 ص 139].
وقال المقريزي مفسراً سبب التكفير: (( والظاهر أن المستند، أن منكر إمامة الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه مخالف للإجماع، بناء على أن جاحد [ الحكم ] المجمع عليه كافر ، وهو المشهور عند الأصوليين ، وإمامة الصديق مجمع عليها ، من حين بايعه عمر ابن الخطاب، رضي الله تبارك وتعالى عنهما ، ولا يمنع من ذلك تأخر بيعة بعض الصحابة ، فإن الذين تأخرت بيعتهم ، لم يكونوا مخالفين في صحة إمامته ، ولهذا كانوا يأخذون [ عطاءه ] ويتحاكمون إليه ، فالبيعة شئ ، والإجماع شئ ، لا يلزم من أحدهما الآخر ، ولا من عدم أحدهما عدم الآخر)) [ المقريزي، إمتاع السامع، ج 9 - ص 218].
ويبدو أن حكم التكفير لدى أهل السنة اشد وطأة منه عند الشيعة، فالشيعة يلتزمون بان أهل السنة مسلمون بحسب الظاهر وان حرمتهم محفوظة ما داموا يتشهدون الشهادتين، بينما نجد السنة يحكمون بنجاسة الشيعي بل بوجوب قتله بل بجواز سبي نسائهم، ففي الفتاوى الحميدية المشهورة بإمضاء الشيخ نوح الحنفي ، في باب الردة والتعزير، قال في جواب من سأله عن السبب في وجوب مقاتلة الشيعة وجواز قتلهم:
(( اعلم أسعدك الله أن هؤلاء الكفرة والبغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد ، وأنواع الفسق والزندقة والإلحاد ، ومن توقف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم . قال : وسبب وجوب قتالهم وجواز قتلهم البغي والكفر معا ، أما البغي فإنهم خرجوا عن طاعة الإمام خلد الله تعالى ملكه إلى يوم القيامة... إلى أن قال : فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفار تابوا أو لم يتوبوا ، ثم حكم باسترقاق نسائهم وذراريهم )) [العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ج1، ص102-103].
ثم إن بعض مشايخ الفرق السنية كالحنابلة يعتقدون بان غيرهم ليس بمسلم كما نقل ذلك الذهبي عن أحد مشايخ الحنابلة وهو أبو حاتم الرازي قوله: من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم. [ الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج3، ص1187] فهم بذلك يكفرون كل أمة الإسلام قاطبة باستثناء طائفتهم. ومعروف عن ابن تيمية أنه يكفر كل المسلمين بحجة أنهم يتوسلون بالنبي أو يستغيثون به أو يزورون قبره.
فهل يوجد أشنع من هذا الاعتقاد، وهذه الأحكام في حق المسلمين، فمن بعد هذا يقول بتكفير المسلمين وأمة الإسلام؟!!!
الأنصاري في كتاب الطهارة ج 2 ص 354 باب حكم المخالف لأهل الحق
( .. فاطلاق الكفر عليهم باعتبار إرادة ما يقابل الايمان لا ما يقابل الاسلام الذي لا خلاف في نجاسته وان أظهر الاسلام وانتحله ..)
وقال آغا رضا الهمداني في كتاب مصباح الفقيه ج 1 ق 2 ص 564
( ويستفاد من تلك الأخبار الكثيرة اسلام المخالفين المنكرين للولاية بل جملة منها مصرحة بذلك وسيأتي التعرض لبعضها [ انش ] ويشهد له أيضا السيرة المستمرة من زمان حدوث الخلاف إلى يومنا هذا على المعاملة المسلمين بل المتأمل في الاخبار المسوقة لبيان الآثار العملية المتفرعة على الاسلام مثل حل ذبيحة المسلم وطهارة ما في أيدي المسلمين وأسواقهم من الجلود وغيرها لا يكاد يشك في أن المراد بالمسلم ما يعمهم فلا ينبغي الارتياب في أنهم مسلمون )
ولكـــن .....
