مشاهدة النسخة كاملة : الأمام علي ابن ابي طالب / موضوع شامل .. منقول للفائده
العم ابو علي
06-11-2006, 08:41 PM
الرحمن الرحيم و الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطاهرين و اصحابه المنتجبين و من تبعهم باحسان الى قيام يوم الدين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج عليِّ بن أبي طالب... تنهد بهم الحياة، موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين، وهم على قلتهم، كالأعمدة تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك، لتومض من فرق مشارفها قبب المنائر.
وإنهم في كل ذلك كالرَّواسي، تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السُّحب لتعكسها من مصافيها على السفوح خيرات رقيقة، رفيقة عذبة المدافق.
ومن بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب في هالة من رسالة وفي ظلِّ من نبوة، فاضتا عليه انسجاماً واكتمالاً كما احتواهما لوناً وإطاراً.
وهكذا توفرت السانحة لتخلق في أكلح ليل طالت دجيته على عصر من عصور الإنسان فيه من الجهل والحيف ما يضم ويذل.. رجلاً تزاخرت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا، لا يمكن أن يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصافِّ العباقرة.
وهكذا الدخول إلى هذه الشخصية ليس أقل حرمة من الولوج إلى المحراب، وإني أدرك الصعوبة في كل محاولة أقوم بها في سبيل جعل الحرف يطيع لتصوير هذا الوجه الكريم، لأن التصوير يهون علية أن يلتقط بالأشكال والأعراض، في حين يدق عليه أن يتقصىّ ما خلف الأعراض من معانٍ وألوان.
وعلي بن أبي طالب هو بتلك الألوان أكثر مما هو بتلك الأعراض، وإنه عصيّ على الحرف بتصويره بقدر ما هو قصيّ عليه بمعانيه.
فهو لم يأت دنياه بمثل ما يأتيها العاديُّون من الناس، جماعات جماعات. يأتي الناس دنياهم يقضون فيها لبانات العيش ثم عنها بحكم المقدَّر يرتحلون لا تغمرهم بعد آجالهم إلاّ موجة النسيان.. أما هو، فلقد أتى دنياه، أتاها وكأنه أتى بها.. ولما أتت عليه بقي وكأنه أتى عليها.
الحقيقة، إن بطولته هي التي كانت من النوع الفريد، وهي التي تقدر أن تقتلع ليس فقط بوابة (حصن خيبر) بل حصون الجهل برمتها، إذ تتعاجف لياليها على عقل الإنسان.
كل ذلك لأخلُص إلى القول أنَّه يكون من باب الفضاضة أن نربط عبقرية رجل كعلي بن أبي طالب بخيوط الأحداث التي بعثرتها حوله ظروف كئيبة كما تبعثر الريح في الجو بعض الغيوم.
فالأحداث التي مرَّت على جانبيه لم يكن لها أي شأن في تغيير جوهر ذلك المعدن الذي انغلقت عليه شخصيته الفذَّة، كالغيوم عينها التي تتغشى بها صفحة الفضاء لا يمكنها بحال من الأحوال أن تطفئ الشمس. وبالتالي إن هذه الأحداث ليست غير أشكال وأعراض، ومهما تتكثّف ومهما يكثّفها المغرضون، فإنَّ جوهر ابن أبي طالب يلبث خلفها كما تلبث الشمس خلف الغمام.
ومن هنا: إن كل قول في علي بن أبي طالب يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثاً له قيمة السرد، ويبقى حروفاً مقفلة لا تنفذ إليها ألوان المعاني.
أما إذا كان علي بن أبي طالب قد حصره التجوال لفترة قصيرة من الزمن بين البصرة والكوفة أو بين مكة والمدينة. فإن ذلك لم يمنع كونه أبداً ذلك العدّاء الذي كانت مواقع خطواته أبعد من محط هذه الأماكن.
وهكذا لا تزال الدنيا بأجيالها تغرف الطيب من أفاويهك، يا أيها الوجه الكريم من سنا ريَّك.
أبراهيم علي عوالي العاملي
العم ابو علي
06-11-2006, 08:48 PM
العلامة السيد محمد علي الموسوي البحراني
لا مشاحة في أن الفضل والفضيلة في الإسلام منحصر في أربع:
1- التقدم في الإسلام.
2- العلم والتفقه في الحلال والحرام.
3- الجهاد في سبيل الله.
4- الزهادة في الدنيا.
وهذه الأربع هي أمهات الفضائل وأصولها وما عداها فرع بالنسبة إليها.
ولاشك أن هذه الفضائل الأربع كلها مجتمعة في علي أمير المؤمنين على اكمل وجه ومتفرقة في شذاذ من الصحابة, فعليه لا غرو من أن نقول. أن مجموع الفضائل مسجل في سجل علي خاصة دون غيره إلا النبي العظيم (), إذ هو الأصل في وجود هذه المكارم.
1- أما التقدم في الإسلام
فقد تسالم المحققون من المسلمين وغيرهم على أن عليا () هو أول من اسلم وجها لله وتمسك بالدين الإسلامي الحنيف من الرجال. لم يسبقه في ذلك أبو بكر ولا غيره, كيف لا؟!
وكتب الأثر والتاريخ ملاء من ذكر ذلك عن الرسول والوصي والصحابة والتابعين على وجه لا يدع مجالا للشك والريب فإليك بعضها:
قال رسول الله (): (أولكم واردا- وورودا- على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب)(1), وقال (): لابنته فاطمة: (أما ترضين إني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما)(2), وقال لها أيضا: (انه لأول أصحابي إسلاما أو: اقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما)(3)وقال مشيرا إلى علي: (أن هذا أول من آمن بي وهو أول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين)(4).
وقال الإمام علي (): (أنا أول من اسلم مع النبي)(5).
وقال: (أنا أول من صلى مع رسول الله)(6). وقال: (أسلمت قبل أن يسلم الناس بسبع سنين)(7).
وقال: (بعث رسول الله يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء)(8).
وقال: (أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر)(9). وقال: (أنا عبد الله وأخو رسوله, وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر. لقد صليت قبل الناس سبع سنين)(10). وقال في كتاب له إلى معاوية: (إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها إلى رسول الله, واعلمها بالكتاب وافقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا)(11).
وقال عمر بن الخطاب: (أما علي فسمعت رسول الله يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن وكانت احب إلي مما طلعت عليه الشمس, كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه, إذ ضرب النبي على منكب علي () فقال له: (يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا وأول المسلمين إسلاما وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)(12).
وقال عبد الله بن عباس: (أول من صلى علي)(13).
وقال سلمان الفارسي: (أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب)(14).
وقال زيد بن الأرقم: (أول من آمن بالله بعد رسول الله علي بن أبي طالب ())(15).
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: (بعث النبي () يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء)(16)وقال بريدة الأسلمي: (أوحي إلى رسول الله () يوم الاثنين صلى علي يوم الثلاثاء)(17).
وقال أبو ذر الغفاري والمقداد الكندي وأبو سعيد الخدري: (أن علي بن أبي طالب أول من اسلم)(18).
وقال أبو رافع: (صلى النبي () أول يوم الاثنين, وصلت خديجة آخره, وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد)(19).
قال عفيف الكندي: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها فأتيت العباس بن عبد المطلب وكان رجلا تاجرا فأنا عنده جالس حيث انظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت وذهب إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة ثم لم البث إلا يسيرا حتى جاء غلام فقام على يمينه, ثم لم البث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة, فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة, فقلت: يا عباس أمر عظيم. قال العباس: أمر عظيم أتدري من هذا الشاب؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي, أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي ابن أخي, أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. أن ابن أخي هذا اخبرني أن ربه رب السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه. ولا والله ما على الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(20).
قال بن عبد البر في الاستيعاب: اتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه بما جاء به ثم علي بعدها(21).
وقال الحاكم صاحب المستدرك في كتاب المعرفة(22): (ولا اعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب () أولهم إسلاما).
هذا غيض من فيض مما جاء في الموضوع(23).
قدمناه إلى القارئ الكريم ليبدو له جليا ويعلم بوضوح أن عليا () هو أول من استجاب لله تعالى والمتفرد بالفوز بهذه الفضيلة السامية. قال سبحانه: (والسابقون السابقون* أولئك المقربون)(24).
2- وأما العلم والتفقه في الحلال والحرام:
فلا ريب أن عليا () له الكأس الأوفى والحظ الأوفر من ذلك وانه اعلم الناس في الدين وافقهم في أحكام الشريعة ولا غرو, إذ كانت الصحابة يرجعون إليه في المشاكل والمعضلات ولا يرجع إلى أحد منهم بشيء واحتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل واضح على أعلميته وأفقهيته.
ويكفيك دليلا ساطعا وبرهانا قاطعا شهادة الرسول الأعظم () وكبار الصحابة على ذلك فدونك بعضها!
قال رسول الله (): (أنا مدينة العلم وعلي بابها)(25), وقال: (أنا دار الحكمة وعلي بابها)(26), وقال: (اعلم أمتي من بعدي علي ابن أبي طالب)(27), وقال: (علي وعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتي منه)(28), وقال: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي)(29), وقال: (علي خازن علمي)(30), وقال: (علي عيبة علمي)(31). (أقضى أمتي علي)(32)وقال: (أقضاكم علي)(33). وقال: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا)(34)إلى غير ذلك.
وقال ابن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر)(35)وقال: (علم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علي, وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر)(36).
وقال: (العلم ستة أسداس لعلي خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتى لهو اعلم به منا)(37).
وقال أبن مسعود: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعلي أعلمهم بالواحد منها)(38), وقال: (اعلم بالفرائض علي بن أبي طالب)(39), وقال: (كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي)(40), وقال: (افرض أهل المدينة وأقضاها علي)(41), وقال أن القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن)(42).
وقال عدي بن حاتم- في خطبة له-: (والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة. انه (يعني عليا) لأعلم الناس بهما ولئن كان إلى الإسلام انه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ولئن كان إلى العقول والنحائز(43)انه لأشد الناس عقلا وأكرمهم نحيزة)(44).
وقال أبو سعيد الخدري: (أقضاكم علي)(45).
وقالت عائشة: (علي اعلم الناس بالسنة)(46).
وسئل عطاء أ كان في أصحاب محمد أحد اعلم من علي؟!
قال: (لا والله ما اعلمه)(47).
وقال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا)(48), وقال: (أقضانا علي)(49), ولعمر كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى علي أمير المؤمنين اخرج نبذة منها العلامة الأميني في كتابه (الغدير ج3و6).
منها قوله غير مرة: (لولا علي لهلك عمر)(50). وقوله: (كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب)(51). وقوله: (لولا علي لضل عمر)(52), وقوله: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب)(53), وقوله: (أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها)(54). وقوله: (أعوذ بالله من معضلة لا علي بها)(55). وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)(56). وقوله: (اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي)(57)إلى غير ذلك....
وقال سعيد بن المسيب: (كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)(58).
وقال معاوية: (كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه من علي)(59).
وقد تواتر عن علي () قوله: (أن رسول الله اسر إلي ألف حديث في كل حديث ألف باب وفي كل باب ألف مفتاح وإني اعلم بهذا العلم)(60). وقوله (): (سلوني والله ما تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل)(61).
وقوله (): (سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن كتاب الله وما من آية إلا وأنا اعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل ارض وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها)(62).
قال أبو سعيد البحتري: (رأيت عليا () على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله () وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته () فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: (سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله () زقا. فو الله (لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاكم بما انزل في وانتم تتلون الكتاب أ فلا تعقلون)(63).
وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: (سلوني إلا علي بن أبي طالب)(64).
وكان () إذا سئل عن مسالة يكون فيها كالسكة المحماة ويقول:
إذا المشكــــــلات تصديـن لي***كشفــــــت حقائقهــــا بالنظـــــــــر
فان برقت في مخيل الصـواب***عميـــاء لا يجتليهـــا البصــــــــــر
مقنعـــــة بغيــــوب الأمــــــور***وضعــت عليهــا صحيـح الفكـــــر
لسانـــا كشقشقــــة الأرحبــــي***أو كالحســــام اليمانـــي الذكــــــر
وقلبــــا إذا استنطقتـــه الفنـون***ابــــــر عليهــــــا بــــــــــواه درر
ولســـــت بإمعة(65) في الرجال***يسائـــل هـــذا وذا مــا الخبــــر؟
ولكننـــي مذرب الأصغرين(66)***أبيــن مـع ما مضى ما غبر(67)
العم ابو علي
06-11-2006, 08:50 PM
يكن له () من تلك المواقف الجمة التي نصر بها الإسلام سوى موقفه في حادثة الخندق تجاه الأحزاب وقائدها عمرو فارس يليل لكفاه فخرا وشرفا وعزة ومجدا, وذلك حينما ابتلى المؤمنون (كم أنبأ سبحانه) (وزلزلوا زلزالا شديدا* وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا* واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا)(71).
هذا والنبي الكريم يحرض المسلمين للبراز ومقاتلة عمرو. والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير ينظرون إليه نظر المغشي عليه من الموت. فمن يا ترى كشف الكرب عن وجه الرسول في ذلك الموقف الرهيب الذي كاد إن يقضى على الإسلام وأهله غير المرتضى أبي الحسن؟
ومن قتل عمرا ذلك الشجاع المهيب بضربة نجلاء تخآلها صاعقة نزلت من السماء فبدد بقتله جحافل الشرك ومزق الأحزاب سوى أبي السبطين؟
اجل: عمل الإمام علي () في ذلك اليوم عملا قال له الرسول (): (ابشر يا علي فلو وزن عملك اليوم بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم)(72) وقال: (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق افضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة)(73).
ولم يزل () على هذه الوتيرة مجاهدا بالنفس والنفيس وقيدوما لجيش المسلمين في كل موطن تجاه أعداء الدين من الكافرين والمنافقين, في عهده () وبعده فكم أزاح في جراء ذلك ما وقع من الحسك والقتاد دون دعوة الرسول () وكم أجال الكرب عن وجهه الكريم؟!
فحاز بذلك من هذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) ما لم يحزه غيره من كبار المسلمين, قال سبحانه: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما)(74).
4- وأما الزهادة في الدنيا:
فلا أخال أحدا (له اقل إلمام في التاريخ الإسلامي وفي أحوال الصحابة وسيرتهم في الحياة) يجهل أن عليا () له الدرجة القصوى والمرتبة العليا من هذه الفضيلة. وحسبك دليلا كتابه إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف حيث قال فيه: (إلا وان لكل مأموم إمام يقتدي به, ويستضئ بنور علمه, ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه)(75)ومن طعمه بقرصيه, ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك, ولكن أعينوني بورع واجتهاد (وعفة وسداد) فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا, ولا ادخرت من غنائمها وفرا(76), ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا(77), (ولا حزت من أرضها شبرا, ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة(78), ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة) بلى كانت في أيدينا فدك(79)من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس(قوم) آخرين, ونعم الحكم الله.
وما اصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث(80)تنقطع في ظلمته آثارها, وتغيب أخبارها, وحفرة لو زيد في فسحتها, وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر. وسد فرجها التراب المتراكم, وإنما هي نفسي أروضها(81)بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر, وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل, ولباب هذا القمح, ونسائج هذا القز(82)ولكن هيهات أن يغلبني هواي, ويقودني جشعي(83)إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص, ولا عهد له بالشبع! أو أبيت مبطنا وحولي بطون غرثى, وأكباد حرى, أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة*** وحولك أكباد تحن إلى القد!
أأقنع من نفسي بان يقال هذا: امير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة(84)العيش, فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها, أو المرسلة شغلها تقممها(85)تكترش من أعلافها, وتلهو عما يراد بها(86)....).
وقال (): (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم(87).
دخل ضرار بن ضمره (وكان من خواص علي ()) على معاوية وافدا. فقال. صف لي عليا. قال: اعفني. قال معاوية: (لابد من ذلك. فقال: أما إذا كان لابد من ذلك, فانه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا, يتفجر العلم من جوانبه, وتنطق الحكمة من نواحيه, يعجبه من الطعام ما خشن ومن اللباس ما قصر (وكان والله) يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه, وكنا والله على تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له, ولا نبتدؤه لعظمه في نفوسنا, يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم.
العم ابو علي
06-11-2006, 08:51 PM
يعظم أهل الدين ويرحم المساكين, ويطعم في المسغبة(88)
يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة, يكسو العريان, وينصر اللهفان ويستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته, وكأني به وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين, ويقول: يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات لا حان حينك(89)قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك. عمرك قصير وعيشك حقير. وخطرك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق)(90).
قال عمر بن عبد العزيز: (ازهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب)(91).
وقال زيد بن وهب: (خرج علينا علي وعليه رداء وإزار قد وثقه بخرقه فقيل له. فقال: إنما البس هذين الثوبين ليكون ابعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمن)(92).
وروى عبد الله بن شريك عن جده: أن علي بن أبي طالب أتى بفالوذج فوضع قدامه فقال: انه طيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن اكره أن أعود نفسي ما لم تعتد)(93).
وكان علي () يقسم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقى منه شيئا ثم يرش له ويقيل(94)فيه ويتمثل بهذا البيت:
هذا جنائي وخياره فيه*** إذ كل جان يده إلى فيه(95)
وقال عنترة دخلت على علي بالخورنق وهو فصل شتاء وعليه قطيفة وهو يرعد فيه فقلت يا أمير المؤمنين: أن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيبا وأنت تفعل هذا بنفسك فقال: والله ما أرزأكم(96)شيئا وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة(97).
وعن علي بن أرقم عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله () ولو أن لي ثمن إزار ما بعته)(98). وفي رواية أخرى انه قال لو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه)(99).
وقال سفيان: أن عليا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب)(100)وكان () يختم على الجراب الذي يأكل منه ويقول: لا احب أن يدخل بطني إلا ما اعلم)(101).
وقال عمر بن قيس رئي على علي إزار مرقوع فقيل له فقال: (يقتدى به المؤمن ويخشع به القلب)(102).
وقال الحسن بن علي () (في صبيحة الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين بعد ذكر أبيه وفضله وسابقته: والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة درهم ارصد لجارية)(103)وفي رواية: سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما)(104) وفي أخرى: ما ترك إلا ثلاثمائة درهم(105).
هذه نبذة من فضائل المرتضى أبي الحسن التي تفرد بها وطل من وابل مكارمه () التي قد سمى بها الدرجة القصوى التي أعدمته الند والمثيل في جميع صحابة الرسول () ولعمرك أنها منزلة شامخة ومرتبة عالية تفوق المنازل والمراتب إلا النبوة, وهي كما قال الشاعر:
مناقــــب لجــــت فـــي علو كأنها***تحـــاول ثارا عند بعض الكواكب
محاسن من مجد متى يقرنوا بها***محاســـن أقـــــوام تعد كالمعائب
العم ابو علي
06-11-2006, 08:52 PM
وناهيك من منزلة صيرته مقياسا ومحكا لتمييز الخبيث من الطيب ونبراسا يمتاز به المؤمن عن المنافق.
فقد اخرج أئمة الحديث عن النبي () انه قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(106).
وقال الإمام علي (): (والذي فلق الحبة وبرا النسمة انه لعهد النبي الأمي إلي: انه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)(107).
وقال أبو بكر: رأيت رسول الله () خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء المولد)(108).
وقالت أم المؤمنين أم سلمة: كان رسول الله () يقول: (لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن)(109).
وقال ابن عباس: نظر رسول الله () إلى علي فقال: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(110).
وقال أبو ذر: (ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله () إلا بثلاث: بتكذيبهم الله ورسوله, والتخلف عن الصلاة, وبغضهم علي بن أبي طالب)(111).
وقال أبو سعيد الخدري: (كنا نعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب)(112).
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: (ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم علي بن أبي طالب)(113)إلى غير ذلك(114).
اجل لقد سطعت أنوار هذه الفضائل وأضعاف أضعافها من مولانا علي أمير المؤمنين () فتاهت في سبيلها العقول وما زالت عظمة هذا الإمام الأكبر تملا الدنيا بلمعانها كما تملا النفوس بشعاعها اللألاء.
ولا غرو, إذ أن شعاع هذه العظمة كهربائي بجاذبته, ومغناطيس للقلوب من قريب وبعيد ودان وقاص مسلم وغير مسلم(115).
