شيعية والنعم فيها
18-12-2008, 05:02 PM
إذا أردنا الكلام عن الشيعة بدون تعصب ولا تكلف، قلنا: هي الطائفة الإسلامية التي توالي وتقلد الأئمة الاثني عشر من أهل بيت المصطفى عليا وبينه، وترجع إليهم في كل المسائل الفقهية من العبادات والمعاملات، ولا يفضلون عليهم أحد سوى جدهم صاحب الرسالة محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا هو التعريف الحقيقي للشيعة بكل اختصار، ودعك من أقوال المرجفين والمتعصبين من أن الشيعة هم أعداء الإسلام، أو أنهم يعتقدون بنبوة علي وأنه صاحب الرسالة أو أنهم ينتمون إلى عبد الله بن سبأ اليهودي.
وقد قرأنا كتبا ومقالات عديدة يحاول أصحابها بكل جهودهم تكفير الشيعة وإخراجهم من الملة الإسلامية.
ولكن أقوالهم كلها محض افتراء وكذب صريح لم يأتوا عليه بحجة ولا بدليل سوى أنهم يعيدون ما قاله أسلافهم من أعداء أهل البيت، والنواصب الذين تسلطوا على الأمة وحكموها بالقوة والقهر، وتتبعوا عثرة النبي ومن تشيع لهم فقتلوهم وشردوهم ونبزوهم بكل الألقاب.
ومن هذه الألقاب التي تتردد كثيرا في كتب أعداء الشيعة لقب الرافضة، أو الروافض. فيخيل للقارئ لأول وهلة أن هؤلاء رفضوا قواعد الإسلام ولم يعملوا بها، أو أنهم رفضوا رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلمولم يقبلوا بها.
ولكن الواقع على غير هذا، إنما لقبوا بالروافض لأن الحكام الأولين من بني أمية وبني العباس ومن يتزلف إليهم من علماء السوء أرادوا تشويههم بهاذ اللقب، لأن الشيعة والوا عليا ورفضوا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان أولا، كما رفضوا خلافة كل الحكام من بني أمية وبني العباس ولم يقبلوا بها ثانيا.
ولعل هؤلاء كانوا يموهون على الأمة بإعانة بعض الوضاعين من الصحابة بأن خلافتهم شرعية لأنها بأمر الله سبحانه، فكانوا يروجون بأن قوله تعالى: {با أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» (النساء: 59) تخصهم ونازلة في حقهم، فهم أولو الأمر الواجبة طاعتهم على كل المسلمين، وقد استأجروا من يروي لهم كذبا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقول: «ليس أحد خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» فليس من حق أي مسلم أن يخرج عن طاعة السلطان.
وبهذا نفهم بأن الشيعة إنما استهدفوا من قبل الحكام لأنهم رفضوا بيعتهم ولم يقبلوا بها واعتبروها اغتصابا لحق أهل البيت، فكان الحكام وعلى مر العصور يوهمون العامة بأن الشيعة رافضون للإسلام بل يريدون هدمه والقضاء عليه، كما عبر عن ذلك بعض الكتاب والمؤرخين ممن يدعي العلم من السابقين واللاحقين.
وإذا رجعنا إلى لعبة تلبيس الحق بالباطل فسندرك بأن هناك فرقا بين من يريد هدم الإسلام وبين من يريد هدم الحكومة الجائرة الفاسقة التي تعمل ضد الإسلام.
فالشيعة لم يخرجوا على الإسلام، إنما خرجوا على الحكام الجائرين وهدفهم إرجاع الحق إلى أهله لإقامة قواعد الإسلام بالحاكم العادل. وعلى كل حال فالذي عرفناه خلال البحوث السابقة من كتاب «ثم اهتديت» و «مع الصادقين» و «أهل الذكر» أن الشيعة هم الفرقة الناجية لأنهم تمسكوا بالثقلين كتاب الله وعترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا أنصفنا المنصفين، فإن البعض من علماء «أهل السنة» يعترف بهذه الحقيقة، فقد قال ابن منظور في كتابه «لسان العرب» في تعريف الشيعة.
«والشيعة هم قوم يهوون هوى عثرة النبي ويوالونهم» كما يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور بعد استعراض هذا المقطع من الكتاب المذكور:
«وإذا كان الشيعة هم الذين يهوون هوى عثرة النبي ويوالونهم فمن من المسلمين يرفض أن يكون شيعيا ؟ !».
