الحسني
16-12-2008, 01:56 PM
زواج المُتعَة ]
زواجُ المُتعة زواجٌ لا يرقَى إلى أيٍّ من الأُسسِ التي تقدّمت في الزواج الدّائم، وليسَ أيضاً يهدفُ إلا إلى إشباع الرّغبَة الجنسيّة الوقتيّة ، فلا هُو مُؤسَّسٌ على العزم على إتمام الحقوق ، والقيام بالواجبات بين الطّرفين ، ولا على المحبّة ، ولا المودّة ، ولا الرّحمَة ، ولا الإخلاص ، ولا التفاني ، ولا التضحية . وليس يهدفُ إلى السّكون ، ولا الرّاحة الدّائمة ، ولا التّناسل فضلاً عن السّعي في إيجاد أسرةٍ مُسلمةٍ مُتكافِلَة .
[ صِفَة زواج المُتعَة ]
زواج المُتعَة لا يِشترطُ فيه الوليّ للمرأة ، بل تقوم المرأة بتزويج نفسِها ، ولا يشترط وجود شهودٍ ، وفيه يُسمّون مهراً ، ويشترطون فيه عدم التوارث ، ثمّ لا طلاقَ فيه، بل إنّه ينتهي بانتهاء المُدّة المُحدّدة المُتّفق عليها مِن قِبَل الطّرفين . وصفَته اللفظية :
((زَوجِينِي نَفسَكِ مُتعةً على كتاب الله وسنّة نبيّه ، نِكاحاً غير سِفاح ، عَلى أنْ لا أرِثُكِ ولا تَرِثِيني ، ولا أطْلُبُ وَلَدَكِ إلى أجل مسمّى ، فإنْ بَدَا لِي زِدتُكِ وزِدتِينِي)) .
ومن صفته ، قولُ الرّجل للمرأة : ((أتَزَوجُكِ كَذَا وَكَذَا يَوماً ، بِكَذَا وكَذَا دِرهماً ، فَإذا مَضَت تِلكَ الأيّام كانَ طَلاقُهَا فِي شَرطِهَا)) .
[ زَواج المُتعَة من مَنظور شرعيّ وَواقِعِي ]
ومن صِفَة زواج المُتعة نجدُ أنّه زواجٌ لا يطمحُ إلاّ لتلبيَة رغبَة مؤقّتة ، وهي الرّغبة الجنسية ، وهذا فيمُكننا لأجله أن نُصنّفه زواجاً عشوائياً ، لخلوّه عن الهَدف الإلهي المنشود من الزواج ، ولكون الرّجل فيه لا يَطمحُ لزوجةٍ مُعيّنَة بشروطٍ مُعيّنة ، بل يَسعى من خلالها لأيّ امرأةٍ يجِدها فيتزوّجها ، وأهل الإسلام قاطبَة قد استبشعوا هذا الزواج بِفِطَرهِم العقليّة ، فكيفَ لو تظافرَ العقلُ والنّقل ، نعم ! ونحنُ فمُشيرونَ إلى تظافر العقل والنّقل في استهجان زواج المُتعة ، وعدم معقوليّة صدوره عن الشّارع الحكيم جلّ شأنه ، كلّ ذلك من عدّة أوجه عقليّة ونقليّة ، منها :
1- زواج المُتعَة افتقَرَ إلى رضا الأولياء وأخذِ الإذن منهم ، وهذا فيُخرِجُ النّساء من أيدي الرّجال ، ويُؤذنُ بفوضى رهيبَة في المُجتمَع الإسلامي لو تمكّن منهم هذا الاعتقاد ، فلو تخيّلنا قريةً ولا أقول مَدينة تُبيحُ زواج المُتعة ، وإباحته يَدخُلُ فيها ضِمناً عدم اشتراط الولي، نعم ! فلو تخيّلنا أباً ، عابداً ، مُصليّاً ، لا يَرى بناتَه إلاّ في اليوم أو اليومين ، وقد تصلُ إلى الأسبوع أو الأسبوعين ، وقد تطول المدّة أو تَقصر ، فيسألُ عن حالهِم فيجدهُم قد تزوّجن مرّة أو عدّة مرات في هذه المدّة ، زواج مُتعَة ، وهُو غافلٌ لا يدري !! ، وهذا فمُخالفٌ للمنزلة العظيمَة التي شرّف الله الإنسان بها ، ألا ترى الطوسي من الجعفرية يعترفُ بهذا ضِمناً فيقول : ((وأمّا مَا رَواهُ أحمد بن محمد عن أبى الحسن عن بَعضِ أصحَابنا يَرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام ، قال: لا تتمتع بالمؤمنَة فَتُذلّهَا. فَهَذا حَديثٌ مَقطوع الإسناد شَاذ، ويُحتمل أن يَكونَ المُرادُ بِه (تأمّل)، إذَا كَانَت المرأة مِن أهل بَيتِ الشّرف ، فَإنّه لا يَجوز التّمتّع بِهَا لِمَا يَلحق أهلها مِنَ العَار وَيلحَقُها هِي مِنَ الذّل وَيكون ذَلِكَ مَكروهاً ، دُون أن يكون محظوراً)) [تهذيب الأحكام:7/253] ، والله المُستعان .
2- زواج المُتعَة افتقرَ إلى الشّهود ، وافتقارهُ إلى الشهود ، مع اشتراطه للمهور ، قد يجعل المرأة عُرَضةً للاحتيال ، خصوصاً فيما تأخّر من المهور .
3- زواج المُتعَة افتقرَ إلى الشهود ، وافتقارُهُ إلى الشهود ، قد يُضيّع الأنساب ، خصوصاً مع إنكار الزوج .
4- زواجُ المُتعَة يفتقِر إلى التنظيم ، فَبِعَدَمِ وجود الأوليَاء ، قد لا يَضمن الرّجل أن يتزوّج بأحِد المُحرّمات عليه شرعاً ، فقد يتزوّج الرّجل بامرأةٍ قد تزوّجَها ابنه أو أبوه ، وقد يقعُ الرّجل على أختٍ له من الرّضاع ، والمعلوم أنّ أمثال هذا قد يَقَع في المُجتمع ، فكَم من رجُلٍ لا يُنقذهُ من العقد على أخته إلاّ شهادَة الشّهود ، باجتماع الحليب ، فكيفَ لو لم يكُن لا شهودٌ ولا أولياء ، بل أمرٌ أُبرِمَ في ليل !! ، وهذا فيُستبعدُ أن يُشرّعهُ أحكمُ الحاكمين ، فكيفَ لو اطّلعت على رواية الطوسي ، بالسند ، ((عَن فَضل مولى محمد بن راشد عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قُلتُ إنّي تَزوجتُ امرأةً مُتعَة ، فَوَقَعَ فِي نَفسِي أنَّ لَهَا زَوجَاً ، فَفَتّشتُ عَن ذَلكَ فَوجَدتُ لَهَا زَوجاً ، قال: وَلِمَ فَتّشت؟!)) [تهذيب الأحكام:7/253] ، والله المُستعان .
5- الله سُبحانَهُ وتعالى في كتابه الكريم ، لم يَجعَل عقدَة الّنكاح للمرأة ، ولم يُخاطبها بهذا ، بل كانَ يُخاطبُ الأولياء دائماً ، فيقول : ((فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)) ، ويقول : ((وَلاَ تُنكِحُواْ)) ، ويقول : ((فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)) ، وهذا كلّه فتصريحٌ بوجوب وجود الأولياء ، وأنّ النكاح لا يكون إلاّ بإذنهِم ، ولا موقعَ للزواج المؤقّت المُتعي هُنا ، فإن قيل : هذا للزواج الدائم . قلنا : فلِمَ لم يستثنِ الله ؟! ولِمَ لَمْ يَذكر الله في القرآن أحكام زواج المُتعَة كما فعَلَ في الزواج الدائم؟! .