إن المطلع على كتب القوم في تكفير المسلمين عامة أو في تكفير الشيعة خاصة يعرف جيداً كيف أنهم يلقون بالتكفير لمن خالف بدعهم بل حتى أنهم في بعض فتاواهم حرموا دفنهم تحت الأرض بل يجب رمي جثثهم للكلاب تأكلهم وبعضهم في إعتبارهم أولاد زنا وغيرها مما لا يحصى من فتاواهم المخزية
ومن الأمثلة على ذلك هذه الفتوى
2."فهؤلاء الإمامية خارجون عن السنة بل عن الملة ، واقعون في الزنا ، وما أكثر ما فتحوا على أنفسهم أبواب الزنا في القبل والدبر ، فما أحقهم بأن يكونوا أولاد زنا".
رسالة في الرد على الرافضة لشيخ الوهابية محمد بن عبدالوهاب أخزاه الله ص 42
للهم العن الوهابيه ودمرهم تدميرا ومزقهم تمزيقا واردد كيدهم في نحورهم ..اللهم اميييين
كثيرا ما تبجح البعض وتمسك بهذه الشبهة وان الشيعة تعتقد تكفير المسلمين من ابناء السنة، وقد ذكرها مقدم برامج المستقلة السيد الهاشمي مرارا ومرارا في مناظراته بل حتى خارج المناظرات.
لذلك رأيت من المهم البحث في هذه الشبهة بشيء من المنهجية والموضوعية، لكي يتضح ان هذه الشبهة ليست تامة وعلى تقدير تماميتها فليس الشيعة وحدهم من يكفر المسلمين بل السنة ايضا يكفرون المسلمين .
قال القفاري في ;كتابه اصول المذهب الشيعي : (( وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة الإسلام ، فيقول : اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة ، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار .))
بيان الشبهة:
إن الشيعة تعتقد بأن من يخالفهم من المذاهب الأخرى- كلّهم- كفرة؛ لأنهم لا يعتقدون بالإمامة التي يقول بها الشيعة، فهم يكفّرون كلّ المسلمين باستثناء طائفتهم، ويحكمون عليهم بأنهم يستحقون جميعاً دخول النار، وهذا واضح في كلمات علمائهم ومشايخهم، فالشيخ المفيد من كبار علمائهم لم يخف ذلك وصرح به.
ويبدو أن أساس الشبهة هذه يرتكز على أمور منها:
أولاً: إن القفاري أراد أن يصور أن الكفر هنا بالمعنى المصطلح وهو ما يترتب عليه الأحكام الشرعية المعروفة كالنجاسة ووجوب القتل وغيرها.
ثانياً: عدم فهم القفاري لمسالة الاعتقاد بالإمامة ومعاملة هذا المعتقد كمعتقد ليس بالمهم ولا يعدو مسالة تافهة جداً، ولا دليل عليها ولانص، فهو ينطلق في شبهته بل أغلب شبهاته- كما ذكرنا في البحوث السابقة- من مبانيه الفكرية والعقدية والتي تبتعد كثيرا عن الفهم الصحيح لمعتقدات الشيعة.
الجواب:
الكفر في اللغة: ستر الشيء و تغطيته، و منه سمي الليل كافرا؛ لأنه يغطي كل شيء بسواده[ الجوهري: الصحاح، ج2، ص807-808]. و الكفر قد استعمل في القران في معانٍ عديدة منها:
أولاً: في مقابل الشكر قال تعالى: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [سورة لقمان، الآية: 12] .وهو ما يعبر عنه بكفر النعم.
ثانياً: في مقابل الإيمان، قال الله تعالى: ( وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [سورة الكهف، الآية:29]، وهو ما يعبر عنه بكفر الجحود ، وهذا الجحود تارة يكون بلا معرفة فيجحد ربوبية الرب وتارة يكون مقارناً مع المعرفة، فالأول مثل قول القائل: لا رب و لا جنّة و لا نار. والثاني من قبيل المعنى في قوله تعالى: } وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ{[البقرة: آية 89] فقد استعمل القران كلمة كفر وأراد بها من أنكر وجحد ما كان به على معرفة وعلم، فهو جحود بعد استقرار في النفس ويقين.
