المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإشكالات‌ الخمسة‌ علی خطبة‌ أبي‌ بكر


حيدر القرشي
30-11-2008, 05:47 PM
ارتقي‌ أبوبكر منبر رسول‌ الله‌ في‌ مسجد الرسول‌ يوماً بعد بيعة‌ السقيفة‌ و قال‌ في‌ خطبته‌: أَيُّهَا النَّاسُ، فَإنِّي‌ قَدْ وُلِّيتُ علیكُمْ، وَ لَستُ بِخَيْرِكُمْ، فَإن‌ أَحْسَنتُ فَأَعِينُونِي‌، وَ إن‌ أَسَأتُ فَقَوِّمُونِي‌أَطِيعُونِي‌ مَا أَطَعْتُ اللَهَ، وَ إِذَا عَصَيْتُ اللهَ وَ رَسُولَهُ، فَلاَ طَاعَةَ لِي‌ علیكُم‌

يقول‌ الطبري‌: و خطب‌ أبوبكر الناس‌ فقال‌:
أَيُهَّا النَّاسُ إنَّمَا أَنَا مِثْلُكُمْ، وَ إِنِّي‌ لاَ أَدْرِي‌ لَعَلَّكُمْ سَتُكَلّفُوني‌ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وءاله‌ [ يُطِيقُ، إِنَّ اللهَ اصْطَفَي‌ مُحَمَّدًا علی‌ الْعَالَمِينَ، وَ عَصَمَهُ مِنَ الاْفَاتِ، وَ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَ لَستُ بِمُبتَدِعٍ، فَإنِ اسْتَقَمْتُ فَتَابِعُونِي‌، وَ إن‌ زُغتُ فَقَوِّمُونِي‌.
إلی‌ أن‌ يقول‌: وَ إِنَّ لِي‌ شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي‌، فَإذَا أَتَانِي‌ فَاجْتَنِبُونِي‌