واليكم أبياتا ثلاثة لنصراني متكهرب بعظمته () يقول فيها:
علي أمير المؤمنين صريمة(116)***وما لسواه في الخلافــــة مطمـــع
له النسب العالي وإسلامـــه الذي***تقـــــدم فيـــــه والفضائــــل اجمــــع
ولــــو كنـت أهوى ملة غير ملتي***لما كنــــت إلا مسلما أتشيع(117)
إذا عرفت ذلك, فلنشرع في ذكر نبذة من تلكم النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي أثبتها فطاحل علم الحديث من أهل السنة في كتبهم القيمة الدالة بوضوح على اختصاص الخلافة بعلي أمير المؤمنين وأولاده آلهداة الميامين (عليهم السلام).
العم ابو علي
06-11-2006, 08:53 PM
الهوامش:
1- أخرجه الحاكم في المستدرك ج3 ص136. والخطيب في تاريخه, ج2, ص81.
2- مستدرك الحاكم ج3. كنز العمال ج6, ص13.
3- مسند احمد, ج5, ص26. الاستيعاب, ج3, ص36. الرياض النضرة, ج2, ص194. الزوائد, ج9, ص101و114. السيرة الحلبية ج1, ص285. كنز العمال, ج6, ص153.
4- مجمع الزوائد, ج9, ص102.
5- تاريخ بغداد للخطيب, ج4, ص233.
6- المعارف لابن قتيبة, ص74. الاستيعاب, ج2, ص458.
7- الرياض النضرة, ج2, ص158.
8- مجمع الزوائد, ج9, ص102. تاريخ القرماني, ج1 ص215, الصواعق, ص72. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص112, إسعاف الراغبين ص148.
9- المعارف لابن قتيبة, ص74.
10- خصائص النسائي, ص3. مستدرك الحاكم, ج3, ص112. سنن ابن ماجه ج1, ص57. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. تاريخ الكامل لابن الأثير ج2, ص37. شرح النهج لابن أبي الحديد, ج3, ص257.
11- كتاب صفين لابن مزاحم, ص168, ط م.
12- رسالة الإسكافي, مناقب الخوارزمي, شرح النهج لابن ابن الحديد, ج3, ص258.
13- جامع الترمذي, ج2, ص215, تاريخ الطبري, ج2 ص55 ط م1357, الكامل لابن الأثير ج2, ص37 شرح ابن أبي الحديد ج3, ص256.
14- الاستيعاب ج2, ص457. مجمع الزوائد ج9, ص102.
15- الاستيعاب ج2, ص459.
16- تاريخ الطبري ج2, ص55, ط م1357 الكامل لابن الأثير ج2, ص37 شرح ابن أبي الحديد ج9, ص258.
17- مستدرك الحاكم ج3, ص112.
18- الاستيعاب ج2, ص456, المواهب اللدنية ج1, ص45.
19- عيون الأثر ج1 ص92, الرياض النضرة, ج2, ص158, شرح ابن أبي الحديد ج3, ص258.
20- خصائص النسائي, ص3. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. الرياض النضرة ج2, ص158. الاستيعاب ج2, ص459. عيون الأثر ج1, ص93. كامل ابن الأثير ج2, ص37. السيرة الحلبية ج1, ص288. البداية والنهاية لابن كثير ج3, مجلد2, ص25. مسند احمد ج1, ص209, مع اختلاف يسير.
21- الاستيعاب ج2, ص457.
22- ص22.
23- قد جمع العلامة الأميني في(الغدير) ج3, ص219- 243, ط2 مائة حديث في أن عليا أول من اسلم وحقق الموضوع بما لا مزيد عليه, فراجع, وقد اقتبسنا بعض ما ذكرناه منه.
24- سورة الواقعة, الآية 10و11.
25- اخرج العلامة الأميني في(الغدير) ج6 ص61- 77 ط2, الحديث المذكور عن مائة وثلاثة وأربعين مصدرا منها مستدرك الحاكم ج3, ص126- 128. تاريخ ابن كثير, ج7, ص358. تاريخ بغداد ج2, ص377, وج4, ص348, وج7 ص173, وج11 ص204. الاستيعاب ج2, ص461. ينابيع المودة ص65. تذكرة سبط ابن الجوزي ص29. الرياض النضرة ج1, ص192. مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص114. حياة الحيوان للدميري ج1 ص55. الجامع الصغير للسيوطي ج1ص374. المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص143. تهذيب التهذيب للعسقلاني ج7 ص337.
26- ينابيع المودة ص71.
27- مناقب الخوارزمي ص49. مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص43. كنز العمال ج6 ص153.
28- شمس الأخبار ص49.
29- كنز العمال ج6 ص156. كشف الخفاء ج1 ص204.
30- شرح النهج لابن أبي الحديد ج2 ص448.
31- الجامع الصغير للسيوطي ج4 ص356. قال المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث: قال ابن دريد: وهذا من كلامه() الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة إختاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره.... الخ.
32- مصابيح البغوي, ج2 ص277. الرياض النضرة, ج2 ص198.
33- مواقف القاضي الايجي ج3 ص276. شرح النهج ج2 ص235.
34- حلية الأولياء ج1 ص65. (الغدير ج3 ص96).
35- الاستيعاب ج3 ص40. الرياض النضرة ج2 ص194.
36- ينابيع المودة ص70.
37- مناقب الخوارزمي ص55. فرائد السمطين في الباب68.
38- كنز العمال ج5 ص156و401, نقلا عن غير واحد من الحفاظ.
39- الاستيعاب ج3 ص41. الرياض النظرة ج2 ص194.
40- مستدرك الحاكم ج3 ص41. أسنى المطالب للجزري ص14. الصواعق ص76.
41- الرياض النضرة ج2 ص198. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.
42- مفتاح السعادة ج1 ص400. (الغدير ج3 ص99 ط2).
43- النحائز: جمع نحيزة ومعناها الطبيعة.
44- جمهرة خطب العرب ج1 ص202.
45- فتح الباري ج8 ص136.
46- الاستيعاب ج3 ص40 هامش الإصابة. الرياض النضرة ج2 ص193, مناقب الخوارزمي ص54. الصواعق ص76. تاريخ الخلفاء ص115.
47- الاستيعاب ج3 ص40. الفتوحات الإسلامية ج2 ص337.
48- حلية الأولياء ج1 ص65. الرياض النضرة ج2 ص189و244. تاريخ ابن كثير ج7 ص359, وقال: (ثبت عن عمر). أسنى المطالب للجزري ص14. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.
49- الاستيعاب ج3 ص41. تاريخ ابن عساكر ج2 ص325. مطالب السؤول ص30.
50- الاستيعاب ج3 ص39. الرياض النضرة ج2 ص194. تفسير النيسابوري ج3 في سورة الأحقاف. مناقب الخوارزمي ص48. تذكرة السبط ص87. فيض القدير ج4 ص357. السنن الكبرى ج7 ص442. ذخائر العقبى ص82. تفسير الرازي ج7 ص484. كفاية الكنجي ص105. الدر المنثور ج1 ص288, وج6 ص40.
51- كفاية الكنجي ص96, الفصول المهمة لابن صباغ ص18.
52- تمهيد الباقلاني ص199.
53- تذكرة السبط ص87. مناقب الخوارزمي ص58. مقتل الخوارزمي ج1 ص45 وللخوارزمي قصيدة يمدح فيها عليا قال فيها:
إذا عمـر تخبـــط فـــي جواب***ونبهه علـــــــي بالصـــــواب
يقــــول بعدلــــه لـــولا علــي***هلكت هلكت في ذاك الجواب
انظر الغدير ج4 ص397 ط2.
54- تاريخ ابن كثير ج7 ص359. الفتوحات الإسلامية ج2 ص306.
55- نور الأبصار للشبلنجي ص79.
56- ترجمة علي بن أبي طالب ص79.
57- الرياض النضرة ج2 ص194.
58- الاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص39. صفة الصفوة ج1 ص121. تذكرة السبط ص85. طبقات الشافعية للشيرازي ص10. الإصابة ج2 ص509, الصواعق ص76. فيض القدير ج4 ص357.
59- الرياض النضرة ج2 ص194. مطالب السؤول ص30.
60- ينابيع المودة ص72.
61- جامع بيان العلم ج1 ص114. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص124. الإتقان ج2 ص319. تهذيب التهذيب ج7 ص338. فتح الباري ج8 ص485. عمدة القارئ ج9 ص167. مفتاح السعادة ج1 ص400.
62- ينابيع المودة ص74.
63- ينابيع المودة ص74.
64- جامع بيان العلم ج1 ص114. الرياض النضرة ج2 ص198. الصواعق ص76.
65- الإمعة, بكسر آلهاء وتشديد الميم: الذي لا رأى له فهو يتابع كل أحد على رأيه وآلهاء فيه للمبالغة.
66- المذرب الحاد. والأصغرين: القلب واللسان.
67- جامع بيان العلم ج2, ص113. زهر الآداب للقيرواني ج1 ص38. جمع الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه ج5 ص242. تاج العروس ج5 ص268. وقد اعتمدنا في غير واحد من مصادر هذا الفصل على ما في الغدير ج3و6.
68- سورة البقرة, الاية207. وحديث المبيت هذا من المتواتر المقطوع على صحته وقد أخرجه جمع غفير من أئمة الحديث منهم: الثعلبي في تفسيره. والغزالي في (إحياء العلوم) ج3 ص238.
والكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص114. والصفوري في (نزهة المجالس) ج2 ص209. وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص33. وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص21, والشبلنجي في نور الأبصار ص86. وفي المصادر الثلاثة الأخيرة: قال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعرا قآله في تلك الليلة:
وقبت بنفسي خير من وطأ الحصـــا***واكــرم خلق طاف بالبيت والحجـــــر
وبــــت أراعـــي منهم ما يسوءنـــي***وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وبات رســـــول الله فـــــي الغار آمنا***ومـــا زال فــي حفظ الآله وفي الستر
العم ابو علي
06-11-2006, 08:54 PM
هو حديث الغدير ؟
يُعتبر حديث الغدير من الأحاديث التاريخية الهامة والمصيرية التي أدلى بها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في السنة الأخيرة من حياته المباركة، وهي من الأحاديث التي تثبت إمامة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) وتوجب ولايته على جميع المؤمنين بعد ولاية الله تعالى وولاية رسوله المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) بكل صراحة ووضوح.
ثم إن حديث الغدير حديث متواتر [1] رواه المحدثون عن أصحاب النبي (صلَّى الله عليه وآله) وعن التابعين بصيغٍ مختلفة، تؤكد جميعها على إمامة الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، لكون الجوهر الأصلي فيه واحد وإن اختلفت بعض العبارات.
أما نسبة الحديث إلى الغدير فيعود سببه إلى أن النبي أدلى بهذا الحديث على أرض غدير خم [2] في اجتماع حاشد يضم ما يربو على مائة ألف من المسلمين وذلك بعد رجوعه من أداء مناسك الحج في آخر سنة من حياته المباركة.
وقد تناقلت المصادر الإسلامية السنية والشيعية على حد سواء حديث الغدير في كتب التفسير والحديث والتاريخ والكلام وغيرها بأكثر من عشر صيغ وفي ما يقارب المائة من الكتب المعتبرة المعتمدة.
أما رواة حديث الغدير الذين تمكّن التاريخ من ضبط أسمائهم فهم: من الأصحاب (110) صحابياً ومن التابعين (84) تابعياً، وأما رواة هذا الحديث من العلماء والمحَدِّثين فيبلغ عددهم (370) راوياً [3]، كما ألّف علماء الإسلام كتبا مستقلة في هذا الحديث إذعاناً منهم بأهمية هذا الحديث وصحته ومصيريّة موضوعه [4]، وفي ما يلي نذكر بعض النماذج التي أوردها علماء السنة في كتبهم رعاية للاختصار، ومن شاء التفصيل فليراجع مصادر الحديث [5].
1- احمد بن حنبل: أبو عبد الله احمد بن حنبل بن هلال الشيباني، المتوفى سنة: 241 هجرية، عن البراء بن عازب، قال: كنا مع رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) في سفر فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكُسح لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) تحت شجرتين فصلى الظهر واخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: "ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟
قالوا: بلى.
قال: "ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه"؟
قالوا: بلى.
فاخذ بيد علي فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه".
فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة [6].
2- الخطيب البغدادي: أبو بكر احمد بن علي، المتوفى سنة: 463 هجرية، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لمّا اخذ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بيد علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) فقال: " ألست أولى بالمؤمنين " ؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كل مسلم [7].
3- ابن حجر: احمد بن حجر الهيثمي، المتوفى سنة: 974 هجرية، أن النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض من ابغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار ".
وقال ابن حجر حول حديث الغدير: انه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي واحمد، وطرقه كثيرة جدا، ومن ثم رواه ستة عشر صحابيا، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (صلَّى الله عليه وآله) ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي لما نُوزع أيام خلافته [8]... وكثيرا من أسانيدها صحاح وحِسان، ولا التفات لمن قدح في صحته [9].
ومما تقدّم يمكن استخلاص النقاط التالية:
- أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إنما أدلى بهذا الحديث بأمر من الله تعالى وذلك بعد نزول آية التبليغ وهي: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }[10]، في يوم الغدير تحثّه على تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) خليفةً له وإماماً للناس[11].
- التدبر في الآية السابقة ولهجتها الصارمة بصورة عامة، مضافا إلى التدبر في دلالة {... وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...} يكشف لنا عن حساسية القضية وخطورة المسالة المطروحة.
- إن انتخاب " غدير خم " الصحراء القاحلة التي يلفحها الهجير وتلتهب رمالها بوهج الظهيرة كمكان لإلقاء حديث الغدير، وانتخاب المقطع الأخير من حياة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) كزمان لإلقاء الحديث، وانتخاب الاجتماع التاريخي الحاشد الذي يشكله الحجاج العائدون من بيت الله الحرام كمستمعين لهذا الخطاب التاريخي الهام، إلى غيرها من الأمور إن عبرت عن شيء فإنما تعبّر عن أهمية ما أمر الله النبي (صلَّى الله عليه وآله) بإبلاغه، وهو تعيين المسار القيادي للأمة الإسلامية دينيا وسياسيا.
- عدم إبلاغ النبي (صلَّى الله عليه وآله) الناسَ بولاية أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يُعدّ مساويا لعدم تبليغ الرسالة الإلهية، وهذا مما يُبين أهمية مسالة الإمامة والقيادة ويفهم هذا المعنى من قول الله تعالى: {... وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه...}.
- إن المخطط الإلهي للحياة البشرية مخطط حكيم وكامل ولا يمكن أن يهمل مسالة قيادة الأمة الإسلامية بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بدون تخطيط أو يترك الأمة من غير راعٍ وولي، وهذا مما يدفع بالأمة إلى الانزلاق نحو هاوية الفتن والصراعات والتناقضات، ويكون سبباً لإهدار أتعاب الرسالة، وهو ما لا يقبله العقل السليم و لا يصدقه الشرع طبعاً.
- إن نزول آية الإكمال وهي: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا... }[12] في يوم الغدير بعد إبلاغ النبي (صلَّى الله عليه وآله) الناسَ بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) لدليل واضح على أن اكتمال أهداف الرسالة وضمان عدم وقوع انحرافٍ أو فراغٍ تشريعي أو قيادي أو سياسي بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، إنما يتحقق في حالة استمرارية القيادة المنصوبة والمنصوص عليها من قبل الله.
- وفي ضوء ما تقدمت الإشارة إليه من النقاط يمكن أن نفهم عمق العلاقة بين النصوص القرآنية [13] والحدث التاريخي الكبير في يوم الغدير الذي تمّ من خلاله تعيين الخليفة والإمام من قبل رب العالمين، وبواسطة رسوله الأمين (صلَّى الله عليه وآله)[14].
- وأخيرا: الحديث يحمل دلالة واضحة وصريحة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) باعتباره المرشح الوحيد لتسلّم زمام الأمة بعد النبي (صلَّى الله عليه وآله)، وكونه الولي الشرعي المنصوب من قبل رب العالمين بواسطة سيد الأنبياء والمرسلين (صلَّى الله عليه وآله).
وهو الأمر الذي اعتبره الله عَزَّ و جَلَّ تكميلاً للرسالة وتتميماً للنعمة إذ قال: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا...}.
الهوامش:
1- صرّح بتواتر حديث الغدير جماعة من علماء السنة، كما اعترف جماعة بصحته، نذكر منهم:
- الغزّالي: أبو حامد محمد بن محمد، المتوفى سنة: 505 هجرية في كتابه: سر العالمين: 13، طبعة: مكتبة الجندي / مصر.
- شمس الدين الشافعي: أبو الخير شمس الدين بن محمد بن محمد بن الجزري، المتوفى سنة: 833 هجرية في كتابه: أسنى المطالب: 47، طبعة: طهران / إيران.
- القسطلاني: في كتابه: شرح المواهب اللدنية: 7 / 13، طبعة: المطبعة الأزهرية / القاهرة.
- المنصور بالله: الحسين بن امير المؤمنين المنصور بالله، القاسم بن محمد، المتوفى سنة: 1050 هجرية في كتابه: هداية العقول إلى غاية المسؤول في علم الأصول: 2/ 45، طبعة: صنعاء / اليمن.
2- غدير خم: موضع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة على مقربة من الجحفة التي هي من المواقيت التي يُحرِم منها الحجاج للحج أو العمرة.
3- لمعرفة أسماء رواة حديث الغدير يراجع: الغدير في الكتاب والسنة والأدب، لمؤلفه القدير العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (قدَّس الله نفسه الزَّكية)، المتوفى سنة: 1390 هجرية.
4- لمعرفة أسماء المؤلفين في حديث الغدير يراجع: الغدير في الكتاب والسنة والأدب: 1/ 152- 157.
5- المصادر التي ذكرت حديث الغدير كثيرة جداً لا مجال لذكرها، لكننا هنا نُشير إلى بعضها كما يلي:
1- مسند احمد بن حنبل: 4 / 368، طبعة: دار صادر / بيروت.
2- خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 98، طبعة بيروت.
3- السيرة الحلبية: 3 / 274، طبعة: دار إحياء التراث العربي / بيروت.
4- كنز العمال: 5/ 290، طبعة: منشورات التراث الإسلامي / حلب.
6- مسند احمد بن حنبل: 4/ 281، طبعة: دار صادر / بيروت.
7- تاريخ بغداد: 8/ 290، طبعة: دار الكتب العلمية / بيروت.
8- تجدر الإشارة هنا إلى أن الإمام أمير المؤمنين () عندما نُوزِعَ في الخلافة جَمَعَ الناس في "الرحبة " واستشهدهم قائلا: انشد الله كل امرئ إلا قام وشهد بما سمع ـ أي بما سمع من رسول الله يوم الغدير ـ ولا يقم إلا من رآه بعينه وسمعه بأذنيه، فقام ثلاثون صحابيا فيهم اثنا عشر بدريا، فشهدوا...يقول العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين (قدَّس الله نفسه الزَّكية): ولا يخفى أن يوم الرحبة إنما كان في خلافة أمير المؤمنين، وقد بويع سنة خمس وثلاثين، ويوم الغدير إنما كان في حجة الوداع سنة عشر، فبين اليومين ـ في أقل الصور ـ خمس وعشرين سنة، كان في خلالها طاعون عمواس، وحروب الفتوحات والغزوات على عهد الخلفاء الثلاثة، وهذه المدة ـ وهي ربع قرن ـ بمجرد طولها وبحروبها وغاراتها، وبطاعون عمواسها الجارف، قد أفنت جُل من شهد يوم الغدير من شيوخ الصحابة وكهولهم، ومن فتيانهم المتسرعين ـ في الجهاد ـ إلى لقاء الله عَزَّ و جَلَّ ورسوله () حتى لم يبق منهم حيّا بالنسبة إلى من مات إلا القليل والأحياء كانوا منتشرون في الأرض... المراجعات: 172، طبعة: دار المرتضى.
العم ابو علي
06-11-2006, 08:55 PM
الصواعق المحرقة في الرّد على أهل البدع والزندقة: 64، طبعة: القاهرة.
10- سورة المائدة: الآية 67.
11- صرّح الكثير من المفسرين بأن نزول آية التبليغ كان في يوم الغدير لدى رجوع النبي () من حجة الوداع في مكان يسمى بـ " غدير خم "، وفي ما يلي نشير إلى بعض من صرّح بذلك:
1. أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة 127 هجرية، عن ابن عباس، قال: نزلت الآية: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } في علي حيث أمر الله سبحانه أن يخبر الناس بولايته، فتخوّف رسول الله () أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله تعالى إليه، فقام بولايته يوم غدير خم، وأخذ بيده، فقال رسول الله (): " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه " روح المعاني: 4 / 282، طبعة: دار الفكر / بيروت.
2. أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، المتوفى سنة: 468 هجرية، عن أبي سعيد الخدري، قال: " نزلت هذه الآية:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } يوم غدير خم، في علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أسباب النزول : 115، طبعة: المكتبة الثقافية / بيروت.
3. عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري: روى بإسناده عن ابن عباس في قوله عَزَّ و جَلَّ: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } الآية، قال: نزلت في علي، أمر رسول الله () أن يبلّغ فيه، فأخذ رسول الله () بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " شواهد التنزيل: 1 / 190، طبعة: منشورات الأعلمي / بيروت.
4. فخر الدين الرازي، المتوفى سنة: 604 هجرية: ذكر من جملة الوجوه الواردة في سبب نزول آية: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } أنها نزلت في الإمام أمير المؤمنين ()، وعَدَّه الوجه العاشر من الوجوه المذكورة، قال: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب ()، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه "، فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي، التفسير الكبير: 12 / 42، طبعة: دار الكتب العلمية / بيروت.
5. جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة: 911 هجرية: روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: " نزلت هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } على رسول الله () يوم غدير خم في علي بن أبي طالب " الدر المنثور: 3 / 117، طبعة محمد أمين / بيروت.
12- سورة المائدة: الآية 3.
13- المراد من النصوص القرآنية الآيات التالية:
1. آية التبليغ وهي: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }( سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ).
2. آية الإكمال وهي: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... } ( سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ).
3. الآيات الأوائل من سورة المعارج، وهي:{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ } (سورة المعارج ( 70 ) ، الآيات : 1 ـ 3 )، ولقد صرّح غير واحدٍ من المفسرين والمحدثين بنزول العذاب على جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري ـ أو غيره على خلاف ـ وهلاكه، والقصة يرويها الحافظ أبو عبد الله الهروي كالتالي: لمّا بلغ رسول الله () غدير خم ما بلغ، وشاع ذلك في البلاد، أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري، فقال: يا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمّك ففضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله ؟ فقال رسول الله (): " والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله " فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارةً من السماء، أو أتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها ـ أي إلى الراحلة ـ حتى رماه الله بحجرٍ فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى:{ سأل سائل بعذاب واقع … } الآية، الغدير في الكتاب والسنة والأدب: 1 / 239، للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (قدَّس الله نفسه الزَّكية)، وقد ذكر المؤلف مجموعة من المصادر التي ذكرت أن الآية نزلت بهذه المناسبة.
14- صرّح الكثير من المفسرين والمؤرخين بنزول هذه الآية في الإمام علي () في يوم الغدير وفي ما يلي نشير إلى بعض من صرّح منهم بذلك، على سبيل المثال لا الحصر:
1. أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة 127 هجرية، عن أبي سعيد الخدري قال: إن هذه الآية: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...} نزلت بعد أن قال رسول الله () لعلي (كرّم الله وجهه) في غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فلما نزلت، قال: " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي وولاية علي (كرّم الله وجهه) بعدي"، روح المعاني: 4 / 91، طبعة دار الفكر بيروت.
2. أبو المؤيد، الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي، المتوفى سنة: 568 هجرية، روى بإسناده، عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله () لما دعا الناس إلى علي () في غدير خم وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقُمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله () ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...} فقال رسول الله (): " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي" مناقب علي بن أبي طالب: 135، طبعة: قم / إيران.
3. أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر، المتوفى سنة: 571، روى بإسناده عن أبي هريرة قال: من صام ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي () بيد علي فقال: " ألست ولي المؤمنين " ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كل مسلم، فأنزل الله: {... اليوم أكملت لكم دينكم …}، تاريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام علي (): 2 / 78، طبعة: دار الفكر / بيروت.
4. ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى سنة: 774 هجرية، قال في تفسيره: إن الآية: {.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... } نزلت على رسول الله () في مسيره إلى حجة الوداع، تفسير القرآن العظيم: 2 / 15، طبعة: دار المعرفة / بيروت.
5. جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة: 911 هجرية، روى في تفسيره عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نصب رسول الله () علياً يوم غدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه بهذه الآية: { اليوم أكملت لكم دينكم }، الدر المنثور: 3 / 19، وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري في كتابه الإتقان قال: إن الآية: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...} نزلت يوم غدير خم، الإتقان في علوم القرآن: 1 / 54، طبعة دار إحياء العلوم / بيروت. إلى غير ذلك ممن صرّح بذلك ولا مجال هنا لذكرهم.
العم ابو علي
06-11-2006, 08:57 PM
التتويج يوم الغدير
العمائم تيجان العرب
ولمّا عرفت من تعيين صاحب الخلافة الكبرى للملوكيّة الإسلامية ونيله ولاية العهد النبوي، كان من الحريّ تتويجه بما هو شارة الملوك وسمة الأمراء، ولمّا كانت التيجان المكلّلة بالذهب والمرصعــة بالجواهر من شأن ملوك الفرس، ولم يكن للعرب منها بدلٌ إلاّ العمائم، فكان لا يلبسها إلاّ العظماء والأشراف منهم، ولذلك جاء عن رسول الله () قوله: «العمائم تيجان العرب»، رواه القضاعي(1) والديلمي(2)، وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير 2: 155(3)، وأورده ابن الأثير في النهاية(4).
وقال المرتضى الحنفي الزبيدي في تاج العروس 2: 12: التاج: الاكليل والفضة والعمامة، والأخير على التشبيه جمع تيجان وأتواج، والعرب تسمّي العمائم: التاج، وفي الحديث: «العمائم تيجان العرب» جمع تاج، وهو: ما يُصاغ للملوك من الذهب والجوهر، أراد: أنّ العمائم بمنزلة التيجان للملوك، لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤوس أو بالقلانس، والعمائم فيهم قليلة، والاكاليل تيجان ملوك العجم، وتوّجه أي: سوّده وعمّمه.
وفي 8: 410: ومن المجاز عُمّم بالضم أي: سوّد، لان تيجان العرب العمائم، فكلّما قيل في العجم: توّج من التاج، قيل في العرب: عمّم، قال: وفيهم إذ عمّم المعمّم، وكانوا إذا سوّدوا رجلاً عمّموه عمامة حمراء، وكانت الفرس تتوّج ملوكها فيقال له: المتوّج.
وعدّ الشبلنجي في نور الأبصار: 25 من ألقاب رسول الله (): صاحب التاج، فقال: المراد العمامة، لان العمائم تيجان العرب كما جاء في الحديث(5) .
تتويج النبي لعلي بالعمامة
فعلى هذا الأساس، عمّمه رسول الله () هذا اليوم بهيئة خاصّة تُعرب عن العظمة والجلال، وتوّجه بيده الكريمة بعمامته (السحاب) في ذلك المحتشد العظيم، وفيه تلويحٌ أنّ المتوّج بها مقيَّض ـ بالفتح ـ بإمرة كإمرته ()، غير أنّه مبلّغ عنه وقائمٌ مقامه من بعده.
روى الحافظ عبد الله بن أبي شيبة، وأبو داود الطيالسي(6)، وابن منيع البغوي، وأبو بكر البيهقي، كما في كنز العمال 8: 60(7) عن عليّ قال: عمّمني رسول الله () يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي.
وفي لفظ: فسدل طرفها على منكبي.
ثم قال: «إنّ الله أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمّة».
وقال: «إن العمامة حاجزةٌ بين الكفر والإيمان».
ورواه من طريق السيوطي عن الأعلام الأربعة السيد أحمد القشاشي(8) في السمط المجيد(9).
وفي كنز العمال 8: 60، عن مسند عبد الله بن الشخير، عن عبد الرحمن بن عدي البحراني، عن أخيه عبد الأعلى بن عديّ: أنّ رسول الله () دعا عليّ بن أبي طالب فعمّمه وأرخى عَذَبةَ(10) العمامة من خلفه (الديلمي)(11).
وعن الحافظ الديلمي، عن ابن عبّاس قال: لَمّا عمّم رسول الله () عليّاً بالسحاب(12) قال له: «يا علي العمائم تيجان العرب»(13).
وعن ابن شاذان في مشيخته، عن علي: أنّ النبي () عمّمه بيده، فذنب العمامة من ورائه ومن بين يديه، ثم قال له النبي (): «أدبر»، فأدبر، ثم قال له: «أقبل»، فأقبل، وأقبل على أصحابه، فقال النبي (): «هكذا تكون تيجان الملائكة»(14).
وأخرج الحافظ أبو نعيم في معرفة الصحابة، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة 2: 217(15) ، عن عبد الأعلى بن عديّ النهرواني: أنّ رسول الله () دعا عليّاً يوم غدير خم فعمّمه، وأرخى عَذَبة العمامة من خلفه.
وذكره العلامة الزرقاني في شرح المواهب 5: 10.
وأخرج شيخ الإسلام الحمويني في الباب الثاني عشر من فرائد السمطين، من طريق أحمد بن منيع، بإسناد فيه عدةٌ من الحفّاظ الإثبات، عن أبي راشد، عن علي قال: قال رسول الله (): «إنّ الله عزّ وجلّ أيّدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمّين هذه العمّة، والعمّة الحاجز بين المسلمين والمشركين»، قاله لعليّ لمّا عمّمه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها على منكبه(16).
وأخرج بإسناد آخر من طريق الحافظ أبي سعيد الشاشي ص 103(17) أنّ رسول الله () عمّم عليّ بن أبي طالب ()عمامته السحاب، فأرخاها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: «أقبل»، فأقبل، ثم قال: «أدبر»، فأدبر، قال: «هكذا جاءتني الملائكة»(18).
وبهذا اللفظ رواه جمال الدين الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين(19)، وجمال الدين الشيرازي في أربعينه(20)، وشهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل(21)، وزادوا: ثم قال (): «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله».
وأخرج الحمويني بإسناد آخر، من طريق الحافظ أبي عبد الرحمن بن عائشة، عن عليّ قال: عمّمني رسول الله () يوم غدير خم بعمامة، فسدل نمرقها(22) على منكبي وقال: «إنّ الله أيّدني(23) يوم بدر وحنين بملائكة معتمين بهذه العمامة(24).
وبهذا اللفظ رواه ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة: 27(25)، والحافظ الزرندي في نظم درر السمطين(26)، والسيد محمود القادري المدني في الصراط السوي(27)-(28).
فائدة: [علي في السحاب]
قال أبو الحسين الملطي(29) في التنبيه والردّ: 26: قولهم ـ يعني الروافض ـ عليّ في السحاب، فإنّما ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لعلي: «أقبل» وهو معتمّ بعمامة للنبي (صلى الله عليه وسلم) كانت تُدعى السحاب، فقال (صلى الله عليه وسلم): «قد أقبل عليّ في السحاب»، يعني: في تلك العمامة التي تسمّى السحاب، فتأولوه هؤلاء على غير تأويله(30).
وقال الغزالي كما في البحر الزخار: 215: كانت له عمامة تسمّى السحاب، فوهبها من عليّ، فربما طلع عليّ فيها فيقول (صلى الله عليه وسلم): «أتاكم عليّ في السحاب»(31).
وقال الحلبي في السيرة 3: 369: كان له (صلى الله عليه وسلم) عمامة تسمّى السحاب كساها عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، فكان ربما طلع عليه عليّ كرم الله وجهه فيقول (صلى الله عليه وسلم): «أتاكم عليّ في السحاب»، يعني: عمامته التي وهبها له (صلى الله عليه وسلم)(32)-(33). هذا معنى ما يُعزى إلى الشيعة من قولهم: إن علياً في السحاب، ولم يأوّله أيّ أحد منهم قطّ من أول يومهم على غير تأويله كما حسبه الملطي، وإنّما أوّله الناس افتراءً علينا، والله من ورائهم حسيب.
فيوم التتويج هذا أسعد يوم في الإسلام، وأعظم عيد لموالي أمير المؤمنين ()، كما أنه مثار حنق وأحقاد لمن ناوأه من النواصب. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ)(سورة عبس: الآيات 38-41).
القربات يوم الغدير
بما أنّ هذا اليوم يومٌ أكمل الله به الدين وأتمّ النعمة على عباده، حيث رضي بمولانا أمير المؤمنين إماماً عليهم، ونصبه عَلماً للهدى، يحدو بالاُمة إلى سنن السعادة وصراط حقّ مستقيم، ويقيهم عن مساقط الهلكة ومهاوي الضلال، فلن تجد بعد يوم المبعث النبوي يوماً قد أُسبغت فيه النعم ظاهرةً وباطنةً، وشملت الرحمة الواسعة، أعظم من هذا اليوم الذي هو فرع ذلك الأساس المقدّس ومسدِّد تلك الدعوة القدسية.
كان من واجب كلّ فرد من أفراد الملا الديني القيام بشكر تلكم النعم بأنواع من مظاهر الشكر، والتزلّف إليه سبحانه بما يتسنّى له من القرَب من صَلاة وصوم وبرّ وصلة رحم وإطعام واحتفال باليوم بما يناسب الوقت والمجتمع، وفي المأثور من ذلك أشياء، منها: الصوم.
حديث صوم يوم الغدير
أخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفّى 463، في تاريخه 8: 290، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، عن الحافظ علي بن عمر الدارقطني، عن أبي نصر حبشون الخلال، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لمّا أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «ألست ولي المؤمنين؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فقال عمر بن الخطاب: بَخ بَخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: (اليوم أكملت لكم دينكم) ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل () على محمد (صلى الله عليه وسلم)بالرسالة.
ورواه بطريق آخر عن علي بن سعيد الرملي.
وأخرج العاصمي في زين الفتى قال: أخبرنا محمد بن أبي زكريا، أخبرنا أبو إسماعيل بن محمد الفقيه، أخبرنا أبو محمد يحيى ابن محمد العلوي الحسيني، أخبرنا إبراهيم بن محمد العامي، أخبرنا حبشون بن موسى البغدادي، حدّثنا علي بن سعيد الشامي، حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذب... إلى آخر السند والمتن المذكورين، من دون ذكر صوم المبعث.
وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن السماك، حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدّثني علي بن سعيد الرملي... إلى آخر السند والمتن(34).
ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرته: 18(35)، والخطيب الخوارزمي في مناقبه: 94(36) ـ من طريق الحافظ البيهقي، عن الحافظ الحاكم النيسابوري ابن البيّع صاحب المستدرك، عن أبي يعلى الزبيري، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله البزاز، عن علي بن سعيد الرملي... إلى آخره ـ وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب الثالث عشر، من طريق الحافظ البيهقي(37)-(38).
العم ابو علي
06-11-2006, 08:58 PM
العمائم تيجان العرب
ولمّا عرفت من تعيين صاحب الخلافة الكبرى للملوكيّة الإسلامية ونيله ولاية العهد النبوي، كان من الحريّ تتويجه بما هو شارة الملوك وسمة الأمراء، ولمّا كانت التيجان المكلّلة بالذهب والمرصعــة بالجواهر من شأن ملوك الفرس، ولم يكن للعرب منها بدلٌ إلاّ العمائم، فكان لا يلبسها إلاّ العظماء والأشراف منهم، ولذلك جاء عن رسول الله () قوله: «العمائم تيجان العرب»، رواه القضاعي(1) والديلمي(2)، وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير 2: 155(3)، وأورده ابن الأثير في النهاية(4).
وقال المرتضى الحنفي الزبيدي في تاج العروس 2: 12: التاج: الاكليل والفضة والعمامة، والأخير على التشبيه جمع تيجان وأتواج، والعرب تسمّي العمائم: التاج، وفي الحديث: «العمائم تيجان العرب» جمع تاج، وهو: ما يُصاغ للملوك من الذهب والجوهر، أراد: أنّ العمائم بمنزلة التيجان للملوك، لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤوس أو بالقلانس، والعمائم فيهم قليلة، والاكاليل تيجان ملوك العجم، وتوّجه أي: سوّده وعمّمه.
وفي 8: 410: ومن المجاز عُمّم بالضم أي: سوّد، لان تيجان العرب العمائم، فكلّما قيل في العجم: توّج من التاج، قيل في العرب: عمّم، قال: وفيهم إذ عمّم المعمّم، وكانوا إذا سوّدوا رجلاً عمّموه عمامة حمراء، وكانت الفرس تتوّج ملوكها فيقال له: المتوّج.
وعدّ الشبلنجي في نور الأبصار: 25 من ألقاب رسول الله (): صاحب التاج، فقال: المراد العمامة، لان العمائم تيجان العرب كما جاء في الحديث(5) .
تتويج النبي لعلي بالعمامة
فعلى هذا الأساس، عمّمه رسول الله () هذا اليوم بهيئة خاصّة تُعرب عن العظمة والجلال، وتوّجه بيده الكريمة بعمامته (السحاب) في ذلك المحتشد العظيم، وفيه تلويحٌ أنّ المتوّج بها مقيَّض ـ بالفتح ـ بإمرة كإمرته ()، غير أنّه مبلّغ عنه وقائمٌ مقامه من بعده.
روى الحافظ عبد الله بن أبي شيبة، وأبو داود الطيالسي(6)، وابن منيع البغوي، وأبو بكر البيهقي، كما في كنز العمال 8: 60(7) عن عليّ قال: عمّمني رسول الله () يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي.
وفي لفظ: فسدل طرفها على منكبي.
ثم قال: «إنّ الله أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمّة».
وقال: «إن العمامة حاجزةٌ بين الكفر والإيمان».
ورواه من طريق السيوطي عن الأعلام الأربعة السيد أحمد القشاشي(8) في السمط المجيد(9).
وفي كنز العمال 8: 60، عن مسند عبد الله بن الشخير، عن عبد الرحمن بن عدي البحراني، عن أخيه عبد الأعلى بن عديّ: أنّ رسول الله () دعا عليّ بن أبي طالب فعمّمه وأرخى عَذَبةَ(10) العمامة من خلفه (الديلمي)(11).
وعن الحافظ الديلمي، عن ابن عبّاس قال: لَمّا عمّم رسول الله () عليّاً بالسحاب(12) قال له: «يا علي العمائم تيجان العرب»(13).
وعن ابن شاذان في مشيخته، عن علي: أنّ النبي () عمّمه بيده، فذنب العمامة من ورائه ومن بين يديه، ثم قال له النبي (): «أدبر»، فأدبر، ثم قال له: «أقبل»، فأقبل، وأقبل على أصحابه، فقال النبي (): «هكذا تكون تيجان الملائكة»(14).
وأخرج الحافظ أبو نعيم في معرفة الصحابة، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة 2: 217(15) ، عن عبد الأعلى بن عديّ النهرواني: أنّ رسول الله () دعا عليّاً يوم غدير خم فعمّمه، وأرخى عَذَبة العمامة من خلفه.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:00 PM
وذكره العلامة الزرقاني في شرح المواهب 5: 10.
وأخرج شيخ الإسلام الحمويني في الباب الثاني عشر من فرائد السمطين، من طريق أحمد بن منيع، بإسناد فيه عدةٌ من الحفّاظ الإثبات، عن أبي راشد، عن علي قال: قال رسول الله (): «إنّ الله عزّ وجلّ أيّدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمّين هذه العمّة، والعمّة الحاجز بين المسلمين والمشركين»، قاله لعليّ لمّا عمّمه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها على منكبه(16).
وأخرج بإسناد آخر من طريق الحافظ أبي سعيد الشاشي ص 103(17) أنّ رسول الله () عمّم عليّ بن أبي طالب ()عمامته السحاب، فأرخاها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: «أقبل»، فأقبل، ثم قال: «أدبر»، فأدبر، قال: «هكذا جاءتني الملائكة»(18).
وبهذا اللفظ رواه جمال الدين الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين(19)، وجمال الدين الشيرازي في أربعينه(20)، وشهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل(21)، وزادوا: ثم قال (): «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله».
وأخرج الحمويني بإسناد آخر، من طريق الحافظ أبي عبد الرحمن بن عائشة، عن عليّ قال: عمّمني رسول الله () يوم غدير خم بعمامة، فسدل نمرقها(22) على منكبي وقال: «إنّ الله أيّدني(23) يوم بدر وحنين بملائكة معتمين بهذه العمامة(24).
وبهذا اللفظ رواه ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة: 27(25)، والحافظ الزرندي في نظم درر السمطين(26)، والسيد محمود القادري المدني في الصراط السوي(27)-(28).
فائدة: [علي في السحاب]
قال أبو الحسين الملطي(29) في التنبيه والردّ: 26: قولهم ـ يعني الروافض ـ عليّ في السحاب، فإنّما ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لعلي: «أقبل» وهو معتمّ بعمامة للنبي (صلى الله عليه وسلم) كانت تُدعى السحاب، فقال (صلى الله عليه وسلم): «قد أقبل عليّ في السحاب»، يعني: في تلك العمامة التي تسمّى السحاب، فتأولوه هؤلاء على غير تأويله(30).
وقال الغزالي كما في البحر الزخار: 215: كانت له عمامة تسمّى السحاب، فوهبها من عليّ، فربما طلع عليّ فيها فيقول (صلى الله عليه وسلم): «أتاكم عليّ في السحاب»(31).