6- زواجُ المُتعة يردّ آيَةً من كتاب الله تعالى : ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ )) [النور :02] ، وإنّما قُلنا أنّه يردّ آية تحريم الزّنا ، لأمرين اثنين ، الأوّل : أنّه لا يوجَدُ زناً بوجود زواج المُتَعة ، أبداً ، لأنّ الرّجل متى ما اجتمعَ بالمرأة ، والمرأة اجتمعَت بالرّجل ، فإنّهما سيتزوّجان بدلاً مِنْ أن يزنيا . الثّاني : أنّه لا يوجَد حدُّ للزناة ، بوجود زواج المُتعَة ، أبداً ، لأنّه لو استُشهِدَ عليهِم بالجُرم المشهود بِعشرةِ شهودٍ ، لادّعوا زواج المُتعَة ، ولو لم يَتمتّعوا ، لأنّ الشخص المُجترّئ على الزنا ، فهو عقلاً أجرأ على الكذب منه . نعم ! والله سبحانَه وتعالى فلا تنقُض آياتُه آياتِه ، وهو العليم الحكيم .
7- زواجُ المُتعة يردّ آيةً ثانيةً من كتاب الله تعالى : ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)) [النور:33] ، والله سُبحانَه وتعالى يأمُر مَن لا يستطيعُ على الزواج بالاستعفاف ، والصّبر والإمساك ، والمعلومُ أنّ هذه الآية تُخالفُ زواج المُتعَة ، إذ لو كانَت جائزةً شرعاً ، لما أمرَ الله الفقراء بالاستعفاف والصّبر ، بل لأمرَهُم بزواج المُتعَة المُؤقّت ، وهو الزواج صاحب الشروط اليسيرة المُسهّلَة التي يستطيعُ القيام بها الفقير قبل الغني . وهذا من الله سبحانه وتعالى فدليلٌ على أنّ لا زواج إلاّ الزواج الذي يعرفه المُسلمون ، الزّواج الدّائم . ناهيكَ أنّه لا صبرَ من الأصل ولا استعفاف من الأساس بوجود زواج المُتعَة . وهذا الوجهُ فنردّ به على مَن قالَ ما الحَلُّ إن لَم يكُن مقدرةٌ على الزواج الدائم ، فنقول : استَعْفِفْ واصبِر ذلكَ أقربُ للتقوى .
8- زواجُ المُتعة يردّ آيةً ثالثةً من كتاب الله تعالى : ((وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ... ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ)) [النساء:25] ، وهُنا تأمّل أنّ الله لا يدلّ إلاّ على الزواج الدّائم ، أو مِلك اليمين من الإمَاء ، وهذا فتصريحٌ بأن لاطريقَ للنكاح من غير هذين الوجهين ، وتأمّل أنّ الله لم يذكُر ملك اليمين إلاّ لمِنَ لم يجد (طَولاً) أي مَقدرةً ماليّة للوصول إلى الحرّة ، وهُو مع ذلكَ يخشى العنَت أي غلبَة الشّهوة، وإلاّ فالأولى الزواج الدائم بالمُحصناتِ المؤمنات من الحرائر ، لا مِنَ الإماء . والشّاهدُ هُنا : أنّ زواجَ المُتعَة لا خانَةُ له في الآيَة ، فمن تعذّرَ بخشية العنت ، فالوقوع في الزّنا، فإنّ الله لَم يُبِح له إلاّ نكاحَ الإماء من الموالي والرّقيق . فأينَ المُتعة في كلام الله أخي المُتعذرّ بالعنَت والخوف من الوقوع في الزّنا . إن قلتَ : خطابُ الله في نكاح المؤمنات المُحصنات ، يَدخل فيه الزواج الدائم ، وزواج المُتعَة . قُلنا : فأينَ نذهب بقول الله تعالى : ((وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً)) ، أي ومَن لم يستطعِ منكم الحصول على ما يمهرُ ويُنفقُ على الحرائر المؤمنات ، والمعلوم أنّ الإعسار هذا (عدَم الاستطاعَة على الطّول) لا ينطبقُ على زواج المُتعَة لتيسّره ، وسهولَة طَولِهِ ومُؤنَتِه ومَهرِه ، فلمَ يبقَ إلاّ أنّ النّكاح المقصود هُو النّكاح الدّائم دون نكاح المُتعَة . وبمعنى آخَر نقول : لو أنّ زواج المتعة مشروعٌ مِن قِبَل الشّارع ، لحثّ عليه مُباشرةً بعد الزّواج الدائم ، بدلاً من إشارته إلى الزّواج بالإماء .
9- زواجُ المُتعة يَعارض قَرار واستقرار الّنساء فِي بيوتهنّ ، ويُعارضُ حثّ الله لهنّ على عدم التبرّج ، قال جلّ شأنه : ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) [ الأحزاب:33] ، وذلكَ لأنّ المعلوم أنّ الرّجل لن يأتي ويخطب المرأة التي يُريدُ أن يتمتّع بها من أبيها أو وليّها ، أي لن يأتيَ بيتَها ، إن كانت ممّن يسكُنُ مع أهلِها ، فأينَ سيلتقي بها ؟! ، إن قُلتُم : يُواعِدُها خارجاً، ويتفقُ معها . قُلنا : قد أنكَرتُم أمراً آخَرَ وهُو نهي النّبي (ص) ، عن اختلاء الرّجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية ، وأبحتموه . نعم ! ونزيدُكم مُخالفاتٍ لقول الله والرّسول ، بقولنا : أنّ نكاحَ المُتعَة يُعارضُ الحِجاب والحِشمة ، وذلكَ أنّه لا يخفَى أنّ المرأة متى ما غطّت وجهَهَا وامتَثلَت لأمر الله والرّسول ، لَم تقَع في قلب الرّجل مُباشرَةً ، ولَن يخَشَ منها عنتاً في الغالب ، بعكس المرأة السّافرَة المُتبرّجة المُتزّينة المُتكشّفَة ، وعليهِ فإنّ النساء الرّاغبات في المُتعَة قد يسعينَ مُؤكّداً لإبراز مفاتنهنّ للرجّال ، بُغيةَ استجلابهنّ لزواج المُتعة ، لأنّ المرأة تعنتُ كما يعنتُ الرّجل ، إن لم يكُن استعفافٌ منها ولا صبر ، ولا استعفافٌ منه ولا صبر ، فلا سبيل إلاّ البحث والاستعراض . نعم ! وهذا كلّه فمن قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) [الأحزاب :59] . نعم ! ثمّ نزيدُكم مُخالفاتٍ لكتاب الله تعالى ، وذلكَ أنّ الله تعالى يقول ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)) [النور:30-31] ، وزواج المُتعَة فيُشجّع على تَعلّقِ أبصارِ الرّجالِ بالنّساء ، وأبصارُ النّساء بالرّجال ، سواءً كانت المرأة مُحتشمَةً مُتستّرة ، أو سافرةً مُتكشّفَة ، كلّ ذلك بُغيَة الحصول على زواجٍ فوريّ مُريح ، مع امرأةٍ إلى الحُسن أقرب ، أو مع رجل إلى الحُسن أقرب .
10- أنّ زواج المُتعة خالفَت عليه الأمّة جمعاً ، عدى الإمامية ،
[ زَواج المُتعَة من مَنظور رِوائي ]
هُنا ارتأينا ، أن نُعزّز كلام العقل و القرآن السّابق ، بأدلّة روائيّة لا يُختلفُ حول أهميّتها بإزاء ما سبقَ ، وبدأنا بالرّوايَات الجَعفَريّة
رِوايات جعفرية تُدين زواج المُتعة ]
1- ذكرَ الطوسي روايَة زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (ع) ، فقال : ((وأمّا مَا رَواه محمّد بن يحيى عن أبى جعفر عن أبى الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: ((حَرّمَ رَسول الله صلى الله عليه وآله يوم خَيبر لحوم الحمر الأهليّة ونِكاح المُتعة)). فَإنّ هَذه الرّوايَة وَرَدَت مَورد التقية وعلى مَا يَذهب إليه مُخالِفوا الشيعة)) [ تهذيب الأحكام :7/251]
ذكرَ الطوسي ، بالسند ، عن المعلّى بن خنيس ، أنّه قال ، (( ... ، قُلتُ [لأبي عبدالله] جُعِلت فِدَاك كَانَ المُسلمون على عَهد رَسول الله صلى الله عليه وآله يَتَزّوّجونَ بِغيرِ بَيّنة ؟ قَال: لا)) [تهذيب الأحكام:7/261] .
وزواجُ المُتعَة ، فليسَ إلاّ زواجاً بلا بيّنة بالاعتراف ، وحَمَل الطوسي هَذه الرّواية على أنّه لم يكُن أحداً في عهد رسول الله (ص) ، يتزوّجُ المُتَع ، وهذا فدليلٌ آخَر على تهافت القول بالمُتعَة .