الإشكال‌ الاوّل‌: قوله‌: (وَ لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ)؛ حيث‌ يجب‌ أن‌ يُقال‌ له‌: فلماذا تصدّيتَ للخلافة‌ و لم‌ تتخلّ عنها لخير الناس‌ و مولي‌ الموإلی‌ مع‌ كلّ تلك‌ النصوص‌ الصريحة‌ من‌ صاحب‌ الشريعة‌ علی‌ أفضليّته‌؟ و لماذا أردت‌ أن‌ تكون‌ إماماً لمن‌ هو أفضل‌ منك‌ و أعلم‌؟ و كيف‌ رضيت‌ ان‌ تدعو أميرالمؤمنين‌ الناموس‌ الاكبر الالهيّ و كنز الاسرار و معارف‌ الحقّ و نفس‌ الرسول‌ لاتّباعك‌؟ و كيف‌ أردت‌ أن‌ تأخذ بيعته‌ لك‌ و أن‌ تجعله‌ يسلّم‌ لامرك‌ و نهيك‌ دون‌ قيد أو شرط‌؟ و بأيّ معارف‌ و فضائل‌ أخلاقيّة‌ أردتَ ايصال‌ المؤمنين‌ إلی‌ المطلوب‌؟ و علی‌ أيّ ملكوت‌ كنت‌ مسيطراً ومهيمناً؟
الإشكال‌ الثاني‌: قولك‌ (فَإن‌ أَحسَنْتُ فَأَعِينُونِي‌! وَ إن‌ أَسأتُ فَقَوِّمُونِي‌!)
و بناءً علی‌ هذا فانّك‌ حين‌ جعلتَ بأيدينا ميزان‌ صحّة‌ أو بُطلان‌ عملك‌، و خيرّتنا في‌ الجرح‌ و التعديل‌، فقد كنّا نحن‌ إمامك‌ لا أنت‌ إمامنا!
و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌، فمن‌ أين‌ لنا أن‌ نميّز الصحيح‌ من‌ السقيم‌؟ لو ميّزناه‌ من‌ عندنا لكنّا إذن‌ لا نحتاج‌ إلی‌ خليفة‌، و إن‌ توجّب‌ ان‌ يُفهمنا ايّاه‌ إمامُ الحقّ لوجب‌ علینا اتّباع‌ ذلك‌ الامام‌، و لوجب‌ علیك‌ أن‌ تسلم‌ أنت‌ الاخر لامره‌.
الإشكال‌ الثالث‌:
قولك‌: (لَعَلَّكُمْ سَتُكَلّفُوني‌ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يُطِيقُ).
بلي‌، انّ مثل‌ هذه‌ التكإلیف‌ ستأتي‌ حتماً، ولكن‌ من‌ أجلسك‌ مكان‌ رسول‌ الله‌ لتحتار في‌ النهوض‌ بأعباء عمل‌ و مهمة‌ رسول‌ الله‌؟ أو لم‌ تسمع‌ طوال‌ المدّة‌ المديدة‌ رسولَ الله‌ يقول‌ كراراً ـ لا مرّةً أو مرّتين‌ ـ علی‌ٌّ يَقْضِي‌ دَيْنِي‌؟ أو لم‌ تسلّم‌ يوم‌ غدير خم‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ بتحيّة‌ الولاية‌؟! فبأي‌ّ مجوّز جلستَ مكان‌ رسول‌ الله‌ أنتَ العاجز عن‌ تحمّل‌ أعباء مسؤوليّته‌ وعمله‌، و سلبتَ الحقّ المسلّم‌ لمقام‌ الخلافة‌ و الوصاية‌؟!
الإشكال‌ الرابع‌:
قولك‌: (أَطِيعُونِي‌ مَا أَطَعْتُ اللَهَ، وَ إذَا عَصَيْتُ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَلاَ طَاعَةَ لِي‌ علیكُمْ).
فبناءً علی‌ ذلك‌ فقد صرتَ أنت‌ أيضاً رديفاً لنا لا رئيساً علینا، فلماذا نطيعك‌ إذن‌؟ تعال‌ أنت‌ فأطعنا! و بأيّ قاعدة‌ و سُنّة‌ الهيّة‌ صارت‌ طاعتُك‌ واجبةً علینا؟ و إضافة‌ إلی‌ ما تقدّم‌، فاننا نحتاج‌ في‌ معالم‌ ديننا إلی‌ معلّم‌ ومربٍّ نتعلّم‌ منه‌ ما هي‌ طاعة‌ الله‌ و رسوله‌، و ما هي‌ مخالفة‌ الله‌ و رسوله‌، فمن‌ أين‌ لنا أن‌ نعلم‌ أنّ عملك‌ هذا طاعة‌، و عملك‌ ذاك‌ معصية‌؟ الاّ ان‌ يدلّنا معلم‌ القرءان‌ و العارف‌ برسول‌ الله‌، و المحيط‌ بنواميس‌ الاحكام‌ والشرايع‌، فيفصل‌ الطاعة‌ عن‌ المعصيته‌! و لو فرضنا انّنا شئنا تقويمك‌ عند معصيتك‌، فهو ستتقوّم‌ يا تري‌؟
فأنت‌ الذي‌ تأبي‌ التخلّي‌ عن‌ الخلافة‌، ستقف‌ عند مخالفتك‌ لامر الله‌ و الرسول‌ و تصرّ علی‌ موقفك‌، و مهما شاءت‌ الامّة‌ تقويمك‌ فانّك‌ ستقاوم‌ أكثر، إذ ان‌ نفس‌ هذا التصدّي‌ لمقام‌ الخلافة‌ يمثّل‌ زيغك‌ و انحرافك‌.