هذا وقد ولى عصر التعصب والعداوة الوراثية، وأقبل عهد النور والحرية الفكرية، فعلى الشباب المثقف أن يفتح عينيه، وعليه أن يقرأ كتب الشيعة ويتصل بهم ويتكلم مع علمائهم كي يعرف الحق من بابه، فكم خدعنا بالكلام المعسول وبالأراجيف التي لا تثبت أمام الحجة والدليل.
والعالم اليوم في متناول الجميع، والشيعة موجودون في كل بقاع الدنيا من هذه الأرض، وليس من الحق أن يسأل الباحث عن الشيعة أعداء الشيعة وخصومهم الذين يخالفونهم في العقيدة، وماذا ينتظر السائل من هؤلاء أن يقولوا في خصومهم منذ بداية التاريخ ؟
فليست الشيعة فرقة سرية لا تطلع على عقائدها إلا من ينتمي إليها، بل كتبها وعقائدها منشورة في العالم، ومدارسها وحوزاتها العلمية مفتوحة لكل طلاب العلم، وعلماؤهم يقيمون الندوات والمحاضرات والمناظرات والمؤتمرات، ويندون إلى كلمة سواء وإلى توحيد الأمة الإسلامية.
وأننا على يقين بأن المنصفين من الأمة الإسلامية إذا ما بحثوا في الموضوع بجد سوف يستبصرون إلى الحق الذي ليس بعده إلا الضلال لأن مانعهم من الوصول هو فقط وسائل الدعاية المغرضة والإشاعة الكاذبة من أعداء الشيعة أو تصرف خاطئ من بعض عوام الشيعة.
ويكفي في أغلب الأحيان أن تزاح شبهة واحدة أو تنمحي خرافة باطلة حتى ترى من كان عدوا للشيعة يصبح منهم.
ويحضرني في هذا الصدد قصة الشامي الذي ضللته وسائل الإعلام في ذلك العهد، عندما دخل المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلموجد رجلاً يركب فرسه عليه هيبة ووقار وحوله كوكبة من أصحابه يحوطونه من كل جانب وهم طوع إشارته.
استعرب الشامي وتعجب أن يكون في الدنيا رجل له من الهالة والتعظيم أكثر من معاوية في الشام فسأل عن الرجل، فقيل له: إنه الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: هذا هو ابن أبي تراب الخارجي ؟ ثم أولغ سبا وشتما في الحسن وأبيه وأهل بيته.
وشهر أصحاب الحسن سيوفهم كل يريد قتله، ومنعهم الإمام الحسن ونزل عن جواده فرحب به ولاطفه قائلا له:
يبدو أنك غريب عن هذه الديار يا أخا العرب ؟ قال الشامي: نعم أنا من الشام من شيعة أمير المؤمنين وسيد المسلمين معاوية بن أبي سفيان، فرحب به الإمام من جديد وقال له: أنت من ضيوفي وامتنع الشامي ولكن الحسن لم يتركه حتى قبل النزول عنده وبقي الإمام يخدمه بنفسه طيلة أيام الضيافة ويلاطفه، فلما كان اليوم الرابع بدا على الشامي الندم والتوبة مما صدر منه تجاه الحسن بن علي وكيف يسبه ويشتمه فيقابله بالإحسان والعفو وحسن الضيافة، فطلب من الحسن ورجاه أن يسامحه على ما صدر منه وكان بينهما الحوار التالي بمحضر من أصحاب الحسن:
الحسن: أقرأت القرآن يا أخا العرب ؟
الشامي: أنا أحفظ القرآن كله.
الحسن: هل تعرف من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ؟
الشامي: إنهم معاوية وآل أبي سفيان.
استغرب الحاضرون وتعجبوا وابتسم له الحسن قائلا: أنا الحسن بن علي وأبي هو ابن عم رسول الله وأخوه، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وجدي رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين وعمي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار، ونحن أهل البيت الذي طهرنا الله سبحانه وافترض مودتنا على كل المسلمين ونحن الذين صلى الله وملائكته علينا وأمر المسلمين بالصلاة علينا، وأنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وعدد له الإمام الحسن بعض فضائل أهل البيت وعرفه حقيقة الأمر فاستبصر الشامي وبكى وأخذ يقبل أنامل الحسن ويلثم وجهه معتذرا عما صدر منه في حقه قائلا:
والله الذي لا إله إلا هو إني دخلت المدينة وليس لي على وجه الأرض أبغض منكم، وها أنا أخرج منها وليس على وجه الأرض أحب إلي منكم، وإني أتقرب إلى الله سبحانه بحيكم ومودتكم وموالاتكم والبراءة من أعدائكم.