3- ذكرَ المجلسي ، بالسند ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله (ع) ، أنّه قال مُتكلّماً عن المُتعَة : ((مَا تَفعَلُهَا عِندَنَا إلاّ الفَواجِر)) [بحار الأنوار:100/318].
تعليق : والفَواجِر فهي جَمع فَاجِرَة ، والفاجِرَة فهي المائلة عن سواء السّبيل ، وكذلك يُقال عن الفّاجر ، والمعلوم أنّ مَن مالَ عن سواء السّبيل فيما يخصّ الإسلام فقد خالفَ السنّة ، ومَن خالفَ السنّة خالفَ الكتاب ، ومَن خالفَ الكتاب خالفَ منهج الرّب تبارك وتعالى ، فكيفَ لو عَلِمنا أنّ وصف النّساء بالفجور يعني الزّنا في الغالب ، ففي هذا دليلٌ كبير على تحريم المُتعة .
4- يروي الشيخ الطوسي ، بالسند ، ((عن مَنصور الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بَأس بالرّجل أن يَتَمَتّع بِالمَجوسيّة)) . [الاستبصار:3/144] .
تعليق : المجوس بالإجماع مُشركين ، والله سُبحانه وتعالى قد حرّم الزواج بالمشركات، فيقول جلّ شأنه : ((وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)) [البقرة:221] ، وهذه فمُخالفة صريحة من الصادق (ع) ، لكتاب الله تعالى ، ونحنُ فنُنزّهُه عنها ، والرّوايات عن أهل البيت (ع) لو كانَت في شأن المُتعة صحيحة ، ما وجدنا أمثال هذه المُخالفَات فيها لكتاب الله تعالى ، وهذا فإن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على أنّ الواضع هُم غيرُ أهل البيت من الرّواة ، لأنّا نربأ بالصادق والباقر والكاظم عن أمثال هذه الهَفوات العِظام .
5- يروي العاملي ، بالسند ، ((عَن إسحَاق بن جرير قَال: قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ عِندنَا بِالكوفَة امرأةٌ مَعروفةٌ بالفجور [أي بالزّنا]، أيَحِلّ أنْ أتَزَوّجَهَا مُتعَة ؟ قَال: فَقَال: رَفَعَتْ رَايَة ؟ قُلتُ: لا، لَو رَفَعَتْ رَاية أخَذَهَا السلطان، قَال: نَعَم تَزوّجهَا مُتعَة، قَال: ثمّ أصغَى إلى بَعض مَواليه فَأسَرّ إليهِ شَيئا، فَلقِيتُ مَولاه فَقلتُ له: مَا قَال لَك ؟ فَقَال: إنّما قَال لِي: وَلو رَفَعَتْ رَايةَ مَا كَانَ عَليه فِي تَزويجِهَا شَيء ، إنّمَا يُخرِجُهَا مِنْ حَرامٍ إلى حَلال)) ، ويروي العاملي أيضاً ، بالسند ، ((عن علي بن يَقطين قَال: قُلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): نِسَاء أهل المَدينة، قَال: فَواسِق [أي زُناة] ، قلتُ: فَأتزوّج مِنهنّ ؟ قَال: نَعَم)) [ وسائل الشيعة:21/29] .
تعليق : والزّانيات فمُحرّم التزوّجُ بهنّ ، إلاّ مِن زانٍ مِثلُهنّ ، والله تعالى فيقول : ((الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) [النور:03] ، وهذه الفتاوى من أبي عبدالله وأبي الحسن ، فإنّها مُخالفةٌ لكتاب الله تعالى ، وهذا فليسَ منهم (وحاشَاهُم) ، وإنّما الذّنب ذنب من روى هذا ، ودوّنَهُ عنهُم بغير تأمّل ، والله المُستعان ، ونحنُ عندما نقول هذا ، فإنّا نشحذ العقول على التفكّر ، فإن هذا الاختلاف في قول عظماء آل الرسول مع الكتاب يجعلُنا نشكّ في أصل عقيدة المُتعة بالكلّية .
6- ذكر المجلسي ، بالسند ، ((عن عبد الله بن سنان قَال: سَألتُ أبَا عبد الله عليه السلام عَن المُتعَة فَقال: لا تُدنّس نَفسَكَ بِهَا)) [بحار الأنوار:100/318] ، وذكر المجلسي خبرَاً يُضادّه ، بالسند ، ((عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قَال لي أبو عبد الله عليه السلام: تَمَتّعْتَ مُنذُ خَرَجْتَ مِن أهلِك ؟ قُلتُ: لِكَثرَة مَن مَعي مِن الطّروقة أغنَانِي الله عنهَا قَال: وإنْ كُنتَ مُستَغنياً فَإنّي أُحِبّ أنْ تُحيِيَ سُنّةَ رسول الله صلى الله عليه وآله )) [بحار الأنوار:100/306] .
تعليق : وهَذا التضارب عندي فإنّه لا يُلحق بأهل بيت رسول الله (ص) ، وإنما يُلحَق بآراء الرّواة ، فمَن أعجَبتهُ المُتعَة وضعَ الخبر الثاني ، ومَنْ هُو مُحبٌّ وكارهٌ وضعَ الخبر الأول .
7- روى الشيخ المفيد ، بالسند ، قال : ((حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني الشيخ قال: قَال أبوالحسَن مُوسى بن جعفر عليهما السلام: ((لمّا أمَرَهُم [أمَرَ حاشِيَته] هارون الرشيد بِحَملِي دَخَلتُ عَليه، فَسَلّمتُ ، فَلم يَرُدّ السّلام وأريته مُغضَباً ، فَرمَى إليَّ بِطُومَار . فَقَال: اقرَأهُ . فَإذَا فِيه كَلامٌ قَدْ عَلِمَ الله عزّ وجَلّ بَرَاءَتِي مِنهُ [ تأمّل نفيَ الكاظم للكلام الموجود في الطومار ، وهُو يُخاطبُ رجلاً من شيعته ، الدامغاني ، فانظُر ماتبرّأَ منه الكاظم ] ، وَفِيه [أي في الطومار]: أنّ مُوسَى بن جعفر يُجبَى إليه خَرَاجُ الآفَاق مِنْ غُلاةِ الشّيعةِ مِمّن يَقولُ بِإمَامَتِهِ ، يَدينُونَ الله بِذَلكَ ويَزعُمونَ أنّه فَرضٌ عَليهِم إلى أنْ يَرِثَ الله الأرضَ وَمَنْ عَليهَا ، وَيزعُمون أنّه مَنْ لَمْ يُوهِب إليهِ العُشرَ ولَمْ يُصلّ بإمَامَتِهِم ، ويُحُجّ بِإذنِهِم ، ويُجَاهِدُ بَأمرِهِم ، وَيَحمل الغنية إليهِم ، وَيُفَضّلُ الائمّة على جَمِيع الخَلق ، وَيفرِض طَاعَتَهُم مِثل طَاعة الله وطاعَة رَسولِه، فَهو كَافِرٌ حَلالٌ مَالُه وَدَمُه ، وَفِيه كَلامُ شَنَاعَةٍ (تأمّل)، مِثلُ المتعَةِ بِلا شُهود (تأمّل) ، واستحلالُ الفروج بَأمرِه ولَو بِدِرهَم، و البَراءةُ مِنَ السّلف، ويَلعَنون عليهم في صلاتهِم، ويَزعمون أنّ مَنْ يَتَبَرّءُ مِنهُم فَقَد بَانَتْ امرَأتُه مِنه، ومَنْ أخّرَ الوقْتَ فَلا صَلاةَ لَهُ ، لِقول الله تَبَارَك وتعالى: ((أضَاعُوا الصّلوة واتّبعوا الشّهوات فَسوف يَلقون غيّا))، يَزعمون أنّه وَادٍ فِي جهنّم، والكِتَابُ طَويل ، وأنَا قَائمٌ أقْرَأ ، وَهُو [هارون] سَاكت ، فَرَفَعَ رَأسَه وَقَال: قَدْ اكتفَيتَ بِمَا قَرَأتَ ، فَكَلِّمْ بِحُجّتِكَ بِمَا قَرَأتَه، قُلتُ: يَا أمير المؤمنين والذي بَعَثَ محمّداً صلى الله عليه وآله بالنبوّة ، مَا حَمَلَ إليّ قَط أحَد دِرهماً ، ولا دِينَاراً مِن طَريقِ الخَراج، لكنّا مَعَاشر آل أبي طالِب نَقبَلُ الهديّة التي أحَلّهَا الله عزّو جل لِنبيّه عليه السلام فِي قوله : ((لو أُهدِيَ إليّ كِراع لَقَبِلتُه ، ولو دُعيتُ إلى ذراع لأجَبت)).... إلخ )) ، ملاحظَة / وليسَ في آخر الخبر ما ينقُض أوّله . [الاختصاص:54] .
