ابو زينب القوشجي
25-12-2008, 11:06 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شبهة المصاهرة بين آل البيت (عليهم السلام) من بعض الصحابة
كثر الحديث من قبل بعض اهل السنة حول علاقات المصاهرة بين آل البيت (صلوات الله عليهم) وبين بعض الصحابة ممن لديهم عداء وخلاف معهم. وكذلك تسمية بعض أئمة آل البيت (عليهم السلام) بعض أبنائهم بأسماء اعدائهم وخصومهم ، فيستندون لهذه الامور بإدعاء ان العلاقة بين آل البيت (عليهم السلام) والصحابة المذكورين كانت علاقة طيبة وليس بينهم خلاف او خصومة ، تمهيداً لإنكارهم بيعة الغدير لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ومن اجل توضيح الامور علينا ان نخوض في ثلاثة محاور :
العداء الذي حملته قريش تجاه الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) نتيجة ما قتله من مشركيهم في حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لا سيما وهم كانوا حديثي عهدٍ بالجاهلية.
طبيعة المجتمع العربي الذي كان يسمح بزواج النساء بين العوائل المتعادية والمتخاصمة.
منهج آل البيت (عليهم السلام) في احتواء خصومهم من اجل المصلحة الاسلامية العليا. وذلك بالتسمي بإسماء خصومهم. وربما حتى التزاوج معهم ، درءاً للفتنة الناشبة وتضميداً للجراح الاسلامية. مستثمرين قبول المجتمع العربي لهذا النوع من الزواج كما ذكرناه في المحور الثاني آنفاً.
المحور الاول :
قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة ج1 ص24 وهو يتحدث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : (وأما الجهاد في سبيل الله : فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين ، وهل الجهاد لاحد من الناس إلا له ! وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى ، قتل فيها سبعون من المشركين ، قتل علي نصفهم ، وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر . وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك ، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما ، وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه ، لانه من المعلومات الضرورية ، كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما). وقال ايضاً في ج1 ص54 : (فجميع من قتل من المشركين يوم أحد ثمانية وعشرون ، قتل علي عليه السلام منهم - ما اتفق عليه وما اختلف فيه - اثنى عشر ، وهو إلى جمله القتلى كعدة من قتل يوم بدر إلى جملة القتلى يومئذ ، وهو قريب من النصف).
واسماء المتفق والمختلف عليهم ممن قتلهم الامام علي (عليه السلام) في بدر وأحد ، هم :
من بنى عبد شمس بن عبد مناف :
حنظلة بن أبى سفيان بن حرب
العاص بن سعيد بن العاص
شيبة بن ربيعة
الوليد بن عتبة بن ربيعة
عامر بن عبد الله حليف لهم من انمار
طعيمة بن عدى ، ويكنى أبا الريان
الحارث بن زمعة بن الاسود
عقيل بن الاسود بن المطلب
نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، وهو ابن العدوية من بنى عبد الدار بن قصى :
النضر بن الحارث بن كلدة
زيد بن مليص مولى عمرو بن هاشم بن عبد مناف
طلحة بن أبى طلحة صاحب لواء قريش
أرطاة بن عبد شرحبيل
وقارظ بن شريح بن عثمان بن عبد الدار
وصواب مولاهم
من بنى تيم بن مرة :
عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة
عثمان ومالك اولاد عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهما اخوا طلحة بن عبيد الله احد الستة أصحاب الشورى
من بنى مخزوم بن يقظة :
أبو قيس بن الوليد بن الوليد ، أخو خالد بن الوليد
مسعود بن أبى أمية
عبد الله بن أبى رفاعة
حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ
عويمر بن السائب بن عويمر
أميه بن أبى حذيفة بن المغيرة
العاص بن هشام بن المغيرة
"حليف لهم"
من بنى جمح بن عمرو بن هصيص :
أوس بن المغيرة بن لوذان
من بنى سهم :
منبه بن الحجاج
ونبيه بن الحجاج
العاص بن منبه بن الحجاج
أبو العاص بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم
زمعة بن الاسود بن المطلب
الحارث بن زمعة
من بنى أسد بن عبد العزى :
عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد
من بنى زهرة :
أبو الحكم بن الاخنس بن شريق
من بنى عبد مناة بن كنانة :
خالد بن سفيان بن عويف
أبو الشعثاء بن سفيان بن عويف
أبو الحمراء بن سفيان بن عويف
غراب بن سفيان بن عويف
يضاف لهم قتلى يوم الخندق وحنين... هؤلاء القتلى لكل واحد منهم عائلة كبيرة كما أنَّ لهم امتدادات في العديد من بطون قريش ، من خلال بناتهم واخواتهم ونسائهم ، ويضاف لهذا وجود علاقات المصاهرة الواسعة بين عوائل القتلى وغيرهم من الصحابة ، نذكر نماذج منها :
ـ عبد الرحمن بن عوف الذي اعطى الخلافة لعثمان بعد مقتل عمر بن الخطاب كان متزوجاً من :
1. تزوج أم كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وقد قتل الامام علي (عليه السلام) اخاها الوليد وعمها شيبة ، كما ان حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) قد قتل اباها. وهي أم أبنه سالم بن عبد الرحمن بن عوف.
