عاشق الجاروديه
04-01-2009, 12:30 PM
اللهم صلي على محمد وال محمد
السلام على الامام الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين عليهم السلام
عظم الله أجوركم بمصاب الامام الحسين عليه السلام
* عبيد الله بن زياد: وصفه الحسن البصري (غلاماً سفيهاً، سفك الدماء سفكاً شديداً...)260 سير أعلام النبلاء 3 / 545 ــ ومن الإشارات المهمَّة في شخصية هذا الرجل تربيته الفارسية المجوسيَّة، فأمُّه (سيرورية وكانت بنت بعض ملوك العجم يزدجر أو غيره ... وكان في كلامه شي من كلام العجم) ـ261 البداية والنهاية 8 / 287 ــ وقد عُرِف بالحزم والحسم والقوّة والبطش، ولمَّا قُتِل الحسين عليه السلام (كان عمره ثمانية وعشرين سنة) ــ 262 نفس المصدر 286 ــ ولم يُعهَد أنّه تربّى إسلامياً .
* شمر بن ذي الجوشن: مِن أشراف العرب، شهد صفين مع الإمام علي (عليه السلام)، انحاز إلى زياد بن أبيه، وشهد على حجر بن عدي ــ 263 الطبري 6 / 184 ــ وكان من الذين كاتبوا الحسين ودعوه الى الكوفة، ولكنّه سرعان ما انضم إلى جيش عبيد الله بن زياد عندما قدِم الكوفة، وكان معه في القصر يوم كانت حركة مسلم بن عقيل، وقام بمهمَّة تثبيط الناس عن الحركة ــ 264 أنساب الأشراف ص 183 ــ وتطوّر موقفه بعد قدوم الحسين، إذ كان من الأشراف الذين شاركوا عبيد الله بن زياد في تصميم مسار المعركة، فهو الذي اضطلع بحمل رسالة بن زياد إلى عمر بن سعد التي أستحثَّه بها التعجيل بقتل الحسين ــ 265 الطبري 6 ص 342 ــ وكان ينافس بن سعد على قيادة الجيش، ويزاوده على طاعة بن زياد، وهو على ميسرة بن سعد في الهجوم ــ 266 الطبري 6 / 319 ــ وكان سليط اللسان على الإمام، وصاحب الاقتراح بحرق بيوت الحسين، وعُرِف الشمر بأنه من أشد المحرِّضين على إنهاء الحسين في الساعات الأخيرة من المعركة ــ 267 الطبري6/ 382 ــ وقد أوفده عبيد الله بن زياد مع السبايا إلى يزيد بن معاوية ــ 268 المصدر 6 ص 398 ــ إن من أبرز صفات هذا الرجل هي (الانتهازية السياسيَّة) والجلادة والغلظة، وقد وصفه زهير بن القين بـ (الجلف الجافي) ــ 269 الطبري 6/ 354 ــ الذي لا علم له بكتاب أو دين ــ 270 الطبري 6 / 355ـ .