التفت الإمام الحسن إلى أصحابه قائلا:
لقد أردتم قتله وهو بريء لأنه لو عرف الحق ما كان ليعانده وإن أكثر المسلمين في الشام مثله لو عرفوا الحق لاتبعوه.
ثم قرأ قول الله تعالى: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34).
نعم هذا هو الواقع الذي يجهله أكثر الناس مع الأسف فكم من إنسان يعادي الحق ويعانده ردحا من عمره، حتى يكتشف في يوم من الأيام أنه على خطأ فيسارع بالتوبة والاستغفار وهذا هو واجب كل إنسان فقد قيل: «الرجوع للحق فضيلة».
وإنما المصيبة في الذين يرون الحق عيانا ويلمسونه بأيديهم ثم يقفون ضده ويحاربونه من أجل أغراض خسيسة ودنيا دنيئة وأحقاد دفينة.
وهذا النمط من الناس، قال في حقهم رب العزة والجلالة: «وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون» (يس: 10) فلا فائدة في تضييع الوقت معهم وحرق الأعصاب من أجلهم، وإنما الواجب علينا أن نضحي بكل شيء مع أولئك المنصفين الذين يبحثون عن الحق ويبذلون جهدهم للوصل إليه والذين قال في حقهم رب العزة والجلالة: «إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم» (يس: 11).
فعلى المستبصرين من الشيعة في كل مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحق لكل أبناء الأمة الإسلامية، فلم يكن أئمة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنما هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى لكل المسلمين.
وإذا بقي الأئمة من أهل البيت مجهولين لدى عامة المسلمين وخصوصا منهم المثقفين من أبناء «أهل السنة والجماعة» فإن الشيعة يتحملون مسؤولية ذلك عند الله.
كما إذا بقي الناس كفارا وملحدين لا يعرفون دين الله القويم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلمسيد المرسلين، فالمسؤولية على كل المسلمين.
هذا هو التعريف الحقيقي للشيعة بكل اختصار، ودعك من أقوال المرجفين والمتعصبين من أن الشيعة هم أعداء الإسلام، أو أنهم يعتقدون بنبوة علي وأنه صاحب الرسالة أو أنهم ينتمون إلى عبد الله بن سبأ اليهودي.
وقد قرأنا كتبا ومقالات عديدة يحاول أصحابها بكل جهودهم تكفير الشيعة وإخراجهم من الملة الإسلامية.
ولكن أقوالهم كلها محض افتراء وكذب صريح لم يأتوا عليه بحجة ولا بدليل سوى أنهم يعيدون ما قاله أسلافهم من أعداء أهل البيت، والنواصب الذين تسلطوا على الأمة وحكموها بالقوة والقهر، وتتبعوا عثرة النبي ومن تشيع لهم فقتلوهم وشردوهم ونبزوهم بكل الألقاب.
ومن هذه الألقاب التي تتردد كثيرا في كتب أعداء الشيعة لقب الرافضة، أو الروافض. فيخيل للقارئ لأول وهلة أن هؤلاء رفضوا قواعد الإسلام ولم يعملوا بها، أو أنهم رفضوا رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلمولم يقبلوا بها.
ولكن الواقع على غير هذا، إنما لقبوا بالروافض لأن الحكام الأولين من بني أمية وبني العباس ومن يتزلف إليهم من علماء السوء أرادوا تشويههم بهاذ اللقب، لأن الشيعة والوا عليا ورفضوا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان أولا، كما رفضوا خلافة كل الحكام من بني أمية وبني العباس ولم يقبلوا بها ثانيا.