ألم‌ يؤاخذك‌ أميرالمؤمنين‌ لتقويمك‌ و يوبخّك‌ علی‌ مبادرتك‌ الخفيّة‌ السريعة‌ و جثمان‌ رسول‌ الله‌ بعدُ لم‌ يُدفن‌؟ ألم‌ يتحدّث‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ المسجد عن‌ فضائله‌ و مقامه‌؟ ألم‌ تبيّن‌ الصديقة‌ الطاهرة‌ في‌ خطبتها المُبينة‌ تلك‌ موارد انحرافك‌؟ ألم‌ تقل‌ (سلامُ الله‌ علیها): يَا أَبَابَكْرٍ مَا أَسْرَعَ مَا أَغَرْتُمْ علی‌ أَهلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَهِ؟
ألم‌ يبيّن‌ لك‌ بنو هاشم‌ و أصحاب‌ رسول‌ الله‌ الكرام‌ الذين‌ تخلّفوا عن‌ يبعتك‌ مواضع‌ خطأك‌؟ فلماذا لم‌ ترتدع‌ و لم‌ تستقم‌؟ و لو أرادوا الإصرار علی‌ هذا الامر لسُفكت‌ الدماء و نُهبت‌ الاموال‌ و استُبيحت‌ الاعراض‌ والنواميس‌.
ألم‌ يخالف‌ عثمانُ علناً أمرَ رسول‌ الله‌؟ فَلِمَ لَمْ يرعوِ حين‌ اعترض‌ علیه‌ المسلمون‌ و نبهّوه‌ علی‌ ذلك‌؟ و لماذا أصرّ علی‌ أفعاله‌؟
لقد قال‌ له‌ المسلمون‌: إمّا أن‌ تتنحّي‌ عن‌ الخلافة‌ أو تسير علی‌ سُنّة‌ رسول‌ الله‌! لكنّه‌ لم‌ يرضَ بأحد الامرين‌، ثم‌ قاومهم‌ و استنصر بمعاوية‌ وجيش‌ الشام‌ للوقوف‌ في‌ وجه‌ المسلمين‌.
و أنّي‌ له‌ أن‌ يستقيم‌ و يرعوي‌ مَنْ أمسك‌ بزمام‌ الامور بيده‌ و أبي‌ عن‌ التنازل‌ عن‌ مقامه‌ و شخصيّته‌؟ أَوَ هل‌ استقام‌ معاوية‌؟ أَوَ هل‌ استقام‌ خلفاء بني‌ أميّة‌ و بني‌ العبّاس‌؟
لقد سفكوا دم‌ كلّ من‌ أراد أن‌ يذكّرهم‌ أو حتّي‌ أن‌ ينصحهم‌، و لقد قتل‌ مخالفو سُنّة‌ رسول‌ الله‌ هؤلاء في‌وضح‌ النهار ابنَ بنت‌ رسول‌ الله‌ و أهل‌ بيته‌ بشفاهٍ ظمأي‌ عند شاطي‌ء النهر؟
الإشكال‌ الخامس‌:
فاحذرْ يا أبابكر! ماذا تقول‌ في‌ خطبتك‌ التي‌ ألقيتها؟ لقد فتحت‌ بكلماتك‌ باباً لخلفاء الجور لجميع‌ هذه‌ الاعتداءآت‌.
فأنت‌ تقول‌ خامساً: (وَإنَّ لِي‌ شَيْطَانًا يَعْتَرِيني‌، فَإذَا أَتَانِي‌ فَاجْتَنبُونِي‌).
ليتك‌ لم‌ تتفوّه‌ بهذا الكلام‌! إنّ الإمام‌ الذي‌ يعترف‌ بنفسه‌ بوجود شيطان‌ يتسلّط‌ علیه‌ هو إمام‌ الشياطين‌ لا إمام‌ المؤمنين‌!
انّ امام‌ المؤمنين‌ هو الذي‌ أفني‌ الشيطان‌ و أهلكه‌: اعزُبِي‌ عَنِيّ يَا دُنيَا، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثًا! و هو الذي‌ يقدّم‌ نفسه‌ في‌ قاطعيّة‌ كالجبل‌ الراسخ‌ فيقول‌: يا أفراد البشر، تعالوا إلی فأنا وليّ الله‌، أنا من‌ عبادالله‌ المخلصين‌، أنا الذي‌ نزلت‌ ءاية‌ التطهير فينا، أنا صاحب‌ مقام‌ العصمة‌، أنا صاحب‌ مقام‌ (سلوني‌ قبل‌ أن‌ تفقدوني‌)، أنا باب‌ مدينة‌ العلم‌، و أنا حامل‌ عب‌ء الرسالة‌ وقاضي‌ ديْن‌ رسول‌ الله‌، أنا صاحب‌ السيطرة‌ علی‌ ملكوت‌ وحقائق‌ الاشياء.
ثم‌ يعطي‌ ءالاف‌ النماذج‌ الواضحة‌ البيّنة‌: أنا نفس‌ رسول‌ الله‌، أنا وليّ كلّ مؤمن‌ و مؤمنة‌، أنا الوصيّ و الوزير و الوارث‌ لاسرار النبوّة‌.
هذا هو مقام‌ الإمام‌، ذلك‌ الذي‌ لا يتحسّر عند الموت‌ فيقول‌: الويل‌ لي‌! وددتُ انّي‌ لم‌ أفعل‌ الثلاث‌ التي‌ فعلتُها!