* شبث بن ربعي: من الأشراف المعروفين، وكان ممَّن خرج مع علي ... ورجع ــ271 تاريخ الإسلام للذهبي ص 416 ــ فقد كان له دور متميِّز في القتال إلى جانب علي، وصاحب لسان ضد معاوية بن أي سفيان ــ 272 وقعة صفين ص 187،197، 189ــ وأحتجّ عليه قتل عمّار بن ياسر ــ 273 نفس المصدر 199ــ وكان محل نظر معاوية في بداية الصلح، وقد أوصى زياد بن أبيه بأخذه، فكان يحضر الصلاة معه ــ 274 الطبري 6 / 95 ــ ومن الذين شهدوا على حجر إضطراراً، وقد كاتب الحسين بالقدوم الى الكوفة، وانضمَّ إلى بن زياد، وكان معه في قصر الإمارة، حيث كلَّفه بتخويف قومه من الانتصار لمسلم بن عقيل ــ 275 نفس المصدر 6 / 273 ــ ويروي صاحب الفتوح والأنساب أن شبث بن ربعي تمارض عندما أخذ عبيد الله بن زياد يبعث بالعساكر الى حرب الحسين، هروباً من مسؤوليَّة التورط بهذه الجريمة، ولكن بن زياد إضطرّه لذلك وبعثه في ألف مقاتل ــ 276 أنساب الأشراف ص 178 ــ وكان على الرجّألة في جيش بن سعد ــ 277 الطبري 6 / 349 ــ وقد ذكَّره الحسين بمكاتبته لكنَّه أنكر ــ 278 الطبري 6 / 353 ــ وفي الحرب عندما قُتل مسلم بن عوسجة خاطب جيش إبن زياد ( ثكلتكم أمهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلُّون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة! أما والذي أسلمت له لرُبَّ موقف له رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سلق إذربيجان قتل من المشركين قبل تتامِّ خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله تفرحون) ــ 279 المصدر 6 / 364 ــ وهناك اتفاق أنَّ شبث حاول أن يتهرَّب من دم الحسين ــ 280 الكامل 4 / 68 ــ بل ردع شمر بن ذي الجوشن لما دعى الى حرق المخيمات والبيوت، قال له (ما رأيت مقالاً أسوء من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمُرعِباً للنساء صرت) ــ 281 نفس المصدر 367 ــ ولكن هذا لا ينفي أبداً أن الرجل موسوم بالانتهازية السياسية، وكان ذا إحساس شديد بالنزعة الارستقراطية المتعالية ــ 282 المصدر 663 ــ .
* عزرة بن قيس الاحمسي: من الذين كاتبوا الحسين أو بالأحرى الذين كتبوا إلى الحسين (عليه السلام)، وكان قد كلّفه عمر بن سعد بمحادثة الحسين عن سبب مجيئه فرفض استحياء لأنه كان قد كتب إليه بالمجيئ ــ 283 الطبري 6 / 336 ــ وقد تولَّى خيالة الجيش، ومن الذين وفدوا بالرؤوس على عبيد الله بن زياد ــ 284 الطبري 6 / 386 ــ.
* عبد الله بن زهير بن سليم الازدي: روى الطبري أنّه كان على ربع أهل المدينة في جيش بن سعد ـ 285 المصدر 6 / 349 ــ ولكن من الغريب حقاً انَّ هذا الرجل رغم موقعه الخطير الذي شغله في الجيش لم تذكر المصادر أيَّ موقف له في المعركة، سواء على صعيد الرأي أو صعيد القتال، وذلك بما فيهم الطبري، ولم يرد اسمه في تشكيلة القوّاد برواية أنساب الأشراف، وهو الحريص على ذلك، ولم نجد لهذا الإسم ذكراً في المصادر التي تناولت معركة الطف!.
* عبد الرحمن بن أبي سبرة، ذكره الطبري أنَّه كان على ربع أسد ومذحج في الجيش، وهو من جعفى شهد على حجر بن عدي ــ 286 ، 6 / 186 ــ ويذكر له الطبري موقفاً واحداً في هجوم الشمر بالرجالة على الحسين بقوله (وأقدم عليه ــ الشمر ــ بالرجالة، منهم أبو الجندب ــ واسمه عبد الرحمن الجعفي ــ وسنان بن أنس النخعي، وخولي بن يزيد الاصبحي، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرِّضهم، فمرَّ بأبي الجندب وهو شاك في السلاح، فقال له: أقدم عليه، قال: وما يمنعك أن تقدم عليه أنت! فقال الشمر: إليَّ القول ذا؟ قال: وأنت تقول لي ذا! فاستبا، فقال له أبو الجندب ــ وكان شجاعاً : والله لهممت أن أُخضخض السنان في عينك ... فانصرف الشمر ... ) 287 ــ 6 / 380 ــ تُرى ما تفسير ذلك؟ هل الخوف من الحسين؟ أم لإيمانه بأن الطرف الآخر يجانب الحق؟ وهل يمكن تفسيره بما بدر من الشمر من حقد على الحسين؟ أم هو هروب من المسؤولية؟ وهل ينسجم هذا من موقفه العسكري القيادي في جيش بن سعد؟ إلا أنَّ الإعثم الكوفي يروي (... ثم رمى رجل منهم بسهم يكنى أبا الجنوب الجعفي، فوقع السهم في جبهته ـ أي جبهة الحسين ــ ) 288 ـ المصدر 5 / 117 ــ وهو خلا ف ما جاء في الطبري حيث كانت الرمية في (فيه)، وأن الرامي كان الحصين بن تميم 289ــ 6 /379 ـ وفي البداية والنهاية أن الرامي كان الحصين والرمية في (حنكه) ـ 290ــ المصدر 8/179ــ وقيل أن الذي رماه رجل من بني أبان بن دارم ـ الكامل للتاريخ 4 / 76 ــ ولذا من الصعب الركون الى رواية إبن الأعثم .