وقال الحلبي في السيرة 3: 369: كان له (صلى الله عليه وسلم) عمامة تسمّى السحاب كساها عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، فكان ربما طلع عليه عليّ كرم الله وجهه فيقول (صلى الله عليه وسلم): «أتاكم عليّ في السحاب»، يعني: عمامته التي وهبها له (صلى الله عليه وسلم)(32)-(33). هذا معنى ما يُعزى إلى الشيعة من قولهم: إن علياً في السحاب، ولم يأوّله أيّ أحد منهم قطّ من أول يومهم على غير تأويله كما حسبه الملطي، وإنّما أوّله الناس افتراءً علينا، والله من ورائهم حسيب.
فيوم التتويج هذا أسعد يوم في الإسلام، وأعظم عيد لموالي أمير المؤمنين ()، كما أنه مثار حنق وأحقاد لمن ناوأه من النواصب. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ)(سورة عبس: الآيات 38-41).
العم ابو علي
06-11-2006, 09:01 PM
حديث صوم يوم الغدير
أخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفّى 463، في تاريخه 8: 290، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، عن الحافظ علي بن عمر الدارقطني، عن أبي نصر حبشون الخلال، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لمّا أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «ألست ولي المؤمنين؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فقال عمر بن الخطاب: بَخ بَخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: (اليوم أكملت لكم دينكم) ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل () على محمد (صلى الله عليه وسلم)بالرسالة.
ورواه بطريق آخر عن علي بن سعيد الرملي.
وأخرج العاصمي في زين الفتى قال: أخبرنا محمد بن أبي زكريا، أخبرنا أبو إسماعيل بن محمد الفقيه، أخبرنا أبو محمد يحيى ابن محمد العلوي الحسيني، أخبرنا إبراهيم بن محمد العامي، أخبرنا حبشون بن موسى البغدادي، حدّثنا علي بن سعيد الشامي، حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذب... إلى آخر السند والمتن المذكورين، من دون ذكر صوم المبعث.
وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن السماك، حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدّثني علي بن سعيد الرملي... إلى آخر السند والمتن(34).
ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرته: 18(35)، والخطيب الخوارزمي في مناقبه: 94(36) ـ من طريق الحافظ البيهقي، عن الحافظ الحاكم النيسابوري ابن البيّع صاحب المستدرك، عن أبي يعلى الزبيري، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله البزاز، عن علي بن سعيد الرملي... إلى آخره ـ وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب الثالث عشر، من طريق الحافظ البيهقي(37)-(38).
رجال سند الحديث
1 ـ أبو هريرة:
أجمع الجمهور على عدالته وثقته، فلا نحتاج إلى بسط المقال فيه.
2 ـ شهر بن حوشب الأشعري:
عدّه الحافظ أبو نعيم من الأولياء، وأفرد له ترجمة ضافية في حليته 6: 59 - 67.
وحكى الذهبي في ميزانه ثناء البخاري عليه، وذكر عن أحمد ابن عبد الله العجلي، ويحيى، وابن شيبة، وأحمد، والنسوي ثقته(39).
وترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه 6: 343 وقال سُئل عنه الامام أحمد فقال: ما أحسن حديثه ووثّقه وأثنى عليه، وقال مرّة: ليس به بأس، وقال العجلي: هو شامي تابعي ثقة، ووثقه يحيى بن معين، وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقةٌ على أنّ بعضهم طعن فيه(40).
وترجمه ابن حجر في تهذيب التهذيب 4: 370، وحكى عن أحمد ثقته وحسن حديثه والثناء عليه، وعن البخاري حسن حديثه وقوّة أمره، وعن ابن معين ثقته وثبته، وعن العجلي ويعقوب والنسوي ثقته، وعن أبي جعفر الطبري أنه كان فقيهاً قارئاً عالماً. وهناك من ضعّفه، فهو كما قال أبو الحسن القطّان: لم يسمع له حجّة(41).
وقد أخرج الحديث عنه البخاري ومسلم والأئمة الأربعة الآخرون أرباب الصحاح: الترمذي، أبو داود، النسائي، ابن ماجة.
3 ـ مطر بن طهمان الورّاق أبو رجاء الخراساني، مولى علي، سكن البصرة وأدرك أنساً:
عدّه الحافظ أبو نعيم من الأولياء، وأفرد له ترجمة في حليته 3: 75، وروى عن أبي عيسى أنه قال: ما رأيت مثل مطر في فقهه وزهده.
وترجمه ابن حجر في تهذيبه 10: 167، ونقل قول أبي نعيم المذكور، وذكر ابن حبّان له في الثقات، وعن العجلي صدقه ونفي البأس عنه، وعن البزّاز: ليس به بأس رأى أنساً ولا نعلم أحداً يترك حديثه، مات 125، وقيل: 129، وقيل: قتله المنصور قرب 140(42).
أخرج عنه الحديث البخاري، ومسلم وبقية الأئمة الستّة أرباب الصحاح.
4 ـ أبو عبد الرحمن بن شوذب:
ذكره الحافظ أبو نعيم من الأولياء في حليته 6: 129-135، وروى عن كثير بن الوليد أنّه قال: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:02 PM
وحكى الجزري في خلاصته:170 عن أحمد وابن معين ثقته(43).
وفي تهذيب ابن حجر 5: 255 ما ملخّصه: سمع الحديث وتفقّه، كان من الثقات، قال سفيان الثوري: كان من ثقات مشايخنا، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وغيره، وعن أبي طالب والعجلي وابن عمار وابن معين والنسائي: أنه ثقة، ولد 86، وتُوفّي 144/156/157، أخرج حديثه الأئمة الستّة غير مسلم، وصحّح حديثه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه(44).
5 ـ ضمرة بن ربيعة القرشي، أبو عبد الله الدمشقي، المتوفّى 182 - 200 - 202:
ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه 7: 36، وحكى عن أحمد أنه قال: بلغني إنّه كان شيخاً صالحاً، وقال لما سئل عنه: ذلك الثقة المأمون رجلٌ صالحٌ مليح الحديث، ونقل عن ابن معين ثقته، وعن ابن سعد: كان ثقةً مأموناً خيّراً لم يكن هناك أفضل منه، وعن ابن يونس: كان فقيهاً في زمانه(45).
وذكر الجزري في خلاصته: 150 ثقته عن أحمد والنسائي وابن معين وابن سعد(46).
وفي تهذيب ابن حجر ما ملخّصه: عن أحمد: رجل صالح الحديث من الثقات المأمونين لم يكن بالشام رجل يشبهه، وعن ابن معين والنسائي وابن حبان والعجلي: ثقةٌ، وعن أبي حاتم: صالحٌ، وعن ابن سعد وابن يونس ما مرّ عنهما. أخرج الحديث من طريقه الأئمة أرباب الصحاح غير مسلم، وصحّح حديثه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه(47).
6 ـ أبو نصر علي بن سعيد أبي حملة الرملي: المتوفى 216، كذا أرّخه البخاري(48). وثّقه الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 224 وقال: ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً إلى الآن تكلَّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يُخرج له أحدٌ من أصحاب الكتب الستّة مع ثقته(49).
وترجمه بعنوان علي بن سعيد أيضاً وقال: يثبت في أمره كأنه صدوق(50).
واختار ابن حجر ثقته في لسانه 4: 227 وأورد على الذهبي وقال: إذا كان ثقة ولم يتكلّم فيه أحد فكيف تذكره في الضعفاء(51)!.
7 ـ أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال المتوفّى 331: ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 289 - 291 وقال: كان ثقةً يسكن باب البصرة من بغداد، وحكى عن الحافظ الدارقطني: أنه صدوق.
8 ـ الحافظ عليّ بن عمر أبو الحسن البغدادي الشهير بدارقطني صاحب السنن المتوفّى 385: ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه 12: 34 - 40 وقال: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الاثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق، والامانة، والفقه، والعدالة، وقبول الشهادة، وصحّة الاعتقاد، وسلامة المذهب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث. وحكى عن أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري أنّه قال: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، وما رأيت حافظاً ورد بغداد إلاّ مضى إليه وسلّم له، يعني: فسلّم له التقدمة في الحفظ وعلوّ المنزلة في العلم، ثم بسط القول في ترجمته والثناء عليه.
وترجمه ابن خلكان في تاريخه 1: 359 وأثنى عليه(52)، والذهبي في تذكرته 3: 199 - 203 وقال: قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القرّاء والنحويّين، وأقمتُ في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وُصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، وله مصنّفات يطول ذكرها، فأشهد أنّه لم يخلف على أديم الأرض مثله... إلى آخره(53).
وهناك توجد في كثير من المعاجم جمل الثناء عليه في تراجم ضافية لا نطيل بذكرها المقام، ولقد أطلنا القول في إسناد هذا الحديث لان نوقفك على مكانته من الصحّة، وأنّ رجاله كلّهم ثقات، وبلغت ثقتهم من الوضوح حدّاً لا يسع معه أيّ محوّر للقول أو متمحّل في الجدل أن يغمز فيها، فتلك معاجم الرجال حافلة بوصفهم بكلّ جميل.
على أنّ ما فيه من نزول الآية الكريمة: (اليومَ أكملتُ لَكُم دينكم)(سورة المائدة: الآية 3) يوم غدير خمّ معتضدٌ بكلّ ما أسلفناه من الأحاديث الناصّة بذلك، وفي رواتها مثل: الطبري(54)، وابن مردويه(55)، وأبي نعيم(56)، والخطيب(57)، والسجستاني(58)، وابن عساكر(59)، والحسكاني(60)، وأضرابهم من الأئمة والحفّاظ.
شبهة ابن كثير حول صوم يوم الغدير
فإذا وضح لديك ذلك فهلم معي إلى ما يتعقّبه ابن كثير(61) هذا الحديث، ويحسب أنّه حديث منكَر بل كذب، لِما رُوي من نزول الآية يوم عرفة من حجّة الوداع!
وإن تعجب فعجب أن يجزم جازم بمنكريّة أحد الفريقين في الروايات المتعارضة وهما متكافئان في الصحة، فليت شعري أيّ مرجّح في الكفّة المقابلة لحديثنا بالصحة، وما المطفف في الميزان في كفّه هذا الحديث؟! مع إمكان معارضة ابن كثير بمثل قوله في الجانب الآخر، لمخالفته لما أثبتناه من نزول الآية الكريمة، وهل لمزعمة ابن كثير مبرّر؟ غير أنّه يهوى أن يزحزح القرآن الكريم عن هذا النبأ العظيم! وإلاّ لكان في وسعه أن يقول كما قال سبط ابن الجوزي في تذكرته: 18: بإمكان نزولها مرّتين(62).
ولابن كثير في تاريخه 5: 214 شبهة أخرى في تدعيم إنكاره للحديث، وهي: حسبان أنّ ما فيه من أنّ صوم يوم الغدير يعدل ستّين شهراً يستدعي تفضيل المستحبّ على الواجب، لانّ الوارد في صوم شهر رمضان كلّه أنّه يقابل بعشرة أشهر، وهذا منكر من القول باطل! انتهى(63).
العم ابو علي
06-11-2006, 09:04 PM
دفع شبهة ابن كثير
ويقال في دحض هذه المزعمة بالنقض تارة، وبالحلّ أخرى:
أمّا النقض: فبما جاء من أحاديث جمّة لا يسعنا ذكر كلّها، بل جلّها(64)، ونقتصر منها بعدّة أحاديث، وهي:
1 ـ حديث من صام رمضان ثم أتبعه بستّ من شوال فكأنّما صام الدهر.
أخرجه مسلم بعدّة طرق في صحيحه 1: 323(65)، وأبو داود في سننه 1: 381(66) ، وابن ماجة في سننه 1: 524(67) ، والدارمي في سننه 2: 21، وأحمد في مسنده 5: 417 و419(68) ، وابن الديبع في تيسير الوصول 2: 329(69) نقلاً عن الترمذي(70) ومسلم، وعليه أسند قوله كلّ مَن ذهب إلى استحباب صوم هذه الأيّام الستّة.
2 ـ حديث من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة.
أخرجه ابن ماجة في سننه 1: 524(71) ، والدارمي في سننه 2: 21، وأحمد في مسنده 3: 308 و324 و344 و 5: 280(72) ، والنسائي(73) وابن حبان في سننهما(74) وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير 2: 79(75).
3 ـ كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأمر بصيام الأيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ويقول: «هو كصوم الدهر أو كهيئة الدهر».
أخرجه ابن ماجة في سننه 1: 522(76) ، والدارمي في سننه 2: 19.
4 ـ ما من أيّام الدنيا أيّام أحبّ إلى الله سبحانه أن يتعبّد له فيها من أيّام العشر في ذي الحجّة، وأنّ صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر.
أخرجه ابن ماجة في سننه 1: 527(77) ، والغزالي في إحياء العلوم 1: 227 وفيه: من صام ثلاثة أيّام من شهر حرام: الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكلّ يوم عبادة تسعمائة عام(78).
5 ـ عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيّام العشر بكلّ يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم. قال: يعني في الفضل. أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب 2: 66، نقلاً عن البيهقي والاصبهاني(79).
6 ـ صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدهر وإفطاره.
أخرجه أحمد في مسنده 5: 34(80)، وابن حبان في صحيحه(81)، وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير 2: 78(82)، وأخرجه النسائي(83)، وأبو يعلى في مسنده(84)، والبيهقي عن جرير بلفظ: صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر صيام الدهر، كما في الجامع الصغير 2: 78(85)، وأخرج الترمذي(86) والنسائي(87) كما في تيسير الوصول 2: 330(88): من صام من كلّ شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله تعالى تصديق ذلك في كتابه: (مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)(سورة الأنعام: الآية 160)، اليوم بعشرة أيام، وأخرجه بلفظ يقرب من هذا مسلم في صحيحه 1: 319 و321(89)، وأخرج النسائي من حديث جرير: صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر كصيام الدهر ثلاث أيام البيض(90)، وأخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2: 33(91)، وذكره ابن حجر في سبل السلام 2: 234 وصحّحه(92).
7 ـ صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم.
أخرجه ابن حبان عن عائشة كما في الجامع الصغير 2: 78(93)، وأخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي كما في الترغيب والترهيب 2: 27 و66(94).
8 ـ عن عبد الله بن عمر قال: كنّا ونحن مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نعدل صوم يوم عرفة بسنتين.
رواه الطبراني في الأوسط(95)، وهو عند النسائي بلفظ: سنة(96)، كما في الترغيب والترهيب 2: 27(97).
9 ـ من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله تعالى له صيام ستين شهراً.
أخرجه الحافظ الدمياطي(98) في سيرته كما في السيرة الحلبية 1: 254(99)، ورواه الصفوري في نزهة المجالس 1: 154.
10 ـ عن أبي هريرة وسلمان عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّ في رجب يوماً وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من الأجر كمن صام مائة سنة وقامها، وهي: لثلاث بقين من رجب».
رواه الشيخ عبد القادر الجيلاني في غنية الطالبين(100)، كما في نزهة المجالس للصفوري 1: 154.
11ـ شهر رجب شهرٌ عظيمٌ، من صام منه يوماً كتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة.
رواه الكيلاني في غنيته، كما في نزهة المجالس للصفوري: 153(101).
12ـ من صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كلّه، مكتوب في التوراة.
ذكره الصفوري في نزهته 1: 174(102).
13 ـ من صام يوماً من المحرّم فله بكلّ يوم ثلاثون يوماً.
رواه الطبراني في الصغير(103)، كما ذكره الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2: 28(104).
وأمّا الحلّ، فليس عندنا أصل مسلّم يركن إليه في لزوم زيادة أجر الفرائض على المثوبة في المستحبات، بل أمثال الأحاديث السابقة في النقض ترشدنا إلى إمكان العكس، بل وقوعه، وتؤكّد ذلك الأحاديث الواردة في غير الصيام من الأعمال المرغّب فيها.
على أنّ المثوبة واقعة تجاه حقائق الأعمال ومقتضياتها الطبيعية، لا ما يعروها من عوارض كالوجوب والندب حسب المصالح المقترنة بها، فليس من المستحيل أن يكون في طبع المندوب في ما هيّات مختلفة، أو بحسب المقارنات المحتفّة به في المتّحدة منها، ما يوجب المزيد له.
ويقال في المقام: إنّ ترتّب المثوبة على العمل إنّما هو بمقدار كشفه عن حقيقة الإيمان، وتوغّله في نفس العبد، وممّا لا شك فيه أنّ الإتيان بما هو زائدٌ على الوظائف المقرّرة من الواجبات وترك المحرّمات من المستحبات والتجنّب عن المكروهات أكشف عن ثبات العبد في مقام الامتثال، وخضوعه لمولاه، وحبّه له، وبه يكمل الإيمان، ولم يزل العبد يتقرّب به إلى المولى سبحانه حتى أحبه كما ورد فيما أخرجه البخاري في صحيحه 9: 214 عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّ الله عزّ وجلّ قال: ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الّذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها...» الحديث(105) (106).
بل من الممكن أن يُقال: إنّه ليس في نواميس العدل ما يحتّم ترتيب أجر على إقامة الواجب وترك المحرّم، زائداً على ما منح به من الحياة والعقل والعافية ومُأن الحيات، ومعدّات العمل، والنجاة من النار في الآخرة، بل إنّ كلاًّ من هاتيك النعم الجزيلة يصغر عنه صالحات العبد جمعاء، وليس هناك إلاّ الفضل.
وهذا الذي يستفاد من غير واحد من آيات الكتاب العزيز، نظير قوله تعالى: (إنّ المتَّقين في مقام أمين في جنّات وعيون يَلبسون مِن سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت الا الموتَةَ الاولى ووقاهم عَذاب الحجيم فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم) (سورة الدخان: الآية 51ـ57)، فكلّ ما هناك من النعيم والمثوبات إنّما هو بفضله وإحسانه سبحانه وتعالى.
قال الفخر الرازي في تفسيره 7: 459: احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الثواب يحصل تفضّلاً من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق، لأنّه تعالى لَمّا عدد أقسام ثواب المتّقين بيّن أنّها بأسرها إنّما حصلت على سبيل الفضل والإحسان من الله تعالى... ثم قال تعالى: (ذلك هو الفوز العظيم)، واحتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحق، فإنّه تعالى وصفه بكونه فضلاً من الله، ثم وصف الفضل من الله بكونه فوزاً عظيماً، ويدل عليه أيضاً أنّ الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر، فإنّ تلك الخلعة أعلى حالاً من إعطاء تلك الأجرة. انتهى(107).
وقال ابن كثير نفسه في الآية الشريفة في تفسيره 4: 147: ثبت في الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال: «اعملوا وسدّدوا وقاربوا واعلموا، إنّ أحداً لن يُدخله عمله الجنّة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: «ولا أنا، إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» انتهى.
وبوسعك استشعار هذا المعنى من الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه 4: 264 عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحقّ العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً»(108).
وأنت جدّ عليم بأنّ هذا المقدار من الحق الثابت على الله للعباد إنّما هو بتقرير العقل السليم، وأمّا الزائد عليه من النعيم الساكت عنه نبي البيان فليس إلاّ الفضل والإحسان من المولى سبحانه.
وأنت تجد في معاملات الدول مع أفراد الموظفين أنه ليس بإزاء واجباتهم وعدم الخيانة فيها من الأجر إلاّ الرتبة والراتب، وإنّما يحظى أحدهم بترفيع في المرتبة أو زيادة في الرتبة بخدمة زائدة على مقرّراتها عليهم، وليس في الناس من ينقم على الحكومات ذلك، وهذه الحالة عيناً جاريةٌ بين الموالي والعبيد، وهي من الارتكازات المرتسخة في نفسيات البشر كلّهم، غير أنّ الله سبحانه بفضله المتواصل يثيب العاملين بواجبهم بأُجور جزيلة.
وهاهنا كلمةٌ قدسيّة لسيّدنا ومولانا زين العابدين الامام الطاهر عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما وآلهما، لا منتدح عن إثباتها، وهي قوله في دعائه إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر من صحيفته الشريفة:
اللّهم إنّ أحداً لا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غايةً إلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحسَانِكَ مَا يُلزِمُهُ شُكْرَاً، ولاَ يَبلُغُ مَبْلغاً مِنْ طَاعَتِكَ وإن اجْتَهَدَ إلاّ كانَ مُقصِّراً دُونَ استِحقَاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وأعبدُهُمْ مُقصّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ، لايَجِبُ لاَحد أنْ تَغفِرَلَهُ بِاستِحقاقِهِ، ولاَ أنْ تَرْضَى عَنهُ باستِيجابِهِ، فَمَنْ غفرتَ لهُ فَبِطَولِكَ، ومَنْ رَضِيتَ عَنهُ فَبفَضلِكَ، تَشْكُرُ يَسيرَ مَا شُكِرتَ بهِ، وتُثيبُ علَى قَليلِ ما تُطاعُ فيهِ، حتَّى كأنَّ شُكْرَ عِبَادِكَ الّذي أَوْجَبْتَ عليهم ثَوابَهُمْ، وأعظَمْتَ عَنهُ جَزاءهُمْ، أمرٌ مَلكُوا استطاعَةَ الامتِنَاعِ مِنهُ دُونَك فَكافَيتَهمْ، أو لم يكُنْ سبُبهُ بيَدِكَ فجازَيتُهمْ، بَلْ ملَكْتَ يا إِلهي أمرهُمْ قَبلَ اَنْ يَملِكُوا عَبادَتَكَ، واَعْدَدْتَ ثَوابهُم قَبلَ أَنْ يُفيضُوا في طَاعَتِكَ، وذلِكَ أنَّ سُنَّتكَ الافضالُ، وَعادَتكَ الاحسَانُ، وَسَبيلكَ العفْوُ.
