المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلاصة عقيدة الشيعة في التنزيه ونفي التجسيم


النجف الاشرف
11-12-2008, 08:10 PM
السلام عليكم
اللهم صلٍ على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف ...........

نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالى لا يمكن أن يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لاَنه ليس كمثله شيء ، ولا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، ولا يحيطون به علماً .. إلى آخر الآيات الصريحة بأنه تعالى لا يمكن أن يرى بالعين ، بل يرى بالعقل والقلب وهي أعمق وأصح من رؤية العين .
وقد استدل أئمتنا عليهم السلام وعلماؤنا رضي الله عنهم ، على نفي التجسيم والرؤية بالكتاب والسنة والعقل .. واعتبروا أن ذلك من أصول مذهبنا ، بل هو كالبديهيات حتى عند عوامنا .
وستعرف أن القول برؤية الله تعالى جاءت من تأثر المسلمين باليهود والنصارى والمجوس ، وأن أهل البيت عليهم السلام وجمهور الصحابة وقفوا في وجه ذلك ، وكذبوا نسبة الرؤية بالعين إلى الاِسلام ، وكل ما تستلزمه من التشبيه والتجسيم ، ولكن موجة التشبيه والتجسيم غلبت .. لاَن دولة الخلافة تبنتها !

والدليل البسيط على نفي إمكان رؤية الله تعالى بالعين أن ما تراه العين لابد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان ، والله تعالى وجود متعال على الزمان والمكان، لاَنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم ، فكيف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما !
لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان ، حتى ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانين الزمان والمكان ، وحتى أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء ! وهذه هي طبيعة الاِنسان قبل أن يكبر ويطلع ، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها !
لكن مع ذلك فإن عقل الاِنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان ، وأن بإمكان الاِنسان أن يرتقي في إدراكه الذهني فيدرك ما هو أعلى من الزمان والمكان ويؤمن به ، وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين .
وهذا الاِرتقاء الذهني هو المطلوب منا نحن المسلمين بالنسبة إلى وجود الله تعالى ، لا أن نجره إلى محيط وجودنا ومألوف أذهاننا ، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزير عليه السلام وغيره ، وكما فعل النصارى فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيح عليه السلام وغيره !!

الرسول صلى الله عليه وآله يعلم الاَمة التوحيد

ـ قال الصدوق في كتابه التوحيد ص 107
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عن آبائه عليهم السلام قال : مر النبي صلى الله عليه وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو ، فقال له رسول : غض بصرك، فإنك لن تراه .

وقال : ومر النبي صلى الله عليه وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو ، فقال رسول الله: أقصر من يديك ، فإنك لن تناله .

ـ الكافي ج 1 ص 93
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي ، عن اليعقوبي ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالاَعلى مولى آل سام ، عن أبي عبدالله عليه السلام : قال إن يهودياً يقال له سبحت ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله جئت أسألك عن ربك ، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه ، وإلا رجعت ؟
قال : سل عما شئت .
قال : أين ربك ؟
قال : هو في كل مكان ، وليس في شيء من المكان المحدود .
قال : وكيف هو ؟
قال : وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق ، والله لا يوصف بخلقه .
قال : فمن أين يعلم أنك نبي الله ؟
قال : فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين : يا سبحت إنه رسول الله !
فقال سبحت : ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا !
ثم قال : أشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله .



ويعلمنا أن أقصى ما يمكن أن يراه الاِنسان نور عظمة الله

ـ بحار الاَنوار ج 4 ص 38
يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط ، فكُشِفَ لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .

علي عليه السلام يثبت مشاهدة القلوب وينفي مشاهدة العيان

ـ نهج البلاغة ج 2 ص 99
179 ومن كلام له عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين ؟
فقال عليه السلام : أفأعبد ما لا أرى !
فقال : وكيف تراه !
فقال : لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الاِيمان ، قريب من الاَشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم لا بروية ، مريد لا بهمة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته .

ـ ورواه في بحار الاَنوار ج 4 ص 27 عن :
يد ، لي : القطان والدقاق والسناني ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن العباس ، عن محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن ابن طريف ، عن الاَصبغ في حديث قال : قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره . قال : فكيف رأيته صفه لنا . قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الاَبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان . ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو في الاَشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال له أمام ، داخل في الاَشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج .. فخر ذعلب مغشياً عليه .... الخبر .

لم يحلل في الاَشياء .... ولم ينأ عنها

ـ نهج البلاغة ج 1 ص 112
65 ومن خطبة له عليه السلام : الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالاً . فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً . ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً . كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصمُّ عن لطيف الاَصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الاَلوان ولطيف الاَجسام ، وكل ظاهر غيره باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر .
لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك مكاثر ، ولا ضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون .

لم يحلل في الاَشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن .
لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ما ذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر ، بل قضاء متقن وعلم محكم ، وأمر مبرم . المأمول مع النقم ، والمرهوب مع النعم ....



لا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك

ـ نهج البلاغة ج 1 ص 160
91 ومن خطبة له عليه السلام تعرف بخطبة الاَشباح وهي من جلائل خطبه عليه السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتى كأنه يراه عياناً ، فغضب عليه السلام لذلك :
الحمد لله الذي لا يَفِرْهُ المنع والجمود ، ولا يكديه الاِعطاء والجود ، إذ كل معط منتقص سواه ، وكل مانع مذموم ما خلاه ، وهو المنان بفوائد النعم ، وعوائد المزيد والقسم . عياله الخلق ، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم ، ونهج سبيل الراغبين إليه ، والطالبين ما لديه ، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل
الاَول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده ، والرادع أناسيَّ الاَبصار عن أن تناله أو تدركه .
ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ، ولا كان في مكان فيجوز عليه الاِنتقال ، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار ، من فلز اللجين والعقيان ، ونثارة الدر وحصيد المرجان ، ما أثر ذلك في جوده ، ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر الاَنعام ما لا تنفده مطالب الاَنام ، لاَنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين ، ولا يبخله إلحاح الملحين .
فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به ، واستضيء بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله سبحانه ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك .
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الاِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً . فاقتصر على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين .
هو القادر الذي إذا ارتمت الاَوهام لتدرك منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته ، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته ، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاِعتساف كنه معرفته ، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته .
الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذى عليه ، من خالق معهود كان قبله . وأرانا من ملكوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته ،
واعتراف لحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قدرته ، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته ، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته ، وأعلام حكمته ، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه ، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة ، ودلالته على المبدع قائمة .
فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك ، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك ، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك ، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك ، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون : تالله إن كنا لفي ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين .
كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم ، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم ، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم ، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم . وأشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك ، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك ، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك . وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفاً ، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً .

ـ وروى هذه الخطبة الصدوق في التوحيد ص 48 فقال :
139 حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي ، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني ، عن فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حباً وبه معرفة ، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله ، ثم قام متغير اللون فقال .... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات .

النجف الاشرف
11-12-2008, 08:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد

ـ نهج البلاغة ج 2 ص 115
185 ومن خطبة له عليه السلام : الحمد الله الذي لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدال على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده ، وباشتباههم على أن لا شبه له .
الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدل عليهم في حكمه . مستشهد بحدوث الاَشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه .
واحد لا بعدد ، ودائم لا بأمد ، وقائم لا بعمد . تتلقاه الاَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة . لم تحط به الاَوهام بل تجلى لها ، وبها امتنع منها ، وإليها حاكمها .
ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيماً ، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً . بل كبر شأناً ، وعظم سلطاناً .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي ، وأمينه الرضي صلى الله عليه وآله . أرسله بوجوب الحجج ، وظهور الفلج ، وإيضاح المنهج ، فبلغ الرسالة صادعاً بها ، وحمل على المحجة دالاً عليها ، وأقام أعلام الاِهتداء ومنار الضياء ، وجعل أمراس الاِسلام متينة، وعرى الاِيمان وثيقة .

ـ نهج البلاغة ج 2 ص 116
186 ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد ، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة :
ما وحده من كيفه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه .

فاعل لا باضطراب آلة ، مقدر لا بجول فكرة ، غني لا باستفادة ، لا تصحبه الاَوقات ، ولا ترفده الاَدوات ، سبق الاَوقات كونه ، والعدم وجوده ، والاِبتداء أزله .
بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبمضادته بين الاَمور عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الاَشياء عرف أن لا قرين له . ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهمة ، والجمود بالبلل ، والحرور بالصرد ، مؤلف بين متعادياتها ، مقارن بين متبايناتها ، مقرب بين متباعداتها ، مفرق بين متدانياتها .
لا يشمل بحد ، ولا يحسب ببعد ، وإنما تحد الاَدوات أنفسها ، وتشير الآلة إلى نظائرها ، منعتها منذ القدمية ، وحمتها قد الاَزلية ، وجنبتها لولا التكملة . بها تجلى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون .
لا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه ، إذن لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من الاَزل معناه ، ولكان له وراء إذ وجد له أمام ، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان . وإذا لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه ، وخرج بسلطان الاِمتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره .
الذي لا يحول ولا يزول ، ولا يجوز عليه الاَفول ، ولم يلد فيكون مولوداً ، ولم يولد فيصير محدوداً . جل عن اتخاذ الاَبناء ، وطهر عن ملامسة النساء . لا تناله الاَوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الاَيدي فتمسه .
لا يتغير بحال ، ولا يتبدل بالاَحوال ، ولا تبليه الليالي والاَيام ، ولا يغيره الضياء والظلام . ولا يوصف بشيء من الاَجزاء ، ولا بالجوارح والاَعضاء ، ولا بعرض من الاَعراض ، ولا بالغيرية والاَبعاض ، ولا يقال له حد ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا أن الاَشياء تحويه ، فتقله أو تهويه ، أو أن شيئاً يحمله فيميله أو يعدله .
ليس في الاَشياء بوالج ، ولا عنها بخارج ، يخبر لا بلسان ولهوات ، ويسمع لا بخروق وأدوات . يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، ويريد ولا يضمر .
يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة . يقول لمن أراد كونه كن فيكون . لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً .
لا يقال كان بعد أن لم يكن ، فتجري عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل ، ولا له عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتديَ والبديع .
خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه ، وأنشأ الاَرض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الاَود والاِعوجاج ، ومنعها من التهافت والاِنفراج . أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلم يهن ما بناه ، ولا ضعف ما قواه .
هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته ، لا يعجزه شيء منها طلبه ، ولا يمتنع عليه فيغلبه ، ولا يفوته السريع منها فيسبقه ، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه .
خضعت الاَشياء له ، وذلت مستكينة لعظمته ، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره ، ولا كفؤ له فيكافئه ، ولا نظير له فيساويه .
هو المفني لها بعد وجودها ، حتى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها .



أول الدين معرفته .... وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه

ـ نهج البلاغة ج 1 ص 14
ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والاَرض وخلق آدم :
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءه العادون ، ولا يؤدي حقه المجتهدون . الذي لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس

لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه ..
أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الاِخلاص له ، وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فيم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلى منه .
كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ، ولا يستوحش لفقده .
أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، بلا رَوِيَّةً أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها ، أحال الاَشياء لاَوقاتها ، ولاءم بين مختلفاتها ، وغرز غرائزها ، وألزمها أشباحها ، عالماً بها قبل ابتدائها ، محيطاً بحدودها وانتهائها ، عارفاً بقرائنها وأحنائها .
ثم أنشأ سبحانه فتق الاَجواء ، وشق الاَرجاء ، وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره ، متراكماً زخاره ، حمله على متن الريح العاصفة ، والزعزع القاصفة ، فأمرها برده ، وسلطها على شده ، وقرنها إلى حده ، الهواء من تحتها فتيق ، والماء من فوقها دفيق .
ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً ، وأدام مربها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار ، وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله إلى آخره ، وساجيه إلى مائره ، حتى عب عُبَابُه ، ورمى بالزبد ركامه ، فرفعه في هواء منفتق ، وجو منفهق ، فسوى منه سبع

النجف الاشرف
11-12-2008, 08:23 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
سموات ، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً ، وعلياهن سقفاً محفوظاً ، وسمكاً مرفوعاً ، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار ينظمها .
ثم زينها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب ، وأجرى فيها سراجاً مستطيراً ، وقمراً منيراً ، في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم مائر ، ثم فتق ما بين السموات العلا ، فملاَهن أطواراً من ملائكته ، منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العين ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الاَبدان ، ولا غفلة النسيان . ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره . ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لاَبواب جنانه . ومنهم الثابتة في الاَرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الاَقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة ، لا يتوهمون ربهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدونه بالاَماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر .
ثم جمع سبحانه من حَزْن الاَرض وسهلها ، وعذبها وسبخها ، تربة سنَّها بالماء حتى خلصت ، ولاطها بالبلة حتى لزبت ، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول ، وأعضاء وفصول ، أجمدها حتى استمسكت ، وأصلدها حتى صلصلت ، لوقت معدود ، وأمد معلوم ، ثم نفخ فيها من روحه ، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها ، وفكر يتصرف بها ، وجوارح يختدمها ، وأدوات يقلبها ، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل ، والاَذواق والمشام ، والاَلوان والاَجناس . معجوناً بطينة الاَلوان المختلفة ، والاَشباه المؤتلفة ، والاَضداد المتعادية ، والاَخلاط المتباينة ، من الحر والبرد ، والبلة والجمود ، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم ، وعهد وصيته إليهم ، في الاِذعان بالسجود له ، والخشوع لتكرمته ....


كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونها

ـ التوحيد للشيخ الصدوق ص 31
حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبدالله قال : حدثنا أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه محمد بن خالد البرقي ، عن أحمد بن النضر وغيره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل سماه ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الاَعور قال : خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً خطبة بعد العصر ، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله ، قال أبو إسحاق فقلت للحارث : أو ما حفظتها قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه :
الحمد لله الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه ، لاَنه كل يوم في شأن ، من إحداث بديع لم يكن . الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً ، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً ، ولم تقع عليه الاَوهام فتقدره شبحاً ماثلاً ، ولم تدركه الاَبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً ، الذي ليست له في أوليته نهاية ، ولا في آخريته حد ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان ، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان ، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الاَمور ، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير . الذي سئلت الاَنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص ، بل وصفته بأفعاله ، ودلت عليه بآياته ، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده ، لاَن من كانت السماوات والاَرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن ، فلا مدفع لقدرته .
الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله . الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا . ولله الفضل مبدئاً ومعيدا ....
الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد ، والمرتدي بالجلال بلا تمثل ، والمستوي على العرش بلا زوال ، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم ، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم ، ليس له حد ينتهي إلى حده ، ولا له مثل فيعرف بمثله ، ذل من

تجبر غيره ، وصغر من تكبر دونه ، وتواضعت الاَشياء لعظمته ، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الاَول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، ولا يعدله شيء ، الظاهر على كل شيء بالقهر له ، والمشاهد لجميع الاَماكن بلا انتقال إليها ، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة ، وهو الذي في السماء إلَه وفي الاَرض إلَه وهو الحكيم العليم . أتقن ما أراد خلقه من الاَشياء كلها بلا مثال سبق إليه ، ولا لغوب دخل عليه ، في خلق ما خلق .... إلى آخر الخطبة .



أمير المؤمنين يرد على تجسيم اليهود

ـ قال الصدوق في كتابه التوحيد ص 77
حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور ، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، قال حدثنا علي ابن سلمة الليفي ، قال حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبدالله ، عن عبدالله بن طلحة بن هجيم ، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان ، عن الضحاك ، عن النزال بن سبرة قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربنا ؟ قال فقال له علي عليه السلام : إنما يقال : متى كان لشيء لم يكن فكان ، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف يكون ، كائن لم يزل بلا لم يزل ، وبلا كيف يكون ، كان لم يزل ليس له قبل ، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى ، غاية ولا غاية إليها ، غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غايه كل غاية .
أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال : حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال : حدثنا عبدالله بن محمد البلوي قال : حدثني عمارة بن زيد ، قال : حدثني عبد الله بن العلاء قال : حدثني صالح بن سبيع ، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال : حدثني أبي ، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال : حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر

اللون كأنه من متهودة اليمن فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه ، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل وقال :
الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما ، ولا باطن فيما ، ولا يزال مهما ، ولا ممازج مع ما ، ولا خيال وهما ، ليس بشبح فيرى ، ولا بجسم فيتجزى ، ولا بذي غاية فيتناهى ، ولا بمحدث فيبصر ، ولا بمستتر فيكشف ، ولا بذي حجب فيحوى .
كان ولا أماكن تحمله أكنافها ، ولا حملة ترفعه بقوتها ، ولا كان بعد أن لم يكن ، بل حارت الاَوهام أن تكيف المكيف للاَشياء ومن لم يزل بلا مكان ، ولا يزول باختلاف الاَزمان ، ولا ينقلب شاناً بعد شان .
البعيد من حدس القلوب ، المتعالي عن الاَشياء والضروب ، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية ، وسرائرهم عليه غير خفية ، المعروف بغير كيفية ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، ولا تدركه الاَبصار ، ولا تحيط به الاَفكار ، ولا تقدره العقول ، ولا تقع عليه الاَوهام ، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود ، وكيف يوصف بالاَشباح ، وينعت بالاَلسن الفصاح ، من لم يحلل في الاَشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن ، ولم يخل منها فيقال أين ، ولم يقرب منها بالاِلتزاق ، ولم يبعد عنها بالاِفتراق ، بل هو في الاَشياء بلا كيفية ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وأبعد من الشبه من كل بعيد .
لم يخلق الاَشياء من أصول أزلية ، ولا من أوائل كانت قبله بدية ،بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه ، وصور ما صور ، فأحسن صورته ، فسبحان من توحد في علوه ، فليس لشيء منه امتناع ، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع ، إجابته للداعين سريعة ، والملائكة له في السماوات والاَرض مطيعة ، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات ، سبحانه وتعالى عن الصفات ، فمن زعم أن إلَه الخلق محدود ، فقد جهل الخالق المعبود .... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة .. انتهى .
ويوجه المسلمين إلى التفكر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

ـ نهج البلاغة ج 2 ص 70
165 ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس :
ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات ، وساكن وذي حركات ، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته ، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته .
وما ذرأ من مختلف صور الاَطيار ، التي أسكنها أخاديد الاَرض وخروق فجاجها ، ورواسي أعلامها ، من ذات أجنحة مختلفة ، وهيئات متباينة ، مصرفة في زمان التسخير ، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح ، والفضاء المنفرج .
كَوَّنها بعد أن لم تكن ، في عجائب صور ظاهرة ، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة ، ومنع بعضها بعبالة خلقة ، أن يسمو في السماء خفوفاً ، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها على اختلافها في الاَصابيغ بلطيف قدرته ، ودقيق صنعته ، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به ، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل ، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصبه ، وذنب أطال مسحبه .
إذا درج إلى الاَنثى نشره من طيه ، وسما به مطلاً على رأسه ، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ ، يختال بألوانه ، ويميس بزيفانه ، يفضي كإفضاء الديكة ، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب .
أحيلك من ذلك على معاينة ، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده ، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه ، فتقف في ضفتي جفونه ، وأن أنثاه تطعم ذلك ، ثم تبيض لا من لقاح فحل ، سوى الدمع المنبجس ، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب .
تخال قصبه مداري من فضة ، وما أنبت عليها من عجيب داراته ، وشموسه

خالص العقيان ، وفلذ الزبرجد ، فإن شبهته بما أنبتت الاَرض قلت : جني جني من زهرة كل ربيع ، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل ، أو مونق عصب اليمن ، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل .
يمشي مشي المرح المختال ، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله ، وأصابيغ وشاحه ، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه ، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته ، ويشهد بصادق توجعه ، لاَن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية ، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية .
وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة ، ومخرج عنقه كالاِبريق ، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية ، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال ، وكأنه متلفع بمعجر أسحم ، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به ، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الاَقحوان ، أبيض يقق ، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق ، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط ، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه ، وبصيص ديباجه ورونقه ، فهو كالاَزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع ، ولا شموس قيظ ، وقد يتحسر من ريشه ، ويعرى من لباسه ، فيسقط تترى ، وينبت تباعاً ، فينحت من قصبه انحتات أوراق الاَغصان ، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه ، لا يخالف سالف ألوانه ، ولا يقع لون في غير مكانه .
وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية ، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية .
فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين ! وأقل أجزائه قد أعجز الاَوهام أن تدركه ، والاَلسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون ، فأدركته محدوداً مكوناً ، ومؤلفاً ملوناً ، وأعجز الاَلسن عن تلخيص صفته ، وقعد بها عن تأدية نعته .
وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة ، إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والاَفيلة،

ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح ، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...



ويصف النملة والجرادة

ـ نهج البلاغة ج 2 ص 115
185 ومن خطبة له عليه السلام : .... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة ، لرجعوا إلى الطريق ، وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة ، والبصائر مدخولة .
ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ، وسوى له العظم والبشر . أنظروا إلى النملة في صغر جثتها ، ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبت على أرضها ، وصبت على رزقها ، تنقل الحبة إلى جحرها ، وتعدها في مستقرها ، تجمع في حرها لبردها ، وفي وردها لصدرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنان ، ولا يحرمها الديان ، ولو في الصفا اليابس ، والحجر الجامس .
ولو فكرت في مجاري أكلها ، في علوها وسفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها وأذنها ، لقضيت من خلقها عجباً ، ولقيت من وصفها تعبا . فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه في خلقها قادر .
ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كل شيء ، وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف ، في خلقه إلا سواء ، وكذلك السماء والهواء ، والرياح والماء . فانظر إلى الشمس والقمر ، والنبات والشجر، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتفجر هذه البحار ، وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات ، والاَلسن المختلفات .


فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر . زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا ، ولا تحقيق لما أوعوا . وهل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غير جان .
وإن شئت قلت في الجرادة ، إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لها الفم السوي ، وجعل لها الحس القوي ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض ، يرهبها الزراع في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم ، حتى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها ، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة .
فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والاَرض طوعاً وكرهاً ، ويعفرِّ له خداً ووجهاً ، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً ، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً ، فالطير مسخرة لاَمره ، أحصى عدد الريش منها والنفس ، وأرسى قوائمها على الندى واليبس ، وقدر أقواتها ، وأحصى أجناسها ، فهذا غراب ، وهذا عقاب ، وهذا حمام ، وهذا نعام . دعا كل طائر باسمه ، وكفل له برزقه ، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها ، فبلَّ الاَرض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها .

النجف الاشرف
11-12-2008, 08:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
علي عليه السلام مؤسس علم التوحيد

ـ أمالي المرتضى ج 1 ص 103
إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام وخطبه ، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه ، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه ، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه ، إنما هو تفصيل لتلك الجمل ، وشرح لتلك الاَصول .
وروي عن الاَئمة من أبناءه عليهم السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة ، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير ، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة
ونتاج للعقول العقيمة ، ونحن نقدم على ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب . فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يصف الله تعالى :
بمضادته بين الاَشياء علم أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الاَمور علم أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والخشونة بالليل ، واليبوسة بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متباعداتها ، مفرق بين متدانياتها .
وروي عنه عليه السلام أنه سئل : بم عرفت ربك ؟ فقال : بما عرفني به . قيل : وكيف عرفك ؟ قال : لا تشبهه صورة ، ولا يحس بالحواس ، ولا يقاس بقياس الناس .
وقيل له عليه السلام : كيف يحاسب الله الخلق ؟ قال : كما يرزقهم . فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه ؟ فقال : كما يرزقهم ولا يرونه .
وسأله رجل فقال : أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والاَرض ؟ فقال : أين سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان .



الاِمام زين العابدين عليه السلام ينظم زبور آل محمد

ـ قال عليه السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية ، الدعاء الاَول :
الحمد لله الاَول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ، واخترعهم على مشيته اختراعاً ، ثم سلك بهم طريق إرادته ، وبعثهم في سبيل محبته ، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه ، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه ، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد ، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً ، ونصب له أمداً محدوداً ، يتخطى إليه بأيام عمره ، ويرهقه بأعوام دهره ، حتى إذا بلغ أقصى أثره ، واستوعب حساب عمره ، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه ، أو محذور عقابه ، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، عدلاً منه تقدست أسماؤه ، وتظاهرت آلاؤه ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ....
ـ الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون
وكان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلاة الليل : اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان ، الممتنع بغير جنود ولا أعوان ، والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام ، ومواضي الاَزمان والاَيام ، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية ، ولا منتهى له بآخرية ، واستعلى ملكك علواً سقطت الاَشياء دون بلوغ أمده ، ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين ، ضلت فيك الصفات ، وتفسخت دونك النعوت ، وحارت في كبريائك لطائف الاَوهام .
كذلك أنت الله الاَول في أوليتك ، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول .
وأنا العبد الضعيف عملاً ، الجسيم أملاً ، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك ، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك ، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك ، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك ، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء ، فاعف عني .....

ـ الصحيفة السجادية ج 2 ص 21
دعاؤه عليه السلام في التحميد لله عز وجل : الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة ، واحتجت عن الاَبصار بالعزة ، واقتدر على الاَشياء بالقدرة ، فلا الاَبصار تثبت لرؤيته ، ولا الاَوهام تبلغ كنه عظمته ، تجبر بالعظمة والكبرياء ، وتعطف بالعز والبر والجلال ، وتقدس بالحسن والجمال ، وتجمل بالفخر والبهاء ، وتهلل بالمجد والآلاء ، واستخلص بالنور والضياء . خالق لا نظير له ، وواحد لاند له ، وماجد لا ضد له ، وصمد لا كفو له ، وإلَه لا ثاني معه ، وفاطر لا شريك له ، ورازق لا معين له ، الاَول بلا زوال ، والدائم بلا فناء ، والقائم بلا عناء ، والباقي بلا نهاية ، والمبدئ بلا أمد ، والصانع بلا ظهير ، والرب بلا شريك ، والفاطر بلا كلفة ، والفاعل بلا عجز .
ليس له حد في مكان ، ولا غاية في زمان ، لم يزل ولا يزول ولن يزال ، كذلك أبداً هو الاِلَه الحي القيوم ، الدائم القديم ، القادر الحكيم ....

النجف الاشرف
11-12-2008, 08:27 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
الاِمام محمد الباقر عليه السلام يجيب على سؤال متى وجد الله


ـ الكافي ج 8 ص 120
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور ، عن أبي الربيع قال : حججنا مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع : يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس ؟ فقال : هذا نبي أهل الكوفة ، هذا محمد بن علي !
فقال : أشهد لآتينه فلاَسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي ، قال : فاذهب إليه وسله لعلك تخجله .
فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال : يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والاِنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي ، قال فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال : سل عما بدا لك .
فقال : أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة .
قال : أخبرك بقولي أو بقولك ؟
قال : أخبرني بالقولين جميعاً .
قال : أما في قولي فخمسمائة سنة ، وأما في قولك فستمائة سنة .
قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه : واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون . من الذي سأل محمد ، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة .
فقال : فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاَقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا . فكان من الآيات التي

أراها الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الاَولين والآخرين من النبيين والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل عليه السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل ، ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم : على ما تشهدون وما كنتم تعبدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله ، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا .
فقال نافع : صدقت يا أبا جعفر ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : أولم ير الذين كفروا أن السموات والاَرض كانتا رتقاً ففتقناهما .
قال : إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الاَرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً ، وكانت الاَرض رتقاً لا تنبت شيئاً ، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها ، ثم أمر الاَرض فأنبتت الاَشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالاَنهار ، فكان ذلك رتقها ، وهذا فتقها .
قال نافع : صدقت يابن رسول الله ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : يوم تبدل الاَرض غير الاَرض والسماوات ، أي أرض تبدل يومئذ .
فقال أبو جعفر عليه السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب .
فقال نافع : إنهم عن الاَكل لمشغولون .
فقال أبو جعفر : أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار ؟
فقال نافع : بل إذ هم في النار .
قال : فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم .
قال : صدقت يابن رسول الله ، ولقد بقيت مسألة واحدة .
قال : وما هي .
قال : أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان ؟
قال : ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ! سبحان من لم يزل ولا يزال ، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، ثم قال : يا نافع أخبرني عما أسألك عنه .
قال : وما هو .
قال : ما تقول في أصحاب النهروان ، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت .
قال : فولى من عنده وهو يقول : أنت والله أعلم الناس حقاً حقا ، فأتى هشاماً فقال له : ما صنعت ؟ قال : دعني من كلامك ، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا ، وهو ابن رسول الله حقاً ، ويحق لاَصحابه أن يتخذوه نبياً !! انتهى .
والظاهر أن الاِمام الباقر عليه السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج ، لاَن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير علي عليه السلام .



ويركز في المسلمين قاعدة : لا تشبيه ولا تعطيل

ـ التوحيد للصدوق ص 104
أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبدالله الاَشعري قال : حدثنا أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال : سئل أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال : إن الله عز وجل شيء قال : نعم ، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه .



الاِمام الصادق عليه السلام : لا نفي ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض

ـ قال الصدوق في كتابه التوحيد ص 102
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال : حدثنا العباس بن معروف قال : حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان ، عن عبدالرحيم القصير قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبدالله عليه السلام بمسائل ، فيها : أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد ،

فكتب عليه السلام بيد عبد الملك بن أعين :
سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك ، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه ، المفترون على الله . واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل ، فانف عن الله البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود ، تعالى الله عما يصفه الواصفون ، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان .

ـ توحيد الصدوق ص 103
حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن يعقوب السراج قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الاِنسان ، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط ، فخر أبو عبدالله ساجداً ، ثم رفع رأسه ، فقال : سبحان الله الذي ليس كمثله شيء ، ولا تدركه الاَبصار ، ولا يحيط به علم ، لم يلد لاَن الولد يشبه أباه ، ولم يولد فيشبه من كان قبله ، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة من سواه علواً كبيرا .



المؤمنون يرون الله بعقولهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة

ـ بحار الاَنوار ج 4 ص 31
لي : الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن المنذر بن محمد ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا . يا ابن الفضل ، إن الاَبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية ، والله خالق الاَلوان والكيفية .


ـ بحار الاَنوار ج 4 ص 44
يد : الدقاق ، عن الاَسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له : أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة .
قال : نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة .
فقلت : متى ؟
قال : حين قال لهم : ألست بربكم قالوا بلى . ثم سكت ساعة ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير فقلت له : جعلت فداك فأحدث بهذا عنك ؟ فقال لا ، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر ، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون .
ضه : سأل محمد الحلبي الصادق عليه السلام فقال : رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه قال : نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين ، ولا تحيط به أسماع السامعين.

ـ بحار الاَنوار ج 4 ص 33
ج : عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : لا تدركه الاَبصار ، قال : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : قد جاءكم بصائر من ربكم ، ليس يعني بصر العيون . فمن أبصر فلنفسه ، ليس يعني من أبصر بعينه ، ومن عمي فعليها ، ليس يعني عمى العيون ، إنما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب . الله أعظم من أن يرى بالعين .



الاِمام الصادق عليه السلام يرد على الحلول والثنائية بين الذات والصفات

ـ الكافي ج 1 ص 82
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا

عبدالله عليه السلام يقول : إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق ، والله خالق كل شيء ، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

ـ الكافي ج 1 ص 83
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال للزنديق حين سأله : ما هو قال : هو شيء بخلاف الاَشياء ، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية ، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الاَوهام ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيره الاَزمان ، فقال له السائل : فتقول إنه سميع بصير قال : هو سميع بصير : سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه ، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً ، فأقول : إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض ، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع .
ـ الكافي ج 1 ص 87
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله مما هو مشتق ؟ قال : فقال لي : يا هشام الله مشتق من أله ، والاِلَه يقتضي مألوهاً والاِسم غير المسمى ، فمن عبد الاِسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ، ومن عبد الاِسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ، ومن عبد المعنى دون الاِسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام ؟ قال فقلت : زدني قال : إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الاِسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلَهاً ، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الاَسماء وكلها غيره ، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق ، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره ؟ قلت : نعم .


قال فقال : نفعك الله به وثبتك يا هشام ، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا .
ـ علي بن إبراهيم ، عن العباس بن معروف ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أو قلت له : جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الاَحد الصمد ؟ قال : فقال : إن من عبد الاِسم دون المسمى بالاَسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الاَحد الصمد المسمى بهذه الاَسماء دون الاَسماء أن الاَسماء صفات وصف بها نفسه .

ـ الكافي ج 1 ص 103
علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، وعن غيره ، عن محمد بن سليمان ، عن علي بن إبراهيم ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال : إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير ، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث ، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف ، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الاَين حتى صار أيناً فعرفت الاَين بما أين لنا من الاَين ، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث ، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء ، لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار . لا إلَه إلا هو العلي العظيم ، وهو اللطيف الخبير .



الاِمام الكاظم عليه السلام يرد على تجسيد النصارى
ـ وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص 30
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر قال : سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام وهو يكلم راهباً من النصارى ،
فقال له في بعض ما ناظره : إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون ، أو يوصف بطول أو قصر ، أو تبلغه الاَوهام ، أو تحيط به صفة العقول . أنزل مواعظه ووعده ووعيده ، أمر بلا شفة ولا لسان ، ولكن كما شاء أن يقول له كن ، فكان خبراً كما أراد في اللوح .



ويبين أن الله تعالى غني عن النزول والحركة

ـ قال الصدوق في كتابه التوحيد ص 183
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله الكوفي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام قال : ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا ، فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ، ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج بل يحتاج إليه ، وهو ذو الطَّول ، لا إلَه إلا هو العزيز الحكيم . أما قول الواصفين : إنه تبارك وتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به ، فظن بالله الظنون فهلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد ، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين .



الاِمام الرضا عليه السلام يعلم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

ـ توحيد الصدوق ص 107
حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال : حدثني عدة من أصحابنا ، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال قال لي أبو الحسن عليه السلام : ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شيء هو أم لا ؟ قال فقلت له : قد أثبت

الله عز وجل نفسه شيئاً حيث يقول : قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ، فأقول : إنه شيء لا كالاَشياء ، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه .
قال لي : صدقت وأصبت .
ثم قال لي الرضا عليه السلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي ، وتشبيه ، وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز ، لاَن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء ، والسبيل في الطريقة الثالثة : إثبات بلا تشبيه .

ـ توحيد الصدوق ص 98
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد ابن زيد قال: جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد فأملى عليّ:
الحمد لله فاطر الاَشياء إنشاء ، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته ، لا من شيء فيبطل الاِختراع ، ولا لعلة فلا يصح الاِبتداع . خلق ما شاء كيف شاء ، متوحداً بذلك لاِظهار حكمته وحقيقة ربوبيته ، لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الاَوهام ، ولا تدركه الاَبصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وكلت دونه الاَبصار ، وضل فيه تصاريف الصفات ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، عرف بغير رؤية ، ووصف بغير صورة ، ونعت بغير جسم ، لا إلَه إلا الله الكبير المتعال .
ورواه في علل الشرائع ج 1 ص 9



ويكشف حقيقة جديدة في الاِسراء والمعراج

ـ التوحيد للصدوق ص 113
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمد الخزاز ، ومحمد بن

الحسين ، قالا : دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمداً صلى الله عليه وآله رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة ، رجلاه في خضرة ، وقلت : إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون : إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد ، فخر ساجداً ثم قال : سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك ، فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك . إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ، ولا أشبهك بخلقك ، أنت أهل لكل خير ، فلا تجعلني من القوم الظالمين .
ثم التفت إلينا فقال : ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره ، ثم قال : نحن آل محمد النمط الاَوسط ، الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي . يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة ..
يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين .
قال قلت : جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة ؟ قال : ذاك محمد صلى الله عليه وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب ! إن نور الله منه اخضرَّ ما اخضر ، ومنه احمرَّ ما احمر ، ومنه أبيضَّ ما أبيض ، ومنه غير ذلك . يا محمد ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به .

ـ ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 4 ص 41 وقال :
بيان : قوله عليه السلام : النمط الوسطى وفي الكافي الاَوسط قال الجزري : في حديث علي : خير هذه الاَمة النمط الاَوسط ، النمط : الطريقة من الطرائق والضروب ، يقال : ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب ، والنمط : الجماعة من الناس أمرهم واحد . انتهى .
قوله عليه السلام : لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة ، وفي بعضها بالعين المهملة ، وعلى التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الاَمور ، أي لا يدركنا ولا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أوفي كل شيء ، والتالي أي التابع لنا لا

يصل إلى النجاة إلا بالاَخذ عنا ، فلا يسبقنا بأن يصل إلى المطلوب لا بالتوصل بنا .
وفي الكافي : إن نور الله منه أخضر ، ومنه أحمر ، ومنه أبيض ، ومنه غير ذلك . وسيأتي في باب العرش في خبر أبي الطفيل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة ، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة ، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة ، ونور أحمر احمرت منه الحمرة ، ونور أبيض وهو نور الاَنوار ومنه ضوء النهار .
ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب والاَنوار على ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب أجساماً لطيفة مثل العرش والكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون ، كما يظهر من بعض الدعوات والاَخبار ، أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور الشمس بالنسبة إلى عالمنا .
ويحتمل التأويل أيضاً بأن يكون المراد بها الوجوه التي يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالى وصفاته إذ لا سبيل لاَحد إلى الكنه ، وهي تختلف باختلاف درجات العارفين قرباً وبعداً ، فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف وتسميتها بالحجب ، إما لاَنها وسائط بين العارف والرب تعالى كالحجاب ، أو لاَنها موانع عن أن يسند إليه تعالى ما لا يليق به ، أو لاَنها لما لم تكن موصلة إلى الكنه فكأنها حجب ، إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبين له حقيقة الشيء كما هي .
وقيل : إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الاَنوار ، ووسائط النفوس الكاملة ، والنفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الاَنوار ، فاستحقت الاِتصال بها والاِستفادة منها ، فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم والكمال مثل نور الحجب ، حتى يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم ، ولا يخفى فساده على أصولنا بوجوه شتى .
وأما تأويل ألوان الاَنوار فقد قيل فيه وجوه :
الاَول : أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الاَنوار بحسب القرب والبعد من نور الاَنوار ، فالاَبيض هو الاَقرب ، والاَخضر هو الاَبعد ، كأنه ممزوج بضرب من الظلمة
والاَحمر هو المتوسط بينهما ، ثم ما بين كل اثنين ألوان أخرى كألوان الصبح والشفق المختلفة في الاَلوان لقربها وبعدها من نور الشمس .
الثاني : أنها كناية عن صفاته المقدسة ، فالاَخضر قدرته على إيجاد الممكنات وإفاضة الاَرواح التي هي عيون الحياة ومنابع الخضرة ، والاَحمر غضبه وقهره على الجميع بالاِعدام والتعذيب ، والاَبيض رحمته ولطفه على عباده كما قال تعالى : وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله .
الثالث : ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذكر أنه مما أفيض عليه من أنوار الكشف واليقين ، وبيانه يتوقف على تمهيد مقدمة وهي : أن لكل شيء مثالاً في عالم الرؤيا والمكاشفة ، وتظهر تلك الصور والاَمثال على النفوس مختلفة باختلاف مراتبها في النقص والكمال ، فبعضها أقرب إلى ذي الصورة ، وبعضها أبعد ، وشأن المعبر أن ينتقل منها إلى ذواتها ، فإذا عرفت هذا فالنور الاَصفر عبارة عن العبادة ونورها كما هو المجرب في الرؤيا ، فإنه كثيراً ما يرى الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها ، وكما هو المعاين في جباه المتهجدين ، وقد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به . والنور الاَبيض العلم لاَنه منشأ للظهور ، وقد جرب في المنام أيضاً . والنور الاَحمر المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة ، وقد جرب في الاَحلام أيضاً . والنور الاَخضر المعرفة ، كما تشهد به الرؤيا ويناسبه هذا الخبر ، لاَنه عليه السلام في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة .
ولعلهم عليهم السلام إنما عبروا عن تلك المعاني على تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات ، لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة كما تعرض على النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور ، ولاَنا في منام طويل من الغفلة عن الحقائق ، كما قال عليه السلام : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا .
وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة ، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام . انتهى .


ملاحظة : إذا شرح لنا عالم الفيزياء مثلاً بعض قوانين الضوء وتحدث عن تغير تركيب الاَجسام وطاقاتها إذا تحركت بسرعة الضوء أو بأسرع منه ، فإننا نتعجب لذلك ونحترم آراءه ..
أما النبي والاِمام المعصوم فإن حديثهما أولى بالاِحترام والثقة من عالم الفيزياء ، ومن كل علماء الاَرض ، لاَنهما يتحدثان عن الفيزياء كما أخبرهما عنها خالقها تبارك وتعالى . فحديث الاِمام الرضا عليه السلام عن المعراج وعن أصل الاَنوار والاَلوان إنما هو عن جده المصطفى سيد البشر صلى الله عليه وآله الذي أوحى إليه الله تعالى وعرج به مرات متعددة كما في الاَحاديث الشريفة ، فأراه ملكوت السماوات والاَرض .
وأحاديث المعراج فيها أحاديث صحيحة ومهمة ، وهي تحتاج إلى دراسة من علماء الطبيعة ، لعلهم يكتشفون منها حقائق جديدة عن الكون والطبيعة .
ولا نعني بذلك رفض التفسيرات العقلية والاِشراقية كالتي أوردها المجلسي رحمه‌الله ولكنها تبقى تفسيراً لجانب ، أو احتمالات .. ونعم ما ختم به المحدث المجلسي رحمه‌الله كلامه فقال ( وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة ، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام ) .