مصادر الخطبة::
(تاريخ‌ الامم‌ و الملوك‌ الطبري‌) ، ج‌ 2 ، ص‌ 0 46 ؛ و أورد أيضاً عن‌ (الإمامة‌ ï ïوالسياسة‌) نظير هذه‌ الخطبة‌ بتفصيل‌ أكثر و أوردها كذلك‌ القاضي‌ عبد الجبار في‌ (المغني‌) و ابن‌ تيمية‌ في‌ (منهاج‌ السنّة‌) ، و محبّ الدين‌ الطبري‌ في‌ (الرياض‌ النظرة‌) والسيوطي‌ في‌ (تاريخ‌ الخلفاء) و ابن‌ حجر في‌ (الصواعق‌ المحرقة‌)

النجف الاشرف
30-11-2008, 09:07 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

أحسنتم مولاي حيدر

والسلام عليكم

المقداد العلوي
01-12-2008, 11:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاتة
أحسنت مولاي حيدر القرشي هذا ليس بهدم فقط ولكن تنكيل في من يعتقدون بهم بأنهم خير الناس من بعد الرسول الأكرم (ص)
والعكس هو الصحيح بأنهم من طعنو في دين الله ( يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )

تحياتي أخوكم
المقداد العلوي

عبد محمد
01-12-2008, 12:40 PM
وَ إِنَّ لِي‌ شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي‌، فَإذَا أَتَانِي‌ فَاجْتَنِبُونِي‌
مبارك لهم إذ بايعوا الشيطان

أحسنت أخي حيدرة

اضرب اضرب اضرب

سدد الله خطاك

حيدر القرشي
02-12-2008, 12:27 PM
اشكر الاخوة الاعزاء بارك الله فيهم

يرفع بالصلاة على محمد واله الاطهار

حيدر القرشي
03-12-2008, 06:39 PM
يرفع بالصلاة على محمد واله الاطهار

حيدر القرشي
04-12-2008, 12:20 PM
يرفع بالصلاة على محمد واله الاطهار

حيدر القرشي
06-12-2008, 12:56 AM
يرفع بالصلاة على محمد واله الاطهار

سمو الاخلاق
06-12-2008, 01:20 AM
ومن منظوري انا ارى في خطبة ابوبكر مناقب خمس ..

1- قوله ( لست بخيركم) وهذا هو سلوك المؤمن الحق فأنه لايزكي نفسه بل يدع الناس هم من يزكيه وهي قمة التواضع من ابوبكر.

2- قوله (اذا احسنت فاعينوني واذا اسئت فقوموني) هنا ايضا تتجلى حكمة ابوبكر ومشاركته للمسلمين في قراراته ..فأن احسن طلب منهم المعونه بما احسن به ..وان اساء طلب منهم ان يردوه ويصححوا له ..وكل انسان خطاء ويحتاج لمن يقومه وينصحه .

3- قوله (لعلكم ستكلفوني ماكان رسول الله يطيق ) فمن مثل رسول الله ومن يتحمل مثل رسول الله فنعم الكلام كلامه ..ماذا كنتم تريدونه ان يقول (انا استطيع ان اقوم مقام رسول الله) .

4-قوله (اطيعوني ما اطعت الله) فلماذا يعصيه المسلمون مادمه يعمل ويحكم بينهم بما يرضي الله ( واذا عصيت الله ورسوله فلاطاعة لي عليكم) نعم هذا هو المفترض من الخليفه العادل.

5-وقوله(ان لي شيطان يعتريني فاذا اتاني فجتنبوني) ومن منا لايعتريه الشيطان ان كان في حالة غضب مثلا ..فأبوبكر انسان مثله مثل باقي المسلمين يعتريه مايعتري بقية البشر..

فهي مناقب وتواضع من ابوبكر فرغم انه الخليفه وكان من الممكن ان يمتدح نفسه ويخاطب الناس بغرور الا انه تكلم مع المسلمين بكل صراحه وتواضع ..