2. تزوج أبنة شيبة بن ربيعة ، وشيبة المذكور قد قتله الامام علي (عليه السلام) يوم بدر كما اسلفنا. وقد ولدت له ابنته أم القاسم.
3. تزوج ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط وقد قتل ابوها بقطع عنقه من قبل المسلمين يوم بدر بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). فأنجبت له اولاده محمد وحميد وابراهيم واسماعيل.
ـ مروان بن الحكم تزوج من عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن ابي العاصي بن امية بن عبد شمس ، وقد قتل ابوها (معاوية بن المغيرة) بقطع عنقه صبراً يوم بدر بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). وانجبت له ابنه عبد الملك بن مروان.
ـ طلحة بن عبيد الله بن عثمان تزوج ام ابان بنت عتبة بن ربيعة ، واولدها ابنه يعقوب ، وقد قتل ابوها وعمها واخوها يوم بدر مشركين كما مرَّ. وقتل زوجها طلحة بن عبيد الله وابنه محمد بن طلحة يوم الجمل وهما يقاتلان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام). كما ان اخوي طلحة قد قتلهما الامام علي بن ابي طالب (عليهما السلام) يوم احد.
فكانت هناك شبكة واسعة من الثكلى الذين يكنّون العداء للامام علي بن ابي طالب ، وحتى بعد أن دخلوا في الاسلام بعد فتح مكة فقد اصبحوا طلقاء وكانوا حديثي عهد بالجاهلية ، فلم يكن هناك ما يشير الى انهم قد اذعنوا للاسلام وغضوا النظر عن مقتل احبابهم على يد علي (صلوات الله عليه).
المحور الثاني :
فقد كانت من طبيعة المجتمع العربي قبل الاسلام وبعده انهم لا يأنفون من تزويج بناتهم من خصومهم. سواء كانت الخصومة بسبب التنافس أو العداء. وفي هذا الصدد يروى أن عمرو بن العاص دخل على معاوية ذات يوم فوجده مع ابنته فقال له : من هذه يا "أمير المؤمنين" ؟ فقال له : هذه تفاحة القلب ، فقال له عمرو : (انبذها عنك فإنهن يلدن الاعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن).
ولذلك نجد أن هناك العديد من علاقات المصاهرة بين آل البيت (عليهم السلام) وبين خصومهم من الصحابة وذرياتهم ، وهذا يصب في هذا السياق ووجوده لا ينفي صفة الخصومة بينهم ولا يوحي بوجود علاقات طيبة. ولعل آل البيت (عليهم السلام) قد تعمدوا الاتجاه نحو هذا النوع من الزواج والمصاهرة دفعاً للفتنة ، وكما سنتطرق إليه في المحور الثالث القادم.
ومن نماذج هذه المصاهرات بين الخصوم والاعداء :
ـ الحسين (عليه السلام) تزوج من ليلى بنت ابي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي وأمها ميمونة بنت ابي سفيان بن حرب اخت معاوية بن ابي سفيان ، فولدت له علي الاكبر بن الحسين الذي استشهد مع ابيه يوم الطف في كربلاء.