ولعل هؤلاء كانوا يموهون على الأمة بإعانة بعض الوضاعين من الصحابة بأن خلافتهم شرعية لأنها بأمر الله سبحانه، فكانوا يروجون بأن قوله تعالى: {با أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» (النساء: 59) تخصهم ونازلة في حقهم، فهم أولو الأمر الواجبة طاعتهم على كل المسلمين، وقد استأجروا من يروي لهم كذبا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقول: «ليس أحد خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» فليس من حق أي مسلم أن يخرج عن طاعة السلطان.
وبهذا نفهم بأن الشيعة إنما استهدفوا من قبل الحكام لأنهم رفضوا بيعتهم ولم يقبلوا بها واعتبروها اغتصابا لحق أهل البيت، فكان الحكام وعلى مر العصور يوهمون العامة بأن الشيعة رافضون للإسلام بل يريدون هدمه والقضاء عليه، كما عبر عن ذلك بعض الكتاب والمؤرخين ممن يدعي العلم من السابقين واللاحقين.
وإذا رجعنا إلى لعبة تلبيس الحق بالباطل فسندرك بأن هناك فرقا بين من يريد هدم الإسلام وبين من يريد هدم الحكومة الجائرة الفاسقة التي تعمل ضد الإسلام.
فالشيعة لم يخرجوا على الإسلام، إنما خرجوا على الحكام الجائرين وهدفهم إرجاع الحق إلى أهله لإقامة قواعد الإسلام بالحاكم العادل. وعلى كل حال فالذي عرفناه خلال البحوث السابقة من كتاب «ثم اهتديت» و «مع الصادقين» و «أهل الذكر» أن الشيعة هم الفرقة الناجية لأنهم تمسكوا بالثقلين كتاب الله وعترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا أنصفنا المنصفين، فإن البعض من علماء «أهل السنة» يعترف بهذه الحقيقة، فقد قال ابن منظور في كتابه «لسان العرب» في تعريف الشيعة.
«والشيعة هم قوم يهوون هوى عثرة النبي ويوالونهم» كما يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور بعد استعراض هذا المقطع من الكتاب المذكور:
«وإذا كان الشيعة هم الذين يهوون هوى عثرة النبي ويوالونهم فمن من المسلمين يرفض أن يكون شيعيا ؟ !».
هذا وقد ولى عصر التعصب والعداوة الوراثية، وأقبل عهد النور والحرية الفكرية، فعلى الشباب المثقف أن يفتح عينيه، وعليه أن يقرأ كتب الشيعة ويتصل بهم ويتكلم مع علمائهم كي يعرف الحق من بابه، فكم خدعنا بالكلام المعسول وبالأراجيف التي لا تثبت أمام الحجة والدليل.
والعالم اليوم في متناول الجميع، والشيعة موجودون في كل بقاع الدنيا من هذه الأرض، وليس من الحق أن يسأل الباحث عن الشيعة أعداء الشيعة وخصومهم الذين يخالفونهم في العقيدة، وماذا ينتظر السائل من هؤلاء أن يقولوا في خصومهم منذ بداية التاريخ ؟
فليست الشيعة فرقة سرية لا تطلع على عقائدها إلا من ينتمي إليها، بل كتبها وعقائدها منشورة في العالم، ومدارسها وحوزاتها العلمية مفتوحة لكل طلاب العلم، وعلماؤهم يقيمون الندوات والمحاضرات والمناظرات والمؤتمرات، ويندون إلى كلمة سواء وإلى توحيد الأمة الإسلامية.
وأننا على يقين بأن المنصفين من الأمة الإسلامية إذا ما بحثوا في الموضوع بجد سوف يستبصرون إلى الحق الذي ليس بعده إلا الضلال لأن مانعهم من الوصول هو فقط وسائل الدعاية المغرضة والإشاعة الكاذبة من أعداء الشيعة أو تصرف خاطئ من بعض عوام الشيعة.
ويكفي في أغلب الأحيان أن تزاح شبهة واحدة أو تنمحي خرافة باطلة حتى ترى من كان عدوا للشيعة يصبح منهم.
ويحضرني في هذا الصدد قصة الشامي الذي ضللته وسائل الإعلام في ذلك العهد، عندما دخل المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلموجد رجلاً يركب فرسه عليه هيبة ووقار وحوله كوكبة من أصحابه يحوطونه من كل جانب وهم طوع إشارته.