* قيس بن الأشعث بن قيس: ذكره الطبري أنّه كان على ربع ربيعة بن كندة في جيش عمر بن سعد، ومن المعروف أن أباه كان من رواد الإنتهازية السياسية، ويتهمه بعض المؤرخين بالتواطؤ مع عبد الرحمن بن مسلم في قتل علي (عليه السلام)، وكان من أشد أعدائه، ويُستفاد من الطبري أنَّه من الذين كتبوا الى الحسين (عليه السلام) ـ 291الطبري 6 / 273 ــ، وقد عُرِف بـ (قيس قطيفة) لأنَّه استولى على قطيفة الحسين بعد قتله، وكان من الوافدين على عبيد الله بن زياد ـ 292 / 6 / 398 ـ.
* يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم: من الذين كتبوا الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ـ 293 / 6 / 273 ــ ويروى صاحب أنساب الأشراف أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه بألف فارس لإسناد عمر بن سعد، ولكن الإسم يختفي مرَّة واحدة، حيث يسوقه الطبري ضمن الجماعة الذين ذكَّرهم الحسين بكتبهم إليه ــ المصدر294/6/353 ــ وهو نفسه رفض بيعة عبيد الله بن زياد عندما تولّى الكوفة بعد موت يزيد بن معاوية ـ 295 / 6 / 459 ـ وقاتل مع الزبيرين ضد المختار ـ 296 / 6 / 460 ــ فهو من الأشراف الارستقراطيين .
* حجار بن أبجر: من الشخصيات المعروفة بالانتهازية السياسية، فقد تجسّس مرَّة على الخوارج بشكل شخصي ـ 297 الطبري 6 / 98 وما بعدها ــ وكتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ـ 298 الأخبار الطوال 229ــ، إنضم الى إبن زياد بالكوفة وأضطلع بمهمة تخويف الكوفيين ـ 299 نفس المصدر 239 ـ وكان من الذين إحتج عليهم الحسين في ساحة المعركة فأنكر ـ 300 الطبري 6/353 ــ وكان ممّن شهد على حجر بن عدي ـ 301 نفس المصدر 338 ــ إنضمَّ ألى عبيد الله بن الزبير وقاتل المختار ــ 302 نفس المصدر 6/585 ومواقع أخرى ـ وأصبح من أعمدة الحكم الزبيري في الكوفة ــ 303 نفس المصدر 7 / 20 ــ.
* عمرو بن الحجاج الزبيدي : ذكره الطبري على ميمنة جيش عمر بن سعد ــ 304 الطبري 6/349 ــ وهذا الرجل شهد على حجر بن عدي ـ 305 لطبري 6 / 185 ــ وممّن كتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ــ 306 الطبري 6 / 273 ــ إلاّ أنّه أعلن الطاعة نيابة عن مذحج بين يدي عبيد الله بن زياد وأتخذ موقفاً بارداً تجاه مسلم ــ 307 الطبري 6 / 291 ــ وهو الذي تولّى الحيلولة بين الحسين والماء على خمسائة فارس ــ 308 الطبري 6 / 338 ــ وقد لعب دوراً متميزاً في الهجوم على معسكر الحسين ــ 309 الطبري 6/358 ــ وكان بينه وبين الحسين كلام حاد، وقد اتهم الحسين بالمروق من الدين، ووصف يزيد بـ (الامام) ـ310 الطبري 6 / 363 ــ وكان صاحب دور في قتل مسلم بن عوسجة ــ 311 الطبري 6 / 364 ــ وكان من الوافدين على ابن زياد بالضحايا ـ 312 الطبري6/386 ــ إنضم الى إبن الزبير بالكوفة، وقاتل المختار ــ 313 الطبري 6/591 ــ وقد تبعه المختار فهرب على طريق (شراف وواقصة فلم يُرَ .. ولا يُدرى أي أرض بخسته أم سماء حصبته) ــ 314الطبري 6/617ــ
معالجة المفارقة الكبيرة
هذه هي أهم الأسماء البارزة في جيش بن سعد، وهم من صميم العرب، منهم من عدنان ومنهم من قحطان، ولكن الصفة البارزة على هؤلاء هي (الانتهازية السياسية)، فإنهم كانوا مع علي في حروب صفين والنهروان، ولكنّهم هم بالذات الذين شهدوا على حجر بن عدي رغبة أو رهبة، وقد كتبوا الى الحسين إلاّ أنَّهم انضمُّوا الى عبيد الله بن زياد، وأصبحوا من أعمدة الجيش الذي قاتل الحسين، ثم تحوَّلوا الى عبيد الله بن الزبير في الكوفة! وقاتلوا تحت قيادة عبد الله بن مطيع ضد المختار قتالاً عنيفاً .
إنَّ الحسين (عليه السلام) استجاب لنداء الحركة بفعل عاملين، الرسائل التي وصلت إليه من الكوفة، والتقييم الذي كوَّنه مسلم بن عقيل عن أهلها، فهل كان غائباً على الحسين انتهازية الشمر وعمرو بن الحجاج وحجار ابن أبجر وغيرهم؟
لقد عاش الحسين أحداث أبيه وأخيه، وهو على دراية كافية بحقيقة هؤلاء وسلوكهم السياسي الانتهازي عبر هذه المدّة الطويلة من الزمن، إلاّ أن استجابته لم تكن لهذا النمط من الناس، ذي النزعة الإرستقراطية الانتهازية، وإنَّما لنمط آخر من الناس، عرُِفوا بمواقفهم المبدئية الدينية اليقينية، وذلك مثل مسلم بن عوسجة، وحبيب بن مظاهر، وغيرهما من مؤمني العرب، ومن المؤكد أنَّ اعتماده كان على هؤلاء، وعلى القاعدة الشعبية العامّة الرافضة بصدق وإخلاص حكم الأمويين، والمتطلِّعة حقاً إلى الحسين وقيادته.
لقد كان هؤلاء الأشراف (شمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وعمارة الأحمسي، وعمرو بن الحجاج الزبيدي) يتطلَّعون إلى السلطة والقوَّة، وكان شعورهم بذواتهم قويَّاً ومتأصِّلاً ومتعالياً، ولا نستبعد أن عبيد الله بن زياد رشا هؤلاء الأشراف بالمال والمواقع، وأمر عمر بن سعد معروف في هذا المجال، ولذا بإمكاننا القول أنَّ هذا الانقلاب الذي بدر من هؤلاء ليس غريباً عليهم، بل هو المتوقّع أساساً فيما إذا تغيَّرت المقاييس انقلبت موازين القوى.
وإذا كان القادة والرموز من تميم والأُزد والحُمس وكندة، ومن عرب الشمال وعرب الجنوب، فمن أين هي تلك القواعد التي شكَّلت هذا الجيش؟
نقرأ في الطبري: (... لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن سُليم الأزدي، وعلى ربع مذحج وأسد بعد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الإشعث بن قيس، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلاّ الحر بن يزيد فإنَّه عدل الى الحسين، وقُتِل معه) ـ المصدر 315،6/349 ــ والعبارة توحي أنَّ جميع من ينتمي إلى هذه العشائر ساهم في حرب الحسين، و الواقع ليس كذلك، فقد مرَّ بنا أن الجيوش أو الجماعات التي ساقها بن زياد لمساعدة عمر بن سعد كانت تصل إلى ساحة المعركة في كربلاء بأعداد قليلة جداً، وقد يعطي النص انطباعاً بأن الذين قاتلوا الحسين هم عرب وحسب.
