melika
27-10-2006, 04:48 PM
إن المسجد حينما يأخذ مكانه الطبيعي الذي بني من أجله ، و أراده الله له ، يصبح من أعظم المؤثرات التربوية في نفوس الناشئين ، قال تعالى :
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال... رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ" ، ففيه يرون الراشدين مجتمعين على الله ، فينمو في نفوسهم الشعور بالمجتمع المسلم ، والاعتزاز بالجماعة الإسلامية و من هنا فإن خروج الأب والوالد بالطفل معه خارج البيت واصطحابه إلى المسجد سنة مبكرة ، و أسلوب تربوي أصيل لتنشئة الطفل على حب المساجد والصلاة والتعود عليها ، و فيه مخالطة لأهل الخير و حضور دعواتهم ، علاوة على المؤانسة للطفل و فرحه بالخروج من البيت ، والانطلاق خارجه ، في ظل الحماية والرعاية من الأب الوالد .
لذلك وجدنا الرسول (ص) يصطحب الأطفال معه إلى المسجد ، فقد روي : " خرج علينا رسول الله (ص) في إحدى صلاتي العشاء و هو حامل الحسن والحسين ، فتقدم النبي (ص) فوضعه ثم كبر للصلاة ، فصلى فسجد بين ظهراني الصلاة سجدة أطالها ، قال الراوي : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله (ص) و هو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما قضى رسول الله (ص) الصلاة قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك ، قال : كل ذلك لم يكن ، و لكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته " .
لقد كان المسجد على عهد النبي (ص) بيتاً للصغار ، بما وجد فيه من رعاية و عطف و صبر الكبار ، فخرجوا منه سادة أطهار ، مجاهدين أبرار ، ما وسعهم ليل أو نهار ، فهذا جابر ابن سمرة يحكي عن طفولته و ذكرياته مع المسجد فيقول : صليت مع رسول الله (ص) صلاة الأولى ـ بمعنى صلاة الظهر ـ ثم خرج إلى أهله و خرجت معه فاستقبله ولدان ـ الصبيان ـ فجعل (ص) يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا ، قال جابر : و أما أنا فمسح على خدي ، فوجدت ليده برداً و ريحاً ، كأنما أخرجها من جونة عطر " .
دروس يتعلمها الصغار من صلاة الجماعة :
فأول ما يؤثر في الطفل حينما يحضر إلى المسجد "صلاة الجماعة " ، فالصلاة في حقيقتها مدرسة إعلامية تغرس في نفوس و أعماق الملازمين لها مثلاً عليا ، و قيماً عظمى ، فمن شعائرها الجماعة التي تلتقي على هدف لا ريب في سموه ، و فيها عنصر التوقيت الزمني " خمس مرات في اليوم والليلة " ، حددت تماماً مواقيتها . " إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا "
أضف إلى ذلك عنصر التوقيت المكاني إذ يتم ذلك التجمع في المسجد ، والمسجد في الإسلام يشمل كل طاهر من أرض الله ، "و جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً " جزء من حديث مروي عن الرسول . والجماعة في الصلاة تترقى مستوياتها ، فالصلوات اليومية يجتمع فيها أهل الحي ، و في الجمعة يلتقي في المسجد الجامع أهل المدينة أو القرية ، و كذا في صلوات العيدين والاستسقاء والخسوف والكسوف ، و هذا سر فضل صلاة الجماعة في الإسلام ، هو إذن درس بالغ ، و ما أكثر الدروس الاجتماعية فضلاً عن الدينية في الصلاة .
... و درس في النظام !
أضف إلى ما سبق هذا الدرس الجمالي يتعلمه الأطفال من الصلاة أيضاً ، ألا و هو : انتظام المسلمين في صفوف ، بل و كيفية هذه الصفوف ... روي عن الرسول (ص) : كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة و يقول : " استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ـ هم الرجال البالغون ـ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
وعن عبدالله بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله (ص) أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ، و يجعل الركعة الأولى هي أطولهن لكي يثوب الناس ، و يجعل الرجال قدام الغلمان ، والغلمان خلفهم ، والنساء خلف الغلمان " .
... و آخر في احترام الكبير والاقتداء به
فحينما يقف الطفل خلف صفوف الرجال يتعلم كيف يحترم الكبير ، بل و يتعلم أن الكبير الحقيقي هو من وقف في الصف الأول في المسجد لا من كان خارجه ، فيتعلم كيف يتمنى أن يكبر ليكون في الصفوف الأولى أمام الله عز و جل .
أضف إلى ذلك تعلمه كيف ينتظم مع أمثاله الصغار ، فتبدأ علاقته و صداقاته من المسجد ، فتكون بداية لصداقة طويلة لأنها صداقة المساجد لا صداقة الشوارع والطرقات ، و إخوة الإيمان لا إخوة المطامع و الشهوات .
... و شهودٌ لحلقات الذكر
و مما يؤثر في الطفل أيضاً عند حضوره للمسجد "حلقات العلم والذكر" ففيها يرى العلم والمتعلمين ، و يعيش مع الذكر والذاكرين ، و يشعر بالحب والمتحابين ، وبالتواضع والمتواضعين و بذلك يعرف للذكر لذته و للعلم مكانته ، و للعالم حقه ، و للمسجد هيبته لذلك حرص أصحاب رسول الله (ص) على اصطحاب أطفالهم إلى مسجد رسول الله (ص) ليجلسوا في حلقة العلم بين يدي المعلم الأعظم محمد (ص) فلم يكن غريبا أن ترى في هذه الحلقة المباركة طفلا يثب على ظهر أبيه ، أو يجلس في حجره ، أو يداعب لحيته بأصابعه اللطيفة .
کما روي " أن رسول الله (ص) كان إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه ، فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره ، فيقعده بين يديه ، فهلك (مات الطفل) ، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ، ففقده النبي (ص) فقال : مالي لا أرى فلانا ؟ قالوا يا رسول الله : بنيّه الذي رأيته هلك ، فلقيه النبي (ص) فسأله عن بنيه ، فأخبره أنه هلك ، فعزاه عليه ، ثم قال : " يا فلان ، أيهما كان أحب إليك ، أن تتمتع به عمرك ، أو لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك يفتحه لك ؟ قال : يا نبي الله ، بل يسبقني إلى باب الجنة يفتحه لي ، لهو أحب إلي ، قال : فذاك لك ) .
و بعد ...
فإن هذه الدرر الثمينة و غيرها الكثير ، لن يتعلمها أطفالنا إلا في المساجد ، فإذا أردنا صلاحاً لأطفالنا ، و ذخراً لنا في أخرانا ، فلنعد نحن و أطفالنا إلى المسجد إيمانا و عملاً و أخلاقاً .
******** أ. سحر شعير [بتصرف]
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال... رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ" ، ففيه يرون الراشدين مجتمعين على الله ، فينمو في نفوسهم الشعور بالمجتمع المسلم ، والاعتزاز بالجماعة الإسلامية و من هنا فإن خروج الأب والوالد بالطفل معه خارج البيت واصطحابه إلى المسجد سنة مبكرة ، و أسلوب تربوي أصيل لتنشئة الطفل على حب المساجد والصلاة والتعود عليها ، و فيه مخالطة لأهل الخير و حضور دعواتهم ، علاوة على المؤانسة للطفل و فرحه بالخروج من البيت ، والانطلاق خارجه ، في ظل الحماية والرعاية من الأب الوالد .
لذلك وجدنا الرسول (ص) يصطحب الأطفال معه إلى المسجد ، فقد روي : " خرج علينا رسول الله (ص) في إحدى صلاتي العشاء و هو حامل الحسن والحسين ، فتقدم النبي (ص) فوضعه ثم كبر للصلاة ، فصلى فسجد بين ظهراني الصلاة سجدة أطالها ، قال الراوي : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله (ص) و هو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما قضى رسول الله (ص) الصلاة قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك ، قال : كل ذلك لم يكن ، و لكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته " .
لقد كان المسجد على عهد النبي (ص) بيتاً للصغار ، بما وجد فيه من رعاية و عطف و صبر الكبار ، فخرجوا منه سادة أطهار ، مجاهدين أبرار ، ما وسعهم ليل أو نهار ، فهذا جابر ابن سمرة يحكي عن طفولته و ذكرياته مع المسجد فيقول : صليت مع رسول الله (ص) صلاة الأولى ـ بمعنى صلاة الظهر ـ ثم خرج إلى أهله و خرجت معه فاستقبله ولدان ـ الصبيان ـ فجعل (ص) يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا ، قال جابر : و أما أنا فمسح على خدي ، فوجدت ليده برداً و ريحاً ، كأنما أخرجها من جونة عطر " .