ثالثاً- في مقابل الولاية، وهو ما يعبر عنه بكفر البراءة و ذلك قوله عزّ و جلّ يحكي قول إبراهيم } كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{ [الممتحنة: آية 4] فمعنى الكفر هنا: أننا تبرأنا منكم.
وكذا قوله تعالى يذكر الشيطان وبراءته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: }إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ{ ٍٍٍ[إبراهيم: 22] وقال: } إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً { [العنكبوت:25]يعني تبرّأ بعض من بعض.
رابعاً: في مقابل الطاعة، وهو ما يعبر عنه بكفر ترك الأمر الإلهي وهو قول الله تعالى: } وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون{ [البقرة: 84-85]
فنلاحظ أن الكفر له أكثر من معنى ولا ينحصر معناه في المعنى المتعارف والذي ينصرف إليه اللفظ وهو الكفر الذي يقابل الإسلام.
ونلاحظ أيضاً أن المعنى الرابع من المعاني للكفر هو المعنى الذي قالت به الشيعة في حق المخالف للإمامة، فان ترك طاعة الأمر الإلهي يعد كفراً ويستحق فاعله النار حاله حال كثير من المعاصي التي توجب دخول النار وقد استعمل في الآية المباركة لهجة شديدة في تصوير العقاب لمن فعل ذلك فيرد إلى اشد العذاب يوم القيامة .
وهذا المعنى من الكفر للمتتبع في الروايات يجده قد استعمل كثيراً فيمن ترك أمر الله تعالى أو أتى بما نهى عنه، من قبيل ما روي عن النبي في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر [صحيح البخاري - البخاري - ج 1 - ص 17 – 18] أو في مسالة ترك الصلاة مثلاً، فقد روي بسند صحيح: أن بين العبد والكفر ترك الصلاة، فقد رواه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم [صحيح مسلم، ج1، ص62. سنن الترمذي، ج4، ص125. صحيح ابن حبان، ج4، ص304 ] وروى الترمذي من طريق شقيق بن عبد الله العقيلي- المتفق على جلالته- قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة [ سنن الترمذي، ج4، ص126] .
وكذلك روي عن النبي ( ص ) أنه قال : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر .رواه الترمذي في السنن وصححه [ سنن الترمذي، ج4، ص126]
وقد نقل الشوكاني في نيل الأوطار قولاً يحكي فيه الإجماع على كفر تارك الصلاة كالمرتد وقال وهو الظاهر.[نيل الأوطار، الشوكاني، ج 1، ص 371 – 372]
وقال النووي في شرحه صحيح مسلم: > وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو أن فعله فعل الكفار< [شرح مسلم، النووي، ج 2، ص 71 ]
وفي الاعتقاد القادري كما ينقله الذهبي في تاريخه : ( ... ولا نكفّر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة، فإن من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يجحدها؛ لقوله عليه السلام : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر، ولا يزال كافرا حتى يندم ويعيدها، وإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد، لم يصل عليه، وحشر مع فرعون ، وهامان ، وقارون...) [تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 29، ص 323 - 324]
وهذا الاعتقاد الذي الذي قال عن عنه ابن كثير انه فيه رأي أهل السنة والجماعة:
(( وفي يوم النصف من جمادى الآخرة قرئ الاعتقاد القادري الذي فيه مذهب أهل السنة ، والإنكار على أهل البدع ، وقرأ أبو مسلم الكجي البخاري المحدث كتاب التوحيد لابن خزيمة على الجماعة الحاضرين . وذكر بمحضر من الوزير ابن جهير وجماعة الفقهاء وأهل الكلام، واعترفوا بالموافقة...)) [ البداية والنهاية، ابن كثير، ج 12، ص 118]
فإطلاق الكفر على مخالفة بعض الأوامر والنواهي شائع ومتعارف.