فَكُلُّ البريَّةِ مُعْترفَةٌ بأنَّكَ غيرُ ظالم لِمنْ عاقَبتَ، وشَاهِدَةٌ بانّكَ متفضِّلٌ على مَنْ عَافيتَ، وكلٌّ مُقرٌّ على نفسِهِ بالتقصيرِ عمّا استوجبتَ، فَلوأنَّ الشَّيطَانَ يختدعُهم عَنْ طاعَتِكَ، ما عَصَاكَ عاص، ولولا أنَّه صَوَّر لَهمُ الباطِلَ في مِثالِ الحقِّ ما ضلَّ عن طريقِكَ ضَالٌّ.
فسبحانَكَ ما أبينَ كرَمَكَ في مُعامَلَةِ مَن أطَاعَك أو عَصاكَ، تشكُرُ للمُطيعِ ما أنتَ تولَّيْتَهُ لهُ، وتُملي للعاصي فيما تَملِكُ مُعاجلَتُه فيهِ، أعطَيتَ كلاًّ منهُمَا ما لَمْ يجِبْ لهُ، وتفضَّلْتَ عَلىَ كل منهُما بما يقصُرُ عملُهُ عنهُ.
وَلوْ كافأتَ المُطيعَ على ما أنتَ تولَّيْتَهُ لاوشكَ انْ يَفقِدَ ثوابَكَ، وأنْ تزُول عَنهُ نِعمتُكَ، ولكنَّكَ بكَرَمِكَ جازيتَهُ علَى المدَّةِ القَصِيرَةِ الفانيةِ بالمدَّةِ الطَّويلةِ الخَالِدَةِ، وعلى الغايَةِ القَريبةِ الزَّائِلةِ بالغايَةِ المَدِيدَةِ البَاقِية.
ثمَّ لم تَسُمهُ القِصاصَ فيما أكَلَ مِن رزقِكَ الّذي يقوَى بهِ على طَاعتِكَ، ولم تحمِلهُ على المُناقشَاتِ في الالاتِ الّتي تسبَّبَ باستعمالِهَا إلى مغفِرتِكَ، ولو فعلتَ ذلِكَ بهِ لذَهَب بجمِيعِ ما كَدَحَ لهُ، وجُملةِ ما سعَى فيهِ، جَزاءً للصُغرى مِن أياديكَ ومِننِكَ، وَلبَقيَ رهيناً بينَ يَديكَ بسائِر نعمِكَ، فَمتى كانَ يَستحِقُّ شيئاً مِن ثَوابِكَ؟! لا! مَتى؟... إلى آخره(109).
العم ابو علي
06-11-2006, 09:06 PM
وفي يوم الغدير صلاةٌ ألّف فيها أبو النضر العيّاشي، والصابونيُّ المصري كتاباً مفرداً، راجع فيها وفي الأدعية المأثورة يوم ذاك إلى التآليف المعدَّة لها.
(هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (سورة الأنعام: 155).
الهوامش:
1- الشهاب: 75.
2- فردوس الأخبار 3: 117. وراجع: كنز العمال 15: 305، موسوعة أطراف الحديث 5: 519.
3- الجامع الصغير 2: 193 ح 5723.
4- النهاية 1: 199 «توج».
5- نور الأبصار: 58.
6- مسند أبي داود الطيالسي: 23 ح 154، ط دار المعرفة.
7- كنز العمال 15: 482 ح 41909.
8- المتوفى 1071، ترجمه المحبي فى خلاصة الأثر 1: 343 – 43.
9- السمط المجيد: 99.
10- عذبة بفتح المهملة: طرف الشيء «المؤلّف (قدس سره)».
11- كنز العمال 15: 483 ح 41911.
12- قال ابن الأثير في النهاية 2: 160: كان اسم عمامة النبي () السحاب. راجع النهاية لابن الأثير 2: 345 «سحب».
13- فردوس الأخبار 3: 87 ح 4246.
14- عنه في السمط المجيد في سلاسل التوحيد: 99.
15- الرياض النضرة 2: 289، ط بيروت.
16- فرائد السمطين 1: 75 ح 41، ط مؤسسة المحمودي. و63، ط دار الأضواء.
17- قال في كتابه الغدير 1: 103 رقم 168: الحافظ الهيثم بن كليب أبو سعيد الشاشي، المتوفى 335، صاحب المسند الكبير، ترجمه الذهبي في تذكرته 3: 66 ووثّقه...
18- فرائد السمطين 1: 76 ح 42، ط مؤسسة المحمودي. و63، ط دار الأضواء.
19- نظم درر السمطين: 112، ط مطبعة القضاء.
20- الأربعين: وعنه في العبقات 10: 444.
21- توضيح الدلائل: 16، نسخة مكتبة ملي بفارس. وعنه في العبقات 10: 440.
22- في الفصول المهمّة: يمرقها.
23- في الفصول المهمّة: أمدّني.
24- فرائد السمطين 1: 76 ح 43، ط مؤسسة المحمودي. و64، ط دار الاضواء.
25- الفصول المهمّة: 42.
26- نظم درر السمطين: 112.
27- الصراط السوي: مخطوط. وعنه في العبقات 10: 444-445.
28- وأخرج حديث: أنّ النبي () عمّم عليّاً () يوم الغدير:
1 ـ الحافظ الذهبي، في رسالته طرق حديث من كنت مولاه، رقم 124، قال: أُنبئتُ عن الحافظ عبد الغني، أنا أبو موسى الحافظ، أنا الحداد، أنا أبو نعيم، أنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن بشير، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن الحبراني، عن عبد الرحمن بن عدي النهرواني، عن أخيه عبد الله: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعا عليّاً يوم غدير خم، فعمّمه، وأرخى عذبة العمامة من خلفه، وقال: «هكذا فاعتمّوا، فإنّ العمائم سيما للاسلام، وهي حاجز بين المسلمين والمشركين».
وأخرجه أيضاً في كتابه ميزان الاعتدال، 2: 25 ط القاهرة.
2 ـ ابن عدي، في كتابه الكامل 4: 149 ط بيروت، في ترجمة عبد الله بن بسر الشامي السككي الحبراني، رواه بثلاثة أسانيد.
3 ـ الحافظ محمد بن سليمان الكوفي، في كتابه مناقب الامام أمير المؤمنين، 2: 42 ح529:
قال: حدّثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، قال: حدّثنا أبو الربيع السمان، عن عبد الله بن بسر، عن أبي راشد الحبراني، عن علي بن أبي طالب ().
و 2: 389 ح864:
قال: محمد بن منصور، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن بسر، عن عبد الرحمن بن عدي، عن أخيه عبد الاعلى، أن رسول الله () دعا علي بن أبي طالب يوم غدير خم، فعمّمه بيده... إلى آخر الحديث.
4 ـ العلامة المناوي، في كتابه شرح جامع الصغير: 292.
5 ـ الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن الشافعي، في كتابه الحبائك في أخبار الملائك: 131، ط دار التقريب القاهرة: أخرجه من طريق الطيالسي والبيهقي.
29- محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي الشافعي، المتوفى 377.
30- التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع: 19.
31- راجع: إحياء علوم الدين 2: 345.
32- السيرة الحلبية 3: 341.
33- وأخرج حديث: أنّ النبيّ ( وسلم) كسا عليّاً عمامته السحاب:
1 ـ العلامة السيوطي، في كتابه الحاوي: 73، ط القاهرة.
2 ـ العلامة الشيخ الشعراني، في كتابه كشف الغمة 2: 217، ط مصر.
3 ـ الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، في كتابه لسان الميزان 6: 23، ط حيدر آباد.
أخرجه في ترجمة مسعدة بن اليسع الباهلي، عن محمد بن وزير، عن مسعدة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه.
4 ـ الشيخ عبد الرؤوف المناوي، في كتابه الكواكب الدرّية 1: 20، ط الازهر بمصر.
5 ـ العلامة الامر تستري، في كتابه أرجح المطالب: 587، ط لاهور.
6 ـ شهاب الدين أحمد بن عبد الله الشيرازي الحسيني الشافعي، في كتابه توضيح الدلائل: 196، نسخة مكتبة ملي بفارس: رواه عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه.
34- مناقب علي بن أبي طالب: 18-19 ح 24، ط المكتبة الإسلامية.
35- تذكرة الخواص: 30، ط المطبعة الحيدرية.
36- المناقب: 156 ح 184.
37- فرائد السمطين 1: 77 ب 3 ح 44، ط مؤسسة المحمودي. و 64، ط دار الأضواء.
38- وأخرج حديث صوم يوم الغدير، أيضا:
1 ـ ابن عساكر، في تاريخ مدينة دمشق، بأربعة أسانيد تنتهي إلى أبي هريرة، كما في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق.
2- 75 ح577: أخبرنا أبو الحسن بن القيس، عن بدر بن عبد الله، عن أبي بكر الخطيب، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، عن علي بن عمر الحافظ، عن أبي نصر حبشون، عن علي بن سعيد، عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة.
3- 16 ح578: أخبرنيه الازهري، عن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن عبد الله النيّري، عن علي بن سعيد الشامي، عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة.
4- 76 ح579: أخبرناه عالياً أبو بكر بن المرزقي، عن الحسين بن المهتدي، عن عمر بن أحمد، عن أحمد بن عبد الله، عن علي بن شعيب الرقي، عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة.
5- 77 ح580: وأخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي، عن أبي الحسين ابن النقور، عن محمد بن عبد الله الدقاق، عن أحمد بن عبد الله المعروف بابن النيّري، املاءاً لثلاث بقين من جمادى الاخرة سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، أنبأنا علي بن سعيد الشامي، عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة.
6- العلامة يحيى بن الموفق الشجري، المتوفى سنة 499 هـ، في كتابه الامالي 1: 42.
قال: حدّثنا القاضي أبو القاسم علي بن الحسن علي التنوخي املاءاً، قال: حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن سالم، قال: حدّثنا عليّ بن سعد الرقي.
7- قال: وحدّثنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن محمد بن عبيد الزجاج الشاهد النبيل، قال: حدّثنا أبو نصر حيشون بن موسى بن أيوب الحلال، قال: حدّثنا علي بن سعيد الشافي، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر ـ يعني ابن حوشب ـ عن أبي هريرة.
وقال في ص146:
حدّثنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي املاءاً، قال: حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الوعظ، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن سالم، قال: حدّثنا علي بن سعيد الرقي.
(ح) قال السيد: وحدّثناه القاضي أبو القاسم، قال: وحدّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن عبيد الزجاج الشاهد النبيل، قال: حدّثنا أبو نصر حبشون بن أيوب الحلال، قال: حدّثنا علي بن سعيد الشامي، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر ـ يعني ابن حوشب ـ عن أبي هريرة.
8 ـ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ:
أخرجه في رسالته طرق حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه، رقم 86، عن حبشون بن موسى الخلال وأحمد بن عبد الله النيري، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة.
9 ـ علي بن شهاب الدين الهمداني، المتوفى سنة 786 هـ، أخرجه في كتابه مودة القربى، كما عنه في العبقات 7: 107.
39- ميزان الاعتدال 2: 283 رقم 3756.
40- تهذيب تاريخ ابن عساكر 6: 343-344.
41- تهذيب التهذيب 4: 324.
42- تهذيب التهذيب 10: 152. وراجع الثقات لابن حبان 5: 435، وتاريخ الثقات للعجلي: 430 رقم 1584.
43- الخلاصة 2: 66 رقم 3566.
44- تهذيب التهذيب 5: 225.
45- تهذيب تاريخ ابن عساكر 7: 37. وراجع: العلل ومعرفة الرجال لأحمد 2: 366 رقم 2624، والطبقات الكبرى لابن سعد 7: 471.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:07 PM
مفهوم السلطة في فلسفة الإمام علي ()
في سيرة وفكر الإمام علي () ما يكشف لنا عن جوانب كثيرة من المبادئ العظيمة التي اكتسبها من معاني القرآن الكريم ومن تعاليم مربيه العظيم وابن عمه النبي الأكرم محمد () وهذه المبادئ تظهر لنا عناصر الحكمة من جميع جوانبها المادية والمعنوية وهي متسمة بالعاطفة والإحساس المتطلع دائما إلى الرحمة والرأفة والدفاع عن الحق والحرية والإنسان.
فكان () يهتم بتنمية الشخصية الإنسانية إذ يركز على الجانب الفكري يوليه مكانة خاصة انسجاما مع النهج القرآني الذي يؤكد على التفكير والتأمل ويرفض الجهل والتقليد.
فمن أقواله التي تشيد بمقام العلم ودوره في تقويم شخصية الفرد: (لا غنى كالعقل, ولا فقر كالجهل, ولا ميراث كالأدب, ولا ظهير كالمشاورة... وقوام الدين والدنيا أربعة: عالم مستعمل لعلمه, وجاهل لا يستنكف أن يتعلم, وجواد لا يبخل بمعروفه, وفقير لا يبيع آخرته بدنياه...
والعلم الذي يدعو إليه هو العلم المفيد النافع الذي يخدم الحضارة وينسجم مع الأخلاق والقيم (وأعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه) وطبقات الناس العلمية (قيمة كل امرئ ما يحسنه) هذا هو المقياس الذي اعتمده الإمام علي () واستخدمه في تصنيف الناس إلى فئات ثلاث:
(عالم رباني, ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريع, لم يستضيئوا بنور العلم, ولم يلجأوا إلى ركن وثيق) والعلماء الربانيون هم المؤمنون الواعون الذين دعاهم إيمانهم ووعيهم إلى أن ينذروا أنفسهم لطلب العلم لينفتحوا على الله ويفتحوا عيون الناس على الحق.
والطلاب المتعلمون المؤمنون العاديون الذين انطلقوا نحو رحاب العلم ليأخذوا بأسبابه فلاحقوا العلماء في مدارسهم وكتبهم واستفادوا من خيراتهم وتجاربهم كل ذلك من أجل معرفة الحق ليأخذوا به ويعملوا له, ومعرفة الباطل ليحذروا منه ويتجنبوا طريقة فيحققوا بذلك رضا الله في الدنيا ونجاتهم في الآخرة أما الهمج الرعاع وهم الجهلاء الذين يفتقدون العلم والوعي والثبات ولا يملكون الكفاءة الثقافية والعلمية التي تحولهم إلى اتخاذ مواقف ثابتة وموضوعية فهم من التيار المنتصر فمهما كانت طبيعة أفكاره وأهدافه فإذا ما انهزم تركوه ليلحقوا بمنتصر آخر قد يخالفه في الفكر والهدف.. والإمام علي () يؤكد على المحبة من خلال النصائح الموجهة إلى الحاكم السياسي (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
ويدرك الإمام علي () أن الإنسان الذي ينشد التغيير الاجتماعي ويسعى له عليه أن يتمتع بخصائص تؤهله لذلك ومن أهمها: الحرية التي تنطلق من عبودية الفرد لله ليكون حرا في كل المواقع التي أرادها الله تعالى فيملك حق التصرف بنفسه وبما حوله متى شاء وكيف شاء على الشكل الذي رسمه الله وهو جلب المنافع المشروعة ودرء المفاسد الممنوعة (ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) وحتى تتأكد هذه الحرية يقدم الإمام علي () الوسائل التربوية التي تساعد على ذلك: تحرير الداخل من كل العبوديات الأرضية (المال, الجاه, السلطان, الغريزة) لينصرف إلى عبادة الله الواحد الذي منحه العقل ليهذب الشهوة والحكمة لينظم الغريزة والهداية ليقام الغواية: (فلا يكن أفضل ما قلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة أشفاء غيظ ولكن إطفاء باطل أو إحياء حق (فالإمام علي () يدعو إلى التوازن والتكامل وهو ما تنادي به اليوم التربية الحديثة فالإنسان بتكوينه جسدا وعاطفة وروعا شخصيته يتم بتغذية كل منها بالعناصر الفعالة التي تساهم في تنميتها بالاتجاه السليم لأن الفصل بينهما يولد انحرافا في الشخصية ونقصا في مكوناتها ومسارها الطبيعي وخطأ الفصل بين الروح والجسد افرز مشكلات لا تزال نعيش آثارها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والخلقية والنفسية والروحية.
أما التربية السياسية والمواقع المتقدمة في السلطة كما يفهمها الإمام علي () فقد تميزت بالأمور التالية: لم تعد حقا إلهيا يتولاه الحاكم نيابة عن الله وإنما هي منوطة بإرادة الجماهير توليها من تشاء بحسب اعتبارات تتعلق بمصلحة الجماعة (ألزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع الجماعة) وهي ليست منعزلة عن الجماهير لتمارس سلطانها من فوق بالقهر والتعسف ولكنها مندمجة معهم تعاين أمورهم عن كثب وتصنع الحلول السريعة لمشاكلهم (فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق, وقلة علم بالأمور) وهي ليست وسيلة للإثراء غير المشروع والتوسعة على الأهل والأقارب بغير حساب... ولكنها إنصاف للناس والعدل عليهم والمساواة بينهم (فلا يكن حظك في ولايتك ما لا تستفيده وغيظا تشفيه ولكن أمانة باطل وإحياء حق) كما إنها ليست حسيا تشاد عليه الأمجاد وشرفا يدفع إلى التكبر والتجبر إذ (لا حب كالتواضع) وليست استبدادا في الرأي ولا خداعا للجماهير لكسب المجد والسلطان ولكنها صراحة في القول ونزاهة في العمل وصدق في المعاملة.
فالإنسان يمارس حقه في حدود المحافظة على حقوق الآخرين وبهذا يحصل التوازن بين الفرد والمجتمع ذلك إنهما متفاعلان ولكن بحدود حسن السيرة وموازين الحق والعدل.. من هنا نرى الإمام علي () ينظر في حرية الفرد ومصلحة الجماعة نظرة موحدة شاملة فلا يغبن هذا ولا يؤذي ذاك بل يقيم بينها انسجاما يجعل الفرد جديرا باستخدام حريته ويجعل الجماعة خليقة بالاستفادة من الإجماع بل قد يجعل الفرد للجماعة والجماعة للفرد في نطاق الحرية الرحبة السمحة.. وإذا حدث واختل التوازن بين الفرد والجماعة وكانت مصلحة أحدهما على حساب مصلحة الآخر فإن ديمقراطية الإمام () تأبى القيود إلا بمصلحة الأكثرية لا لأن سخط العامة يجحف برضا الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة.
إن فلسفة الإمام علي () وعدالته تتلاقى مع عدالة السماء التي لا تبغي ولا تظلم بل تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات وترفض أن يكون لأحد أي تمييز على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:09 PM
الإمام علي () في مواجهة التّاريخ
محمد مهدي شمس الدين
كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام)، كما يخبرنا هو، وكما سنرى خلال هذه الدراسة يوجّه عناية فائقة إلى التاريخ، عناية جعلت من التاريخ عنصراً بارزاً فيما وصل إِلينا من كلامه في مختلف الموضوعات الّتي كانت تثير اهتمامه.
وعناية الإمام بالتاريخ ليست عناية القاصّ والباحث عن القصص. كما أنّها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسيّة وأساليب التمويه الّتي يعالج بها تذمّر الشعب، وإنّما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي.
إِنّ القاصّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادّة للتّسلية والإثارة. والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة.
والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادّة التاريخيّة الّتي يجدان فيها حاجتهما.
أمّا الرائد الحضاري، رجل الرسالة والعقيدة ورجل الدولة فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني، ويتقصّى جهود الإنسانيّة الدائبة في سبيل حلّ هذا المشكل بنحو يعزّز قدرة الإنسان على التكامل الروحي - المادّي، كما يعزّز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية.
وقد كان الإمامُ عليّ () يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة، ومن ثم فلم يتوقّف عند جزئيّات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً، وإِنّما تناول المسألة التاريخيّة بنظرة كلّيّة شاملة، ومن هنا فقلّما نرى الإمام في خطبه وكتبه يتحدّث عن وقائع وحوادث جزئيّة، وإِنّما يغلب على تناوله للمسألة التاريخيّة طابع الشمول والعموميّة.