حيدر القرشي
06-12-2008, 01:29 AM
نحن لا نتحدث عن منظورك بل عن راي الله في القران حيث قال لا ينال عهدي الظالمين

فمع وجود هكذا ناس في المجتمع لا يصل الدور الى من يعتريه الشيطان والذي هو في معرض عصيان الله

الطوفان الجارف
06-12-2008, 03:10 PM
خُطْبَةُ أبي بَكْرٍ رضي اللّه عنه
تكلّم أَبو بكر رضي اللّه عنه بعد أن بَايَعَه الناسُ بالخلافة فَحَمِدَ اللّه وأَثْنَى عليه بالذي هو أهْلُهُ ثم قال:
أما بعدُ، أَيُّها الناسُ فَإِني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني. الصِدْقُ أمانةٌ والكَذِبُ خِيَانَةٌ . والضعيفُ فيكم قويٌّ عندي حتى أرجعَ إليه حقَّه إن شاء اللّه، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذَ الحقَّ منه إن شاء اللّه. لا يَدَعُ قومٌ الجِهادَ في سبيل اللّه إلا خَذَلَهم اللَّهُ بالذُلِّ ولا تَشِيعُ الفاحشةُ في قومٍ إِلا عَمَّهم اللَّهُ بِالبلاءِ. أَطِيعُوني ما أَطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه فإِذا عَصَيْت اللَّهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم. قُومُوا إلى صلاتكم يَرْحَمْكُمُ اللّه.
سيرة ابن هشام : 4/240، عيون الأخبار لابن قتيبة : 2/ 234.
ترجمة أبي بكر رضي اللّه عنه :
هو أبو بكرٍ عبد اللّه بن أبي قُحَافَةَ القرشيُّ. وُلِدَ بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بسنتـين، وكـان أول الرجالِ إسلاماً. شَهِدَ الـمَشَاهِدَ كلَّها وأمره الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يَحُجَّ بالمسلمين في السنة التاسعة. وبعد موت النبيِّ صلى الله عليه وسلم بَايَعَهُ المسلمون بالخِلافة، وبعد البيعة قال هذه الخُطبةَ المشهورةَ التي حثَّ فيها على الصدق والجهاد في سبيل اللّه تعالى، وحذّر من الـمَعْصِيَة ومن مُخَالَفَـة وَلِيِّ الأمرِ مادام مُطِيعا للّه تعالى. دامت خلافتُه سنتين وثلاثةَ أَشهُرٍ وعَشْرَ ليالٍ، وكانت وفاتُه رضي اللّه عنه سنة ثلاثَ عَشْرَةَ من الهجرة.
د ـ ما يستفاد من النص
1-
التَّوَاضُع من صفات المتّقين كـما يتضح من قوله "فإِني وليت ولست بخيركم ".2-
يجب على المسلمين أن يُعاوِنوا وَلِـيَّ الأمر ما أقام فيهم شريعة اللّه والتزم نَهْجَ الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يقوِّموه ويُصْلحوا من أمره ويُقدِّموا إِليه الرأيَ الحق إِذا أخطأ وانْحَرَفَ.
3-
من حق المسلم على وليّ الأمر أن ينتصر له من الظالم وأن يُوصِلَ إِليه حقه.4-
وجوب الجهاد في سبيل اللّه.5-
وجوب ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.6-
وجوب طاعة وليّ الأمر ما دام مُطِيعا للّه ورسوله.
7-
لا طاعَة لمخلوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالق ومن هذا المبدأ جاء في الخطبة قوله: "فإِن عصيت اللّه ورسوله فلا طاعةَ لي عليكم ".
8-
الصدق حَسَن والكذِب قَبِيح.

حيدر القرشي
06-12-2008, 07:32 PM
ارتقي‌ أبوبكر منبر رسول‌ الله‌ في‌ مسجد الرسول‌ يوماً بعد بيعة‌ السقيفة‌ و قال‌ في‌ خطبته‌: أَيُّهَا النَّاسُ، فَإنِّي‌ قَدْ وُلِّيتُ علیكُمْ، وَ لَستُ بِخَيْرِكُمْ، فَإن‌ أَحْسَنتُ فَأَعِينُونِي‌، وَ إن‌ أَسَأتُ فَقَوِّمُونِي‌أَطِيعُونِي‌ مَا أَطَعْتُ اللَهَ، وَ إِذَا عَصَيْتُ اللهَ وَ رَسُولَهُ، فَلاَ طَاعَةَ لِي‌ علیكُم‌

يقول‌ الطبري‌: و خطب‌ أبوبكر الناس‌ فقال‌:
أَيُهَّا النَّاسُ إنَّمَا أَنَا مِثْلُكُمْ، وَ إِنِّي‌ لاَ أَدْرِي‌ لَعَلَّكُمْ سَتُكَلّفُوني‌ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وءاله‌ [ يُطِيقُ، إِنَّ اللهَ اصْطَفَي‌ مُحَمَّدًا علی‌ الْعَالَمِينَ، وَ عَصَمَهُ مِنَ الاْفَاتِ، وَ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَ لَستُ بِمُبتَدِعٍ، فَإنِ اسْتَقَمْتُ فَتَابِعُونِي‌، وَ إن‌ زُغتُ فَقَوِّمُونِي‌.
إلی‌ أن‌ يقول‌: وَ إِنَّ لِي‌ شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي‌، فَإذَا أَتَانِي‌ فَاجْتَنِبُونِي‌


الإشكال‌ الاوّل‌: قوله‌: (وَ لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ)؛ حيث‌ يجب‌ أن‌ يُقال‌ له‌: فلماذا تصدّيتَ للخلافة‌ و لم‌ تتخلّ عنها لخير الناس‌ و مولي‌ الموإلی‌ مع‌ كلّ تلك‌ النصوص‌ الصريحة‌ من‌ صاحب‌ الشريعة‌ علی‌ أفضليّته‌؟ و لماذا أردت‌ أن‌ تكون‌ إماماً لمن‌ هو أفضل‌ منك‌ و أعلم‌؟ و كيف‌ رضيت‌ ان‌ تدعو أميرالمؤمنين‌ الناموس‌ الاكبر الالهيّ و كنز الاسرار و معارف‌ الحقّ و نفس‌ الرسول‌ لاتّباعك‌؟ و كيف‌ أردت‌ أن‌ تأخذ بيعته‌ لك‌ و أن‌ تجعله‌ يسلّم‌ لامرك‌ و نهيك‌ دون‌ قيد أو شرط‌؟ و بأيّ معارف‌ و فضائل‌ أخلاقيّة‌ أردتَ ايصال‌ المؤمنين‌ إلی‌ المطلوب‌؟ و علی‌ أيّ ملكوت‌ كنت‌ مسيطراً ومهيمناً؟
الإشكال‌ الثاني‌: قولك‌ (فَإن‌ أَحسَنْتُ فَأَعِينُونِي‌! وَ إن‌ أَسأتُ فَقَوِّمُونِي‌!)
و بناءً علی‌ هذا فانّك‌ حين‌ جعلتَ بأيدينا ميزان‌ صحّة‌ أو بُطلان‌ عملك‌، و خيرّتنا في‌ الجرح‌ و التعديل‌، فقد كنّا نحن‌ إمامك‌ لا أنت‌ إمامنا!
و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌، فمن‌ أين‌ لنا أن‌ نميّز الصحيح‌ من‌ السقيم‌؟ لو ميّزناه‌ من‌ عندنا لكنّا إذن‌ لا نحتاج‌ إلی‌ خليفة‌، و إن‌ توجّب‌ ان‌ يُفهمنا ايّاه‌ إمامُ الحقّ لوجب‌ علینا اتّباع‌ ذلك‌ الامام‌، و لوجب‌ علیك‌ أن‌ تسلم‌ أنت‌ الاخر لامره‌.
الإشكال‌ الثالث‌:
قولك‌: (لَعَلَّكُمْ سَتُكَلّفُوني‌ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يُطِيقُ).
