نور الفاطميه
11-12-2008, 07:15 PM
بعض الآيات المُفَسّرة في المهدي:
لايخفى أنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة صنوان لمشرّع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا شك ولاشبهة ـ كما سيأتي في هذا الفصل ـ قد أيدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسرين على المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان .
وإذا ماتواتر شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلابد من التسليم بأنّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرّة وإن لم تدركه عقولنا؛ لقوله تعالى : (وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ورَحمةً وبُشرى للمُسلِمينَ)(1).
إذن استجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حق فهمه ، ولاشك بأنّ أهل البيت عليهم السلام هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين، وعليه فإنّ ماثبت تفسيره عنهم عليهم السلام من الآيات بالمهدي لابد من الاذعان إليه والتصديق به .
وفي هذا الصدد قد وقفنا على الكثير من أحاديث أهل البيت عليهم السلام المفسرة لعدد من الآيات المباركة بالاِمام المهدي . وسوف لن نذكر منها إلاّ ما كان مؤيداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الاُخرى ورواياتهم.
1 ـ فمنها : ما نمهّد له بالقول : إنّ أعداء هذا الدين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ )(2)
(1) النحل : 16 | 89.
(2) التوبة : 9
فهذه الآية العجيبة بينت لنا أنّ حال
هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق ، ويريد الله تعالى أن يزيده ويُبلِغَهُ الغاية القُصوى في الاِشراق والاِضاءة . وفي هذا منتهى التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم ؛ لاِنَّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور الضعيف ـ كنور الفانوس ـ لن تقدر على إطفاء نور الاِسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني ، ومن دقائق التصوير الاِلهي ، لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان ، ولن تجد له نظيراً قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد هذا المثال ، إرادة الله عزَّ وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم ، فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(1).
والمراد بدين الحق هو دين الاِسلام بالضرورة ؛ لقوله تعالى : ( وَمَن يَبْتَغ غَيْرَ الاِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهْوُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ )(2).
وقوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) ، أي : لينصره على جميع الاَديان ، والضمير في قوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ ) راجع إلى دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم ، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية .
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته ، وقد اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الاِسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الاَديان ، ولو كره المشركون .
والاِظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة والاستيلاء ، قال الرازي في
(1) التوبة : 9 | 33.
(2) آل عمران : 3| 85.
تفسيره : « واعلم أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء . ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك ، ولايجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة »(1).
ولا يخفى أنّ تلك الغلبة على الاَديان الاُخرى قد تحققت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخير دليل على ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون ، ولا يخفى أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الاِسلام ديناً قوياً مهاب الجانب وذا شوكة .
ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك ، والذين دفعوا لنا الجزية بالاَمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا ، والعدو أحاط بنا ، وغُزِينا في عقر ديارنا ، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق .
وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده ؛ فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الاَديان منطبقاً على واقع الاِسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم ؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الاِسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والاَحكام ؟!
هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله تعالى: ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال: « هو الاَديان الستة : الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئين، والنصارى ، والمجوس ، والذين أشركوا . فالاَديان كلّها تدخل في دين الاِسلام ، والاِسلام يدخل في شيء منها ، فإنّ الله قضى بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون»(2).
(1) التفسير الكبير | الرازي 16 : 40.
(2) الدر المنثور | السيوطي 4 : 176.
وفي تفسير ابن جزّي : « وإظهاره : جعله أعلى الاَديان واقواها ، حتى يعم المشارق والمغارب »(1). وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسرين(2).
وفي الدر المنثور : « وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال : لايكون ذاك حتى لايبقى يهودي ولانصراني صاحب ملّة إلاّ الاسلام(3).
« وعن المقداد بن الاَسود قال :« سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «لايبقى على ظهر الاَرض بيت مدر ولاوبر إلاّ أدخله كلمة الاسلام ، إما بعزٍّ عزيز، وإما بذلٍ ذليل . إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به ، وإما يُذلّهم فيدينون له »(4).