ـ تزوج عبد الملك بن مروان من إحدى بنات الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام).
ـ الحسين (عليه السلام) تزوج من من أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله فولدت له ابنته فاطمة ، رغم ان اخوها وابوها قد قتلا وهما يقاتلان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كما مرَّ.
ـ الخليفة العباسي المهدي بن ابي جعفر المنصور تزوج من ابنة الحسين ذي الدمعة وذي العبرة بن زيد بن الامام علي السجاد (عليه السلام) ، رغم ان الحسين ذي الدمعة المذكور ممن ثاروا مع محمد ذي النفس الزكية على ابي جعفر المنصور ، كما انه قد تربى في ظل رعاية الامام جعفر الصادق (عليه السلام) له بعد استشهاد ابيه زيد (عليه السلام).
ـ تزوج عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن ابي سفيان من نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب فولدت له علي والعباس ، وهما اول من تسمى بهذا الاسم من ذرية يزيد بن معاوية .
فعلاقات المصاهرة بين عوائل لا يمكن إنكار وجود العداوة والخصومة بينها يدل على صحة ما ذهبنا إليه. ولذلك فمن الخطأ أن يقوم بعض اهل السنة بالاستشهاد بعلاقات المصاهرة بين آل البيت (عليهم السلام) وبين خصومهم من الصحابة ليقول أن هذه المصاهرات دليل على عدم وجود الخلاف والخصومة !
المحور الثالث :
منهج آل البيت (عليهم السلام) في احتواء خصومهم من اجل المصلحة الاسلامية العليا. ومن الوسائل العديدة للاحتواء هو التسمي بإسماء خصومهم. درءاً للفتنة الناشبة وتضميداً للجراح الاسلامية. ولا يبعد ان يدخل الزواج المذكور في المحور الثاني ضمن هذا الاطار أيضاً.
حيث عمد بعض الائمة (صلوات الله عليهم) لذلك بغية محاصرة الفتنة والقضاء عليها. فضلاً عن وجود أسباب شخصية في بعض الاحيان لظهور التسميات المذكورة.
فللامام علي (عليه السلام) ابن اطلق عليه اسم عثمان ، وقد استشهد مع اخيه الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف سنة 61هـ وعمره 21 سنة ، مما يعني انه قد ولد سنة 40 هـ اي بعد مقتل عثمان بخمس سنوات[8]. مما يشير بوضوح الى ان تسميته هي ربما لما ذكرناه في المحور الثالث الآنف الذكر وفقاً لسياسة الاحتواء. كما أن هناك شخصية عظيمة يحبها آل البيت (عليهم السلام) ويجلّونها وهو الصحابي الجليل عثمان بن مظعون (رضي الله عنه) أخو النبي (صلى الله عليه وآله) من الرضاعة واحد المهاجرين الى الحبشة ويثرب واول من توفي في المدينة المنورة بعد الهجرة ، واول من دفن في البقيع من المسلمين ، وقد بكى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحزن عليه. ففي نصب الراية للزيلعي - ج 6 - ص 157 : (عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت دموعه تسيل على وجنتيه) قال الترمذي حديث حسن صحيح. وروى في الكافي عن أبي بصير عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : (لما ماتت رقية بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه ، قال وفاطمة ( عليها السلام ) على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر).
وكذلك للامام علي السجاد (عليه السلام) أبن اسمه عمر ، وللامام موسى الكاظم عليه السلام ابن اسمه هارون وابنة اسمها عائشة.
لكن هناك ايضاً أبن للامام علي (صلوات الله عليه) اسمه عمر وأمه هي الصهباء بنت ربيعة من تغلب ، سباها خالد بن الوليد أيام الردة. والظاهر ان لسبيها من قبل خالد بن الوليد والخلاف بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وتنكيل عمر بخالد دافعاً جعلها تطلق اسم عمر على وليدها فرحاً بالشخص الذي نكَّلَ بمن سباها !
زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت الامام علي (عليه السلام) :
دارت العديد من النقاشات حول هذا الموضوع وتم تأليف العديد من الكتب بين مثبت لهذا الزواج ومنكر له. ولسنا في هذا الموضع بصدد الترجيح لأيٍ من الآراء المطروحة. ولكننا سوف نناقش اموراً مهمة متعلقة بفرضية أن هذا الزواج حقيقي وأنه قد تم فعلاً !
فقد رأينا مما سبق بيانه ان هذا الزواج بين أم كلثوم بنت الامام علي (عليه السلام) وبين عمر بن الخطاب إن كان قد تم حقيقة فهو لا يخرج عن الاطار الثاني الذي ذكرناه.
وما نخشاه من ان هذا الزواج قد جوبه بحركة عنيفة من قبل خصوم آل البيت (عليهم السلام) مما أدى الى مقتل ام كلثوم وابنها زيد بن عمر بن الخطاب. ففي المدونة الكبرى لمالك بن انس ج3 ص385 : (عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن أم كلثوم بنت على ابن ابى طالب امرأة عمر بن الخطاب وابنها زيد بن عمر بن الخطاب هلكا في ساعة واحدة فلم يدر أيهما هلك قبل صاحبه فلم يتوارثا). ومن المؤسف ان احداً ممن ذكر هذا الخبر لم يذكر سبب وفاتهما في ساعة واحدة مع أن الامر غريب وملفت للنظر ! وكأنهما سقيا السم في ساعة واحدة فماتا كذلك ! وربما اثارهم نموذج ولادة محمد بن أبي بكر بن ابي قحافة وتربيته من قبل الامام علي (عليه السلام) ، وخشوا ظهور ذرية عمرية موالية لعلي (عليه السلام) كما ظهرت بوادر وجود ذرية بكرية موالية للامام علي (عليه السلام) متمثلة في ولاء محمد بن ابي بكر لأمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) ، وزواج حفيدته أم فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر من الامام محمد الباقر (صلوات الله عليه) فولدت له الامام جعفر الصادق (صلوات الله عليه). فعمدوا الى قتل المشروع في مهده بقتلهم لأم كلثوم وأبنها ! والله أعلم...
شبهة المصاهرة بين آل البيت (عليهم السلام) من بعض الصحابة
كثر الحديث من قبل بعض اهل السنة حول علاقات المصاهرة بين آل البيت (صلوات الله عليهم) وبين بعض الصحابة ممن لديهم عداء وخلاف معهم. وكذلك تسمية بعض أئمة آل البيت (عليهم السلام) بعض أبنائهم بأسماء اعدائهم وخصومهم ، فيستندون لهذه الامور بإدعاء ان العلاقة بين آل البيت (عليهم السلام) والصحابة المذكورين كانت علاقة طيبة وليس بينهم خلاف او خصومة ، تمهيداً لإنكارهم بيعة الغدير لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ومن اجل توضيح الامور علينا ان نخوض في ثلاثة محاور :
العداء الذي حملته قريش تجاه الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) نتيجة ما قتله من مشركيهم في حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لا سيما وهم كانوا حديثي عهدٍ بالجاهلية.
طبيعة المجتمع العربي الذي كان يسمح بزواج النساء بين العوائل المتعادية والمتخاصمة.
منهج آل البيت (عليهم السلام) في احتواء خصومهم من اجل المصلحة الاسلامية العليا. وذلك بالتسمي بإسماء خصومهم. وربما حتى التزاوج معهم ، درءاً للفتنة الناشبة وتضميداً للجراح الاسلامية. مستثمرين قبول المجتمع العربي لهذا النوع من الزواج كما ذكرناه في المحور الثاني آنفاً.
المحور الاول :
قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة ج1 ص24 وهو يتحدث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : (وأما الجهاد في سبيل الله : فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين ، وهل الجهاد لاحد من الناس إلا له ! وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى ، قتل فيها سبعون من المشركين ، قتل علي نصفهم ، وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر . وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك ، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما ، وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه ، لانه من المعلومات الضرورية ، كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما). وقال ايضاً في ج1 ص54 : (فجميع من قتل من المشركين يوم أحد ثمانية وعشرون ، قتل علي عليه السلام منهم - ما اتفق عليه وما اختلف فيه - اثنى عشر ، وهو إلى جمله القتلى كعدة من قتل يوم بدر إلى جملة القتلى يومئذ ، وهو قريب من النصف).