ومن هنا نقول: إن مسالة الإمامة من المسائل التي نعتقد بكونها لا تقلّ أهمية عن الإيمان بالصلاة، فكما أن الصلاة تعدّ من شعب الإيمان وشرائطه [التفتازاني، شرح المقاصد، ج2، ص256] كذلك نعتقد أن الاعتقاد بالإمامة من شرائط الإيمان ومن ثمراته. بل تعتقد الشيعة أن مسالة الإمامة أهم من مسالة الصلاة في سلم الأهميات؛ لكونها تمثل الوظيفة التي تحفظ بها كل الأوامر الإلهية الربانية.
فالشيعة تعتقد إن أمر الله تعالى بالإمامة واضح من خلال النص القرآني ومن خلال الروايات، وأدلتها موكولة إلى محلها[ فهناك الكثير من الأدلة الواضحة- لمن يترك التعصب- على ثبوت الإمامة واختصاصها باهل البيت عليهم السلام، فآية إكمال الدين وآية أطيعوا الله ورسوله وأولو الأمر منكم، وكثير من الآيات القرآنية وكذلك حديث الغدير وحديث الثقلين المرويان بسند صحيح عند أهل السنة وغيرها من الأدلة]
فمن يخالف ذلك الأمر الإلهي فهو كافر مستحق ما للكفار من عذاب شديد يوم القيامة؛ لكونه قد استنكف واستكبر ولم يخضع لأمر النبي صلوات الله عليه بالإمامة ، ورفضُ الخضوع للنبي هو رفضُ الخضوع لله تعالى، ورفض الخضوع لله كفرٌ كما صرح به القرآن الكريم : }إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين{ [ص: 74] .
وفي سورة البقرة } وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين { [ البقرة: 34] .
وليس بدعاً من القول ادعاء حال مخالف الإمامة كحال تارك الصلاة بأنه كافر وأنه يحشر مع قارون وهامان فيكون مستحقاً للخلود في النار كما في الاعتقاد القادري.
وبهذا يتبين لك معنى الكفر المراد في قول الشيخ المفيد وما هو سبب الاعتقاد به، وليس من الإنصاف أن نحمل على خلاف وجهته المرادة، بل هو نوع تعسف لا مبرر له، فلم يقصد الشيخ المفيد أن المراد من الكفر هنا هو الكفر المقابل للإسلام الذي يترتب عليه الأحكام الفقهية من النجاسة ونحوها، وما يرشدنا إلى هذا، هو نفس كلام المفيد في كتاب له آخر يفسر معنى الكفر، ففي كتابه معركة الجمل قال:
>واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة، ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه، وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام، وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان مستحقين اللعنة والخلود والنار حسبما قدمناه<. [ الجمل - الشيخ المفيد - ص 29 – 30 .]
فأهل السنة والجماعة مسلمون في عقيدة الشيعة وعلي الشيعة احترام دمائهم وأعراضهم وأموالهم ولا يجوز تكفيرهم بالمعنى المتعارف للكفر.
فإن قيل كيف يحكم الشيعة بإسلام المخالف وهم يعتقدون بكفره باطناً وانه مستحق للخلود في النار وهل هذا إلا تهافت في المعتقد؟
وجواب هذا الإشكال واضح، فان الاعتقاد بكفرهم الباطني أو بكفرهم في نفس الأمر ليس هو محط الأثر فلا يترتب عليه أي أثر خارجي.
بقي شيء مهم وهو: تساؤل عن حال الشخص المخالف لمذهب الشيعة والذي ينكر الإمامة لكنه ينكرها جهلاً بها، فهل هذا له نفس الحكم في نظر العقيدة الشيعية؟
فقد يقال كلا، لان الأحكام تتنجز بالعلم ومادام جاهلا فلا يستحق ما ذكر.