ومن هنا ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان ، وأنه ـ بتأييد من الله تعالى ـ سيُظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الاَديان حتى لايبقى على وجه الاَرض مشرك . وهو قول السدّي المفسّر(5).
قال القرطبي : « وقال السدّي : ذاك عند خروج المهدي ، لايبقى أحد إلاّ دخل في الاِسلام »(6).
2 ـ ومنها : قوله تعالى : ( وَلو تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِن مكانٍ قريب)(1
(1) تفسير ابن جزي : 252.
(2) تفسير الطبري 14 : 215 | 16645، والتفسير الكبير 16 : 40، وتفسير القرطبي 8 : 121، والدر المنثور 4 : 176.
(3) الدر المنثور 4 : 176.
(4) مجمع البيان 5 : 35.
(5) مجمع البيان 5 : 35 .
(6. ) تفسير القرطبي 8 : 121، والتفسير الكبير 16 : 40 ومجمع البيان 5 : 35.
فقد أخرج الطبري في تفسيره ، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسف به ، وسيأتي مايدلّ على أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة ، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف(2).
وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلاً عن حذيفة بن اليمان ، وبه صرّح أبو حيان في تفسيره ، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ، وأورده الزمخشري في كشّافه عن ابن عباس(3) ، وقال الطبرسي في مجمع البيان : « وأورده الثعلبي في تفسيره ، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبدالله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام مثله »(4).
3 ـ ومنها : قوله تعالى : ( وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم)(5).
فقد صرح البغوي في تفسيره ، وكذلك الزمخشري ، والرازي ، والقرطبي ، والنسفي ، والخازن ، وتاج الدين الحنفي ، وأبو حيان ، وابن كثير ، وأبو السعود ، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان(6).
____________
(1) سبأ : 34 | 51.
(2) أُنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث ص : 35 .
(3) تفسير الطبري 22 : 72، وعقد الدرر : 74 ب 4 من الفصل الثاني، والحاوي للفتاوى 2 : 81، والكشاف 3 : 467 ـ 468.
(4) مجمع البيان 4 : 398.
(5) الزخرف : 43 | 61.
(6) معالم التنزيل | البغوي 4 : 444 | 61، والكشاف 4 : 26، والتفسير الكبير 27 : 222،
وقد أوّلها مجاهد في تفسيره ، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير ، بنزول عيسى عليه السلام أيضاً(1).
وقد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والفريابي ، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق ، عن ابن عباس أنها بخصوص ماذكرناه(2).
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان : «وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عز وجل : ( وإنّه لَعْلِمٌ للساعة ) هو المهدي عليه السلام ، يكون في آخر الزمان ، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها»(3).
ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي ، والشبلنجي الشافعي ، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي ، والشيخ الصبّان(4).
ولاخلاف بين هؤلاء وأولئك لاَنّ نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الاُخرى ، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث . ويؤيدّه إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، والضحاك
وتفسير القرطبي 16 : 105، وتفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن 4 : 108 ـ 109، وتفسير الخازن 4 : 109، والدٌّر اللقيط 8 : 24، والبحر المحيط 8 : 25، وتفسير ابن كثير 4: 142، وتفسير أبي السعود 8 : 52، وموارد الضمآن : ح 1758.
(1) تفسير مجاهد 2 : 583.
(2) الدر المنثور 6 : 20.
(3) البيان في أخبار صاحب الزمان : 528.
(4) الصواعق المحرقة : 162 ، ونور الاَبصار : 186 ، ومشارق الاَنوار ـ كما في الاِمام المهدي عند أهل السنّة 2 : 58 ـ واسعاف الراغبين : 153 ، وينابيع المودة 2 : 126 باب 59 .
ما يدل على أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الاِمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم ، وأنه يصلّي خلف المهدي عليهما السلام .
4 ـ ومنها : قوله تعالى : ( فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّسِ ).فقد ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أنه قال : «إمام يخنُس سنةَ ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت زمانه قرّتْ عينك»(1).
ولايخفى أن هذا من الاِخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه .
ونكتفي بهذا القدر ، على أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمة أهل البيت عليهم السلام بالامام المهدي وظهوره في آخر الزمان(3).