تعليق : وهَذا فإنكارٌ وتبرٍّ صريح من الكاظم صلوات الله عليه ، ليس من عقيدة المتعة وحسب ، بل من جميع عقائد الجعفرية فيه ، ولا يفوتك أن تتأمّل جيّداً أنّه لم يَكن يُخاطبُ هارون بالتبري ، بل كان يُخاطبُ الدّامغاني من شيعته ، وهذا فيسدّ باب التقيّة .
8- روى العياشي ، بالسند ، ((عَن أبى عبد الله عليه السلام قَال: لا يَحِلّ لِمَاء الرّجل أن يَجرِيَ فِي أكثَرِ مِن أربَعَةِ أرحَامٍ مِنَ الحَرائر)) [تفسير العياشي:1/218] .
تعليق : وهذا فيُصادِم زواج المُتعَة ، لأنّ المعلوم أنّ زواج المُتعَة لا يكون من الأربع النّسوة ، ولا من السّبعين ، فضلاً عن الزوجات الدّائمات ، وهذا فلا يحلّ بنص أبي عبدالله الصادق صلوات الله عليه . فإن قيلَ : هذا لا ينطبقُ إلاّ على الزواج الدائم ، وهُوَ وجه قول الإمام دون المُتعَة . قُلنا : قد يكونُ لكم في هذا عُذر ، لو لم يُورد الإمام لفظة الحرائر من النّساء ، وإيرادهُ لها هُنا فيجعلُ سياقَ النّص شاملاً ، لا خاصّاً.
9- يقول الله تعالى : ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)) [النور:33] ، وأمْرُ الله بالاستعفاف لمِن لا يجدون قُدرة ماليّة على الزواج الدائم باتّباع طُرقّ شتّى ، أشارَ إليها فقهاء الجعفرية في تفاسيرهم ، فمنها : قول الفيض الكاشاني في الصافي والأصفى ، واللفظ للأصفى : ((قِيلَ: أي: لِيَجتَهِدُوا فِي قَمْعِ الشّهوةِ بالرّيَاضَة ، كَمَا وَرَدَ ((يَا مَعشَرَ الشبّان مَن استطَاعَ مِنكُم البَاءة فَليتزوّج، وَمَنْ لَمْ يَستَطِع فَعليهِ بالصّوم، فَإنّهُ لَهُ وجَاء)) ... أرادَ: أنّ الصومَ يَقطَعُ النّكاحَ كَمَا يَقطعُه الوجَاء)) [تفسير الصافي:3/433، تفسير الأصفى:2/845] ، نعم ! وهُنا رحِمَكَ الله لو كانَ زواجَ المتعة جائزاً شرعاً ، هَل كانَ الله سيحثّ على التعفف والصّبر؟!، الأمرُ الذي جعل الفيض الكاشاني يحثّ على ممُارسَة الرّياضة ، والصوم ؟!. فإن أنتَ وقفتَ على موضعِ الخلل هُنا ، فتأمّل مزيداً من حثّ فقهاء الجعفرية على مَن لم يكن لديه القُدرة على المهر والنفقة ، وهذا مؤكّد ليسَ إلاّ في الزواج الدّائم ، فيقول الطبرسي في مجمع البيان ، في تفسير الآية : ((هَذا أمْرٌ مِنَ الله تعالى لِمَن لا يَجِدُ السّبيلَ إلى أنْ يَتَزوّج، بأن لا يَجِدَ المَهر والنّفَقَة ، أو [لعلها ، أن] يَتعفف، ولا يَدخُلَ فِي الفَاحِشَة، ويَصبِر حتّى يُوسّع الله عَليه مِن رزقِه)) [مجمع البيان:7/245] ، وقريباُ منه ذكر السيد الطباطبائي [تفسير الميزان:15/113] .
تعليق : للأسَف أنّ أكثر المُتعلّقين بتحسين أو تجويز فكرة زواج المُتعَة ، يذهبونَ إلى أنّ هذا الزّواج هُو أفضلُ طريقٍ لكبح جِماح الغريزة الجنسية ، لمَن لا يستطيعُ على الزواج الدائم ، لأنّه في متناول الجميع ، والتشريعُ أو التحسين من هذا المُنطلَق فلا يجوز ، لأنّ الأهواء لا تُشرّع ، وهُو وإن ظهرَ فيه حَلاًّ لهذه المُشكلَة ، ففيه من النّقِمَ والبلاوي المُترتّبة عليه ما يفوقُ على مَحاسِنه ، والسبّب أن الله لم يرَهُ ، ونحنُ رأينَاه . وهُنا فسؤالٌ للعقول : لَو حُلّلَت الأغاني ، عُودُها ، ومِزمارُها ، وكلّ ما يَدخُلُ فيها من آلات اللهو والطّرب ، بُعذر مواكبَة العصر ، وأنّ النّاس لا يَمتنعون عنه ، أو زِدتُم في الخِداع لأنفُسِكم وقُلتم : يُغنّى بالعود والمزمار وتوابعها ، أغانٍ دينيّة ، تُطربُ النّاس وتحثّهم على التمسّك بالدّين . هل هذا التحليل عند أهل العقول يُرضي الله والرّسول ، إن قلتم : لا . قُلنا : ليسَ لكم إلاّ هذا الجواب ، لأنّ الأهواء غيرُ حاكمةٍ على الشّرع، والشّرع قد زُبِر . فكيفَ بالله نُجوّز نكاح المُتعَة لمُجرّد غلبَة الظنّ أنّ في هذا ما يحدّ من الزّنا ، والشرع قد زُبِر ، والوحي قد توقّف ، والسنّة قد مَضَت ، والله المُستعان ، ونحنُ بهذا الكلام الأخير نُخاطبُ مَن يرى عدم صراحَة دلالة الكتاب على تشريع زواج المُتعة ، ولكنّه يَرى فيه رُخصة تُحتّمها مُغريَات العَصر ، وهذا فهوىً واجتهادُ خالفَ كتاب الله تعالى ، لأنّ الأولى به أن يقول للشباب من المُراهقين عُفُّوا يرحمكم الله ، وعليكم بذكر الله ، وتقواه ، وعليكم بكثرة الصّيام ، واجتنابِ مواطن المُغريات، وإن التزمتُم بيوتَكم ، فالعُزلة في جانب الله ، أفضلُ من الاختلاط والمُعاشرَة للناس بوجود الشيطان وحزبه ، أليسَ قد حكى لنا رسولنا (ص) ، عن فِتن آخر الزّمان ، وورد أنّ القابض على دينِه المُتمسّك به كالقابِض على الجَمر ، لانتشار الفساد ، وسهولة الوصول للحرام ، فهلاّ قَبضنَا على الجمر ، وصَبرنا عن مُغريات هذا العصر الدّاعي إلى الزّنا ، بأن نسعى في كسب الحلال الذي يُمكّننا من الزواج الشرعيّ الدائم ، فإن لم نَجِد صبرنا طلباً لمرضاة الله ، والبُعد عن الزّنا ، وهذا فسيعرفُهُ الله لنا ، ويُثيبنا عليه ، وهذا هو الفوز العظيم ، وهُو بعكس ما يذهبُ إليه البعض من الترخيص في المُحرمات بُغيَة تقليل الفساد ، والله المُستعان ، ومَن يفعلُ هذا أو يقولُ به (مع معرفته لوجه الحُرمَة فيما رخّصَ فيه) ، فقد ردّ على الله حِكمته ، وادّعى من حيث لا يَشعر أنّه أفضلُ من الله في تشريع ما يصلحُ وما لا يصلحُ للعباد .