النجف الاشرف
11-12-2008, 08:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
الاِمام الرضا عليه السلام يعلم بني العباس التوحيد

ـ توحيد الصدوق ص 34
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن عمر والكاتب ، عن محمد بن زياد القلزمي ، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة قال : حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد ، قال ابن أبي زياد : ورواه لي أيضاً أحمد بن عبدالله العلوي مولى لهم وخالاً لبعضهم ، عن القاسم بن أيوب العلوي ، أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا الاَمر

جمع بني هاشم فقال : إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الاَمر من بعدي ، فحسده بنو هاشم وقالوا : أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة ، فابعث إليه رجلاً يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه ، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه ، فصعد عليه السلام المنبر ، فقعد ملياً لا يتكلم مطرقاً ، ثم انتفض انتفاضة واستوى قائماً ، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته . ثم قال :
أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحيده ، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه ، لشهادة العقول أن كل موصوف مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاِقتران ، وشهادة الاِقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالاِمتناع من الاَزل الممتنع من الحدث ، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حقيقة أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له تذلل من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه .
كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته . خلق الله حجاباً بينه وبينهم ، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم ، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره ، وأَدْوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه ، لشهادة الاَدوات بفاقة المتأدين ، وأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغبوره تحديد لما سواه .
فقد جهل الله من استوصفه ، وقد تعداه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال كيف فقد شبهه ، و من قال لم فقد علله ، ومن قال متى فقد وقته ، ومن قال فيم فقد ضمنه ، ومن قال إلى م فقد نهاه ، ومن قال حتى م فقد غياه ، ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا

يتغير الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول فكرة ، مدبر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا بمجسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة .
لا تصحبه الاَوقات ، ولا تضمنه الاَماكن ، ولا تأخذه السنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الاَدوات .
سبق الاَوقات كونه ، والعدم وجوده ، والاِبتداء أزله .
بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الاَشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الاَمور عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم ، والجسو بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، ذلك قوله عز وجل : ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ، ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها ، له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الاِلَهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع .
ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية ، كيف ولا تغيبه مذ ، ولا تدنيه قد ، ولا تحجبه لعل ، ولا توقته متى ، ولا تشمله حين ، ولا تقارنه مع ، إنما تحد الاَدوات أنفسها ، وتشير الآلة إلى نظائرها ، وفي الاَشياء يوجد فعالها ، منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد الاَزلية ، وجبتها لولا التكملة ، افترقت فدلت على مفرقها ، وتباينت فأعربت من مباينها ، لما تجلى صانعها للعقول ، وبها

احتجب عن الرؤية ، وإليها تحاكم الاَوهام ، وفيها أثبت غيره ، ومنها أنيط الدليل ، وبها عرفها الاِقرار .
وبالعقول يعتقد التصديق بالله ، وبالاِقرار يكمل الاِيمان به ، ولا ديانة إلا بعد المعرفة ، ولا معرفة إلا بالاِخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبية ، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه ، لا تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، أو يعود إليه ما هو ابتداه ، إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من الاَزل معناه ، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء .
ولو حد له وراء إذاً حد له أمام ، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان ، كيف يستحق الاَزل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الاَشياء من لا يمتنع من الاِنشاء، إذاً لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحول دليلاً بعدما كان مدلولاً عليه .
ليس في محال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه له تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيم ، إلا بامتناع الاَزلي أن يثنى ، وما لا بدأ له أن يبدى ، لا إلَه إلا الله العلي العظيم ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً ، وخسروا خسراناً مبينا . وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين .



نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام

ـ الاِعتقادات ص 3 9 للصدوق المتوفى سنة 381
إعلم أن اعتقادنا في التوحيد : أن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء ، قديم لم يزل ولا يزال ، سميعاً بصيراً عليماً حكمياً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً غنياً ، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان ، وأنه تعالى متعال من جميع صفات خلقه ، خارج عن الحدين حد الاِبطال وحد التشبيه . وأنه تعالى شيء لا كالاَشياء ، صمد ، لم

يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفواً أحد ، ولا نِدَّ له ولا ضد ولا شبه ، ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك له ، لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ولا الاَوهام وهو يدركها ، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير ، خالق كل شيء ، لا إلَه إلا هو ، له الخلق والاَمر ، تبارك الله رب العالمين .
ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ، ومن نسب إلى الاِمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب ، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس .
والاَخبار التي يتوهمها الجهال تشبيهاً لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها ، لاَن ما في القرآن : كل شيء هالك إلا وجهه ، ومعنى الوجه الدين ، والوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه .
وفي القرآن : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود وهم سالمون ، والساق وجه الاَمر وشدته .
وفي القرآن : أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ، والجنب الطاعة .
وفي القرآن : ونفخت فيه من روحي ، وهو روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسى ، وإنما قال روحي كما قال : نبيي وعبدي وجنتي أي : مخلوقي ، وناري وسمائي وأرضي . وفي القرآن : بل يداه مبسوطتان ، يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة .
وفي القرآن : والسماء بنيناها بأيد ، والاَيد القوة ، ومنه قوله تعالى : واذكر عبدنا داوود ذا الاَيد ، يعني ذا القوة .
وفي القرآن : يا إبليس ما منعك أن تسجد لماخلقت بيدي ، يعني بقدرتي وقوتي.
وفي القرآن : والاَرض جميعاً قبضته يوم القيامة ، يعني ملكه ولايملكها معه أحد.
وفي القرآن : والسماوات مطويات بيمينه ، يعني بقدرته .
وفي القرآن : وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، يعني وجاء أمر ربك .