ويتفرع على ذلك القول: إن غالب أهل السنة والجماعة ينكرون الإمامة جهلاً بها؛ لعدم وضوح دليلها لديهم؛ ولأنهم تعرضوا لممارسات سياسية أفضت إلى تغيير جوهري في فهم الدليل الدال على الإمامة وضرورتها، فقد بدأ هذا النوع من الممارسات في زمن معاوية واستمر إلى يومنا هذا، فالسني لم ينكر أمراً واضحاً كوضوح وجوب الصلاة.
لذلك فلا يكون لهم حكم الكفر في نفس الأمر، عند الشيعة، نعم في خصوص البعض المعاند فانه حكمه ما ذكروه، وبهذا فان هذا المعتقد المذكور يكون موضوعه إفرادا قلة تميزوا بالعناد والاستكبار فيخرج عنه غالب المسلمين من أبناء السنة والجماعة.
ويؤيد هذا الذي قلناه- وأن الأكثرية من أهل السنة لا يشملهم هذا الحكم في كلام المفيد رحمه الله- بعض الروايات التي رويت في كتب الحديث الشيعية بسند صحيح :
ففي الكافي ينقل عن ضريس بن عبد الملك [ الكناسي] : قلت : أصلحك الله فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم ؟ فقال : أما هؤلاء فإنهم في حفرتهم لا يخرجون منها فمن كان منهم له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنه يخدّ [ أي يشق] له خد إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة وإما إلى النار فهؤلاء موقوفون لأمر الله[الكافي، الشيخ الكليني ، ج 3 ، ص 247 ].
وقال صاحب البحار:> وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئا من ضروريات دين الإسلام فهم فرقتان : إحداهما المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار خالدون ، والأخرى المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات، والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة ، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله ، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، فيرجى لهم النجاة من النار[ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 8 ،ص 363 – 368 ] .
من أنكر إمامة أحد الشيخين فهو كافر يستحق النار
وبعد أن قمنا بإعطاء تفسير لمعنى الكفر الذي يقول به الشيعة لمن أنكر إمامة أحد أئمة الشيعة، نقول نحن أيضا نطالب بتفسير واضح للتكفير الذي يملأ كتب أهل السنة لمن لا يعتقد بخلافة الشيخين وأنكرهما.
فإننا من حقنا أيضا أن نقول للقفاري إن الطائفة السنية قد كفرت ثلث المسلمين ممن يشهدون الشهادتين، وقد امتلأت كتب السنة بتكفير الشيعة أو الرافضة، وهو واضح جداً ، وسبب التكفير الرئيس هو إنكار خلافة الشيخين.
فقد نقل ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة قال:
((وفي الفتاوى البديعية من أنكر إمامة أبي بكر رضي الله عنه فهو كافر وقال بعضهم وهو مبتدع والصحيح أنه كافر وكذلك من أنكر خلافة عمر في أصح الأقوال ولم يتعرض أكثرهم للكلام على ذلك.))[ الهيتمي، الصواعق، ج1 ص 139].
وقال المقريزي مفسراً سبب التكفير: (( والظاهر أن المستند، أن منكر إمامة الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه مخالف للإجماع، بناء على أن جاحد [ الحكم ] المجمع عليه كافر ، وهو المشهور عند الأصوليين ، وإمامة الصديق مجمع عليها ، من حين بايعه عمر ابن الخطاب، رضي الله تبارك وتعالى عنهما ، ولا يمنع من ذلك تأخر بيعة بعض الصحابة ، فإن الذين تأخرت بيعتهم ، لم يكونوا مخالفين في صحة إمامته ، ولهذا كانوا يأخذون [ عطاءه ] ويتحاكمون إليه ، فالبيعة شئ ، والإجماع شئ ، لا يلزم من أحدهما الآخر ، ولا من عدم أحدهما عدم الآخر)) [ المقريزي، إمتاع السامع، ج 9 - ص 218].