دروس يتعلمها الصغار من صلاة الجماعة :
فأول ما يؤثر في الطفل حينما يحضر إلى المسجد "صلاة الجماعة " ، فالصلاة في حقيقتها مدرسة إعلامية تغرس في نفوس و أعماق الملازمين لها مثلاً عليا ، و قيماً عظمى ، فمن شعائرها الجماعة التي تلتقي على هدف لا ريب في سموه ، و فيها عنصر التوقيت الزمني " خمس مرات في اليوم والليلة " ، حددت تماماً مواقيتها . " إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا "
أضف إلى ذلك عنصر التوقيت المكاني إذ يتم ذلك التجمع في المسجد ، والمسجد في الإسلام يشمل كل طاهر من أرض الله ، "و جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً " جزء من حديث مروي عن الرسول . والجماعة في الصلاة تترقى مستوياتها ، فالصلوات اليومية يجتمع فيها أهل الحي ، و في الجمعة يلتقي في المسجد الجامع أهل المدينة أو القرية ، و كذا في صلوات العيدين والاستسقاء والخسوف والكسوف ، و هذا سر فضل صلاة الجماعة في الإسلام ، هو إذن درس بالغ ، و ما أكثر الدروس الاجتماعية فضلاً عن الدينية في الصلاة .
... و درس في النظام !
أضف إلى ما سبق هذا الدرس الجمالي يتعلمه الأطفال من الصلاة أيضاً ، ألا و هو : انتظام المسلمين في صفوف ، بل و كيفية هذه الصفوف ... روي عن الرسول (ص) : كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة و يقول : " استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ـ هم الرجال البالغون ـ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
وعن عبدالله بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله (ص) أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ، و يجعل الركعة الأولى هي أطولهن لكي يثوب الناس ، و يجعل الرجال قدام الغلمان ، والغلمان خلفهم ، والنساء خلف الغلمان " .
... و آخر في احترام الكبير والاقتداء به
فحينما يقف الطفل خلف صفوف الرجال يتعلم كيف يحترم الكبير ، بل و يتعلم أن الكبير الحقيقي هو من وقف في الصف الأول في المسجد لا من كان خارجه ، فيتعلم كيف يتمنى أن يكبر ليكون في الصفوف الأولى أمام الله عز و جل .
أضف إلى ذلك تعلمه كيف ينتظم مع أمثاله الصغار ، فتبدأ علاقته و صداقاته من المسجد ، فتكون بداية لصداقة طويلة لأنها صداقة المساجد لا صداقة الشوارع والطرقات ، و إخوة الإيمان لا إخوة المطامع و الشهوات .
... و شهودٌ لحلقات الذكر
و مما يؤثر في الطفل أيضاً عند حضوره للمسجد "حلقات العلم والذكر" ففيها يرى العلم والمتعلمين ، و يعيش مع الذكر والذاكرين ، و يشعر بالحب والمتحابين ، وبالتواضع والمتواضعين و بذلك يعرف للذكر لذته و للعلم مكانته ، و للعالم حقه ، و للمسجد هيبته لذلك حرص أصحاب رسول الله (ص) على اصطحاب أطفالهم إلى مسجد رسول الله (ص) ليجلسوا في حلقة العلم بين يدي المعلم الأعظم محمد (ص) فلم يكن غريبا أن ترى في هذه الحلقة المباركة طفلا يثب على ظهر أبيه ، أو يجلس في حجره ، أو يداعب لحيته بأصابعه اللطيفة .
کما روي " أن رسول الله (ص) كان إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه ، فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره ، فيقعده بين يديه ، فهلك (مات الطفل) ، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ، ففقده النبي (ص) فقال : مالي لا أرى فلانا ؟ قالوا يا رسول الله : بنيّه الذي رأيته هلك ، فلقيه النبي (ص) فسأله عن بنيه ، فأخبره أنه هلك ، فعزاه عليه ، ثم قال : " يا فلان ، أيهما كان أحب إليك ، أن تتمتع به عمرك ، أو لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك يفتحه لك ؟ قال : يا نبي الله ، بل يسبقني إلى باب الجنة يفتحه لي ، لهو أحب إلي ، قال : فذاك لك ) .
و بعد ...
فإن هذه الدرر الثمينة و غيرها الكثير ، لن يتعلمها أطفالنا إلا في المساجد ، فإذا أردنا صلاحاً لأطفالنا ، و ذخراً لنا في أخرانا ، فلنعد نحن و أطفالنا إلى المسجد إيمانا و عملاً و أخلاقاً .
******** أ. سحر شعير [بتصرف]