وفي القرآن : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، يعني عن ثواب ربهم .
وفي القرآن : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، أي عذاب الله .
وفي القرآن : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، يعني مشرقة تنظر ثواب ربها .
وفي القرآن : ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ، وغضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه.
وفي القرآن : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك .
وفي القرآن ، ويحذركم الله نفساً ، يعني إنتقامه .
وفي القرآن : إن الله وملائكته يصلون على النبي .
وفيه : هو الذي يصلي عليكم وملائكته ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار وتذكية ومن الناس دعاء .
وفي القرآن : ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وفي القرآن : يخادعون الله وهو خادعهم .
وفيه : الله يستهزيَ بهم .
وفي القرآن : سخر الله منهم .
وفيه : نسوا الله فنسيهم .
ومعنى ذلك كله أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة وجزاء الاِستهزاء وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل : ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، لاَنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزيَ ولا يسخر ولا ينسى ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
وليس يرد في الاَخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والاِلحاد إلا بمثل هذه الاَلفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن .
ـ الكافي ص 38 ، لاَبي الصلاح الحلبي المتوفى سنة 447
. . . وثبوت كونه تعالى قديماً مقتض لكونه سبحانه غنياً تستحيل عليه الحاجة ، ( لاَن ) الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر ، من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد . والنفع والضرر لا يجوزان إلا على من يلذ ويألم ، لاَن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له ، ويستضر بما يألم به أو يغتم لاَجله ، واللذة والاَلم لا يجوزان إلا على ذي شهوة ونفور ، إذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه ، ومعنى متألم أنه أدرك ما ينفر عنه ، ومعنى مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلى من يجري مجراه واندفاع ضرر ، ومعنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلى من يجري مجراه أو فوت نفع ، فعاد معنى السرور والغم إلى النفع والضرر .
إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلى محل استحال تخصيصها . وكونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل إدراكه سبحانه بشيء من الحواس ، لاختصاص الاِدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الاَعراض ، وليس هو من الجنسين ، فاستحال إدراكه تعالى .
ولاَنه لو كان مما يصح أن يدرك بشيء من الحواس لوجب أن ندركه الآن ، لاَنا على الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع ، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه ، لاَنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة ، وذلك أجمع من صفات المتحيزات ، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها ، فلو كان مما يصح أن يدرك لاَدركناه الآن ، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة ، من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل ، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم إدراكه ....
وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل عليه التنقل والاِختصاص بالحياة والمجاورة ، لاَن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز . ويحيل عليه سبحانه

الحلول وإيجاب الاَحوال والاَحكام ، لاَن ذلك من خواص الاَعراض ، فتسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الاَصنام والمنجمين والنصارى والغلاة ، لاِثبات هؤلاء أجمع إلَهية الاَجسام ، أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره ، على ما سلف بيانه .

ـ كشف المراد للعلامة الحلي ص320 : المتوفى سنة 726
المسألة العشرون : في أنه تعالى ليس بمرئي .
أقول : وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضاً . واعلم أن أكثر العقلاء ذهبوا إلى امتناع رؤيته تعالى ، والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم ولو اعتقدوا تجرده لم يجوزوا رؤيته عندهم . والاَشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده يصح رؤيته .
والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب الوجود يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه ، فتنتفي الرؤية عنه بالضرورة ، لاَن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هناك أو هنا ، ويكون مقابلاً أو في حكم المقابل ، ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية . . . . أقول : لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن الاِحتجاج ، والاَشاعرة قد احتجوا بوجوه أجاب المصنف رحمه‌الله عنها .
الاَول ، إن موسى عليه السلام سئل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح عنه السؤال .
والجواب : أن السؤال كان من موسى عليه السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ، وقوله : أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا . . . .
الوجه الثاني لهم ، أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر اليه فقال : إلى ربها ناظرة ، والنظر المقرون بحرف إلى يفيد الرؤية ، لاَنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماساً للرؤية ، وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة ، عنه فيتعين أن يكون

المراد منه المجاز ، وهي الرؤية التي هي معلولة النظر الحقيقي ، واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز .
والجواب : المنع من إرادة هذا المجاز ، فإن النظر وإن اقترن به حرف إلى لا يفيد الرؤية ، ولهذا يقال نظرت إلى الهلال فلم أره ، وإذا لم يتعين هذا المعنى للاِرادة أمكن حمل الآية على غيره ، وهو أن يقال إن إلى واحد إلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة، أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلى ثواب ربها ناظرة .
لا يقال : الاِنتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم .
لاَنا نقول : سياق الآية يدل على تقدم حال أهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله : وجوه يومئذ ناظرة ، بدليل قوله تعالى : ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ، فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل بها فاقرة فلا يبقى للظن معنى . وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سبباً للغم بل سبباً للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقيناً في وقت ، فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت ، كما أن انتظار العقاب بعد الاَنذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه .
قال : وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك لا يدل على الاِمكان .
أقول : هذا جواب عن الوجه الثالث للاَشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسى عليه السلام على استقرار الجبل ، والاِستقرار ممكن لاَن كل جسم فسكونه ممكن ، والمعلق على الممكن ممكن .
والجواب : أنه تعالى علق الرؤية على الاِستقرار لا مطلقاً بل على استقرار الجبل حال حركته ، واستقرار الجبل حال الحركة محال ، فلا يدل على إمكان المعلق .
قال : واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر .
أقول : هذا جواب عن شبهة الاَشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى ، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية ، وهذا حكم

مشترك يستدعي علة مشتركة ، ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود ، والحدوث لا يصلح للعلية لاَنه مركب من قيد عدمي فيكون عدمياً ، فلم يبق إلا الوجود فكل موجود يصح رؤيته وأنه تعالى موجود .
وهذا الدليل ضعيف جداً لوجوه :
الاَول : المنع من رؤية الجسم ، بل المرئي هو اللون أو الضوء لا غير .
الثاني ، لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية ، فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض .
الثالث ، لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي ، لاَن جنس صحة الرؤية وهو الاِمكان عدمي ، فلا يفتقر إلى العلة .
الرابع ، لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة ، فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية .
الخامس ، لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود ، وعدم العلم لا يدل على العدم، مع أنا نتبرع قسماً آخر وهو الاِمكان ، وجاز التعليل به وإن كان عدمياً ، لاَن صحة الرؤية عدمية .
السادس ، لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية ، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية ، على أنا نمنع من كون الحدوث عدمياً ، لاَنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم .
السابع ، لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الاِمكان أو بشرط الحدوث ، والشروط يجوز أن تكون عدمية .
الثامن ، المنع من كون الوجود مشتركاً ، لاَن وجود كل شيء نفس حقيقته ، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركاً ، لكن وجود الله تعالى مخالف لغيره من الوجودات ، لاَنه نفس حقيقته ، ولا يلزم من كون وجود بعض الماهيات علة لشيء كون ما يخالفه علة لذلك الشيء .


التاسع ، المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي ، فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى ، أما ذاته أو صفة من صفاته ، أو نقول الحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى ، فلا يلزم وجود الحكم فيه .

ـ الرسالة السعدية للعلامة الحلي ص 39
والدليل على المذهب الاَول : العقل ، والنقل .
أما العقل ، فإن الضرورة قاضية : بأن كل مرئي ، فإنه لابد وأن يكون مقابلاً للرائي ، أو في حكم المقابل كالمرئي في المرايا . وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة ، والله تعالى ليس في جهة فلا يكون مرئياً .
ولاَنه لو كان مرئياً لرأيناه الآن ، لوجود العلة المقتضية للرؤية وهي حصول الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة .
وأما النقل ، فقوله تعالى : لن تراني ، ولو كانت صحيحة ويراه بعض المؤمنين ، لكان موسى عليه السلام أولى بالرؤية .
وقوله تعالى : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، تمدح بنفي الرؤية فيكون ثبوتها نقصاً ، والنقص على الله تعالى محال .
ولاَن الخصم يسلم أن معرفة الله تعالى ليست حاصلة إلا بصفاته وآثاره دون حقيقته ، فكيف تصح رؤيته والاِحاطة بكنه حقيقته ، تعالى الله عن ذلك .