المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقاصد الفاروق وأهدافه


تراب البقيع...
12-10-2008, 03:52 AM
مقاصد الفاروق وأهدافه

لقد قاومت بطون قريش النبوة الهاشمية بكل فنون المقاومة وحاربتها بكل وسائل الحرب ، لا حبا بالأصنام ولا كراهية للإسلام ، فليس في الإسلام ما تعافه الفطرة فيكره ، لكن قريش لا تريد أن تغير صيغتها السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف ، ولا تريد أن يتميز البطن الهاشمي عن بقية البطون ، ولا أن يتفوق هذا البطن عليها ، وقد تصورت بطون قريش أن التفاف الهاشميين حول النبوة ، ودفاعهم المستميت عن النبي هو إصرار هاشمي على التميز ورغبة هاشمية بالتفوق على الجميع ، فحاصرت بطون قريش مجتمعة الهاشميين ، وتآمرت بطون قريش مجتمعة على قتل النبي ، وتعاونت بطون قريش مجتمعة على حرب النبي ، ففشل الحصار ، وفشلت المؤامرة ، وهزمت البطون في حروبها وأحيط بها فأسلمت وأدركت أن النبوة الهاشمية قدر محتوم لا مفر منه ، ولا محيد ، وطالما أن النبوة قدر محتوم ، ولا طاقة للبطون بمواجهة هذا القدر ومنعه ، فلتكن النبوة للهاشميين خالصة لهم لا يشاركهم بالنبوة أحد من البطون ، وليتوقف الزحف الهاشمي على حقوق البطون الأخرى ، فالنبي قد أعد العدة لتكون الخلافة لعلي الهاشمي ولذرية النبي من بعد علي ، لأنهم بعلم الله الأعلم بالإسلام ، والأفهم بأحكامه ، والأفضل من أتباعه ، والأنسب لقيادة الأمة ، والأطيب لنفوس الجميع .

الحل المثالي لقد دخلت كل البطون في الإسلام ، والإسلام يجب ما قبله ، وتوحيد قريش في ظلال الإسلام مصلحة شرعية وضرورة من ضرورات انتصاره وشيوعه وانتشاره في البلدان ولا يحقق ذلك إلا :


1 - أن تكون النبوة خالصة لبني هاشم لا يشاركهم بها أحد غيرهم كائنا من كان .
2 - أن تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها فيما بينها لا يشاركها في الخلافة أي هاشمي على الاطلاق ، ولا حرج لو تداولها مع البطون من غيرهم كالأنصار ، وكالموالي ، لأن اشتراك هذا الغير بتداول الخلافة لا يخدم التميز والتفوق الهاشمي ، واستقرت بأذهانهم نهائيا مقولة " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة " وتحولت هذه المقولة إلى تيار غلاب مستقر في النفوس .
استكشاف الحل قريش وبالإجماع قبلت النبوة الهاشمية باعتبار أنها قدر لا مفر منه وهي تتمنى لو تحقق حلمها بالحل المثالي ، فلا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ولكن ، هذه الأماني ملجومة بوجود النبي ، وإمكانية تحقيقها بعد وفاته واردة ومتاحة .
اقتناع الفاروق بالمقولة وتطويرها على يديه لسوء الحظ أن الفاروق قد اقتنع بالمقولة القريشية : " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، وهو يلتقي هنا مع التيار الغلاب الساكن في نفوس قريش والمتأهب للظهور بعد وفاة النبي .
وأضفى عليها الفاروق ثوب الشرعية فوصفها بأنها الصواب والتوفيق وأن الغاية منها منع الاجحاف الهاشمي على بطون قريش ، وهكذا طور الفاروق هذه النظرية وألبسها ثوب الشرعية فشقت طريقها بيسر وسهولة وبلا حرج تختال بثوبها الشرعي مخفية أحاسيسها الجاهلية ، لأن شعار " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة " شعار جاهلي من كل الوجوه ، تجد جذوره مستقرة وواضحة في الصيغة الجاهلية التي سادت مكة قبل ظهور الإسلام والقائمة أصلا على اقتسام البطون القريشية لمناصب الشرف .
ومن جهة أخرى فإن الخليفة المقترح من النبي ( ص ) وهو علي بالذات نكل ببطون قريش فليس فيها بطن إلا وله دم عند علي ، فهو قاتل سادات بني أمية في بدر ، وقاتل حنظلة بن أبي سفيان ، وقاتل العاص بن هشام بن المغيرة ، وهشام هذا هو خال أمير المؤمنين " ( 1 ) ،