بلي‌، انّ مثل‌ هذه‌ التكإلیف‌ ستأتي‌ حتماً، ولكن‌ من‌ أجلسك‌ مكان‌ رسول‌ الله‌ لتحتار في‌ النهوض‌ بأعباء عمل‌ و مهمة‌ رسول‌ الله‌؟ أو لم‌ تسمع‌ طوال‌ المدّة‌ المديدة‌ رسولَ الله‌ يقول‌ كراراً ـ لا مرّةً أو مرّتين‌ ـ علی‌ٌّ يَقْضِي‌ دَيْنِي‌؟ أو لم‌ تسلّم‌ يوم‌ غدير خم‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ بتحيّة‌ الولاية‌؟! فبأي‌ّ مجوّز جلستَ مكان‌ رسول‌ الله‌ أنتَ العاجز عن‌ تحمّل‌ أعباء مسؤوليّته‌ وعمله‌، و سلبتَ الحقّ المسلّم‌ لمقام‌ الخلافة‌ و الوصاية‌؟!
الإشكال‌ الرابع‌:
قولك‌: (أَطِيعُونِي‌ مَا أَطَعْتُ اللَهَ، وَ إذَا عَصَيْتُ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَلاَ طَاعَةَ لِي‌ علیكُمْ).
فبناءً علی‌ ذلك‌ فقد صرتَ أنت‌ أيضاً رديفاً لنا لا رئيساً علینا، فلماذا نطيعك‌ إذن‌؟ تعال‌ أنت‌ فأطعنا! و بأيّ قاعدة‌ و سُنّة‌ الهيّة‌ صارت‌ طاعتُك‌ واجبةً علینا؟ و إضافة‌ إلی‌ ما تقدّم‌، فاننا نحتاج‌ في‌ معالم‌ ديننا إلی‌ معلّم‌ ومربٍّ نتعلّم‌ منه‌ ما هي‌ طاعة‌ الله‌ و رسوله‌، و ما هي‌ مخالفة‌ الله‌ و رسوله‌، فمن‌ أين‌ لنا أن‌ نعلم‌ أنّ عملك‌ هذا طاعة‌، و عملك‌ ذاك‌ معصية‌؟ الاّ ان‌ يدلّنا معلم‌ القرءان‌ و العارف‌ برسول‌ الله‌، و المحيط‌ بنواميس‌ الاحكام‌ والشرايع‌، فيفصل‌ الطاعة‌ عن‌ المعصيته‌! و لو فرضنا انّنا شئنا تقويمك‌ عند معصيتك‌، فهو ستتقوّم‌ يا تري‌؟
فأنت‌ الذي‌ تأبي‌ التخلّي‌ عن‌ الخلافة‌، ستقف‌ عند مخالفتك‌ لامر الله‌ و الرسول‌ و تصرّ علی‌ موقفك‌، و مهما شاءت‌ الامّة‌ تقويمك‌ فانّك‌ ستقاوم‌ أكثر، إذ ان‌ نفس‌ هذا التصدّي‌ لمقام‌ الخلافة‌ يمثّل‌ زيغك‌ و انحرافك‌.
ألم‌ يؤاخذك‌ أميرالمؤمنين‌ لتقويمك‌ و يوبخّك‌ علی‌ مبادرتك‌ الخفيّة‌ السريعة‌ و جثمان‌ رسول‌ الله‌ بعدُ لم‌ يُدفن‌؟ ألم‌ يتحدّث‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ المسجد عن‌ فضائله‌ و مقامه‌؟ ألم‌ تبيّن‌ الصديقة‌ الطاهرة‌ في‌ خطبتها المُبينة‌ تلك‌ موارد انحرافك‌؟ ألم‌ تقل‌ (سلامُ الله‌ علیها): يَا أَبَابَكْرٍ مَا أَسْرَعَ مَا أَغَرْتُمْ علی‌ أَهلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَهِ؟
ألم‌ يبيّن‌ لك‌ بنو هاشم‌ و أصحاب‌ رسول‌ الله‌ الكرام‌ الذين‌ تخلّفوا عن‌ يبعتك‌ مواضع‌ خطأك‌؟ فلماذا لم‌ ترتدع‌ و لم‌ تستقم‌؟ و لو أرادوا الإصرار علی‌ هذا الامر لسُفكت‌ الدماء و نُهبت‌ الاموال‌ و استُبيحت‌ الاعراض‌ والنواميس‌.
ألم‌ يخالف‌ عثمانُ علناً أمرَ رسول‌ الله‌؟ فَلِمَ لَمْ يرعوِ حين‌ اعترض‌ علیه‌ المسلمون‌ و نبهّوه‌ علی‌ ذلك‌؟ و لماذا أصرّ علی‌ أفعاله‌؟