والإمام ليس مؤرخاً، ولذا فليس من المتوقع أن نجد عنده نظرة المؤرخ وأسلوب في سرد الوقائع وتحليلها والحكم عليها، وإنّما هو رجل دولة حاكم، ورجل عقيدة ورسالة فيها كل حياته، فهو يتعامل مع التاريخ باعتباره حركة تكوِّن شخصية الإنسان الحاضرة والمستقبلة، ولذا فهي تشغل حيّزاً هاماً وعلى درجة كبيرة من الخطورة في عملية التربية والتحرك السياسي، وهذا ما يجعل رجل رسالة وحاكماً كالإمام علي () حريصاً على أن يدخل في وعي أمّته الّتي يحمل مسؤولية قيادتها ومصيرها...إلى التاريخ سليمة تجعله قوة بانية لا مخرّبة ولا محرّفة.
ونحن نعرف عناية الإمام عليّ () الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته الّتي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السّلام) كتبها إليه بحاضرين(1) عند انصرافه من صفّين، قال فيه: (أيْ بُنَيَّ إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه).
وكان قبل ذلك قد وجّه الإمام الحسن () في هذه الوصية إلى تعرّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة، قال: (أحْيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ... وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا، وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا. فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ).
وهذا النص يحملنا على الإعتقاد بأنّ الإمام (عليه السّلام) تحدّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسيّة وتربيته الفكرية لمجتمعه، ولرجال إدارته، ولخواصّ أصحابه.
ولكنّ النّصوص السياسيّة والفكريّة التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جدّاً، وإنْ كانت النصوص الوعظيّة الّتي بنيت على الملاحظة التاريخية كثيرة نسيباً.
ولا نستطيع أن نفسّر نقص النصوص السياسيّة والفكريّة - التاريخيّة إلا بضياع هذه النصوص لنسيان الرّواة أو لإهمال الشّريف الرضي لما وصل إليه منها، لأنّه جعل منهجه في تأليف كتاب نهج البلاغة: (اختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحِكم والأدب)(2). وقد أدّى هذا المنهج بطبيعة الحال إلى إهمال الكثير من النّصوص السياسيّة والفكريّة لأنّه لم يكن في الذّروة من الفصاحة والبلاغة.
ومن المؤكّد أنّ الكثير من كلام أميرِ المؤمنين في هذا الباب وغيرِه لم يصل إلى الشّريف الرضي كما اعترف هو بذلك في قوله: (... ولا أدّعي - مع ذلك - أنّي أحيط بأقطار جميع كلام عليه السّلام حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ، ولا يندّ نادّ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي)(3).
وعلى أيّة حال فإنّ سُؤالاً هاماً يواجهنا هنا، وهو:
مِنْ أين استقى الإمام معرفته التاريخيّة ؟
إنّه يقول عن نفسه: «... نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ.
فما الوسيلة الّتي توصّل بِها إلى معرفة أعمالهم لينظر فيها هو كيف تسنّى له أن اطّلع على أخبارهم ليفكّر فيها ؟
نقدّر أنّ الإمام عليه السّلام قد اعتمد في معرفته التاريخية على عدّة مصادر:
1- القرآن الكريم:
يأتي القرآن الكريم في مقدّمة هذه المصادر الّتي استقى منها الإمام معرفته التاريخيّة. وقد اشتمل القرآن على نصوص تاريخيّة كثيرة منبثة في تضاعيف السّور تضمنت أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها، وانحطاطها، واندثار كثير منها، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النّبوات في تاريخ البشرية، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلّ أمة وجيل لرسالات اللّه تعالى الّتي بشّر بها الأنبياء سلام اللّه عليه أجمعين..
وقد كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أفضل الناس - بعد رسول اللّه () - معرفة بالقرآن من حيث الظاهر والباطن، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والأهداف والمقاصد، والأبعاد الحاضرة والمستقبلة، وغير ذلك من شؤون القرآن. كانت معرفته بالقرآن شاملة مستوعبة لكلّ ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد. والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام التاريخي من حيث المنهج ومن حيث المضمون، كما هو شديد الوضوح في كلّ جوانب تفكيره الأخرى.
وقد حدّث الإمام عن نفسه في هذا الشأن كاشفاً عن أنّه كان يلحّ في مسائله لرسول اللّه () في شأن القرآن من جميع وجوهه. قال: «وَاللّه مَا نَزَلَتْ آيَة إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ. أنّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً وَلِسَاناً سَؤُولاً»(4).
وشهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً. منها ما رُوِي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن، وإنّ عليَّ بنَ أبي طالبِ (عليه السّلام) عنده علم الظاهر والباطن».(5).
2- التعليم الخاص:
التعليم الخاص الّذي آثر به رسول اللّه () عليّاً مصدر آخر من مصادر معرفته التاريخيّة وغيرها.
وفقد استفاضت الروايات الّتي نقلها المحدثون، وكتّاب السيرة، والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم - استفاضت هذه الروايات - بل تواترت إِجمالاً - بأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) قد خص أميرَ المؤمنين عليّاً بجانبٍ من العلم لم يرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له.
فمن ذلك ما قاله عبد اللّه بن عباس: «وَاللّهِ لَقدْ أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبِي طَالِب () تِسْعَةَ أعْشَارِ العلمِ، وَايمُ اللّهِ لَقدْ شَارَكَكُمْ فِي العُشرِ العَاشِرِ»(6).
وما رُوِي عن رسول اللّه (): «عَلِيّ عَيبَةُ عِلْمِي»(7).
وما رواه أنس بن مالك، قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللّه عَمَّنْ نَكْتُبُ الْعِلْمَ ؟ قالَ: عَنْ عَلِيّ وَسَلمَانَ»(8).
وقال الإمام (عليه السّلام): «عَلَّمَني رَسُولُ اللّهِ () ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ»(9).
وقد صرّح فيما وصل إِلينا من نصوصِ كلامه في نهج البلاغة بذلك في عدّة مناسبات، فقال:
1- بَلِ انْدَمَجْتُ(10) عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوبُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ لأرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ(11) الْبِعيدَةِ»(12).
2- وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْم...»(13).
3- لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ(14) عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ(15) تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ»(16).
4- يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ»(17).
وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات (علم المستقبل)، فإنَّ غيرها مطلق يشمل الماضي، وإِذا كان الإمام قد اطّلع من رسول اللّه () على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل فمن المرجّح أنه قد اطلع منه على علم الماضي.
3- السّنة النّبويّة:
إِشتملت السّنّة النبويّة على الكثير المتنوع من المادة التاريخيّة.
منه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخيّة لم ترد في القرآن إِشارة إِليها.
وقد كان أمير المؤمنين علي () أعلم أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة قاطبة بما قاله رسول اللّه () أو فعله وأقرّه، فقد عاش علي () في بيت رسول اللّه () منذ طفولته، وبعث الرسول () وعلي عنده، وكان أوّل من آمن به، ولم يفارقه منذ بعثته () إِلى حين وفاته إِلا في تنفيذ المهمات الّتي كان يكلّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته، ومن هنا، من تفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي، ووعيه الكامل لِما كان يتلقّاه كان الإمام أعلم الناس بسنّة رسول اللّه وكتاب اللّه.
4- القراءة:
فقدّر أنّ الإمام عليّاً قد قَرأ مدونات تاريخية باللّغة العربيّة أو بغيرها من اللغات الّتي كانت متداولة في المنطقة الّتي شهدت نشاطه، وخاصة بعد أن انتقل من الحجاز إِلى العراق واضطرّته مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا، وإِن كنا لا نعلم ما إِذا كانت هذه المدوّنات قد دفعت إِليه صدفة أو أنّه بحث عن كتب كهذه وقرأها أو قرئت له بلغاتها الأصلية مع ترجيحنا أنّه (عليه السّلام) كان يعرف اللّغة الأدبيّة الّتي كانت سائدة في المنطقة العراقيّة السّوريّة.
5- الآثار القديمة:
وربما كانت الآثار العمرانية للأمم القديمة من جملة مصادر المعرفة التاريخيّة عند الإمام (عليه السّلام)، ويعزّز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر: «وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ» ممّا يحمل دلالة واضحة على أنّ مراده الآثار العمرانية.
وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام، هي: شبه الجزيرة العربية، واليمن، والعراق، وسوريا.
ونقدّر أنه قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد، وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجّح حدوثه - فمن المؤكّد أنّ الإمام لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات، وإنّما زارها زيارة معتبر مفكر يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسّساتها الّتي حلّ بها الخراب بعد أنِ انحطّ بناتها وفقدوا قدرتهم على الإستمرار فاندثروا.
هذه هي، فيما نقدّر، المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة الّتي استقى منها الإمام علي () معرفته التاريخيّة.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:10 PM
مضاعفات وفاة رسول الله ()
الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر
وفاة الرسول الأعظم أعظم فاجعة مرت على تاريخ البشرية على الطلاق، والتي يمثل الجزء الأول منها انقطاع الوحي في تاريخ البشرية.
هذه الظاهرة التي لم يعرف الإنسان في تاريخه الطويل الطويل ظاهرة يمكن أن تماثلها وأن تناظرها في القدسية والجلال والأثر في حياة الإنسان وتفكيره، ويمثل الجزء الآخر من الفاجعة الإنحراف داخل المجتمع الإسلامي، على يد المؤامرة التي قام بها جناح من المسلمين بعد وفاة رسول الله () فإنحرف بذلك الخط عما كان مقرراً له من قبل النبي () ومن قبل الله تعالى.
كان هذا اليوم المشؤوم بداية إنحراف طويل ونهاية عهد سعيد بالوحي، تمثل في مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، كما في بعض الروايات وكان بداية ظلام ومحن ومآس وفواجع وكوارث من ناحية اُخرى تمثل في ما عقب وفاة رسول الله () من أحداث في تاريخ العالم الإسلامي هذه الأحداث المرتبطة أرتباطاً شديداً وقوياً بما تم في هذا اليوم من الفاجعة على ما في زيارة الجامعة التي نقرؤها، بيعتهم التي عمت شؤمها الإسلام، وزرعت في قلوب الأمة الآثار وعنفت سلمانها، وضربت مقدادها، ونفت جندبها، وفتحت بطن عمارها، وأباحت الخمس للطلقاء أولاد الطلقاء وسلطت اللعناء على المصطفين الأخيار، وأبرزت بنات المهجرين والأنصار إلى الذلة والمهانة وهدمت الكعبة وأباحت المدينة وخلطت الحلال بالحرام إلى غير ذلك من الاوصاف.
وأود الآن أن أقتصر على الجزء الأول من هذه الفاجعة يعني أن أنظر إلى الحدث الذي وقع في هذا اليوم بوصفه حدثا قد وضع حداً لتلك الظاهرة العظيمة التي اقترنت مع هبوط الإنسان على وجه الأرض، ظاهرة الوحي ظاهرة أرتفاع الإنسان وتفانيه للإتصال المباشر مع الله سبحانه وتعالى.
ففي مثل هذا اليوم وضع حد نهائي لهذه الظاهرة المباركة الميمونة وفي بعض الروايات إن جبرائيل () حينما أرتفع ملائكة السماء بروح محمد () إلى ربها راضية مرضية، التفت إلى الأرض مودعاً ثم طار إلى سماواته.
هذا اليوم كان يوم انقطاع الإنسانية عن الاتصال المباشر باللّه سبحانه بانتهاء حياة خاتم الأنبياء والمرسلين.
بهذه المناسبة أريد أن أعطي فكرة موجزة على مستوى بحث اليوم عن الوحي، الوحي الذي يتمثل في أتصال خاص بين الإنسان وبين الله.
فالوحي هو ضرورة من ضرورات تخليد الإنسان على وجه الأرض وبهذا خلق الله الإنسان وأودعه الاستعداد الكامل والارضية الصالحة بافاضة هذه الموهبة منه سبحانه لأن ضرورة الوحي يمكن أن توضع في قبال جانبين في الإنسان الآن اقتصر على أحد الجانبين:
الإنسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً خلق يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله، يعني إن النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري هذه المفاهيم حتى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت إلى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً. على عكس الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس وينجذب إليه، وينعكس هذا الحس على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.
وليس من الصدفة إن كان الإنسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.
فإن هذا هو طبيعة التسليم الفكري والمعرفي عند الانسان وليس من الصدفة أن قرن إثبات أي دين بالمعجرة وكانت أكثر معاجز الانبياء معاجز على مستوى الحس لأن الإنسان يتأثر بهذا المستوى أكثر مما يتأثر بأي مستوى آخر إذن: (فالإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكوينه النظري خلق حسياً أكثر منه عقلياً) خلق متفاعلاً مع هذا المستوى من الانخفاض من المعرفة أكثر مما هو متفاعل مع المستوى النظري المجرد عن المعرفة وهذا يعني إن الحس أقدر على تربية الإنسان من النظر العقلي المجرد ويحتل من جوانب وجوده وشخصيته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته أكثر مما يحتل العقل: المفهوم النظري المجرد.
بناء على هذا كان لا بد للإنسانية من حس مربي، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل إلى ذهن الإنسان بقوالب غير محدودة وغير واضحة.
إضافة إلى هذه القوالب كان لا بد لكي يربى الإنسان على أهداف السماء على مجموعة من القيم والمثل والاعتبارات كان لا بد من أن يربى على أساس الحس وهذا هو السبب في أن كل الحضارات التي يعرفها تاريخ النوع البشري إلى يومنا هذا إلى حضارة الإنسان الاوروبي التي تحكم العالم ظلماً وعدواناً كل هذه الحضارات التي انقطعت عن السماء رباهاً الحس ولم يربها العقل، لأن الحس هو المربي الأول دائماً فكان لا بد لكي يمكن تربية الإنسان على اساس حس يبعث في هذا الإنسان إنسانيته الكاملة الممثلة لكل جوانب وجوده الحقيقية كان لا بد من خلق حس في الإنسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيل تلك القيم والمثل إدراكاً حسياً لا إدراكاً عقلانياً بقانون الحسن والقبح العقليين فقد وهذا يعني ما قلناه من إن ضرورة الإنسان في خط التربية تفرض أن يودع في طبيعة تكوينه وخلقه أرضية تكون صالحة، لأن تكون فيه حسيا بحسن العدل بقبح الظلم بآلام المظلومين، أن تكون فيه حسا بكل ما يمكن للعقل إدراكه وما لا يمكن إدراكه من قيم ومثل واعتبارات.
وهذه الأرضية أو هذا الاستعداد الكامل الذي كان الارتباط المباشر مع الله سبحانه وتعالى لكي تنكشف كل الصحف كل الستائر عن كل القيم وكل المثل وكل هذه الاعتبارات والاهداف العظيمة لكي ترى رؤية العين وتسمع سماع الأذن لكي يلمسها بيده يراها بعينه.
كان لا بد من أن توجد بذرة مثل هذا الحس في النوع البشري إلا أن وجدان هذه البذرة في النوع البشري لا يعني أن كل إنسان سوف يصبح له مثل هذا الحس وينفتق إدراكه عنه وانما يعني إن الامكانية الذاتية موجودة فيه إلا أن هذه الامكانية لن تخرج إلى مرحلة الفعلية إلا ضمن شروطها وظروفها وملابساتها الخاصة كأي إمكانية اخرى في الإنسان.
هناك شهوات وغرائز موجودة في الإنسان منذ يخلق وهو طفل ولكنه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز إلى مراحل متعاقبة من حياته فإذا مر بمراحل متعاقبة من حياته تفتحت تلك البذور حينئذ أصبح يعيش فعلية تلك الشهوات والغرائز كذلك على مستوى هذا الحس الذي هو أشرف واعظم واروع ما أودع في طبيعة الإنسان.
هذا قد لا يعيشه مئات الملايين من البشر في عشرات الآلاف من السنين، قد لا يتفتح يبقى مجرد استعداد خام وأرضية ذاتية تمثل الامكان الذاتي لهذه الصيغة فقط دون أن تتفتح عن وجود مثل هذا الحس لأن تفتحه يخضع لما قلناه من الملابسات والشروط التي لها بحث آخر أوسع من كلامنا اليوم.
أرضية أن يحس الإنسان بتلك القيم والمثل تصبح امراً واقعياً في أشخاص مميزنين يختصهم الله تعالى بعنايته ولطفه واختياره وهؤلاء هم الأنبياء والمرسلون الذين يرتفعون إلى مستوى أن تصبح كل المعقولات الكاملة محسوسات لديهم يصبح كل ما نفهمه وما لا نفهمه من القيم والمثل أمراً حسياً لديهم يحسونه ويسمعونه ويبصرونه.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:11 PM
ذلك إن الافكار التي ترد إلى ذهن الإنسان تارة ترد إلى ذهنه وهو لا يدرك إدراكاً حسياً مصدر هذه الافكار، الافكار التي ترد إلى الإنسان كلنا نؤمن بأنها أفكار بقدرة الله وعنايته وردت إلى ذهن الإنسان و إلى فكره لكن إيماننا بذلك إيمان عقلي نظري لا حسيّ لأن اللّه سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والمعرفة والأفكار الخيرة في ذهن الإنسان ولهذا أي فكرة من هذا القبيل تطرأ في ذهن الإنسان نؤمن عقلياً بأنها من اللّه سبحانه وتعالى.
لكن هناك فارق كبير بين حالتين: بين حالة أن ترد فكرة إلى ذهن الإنسان فيحس بأن هذه الفكرة القيت إليه من أعلى بحيث يدرك إلقاءها من أعلى كما تدرك أنت الآن أن الحجر وقع من أعلى يدرك هذا بكل حسه وبصره يدرك أن هذه القطرة هذا الفيض هذا الاشعاع قد وقع من اعلى ألقي عليه من اللّه سبحانه وتعالى.
واخرى لا يدرك هذا على مستوى الحس يدركه عقلياً يدرك إن هناك فكرة تعيش في ذهنه نيرة خيرة لكنه لم ير بعينه أن هناك يداً قذفت بهذه الفكرة إلى ذهنه.
وهذه الافكار التي تقذف في ذهن الإنسان فيتوفر لدى ذاك الإنسان حس بها بأنها قذفت إليه من الله سبحانه وتعالى وافيضت عليه من واجب الوجود واهب الوجود وواهب المعرفة فهي أيضاً على أقسام.
لأن هذا الإنسان تارة قد بلغ حسه إلى القمة فاستطاع أن يحس بالعطاء الإلهي من كل وجوهه وجوانبه يسمعه ويبصره يراه في جميع جهاته يتعامل معه ويتفاعل معه بكل ما يمكن للحس أن يتفاعل مع الحقيقة هذا هو الذي يعبر عنه بمصطلح الروايات على ما يظهر من بعضها بمقام عال من الإنبياء مقام الرسول الذي يسمع الصوت ويرى الشخص أيضاً.
ويمكن أن نفترض أن هناك ألواناً أخرى من الحس تدعم هذا الحس السمعي والبصري عند هذا الإنسان العظيم فهو يحس بالحقيقة المعطاة من الله تعالى من جميع جوانبها يحس بها بكل ما اوتي من أدوات الحس بالنسبة إليه هذه هي الدرجة العالية من الحس وقابلية الاتصال مع العمل الإلهي.
وأخرى يفترض أنه يحس بها من بعض جوانبها وهو الذي عبر عنه بأنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص هذا احساس إلا أنه احساس ناقص وقد يفترض أنه أقل من ذلك وهو الذي عبر عنه في بعض الروايات بأنه يرى الرؤيا في المنام هنا يرى هذه الرؤيا المنامية وهي طبعاً تختلف عن الرؤيات في اليقظة من حيث درجة الوضوح.
فهنا فارق كيفي بين الحس والرؤيا المنامية والرؤيا في عالم اليقظة والانتباه الكامل.
هناك درجات من الحس وعلى وفق هذه الدرجات وضعت مصطلحات الرسول والنبي والمحدّث والإمام، ونحو ذلك من المصطلحات، أنه الذي يمثل أعلى هذه الدرجات هو الوحي المتمثل في ملك يتفاعل معه النبي تفاعلاً حسياً من جميع جوانبه كما كان يعيش سيد المرسلين () مع جبرائيل () هنا رسول الله () يعيش الحقيقة الإلهية عيشاً حسياً من جميع جوانبها. يعيشها كما نعيش نحن على مستوى حسناً ووجود رفيقنا وصديقنا، لكن مع فارق بين هذين الحسين بدرجة الفارق بين المحسوسين.
هذا الحس هو الذي استطاع أن يربي شخص النبي () وأعد لكي يكون المثل الأول والرائد الأول لخط هذه القيم والمثل والأهداف الكبيرة.
يعني هذا الحس قام بدور التربية للنبي () لانه استنزل القيم والمثل والأهداف والاعتبارات العظيمة من مستواها الغائم المبهم من مستواها الغامض العقلي من مستوى النظريات العمومية فأعطاها معالم الحس التي لا ينفعل الإنسان كما قلنا بقدر ما ينفعل بها بهذا تصبح الصورة المحسوسة التي هبطت على النبي () على أي نبي من الأنبياء ملء وجوده ملء روحه ملء كيانه.
تصبح همه الشاغل في ليله ونهاره لأنها أمامه يراها يحسها... يلمسها ويشمها بأروع مما نلمس ونشم ونسمع ونبصر.
ثم هذا الشخص الذي استطاع أن يربيه الحس القائم على الوحي يصبح هو حساً مربياً للآخرين. فالآخرون من أبناء البشرية الذين لم تتح لهم الظروف، ظروفهم وملابساتهم وعناية الله أن يرتفعوا هم إلى مستوى هذا الحس الذين لم يتح لهم هذا الشرف العظيم سوف يتاح لهم الحس لكن بالشكل غير المباشر حس بالحس لا حس بالحقيقة الإلهية مباشرة، حس بالمرآة الحقيقية الإلهية انعكست على هذه الحقيقة الإلهية يعني المعطى الإلهي - الثقافة الإلهية - انعكست على هذه المرآة والآخرون يحسون بهذه المرآة بينما النبي () نفسه كان يحس مباشرة بتلك الثقافة الإلهية بما هي امر حسي لا بما هي امر نظري أما نحن نحس محمداً () بما هو رجل عظيم بما هو رجل استطاع أن يثبت للبشرية أن هناك اعتباراً وهدفاً فوق كل المصالح والاعتبارات فوق كل الأنانيات فوق كل الامجاد المزيفة والكرامات المحدودة إن هناك إنساناً لاينقطع نفسه إذا كان دائماً بيسير على خط رسالة الله سبحانه وتعالى هذا المضمون الذي للإنسان أن يدركه عقلياً هذا المضمون الذي حشد ارسطو وافلاطون مئات الكتب بالبرهنة العقلية عليه على امكانية الاستمرار اللامتناهي من اللامتناهي هذا المعنى أصبح لدى البشرية امراً محسوساً خرج من نطاق اوراق ارسطو وافلاطون التي لم تستطع أن تصنع شيئاً والتي لم تستطع أن تفتح قلب إنسان على الصلة بهذا اللامتناهي وأصبحت أمراً حسياً يعيش مع تاريخ الناس لكي يكون هذا الأمر المحسوس هو التعبير القوي دائماً عن تلك القيم والمثل وهو المربي للبشرية على أساس تلك القيم والمثل.
فالوحي بحسب الحقيقة إذن هو المربي الأول للبشرية الذي لم يكن بالامكان للبشرية أن تربى بدونه لأن البشرية بدون الوحي ليس لديها إلا حس بالمادة وما على المادة من ماديات، وإلا إدراك عقلي غائم قد يصل إلى مستوى الإيمان بالقيم والمثل وباللّه إلا انه إيمان عقلي على أي حال لا يهز قلب هذا الإنسان ولا يدخل إلى ضميره ولا يسمع كل وجوده ولا يتفاعل مع كل مشاعره وعواطفه.
فكان لا بد أن يستنزل ذلك العقل على مستوى الحس لا بد أن تستنزل تلك المعقولات على مستوى الحس وحيث أن هذا ليس بالامكان أن يعمل مع كل الناس لأن كل إنسان مهيأ لهذا ولهذا استصفي لهذه العملية أناس معينون أوجد الله تبارك وتعالى فيهم الحس القائد الرائد هذا الحس رباهم هم أولا وبالذات ثم خلق وجوداً حسياً ثانوياً هذا الوجود الحسي الثانوي كان هو المربي للبشرية.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:13 PM
والخلاصة لئن بقيت القيم والمثل والأهداف والاعتبارات عقلية محضة فهي سوف تكون قليلة الفهم ضعيفة الجذب بالنسبة إلى الإنسان وكلما أمكن تمثيلها حسياً أصبحت أقوى وأصبحت أكثر قدرة على الجذب والدفع.
إذا كان هذا حقاً فيجب أن نخطط لأنفسنا ونخطط في علاقاتنا مع الآخرين على هذا الأساس.
يجب أن نخطط في أنفسنا على هذا المستوى ومعنى أن نخطط في أنفسنا على هذا يعني أن لا نكتفي بأفكار عقلية نؤمن بها نضعها في زاوية عقلنا كإيمان الفلاسفة بآرائهم الفلسفية لا يكفي أن نؤمن بهذه القيم والمثل إيماناً عقلياً صرفاً بل يجب أن نحاول... أن نستنزلها إلى أقصى درجة ممكنة من الوضوح الحسي طبعاً نحن لا نطمع أن نكون أنبياء ولانطمع أن نحظى بهذا الشرف العظيم الذي انغلق على البشرية بعد وفاة النبي () ولكن مع هذا الوضوح مقول بالتشكيك على حسب اصطلاح المناطق ليس كل درجة من الوضوح معناها النبوة هناك ملايين من درجات الوضوح قبل أن تصبح نبياً. يمكن أن تكسب ملايين من درجات الوضوح، وهذه المراتب المتصاعدة قبل أن تبلغ إلى الدرجة التي اصبح فيها موسى () في لحظة استحق فيها أن يخاطبه اللّه سبحانه وتعالى أو قبل أن يصل الإنسان إلى الدرجة التي بلغ إليها محمد () حينما هبط عليه اشرف كتب السماء هناك ملايين من الدرجات هذه الملايين بأبها مفتوح أمامنا ولا بد أن لا نقتصر أن لا نزهد في هذا التطوير العقلي للقيم والمثل الموجود عندنا لا بد لنا أن لا نقتصر وأن نطمع في أكثر من هذا الوضوح وفي أكثر من هذا من التحدد ومن الحسية لا بد لنا أن نفكر في أن يعبأ كل وجودنا بهذا القيم والمثل لكي تكون على مستوى المحسوسات بالنسبة إلينا.
من أساليب استنزال هذه القيم والمثل إلى مستوى المحسوسات هو التأثير الذهني عليها باستمرار حينما توحي إلى نفسك باستمرار بهذه الأفكار الرفيعة حينما توحي إلى نفسك باستمرار بانك عبد مملوك للّه سبحانه وتعالى وأن الله تبارك وتعالى هو المالك المطلق لامرك وسلوكك ووجودك وهو المخطط لوضعك ومستقبلك وحاضرك وأنه هو الذي يرعاك بعين لا تنام في دنياك وآخرتك حينما توحي إلى نفسك باستمرار بمستلزمات هذه العبودية من أنك مسؤول أمام هذا المولى العظيم مسؤول أن تطيعه أن تطبق خطه، أن تلتزم رسالته، أن تدافع عن رايته أن تلزم شعاراته حينما تسر إلى نفسك وتؤكد على نفسك باستمرار أن هذا المعنى للعبودية لأنك دائماً وأبداً يجب أن تعيش مع الله.
حينما توحي إلى نفسك بانك يجب أن تعيش للّه سوف تتعمق دقة العيش للّه في ذهنك سوف تتسع سوف تصبح بالتدريج شبحاً يكاد أن يكون حسياً بعد أن كان نظرياً عقلياً صرفاً.
أليس هناك أشخاص من الأولياء والعلماء والصديقين قد استطاعوا أن يبصروا محتوى هذه القيم والمثل بام أعينهم ولم يستطيعوا أن يبصروها بأم أعينهم إلا بعد أن عاشوها عيشا تفصيلياً مع الالتفات التفصيلي الكائن وهذه عملية شاقة جداً لأن الإنسان كما قلنا ينفعل بالحس وما أكثر المحسوسات من أمامه ومن خلفه الدنيا كلها بين يديه تمتع بحسه في مختلف الأشياء وهو يجب عليه دائماً وهو يعيش في هذه الدنيا التي تنقل إلى عينه مئات المبصرات، وتنقل مئات المسموعات، يجب عليه أن يلقن نفسه دائماً بهذه الافكار ويؤكد هذه الأفكار خاصة في لحظات ارتفاعه وفي لحظات تساميه لأن أكثر الناس إلا من عصم الله تحصل له لحظات التسامي، وتحصل له لحظات الإنخفاض.
ليس كل إنسان يعيش محمداً () مئة بالمئة وإلا لكان كل الناس من طلابه الحقيقيين كل إنسان لا يعيش محمداً إلا لحظات معينة تتسع وتضيق بقدر تفاعل هذا الانسان برسالة محمد ().
إذن ففي تلك اللحظات التي تمر على أي واحد منا ويحس بأن قلبه منفتح لمحمد () وأن عواطفه ومشاعره كلها متأججة بنور رسالة هذا النبي العظيم (). في تلك اللحظات يغتنم تلك الفرصة ليخترن وأنا اؤمن بعملية الاختران يعني أؤمن بأن الإنسان في هذه اللحظة إذا استوعب أفكاره وأكد على مضمون معين وخزنه في نفسه سوف يفتح له هذا الاختران في لحظات الضعف بعد هذا حينما يفارق هذه الجلوة العظيمة حينما يعود إلى حياته الاعتيادية سوف يتعمق بالتدريج هذا الرصيد هذه البذرة التي وضعها في لحظة الجلوة في لحظة الانفتاح المطلق على أشرف رسالات السماء تلك البذرة سوف تشعره وسوف تقول له في تلك اللحظة إياك من المعصية إياك من أن تنحرف قيد انملة عن خط محمد ().
كلما ربط الإنسان نفسه في لحظات الجلوة والانفتاح بقيود محمد () واستطاع أن يعاهد نبيه العظيم () على أن لا ينحرف عن رسالته على أن لا يتململ عن خطه على أن يعيشه ويعيش أهدافه ورسالته وأحكامه حينئذ بعد هذا حينما تفارقه هذه الجلوة وكثيراً ما تفارقه إذا أراد أن ينحرف يتذكر عهده يتذكر صلته بمحمد () تصبح العلاقة حينئذ ليست مجرد نظرية عقلية بل هناك اتفاق هناك معاهدة هناك بيعة أعطاها لهذا النبي () في لحظة حس في لحظة قريبة من الحس.
كان كأنه يرى النبي أمامه فبايعه.
لو أن أي واحد منا استطاع أن يرى النبي () بأم عينه. أو رأى أمامه إمام زمانه عجل اللّه تعالى فرجه رأى قائده بأم عينه وعاهده وجهاً لوجه على أن لا يعصي على أن لا ينحرف على أن لا يخون الرسالة هل بالامكان لهذا الإنسان بعد هذا لو فارقته تلك الجلوة ولو ذهب إلى ما ذهب ولو عاش أي مكان وأي زمان هل بإمكانه أن يعصي؟ هل يمكنه أن ينحرف أو يتذكر دائماً صورة ولي الأمر عجل اللّه تعالى فرجه وهو يأخذ منه هذه البيعة وهذا العهد على نفسه.
نفس هذه العملية يمكن أن يعملها أي واحد منا لكن في لحظة الجلوة في لحظة الأنفتاح.
كل إنسان من عندنا يعيش لحظة لقاء الإمام عجل اللّه تعالى فرجه من دون أن يلقى الإمام عجل اللّه تعالى فرجه ولو مرة واحدة في حياته هذه المرة الواحدة أو المرتين والثلاثة يجب أن نعمل لكي تتكرر لأن بالامكان أن نعيش هذه اللحظة دائماً هذا ليس أمراً مستحيلاً بل هو أمر ممكن والقصة قصة إعداد وتهيئة لأن نعيش هذه اللحظة حتى في حالة وجود لحظات أكثر بكثير تعيش فيها الدنيا تعيش فيها أهواء الدنيا ورغبات الدنيا وشهوات الدنيا مع هذا يجب أن تخلف فينا هذه اللحظة رصيداً يجب أن تخلق فينا بذرة منعة عصمة قوة قادرة على أن تقول: لا، حينما يقول الإسلام: لا، ونعم حينما يقول الإسلام ذلك.
هذه اللحظة يجب أن نغتنمها ويجب أن نختزن لكي تتحول بالتدريج هذه المفاهيم إلى حقائق وهذه الحقائق إلى محسوسات وهذه المحسوسات إلى جهاد نعيشه بكل عواطفنا ومشاعرنا وانفعالاتنا أناء الليل وأطراف النهار ونحن ما أحوجنا إلى ذلك لأن المفروض أننا نحن الذين يجب أن نبلغ للناس نحن الذين يجب أننشع بنور الرسالة على الناس. نحن الذين يجب أن نحدد معالم الطريق للأمة والمسلمين إذن فما احوجنا إلى أن يتبين لنا الطريق تبيناً حسياً تبيناً اقرب ما يكون إلى تبين الأنبياء وطرقهم.
ليس عبثاً وليس صدفة أن رائد الطريق دائماً كان إنساناً يعيش الوحي لأنه كان لا بد له أن يعيش طريقه بأعلى درجة ممكنة للحس حتى لا ينحرف حتى لا يتململ حتى لا يضيع حتى لايكون سبباً في ضلال الآخرين. ونحن يجب أن ندعو أن نتضرع إلى اللّه دائماً لان يفتح أمام أعيننا معالم الطريق أن يرينا الطريق رؤية عين لا رؤية عقل فقط أن يجعل هذه القيم وهذه المثل والطريق إلى تجسيد هذه القيم وهذه المثل شيئاً محسوساً بكل منعطفات هذا الطريق وبكل صعوبات هذا الطريق وما يمكن أن يصادفه في أثناء هذا الطريق.
لا بد لنا أن نفكر في أن نحصل أكبر درجة ممكنة من الوضوح في هذا الطريق هذا بيننا وبين أنفسنا..
وأما العبرة التي نأخذها بالنسبة إلينا مع الآخرين نحن أيضاً يجب أن نفكر في أننا سوف لن نطمع في هداية الآخرين عن طريق إعطاء المفاهيم فقط عن طريق إعطاء النظريات المجردة فقط وتصنيف الكتب العميقة كل هذا لا يكفي القاء المحاضرات النظرية لا يكفي.
لا بد لنا أن نبني تأثيرنا في الآخرين أيضاً على مستوى الحس يجب أن نجعل الآخرين يحسون منا بما ينفعلون به إنفعالاً طيباً طاهراً مثالياً فان الآخرين مثلنا، الآخرون هم بشر والبشر ينفعلون بالحس أكثر مما ينفعلون بالعقل فلا بد إذن أن نعتمد على هذا الرصيد أكثر مما نعتمد على ذلك الرصيد.
كتاب مئة كتاب نظري لا يساوي أن تعيش الحياة التي تمثل خط الأنبياء حينما تعيش الحياة التي تمثل خط الأنبياء بوجودك بوضعك باخلاقك بإيمانك بالنار والجنة إيمانك بالنار والجنة حينما ينزل إلى المستوى الحس إلى مستوى الرقابة الشديدة إلى مستوى العصمة حينما ينزل إلى هذا المستوى يصبح أمراً محسوساً يصبح هذا الإيمان أمراً حسياً حينئذ سوف يكهرب الآخرين ولا نطمع بالتأثير عليهم على مستوى النظريات فحسب فان هذا وحده لا يكفي وإن كان ضرورياً أيضاً ولكن يجب أن نضيف إلى التأثير على مستوى النظريات تطهير أنفسنا وتكميل أرواحنا وتقريب سلوكنا من سلوك الأنبياء () وأوصياء هؤلاء الأنبياء لنستطيع أن نجسد تلك القيم والمثل بوجودنا أمام حس الآخرين قبل أن نعطيها بعقول الآخرين أو توأماً مع إعطائها لعقول الآخرين...
اللهم وفقنا للسير في خط أشرف انبيائك والالتزام بتعالميه غفر اللّه لنا ولكم جميعاً.
العم ابو علي
06-11-2006, 09:18 PM
انتصر الإمام على نفسه، وانتصر في إعطاء عمله إطاره الرسالي وطابعه العقائدي انتصاراً كبيراً.
الإمام علي ربي أصحابه على أنهم أصحاب الأهداف لا أصحاب نفسه. كان يدعو إلى أن الإنسان يجب أن يكون صاحب الحق، قبل أن يكون صاحب شخص بعينه. الإمام علي هو الذي قال: (اعرف الحق تعرف أهله) كان يربي أصحابه، يربى عماراً وأبا ذرّ والمقداد على أنكم اعرفوا الحق... ثم احكموا على علي () في إطار الحق. وهذا غاية ما يمكن أن يقدمه الزعيم من إخلاص في سبيل أهدافه. أن يؤكد دائماً لأصحابه وأعوانه - وهذا مما يجب على كل المخلصين - إن المقياس هو الحق وليس هو الشخص. إن المقياس هو الأهداف وليس هو الفرد.
هل يوجد هناك شخص أعظم من الإمام علي بن ابي طالب. لا يوجد هناك شخص اعظم من الإمام علي إلا أستاذه، لكن مع هذا جعل المقياس هو الحق لا نفسه.
لما جاءه ذلك الشخص وسأله عن الحق في حرب الجمل هل هو مع هذا الجيش أو مع ذلك الجيش، كان يعيش في حالة تردد بين عائشة وعلي، يريد أن يوازن بين عائشة وعلي، أيهما أفضل حتى يحكم بأنه هو مع الحق أو عائشة. جهودها للإسلام أفضل أو جهود علي أفضل، قال له: اعرف الحق تعرف اهله.
الإمام علي كان دائماً مصرّاً على أن يعطي العمل الشخصي طابعه الرسالي، لا طابع المكاسب الشخصية بالنسبة إليه، وهذا هو الذي يفّسر لنا كيف إن علياً ()، بعد أن فشل في تعبئته الفكرية عقيب وفاة رسول اللّه ()، لم يعارض ابا بكر وعمر معارضة واضحة سافرة طيلة حياة ابي بكر وعمر، وذلك إن أول موقف اعتزل فيه الإمام علي المعارضة بعد تلك التعبئة الفكرية واعطائها شكلاً واضحاً صريحاً كان عقيب وفاة عمر، يوم الشورى حينما خالف ابا بكر وعمر، هذا عندما حاول عبد الرحمن بن عوف حينما اقترح عليه المبايعة أن يبايعه على كتاب اللّه وسنة رسول وسنة الشيخين، قال (): بل على كتاب اللّه وسنة نبيه واجتهادي. هنا فقط اعلن عن معارضة عمر، في حياة أبي بكر وعمر بعد تلك التعبئة، لم يبد موقفاً إيجابياً واضحاً في معارضتهما، والوجه في هذا، هو أن علياً () كان يريد ان تكون المعارضة في إطارها الرسالي، وأن ينعكس هذا الإطار على المسلمين، أن يفهموا أن المعارضة ليست لنفسه، وإنما هي للرسالة، وحيث أن أبا بكر وعمر كانا قد بدآ الإنحراف، ولكن الإنحراف لم يكن قد تعمق بعد والمسلمون قصيرو النظر، الذين قدموا أبا بكر على الإمام علي () ثم قدموا عمر على أمير المؤمنين علي ()، هؤلاء المسلمون القصيرو النظر لم يكونوا يستطيعون أن يعمقوا النظر إلى هذه الجذور، التي نشأت في أيام أبي بكر وعمر فكان معنى مواصلة المعارضة بشكل جديد أن يفسر من أكثر المسلمين، بأنه عمل شخصي، وإنها منافسة شخصية مع أبي بكر وعمر وأن بدأت بهم بذور الإنحراف في عهدهما إلا أنه حتى هذه البذور كانت الاغلب مصبوغة بالصبغة الإيمانية، كانا يربطانها بالحرارة الإيمانية الموجودة عند الأمة، وحيث إنها حرارة إيمانية بلا وعي، ولهذا لم تكن الأمة تميز هذا الإنحراف.
عمر ميز بين الطبقات، إلا أنه حينما ميز بين الطبقات، حينما أثرى قبيلة بعينها دون غيرها من القبائل؟! أتعرفون أي قبيلة هي التي اثراها، هي قبيلة النبي ()، عمر أغنى قبيلة النبي محمد () اغنى عم محمد () اعطى زوجات النبي عشرة آلاف، كان يعطي للعباس اثني عشر ألفا، كان يقسم الأموال الضخمة على هذه الأسرة، هذا الإنحراف لا يختلف في جوهره عن إنحراف عثمان بعد ذلك، عثمان حينما ميز، إلا أن عمر فقط ربط هذا الإنحراف بالحرارة الإيمانية عند الإمة، لأن الحرارة الإيمانية عند الأمة كانت تقبل مثل هذا الإنحراف. هؤلاء أهل بيت النبي ()، هذا عم النبي ()، هذه زوجة النبي ()، إذن هؤلاء يمكن ان يعطوا يمكن أن يثروا على حساب النبي ()، لكن عثمان حينما جاء لم يرد على هذا الإنحراف شيئاً، إلا أنه لم يرتبط بالحرارة الإيمانية، بدّل عشيرة النبي () بعشيرته هو، وهذا أيضاً إنحراف مستمر لذلك الإنحراف، إلا أنه إنحراف مكشوف. ذاك إنحراف مقنّع، ذاك إنحراف مرتبط بالحرارة الإيمانية عند الأمة، وهذا إنحراف يتحدى مصالح الأمة، والمصالح الشخصية للأمة، ولهذا استطاعت الأمة أن تلتفت إلى إنحراف عثمان بينما لم تلتفت بوضوح إلى إنحراف أبي بكر وعمر، وبهذا بدأ الإمام علي بن أبي طالب () معارضته لأبي بكر وعمر في الحكم بشكل واضح، بعد أن مات أبو بكر وعمر، لم يكن من المعقول تفسير هذه المعارضة على إنها معارضة شخصية بسبب طمع في سلطان، بدأ هذه المعارضة وأعطى رأيه بأبي بكر وعمر.