استعرب الشامي وتعجب أن يكون في الدنيا رجل له من الهالة والتعظيم أكثر من معاوية في الشام فسأل عن الرجل، فقيل له: إنه الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: هذا هو ابن أبي تراب الخارجي ؟ ثم أولغ سبا وشتما في الحسن وأبيه وأهل بيته.
وشهر أصحاب الحسن سيوفهم كل يريد قتله، ومنعهم الإمام الحسن ونزل عن جواده فرحب به ولاطفه قائلا له:
يبدو أنك غريب عن هذه الديار يا أخا العرب ؟ قال الشامي: نعم أنا من الشام من شيعة أمير المؤمنين وسيد المسلمين معاوية بن أبي سفيان، فرحب به الإمام من جديد وقال له: أنت من ضيوفي وامتنع الشامي ولكن الحسن لم يتركه حتى قبل النزول عنده وبقي الإمام يخدمه بنفسه طيلة أيام الضيافة ويلاطفه، فلما كان اليوم الرابع بدا على الشامي الندم والتوبة مما صدر منه تجاه الحسن بن علي وكيف يسبه ويشتمه فيقابله بالإحسان والعفو وحسن الضيافة، فطلب من الحسن ورجاه أن يسامحه على ما صدر منه وكان بينهما الحوار التالي بمحضر من أصحاب الحسن:
الحسن: أقرأت القرآن يا أخا العرب ؟
الشامي: أنا أحفظ القرآن كله.
الحسن: هل تعرف من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ؟
الشامي: إنهم معاوية وآل أبي سفيان.
استغرب الحاضرون وتعجبوا وابتسم له الحسن قائلا: أنا الحسن بن علي وأبي هو ابن عم رسول الله وأخوه، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وجدي رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين وعمي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار، ونحن أهل البيت الذي طهرنا الله سبحانه وافترض مودتنا على كل المسلمين ونحن الذين صلى الله وملائكته علينا وأمر المسلمين بالصلاة علينا، وأنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وعدد له الإمام الحسن بعض فضائل أهل البيت وعرفه حقيقة الأمر فاستبصر الشامي وبكى وأخذ يقبل أنامل الحسن ويلثم وجهه معتذرا عما صدر منه في حقه قائلا:
والله الذي لا إله إلا هو إني دخلت المدينة وليس لي على وجه الأرض أبغض منكم، وها أنا أخرج منها وليس على وجه الأرض أحب إلي منكم، وإني أتقرب إلى الله سبحانه بحيكم ومودتكم وموالاتكم والبراءة من أعدائكم.
التفت الإمام الحسن إلى أصحابه قائلا:
لقد أردتم قتله وهو بريء لأنه لو عرف الحق ما كان ليعانده وإن أكثر المسلمين في الشام مثله لو عرفوا الحق لاتبعوه.
ثم قرأ قول الله تعالى: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34).
نعم هذا هو الواقع الذي يجهله أكثر الناس مع الأسف فكم من إنسان يعادي الحق ويعانده ردحا من عمره، حتى يكتشف في يوم من الأيام أنه على خطأ فيسارع بالتوبة والاستغفار وهذا هو واجب كل إنسان فقد قيل: «الرجوع للحق فضيلة».
وإنما المصيبة في الذين يرون الحق عيانا ويلمسونه بأيديهم ثم يقفون ضده ويحاربونه من أجل أغراض خسيسة ودنيا دنيئة وأحقاد دفينة.
وهذا النمط من الناس، قال في حقهم رب العزة والجلالة: «وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون» (يس: 10) فلا فائدة في تضييع الوقت معهم وحرق الأعصاب من أجلهم، وإنما الواجب علينا أن نضحي بكل شيء مع أولئك المنصفين الذين يبحثون عن الحق ويبذلون جهدهم للوصل إليه والذين قال في حقهم رب العزة والجلالة: «إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم» (يس: 11).
فعلى المستبصرين من الشيعة في كل مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحق لكل أبناء الأمة الإسلامية، فلم يكن أئمة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنما هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى لكل المسلمين.
وإذا بقي الأئمة من أهل البيت مجهولين لدى عامة المسلمين وخصوصا منهم المثقفين من أبناء «أهل السنة والجماعة» فإن الشيعة يتحملون مسؤولية ذلك عند الله.
كما إذا بقي الناس كفارا وملحدين لا يعرفون دين الله القويم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلمسيد المرسلين، فالمسؤولية على كل المسلمين.