-_-_-_-_-_-_ -_-_-_-_-_-
لايخفى أنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة صنوان لمشرّع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا شك ولاشبهة ـ كما سيأتي في هذا الفصل ـ قد أيدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسرين على المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان .
وإذا ماتواتر شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلابد من التسليم بأنّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرّة وإن لم تدركه عقولنا؛ لقوله تعالى : (وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ورَحمةً وبُشرى للمُسلِمينَ)(1).
إذن استجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حق فهمه ، ولاشك بأنّ أهل البيت عليهم السلام هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين، وعليه فإنّ ماثبت تفسيره عنهم عليهم السلام من الآيات بالمهدي لابد من الاذعان إليه والتصديق به .
وفي هذا الصدد قد وقفنا على الكثير من أحاديث أهل البيت عليهم السلام المفسرة لعدد من الآيات المباركة بالاِمام المهدي . وسوف لن نذكر منها إلاّ ما كان مؤيداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الاُخرى ورواياتهم.
1 ـ فمنها : ما نمهّد له بالقول : إنّ أعداء هذا الدين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ )(2)
(1) النحل : 16 | 89.
(2) التوبة : 9
فهذه الآية العجيبة بينت لنا أنّ حال
هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق ، ويريد الله تعالى أن يزيده ويُبلِغَهُ الغاية القُصوى في الاِشراق والاِضاءة . وفي هذا منتهى التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم ؛ لاِنَّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور الضعيف ـ كنور الفانوس ـ لن تقدر على إطفاء نور الاِسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني ، ومن دقائق التصوير الاِلهي ، لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان ، ولن تجد له نظيراً قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد هذا المثال ، إرادة الله عزَّ وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم ، فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(1).
والمراد بدين الحق هو دين الاِسلام بالضرورة ؛ لقوله تعالى : ( وَمَن يَبْتَغ غَيْرَ الاِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهْوُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ )(2).
وقوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) ، أي : لينصره على جميع الاَديان ، والضمير في قوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ ) راجع إلى دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم ، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية .
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته ، وقد اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الاِسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الاَديان ، ولو كره المشركون .
والاِظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة والاستيلاء ، قال الرازي في
(1) التوبة : 9 | 33.
(2) آل عمران : 3| 85.
تفسيره : « واعلم أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء . ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك ، ولايجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة »(1).
ولا يخفى أنّ تلك الغلبة على الاَديان الاُخرى قد تحققت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخير دليل على ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون ، ولا يخفى أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الاِسلام ديناً قوياً مهاب الجانب وذا شوكة .
ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك ، والذين دفعوا لنا الجزية بالاَمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا ، والعدو أحاط بنا ، وغُزِينا في عقر ديارنا ، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق .
وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده ؛ فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الاَديان منطبقاً على واقع الاِسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم ؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الاِسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والاَحكام ؟!
هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله تعالى: ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال: « هو الاَديان الستة : الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئين، والنصارى ، والمجوس ، والذين أشركوا . فالاَديان كلّها تدخل في دين الاِسلام ، والاِسلام يدخل في شيء منها ، فإنّ الله قضى بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون»(2).
(1) التفسير الكبير | الرازي 16 : 40.
(2) الدر المنثور | السيوطي 4 : 176.
وفي تفسير ابن جزّي : « وإظهاره : جعله أعلى الاَديان واقواها ، حتى يعم المشارق والمغارب »(1). وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسرين(2).
وفي الدر المنثور : « وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال : لايكون ذاك حتى لايبقى يهودي ولانصراني صاحب ملّة إلاّ الاسلام(3).
« وعن المقداد بن الاَسود قال :« سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «لايبقى على ظهر الاَرض بيت مدر ولاوبر إلاّ أدخله كلمة الاسلام ، إما بعزٍّ عزيز، وإما بذلٍ ذليل . إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به ، وإما يُذلّهم فيدينون له »(4).
ومن هنا ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان ، وأنه ـ بتأييد من الله تعالى ـ سيُظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الاَديان حتى لايبقى على وجه الاَرض مشرك . وهو قول السدّي المفسّر(5).
