عاشق الامام الكاظم
01-10-2008, 03:25 PM
ومن الوسائل التي اتبعها أئمتنا عليهم السلام للنهوض بالمجتمع هي وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالإرشاد والتوجيه للأمة، ولو جمعت هذه الوصايا في مصنف مستقل لسدت فراغاً كبيراً في المكتبة الأخلاقية، لما حوته من نصائح وحكم ودعوة إلى الخير والفضيلة.
وفي هذه الصفحات بعض ما ورد من وصايا الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام):
1- من وصية له عليه السلام لابنه الإمام الباقر عليه السلام:
يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. فقال: يا أبت من هم عرفنيهم؟
قال: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب، يقرب البعيد، ويبعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق، فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع، قال الله عز وجل: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وتقطعوا أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وقال عز وجل: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وقال في سورة البقرة: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)(1).
2- من وصية له عليه السلام لبعض أصحابه:
قال أبو حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يقول لأصحابه: أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالى(2).
3- من وصية له عليه السلام أوصى بها الزهري:
قال الإمام الباقر عليه السلام: دخل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين عليه السلام وهو كئيب حزين، فقال له: ما لك مغموماً؟
قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى عليَّ لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، والطامعين فيَّ، وممن أرجوه، وممن أحسنت إليه فيختلف ظني.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام: أحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
فقال الزهري: يا ابن رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.
فقال عليه السلام: هيهات هيهات، إياك أن تعجب من نفسك بذلك، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل ما تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراًَ.
ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك فأي هؤلاء تحب أن تظلم. وأيَّ هؤلاء تحب أن تدعو عليه، وأيَّ هؤلاء تحب أن تنتهك ستره، وإن عرض لك إبليس لعنه الله فضلاً على أحد من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني، وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي ومن شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي، وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل اخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضاً فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
وأعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضاً، وكان عنهم مستغنياً متعففاً، وأكرم الناس بعده عليهم من كان مستعففاً وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان أعز وأكرم(3).
4- من وصية له عليه السلام لأصحابه:
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام لأصحابه: أوصيكم إخواني بالدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا فإنكم عليها حريصون، وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين؟ فانه قال: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم دار الدنيا فلا تتخذوها قرارا(4)ً.
5- قال الإمام الباقر عليه السلام: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله عز وجل صادقاً، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كاذبا(5)ً.
6- وصيته عليه السلام لسائر أصحابه وشعيته، وتذكيره إياهم كل يوم جمعة: أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه؛ ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولاً عنه أن أجلك أسرع شيء إليك قد اقبل نحوك حثيثاً يطلبك، ويوشك أن يدركك، فكأن قد أوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك، وصيّرت إلى قبرك وحيداً، فرّد عليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك، ألا وأن أول من يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذين كنت تتلوه، وعن إمامك الذين كنت تتولاه، وعن عمرك فيما أفنيت، وعن مالك من أين اكتسبته وفيما انفقته فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعدَّ الجواب قبل الإمتحان والمسألة والإختبار، فإن تك مؤمناً عارفاً بدينك، متبعاً للصادقين، موالياً لأولياء الله، لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، وبشرت بالجنة والرضوان من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب، وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، وتصلية جحيم.
واعلم يا ابن آدم إن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب، يوم القبلة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين والآخرين يوم ينفخ في الصور، ويبعثر فيه القبور، وذلك يوم الآزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فدية، ولا تقبل من أحد معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.
فاحذروا أيها الناس من الذنوب ما قد نهاكم عنها وحذركموها في الكتاب الصادق، والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وتدميره عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم يبصرن) واشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكروا ما وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فإنه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات وقد قال الله تعالى: (افأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذكم في تقلبهم فما هم بمعجزين) أو يأخذهم على تخوف، فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه، لقد وعظكم الله بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد اسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (وأنشأنا بعدها قوم آخرين) وقال: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) يعني يهربون. قال: (تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) فلما أتاهم العذاب: (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) فان قلتم أيها الناس إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنما حاسبين) اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جنهم زمرا، وإنما تنصب الموازين، وتنشر الدواوين لأهل الإسلام فاتقوا اله عباد الله واعلموا أن الله لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال، وصرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه عاجل الدنيا، فإن الله يقول وقوله الحق: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها انهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد صلى الله عليه وآله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة، ومنزل بلغة، ودار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها، وقبل الأذن من الله في خرابها، فكأن قد أخبرها الذي عمرها أول مرة وابتداؤها وهو ولي ميراثها. وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة، فإنما نحن له وبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفي هذه الصفحات بعض ما ورد من وصايا الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام):
1- من وصية له عليه السلام لابنه الإمام الباقر عليه السلام:
يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. فقال: يا أبت من هم عرفنيهم؟
قال: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب، يقرب البعيد، ويبعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق، فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع، قال الله عز وجل: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وتقطعوا أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وقال عز وجل: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وقال في سورة البقرة: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)(1).