( 1 ) الطبقات : ج 2 ص 17 - 18 . ( * )


ثم إن عليا هو الذي كفى رسول الله كفار العرب بسيفه ورمحه ، فكيف يرضى أبو سفيان عن قاتل ابنه وأولاد عمومته ؟ وكيف تتقبل هند وابنها معاوية رئاسة الذين قتلوا الأهل والأحبة ؟
عمر قد يقبل قاتل خاله ، لأن الإيمان تمكن من قلبه ، ولكن غيره لا يتقبل ولا يقبل ، ثم إن الرسول ( ص ) لا لوم عليه فهو لم يقتل بيديه ، إنما كان القاتل علي ، فعصبت قريش دماءها بعلي ووجهت لومها وكراهيتها له مع الاحتفاظ بهويتها الإسلامية وولائها للنبي بالذات ، فلو أخذت قريش بما تسميه " بالفضائل " التي أضفاها النبي ( ص ) على علي وسلمت له الخلافة فإن قريش لن تتحد في ظل حكمه بل ستفترق وتختلف ، وسينعكس هذا الافتراق وهذا الاختلاف على مستقبل الإسلام ومستقبل الولاء للنبي بالذات ، وقد تقع الفتنة مع ما تجره من عواقب وخيمة على الإسلام والمسلمين .
بهذا وحده يمكن أن نفسر الاندفاع الهائل لأمير المؤمنين في هذا التوجه ، ونفسر سر الائتلاف بينه وبين بطون قريش على شعار " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة " ، حتى تحول أمير المؤمنين عمر إلى مخطط ومنظر حقيقي وأوحد لهذا التيار .
قريش تتحد ضد الولي كما اتحدت ضد النبي وحدة الرؤى الرئيسية وحدت قريش كلها خلف شعار " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة " ، فقد وقفت كل بطون قريش بلا استثناء ( 1 ) ضد النبوة الهاشمية واشتركت كل بطون قريش في مقاطعة بني هاشم ثلاث سنين بهدف القضاء على هذه النبوة وفشل الحصار ، وتآمرت كل بطون قريش على قتل النبي وعبرت عن وحدتها بهذا التآمر بإرسال أحد رجالها للاشتراك في قتله ، وفشلت المؤامرة ونجا النبي ثم جهزت كل بطون قريش الجيوش وحاربت النبي وفشلت ، وأحيط بها فاستسلمت وأدركت أن النبوة قدر لا مفر منه وسلمت بها لبني هاشم .
لكنها عزمت وجزمت على أن لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، فوقفت وقفة رجل واحد ضد علي كما وقفت كل بطونها وقفة رجل واحد ضد النبي وغايتها محددة وهي أن لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة وبنفس الوقت الاحتفاظ بالهوية

( 1 ) الإمامة والسياسة ص 70 - 72 . ( * )