واسماء المتفق والمختلف عليهم ممن قتلهم الامام علي (عليه السلام) في بدر وأحد ، هم :
من بنى عبد شمس بن عبد مناف :
حنظلة بن أبى سفيان بن حرب
العاص بن سعيد بن العاص
شيبة بن ربيعة
الوليد بن عتبة بن ربيعة
عامر بن عبد الله حليف لهم من انمار
طعيمة بن عدى ، ويكنى أبا الريان
الحارث بن زمعة بن الاسود
عقيل بن الاسود بن المطلب
نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، وهو ابن العدوية من بنى عبد الدار بن قصى :
النضر بن الحارث بن كلدة
زيد بن مليص مولى عمرو بن هاشم بن عبد مناف
طلحة بن أبى طلحة صاحب لواء قريش
أرطاة بن عبد شرحبيل
وقارظ بن شريح بن عثمان بن عبد الدار
وصواب مولاهم
من بنى تيم بن مرة :
عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة
عثمان ومالك اولاد عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهما اخوا طلحة بن عبيد الله احد الستة أصحاب الشورى
من بنى مخزوم بن يقظة :
أبو قيس بن الوليد بن الوليد ، أخو خالد بن الوليد
مسعود بن أبى أمية
عبد الله بن أبى رفاعة
حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ
عويمر بن السائب بن عويمر
أميه بن أبى حذيفة بن المغيرة
العاص بن هشام بن المغيرة
"حليف لهم"
من بنى جمح بن عمرو بن هصيص :
أوس بن المغيرة بن لوذان
من بنى سهم :
منبه بن الحجاج
ونبيه بن الحجاج
العاص بن منبه بن الحجاج
أبو العاص بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم
زمعة بن الاسود بن المطلب
الحارث بن زمعة
من بنى أسد بن عبد العزى :
عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد
من بنى زهرة :
أبو الحكم بن الاخنس بن شريق
من بنى عبد مناة بن كنانة :
خالد بن سفيان بن عويف
أبو الشعثاء بن سفيان بن عويف
أبو الحمراء بن سفيان بن عويف
غراب بن سفيان بن عويف
يضاف لهم قتلى يوم الخندق وحنين... هؤلاء القتلى لكل واحد منهم عائلة كبيرة كما أنَّ لهم امتدادات في العديد من بطون قريش ، من خلال بناتهم واخواتهم ونسائهم ، ويضاف لهذا وجود علاقات المصاهرة الواسعة بين عوائل القتلى وغيرهم من الصحابة ، نذكر نماذج منها :
ـ عبد الرحمن بن عوف الذي اعطى الخلافة لعثمان بعد مقتل عمر بن الخطاب كان متزوجاً من :
1. تزوج أم كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وقد قتل الامام علي (عليه السلام) اخاها الوليد وعمها شيبة ، كما ان حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) قد قتل اباها. وهي أم أبنه سالم بن عبد الرحمن بن عوف.
2. تزوج أبنة شيبة بن ربيعة ، وشيبة المذكور قد قتله الامام علي (عليه السلام) يوم بدر كما اسلفنا. وقد ولدت له ابنته أم القاسم.
3. تزوج ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط وقد قتل ابوها بقطع عنقه من قبل المسلمين يوم بدر بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). فأنجبت له اولاده محمد وحميد وابراهيم واسماعيل.
ـ مروان بن الحكم تزوج من عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن ابي العاصي بن امية بن عبد شمس ، وقد قتل ابوها (معاوية بن المغيرة) بقطع عنقه صبراً يوم بدر بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). وانجبت له ابنه عبد الملك بن مروان.
ـ طلحة بن عبيد الله بن عثمان تزوج ام ابان بنت عتبة بن ربيعة ، واولدها ابنه يعقوب ، وقد قتل ابوها وعمها واخوها يوم بدر مشركين كما مرَّ. وقتل زوجها طلحة بن عبيد الله وابنه محمد بن طلحة يوم الجمل وهما يقاتلان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام). كما ان اخوي طلحة قد قتلهما الامام علي بن ابي طالب (عليهما السلام) يوم احد.