علي بن أبي طالب () بعد أن تم الأمر لعثمان، بعد أن بويع عثمان يوم الشورى، قال: أن سوف اسكت ما سلمت مصالح المسلمين وأمور المسلمين، وما دام الغبن علي وحدي، وما دمت أنا المظلوم وحدي، وما دام حقي هو الضائع وحدي. أنا سوف اسكت سوف أبايع سوف أطيع عثمان، هذا هو الشعار الذي أعطاه بصراحة مع أبي بكر وعمر وعثمان، وبهذا الشعار أصبح في عمله رسالياً، وأنعكست هذه الرسالة على عهد أمير المؤمنين، وبقي () ملتزماً بما تعهّد به من السكوت إلى أن بدأ الإنحراف في حياة عثمان بشكل مفضوح، حيث لم يرتبط بلون من ألوان الحرارة الإيمانية التي أرتبط بها الإنحراف في أيام الخليفة الأول وفي أيام الخليفة الثاني، بل أسفر الإنحراف، ولهذا أسفر الإمام علي () عن المعارضة وواجه عثمان بما سوف نتحدث عنه بعد ذلك.
فالإمام علي () في محاولته لتسلم زمام التجربة وزعامة القضية الإسلامية كان يريد أن يوفق بين هذا الوجه الظاهري للعمل، وبين الوجه الواقعي للعمل، وأستطاع أن يوفق بينهما توفيقاً كاملاً، استطاع هذا في توقيت العمل، واستطاع هذا في تربيته لأصحابه، على أنهم أصحاب الأهداف لا أصحاب الأشخاص، واستطاع في كل هذه الشعارات التي طرحها، أن يثبت أنه بالرغم من كونه في قمة الرغبة لأن يصبح حاكماً، لم يكن مستعداً أبداً لان يصبح حاكماً مع اختيار أي شرط من الشروط المطلوبة التي تنال من تلك الرسالة.
ألم تعرض عليه الحاكمية والرسالة بعد موت عمر بشرط أن يسير سيرته؟ فرفض الحاكمية برفض هذا الشرط.
علي بن ابي طالب () بالرغم من أنه كان في أشد ما يكون سعياً وراء الحكم، جاءه المسلمون بعد أن قتل عثمان، عرضوا عليه أن يكون حاكماً، قال لهم بايعوا غيري وأنا أكون كأحدكم، بل أكون أطوعكم لهذا الحاكم، الذي تبايعونه، ما سلمت أمور المسلمين في عدله وعمله، يقول ذلك، لأن الحقد الذي تواجهه الأمة الإسلامية كبير جداً، تتمادى بذرة الإنحراف، الذي عاشه المسلمون بعد النبي () إلى أن قتل عثمان، هذا الإنحراف الذي تعمق، الذي أرتفع، هذا الإنحراف الذي طغى والذي استكبر، الذي خلق تناقضات في الأمة الإسلامية، هذا عبء كبير جداً.
ماذا يريد أن يقول، يريد أن يقول: لأني أنا لا أقبل شيئاً إلا على أن تصفّوا الإنحراف، أنا لا أقبل الحكم الذي لا يصفي هذا الإنحراف لا الحكم الذي يصفّيه، هذه الاحجامات عن قبول الحكم في مثل هذه اللحظات كانت تؤكد الطابع الرسالي، بحرقته بلوعته، لألمه لرغبته أن يكون حاكماً، استطاع أن ينتصر على نفسه، ويعيش دائماً لأهدافه، واستطاع أن يربي أصحابه أيضاً على هذا المنوال. هذا هو الخط الأول وهو خط محاولة تسلمه لزمام التجربة الاسلامية.
يتبع
العم ابو علي
06-11-2006, 09:20 PM
على الخط الثاني:
وهو خط تحصين الأمة لقد كانت الأمة تواجه خطراً، وحاصل هذا الخطر هو أن العامل الكمي والعامل الكيفي، سوف يجعلان هذه الأمة لا تعيش الإسلام، إلا زمنا قصيراً.
بحكم العامل الكمي الذي سوف يسرع، في إفناء التجربة وسوف لن تعيش إلا مشوهة بحكم العامل الكيفي، الذي يتحكم في هذه التجربة، ولذا بدأ الإمام بتحصين الأمة، وبالتغلب على العاملين: العامل الكمي والعامل الكيفي.
أما التغلب على العامل الكمي فكان في محاولة تحطيم التجربة المنحرفة وتحجيمها وإفساح المجال للتجربة الإسلامية لتثبت جدارتها وذلك بأسلوبين:
الإسلوب الأول: هو التدخل الإيجابي الموجه في حياة هذه التجربة بلحاظ قيادتها.
القادة والزعماء الذين كانوا يتولون هذه التجربة، كانوا يواجهون قضايا كثيرة لا يحسنون مواجهتها، كان يواجههم مشاكل كثيرة لا يحسنون حلّها، ولو حاولوا لوقعوا في أشد الأضرار والأخطار، لأوقعوا المسلمين في أشد التناقضات، ولأصبحت النتيجة محتومة أكثر، ولأصبحت التجربة أقرب إلى الموت، وأقرب إلى الفناء وأسرع إلى الهلاك، هنا كان يتدخل الإمام () وهذا خط عام سار الأئمة (عليهم السلام) كلهم عليه كما قلنا، كما سوف نقول، فكان الإمام () يتدخل تدخلاً إيجابياً، موجهاً في سبيل أن ينقذ التجربة من المزيد من الضياع ومن المزيد من الإنحراف، ومن المزيد من السير في الضلال.
كلنا نعلم، بأن المشاكل العقائدية التي كانت تواجهه () والزعامة السياسية بعد النبي (). هذه المشاكل العقائدية التي كان يثيرها، وتثيرها القضايا الأخرى التي بدأت تندرج في الأمة الإسلامية والأديان الأخرى التي بدأت تعاشر المسلمين، هذه المشاكل العقائدية لم تكن الزعامات السياسية وقتئذ على مستوى حلها كان الإمام () يعين تلك الزعامات في التغلب على تلك المشاكل العقائدية.
كلنا نعلم بأن الدولة الإسلامية واجهت في عهد عمر خطراً من أعظم الأخطار، خطر إقامة إقطاع لا نظير له في المجتمع الإسلامي، كان من المفروض أن يسرع في دمار الأمة الإسلامية، وذلك حينما وقع البحث بين المسلمين بعد فتح العراق، في أنه هل توزع أراضي العراق على المجاهدين المقاتلين، أو أنها تبقى ملكاً عاماً للمسلمين، وكان هناك إتجاه كبير بينهم إلى أن توزع الأراضي على المجاهدين الذين ذهبوا إلى العراق وفتحوا العراق، وكان معنى هذا أن يعطى جميع العالم الإسلامي، أي يعطي العراق، وسوريا وإيران ومصر وجميع العالم الإسلامي الذي أسلم بالفتح، سوف يوزع بين أربعة أو خمسة آلاف أو ستة الآف من هؤلاء المسلمين المجاهدين، سوف تستقطع أراضي العالم الإسلامي لهؤلاء، وبالتالي يتشكل إقطاع لانظير له في التاريخ.
هذا الخطر الذي كان يهدد الدولة الإسلامية، وبقي عمر لاجل ذلك أياماً متحيراً لأنه لا يعرف ماذا يصنع، لا يعرف ما هو الأصلح، وكيف يمكن أن يعالج هذه المشكلة.
علي بن ابي طالب () هو الذي تدخل كما تعلمون وحسم الخلاف، وبيّن وجهة النظر الإسلامية في الموضوع، وأخذ عمر بنظر الإمام أمير المؤمنين () وانقذ بذلك الإسلام من الدمار الكبير.
وكذلك له تدخلات كبيرة وكثيرة، النفير العام الذي اقترح على عمر والذي كان يهدد العاصمة في غزو سافر، كان من الممكن أن يقضي على الدولة الإسلامية، هذا الاقتراح طرح على عمر، كاد عمر أن يأخذ به، جاء الإمام علي () إلى المسجد مسرعاً على ما أتذكر في بعض الروايات تقول: جاء مسرعاً إلى عمر، قال له: لا تنفر نفيراً عاماً، كان عمر يريد أن يخرج مع تمام المسلمين الموجودين آنذاك في المدينة، وعندما تفرغ عاصمة الإسلام ممن يحميها من غزو المشركين والكافرين، منعه من النفير العام.
وهكذا كان الإمام علي () يتدخل تدخلاً إيجابياً موجهاً في سبيل أن يقاوم المزيد من الإنحراف، والمزيد من الضياع، كي يطيل عمر التجربة الإسلامية ويقاوم عامل الكم الذي ذكرناه. هذا أحد أسلوبي مقاومة العامل الكمي.
الاسلوب الثاني: لمقاومة العامل الكمي كان هو المعارضة. يعني كان تهديد الحكام ومنعهم من المزيد من الإنحراف، لا عن سبيل التوجيه، وإنما عن سبيل المعارضة والتهديد.
في الأول كنا نفرض أن الحاكم فارغ دينياً، وكان يحتاج إلى توجيه، والإمام () كان يأتي ويوجه، أما الأسلوب الثاني، فيكون الحاكم فيه منحرفاً ولا يقبل التوجيه، أذن فيحتاج إلى معارضة، يحتاج إلى حملة ضد الحاكم هذا، لاجل إيقافه عند حده، ولاجل منعه من المزيد من الإنحراف. وكانت هذه هي السياسة العامة للأئمة (عليهم السلام).
ألسنا نعلم بأن عمر صعد على المنبر وقال: ماذا كنتم تعملون لو أنا صرفناكم عما تعلمون إلى ما تنكرون.
كان يريد أن يقدر الموقف.
وماذا سيكون لو أنا صرفناكم مما تعلمون إلى ما تنكرون.
لو أنحرفنا شيئاً قليلاً عن خط الرسالة ماذا سيكون الموقف.
لم يقم له إلا الإمام علي () قال له: لو فعلت ذلك لعدّلناك بسيوفنا.
كان هذا هو الشعار العام للإمام () بالرغم من إنه لم يتنزل في عملية تعديل عمر بالسيف خلال حكم عمر، لظروف ذكرناها، إلا أنه قاد المعارضة لعثمان، واستقطب آمال المسلمين ومشاعر المسلمين، واتجاهات المسلمين، نحو حكم صحيح، ولهذا كان هو المرشح الأساسي بعد أن فشل عثمان، واجتمع عليه المسلمون.
الإمام علي () يتصدى للمعارضة لاجل أن يوقف الإنحراف:
هذان اسلوبان كانا هما الاسلوبان المتبعان لمواجهة العامل الجديد. ثم هذه المعارضة نفسها كانت تعبر من ناحية أخرى عن الخط الثاني، وهو المحافظة على الأمة الإسلامية من الإنهيار بعد سقوط التجربة حيث أن المسلمين لم يعيشوا التجربة الصحيحة للإسلام، أو بعدوا عنها، والتوجيه وحده لا يكفي، لأن هذا العمل لا يكفي لأن يكسب مناعة. المناعة الحقيقية والحرارة الحقيقية للبقاء والصمود كأمة، إذن كان لا بد من أن يحدد الموقف. من أن يحدد الوجه الحقيقي للإسلام، في سبيل الحفاظ على الإسلام، وهذا الوجه الحقيقي للإسلام قدمه الإمام علي بن ابي طالب () من خلال معارضته للزعامات المنحرفة أولاً، ومن خلال حكم الإمام بعد أن مارس الحكم بنفسه.
من خلال هذين العملين، ومن خلال العمل السياسي المتمثل في المعارضة، والعمل السياسي المتمثل في رئاسة الدولة بصورة مباشرة، قدم الوجه الحقيقي للإسلام، الاطروحة الصحيحة للحياة الإسلامية الاطروحة الخالية من كل تلك الألوان من الإِنحراف.
طبعاً هذا لا يحتاج إلى حديث، ولا يحتاج إلى تمثيل لأنه واضح لديكم.
أمير المؤمنين حينما تولى الحكم، لم يكن يستهدف من تولي الحكم تحصين التجربة أو الدولة، بقدر ما كان يستهدف تقديم المثل الأعلى للإسلام، لأنه كان يعرف إن التناقضات، في الأمة الإسلامية، بلغت إلى درجة لا يمكن معها أن ينجح عمل إصلاحي أزاء هذا الإنحراف مع علمه إن المستقبل لمعاوية، وأن معاوية هو الذي يمثل القوى الكبيرة الضخمة في الأمة الإسلامية.
كان يعرف إن الصور الضخمة الكبيرة التي خلقها عمر وخلقها عثمان والتي خلقها الإنحراف هذه القوى، كلها إلى جانب معاوية، وهو ليس إلى جانبه ما يعادل هذه القوى، لكن مع هذا قبل الحكم، ومع هذا بدأ تصفية وتعرية الحكم والإنحراف الذي كان قبله، ومع هذا مارس الحكم وضحى في سبيل هذا الحكم بعشرات الآلاف من المسلمين، في سبيل أن يقدم الاطروحة الصحيحة الصريحة للإسلام وللحياة الإسلامية.
وقد قلت بالأمس، وأؤكد اليوم مرة أخرى بأن علي بن ابي طالب () في معارضته، وعلي بن ابي طالب في حكمه لم يكن يؤثر على إنحراف الشيعة فقط، بل كان يؤثر على مجموع الأمة الإسلامية، علي بن ابي طالب ربى المسلمين جميعاً شيعة وسنة، حصن المسلمين جميعاً شيعة وسنة، علي بن ابي طالب أصبح اطروحة ومثلاً أعلى للإسلام الحقيقي، من الذي كان يحارب مع علي بن ابي طالب؟ هؤلاء المسلمون الذين كانوا يحاربون في سبيل هذه الاطروحة العالية في سبيل هذا المثل الأعلى، أكانوا كلهم شيعة بالمعنى الخاص؟ لا، لم يكونوا كلهم شيعة. هذه الجماهير التي انتفضت بعد علي بن ابي طالب علي مر التاريخ، بزعامات أهل البيت بزعامات العلويين الثائرين من أهل البيت، الذين كانوا يرفعون راية علي بن ابي طالب للحكم، هؤلاء كلهم شيعة؟
كان أكثرهم لا يؤمن بعلي بن ابي طالب إيماننا نحن الشيعة، ولكنهم كانوا ينظرون إلى الإمام علي أنه المثل الأعلى، إنه الرجل الصحيح الحقيقي للإسلام، حينما أعلن والي عبد اللّه بن الزبير سياسة عبد اللّه بن الزبير، وقال بأننا سوف نحكم بما كان يحكم به عمر وعثمان، وقامت جماهير المسلمين تقول لا بل بما كان يحكم به علي بن ابي طالب، فعلي بن ابي طالب كان يمثل اتجاهاً في مجموع الأمة الإسلامية.
والخلافة العباسية كيف قامت؟ كيف نشأت؟ قامت على أساس دعوة كانت تتبنى زعامة الصادق من آل محمد (). الحركة السلمية التي على اساسها نشأت الخلافة العباسية كانت تأخذ البيعة للصالح، للإمام الصادق من آل محمد ()، يعني هذه الحركة استغلت عظمة الإسلام، عظمة هذا الإتجاه، وتجمع المسلمون حول هذا الإتجاه، ولم يكن هؤلاء مسلمين شيعة، أكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة، لكن كانوا يعرفون أن الإتجاه الصالح، الإتجاه الحقيقي، الإتجاه الصلب العنيف كان يمثله علي بن ابي طالب ()، والواعون من أصحاب الإمام علي ( ) والواعون من أبناء الإمام علي (). ولهذا كثير من أبناء العامة، ومن أئمة العامة، من أكابر أصحاب الإمام الصادق ()، كانوا أناساً عامين يعني كانوا أناساً سنة، ولم يكونوا شيعة.
دائماً كان الأئمة (عليهم السلام) يفكرون، في أن يقدموا الإسلام لمجموع الأمة الإسلامية، أن يكونوا مناراً، أن يكونوا أطروحة، أن يكونوا مثلاً أعلى.
كانوا يعملون على خطين، خط بناء المسلمين الصالحين، وخط ضرب مثل أعلى لهؤلاء المسلمين، بقطع النظر عن كونهم شيعة أو سنة.
هناك علماء من أكابر علماء السنة، افتوا بوجوب الجهاد، وبوجوب القتال بين يدي ثوار آل محمد ()، وأبو حنيفة قبل أن ينحرف، قبل أن يرشيه السلطان ويصبح من فقهاء عمال السلطان، أبو حنيفة نفسه الذي كان من نواب السنة، ومن زعماء السنة، هو نفسه خرج مقاتلاً ومجاهداً مع راية من رايات آل محمد وآل علي ()، وافتى بوجوب الجهاد مع راية من رايات الإمام علي ()، مع راية تحمل شعار علي بن ابي طالب، قبل أن يتعامل ابو حنيفة مع السلاطين.
إذن فاتجاه علي بن ابي طالب، لم يكن اتجاهاً منفرداً، اتجاهاً محدوداً، كان اتجاهاً واسعاً على مستوى الأمة الإسلامية كلها، لاجل أن يعرّف الأمة الإسلامية وأن يحصن الأمة الإسلامية بالإسلام، وبأهداف الإسلام، وكيف يمكن للإنسان أن يعيش الحياة الإسلامية في إطار المجتمع الإسلامي.
المهم من هذا الحديث، أن نأخذ العبرة وأن نقتدي، حينما نرى أن علي بن ابي طالب () على عظمته يربي أصحابه على أنهم أصحاب الهدف، لا أصحاب نفسه. يجب أن لا أفكر انا، ويجب أن لا تفكر أنت، بأن تربي أصحابك على أنهم أصحابك، وإنما هم أصحاب الرسالة، أي واحد منكم ليس صاحباً للآخر، ولهذا يجب أن نجعل الهدف دائماً مقياساً، نجعل الرسالة دائماً مقياساً. أحكموا علي باللحظة التي أنحرف فيها عن الهدف، لأن الهدف هو الأعز والأغلى، هو رب الكون، الذي يجب أن تشعروا بأنه يملككم، بأنه بيده مصيركم، بيده مستقبلكم، أنه هو الذي يمكن أن يعطيكم نتائج جهادكم.
هل أنا أعطيكم نتائج جهادكم، أو أي إنسان على وجه الأرض يمكن أن يعطي الإنسان نتائج جهاده، نتائج عمله، نتائج إقدامه على صرف شبابه، حياته، عمره، زهده على تحمله آلام الحياة، تحمله للجوع تحمله للظلم، تحمله للضيم، من الذي يعطي أجر كل هذا؟ هل الذي يعطي أجر هذا أنا وأنت، لا أنا ولا أنت يعطي أجر هذا، وإنما الذي يعطي أجر هذا هو الهدف فقط. هذا هو الذي يعطي النتيجة والتقييم. هو الذي سوف يفتح أمامنا أبواب الجنة، هو الذي سوف يغير أعمالنا، هو الذي سوف يصحح درجاتنا.
إذن لا تفكروا في أن أي واحد منكم، في أن أي واحد منا، مرتبط مع أي واحد منا، بل فكروا هكذا: إن أي واحد منا مرتبط كله مع أكبر من أي واحد منا، هذا الشيء الذي هو أكبر، هو اللّه سبحانه هو رضوان اللّه، هو حماية الإسلام، هو العمل في خط الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
سيف آل محمد
09-11-2006, 04:00 PM
بارك الله فيك اخي الفاضل العم بوعلي
على الموضوع المفيده والمميز
حماك الله بجاه بو الحسنين علي بن ابي طالب عليه السلام
الله يعطيك العافيه وموفق لكل خير
العم ابو علي
11-11-2006, 05:12 PM
لقلة الردود يظهر ان الموضوع لا يستحق القراءه من موالي آل بيت رسول الله (ص) .. آسف على المجهود المبذول والتعب
.. وقد توقعت نشره على باقي المنتديات .. ولكن لاحياة لمن تنادي
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024