الإسلامية والولاء للنبوة الهاشمية بالقدر الذي لا يتعارض مع نجاح المقولة .
قريش تخطط والهاشميون يرزحون في مصابهم قريش مدركة أن النبي ميت لا محالة في مرضه هذا ، وقد أخرهم النبي ( ص ) بذلك وهم يصدقون النبي ، وهي مدركة أيضا أن ترك الأمور على طبيعتها يؤدي حتما لفوز علي بالخلافة عندئذ يقع المحظور ، فيجمع الهاشميون مع الخلافة النبوة لذلك فلا غنى لها عن التحرك بالخفاء لمنع وقوع المحظور .
والهاشميون كذلك وعلي بالذات مشغولون بمصابهم ، فالنبي ميت لا محالة في مرضه هذا ، وهو يعاني الألم ، وألمه ألمهم لأنه النبي والسيد ، وهم الأتباع المخلصون ، ولأنه الأخ والقريب وابن العم والحبيب فلا أخ مثله ، ولا قريب يغني عنه ، ولا ابن عم يتحلى بمزاياه ولا حبيب نظيرا له على الاطلاق ، لذلك انصرفوا له بكليتهم وانشغلوا به عمن سواه مفترضين أن الآخرين مثلهم .
التخطيط المحكم كيف
علم عمر بأن النبي سيوصي ذلك اليوم بالذات فحضر ؟ ومن الذي أخبره ؟ وكيف تجمع هذا الفريق الذي ما إن سمع النبي يقول : " هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " حتى سمعوا الفاروق يرد فورا على النبي موجها الكلام لمن حضر : " إن النبي قد اشتد به الوجع وحسبنا كتاب الله " ، فردد هذا الفريق فورا : القول ما قاله عمر ، وزادوا : رسول الله هجر ! ! استفهموه إنه يهجر كما أسلفنا وأثبتنا ، فقول النبي لا يمكن أن يخلق هذا النفور الفوري .
والرد العمري الفوري بجملته الشهيرة " إن الوجع قد اشتد برسول الله حسبنا كتاب الله " لا يمكن أن يخلق الاقناع الفوري .
مثل هذا الاقتناع الذي حمل أصحابه على اللفظ والخلاف والتنازع في حضرة رسول الله ، والأقرب إلى الذهن والمنطق والعقل أن هنالك معرفة يقينية مسبقة لدى هذا الفريق بمضمون الكتاب الذي أراد الرسول أن يكتبه ، وأن هنالك نوع من الاتفاق المسبق للحيلولة بين النبي وبين كتابة هذا الكتاب ، ولو أدى ذلك إلى مواجهة مع النبي نفسه ، والقول بأنه يهجر أو هجر حاشا الله ، والأقرب إلى التفكير أيضا بأن هنالك رابط أو اتفاق يضمن تماسك هذا الفريق ووحدته حتى بمواجهة مع النبي


نفسه ، أما هل هذا الاتفاق عفوي أم ثمرة تخطيط ، الله وحده يعلم ، لكن المؤكد أن ظهر الشرعية قد قصم تماما في هذه المواجهة .
الثمرة الأولى لهذا التخطيط
تمكن هذا الفريق من أن يحول بين النبي وبين كتابة ما يريد ، وبرز عمر بن الخطاب كأقوى رجل في هذا الفريق على الاطلاق فهو الذي خاطب الحاضرين : " إن النبي قد اشتد به الوجع حسبنا كتاب الله " ، بمعنى أنه لا حاجة لنا بكتاب النبي " هذا معنا حسبنا يكفينا " وما زاد عن الكفاية فهو لغو ولا ضرورة له . مما شجع مؤيدي هذا الرأي على القول : رسول الله هجر استفهموه إنه يهجر . حاشا لك يا رسول الله .
والخلاصة أن الثمرة الأولى للتخطيط كانت الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما يريد ، ولنفترض جدلا أن النبي قد أصر على رأيه ولخص الموقف وقال : " لا تنسوا بأن الخليفة من بعدي عليا " ، فإن هذا القول سيعقد مهمة الفريق وسيضطره في ما بعد لإثبات الهجر مع ما يجره ذلك على الدين نفسه من ويلات وكوارث ، فلو رفعوا شعار الهجر فيما بعد لكان الدين نفسه في خطر ولما أمكن التفريق بين ما قاله النبي في هجرة المزعوم وصحوه المؤكد ، ففضل النبي ( ص ) أن يعدل عن كتابة الكتاب ليصون الأهم وهو الدين بدلا من صيانة المهم وهو خلافة علي ، فقال لهم : " قوموا عني ما أنا فيه خيرا مما تدعوني إليه " ، وحرج هذا الفريق وهو يتصور أنه المنتصر ، وأنه قطف الثمرة ، وأن العقبة الكبرى في طريق تحقيق الهدف قد زالت .

التخطيط لهزيمة الهاشميين . بمواجهة متكافئة وعادلة وشريفة بين قريش والهاشميين ، فإن الفائز المؤكد هم بنو هاشم وقد أثبتت وقائع التاريخ ذلك ، فقد حاصرت كل بطون قريش مجتمعة بني هاشم ثلاث سنين ، وفشل الحصار وانتصر الهاشميون ، وقد تآمرت كل بطون قريش على قتل محمد واختارت من كل بطن منها رجلا ليشتركوا بقتل النبي مجتمعين ، فيضيع دمه بين القبائل ، ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه ، وفشلت المؤامرة ونجا النبي وانتصر الهاشميون .
وجيشت بطون قريش الجيوش وحاربت محمدا وبني هاشم ، وانتصر محمد


وانتصر الهاشميون بانتصاره ، وهزمت كل بطون قريش وأحيط بها ، وأسلمت واعترفت بالنبوة ، وأدركت أنها قدر لا مفر ولا محيد عنه .
فانصب هدف بطون قريش على مسامحة الهاشميين بالنبوة والإقرار بتفرد الهاشميين بها وحدهم دون أن يشاركهم بها أحد ، مقابل أن تأخد بطون قريش الخلافة وتتداولها في ما بينها ، ولا مانع من خروج الرئاسة منهم إلى غير قريش مؤقتا على أن لا تؤول إلى هاشمي ، لأنه إذا آلت لبني هاشم فلن تخرج منهم ، ويقع المحظور بجمع الهاشميين للخلافة مع النبوة ، لكن وقائع التاريخ أثبتت أن الهاشميين هم الفائزون بأي مواجهة .

الترجيح بمرجح لتحقيق الهدف أدركت قريش أن سر الانتصارات المتوالية للهاشميين على بطون قريش ، وسر التميز والتفوق الهاشمي يكمن في وجود المرجح الذي ساهم بترجيح الكفة الهاشمية على كفة بطون قريش ، فالمرجع للهاشميين في صراعهم ضد بطون قريش هو الله الناصر أولا وأسبابه بالترجيح ثانيا ، فإجماع قريش على مقاطعة الهاشميين ظلم صارخ أخل بالتوازن ، وتزويد الله للهاشميين بالصبر والأخذ بيدهم وتزويدهم بمن يؤيدهم من صفوف بطون قريش ويطلب فك هذا الحصار مرجح أدى لفشل الحصار .
ومؤامرة قريش لقتل النبي إفساد في الأرض وقتل دون سبب يوجب ذلك ، ونوم علي بن أبي طالب في فراش النبي ونجاة النبي واستقراره في يثرب سبب مرجح أدى لفشل مؤامرة القتل .
وتجييش بطون قريش الجيوش ومحاربة النبي وملاحقته بلا كلل ولا ملل تماد بالباطل وإصرار عليه ، والتفاف الأنصار حول النبي واحتضانه ومحاربتهم إلى جانبه وجانب الهاشميين سبب مرجح أدى لفشل كل الحروب التي شنتها بطون قريش وأسفر عن هزيمة ساحقة أدت في النهاية لانهيار الزعامة المشركة واستسلامها بالكامل .

التكافؤ والفرصة والموضوعية : إذا كان هنالك تكافؤ بالفرض بين رأي قريش وبين رأي بني هاشم ، فإن الرأي الهاشمي سيسمو على رأي قريش ويثبت أنه الأصوب والأجدر ، وإذا كان هنالك فرصة موضوعية لتقرع الحجة بالحجة ، فإن الولي من بعد النبي سيفرغ بحجته الباهرة


حجة غيره ، لأن الولي مع القرآن معه بالنص ، والحق مع الولي والولي مع الحق بالنص كما أثبتنا ، وإذا كانت هنالك مبارزة شريفة بين الولي وبين أي كان ، فإن الولي سيفوز ، لأنه المنصور بإذن الله ، ولكن الولي لا يستطيع أن يخطط في الظلام ولا يمكنه التآمر ، ولا يمكنه معصية الله .

المرجح الذي سيهزم الولي والخطة المثلى اهتدت قريش إلى مفصل الأمور وفيصلها اهتدت إلى الأنصار . إذا استطاعت قريش أن تضمن ولاء الأنصار لموقفها فقد حققت النصر الساحق وتحقيق هدفها ، الأعظم بمنع الهاشميين من أن يجمعوا مع الخلافة النبوة ، ومنع الولي من أن يكون هو الخليفة ، لأنه إذا تولى علي الخلافة فسوف يقترح الحسن ليخلفه من بعده ، فالإمام الحسن إمام مسمى من قبل الله وقبل رسوله ، ومن له مكانة ابن بنت رسول الله حتى يعترض يوم تسميته ، وبالتالي سيكون الخليفة من بعد أبيه ، فإذا تولى الحسن الإمامة فسيقترح الحسين إماما من بعده ، وليس بإمكان أحد أن يعترض عليه . . . الخ
وهكذا تبقى الأمور بيد أبناء النبي الهاشميين ويجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، فيكون فوزهم على البطون ساحقا .
ووسيلة منع ذلك كله تكمن في المرجع وفي انعدام تكافؤ الفرص ، وفي السرعة والحزم :
1 - المرجع الأعظم واقعيا هم الأنصار ، فإذا وقفت الأنصار مع علي فقد هزمت قريش وفق موازينها ووقع المحظور ، فجمع الهاشميون الخلافة والنبوة ، وإذا وقفت الأنصار مع قريش ومع هدفها هذا فإن هزيمة الهاشميين وهزيمة الولي مؤكدة وفق هذه الموازين . وإذا أمكن تحييد الأنصار فلا يقفوا مع الولي فإن هذا إنجاز ، وإمكانية تحقيق هدف قريش واردة بكل الموازين الموضوعية .
2 - النقطة الثانية انعدام تكافؤ الفرص ، فإذا وقف الولي على قدم المساواة مع قريش ومع أي زعيم من زعمائها ، في فرصة متكافئة ، فإن الولي سيغلب وسيقيم الحجة الشرعية على قريش مجتمعة وعلى أي زعيم من زعمائها والمهم بهذه الحالة أن


لا يتكلم معه الزعيم القرشي بصفته الشخصية ، ولكن يتكلم معه باسم جمع ، باسم المهاجرين ، باسم أكثرية الأمة ، فإذا فعل الزعيم القرشي ذلك فإمكانية هزيمة الولي وفق موازينهم واردة .
3 - السرعة القصوى بحيث يتم البت بموضوع الخلافة خلال فترة انشغال العترة الطاهرة بتجهيز النبي ودفنه ، فلا يحضر منهم أحد على الاطلاق ويتم تنصيب الخليفة بغيابهم كلهم ، فلا يكون لهم بعد ذلك عذر ولا مبرر للاعتراض إلا الفتنة ومواجهة دولة حقيقية لها رئيسها ونائبها وجيشها ، وهم أتباع الخليفة الجديد ومبايعوه .