قال القرطبي : « وقال السدّي : ذاك عند خروج المهدي ، لايبقى أحد إلاّ دخل في الاِسلام »(6).
2 ـ ومنها : قوله تعالى : ( وَلو تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِن مكانٍ قريب)(1
(1) تفسير ابن جزي : 252.
(2) تفسير الطبري 14 : 215 | 16645، والتفسير الكبير 16 : 40، وتفسير القرطبي 8 : 121، والدر المنثور 4 : 176.
(3) الدر المنثور 4 : 176.
(4) مجمع البيان 5 : 35.
(5) مجمع البيان 5 : 35 .
(6. ) تفسير القرطبي 8 : 121، والتفسير الكبير 16 : 40 ومجمع البيان 5 : 35.
فقد أخرج الطبري في تفسيره ، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسف به ، وسيأتي مايدلّ على أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة ، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف(2).
وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلاً عن حذيفة بن اليمان ، وبه صرّح أبو حيان في تفسيره ، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ، وأورده الزمخشري في كشّافه عن ابن عباس(3) ، وقال الطبرسي في مجمع البيان : « وأورده الثعلبي في تفسيره ، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبدالله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام مثله »(4).
3 ـ ومنها : قوله تعالى : ( وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم)(5).
فقد صرح البغوي في تفسيره ، وكذلك الزمخشري ، والرازي ، والقرطبي ، والنسفي ، والخازن ، وتاج الدين الحنفي ، وأبو حيان ، وابن كثير ، وأبو السعود ، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان(6).
____________
(1) سبأ : 34 | 51.
(2) أُنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث ص : 35 .
(3) تفسير الطبري 22 : 72، وعقد الدرر : 74 ب 4 من الفصل الثاني، والحاوي للفتاوى 2 : 81، والكشاف 3 : 467 ـ 468.
(4) مجمع البيان 4 : 398.
(5) الزخرف : 43 | 61.
(6) معالم التنزيل | البغوي 4 : 444 | 61، والكشاف 4 : 26، والتفسير الكبير 27 : 222،
وقد أوّلها مجاهد في تفسيره ، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير ، بنزول عيسى عليه السلام أيضاً(1).
وقد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والفريابي ، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق ، عن ابن عباس أنها بخصوص ماذكرناه(2).
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان : «وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عز وجل : ( وإنّه لَعْلِمٌ للساعة ) هو المهدي عليه السلام ، يكون في آخر الزمان ، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها»(3).
ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي ، والشبلنجي الشافعي ، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي ، والشيخ الصبّان(4).
ولاخلاف بين هؤلاء وأولئك لاَنّ نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الاُخرى ، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث . ويؤيدّه إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، والضحاك
وتفسير القرطبي 16 : 105، وتفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن 4 : 108 ـ 109، وتفسير الخازن 4 : 109، والدٌّر اللقيط 8 : 24، والبحر المحيط 8 : 25، وتفسير ابن كثير 4: 142، وتفسير أبي السعود 8 : 52، وموارد الضمآن : ح 1758.
(1) تفسير مجاهد 2 : 583.
(2) الدر المنثور 6 : 20.
(3) البيان في أخبار صاحب الزمان : 528.
(4) الصواعق المحرقة : 162 ، ونور الاَبصار : 186 ، ومشارق الاَنوار ـ كما في الاِمام المهدي عند أهل السنّة 2 : 58 ـ واسعاف الراغبين : 153 ، وينابيع المودة 2 : 126 باب 59 .
ما يدل على أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الاِمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم ، وأنه يصلّي خلف المهدي عليهما السلام .
4 ـ ومنها : قوله تعالى : ( فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّسِ ).فقد ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أنه قال : «إمام يخنُس سنةَ ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت زمانه قرّتْ عينك»(1).
ولايخفى أن هذا من الاِخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه .
ونكتفي بهذا القدر ، على أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمة أهل البيت عليهم السلام بالامام المهدي وظهوره في آخر الزمان(3).
-_-_-_-_-_-_ -_-_-_-_-_-