ويبدو أن حكم التكفير لدى أهل السنة اشد وطأة منه عند الشيعة، فالشيعة يلتزمون بان أهل السنة مسلمون بحسب الظاهر وان حرمتهم محفوظة ما داموا يتشهدون الشهادتين، بينما نجد السنة يحكمون بنجاسة الشيعي بل بوجوب قتله بل بجواز سبي نسائهم، ففي الفتاوى الحميدية المشهورة بإمضاء الشيخ نوح الحنفي ، في باب الردة والتعزير، قال في جواب من سأله عن السبب في وجوب مقاتلة الشيعة وجواز قتلهم:
(( اعلم أسعدك الله أن هؤلاء الكفرة والبغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد ، وأنواع الفسق والزندقة والإلحاد ، ومن توقف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم . قال : وسبب وجوب قتالهم وجواز قتلهم البغي والكفر معا ، أما البغي فإنهم خرجوا عن طاعة الإمام خلد الله تعالى ملكه إلى يوم القيامة... إلى أن قال : فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفار تابوا أو لم يتوبوا ، ثم حكم باسترقاق نسائهم وذراريهم )) [العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ج1، ص102-103].
ثم إن بعض مشايخ الفرق السنية كالحنابلة يعتقدون بان غيرهم ليس بمسلم كما نقل ذلك الذهبي عن أحد مشايخ الحنابلة وهو أبو حاتم الرازي قوله: من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم. [ الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج3، ص1187] فهم بذلك يكفرون كل أمة الإسلام قاطبة باستثناء طائفتهم. ومعروف عن ابن تيمية أنه يكفر كل المسلمين بحجة أنهم يتوسلون بالنبي أو يستغيثون به أو يزورون قبره.
فهل يوجد أشنع من هذا الاعتقاد، وهذه الأحكام في حق المسلمين، فمن بعد هذا يقول بتكفير المسلمين وأمة الإسلام؟!!!
الأنصاري في كتاب الطهارة ج 2 ص 354 باب حكم المخالف لأهل الحق
( .. فاطلاق الكفر عليهم باعتبار إرادة ما يقابل الايمان لا ما يقابل الاسلام الذي لا خلاف في نجاسته وان أظهر الاسلام وانتحله ..)
وقال آغا رضا الهمداني في كتاب مصباح الفقيه ج 1 ق 2 ص 564
( ويستفاد من تلك الأخبار الكثيرة اسلام المخالفين المنكرين للولاية بل جملة منها مصرحة بذلك وسيأتي التعرض لبعضها [ انش ] ويشهد له أيضا السيرة المستمرة من زمان حدوث الخلاف إلى يومنا هذا على المعاملة المسلمين بل المتأمل في الاخبار المسوقة لبيان الآثار العملية المتفرعة على الاسلام مثل حل ذبيحة المسلم وطهارة ما في أيدي المسلمين وأسواقهم من الجلود وغيرها لا يكاد يشك في أن المراد بالمسلم ما يعمهم فلا ينبغي الارتياب في أنهم مسلمون )
ولكـــن .....
إن المطلع على كتب القوم في تكفير المسلمين عامة أو في تكفير الشيعة خاصة يعرف جيداً كيف أنهم يلقون بالتكفير لمن خالف بدعهم بل حتى أنهم في بعض فتاواهم حرموا دفنهم تحت الأرض بل يجب رمي جثثهم للكلاب تأكلهم وبعضهم في إعتبارهم أولاد زنا وغيرها مما لا يحصى من فتاواهم المخزية
ومن الأمثلة على ذلك هذه الفتوى
2."فهؤلاء الإمامية خارجون عن السنة بل عن الملة ، واقعون في الزنا ، وما أكثر ما فتحوا على أنفسهم أبواب الزنا في القبل والدبر ، فما أحقهم بأن يكونوا أولاد زنا".
رسالة في الرد على الرافضة لشيخ الوهابية محمد بن عبدالوهاب أخزاه الله ص 42
للهم العن الوهابيه ودمرهم تدميرا ومزقهم تمزيقا واردد كيدهم في نحورهم ..اللهم اميييين