لقد قال‌ له‌ المسلمون‌: إمّا أن‌ تتنحّي‌ عن‌ الخلافة‌ أو تسير علی‌ سُنّة‌ رسول‌ الله‌! لكنّه‌ لم‌ يرضَ بأحد الامرين‌، ثم‌ قاومهم‌ و استنصر بمعاوية‌ وجيش‌ الشام‌ للوقوف‌ في‌ وجه‌ المسلمين‌.
و أنّي‌ له‌ أن‌ يستقيم‌ و يرعوي‌ مَنْ أمسك‌ بزمام‌ الامور بيده‌ و أبي‌ عن‌ التنازل‌ عن‌ مقامه‌ و شخصيّته‌؟ أَوَ هل‌ استقام‌ معاوية‌؟ أَوَ هل‌ استقام‌ خلفاء بني‌ أميّة‌ و بني‌ العبّاس‌؟
لقد سفكوا دم‌ كلّ من‌ أراد أن‌ يذكّرهم‌ أو حتّي‌ أن‌ ينصحهم‌، و لقد قتل‌ مخالفو سُنّة‌ رسول‌ الله‌ هؤلاء في‌وضح‌ النهار ابنَ بنت‌ رسول‌ الله‌ و أهل‌ بيته‌ بشفاهٍ ظمأي‌ عند شاطي‌ء النهر؟
الإشكال‌ الخامس‌:
فاحذرْ يا أبابكر! ماذا تقول‌ في‌ خطبتك‌ التي‌ ألقيتها؟ لقد فتحت‌ بكلماتك‌ باباً لخلفاء الجور لجميع‌ هذه‌ الاعتداءآت‌.
فأنت‌ تقول‌ خامساً: (وَإنَّ لِي‌ شَيْطَانًا يَعْتَرِيني‌، فَإذَا أَتَانِي‌ فَاجْتَنبُونِي‌).
ليتك‌ لم‌ تتفوّه‌ بهذا الكلام‌! إنّ الإمام‌ الذي‌ يعترف‌ بنفسه‌ بوجود شيطان‌ يتسلّط‌ علیه‌ هو إمام‌ الشياطين‌ لا إمام‌ المؤمنين‌!
انّ امام‌ المؤمنين‌ هو الذي‌ أفني‌ الشيطان‌ و أهلكه‌: اعزُبِي‌ عَنِيّ يَا دُنيَا، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثًا! و هو الذي‌ يقدّم‌ نفسه‌ في‌ قاطعيّة‌ كالجبل‌ الراسخ‌ فيقول‌: يا أفراد البشر، تعالوا إلی فأنا وليّ الله‌، أنا من‌ عبادالله‌ المخلصين‌، أنا الذي‌ نزلت‌ ءاية‌ التطهير فينا، أنا صاحب‌ مقام‌ العصمة‌، أنا صاحب‌ مقام‌ (سلوني‌ قبل‌ أن‌ تفقدوني‌)، أنا باب‌ مدينة‌ العلم‌، و أنا حامل‌ عب‌ء الرسالة‌ وقاضي‌ ديْن‌ رسول‌ الله‌، أنا صاحب‌ السيطرة‌ علی‌ ملكوت‌ وحقائق‌ الاشياء.
ثم‌ يعطي‌ ءالاف‌ النماذج‌ الواضحة‌ البيّنة‌: أنا نفس‌ رسول‌ الله‌، أنا وليّ كلّ مؤمن‌ و مؤمنة‌، أنا الوصيّ و الوزير و الوارث‌ لاسرار النبوّة‌.
هذا هو مقام‌ الإمام‌، ذلك‌ الذي‌ لا يتحسّر عند الموت‌ فيقول‌: الويل‌ لي‌! وددتُ انّي‌ لم‌ أفعل‌ الثلاث‌ التي‌ فعلتُها!


مصادر الخطبة::
(تاريخ‌ الامم‌ و الملوك‌ الطبري‌) ، ج‌ 2 ، ص‌ 0 46 ؛ و أورد أيضاً عن‌ (الإمامة‌ ï ïوالسياسة‌) نظير هذه‌ الخطبة‌ بتفصيل‌ أكثر و أوردها كذلك‌ القاضي‌ عبد الجبار في‌ (المغني‌) و ابن‌ تيمية‌ في‌ (منهاج‌ السنّة‌) ، و محبّ الدين‌ الطبري‌ في‌ (الرياض‌ النظرة‌) والسيوطي‌ في‌ (تاريخ‌ الخلفاء) و ابن‌ حجر في‌ (الصواعق‌ المحرقة‌)

حيدر القرشي
09-12-2008, 09:47 PM
يرفع بالصلاة على محمد واله الاطهار