2- من وصية له عليه السلام لبعض أصحابه:
قال أبو حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يقول لأصحابه: أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالى(2).
3- من وصية له عليه السلام أوصى بها الزهري:
قال الإمام الباقر عليه السلام: دخل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين عليه السلام وهو كئيب حزين، فقال له: ما لك مغموماً؟
قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى عليَّ لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، والطامعين فيَّ، وممن أرجوه، وممن أحسنت إليه فيختلف ظني.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام: أحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
فقال الزهري: يا ابن رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.
فقال عليه السلام: هيهات هيهات، إياك أن تعجب من نفسك بذلك، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل ما تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراًَ.
ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك فأي هؤلاء تحب أن تظلم. وأيَّ هؤلاء تحب أن تدعو عليه، وأيَّ هؤلاء تحب أن تنتهك ستره، وإن عرض لك إبليس لعنه الله فضلاً على أحد من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني، وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي ومن شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي، وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل اخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضاً فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
وأعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضاً، وكان عنهم مستغنياً متعففاً، وأكرم الناس بعده عليهم من كان مستعففاً وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان أعز وأكرم(3).
4- من وصية له عليه السلام لأصحابه:
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام لأصحابه: أوصيكم إخواني بالدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا فإنكم عليها حريصون، وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين؟ فانه قال: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم دار الدنيا فلا تتخذوها قرارا(4)ً.
5- قال الإمام الباقر عليه السلام: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله عز وجل صادقاً، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كاذبا(5)ً.
6- وصيته عليه السلام لسائر أصحابه وشعيته، وتذكيره إياهم كل يوم جمعة: أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه؛ ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولاً عنه أن أجلك أسرع شيء إليك قد اقبل نحوك حثيثاً يطلبك، ويوشك أن يدركك، فكأن قد أوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك، وصيّرت إلى قبرك وحيداً، فرّد عليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك، ألا وأن أول من يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذين كنت تتلوه، وعن إمامك الذين كنت تتولاه، وعن عمرك فيما أفنيت، وعن مالك من أين اكتسبته وفيما انفقته فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعدَّ الجواب قبل الإمتحان والمسألة والإختبار، فإن تك مؤمناً عارفاً بدينك، متبعاً للصادقين، موالياً لأولياء الله، لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، وبشرت بالجنة والرضوان من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب، وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، وتصلية جحيم.
واعلم يا ابن آدم إن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب، يوم القبلة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين والآخرين يوم ينفخ في الصور، ويبعثر فيه القبور، وذلك يوم الآزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فدية، ولا تقبل من أحد معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.
فاحذروا أيها الناس من الذنوب ما قد نهاكم عنها وحذركموها في الكتاب الصادق، والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وتدميره عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم يبصرن) واشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكروا ما وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فإنه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات وقد قال الله تعالى: (افأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذكم في تقلبهم فما هم بمعجزين) أو يأخذهم على تخوف، فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه، لقد وعظكم الله بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد اسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (وأنشأنا بعدها قوم آخرين) وقال: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) يعني يهربون. قال: (تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) فلما أتاهم العذاب: (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) فان قلتم أيها الناس إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنما حاسبين) اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جنهم زمرا، وإنما تنصب الموازين، وتنشر الدواوين لأهل الإسلام فاتقوا اله عباد الله واعلموا أن الله لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال، وصرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه عاجل الدنيا، فإن الله يقول وقوله الحق: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها انهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد صلى الله عليه وآله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة، ومنزل بلغة، ودار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها، وقبل الأذن من الله في خرابها، فكأن قد أخبرها الذي عمرها أول مرة وابتداؤها وهو ولي ميراثها. وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة، فإنما نحن له وبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته