نسايم
18-12-2008, 06:07 AM
تحقيق في تاريخ ولادة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السّلام
ممّا يُثير العجب أنّ تاريخ ولادة فاطمة الزهراء عليها السّلام سيّدة نساء العالمين من الموضوعات التي اختلفت الآراء في شأنها؛ فقد صرّحت طائفة كبيرة من الأحاديث ـ وغالبها مرويّ عن أهل البيت عليهم السّلام، وهم أدرى بأُمّهم من سواهم ـ بأنّ ولادتها المباركة كانت بعد المبعث الشريف، بينما تذكر طائفة أخرى من الأحاديث والأقوال ـ ومعظمها عن طريق علماء السنّة ـ بأنّها عليها السّلام وُلدت قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله بخمس سنين ـ وتحاول هذه المقالة تسليط الأضواء على هذا الموضوع، آخذة بنظر الاعتبار الحقائق التاريخية المسلّمة التي تكتفه.
خديجة بنت خويلد: أمّ الزهراء عليها السّلام
أُمّ الزهراء عليها السّلام هي السيّدة خديجة بنت خويلد، وقد اشتهر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله تزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي بنت أربعين سنة، وروى البعض أنّها كانت ابنة ثمان وعشرين سنة (1).
وقد انحصر نسل النبيّ صلّى الله عليه وآله في خديجة، خلا ابنه إبراهيم الذي وُلد من مارية القبطيّة وتوفي صغيراً. وأجمع علماء المسلمين على أنّ السيّدة خديجة ولدت للنبيّ القاسم وعبدالله ( وماتا صغيرَين ) وزينب ورقيّة وأم كلثوم وفاطمة عليها السّلام (2)، وزاد بعضهم في أولاد خديجة: الطاهر ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله (3)، وذكر بعض المؤرّخين أنّ بنات النبيّ صلّى الله عليه وآله كلّهن أدركن الإسلام (4)، ونَصّ عدد منهم على أنّ جميع أولاد خديجة وُلدوا بعد البعثة (5).
أمّا وفاة هذه السيّدة الجليلة، فقد ذكر البعض (6) أنّها توفّيت لسبعٍ مَضَين من البعثة، وذكر آخرون (7) بأنّها توفّيت لسنة عشر من البعثة ( قبل الهجرة بثلاث سنين )، وروي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّها توفّيت قبل الهجرة بسنة واحدة، وأنّ أبا طالب مات بعدها بسنة (8).
ولادة الزهراء عليها السّلام
روى طائفة من علماء الشيعة أنّ الزهراء عليها السّلام وُلدت بعد البعثة بخمس سنوات (9)، ونصّ بعضهم على ولادتها بعد البعثة بخمس سنوات وقريش تبني البيت (10)، واختار بعضهم ـ كالشيخ المفيد في حدائق الرياض والكفعمي ـ أنّ ولادتها عليها السّلام كانت في سنة اثنتين من المبعث (11).
وروى الشيخ الكليني عن الإمام زين العابدين عليه السّلام ( في حديث طويل )، قال: لم يولد لرسول الله صلّى الله عليه وآله على فِطرة الإسلام إلاّ فاطمة عليها السّلام (12).
بينما روى طائفة من علماء السنّة أنّها عليها السّلام ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وقريش تبني البيت (13) ونصّ بعضهم على أنّ فاطمة عليها السّلام ولدت في سنة احدى وأربعين من مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله، أي بعد البعثة بسنة واحدة (14).
ومن الطبيعي أن الاختلاف الكبير في تاريخ الولادة ( قبل البعثة أو بعدها ) سينجرّ كذلك إلى الاختلاف في تحديد عمر الزهراء البتول عليها السّلام بما يقرب من عشر سنوات، فبينما يصرّح علماء الشيعة بأنّها عليها السّلام توفيت وعمرها ثمانية عشر عاماً، يذكر علماء السنّة أنّ عمرها الشريف عند وفاتها ناهز التاسعة والعشرين (15).
وقد أجمع علماء المسلمين على أنّ الزهراء عليها السّلام كانت أصغر بنات النبيّ صلّى الله عليه وآله (16).
يُرجّح ولادة الزهراء عليها السّلام بعد البعثة
هناك طائفة من الروايات المتكاثرة والحقائق التاريخيّة المسلّمة التي ترجّح كونَ الزهراء عليها السّلام وُلدت بعد البعثة وليس قبلها، منها:
أ ـ الروايات الكثيرة التي نقلها علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، التي تنصّ على أنّ فاطمة عليها السّلام وُلدت بعد الإسراء، من ثمر من ثمار الجنّة تناوله النبيّ صلّى الله عليه وآله فاستحال نُطفة في صُلبه، ومن تلك الروايات:
• روى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام الرضا عليه السّلام، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: لمّا عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة فناولني من رُطَبها، فأكلتُه فتحوّل ذلك نُطفة في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة (17).
• وروى الطبراني بإسناده عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لمّا أُسري بي إلى السماء أُدخلتُ الجنّة، فوقفتُ على شجرة من أشجار الجنّة لم أرَ في الجنّة أحسن منها ولا أبيض وَرَقاً ولا أطيب ثمرة، فتناولتُ ثمرةً من ثمارها فأكلتُها، فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة رضي الله عنها، فإذا أنا اشتقتُ إلى ريح الجنّة شممتُ ريح فاطمة (18).
• وروى الحاكم في المستدرك عن سعد بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنّة فأكلتُها ليلةَ أُسري بي، فعَلِقَت خديجة بفاطمة، فكنتُ إذا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رقبة فاطمة (19).
• وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن عائشة، قالت: قلتُ: يا رسول الله، مالَكَ إذا جاءت فاطمة قبّلتَها حتّى تجعل لسانكَ في فيها، كأنّك تريد أن تُلعِقَها عَسَلاً ؟! قال: نعم يا عائشة، إنّي لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريلُ الجنّة فناولني منها تفّاحة، فأكلتُها فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة، كلمّا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتُها (20).
• وروى المحبّ الطبري عن ابن عبّاس، قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يُكثر القُبَل لفاطمة عليها السّلام، فقالت له عائشة: إنّك تُكثر تقبيل فاطمة!!
فقال: إنّ جبريل ليلةَ أُسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صُلبي، فحملتْ خديجةُ بفاطمة، فإذا اشتقتُ لتلك الثمار قبّلتُ فاطمة فأصبتُ من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتُها (21).
• وروى الخوارزمي عن عائشة، قالت: كنت أرى رسول الله صلّى الله عليه وآله يُقبّل فاطمة، فقلت: يا رسول الله، إنّي أراك تفعل شيئاً ما كنتُ أراك تفعله من قبل! فقال: يا حُمَيراء، إنّه لمّا كان ليلة أُسري بي إلى السماء أُدخلتُ الجنّة فوقفتُ على شجرة من شجر الجنّة لم أرَ في الجنّة شجرة هي أحسن حُسناً، ولا أبضّ منها ورقةً، ولا أطيب ثمرة، فتناولتُ ثمرةً من ثمرتها فأكلتُها، فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة، فإذا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة فاطمة. يا حُميراء، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين، ولا تَعْتَلّ كما يَعتَلِلْن (22).
ب ـ الروايات الكثيرة التي نقلها علماء المسلمين، التي تنصّ على أنّ فاطمة عليها السّلام حوراء آدميّة، ومنها:
• روى الخطيب البغدادي عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تَحِض ولم تَطمث، وإنّما سمّاها ( الله تعالى ) فاطمة لأنّ الله فَطَمها ومحبّيها عن النار (23).
• وروى محبّ الدين الطبري عن جابر مرفوعاً: ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تَحِض ولم تَطمث، وإنّما سمّاها الله فاطمة لأنّ الله فطمها ووُلدها عن النار (24).
• وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا عليه السّلام حديث إسراء النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الجنّة، وجاء في آخره: ففاطمة حوريّة إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة (25).
ج ـ الروايات التي نقلها علماء المسلمين التي نصّت على أنّ تسمية فاطمة عليها السّلام كانت من قِبل الله تعالى، ممّا يؤيد كونَ ولادتها بعد بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله، إذ كيف يُسميّها الله تعالى وهو لم يَبعث نبيّه بعدُ ولم يُهبط عليه ملائكته ؟!
ومن تلك الروايات:
• روى محبّ الدين الطبري عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ ابنتي فاطمة حوراء لم تَحِض ولم تطمث، وإنّما سمّاها فاطمة لأن الله عزّوجلّ فطمها ومحبّيها عن النار (26).
• وروى ابن حجر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا فاطمة، لِمَ سُمّيتِ فاطمة ؟ قال علي: لم سُمّيتْ فاطمة يا رسول الله ؟ قال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله فطمها وذرّيّتها من النار (27).
• وروى محبّ الدين الطبري عن عليّ عليه السّلام مرفوعاً: يا فاطمة، تدرين لم سُمّيتِ فاطمة ؟ قلتُ: يا رسول الله، لِمَ سُمّيت فاطمة ؟ قال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله عزّوجلّ قال: قد فطمتُها وذريّتها عن النار يوم القيامة (28).
• وروى ابن شهرآشوب عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّما سُمّيت ابنتي « فاطمة »، لأنّ الله فطمها وفطم محبيّها عن النار (29).
د ـ الروايات التي ورد فيها قصّة حمل السيّدة خديجة بفاطمة الزهراء عليهما السّلام، وجاء فيها أنّ الزهراء عليها السّلام كانت تُحدّث أمّها وهي جنين في بطنها وتؤنسها، وأنّ أربع نسوة هبطن على خديجة عند ولادتها فتولّينَ أمرها، وأن تلكم النسوة كنّ: حوّاء سيّدة البشر، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فِرعون، وكَلْثَم أخت النبيّ موسى عليه السّلام. ومن تلك الروايات:
• روى محبّ الدين الطبري عن خديجة رضي الله عنها، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: أتاني جبرئيل بتفّاحة من الجنّة، فأكلتُها وواقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة. قالت: إنّي حملتُ بفاطمة حملاً خفيفاً، و ( كانت ) تحدّثني في بطني، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني، فلمّا أرادت أن تضع... دخل عليها أربع نسوة عليهنّ من الجمال والنور مَا لا يُوصف، فقالت إحداهنّ: أنا أمّكِ حوّاء، وقالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أمّ عيسى، جئنا لنلي من أمركِ ما تلي النساء. فولدت فاطمة، فوقعتْ حين وقعت على الأرض ساجدةً رافعةً إصبَعها ( بالتشهّد بالتوحيد ) (30).
• وروى الفتّال النيسابوري عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث ولادة فاطمة عليها السّلام، قال: إنّ خديجة لمّا تزوّج بها رسول الله صلّى الله عليه وآله هجرها نسوةُ مكّة، وكنّ لا يدخلنَ عليها ولا يُسلّمن عليها، ويمنعنَ امرأةً أرادت أن تدخل إليها، فاستوحشتْ خديجة لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليها، فلمّا حملتْ بفاطمة كانت فاطمة عليها السّلام تحدّثها من بطنها وتُصبّرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدّثين ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني. قال: يا خديجة، هذا جبرئيل عليه السّلام يُبشّرني أنّها ابنتي، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة، ويجعلهم خلفاء في أرضه ـ الحديث. وفي آخره قصّة النساء الأربع اللاتي حضرنَ ولادتها وتولّين أمرها (31).
هـ ـ الروايات التي ذكرت قصّة نبز العاص بن وائل السَّهمي لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وتعييره له عند وفاة ولده عبدالله، وقوله عنه إنّه أبتر، وإنزال الله تعالى سورة الكوثر ردّاً عليه، ومن تلك الروايات:
• روى الواحدي النيسابوري في ( أسباب النزول ) عن ابن العاص، قال: نزلت سورة الكوثر في العاص ( بن وائل السهمي )، وذلك أنّه رأى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يخرج من المسجد وهو يَدخُل، فالتَقَيا عند باب بني سهم وتحدّثا ـ وأُناس من صناديد قُريش في المسجد جلوس ـ فلمّا دخل العاص قالوا له: مَن الذي كنتَ تحدّث ؟ قال: ذاك الأبتر! يعني النبيّ صلوات الله وسلامه عليه ـ وكان قد تُوفّي قبل ذلك عبدُالله ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان من خديجة ـ وكانوا يُسمُّون مَن ليس له ابنٌ أبتر، فأنزل الله تعالى هذه السورة (32).
• روى الطبرسي في تفسير « الكوثر » أنّه هو كثرة النسل والذريّة، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السّلام حتّى لا يُحصى عَدَدهُم، واتّصل إلى يوم القيامة مَدَدُهم (33).
و ـ الروايات التي نقلت خطبة أبي بكر وخطبة عمر لفاطمة عليها السّلام واعتذار رسول الله صلّى الله عليه وآله لهما بأنّها صغيرة، وكانا قد خطباها في المدينة بعد هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله إليها، ولو كانت الزهراء عليها السّلام قد ولدت قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله بخمس سنين، لكان عمرها بعد هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة أكثر من 18 سنة ـ حيث أجمع علماء المسلمين على أنّه صلّى الله عليه وآله بقي في مكّة 13 سنة ـ ولا يُعقل أن يعتذر النبيّ صلّى الله عليه وآله بصغر عمر الزهراء عليها السّلام إذا كان عمرها قد تجاوز 18 سنة. أما إذا نظرنا إلى الروايات التي تذكر أنّ فاطمة عليها السّلام ولدت قبل مبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله بسبع سنين وستّة أشهر (34) فإنّ عمرها الشريف بعد الهجرة سيكون قد تجاوز العشرين!! وهل يُعقل ـ من جانب آخر ـ أن لا يكون أحد قد تقدّم لخطبتها عليها السّلام حتّى ذلك الحين طمعاً في نيل شرف الدنيا والآخرة بمُصاهرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، خاصّة بعد أن سمعوه صلّى الله عليه وآله يقول كراراً ومراراً: كلّ سَبب ونسب مُنقطعٌ يوم القيامة، إلاّ سَببي ونسبي! (35).
• أخرج النسائي وأحمد بن حنيل عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: خطب أبو بكر فاطمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّها صغيرة، وإنّي أنتظر بها القضاء. فلقيه عمر فأخبره، فقال: رَدَّك، ثمّ خطبها عمر فردّه، ثمّ خطبها عليّ عليه السّلام فزوّجه إيّاها، وقال: إنّ الله أمرني أن أزوّج عليّاً فاطمة (36).
• وروى ابن شهرآشوب عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وابن عبّاس، وابن مسعود، وجابر الأنصاريّ، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأمّ سَلَمة، أنّ أبا بكر وعُمر خطبا إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فاطمة مرّة بعد أخرى فردّهما (37).
ز ـ الروايات التي نصّت على عُمر الزهراء عليها السّلام عند زواجها في السنة الثانية للهجرة، وذكرت أنّ عمرها الشريف كان يومداك 15 سنة وخمسة أشهر ونصف، وهو يتعارض مع كونها وُلدت قبل البعثة بخمس سنين.
• وروى ابن عبد البرّ في « الاستيعاب »، وابن حجر في « التهذيب » أنّ عليّاً تزوّج فاطمة في السنة الثانية من الهجرة، وأن سنّ الزهراء عليها السّلام يوم تزويجها كان 15 سنة وخمسة أشهر ونصفاً (38).
وحسب كلام ابن عبدالبرّ وابن حجر، فإنّ ولادة الزهراء عليها السّلام ستكون عام المبعث النبويّ الشريف ـ وهو ما اختاره ابن عبد البرّ ـ وليس قبله بخمس سنوات.
ح ـ طائفة من الروايات التي أرّخت لبناء البيت الحرام، حيث أرّخ بعضها بناء البيت بأنّه سنة 15 بعد عام الفيل ( وعُمر النبيّ صلّى الله عليه وآله يومذاك 15 سنة فقط )، وأرّخ بعضها له بأنّه تزوّج بعد عام الفيل بخمس وعشرين سنة.
وبلحاظ الروايات التي نصّت على أنّ فاطمة عليها السّلام وُلدت قبل البعثة وقريش تبني البيت، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ينبغي: إمّا أن يكون قد تزوّج ووُلد له عدّة أولاد ـ آخرهم فاطمة الزهراء عليها السّلام ـ قبل أن يبلغ سن الخامسة عشر، وإمّا أن تكون الزهراء عليها السّلام قد ولدت قبل البعثة بخمس عشرة سنة، وأن عمرها الشريف عند هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله سيتجاوز 28 سنة!
خاتمة البحث
إنّ الأحاديث الصحيحة الوحيدة التي تنسجم مع الوقائع التاريخية وسيل الروايات التي نقلها علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، هي المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام ومَن تابعهم من الصحابة الكرام، والتي نصّت على أن ولادة الزهراء عليها السّلام كانت بعد البعثة النبويّة الشريفة، وأنّ فاطمة عليها السّلام حوريّة إنسيّة انعقدت نُطفتها المباركة من ثمار الجنّة التي أتحف الله تبارك وتعالى بها نبيّه الكريم في إسرائه، وأنّ الزهراء عليها السّلام هي النسلة المباركة الميمونة، وأنّها كانت تحدّث أمّها وتؤنسها وهي في بطنها، وأنّ الله تعالى سمّاها فاطمة، وفطمها وفطم محبّيها وبَنيها من النار، وأنّه طهّرها من الرجس، فلم تكن تَعتَلّ كما تَعتَلّ باقي النساء، وأنّه أخرج منها نسلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وذريّته المباركة، وأنّ الله تعالى أمر نبيّه الكريم صلّى الله عليه وآله بتزويجها من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، إلى آخر البحر الخضمّ من مناقبها الكريمة التي يصعب حصرها وعدّها.
نسأله عزّ من مسؤول أن يُصلّي عليها وعلى أبيها وبعلِها وبَنيها، وأن يرزقنا محبّتها ومتابعتها في الدنيا، وشفاعتها في الآخرة، إنّه أرحم الراحمين
ممّا يُثير العجب أنّ تاريخ ولادة فاطمة الزهراء عليها السّلام سيّدة نساء العالمين من الموضوعات التي اختلفت الآراء في شأنها؛ فقد صرّحت طائفة كبيرة من الأحاديث ـ وغالبها مرويّ عن أهل البيت عليهم السّلام، وهم أدرى بأُمّهم من سواهم ـ بأنّ ولادتها المباركة كانت بعد المبعث الشريف، بينما تذكر طائفة أخرى من الأحاديث والأقوال ـ ومعظمها عن طريق علماء السنّة ـ بأنّها عليها السّلام وُلدت قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله بخمس سنين ـ وتحاول هذه المقالة تسليط الأضواء على هذا الموضوع، آخذة بنظر الاعتبار الحقائق التاريخية المسلّمة التي تكتفه.
خديجة بنت خويلد: أمّ الزهراء عليها السّلام
أُمّ الزهراء عليها السّلام هي السيّدة خديجة بنت خويلد، وقد اشتهر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله تزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي بنت أربعين سنة، وروى البعض أنّها كانت ابنة ثمان وعشرين سنة (1).
وقد انحصر نسل النبيّ صلّى الله عليه وآله في خديجة، خلا ابنه إبراهيم الذي وُلد من مارية القبطيّة وتوفي صغيراً. وأجمع علماء المسلمين على أنّ السيّدة خديجة ولدت للنبيّ القاسم وعبدالله ( وماتا صغيرَين ) وزينب ورقيّة وأم كلثوم وفاطمة عليها السّلام (2)، وزاد بعضهم في أولاد خديجة: الطاهر ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله (3)، وذكر بعض المؤرّخين أنّ بنات النبيّ صلّى الله عليه وآله كلّهن أدركن الإسلام (4)، ونَصّ عدد منهم على أنّ جميع أولاد خديجة وُلدوا بعد البعثة (5).
أمّا وفاة هذه السيّدة الجليلة، فقد ذكر البعض (6) أنّها توفّيت لسبعٍ مَضَين من البعثة، وذكر آخرون (7) بأنّها توفّيت لسنة عشر من البعثة ( قبل الهجرة بثلاث سنين )، وروي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّها توفّيت قبل الهجرة بسنة واحدة، وأنّ أبا طالب مات بعدها بسنة (8).
ولادة الزهراء عليها السّلام
روى طائفة من علماء الشيعة أنّ الزهراء عليها السّلام وُلدت بعد البعثة بخمس سنوات (9)، ونصّ بعضهم على ولادتها بعد البعثة بخمس سنوات وقريش تبني البيت (10)، واختار بعضهم ـ كالشيخ المفيد في حدائق الرياض والكفعمي ـ أنّ ولادتها عليها السّلام كانت في سنة اثنتين من المبعث (11).
وروى الشيخ الكليني عن الإمام زين العابدين عليه السّلام ( في حديث طويل )، قال: لم يولد لرسول الله صلّى الله عليه وآله على فِطرة الإسلام إلاّ فاطمة عليها السّلام (12).
بينما روى طائفة من علماء السنّة أنّها عليها السّلام ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وقريش تبني البيت (13) ونصّ بعضهم على أنّ فاطمة عليها السّلام ولدت في سنة احدى وأربعين من مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله، أي بعد البعثة بسنة واحدة (14).
ومن الطبيعي أن الاختلاف الكبير في تاريخ الولادة ( قبل البعثة أو بعدها ) سينجرّ كذلك إلى الاختلاف في تحديد عمر الزهراء البتول عليها السّلام بما يقرب من عشر سنوات، فبينما يصرّح علماء الشيعة بأنّها عليها السّلام توفيت وعمرها ثمانية عشر عاماً، يذكر علماء السنّة أنّ عمرها الشريف عند وفاتها ناهز التاسعة والعشرين (15).
وقد أجمع علماء المسلمين على أنّ الزهراء عليها السّلام كانت أصغر بنات النبيّ صلّى الله عليه وآله (16).
يُرجّح ولادة الزهراء عليها السّلام بعد البعثة
هناك طائفة من الروايات المتكاثرة والحقائق التاريخيّة المسلّمة التي ترجّح كونَ الزهراء عليها السّلام وُلدت بعد البعثة وليس قبلها، منها:
أ ـ الروايات الكثيرة التي نقلها علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، التي تنصّ على أنّ فاطمة عليها السّلام وُلدت بعد الإسراء، من ثمر من ثمار الجنّة تناوله النبيّ صلّى الله عليه وآله فاستحال نُطفة في صُلبه، ومن تلك الروايات:
• روى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام الرضا عليه السّلام، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: لمّا عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة فناولني من رُطَبها، فأكلتُه فتحوّل ذلك نُطفة في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة (17).
• وروى الطبراني بإسناده عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لمّا أُسري بي إلى السماء أُدخلتُ الجنّة، فوقفتُ على شجرة من أشجار الجنّة لم أرَ في الجنّة أحسن منها ولا أبيض وَرَقاً ولا أطيب ثمرة، فتناولتُ ثمرةً من ثمارها فأكلتُها، فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة رضي الله عنها، فإذا أنا اشتقتُ إلى ريح الجنّة شممتُ ريح فاطمة (18).
• وروى الحاكم في المستدرك عن سعد بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنّة فأكلتُها ليلةَ أُسري بي، فعَلِقَت خديجة بفاطمة، فكنتُ إذا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رقبة فاطمة (19).
• وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن عائشة، قالت: قلتُ: يا رسول الله، مالَكَ إذا جاءت فاطمة قبّلتَها حتّى تجعل لسانكَ في فيها، كأنّك تريد أن تُلعِقَها عَسَلاً ؟! قال: نعم يا عائشة، إنّي لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريلُ الجنّة فناولني منها تفّاحة، فأكلتُها فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة، كلمّا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتُها (20).
• وروى المحبّ الطبري عن ابن عبّاس، قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يُكثر القُبَل لفاطمة عليها السّلام، فقالت له عائشة: إنّك تُكثر تقبيل فاطمة!!
فقال: إنّ جبريل ليلةَ أُسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صُلبي، فحملتْ خديجةُ بفاطمة، فإذا اشتقتُ لتلك الثمار قبّلتُ فاطمة فأصبتُ من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتُها (21).
• وروى الخوارزمي عن عائشة، قالت: كنت أرى رسول الله صلّى الله عليه وآله يُقبّل فاطمة، فقلت: يا رسول الله، إنّي أراك تفعل شيئاً ما كنتُ أراك تفعله من قبل! فقال: يا حُمَيراء، إنّه لمّا كان ليلة أُسري بي إلى السماء أُدخلتُ الجنّة فوقفتُ على شجرة من شجر الجنّة لم أرَ في الجنّة شجرة هي أحسن حُسناً، ولا أبضّ منها ورقةً، ولا أطيب ثمرة، فتناولتُ ثمرةً من ثمرتها فأكلتُها، فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة، فإذا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة فاطمة. يا حُميراء، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين، ولا تَعْتَلّ كما يَعتَلِلْن (22).
ب ـ الروايات الكثيرة التي نقلها علماء المسلمين، التي تنصّ على أنّ فاطمة عليها السّلام حوراء آدميّة، ومنها:
• روى الخطيب البغدادي عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تَحِض ولم تَطمث، وإنّما سمّاها ( الله تعالى ) فاطمة لأنّ الله فَطَمها ومحبّيها عن النار (23).
• وروى محبّ الدين الطبري عن جابر مرفوعاً: ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تَحِض ولم تَطمث، وإنّما سمّاها الله فاطمة لأنّ الله فطمها ووُلدها عن النار (24).
• وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا عليه السّلام حديث إسراء النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الجنّة، وجاء في آخره: ففاطمة حوريّة إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة (25).
ج ـ الروايات التي نقلها علماء المسلمين التي نصّت على أنّ تسمية فاطمة عليها السّلام كانت من قِبل الله تعالى، ممّا يؤيد كونَ ولادتها بعد بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله، إذ كيف يُسميّها الله تعالى وهو لم يَبعث نبيّه بعدُ ولم يُهبط عليه ملائكته ؟!
ومن تلك الروايات:
• روى محبّ الدين الطبري عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ ابنتي فاطمة حوراء لم تَحِض ولم تطمث، وإنّما سمّاها فاطمة لأن الله عزّوجلّ فطمها ومحبّيها عن النار (26).
• وروى ابن حجر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا فاطمة، لِمَ سُمّيتِ فاطمة ؟ قال علي: لم سُمّيتْ فاطمة يا رسول الله ؟ قال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله فطمها وذرّيّتها من النار (27).
• وروى محبّ الدين الطبري عن عليّ عليه السّلام مرفوعاً: يا فاطمة، تدرين لم سُمّيتِ فاطمة ؟ قلتُ: يا رسول الله، لِمَ سُمّيت فاطمة ؟ قال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله عزّوجلّ قال: قد فطمتُها وذريّتها عن النار يوم القيامة (28).
• وروى ابن شهرآشوب عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّما سُمّيت ابنتي « فاطمة »، لأنّ الله فطمها وفطم محبيّها عن النار (29).
د ـ الروايات التي ورد فيها قصّة حمل السيّدة خديجة بفاطمة الزهراء عليهما السّلام، وجاء فيها أنّ الزهراء عليها السّلام كانت تُحدّث أمّها وهي جنين في بطنها وتؤنسها، وأنّ أربع نسوة هبطن على خديجة عند ولادتها فتولّينَ أمرها، وأن تلكم النسوة كنّ: حوّاء سيّدة البشر، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فِرعون، وكَلْثَم أخت النبيّ موسى عليه السّلام. ومن تلك الروايات:
• روى محبّ الدين الطبري عن خديجة رضي الله عنها، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: أتاني جبرئيل بتفّاحة من الجنّة، فأكلتُها وواقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة. قالت: إنّي حملتُ بفاطمة حملاً خفيفاً، و ( كانت ) تحدّثني في بطني، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني، فلمّا أرادت أن تضع... دخل عليها أربع نسوة عليهنّ من الجمال والنور مَا لا يُوصف، فقالت إحداهنّ: أنا أمّكِ حوّاء، وقالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أمّ عيسى، جئنا لنلي من أمركِ ما تلي النساء. فولدت فاطمة، فوقعتْ حين وقعت على الأرض ساجدةً رافعةً إصبَعها ( بالتشهّد بالتوحيد ) (30).
• وروى الفتّال النيسابوري عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث ولادة فاطمة عليها السّلام، قال: إنّ خديجة لمّا تزوّج بها رسول الله صلّى الله عليه وآله هجرها نسوةُ مكّة، وكنّ لا يدخلنَ عليها ولا يُسلّمن عليها، ويمنعنَ امرأةً أرادت أن تدخل إليها، فاستوحشتْ خديجة لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليها، فلمّا حملتْ بفاطمة كانت فاطمة عليها السّلام تحدّثها من بطنها وتُصبّرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدّثين ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني. قال: يا خديجة، هذا جبرئيل عليه السّلام يُبشّرني أنّها ابنتي، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة، ويجعلهم خلفاء في أرضه ـ الحديث. وفي آخره قصّة النساء الأربع اللاتي حضرنَ ولادتها وتولّين أمرها (31).
هـ ـ الروايات التي ذكرت قصّة نبز العاص بن وائل السَّهمي لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وتعييره له عند وفاة ولده عبدالله، وقوله عنه إنّه أبتر، وإنزال الله تعالى سورة الكوثر ردّاً عليه، ومن تلك الروايات:
• روى الواحدي النيسابوري في ( أسباب النزول ) عن ابن العاص، قال: نزلت سورة الكوثر في العاص ( بن وائل السهمي )، وذلك أنّه رأى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يخرج من المسجد وهو يَدخُل، فالتَقَيا عند باب بني سهم وتحدّثا ـ وأُناس من صناديد قُريش في المسجد جلوس ـ فلمّا دخل العاص قالوا له: مَن الذي كنتَ تحدّث ؟ قال: ذاك الأبتر! يعني النبيّ صلوات الله وسلامه عليه ـ وكان قد تُوفّي قبل ذلك عبدُالله ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان من خديجة ـ وكانوا يُسمُّون مَن ليس له ابنٌ أبتر، فأنزل الله تعالى هذه السورة (32).
• روى الطبرسي في تفسير « الكوثر » أنّه هو كثرة النسل والذريّة، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السّلام حتّى لا يُحصى عَدَدهُم، واتّصل إلى يوم القيامة مَدَدُهم (33).
و ـ الروايات التي نقلت خطبة أبي بكر وخطبة عمر لفاطمة عليها السّلام واعتذار رسول الله صلّى الله عليه وآله لهما بأنّها صغيرة، وكانا قد خطباها في المدينة بعد هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله إليها، ولو كانت الزهراء عليها السّلام قد ولدت قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله بخمس سنين، لكان عمرها بعد هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة أكثر من 18 سنة ـ حيث أجمع علماء المسلمين على أنّه صلّى الله عليه وآله بقي في مكّة 13 سنة ـ ولا يُعقل أن يعتذر النبيّ صلّى الله عليه وآله بصغر عمر الزهراء عليها السّلام إذا كان عمرها قد تجاوز 18 سنة. أما إذا نظرنا إلى الروايات التي تذكر أنّ فاطمة عليها السّلام ولدت قبل مبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله بسبع سنين وستّة أشهر (34) فإنّ عمرها الشريف بعد الهجرة سيكون قد تجاوز العشرين!! وهل يُعقل ـ من جانب آخر ـ أن لا يكون أحد قد تقدّم لخطبتها عليها السّلام حتّى ذلك الحين طمعاً في نيل شرف الدنيا والآخرة بمُصاهرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، خاصّة بعد أن سمعوه صلّى الله عليه وآله يقول كراراً ومراراً: كلّ سَبب ونسب مُنقطعٌ يوم القيامة، إلاّ سَببي ونسبي! (35).
• أخرج النسائي وأحمد بن حنيل عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: خطب أبو بكر فاطمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّها صغيرة، وإنّي أنتظر بها القضاء. فلقيه عمر فأخبره، فقال: رَدَّك، ثمّ خطبها عمر فردّه، ثمّ خطبها عليّ عليه السّلام فزوّجه إيّاها، وقال: إنّ الله أمرني أن أزوّج عليّاً فاطمة (36).
• وروى ابن شهرآشوب عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وابن عبّاس، وابن مسعود، وجابر الأنصاريّ، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأمّ سَلَمة، أنّ أبا بكر وعُمر خطبا إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فاطمة مرّة بعد أخرى فردّهما (37).
ز ـ الروايات التي نصّت على عُمر الزهراء عليها السّلام عند زواجها في السنة الثانية للهجرة، وذكرت أنّ عمرها الشريف كان يومداك 15 سنة وخمسة أشهر ونصف، وهو يتعارض مع كونها وُلدت قبل البعثة بخمس سنين.
• وروى ابن عبد البرّ في « الاستيعاب »، وابن حجر في « التهذيب » أنّ عليّاً تزوّج فاطمة في السنة الثانية من الهجرة، وأن سنّ الزهراء عليها السّلام يوم تزويجها كان 15 سنة وخمسة أشهر ونصفاً (38).
وحسب كلام ابن عبدالبرّ وابن حجر، فإنّ ولادة الزهراء عليها السّلام ستكون عام المبعث النبويّ الشريف ـ وهو ما اختاره ابن عبد البرّ ـ وليس قبله بخمس سنوات.
ح ـ طائفة من الروايات التي أرّخت لبناء البيت الحرام، حيث أرّخ بعضها بناء البيت بأنّه سنة 15 بعد عام الفيل ( وعُمر النبيّ صلّى الله عليه وآله يومذاك 15 سنة فقط )، وأرّخ بعضها له بأنّه تزوّج بعد عام الفيل بخمس وعشرين سنة.
وبلحاظ الروايات التي نصّت على أنّ فاطمة عليها السّلام وُلدت قبل البعثة وقريش تبني البيت، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ينبغي: إمّا أن يكون قد تزوّج ووُلد له عدّة أولاد ـ آخرهم فاطمة الزهراء عليها السّلام ـ قبل أن يبلغ سن الخامسة عشر، وإمّا أن تكون الزهراء عليها السّلام قد ولدت قبل البعثة بخمس عشرة سنة، وأن عمرها الشريف عند هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله سيتجاوز 28 سنة!
خاتمة البحث
إنّ الأحاديث الصحيحة الوحيدة التي تنسجم مع الوقائع التاريخية وسيل الروايات التي نقلها علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، هي المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام ومَن تابعهم من الصحابة الكرام، والتي نصّت على أن ولادة الزهراء عليها السّلام كانت بعد البعثة النبويّة الشريفة، وأنّ فاطمة عليها السّلام حوريّة إنسيّة انعقدت نُطفتها المباركة من ثمار الجنّة التي أتحف الله تبارك وتعالى بها نبيّه الكريم في إسرائه، وأنّ الزهراء عليها السّلام هي النسلة المباركة الميمونة، وأنّها كانت تحدّث أمّها وتؤنسها وهي في بطنها، وأنّ الله تعالى سمّاها فاطمة، وفطمها وفطم محبّيها وبَنيها من النار، وأنّه طهّرها من الرجس، فلم تكن تَعتَلّ كما تَعتَلّ باقي النساء، وأنّه أخرج منها نسلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وذريّته المباركة، وأنّ الله تعالى أمر نبيّه الكريم صلّى الله عليه وآله بتزويجها من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، إلى آخر البحر الخضمّ من مناقبها الكريمة التي يصعب حصرها وعدّها.
نسأله عزّ من مسؤول أن يُصلّي عليها وعلى أبيها وبعلِها وبَنيها، وأن يرزقنا محبّتها ومتابعتها في الدنيا، وشفاعتها في الآخرة، إنّه أرحم الراحمين