فكانت هناك شبكة واسعة من الثكلى الذين يكنّون العداء للامام علي بن ابي طالب ، وحتى بعد أن دخلوا في الاسلام بعد فتح مكة فقد اصبحوا طلقاء وكانوا حديثي عهد بالجاهلية ، فلم يكن هناك ما يشير الى انهم قد اذعنوا للاسلام وغضوا النظر عن مقتل احبابهم على يد علي (صلوات الله عليه).
المحور الثاني :
فقد كانت من طبيعة المجتمع العربي قبل الاسلام وبعده انهم لا يأنفون من تزويج بناتهم من خصومهم. سواء كانت الخصومة بسبب التنافس أو العداء. وفي هذا الصدد يروى أن عمرو بن العاص دخل على معاوية ذات يوم فوجده مع ابنته فقال له : من هذه يا "أمير المؤمنين" ؟ فقال له : هذه تفاحة القلب ، فقال له عمرو : (انبذها عنك فإنهن يلدن الاعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن).
ولذلك نجد أن هناك العديد من علاقات المصاهرة بين آل البيت (عليهم السلام) وبين خصومهم من الصحابة وذرياتهم ، وهذا يصب في هذا السياق ووجوده لا ينفي صفة الخصومة بينهم ولا يوحي بوجود علاقات طيبة. ولعل آل البيت (عليهم السلام) قد تعمدوا الاتجاه نحو هذا النوع من الزواج والمصاهرة دفعاً للفتنة ، وكما سنتطرق إليه في المحور الثالث القادم.
ومن نماذج هذه المصاهرات بين الخصوم والاعداء :
ـ الحسين (عليه السلام) تزوج من ليلى بنت ابي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي وأمها ميمونة بنت ابي سفيان بن حرب اخت معاوية بن ابي سفيان ، فولدت له علي الاكبر بن الحسين الذي استشهد مع ابيه يوم الطف في كربلاء.
ـ تزوج عبد الملك بن مروان من إحدى بنات الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام).
ـ الحسين (عليه السلام) تزوج من من أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله فولدت له ابنته فاطمة ، رغم ان اخوها وابوها قد قتلا وهما يقاتلان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كما مرَّ.
ـ الخليفة العباسي المهدي بن ابي جعفر المنصور تزوج من ابنة الحسين ذي الدمعة وذي العبرة بن زيد بن الامام علي السجاد (عليه السلام) ، رغم ان الحسين ذي الدمعة المذكور ممن ثاروا مع محمد ذي النفس الزكية على ابي جعفر المنصور ، كما انه قد تربى في ظل رعاية الامام جعفر الصادق (عليه السلام) له بعد استشهاد ابيه زيد (عليه السلام).
ـ تزوج عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن ابي سفيان من نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب فولدت له علي والعباس ، وهما اول من تسمى بهذا الاسم من ذرية يزيد بن معاوية .
فعلاقات المصاهرة بين عوائل لا يمكن إنكار وجود العداوة والخصومة بينها يدل على صحة ما ذهبنا إليه. ولذلك فمن الخطأ أن يقوم بعض اهل السنة بالاستشهاد بعلاقات المصاهرة بين آل البيت (عليهم السلام) وبين خصومهم من الصحابة ليقول أن هذه المصاهرات دليل على عدم وجود الخلاف والخصومة !
المحور الثالث :
منهج آل البيت (عليهم السلام) في احتواء خصومهم من اجل المصلحة الاسلامية العليا. ومن الوسائل العديدة للاحتواء هو التسمي بإسماء خصومهم. درءاً للفتنة الناشبة وتضميداً للجراح الاسلامية. ولا يبعد ان يدخل الزواج المذكور في المحور الثاني ضمن هذا الاطار أيضاً.
حيث عمد بعض الائمة (صلوات الله عليهم) لذلك بغية محاصرة الفتنة والقضاء عليها. فضلاً عن وجود أسباب شخصية في بعض الاحيان لظهور التسميات المذكورة.
