عاشق الزهراء
07-10-2008, 11:17 AM
هو أحد أربعة عدوا من دهاة العرب وممن يحتالون بكل وسيلة للفوز بالدنيا, فعندهم الغاية تبرر الوسيلة. والثلاثة الآخرين هم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وزياد بن أبيه ورابعهم المغيرة بن شعبة.
وهؤلاء الأربعة كانوا من ضمن مجموعة العقبة الذين دبروا محاولة لاغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة, وعرف المغيرة بالحنكة السياسية والآراء الدنيوية الصائبة وكانت آراءؤه السياسية في المواقف الصعبة معروفة وكان الكثير من العرب من يرجع ويستعين به, إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أعرض عن آراء المغيرة التي لم يكن لها أي اتصال بالمعاد ولم تستق روحها من المبادئ الإنسانية الشريفة.
وقدم المغيرة آراءه إلى أمير المؤمنين ورفضها عندما تمت البيعة لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وعزم (عليه السلام) أن يعزل عمال عثمان بن عفان ويرد الحقوق إلى أهلها, فجاءه المغيرة وقال له: إن لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحوز به ما في غد وإن المضاع اليوم تضيع به ما في غد اقرر معاوية على عمله وأقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وطاعة الجنود استبدلت أو تركت, فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري(1). وفي رواية أخرى قال له: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا, قال..(وما كنت متخذ المضلين عضدا)(2).
وكانت نصيحة المغيرة تنفع من كانت الدنيا هدفه والئاسة مقصده والتغلب طموحه, بينما كان العدل والحق ورضا الله هدف أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه يرى ترك المعاوية وأمثاله من الولاة الظلمة على مناصبهم مشاركة منه معهم, ولذلك أعرض عن المغيرة وترك نصيحته فقام المغيرة وهو ينشد:
نصــحت عليا في ابن هند مقالة***وزدت فلا يسمع لها الدهر ثانية
وقلـــت أرســـل إليـــه بعهـــده***على الشام حتى يستقر معاويـة
ويعلم أهل الشام أن قد مـلكتـــه***وأم ابن هند عند ذلك هـاويــــة
فتحكم فيه ما تريــــــــد فإنــــه***لداهية فارفق بـــه أي داهيــــة
فلم يقبل النصح الــذي جئته به***وكانت له تلك النصيحــــة كافية
ثم أعرض المغيرة عن بيعة الإمام علي (عليه السلام) فلم يبايعه وغارد إلى مكة(3), ومن ذلك الحين ابتعد عن أمير المؤمنين وناصبه العداء والتحق بمعاوية فيما بعد وأصبح واليا على الكوفة من قبل معاوية إلى أن توفي عام 50 أو 51هـ, ثم أخذ يلعن ويسب أمير المؤمنين عليا والحسن والحسين من على منبر الكوفة وهو الذي كان يضيق على حجر بن عدي وأصحابه حتى قتلهم معاوية بسببه. وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: عن أبي جعفر النقيب: قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى(4).
وقدم المغيرة خدمات جليلة لمعاوية منها عملية استلحاق زياد بمعاوية وذلك عندما هدد معاوية زيادا, جاء المغيرة إلى زياد بعد أن كان عند معاوية وواعده بترتيب الأمر له وقال لزياد: ارم بالغرض الأقصى ودع عنك الفضول فإن هذا الأمر لا يمد إليه أحد يدا إلا الحسن بن علي فخذ لنفسك قبل التوطين, فقال زياد: فأشر علي, قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله وتصل حبلك بحبله وأن تعير الناس منك أذنا صماء فقال زياد: يابن شعبة أأغرس عودا في غير منبته ولا مدرة فتحييه ولا عرق فيسقيه؟ ثم إن زيادا عزم على القبول وأخذ برأي ابن شعبة..(5).
زنا المغيرة بن شعبة في البصرة
وكانت نصيحة المغيرة لزياد من باب الحرص على زياد لأنه كان يعرف دهاء معاوية وإجرامه وأنه قد يقتل زيادا غيلة فلذلك اقترح عليه ذلك, وكان سبب هذا الحرص ردا للجميل الذي قدمه زياد للمغيرة عام 71هـ أيام خلافة عمر بن الخطاب لما حضر المغيرة أمام عمر وهو متهم بالزنا فامتنع زياد أن يشهد ضد المغيرة وبذلك وهبه فرصة جديدة للحياة.
وتفاصيل هذه الحادثة التي امتنع زياد أن يشهد فيها على المغيرة، هي استنادا إلى ما ذكره أصحاب الموسوعات التأريخية كالطبري وابن الأثير وابن الحديد وغيرهم, ذكروا ضمن حوادث سنة 71هـ أن المغيرة بن شعبة كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب وكان ذات يوم في بيته وهو مجاور لبيت أبي بكرة وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال: اشهدوا قالوا: من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم - وكان أم جميل غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف - فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا فكتبوا إلى عمر بذلك فأرسل عمر أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود وكانوا كلا من أبي بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه.
فسأل عمر أبو بكرة - وهو من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) -: كيف رأيته؟
فقال: إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك, ولم يشهد زياد مثل شهادتهم, بعدما سمع كلاما من عمر عرف منه أن عمر غير راغب في إقامة الحد على المغيرة, حيث قال لزياد لما استدعاه: ما عندك يا سلح العقاب؟ فقال زياد: رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا, قال: هل رأيت الميل في المكحلة؟ قال: لا, فأمر عمر بترك المغيرة(6).
وممن ذكر إرادة عمر بن الخطاب في عدم رغبته في رجم المغيرة ونبه زياد بن أبيه على ذلك أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني حيث ذكر أن عمر لما سمع شهادة الأول تغير وجهه ولما دخل زياد من الباب رفع عمر صوته عاليا: ما عندك يا سلح العقاب(7), فلما رأى زياد التغير في ملامح عمر وسمع منه هذه العبارة عرف أن عمر لا يرغب في الاقتصاص من المغيرة بدهائه وذكائه, وقد حفظ المغيرة هذا الفضل لزياد.
الهوامش:
1- مروج الذهب ج2 ص354, دار الأندلس.
2- بحار الأنوار ج32 ص34.
3- الكامل ج3 ص88, دار الكتب العلمية1987.
4- شرح النهج ج1 ص360 ط مصر وج3 ص69.
أقول: وقد ذكر ابن أبي الحديد ما لفظه: وقد برئ كثير من أصحابنا من قوم من الصحابة أحبطوا ثوابهم كالمغيرة بن شعبة/ الشرح ج1 ص9 ط دار إحياء الكتب العربية.
5- مروج الذهب ج3 ص7, دار الأندلس.
6- تاريخ الطبري ج2 ص493 دار الكتب العلمية, بيروت1988.
7- الأغاني, ج14, ص328, ط دار الكتب, وزارة الثقافة والإرشاد القومي المصري.
ذكر ابن أبي الحديد: قال أبو جعفر: وكان المغيرة بن شعبة يلعن عليا (عليه السلام) لعنا صريحا على منبر الكوفة وكان بلغه عن علي (عليه السلام) في أيام عمر أنه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بالحجارة- يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة ونكل زياد عن الشهادة.
وقال أبو جعفر أيضا, وكان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها ويرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب/ انظر شرح النهج ج4 ص69- 70 دار إحياء الكتب العربية .
وهؤلاء الأربعة كانوا من ضمن مجموعة العقبة الذين دبروا محاولة لاغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة, وعرف المغيرة بالحنكة السياسية والآراء الدنيوية الصائبة وكانت آراءؤه السياسية في المواقف الصعبة معروفة وكان الكثير من العرب من يرجع ويستعين به, إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أعرض عن آراء المغيرة التي لم يكن لها أي اتصال بالمعاد ولم تستق روحها من المبادئ الإنسانية الشريفة.
وقدم المغيرة آراءه إلى أمير المؤمنين ورفضها عندما تمت البيعة لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وعزم (عليه السلام) أن يعزل عمال عثمان بن عفان ويرد الحقوق إلى أهلها, فجاءه المغيرة وقال له: إن لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحوز به ما في غد وإن المضاع اليوم تضيع به ما في غد اقرر معاوية على عمله وأقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وطاعة الجنود استبدلت أو تركت, فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري(1). وفي رواية أخرى قال له: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا, قال..(وما كنت متخذ المضلين عضدا)(2).
وكانت نصيحة المغيرة تنفع من كانت الدنيا هدفه والئاسة مقصده والتغلب طموحه, بينما كان العدل والحق ورضا الله هدف أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه يرى ترك المعاوية وأمثاله من الولاة الظلمة على مناصبهم مشاركة منه معهم, ولذلك أعرض عن المغيرة وترك نصيحته فقام المغيرة وهو ينشد:
نصــحت عليا في ابن هند مقالة***وزدت فلا يسمع لها الدهر ثانية
وقلـــت أرســـل إليـــه بعهـــده***على الشام حتى يستقر معاويـة
ويعلم أهل الشام أن قد مـلكتـــه***وأم ابن هند عند ذلك هـاويــــة
فتحكم فيه ما تريــــــــد فإنــــه***لداهية فارفق بـــه أي داهيــــة
فلم يقبل النصح الــذي جئته به***وكانت له تلك النصيحــــة كافية
ثم أعرض المغيرة عن بيعة الإمام علي (عليه السلام) فلم يبايعه وغارد إلى مكة(3), ومن ذلك الحين ابتعد عن أمير المؤمنين وناصبه العداء والتحق بمعاوية فيما بعد وأصبح واليا على الكوفة من قبل معاوية إلى أن توفي عام 50 أو 51هـ, ثم أخذ يلعن ويسب أمير المؤمنين عليا والحسن والحسين من على منبر الكوفة وهو الذي كان يضيق على حجر بن عدي وأصحابه حتى قتلهم معاوية بسببه. وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: عن أبي جعفر النقيب: قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى(4).
وقدم المغيرة خدمات جليلة لمعاوية منها عملية استلحاق زياد بمعاوية وذلك عندما هدد معاوية زيادا, جاء المغيرة إلى زياد بعد أن كان عند معاوية وواعده بترتيب الأمر له وقال لزياد: ارم بالغرض الأقصى ودع عنك الفضول فإن هذا الأمر لا يمد إليه أحد يدا إلا الحسن بن علي فخذ لنفسك قبل التوطين, فقال زياد: فأشر علي, قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله وتصل حبلك بحبله وأن تعير الناس منك أذنا صماء فقال زياد: يابن شعبة أأغرس عودا في غير منبته ولا مدرة فتحييه ولا عرق فيسقيه؟ ثم إن زيادا عزم على القبول وأخذ برأي ابن شعبة..(5).
زنا المغيرة بن شعبة في البصرة
وكانت نصيحة المغيرة لزياد من باب الحرص على زياد لأنه كان يعرف دهاء معاوية وإجرامه وأنه قد يقتل زيادا غيلة فلذلك اقترح عليه ذلك, وكان سبب هذا الحرص ردا للجميل الذي قدمه زياد للمغيرة عام 71هـ أيام خلافة عمر بن الخطاب لما حضر المغيرة أمام عمر وهو متهم بالزنا فامتنع زياد أن يشهد ضد المغيرة وبذلك وهبه فرصة جديدة للحياة.
وتفاصيل هذه الحادثة التي امتنع زياد أن يشهد فيها على المغيرة، هي استنادا إلى ما ذكره أصحاب الموسوعات التأريخية كالطبري وابن الأثير وابن الحديد وغيرهم, ذكروا ضمن حوادث سنة 71هـ أن المغيرة بن شعبة كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب وكان ذات يوم في بيته وهو مجاور لبيت أبي بكرة وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال: اشهدوا قالوا: من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم - وكان أم جميل غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف - فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا فكتبوا إلى عمر بذلك فأرسل عمر أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود وكانوا كلا من أبي بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه.
فسأل عمر أبو بكرة - وهو من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) -: كيف رأيته؟
فقال: إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك, ولم يشهد زياد مثل شهادتهم, بعدما سمع كلاما من عمر عرف منه أن عمر غير راغب في إقامة الحد على المغيرة, حيث قال لزياد لما استدعاه: ما عندك يا سلح العقاب؟ فقال زياد: رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا, قال: هل رأيت الميل في المكحلة؟ قال: لا, فأمر عمر بترك المغيرة(6).
وممن ذكر إرادة عمر بن الخطاب في عدم رغبته في رجم المغيرة ونبه زياد بن أبيه على ذلك أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني حيث ذكر أن عمر لما سمع شهادة الأول تغير وجهه ولما دخل زياد من الباب رفع عمر صوته عاليا: ما عندك يا سلح العقاب(7), فلما رأى زياد التغير في ملامح عمر وسمع منه هذه العبارة عرف أن عمر لا يرغب في الاقتصاص من المغيرة بدهائه وذكائه, وقد حفظ المغيرة هذا الفضل لزياد.
الهوامش:
1- مروج الذهب ج2 ص354, دار الأندلس.
2- بحار الأنوار ج32 ص34.
3- الكامل ج3 ص88, دار الكتب العلمية1987.
4- شرح النهج ج1 ص360 ط مصر وج3 ص69.
أقول: وقد ذكر ابن أبي الحديد ما لفظه: وقد برئ كثير من أصحابنا من قوم من الصحابة أحبطوا ثوابهم كالمغيرة بن شعبة/ الشرح ج1 ص9 ط دار إحياء الكتب العربية.
5- مروج الذهب ج3 ص7, دار الأندلس.
6- تاريخ الطبري ج2 ص493 دار الكتب العلمية, بيروت1988.
7- الأغاني, ج14, ص328, ط دار الكتب, وزارة الثقافة والإرشاد القومي المصري.
ذكر ابن أبي الحديد: قال أبو جعفر: وكان المغيرة بن شعبة يلعن عليا (عليه السلام) لعنا صريحا على منبر الكوفة وكان بلغه عن علي (عليه السلام) في أيام عمر أنه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بالحجارة- يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة ونكل زياد عن الشهادة.
وقال أبو جعفر أيضا, وكان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها ويرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب/ انظر شرح النهج ج4 ص69- 70 دار إحياء الكتب العربية .