اجتماع السقيفة مات النبي ( ص ) ، غاب القمر المنير الذي أضاء الوجود بنوره ، وشاع الخبر ، وهرع سكان العاصمة وتجمعوا في بيت النبي وأحاطوا به يبكون نبيهم ووليهم وإمامهم الأعظم ، والآل الكرام وعلى رأسهم الولي والخليفة بعد النبي منصرفون كلهم وبكليتهم إلى مصابهم الذي لا مصاب مثله ، ومشغولون بتجهيز النبي لمواراته في ضريحه الأقدس . في هذا الوقت بالذات انعقد الاجتماع في سقيفة بني ساعدة .

أسئلة بدون أجوبة
لماذا انعقد هذا الاجتماع بهذا الوقت بالذات ؟
ومن الذي دعا إليه ؟
وكيف أمكن عقده بهذا الوقت بالذات ؟
ومتى بدأ التحضير له ؟
ومن حضره على وجه اليقين من الأنصار ؟
فالسقيفة لا تتسع لكل الأنصار ، وقسم كبير منهم كان بحكم المنطق في بيت النبي أو متحلقا حوله ؟ لأن من المستحيل أن يغيبوا كلهم عن النبي دفعة واحدة ؟
ومن الذي بدأ بالتحضير لهذا الاجتماع ؟
وكم استغرق التحضير له ؟
ولماذا لم يعلم بهذا الاجتماع من المهاجرين إلا عمر بالذات ؟
ومن الذي أخبره ؟ لأن عمر لم يكن في بيت النبي ولا مع المتحلقين حوله ، إنما كان في مكان ما وهو يعلم أن أبا بكر في منزل النبي بالضرورة ، فأتى عمر فأرسل إلى أبي بكر : أن أخرج إلي فأرسل إليه : إني منشغل ، فأرسل إليه : أنه حدث أمر لا بد من حضوره ، فخرج أبو بكر إليه فقال : أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر


سعد بن عبادة ، وأحسنهم مقالة من يقول : منا أمير ومن قريش أمير ، فمضيا مسرعين ، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فتماشوا إليهم ثلاثتهم ( 1 ) .
من الذي أتى بالخبر يقول الطبري : إن أول من سمع خبر " اجتماع الأنصار هو عمر " ( 2 ) ، وفي رواية أخرى : " أبا بكر بلغه الخبر " ( 3 ) ، وفي رواية ابن هشام " فأتى آت إلى أبي بكر وعمر " .
أما من هو هذا الذي أتى بالخبر ؟ فلا أحد يعرفه على الاطلاق لأن اسم هذا المخبر ضاع ( 4 ) .
اثنان من الأنصار عندما سار الثلاثة باتجاه السقيفة وجدا عويم بن ساعدة الأنصاري ومعن بن عدي ( 5 ) وهما من صفوة الأنصار ، وفي رواية ثانية للطبري : فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة ، وهما صحابيان قد شهدا بدرا .
وفي رواية أنهما قالا للثلاثة : ارجعوا واقضوا أمركم بينكم ، وفي رواية ثانية : ارجعوا فإنه لن يكون ما تريدون .
الملفت للانتباه : أنهما من الأنصار وشهدا بدرا ، ومع هذا لم يحضرا اجتماع السقيفة ، ولا كانا متوجهين إليه مع علمهم بالاجتماع ، إنما كان اتجاه مسيرهما معاكس لاتجاه مسير الثلاثة ، فقد تبادل الاثنان الحديث مع الثلاثة المهاجرين ومضى كل نفر في دربه . لأن لم يشر أحد أن الخمسة ساروا معا باتجاه اجتماع السقيفة .
ثم مضمون الحوار فمرة قالوا للثلاثة : ارجعوا واقضوا أمركم بينكم ، بمعنى أنه لا علاقة للأنصار بهذا الأمر ، ومرة أخرى قالا : إنه لن يكون الذي تريدون بمعنى أن الأنصار لن توليكم . فأي الروايتين أولى بالتصديق ؟ .
( 1 ) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 219
( 2 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 219 .
( 3 ) تاريخ الطبري . ( 4 ) نظام الحكم للقاسمي ص 126 .
( 5 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 206 . ( * )