فللامام علي (عليه السلام) ابن اطلق عليه اسم عثمان ، وقد استشهد مع اخيه الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف سنة 61هـ وعمره 21 سنة ، مما يعني انه قد ولد سنة 40 هـ اي بعد مقتل عثمان بخمس سنوات[8]. مما يشير بوضوح الى ان تسميته هي ربما لما ذكرناه في المحور الثالث الآنف الذكر وفقاً لسياسة الاحتواء. كما أن هناك شخصية عظيمة يحبها آل البيت (عليهم السلام) ويجلّونها وهو الصحابي الجليل عثمان بن مظعون (رضي الله عنه) أخو النبي (صلى الله عليه وآله) من الرضاعة واحد المهاجرين الى الحبشة ويثرب واول من توفي في المدينة المنورة بعد الهجرة ، واول من دفن في البقيع من المسلمين ، وقد بكى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحزن عليه. ففي نصب الراية للزيلعي - ج 6 - ص 157 : (عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت دموعه تسيل على وجنتيه) قال الترمذي حديث حسن صحيح. وروى في الكافي عن أبي بصير عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : (لما ماتت رقية بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه ، قال وفاطمة ( عليها السلام ) على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر).
وكذلك للامام علي السجاد (عليه السلام) أبن اسمه عمر ، وللامام موسى الكاظم عليه السلام ابن اسمه هارون وابنة اسمها عائشة.
لكن هناك ايضاً أبن للامام علي (صلوات الله عليه) اسمه عمر وأمه هي الصهباء بنت ربيعة من تغلب ، سباها خالد بن الوليد أيام الردة. والظاهر ان لسبيها من قبل خالد بن الوليد والخلاف بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وتنكيل عمر بخالد دافعاً جعلها تطلق اسم عمر على وليدها فرحاً بالشخص الذي نكَّلَ بمن سباها !
زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت الامام علي (عليه السلام) :
دارت العديد من النقاشات حول هذا الموضوع وتم تأليف العديد من الكتب بين مثبت لهذا الزواج ومنكر له. ولسنا في هذا الموضع بصدد الترجيح لأيٍ من الآراء المطروحة. ولكننا سوف نناقش اموراً مهمة متعلقة بفرضية أن هذا الزواج حقيقي وأنه قد تم فعلاً !
فقد رأينا مما سبق بيانه ان هذا الزواج بين أم كلثوم بنت الامام علي (عليه السلام) وبين عمر بن الخطاب إن كان قد تم حقيقة فهو لا يخرج عن الاطار الثاني الذي ذكرناه.
وما نخشاه من ان هذا الزواج قد جوبه بحركة عنيفة من قبل خصوم آل البيت (عليهم السلام) مما أدى الى مقتل ام كلثوم وابنها زيد بن عمر بن الخطاب. ففي المدونة الكبرى لمالك بن انس ج3 ص385 : (عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن أم كلثوم بنت على ابن ابى طالب امرأة عمر بن الخطاب وابنها زيد بن عمر بن الخطاب هلكا في ساعة واحدة فلم يدر أيهما هلك قبل صاحبه فلم يتوارثا). ومن المؤسف ان احداً ممن ذكر هذا الخبر لم يذكر سبب وفاتهما في ساعة واحدة مع أن الامر غريب وملفت للنظر ! وكأنهما سقيا السم في ساعة واحدة فماتا كذلك ! وربما اثارهم نموذج ولادة محمد بن أبي بكر بن ابي قحافة وتربيته من قبل الامام علي (عليه السلام) ، وخشوا ظهور ذرية عمرية موالية لعلي (عليه السلام) كما ظهرت بوادر وجود ذرية بكرية موالية للامام علي (عليه السلام) متمثلة في ولاء محمد بن ابي بكر لأمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) ، وزواج حفيدته أم فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر من الامام محمد الباقر (صلوات الله عليه) فولدت له الامام جعفر الصادق (صلوات الله عليه). فعمدوا الى قتل المشروع في مهده بقتلهم لأم كلثوم وأبنها ! والله أعلم...