مع تحيات اخوكم الحسني
زواجُ المُتعة زواجٌ لا يرقَى إلى أيٍّ من الأُسسِ التي تقدّمت في الزواج الدّائم، وليسَ أيضاً يهدفُ إلا إلى إشباع الرّغبَة الجنسيّة الوقتيّة ، فلا هُو مُؤسَّسٌ على العزم على إتمام الحقوق ، والقيام بالواجبات بين الطّرفين ، ولا على المحبّة ، ولا المودّة ، ولا الرّحمَة ، ولا الإخلاص ، ولا التفاني ، ولا التضحية . وليس يهدفُ إلى السّكون ، ولا الرّاحة الدّائمة ، ولا التّناسل فضلاً عن السّعي في إيجاد أسرةٍ مُسلمةٍ مُتكافِلَة .
[ صِفَة زواج المُتعَة ]
زواج المُتعَة لا يِشترطُ فيه الوليّ للمرأة ، بل تقوم المرأة بتزويج نفسِها ، ولا يشترط وجود شهودٍ ، وفيه يُسمّون مهراً ، ويشترطون فيه عدم التوارث ، ثمّ لا طلاقَ فيه، بل إنّه ينتهي بانتهاء المُدّة المُحدّدة المُتّفق عليها مِن قِبَل الطّرفين . وصفَته اللفظية :
((زَوجِينِي نَفسَكِ مُتعةً على كتاب الله وسنّة نبيّه ، نِكاحاً غير سِفاح ، عَلى أنْ لا أرِثُكِ ولا تَرِثِيني ، ولا أطْلُبُ وَلَدَكِ إلى أجل مسمّى ، فإنْ بَدَا لِي زِدتُكِ وزِدتِينِي)) .
ومن صفته ، قولُ الرّجل للمرأة : ((أتَزَوجُكِ كَذَا وَكَذَا يَوماً ، بِكَذَا وكَذَا دِرهماً ، فَإذا مَضَت تِلكَ الأيّام كانَ طَلاقُهَا فِي شَرطِهَا)) .
[ زَواج المُتعَة من مَنظور شرعيّ وَواقِعِي ]
ومن صِفَة زواج المُتعة نجدُ أنّه زواجٌ لا يطمحُ إلاّ لتلبيَة رغبَة مؤقّتة ، وهي الرّغبة الجنسية ، وهذا فيمُكننا لأجله أن نُصنّفه زواجاً عشوائياً ، لخلوّه عن الهَدف الإلهي المنشود من الزواج ، ولكون الرّجل فيه لا يَطمحُ لزوجةٍ مُعيّنَة بشروطٍ مُعيّنة ، بل يَسعى من خلالها لأيّ امرأةٍ يجِدها فيتزوّجها ، وأهل الإسلام قاطبَة قد استبشعوا هذا الزواج بِفِطَرهِم العقليّة ، فكيفَ لو تظافرَ العقلُ والنّقل ، نعم ! ونحنُ فمُشيرونَ إلى تظافر العقل والنّقل في استهجان زواج المُتعة ، وعدم معقوليّة صدوره عن الشّارع الحكيم جلّ شأنه ، كلّ ذلك من عدّة أوجه عقليّة ونقليّة ، منها :
1- زواج المُتعَة افتقَرَ إلى رضا الأولياء وأخذِ الإذن منهم ، وهذا فيُخرِجُ النّساء من أيدي الرّجال ، ويُؤذنُ بفوضى رهيبَة في المُجتمَع الإسلامي لو تمكّن منهم هذا الاعتقاد ، فلو تخيّلنا قريةً ولا أقول مَدينة تُبيحُ زواج المُتعة ، وإباحته يَدخُلُ فيها ضِمناً عدم اشتراط الولي، نعم ! فلو تخيّلنا أباً ، عابداً ، مُصليّاً ، لا يَرى بناتَه إلاّ في اليوم أو اليومين ، وقد تصلُ إلى الأسبوع أو الأسبوعين ، وقد تطول المدّة أو تَقصر ، فيسألُ عن حالهِم فيجدهُم قد تزوّجن مرّة أو عدّة مرات في هذه المدّة ، زواج مُتعَة ، وهُو غافلٌ لا يدري !! ، وهذا فمُخالفٌ للمنزلة العظيمَة التي شرّف الله الإنسان بها ، ألا ترى الطوسي من الجعفرية يعترفُ بهذا ضِمناً فيقول : ((وأمّا مَا رَواهُ أحمد بن محمد عن أبى الحسن عن بَعضِ أصحَابنا يَرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام ، قال: لا تتمتع بالمؤمنَة فَتُذلّهَا. فَهَذا حَديثٌ مَقطوع الإسناد شَاذ، ويُحتمل أن يَكونَ المُرادُ بِه (تأمّل)، إذَا كَانَت المرأة مِن أهل بَيتِ الشّرف ، فَإنّه لا يَجوز التّمتّع بِهَا لِمَا يَلحق أهلها مِنَ العَار وَيلحَقُها هِي مِنَ الذّل وَيكون ذَلِكَ مَكروهاً ، دُون أن يكون محظوراً)) [تهذيب الأحكام:7/253] ، والله المُستعان .
2- زواج المُتعَة افتقرَ إلى الشّهود ، وافتقارهُ إلى الشهود ، مع اشتراطه للمهور ، قد يجعل المرأة عُرَضةً للاحتيال ، خصوصاً فيما تأخّر من المهور .
3- زواج المُتعَة افتقرَ إلى الشهود ، وافتقارُهُ إلى الشهود ، قد يُضيّع الأنساب ، خصوصاً مع إنكار الزوج .
4- زواجُ المُتعَة يفتقِر إلى التنظيم ، فَبِعَدَمِ وجود الأوليَاء ، قد لا يَضمن الرّجل أن يتزوّج بأحِد المُحرّمات عليه شرعاً ، فقد يتزوّج الرّجل بامرأةٍ قد تزوّجَها ابنه أو أبوه ، وقد يقعُ الرّجل على أختٍ له من الرّضاع ، والمعلوم أنّ أمثال هذا قد يَقَع في المُجتمع ، فكَم من رجُلٍ لا يُنقذهُ من العقد على أخته إلاّ شهادَة الشّهود ، باجتماع الحليب ، فكيفَ لو لم يكُن لا شهودٌ ولا أولياء ، بل أمرٌ أُبرِمَ في ليل !! ، وهذا فيُستبعدُ أن يُشرّعهُ أحكمُ الحاكمين ، فكيفَ لو اطّلعت على رواية الطوسي ، بالسند ، ((عَن فَضل مولى محمد بن راشد عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قُلتُ إنّي تَزوجتُ امرأةً مُتعَة ، فَوَقَعَ فِي نَفسِي أنَّ لَهَا زَوجَاً ، فَفَتّشتُ عَن ذَلكَ فَوجَدتُ لَهَا زَوجاً ، قال: وَلِمَ فَتّشت؟!)) [تهذيب الأحكام:7/253] ، والله المُستعان .
5- الله سُبحانَهُ وتعالى في كتابه الكريم ، لم يَجعَل عقدَة الّنكاح للمرأة ، ولم يُخاطبها بهذا ، بل كانَ يُخاطبُ الأولياء دائماً ، فيقول : ((فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)) ، ويقول : ((وَلاَ تُنكِحُواْ)) ، ويقول : ((فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)) ، وهذا كلّه فتصريحٌ بوجوب وجود الأولياء ، وأنّ النكاح لا يكون إلاّ بإذنهِم ، ولا موقعَ للزواج المؤقّت المُتعي هُنا ، فإن قيل : هذا للزواج الدائم . قلنا : فلِمَ لم يستثنِ الله ؟! ولِمَ لَمْ يَذكر الله في القرآن أحكام زواج المُتعَة كما فعَلَ في الزواج الدائم؟! .
6- زواجُ المُتعة يردّ آيَةً من كتاب الله تعالى : ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ )) [النور :02] ، وإنّما قُلنا أنّه يردّ آية تحريم الزّنا ، لأمرين اثنين ، الأوّل : أنّه لا يوجَدُ زناً بوجود زواج المُتَعة ، أبداً ، لأنّ الرّجل متى ما اجتمعَ بالمرأة ، والمرأة اجتمعَت بالرّجل ، فإنّهما سيتزوّجان بدلاً مِنْ أن يزنيا . الثّاني : أنّه لا يوجَد حدُّ للزناة ، بوجود زواج المُتعَة ، أبداً ، لأنّه لو استُشهِدَ عليهِم بالجُرم المشهود بِعشرةِ شهودٍ ، لادّعوا زواج المُتعَة ، ولو لم يَتمتّعوا ، لأنّ الشخص المُجترّئ على الزنا ، فهو عقلاً أجرأ على الكذب منه . نعم ! والله سبحانَه وتعالى فلا تنقُض آياتُه آياتِه ، وهو العليم الحكيم .
7- زواجُ المُتعة يردّ آيةً ثانيةً من كتاب الله تعالى : ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)) [النور:33] ، والله سُبحانَه وتعالى يأمُر مَن لا يستطيعُ على الزواج بالاستعفاف ، والصّبر والإمساك ، والمعلومُ أنّ هذه الآية تُخالفُ زواج المُتعَة ، إذ لو كانَت جائزةً شرعاً ، لما أمرَ الله الفقراء بالاستعفاف والصّبر ، بل لأمرَهُم بزواج المُتعَة المُؤقّت ، وهو الزواج صاحب الشروط اليسيرة المُسهّلَة التي يستطيعُ القيام بها الفقير قبل الغني . وهذا من الله سبحانه وتعالى فدليلٌ على أنّ لا زواج إلاّ الزواج الذي يعرفه المُسلمون ، الزّواج الدّائم . ناهيكَ أنّه لا صبرَ من الأصل ولا استعفاف من الأساس بوجود زواج المُتعَة . وهذا الوجهُ فنردّ به على مَن قالَ ما الحَلُّ إن لَم يكُن مقدرةٌ على الزواج الدائم ، فنقول : استَعْفِفْ واصبِر ذلكَ أقربُ للتقوى .
8- زواجُ المُتعة يردّ آيةً ثالثةً من كتاب الله تعالى : ((وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ... ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ)) [النساء:25] ، وهُنا تأمّل أنّ الله لا يدلّ إلاّ على الزواج الدّائم ، أو مِلك اليمين من الإمَاء ، وهذا فتصريحٌ بأن لاطريقَ للنكاح من غير هذين الوجهين ، وتأمّل أنّ الله لم يذكُر ملك اليمين إلاّ لمِنَ لم يجد (طَولاً) أي مَقدرةً ماليّة للوصول إلى الحرّة ، وهُو مع ذلكَ يخشى العنَت أي غلبَة الشّهوة، وإلاّ فالأولى الزواج الدائم بالمُحصناتِ المؤمنات من الحرائر ، لا مِنَ الإماء . والشّاهدُ هُنا : أنّ زواجَ المُتعَة لا خانَةُ له في الآيَة ، فمن تعذّرَ بخشية العنت ، فالوقوع في الزّنا، فإنّ الله لَم يُبِح له إلاّ نكاحَ الإماء من الموالي والرّقيق . فأينَ المُتعة في كلام الله أخي المُتعذرّ بالعنَت والخوف من الوقوع في الزّنا . إن قلتَ : خطابُ الله في نكاح المؤمنات المُحصنات ، يَدخل فيه الزواج الدائم ، وزواج المُتعَة . قُلنا : فأينَ نذهب بقول الله تعالى : ((وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً)) ، أي ومَن لم يستطعِ منكم الحصول على ما يمهرُ ويُنفقُ على الحرائر المؤمنات ، والمعلوم أنّ الإعسار هذا (عدَم الاستطاعَة على الطّول) لا ينطبقُ على زواج المُتعَة لتيسّره ، وسهولَة طَولِهِ ومُؤنَتِه ومَهرِه ، فلمَ يبقَ إلاّ أنّ النّكاح المقصود هُو النّكاح الدّائم دون نكاح المُتعَة . وبمعنى آخَر نقول : لو أنّ زواج المتعة مشروعٌ مِن قِبَل الشّارع ، لحثّ عليه مُباشرةً بعد الزّواج الدائم ، بدلاً من إشارته إلى الزّواج بالإماء .
9- زواجُ المُتعة يَعارض قَرار واستقرار الّنساء فِي بيوتهنّ ، ويُعارضُ حثّ الله لهنّ على عدم التبرّج ، قال جلّ شأنه : ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) [ الأحزاب:33] ، وذلكَ لأنّ المعلوم أنّ الرّجل لن يأتي ويخطب المرأة التي يُريدُ أن يتمتّع بها من أبيها أو وليّها ، أي لن يأتيَ بيتَها ، إن كانت ممّن يسكُنُ مع أهلِها ، فأينَ سيلتقي بها ؟! ، إن قُلتُم : يُواعِدُها خارجاً، ويتفقُ معها . قُلنا : قد أنكَرتُم أمراً آخَرَ وهُو نهي النّبي (ص) ، عن اختلاء الرّجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية ، وأبحتموه . نعم ! ونزيدُكم مُخالفاتٍ لقول الله والرّسول ، بقولنا : أنّ نكاحَ المُتعَة يُعارضُ الحِجاب والحِشمة ، وذلكَ أنّه لا يخفَى أنّ المرأة متى ما غطّت وجهَهَا وامتَثلَت لأمر الله والرّسول ، لَم تقَع في قلب الرّجل مُباشرَةً ، ولَن يخَشَ منها عنتاً في الغالب ، بعكس المرأة السّافرَة المُتبرّجة المُتزّينة المُتكشّفَة ، وعليهِ فإنّ النساء الرّاغبات في المُتعَة قد يسعينَ مُؤكّداً لإبراز مفاتنهنّ للرجّال ، بُغيةَ استجلابهنّ لزواج المُتعة ، لأنّ المرأة تعنتُ كما يعنتُ الرّجل ، إن لم يكُن استعفافٌ منها ولا صبر ، ولا استعفافٌ منه ولا صبر ، فلا سبيل إلاّ البحث والاستعراض . نعم ! وهذا كلّه فمن قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) [الأحزاب :59] . نعم ! ثمّ نزيدُكم مُخالفاتٍ لكتاب الله تعالى ، وذلكَ أنّ الله تعالى يقول ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)) [النور:30-31] ، وزواج المُتعَة فيُشجّع على تَعلّقِ أبصارِ الرّجالِ بالنّساء ، وأبصارُ النّساء بالرّجال ، سواءً كانت المرأة مُحتشمَةً مُتستّرة ، أو سافرةً مُتكشّفَة ، كلّ ذلك بُغيَة الحصول على زواجٍ فوريّ مُريح ، مع امرأةٍ إلى الحُسن أقرب ، أو مع رجل إلى الحُسن أقرب .
10- أنّ زواج المُتعة خالفَت عليه الأمّة جمعاً ، عدى الإمامية ،
[ زَواج المُتعَة من مَنظور رِوائي ]
هُنا ارتأينا ، أن نُعزّز كلام العقل و القرآن السّابق ، بأدلّة روائيّة لا يُختلفُ حول أهميّتها بإزاء ما سبقَ ، وبدأنا بالرّوايَات الجَعفَريّة
رِوايات جعفرية تُدين زواج المُتعة ]
1- ذكرَ الطوسي روايَة زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (ع) ، فقال : ((وأمّا مَا رَواه محمّد بن يحيى عن أبى جعفر عن أبى الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: ((حَرّمَ رَسول الله صلى الله عليه وآله يوم خَيبر لحوم الحمر الأهليّة ونِكاح المُتعة)). فَإنّ هَذه الرّوايَة وَرَدَت مَورد التقية وعلى مَا يَذهب إليه مُخالِفوا الشيعة)) [ تهذيب الأحكام :7/251]
ذكرَ الطوسي ، بالسند ، عن المعلّى بن خنيس ، أنّه قال ، (( ... ، قُلتُ [لأبي عبدالله] جُعِلت فِدَاك كَانَ المُسلمون على عَهد رَسول الله صلى الله عليه وآله يَتَزّوّجونَ بِغيرِ بَيّنة ؟ قَال: لا)) [تهذيب الأحكام:7/261] .
وزواجُ المُتعَة ، فليسَ إلاّ زواجاً بلا بيّنة بالاعتراف ، وحَمَل الطوسي هَذه الرّواية على أنّه لم يكُن أحداً في عهد رسول الله (ص) ، يتزوّجُ المُتَع ، وهذا فدليلٌ آخَر على تهافت القول بالمُتعَة .
3- ذكرَ المجلسي ، بالسند ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله (ع) ، أنّه قال مُتكلّماً عن المُتعَة : ((مَا تَفعَلُهَا عِندَنَا إلاّ الفَواجِر)) [بحار الأنوار:100/318].
تعليق : والفَواجِر فهي جَمع فَاجِرَة ، والفاجِرَة فهي المائلة عن سواء السّبيل ، وكذلك يُقال عن الفّاجر ، والمعلوم أنّ مَن مالَ عن سواء السّبيل فيما يخصّ الإسلام فقد خالفَ السنّة ، ومَن خالفَ السنّة خالفَ الكتاب ، ومَن خالفَ الكتاب خالفَ منهج الرّب تبارك وتعالى ، فكيفَ لو عَلِمنا أنّ وصف النّساء بالفجور يعني الزّنا في الغالب ، ففي هذا دليلٌ كبير على تحريم المُتعة .
4- يروي الشيخ الطوسي ، بالسند ، ((عن مَنصور الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بَأس بالرّجل أن يَتَمَتّع بِالمَجوسيّة)) . [الاستبصار:3/144] .
تعليق : المجوس بالإجماع مُشركين ، والله سُبحانه وتعالى قد حرّم الزواج بالمشركات، فيقول جلّ شأنه : ((وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)) [البقرة:221] ، وهذه فمُخالفة صريحة من الصادق (ع) ، لكتاب الله تعالى ، ونحنُ فنُنزّهُه عنها ، والرّوايات عن أهل البيت (ع) لو كانَت في شأن المُتعة صحيحة ، ما وجدنا أمثال هذه المُخالفَات فيها لكتاب الله تعالى ، وهذا فإن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على أنّ الواضع هُم غيرُ أهل البيت من الرّواة ، لأنّا نربأ بالصادق والباقر والكاظم عن أمثال هذه الهَفوات العِظام .
5- يروي العاملي ، بالسند ، ((عَن إسحَاق بن جرير قَال: قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ عِندنَا بِالكوفَة امرأةٌ مَعروفةٌ بالفجور [أي بالزّنا]، أيَحِلّ أنْ أتَزَوّجَهَا مُتعَة ؟ قَال: فَقَال: رَفَعَتْ رَايَة ؟ قُلتُ: لا، لَو رَفَعَتْ رَاية أخَذَهَا السلطان، قَال: نَعَم تَزوّجهَا مُتعَة، قَال: ثمّ أصغَى إلى بَعض مَواليه فَأسَرّ إليهِ شَيئا، فَلقِيتُ مَولاه فَقلتُ له: مَا قَال لَك ؟ فَقَال: إنّما قَال لِي: وَلو رَفَعَتْ رَايةَ مَا كَانَ عَليه فِي تَزويجِهَا شَيء ، إنّمَا يُخرِجُهَا مِنْ حَرامٍ إلى حَلال)) ، ويروي العاملي أيضاً ، بالسند ، ((عن علي بن يَقطين قَال: قُلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): نِسَاء أهل المَدينة، قَال: فَواسِق [أي زُناة] ، قلتُ: فَأتزوّج مِنهنّ ؟ قَال: نَعَم)) [ وسائل الشيعة:21/29] .
تعليق : والزّانيات فمُحرّم التزوّجُ بهنّ ، إلاّ مِن زانٍ مِثلُهنّ ، والله تعالى فيقول : ((الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) [النور:03] ، وهذه الفتاوى من أبي عبدالله وأبي الحسن ، فإنّها مُخالفةٌ لكتاب الله تعالى ، وهذا فليسَ منهم (وحاشَاهُم) ، وإنّما الذّنب ذنب من روى هذا ، ودوّنَهُ عنهُم بغير تأمّل ، والله المُستعان ، ونحنُ عندما نقول هذا ، فإنّا نشحذ العقول على التفكّر ، فإن هذا الاختلاف في قول عظماء آل الرسول مع الكتاب يجعلُنا نشكّ في أصل عقيدة المُتعة بالكلّية .
6- ذكر المجلسي ، بالسند ، ((عن عبد الله بن سنان قَال: سَألتُ أبَا عبد الله عليه السلام عَن المُتعَة فَقال: لا تُدنّس نَفسَكَ بِهَا)) [بحار الأنوار:100/318] ، وذكر المجلسي خبرَاً يُضادّه ، بالسند ، ((عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قَال لي أبو عبد الله عليه السلام: تَمَتّعْتَ مُنذُ خَرَجْتَ مِن أهلِك ؟ قُلتُ: لِكَثرَة مَن مَعي مِن الطّروقة أغنَانِي الله عنهَا قَال: وإنْ كُنتَ مُستَغنياً فَإنّي أُحِبّ أنْ تُحيِيَ سُنّةَ رسول الله صلى الله عليه وآله )) [بحار الأنوار:100/306] .
تعليق : وهَذا التضارب عندي فإنّه لا يُلحق بأهل بيت رسول الله (ص) ، وإنما يُلحَق بآراء الرّواة ، فمَن أعجَبتهُ المُتعَة وضعَ الخبر الثاني ، ومَنْ هُو مُحبٌّ وكارهٌ وضعَ الخبر الأول .
7- روى الشيخ المفيد ، بالسند ، قال : ((حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني الشيخ قال: قَال أبوالحسَن مُوسى بن جعفر عليهما السلام: ((لمّا أمَرَهُم [أمَرَ حاشِيَته] هارون الرشيد بِحَملِي دَخَلتُ عَليه، فَسَلّمتُ ، فَلم يَرُدّ السّلام وأريته مُغضَباً ، فَرمَى إليَّ بِطُومَار . فَقَال: اقرَأهُ . فَإذَا فِيه كَلامٌ قَدْ عَلِمَ الله عزّ وجَلّ بَرَاءَتِي مِنهُ [ تأمّل نفيَ الكاظم للكلام الموجود في الطومار ، وهُو يُخاطبُ رجلاً من شيعته ، الدامغاني ، فانظُر ماتبرّأَ منه الكاظم ] ، وَفِيه [أي في الطومار]: أنّ مُوسَى بن جعفر يُجبَى إليه خَرَاجُ الآفَاق مِنْ غُلاةِ الشّيعةِ مِمّن يَقولُ بِإمَامَتِهِ ، يَدينُونَ الله بِذَلكَ ويَزعُمونَ أنّه فَرضٌ عَليهِم إلى أنْ يَرِثَ الله الأرضَ وَمَنْ عَليهَا ، وَيزعُمون أنّه مَنْ لَمْ يُوهِب إليهِ العُشرَ ولَمْ يُصلّ بإمَامَتِهِم ، ويُحُجّ بِإذنِهِم ، ويُجَاهِدُ بَأمرِهِم ، وَيَحمل الغنية إليهِم ، وَيُفَضّلُ الائمّة على جَمِيع الخَلق ، وَيفرِض طَاعَتَهُم مِثل طَاعة الله وطاعَة رَسولِه، فَهو كَافِرٌ حَلالٌ مَالُه وَدَمُه ، وَفِيه كَلامُ شَنَاعَةٍ (تأمّل)، مِثلُ المتعَةِ بِلا شُهود (تأمّل) ، واستحلالُ الفروج بَأمرِه ولَو بِدِرهَم، و البَراءةُ مِنَ السّلف، ويَلعَنون عليهم في صلاتهِم، ويَزعمون أنّ مَنْ يَتَبَرّءُ مِنهُم فَقَد بَانَتْ امرَأتُه مِنه، ومَنْ أخّرَ الوقْتَ فَلا صَلاةَ لَهُ ، لِقول الله تَبَارَك وتعالى: ((أضَاعُوا الصّلوة واتّبعوا الشّهوات فَسوف يَلقون غيّا))، يَزعمون أنّه وَادٍ فِي جهنّم، والكِتَابُ طَويل ، وأنَا قَائمٌ أقْرَأ ، وَهُو [هارون] سَاكت ، فَرَفَعَ رَأسَه وَقَال: قَدْ اكتفَيتَ بِمَا قَرَأتَ ، فَكَلِّمْ بِحُجّتِكَ بِمَا قَرَأتَه، قُلتُ: يَا أمير المؤمنين والذي بَعَثَ محمّداً صلى الله عليه وآله بالنبوّة ، مَا حَمَلَ إليّ قَط أحَد دِرهماً ، ولا دِينَاراً مِن طَريقِ الخَراج، لكنّا مَعَاشر آل أبي طالِب نَقبَلُ الهديّة التي أحَلّهَا الله عزّو جل لِنبيّه عليه السلام فِي قوله : ((لو أُهدِيَ إليّ كِراع لَقَبِلتُه ، ولو دُعيتُ إلى ذراع لأجَبت)).... إلخ )) ، ملاحظَة / وليسَ في آخر الخبر ما ينقُض أوّله . [الاختصاص:54] .
تعليق : وهَذا فإنكارٌ وتبرٍّ صريح من الكاظم صلوات الله عليه ، ليس من عقيدة المتعة وحسب ، بل من جميع عقائد الجعفرية فيه ، ولا يفوتك أن تتأمّل جيّداً أنّه لم يَكن يُخاطبُ هارون بالتبري ، بل كان يُخاطبُ الدّامغاني من شيعته ، وهذا فيسدّ باب التقيّة .
8- روى العياشي ، بالسند ، ((عَن أبى عبد الله عليه السلام قَال: لا يَحِلّ لِمَاء الرّجل أن يَجرِيَ فِي أكثَرِ مِن أربَعَةِ أرحَامٍ مِنَ الحَرائر)) [تفسير العياشي:1/218] .
تعليق : وهذا فيُصادِم زواج المُتعَة ، لأنّ المعلوم أنّ زواج المُتعَة لا يكون من الأربع النّسوة ، ولا من السّبعين ، فضلاً عن الزوجات الدّائمات ، وهذا فلا يحلّ بنص أبي عبدالله الصادق صلوات الله عليه . فإن قيلَ : هذا لا ينطبقُ إلاّ على الزواج الدائم ، وهُوَ وجه قول الإمام دون المُتعَة . قُلنا : قد يكونُ لكم في هذا عُذر ، لو لم يُورد الإمام لفظة الحرائر من النّساء ، وإيرادهُ لها هُنا فيجعلُ سياقَ النّص شاملاً ، لا خاصّاً.
9- يقول الله تعالى : ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)) [النور:33] ، وأمْرُ الله بالاستعفاف لمِن لا يجدون قُدرة ماليّة على الزواج الدائم باتّباع طُرقّ شتّى ، أشارَ إليها فقهاء الجعفرية في تفاسيرهم ، فمنها : قول الفيض الكاشاني في الصافي والأصفى ، واللفظ للأصفى : ((قِيلَ: أي: لِيَجتَهِدُوا فِي قَمْعِ الشّهوةِ بالرّيَاضَة ، كَمَا وَرَدَ ((يَا مَعشَرَ الشبّان مَن استطَاعَ مِنكُم البَاءة فَليتزوّج، وَمَنْ لَمْ يَستَطِع فَعليهِ بالصّوم، فَإنّهُ لَهُ وجَاء)) ... أرادَ: أنّ الصومَ يَقطَعُ النّكاحَ كَمَا يَقطعُه الوجَاء)) [تفسير الصافي:3/433، تفسير الأصفى:2/845] ، نعم ! وهُنا رحِمَكَ الله لو كانَ زواجَ المتعة جائزاً شرعاً ، هَل كانَ الله سيحثّ على التعفف والصّبر؟!، الأمرُ الذي جعل الفيض الكاشاني يحثّ على ممُارسَة الرّياضة ، والصوم ؟!. فإن أنتَ وقفتَ على موضعِ الخلل هُنا ، فتأمّل مزيداً من حثّ فقهاء الجعفرية على مَن لم يكن لديه القُدرة على المهر والنفقة ، وهذا مؤكّد ليسَ إلاّ في الزواج الدّائم ، فيقول الطبرسي في مجمع البيان ، في تفسير الآية : ((هَذا أمْرٌ مِنَ الله تعالى لِمَن لا يَجِدُ السّبيلَ إلى أنْ يَتَزوّج، بأن لا يَجِدَ المَهر والنّفَقَة ، أو [لعلها ، أن] يَتعفف، ولا يَدخُلَ فِي الفَاحِشَة، ويَصبِر حتّى يُوسّع الله عَليه مِن رزقِه)) [مجمع البيان:7/245] ، وقريباُ منه ذكر السيد الطباطبائي [تفسير الميزان:15/113] .
تعليق : للأسَف أنّ أكثر المُتعلّقين بتحسين أو تجويز فكرة زواج المُتعَة ، يذهبونَ إلى أنّ هذا الزّواج هُو أفضلُ طريقٍ لكبح جِماح الغريزة الجنسية ، لمَن لا يستطيعُ على الزواج الدائم ، لأنّه في متناول الجميع ، والتشريعُ أو التحسين من هذا المُنطلَق فلا يجوز ، لأنّ الأهواء لا تُشرّع ، وهُو وإن ظهرَ فيه حَلاًّ لهذه المُشكلَة ، ففيه من النّقِمَ والبلاوي المُترتّبة عليه ما يفوقُ على مَحاسِنه ، والسبّب أن الله لم يرَهُ ، ونحنُ رأينَاه . وهُنا فسؤالٌ للعقول : لَو حُلّلَت الأغاني ، عُودُها ، ومِزمارُها ، وكلّ ما يَدخُلُ فيها من آلات اللهو والطّرب ، بُعذر مواكبَة العصر ، وأنّ النّاس لا يَمتنعون عنه ، أو زِدتُم في الخِداع لأنفُسِكم وقُلتم : يُغنّى بالعود والمزمار وتوابعها ، أغانٍ دينيّة ، تُطربُ النّاس وتحثّهم على التمسّك بالدّين . هل هذا التحليل عند أهل العقول يُرضي الله والرّسول ، إن قلتم : لا . قُلنا : ليسَ لكم إلاّ هذا الجواب ، لأنّ الأهواء غيرُ حاكمةٍ على الشّرع، والشّرع قد زُبِر . فكيفَ بالله نُجوّز نكاح المُتعَة لمُجرّد غلبَة الظنّ أنّ في هذا ما يحدّ من الزّنا ، والشرع قد زُبِر ، والوحي قد توقّف ، والسنّة قد مَضَت ، والله المُستعان ، ونحنُ بهذا الكلام الأخير نُخاطبُ مَن يرى عدم صراحَة دلالة الكتاب على تشريع زواج المُتعة ، ولكنّه يَرى فيه رُخصة تُحتّمها مُغريَات العَصر ، وهذا فهوىً واجتهادُ خالفَ كتاب الله تعالى ، لأنّ الأولى به أن يقول للشباب من المُراهقين عُفُّوا يرحمكم الله ، وعليكم بذكر الله ، وتقواه ، وعليكم بكثرة الصّيام ، واجتنابِ مواطن المُغريات، وإن التزمتُم بيوتَكم ، فالعُزلة في جانب الله ، أفضلُ من الاختلاط والمُعاشرَة للناس بوجود الشيطان وحزبه ، أليسَ قد حكى لنا رسولنا (ص) ، عن فِتن آخر الزّمان ، وورد أنّ القابض على دينِه المُتمسّك به كالقابِض على الجَمر ، لانتشار الفساد ، وسهولة الوصول للحرام ، فهلاّ قَبضنَا على الجمر ، وصَبرنا عن مُغريات هذا العصر الدّاعي إلى الزّنا ، بأن نسعى في كسب الحلال الذي يُمكّننا من الزواج الشرعيّ الدائم ، فإن لم نَجِد صبرنا طلباً لمرضاة الله ، والبُعد عن الزّنا ، وهذا فسيعرفُهُ الله لنا ، ويُثيبنا عليه ، وهذا هو الفوز العظيم ، وهُو بعكس ما يذهبُ إليه البعض من الترخيص في المُحرمات بُغيَة تقليل الفساد ، والله المُستعان ، ومَن يفعلُ هذا أو يقولُ به (مع معرفته لوجه الحُرمَة فيما رخّصَ فيه) ، فقد ردّ على الله حِكمته ، وادّعى من حيث لا يَشعر أنّه أفضلُ من الله في تشريع ما يصلحُ وما لا يصلحُ للعباد .
مع تحيات اخوكم الحسني