لقد عوَّدنا الطبري ذكر الانتماء العشيري الصريح وهو يستعرض وقائع كربلاء، ولم يكن النص السابق الشاهد الوحيد على هذه الظاهرة، حيث يطالعنا الطبري (... ولمَّا قُتل الحسين بن علي عليه السلام جيء برؤوس من قُتِل معه من أهل بيته، وشيعته، وأنصاره، إلى عبيد الله بن زياد، فجاءت كندة بثلاث عشر رأساً، وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، جاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت أسد بستة رؤوس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس، وذلك سبعون رأساً) ـ المصدر 316 الطبري 6/398 ــ وهذه هي عادة الطبري مع القواد والرموز والأشراف، وهي مسألة طبيعية، لأن العشيرة هي السائدة، هي ذات الموقع السيادي في الحرب والسلم، ومراجعة بسيطة للحروب في صدر الإسلام تكشف عن توكيد مركزي للحضور القبيلي.
دور الديالمة في قتل الحسين
ولكن الطبري وغيره لم يذكر لنا هويّة الأربعة آلاف مقاتل الذين كانوا مع عمر بن سعد! أنّها بلا ريب ظاهرة ملفتة، وكل ما نعرفه عن هؤلاء ما يرويه الطبري نفسه فيقول: (... وكان سبب خروج بن سعد إلى الحسين عليه السلام أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة سير بهم الى دستبي، وكانت الديلم قد خرجوا إليها، وغلبوا عليها، فكتب إليه بن زياد عهده بالري، وأمره بالخروج) ـ 317 الطبري 6 / 335 ــ فهؤلاء كانوا قد أُعدُّوا لاستعادة الديلم، ثم حوَّلهم عبيد الله بن زياد بقائدهم إلى قتال الحسين، ولكن لم يذكر الطبري أو غيره انتماء هؤلاء العشائري! والحقيقة أنَّ ممَّا ينسجم مع طبائع الأمور أن يكون هؤلاء الأربعة آلاف من الديالمة، أي من الموالي الذين سبق أنْ أسرهم المسلمون العرب سنة 17 للهجرة في عين تمر بقيادة سعد بن أبي وقاص، والذين نزحوا مع العرب إلى المدائن ثم الكوفة، وكانوا في تقسيم الكوفة مع عبد قيس في السُبع مع بني قيس رغم أنّهم ليسوا عرباً ـ 318 الطبري 6/ حوادث سنة 36 ــ وفي ذلك يقول أسد حيدر: (... وكان هؤلاء بقية الفرس أيام الفتح وهم المعروفون بحمر الديلم) ــ 319 مع الحسين في نهضته 173 ــ ويتحدَّث الطبري وغيره أنَّ الحصين بن تميم كان على شرطة بن زياد، وقد بعثهم لمحاصرة الحسين، وكانوا أربعة آلاف ــ 320 أنساب الأشراف 178 ــ ومنهم انسلَّ الحر بألف فارس للقاء الحسين، واستقدامه بين يدي بن زياد، وفي النتيجة التحقوا بعمر بن سعد ــ 321 نفس المصدر 178 ــ ولكن هؤلاء الشرطة كانوا امتداداً لشرطة أبيه زياد بن أبيه، وهم من الموالي الذين سلَّطهم زياد على شيعة الكوفة، ومن ثمَّ ابنه عبيد الله، وقد أجادوا مهنة الإرهاب والإستذلال ــ راجع صلح الحسن للمرتضى آل ياسين ــ، وكانوا أشرار المجتمع الكوفي، ومن الطريف أن نقرأ عن شمر بن ذي الجوشن ما ينقله أبو إسحق حيث يقول: (كان الشمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر، ثُمَّ يقعد حتى يصبح، ثم يصلي فيقول: اللهم إنَّك تحب الشرف، وأنت تعلم أني شريف، فاغفر لي، فقلتُ ــ أي أبو إسحق ــ يغفر الله لك وقد خرجت الى بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعنت على قتله؟ قال: ويحك فكيف نصنع، إنَّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنَّا أشرَّ من هذه الحمر) ــ 323 تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 68 ــ وموقع الشاهد هنا هؤلاء الحمر، إذ يحق لنا السؤال عن المفارقة الكبيرة لهؤلاء في المجتمع الكوفي، بحيث يكونون محلَّ أشارة واستشهاد؟ تُرى ما هي الممارسات التي كانوا يزاولها هؤلاء؟ ثمَّ لا ننسى أن (معقل) مولى إبن زياد كان من الموالي ـ ثورة الحسين لشمس الدين ــ وهذا الأخير كان من ربيب الفرس الخلص، ولما أراد عبيد الله بن زياد بعث الرؤوس إلى يزيد كان لابدَّ من استنفار الناس، فكان الذي أذَّن بالناس في الرحيل (حميد بن بكير الأحمري) ـ 324 الطبري 6 / 385 ــ وكان (سرِّي بن معاذ الأحمري) من جلاوزة ابن زياد الذين جنَّدهم لإرعاب السبايا ـ 325 ، 6 / 388 ــ
لقد بلغ عدد الموالي في الكوفة عشرين ألفاً في زمن زياد بن أبيه ــ 326 الأخبار الطوال ص 254 ــ فكم كان عددهم في زمن ابنه عبد بن زياد ؟ لقد كان الموالي يشكلون نسبة عالية من المجتمع الكوفي، بل وفي رأي فلهاوزن كانوا أكثر من نصف سكان الكوفة، يحتكرون الحرف والصناعة والتجارة، وكان أكثرهم فرساً ــ 327 فجر الإسلام ص 93 ــ فمن الطبيعي أن يشكلوا نسبة عالية في ذلك الجيش، وأي نداء لأهل الكوفة إنَّما موجَّه الى هؤلاء بقدر ما هو موجَّه إلى عشائرها .
نسألكم الدعاء
السلام على الامام الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين عليهم السلام
عظم الله أجوركم بمصاب الامام الحسين عليه السلام
* عبيد الله بن زياد: وصفه الحسن البصري (غلاماً سفيهاً، سفك الدماء سفكاً شديداً...)260 سير أعلام النبلاء 3 / 545 ــ ومن الإشارات المهمَّة في شخصية هذا الرجل تربيته الفارسية المجوسيَّة، فأمُّه (سيرورية وكانت بنت بعض ملوك العجم يزدجر أو غيره ... وكان في كلامه شي من كلام العجم) ـ261 البداية والنهاية 8 / 287 ــ وقد عُرِف بالحزم والحسم والقوّة والبطش، ولمَّا قُتِل الحسين عليه السلام (كان عمره ثمانية وعشرين سنة) ــ 262 نفس المصدر 286 ــ ولم يُعهَد أنّه تربّى إسلامياً .
* شمر بن ذي الجوشن: مِن أشراف العرب، شهد صفين مع الإمام علي (عليه السلام)، انحاز إلى زياد بن أبيه، وشهد على حجر بن عدي ــ 263 الطبري 6 / 184 ــ وكان من الذين كاتبوا الحسين ودعوه الى الكوفة، ولكنّه سرعان ما انضم إلى جيش عبيد الله بن زياد عندما قدِم الكوفة، وكان معه في القصر يوم كانت حركة مسلم بن عقيل، وقام بمهمَّة تثبيط الناس عن الحركة ــ 264 أنساب الأشراف ص 183 ــ وتطوّر موقفه بعد قدوم الحسين، إذ كان من الأشراف الذين شاركوا عبيد الله بن زياد في تصميم مسار المعركة، فهو الذي اضطلع بحمل رسالة بن زياد إلى عمر بن سعد التي أستحثَّه بها التعجيل بقتل الحسين ــ 265 الطبري 6 ص 342 ــ وكان ينافس بن سعد على قيادة الجيش، ويزاوده على طاعة بن زياد، وهو على ميسرة بن سعد في الهجوم ــ 266 الطبري 6 / 319 ــ وكان سليط اللسان على الإمام، وصاحب الاقتراح بحرق بيوت الحسين، وعُرِف الشمر بأنه من أشد المحرِّضين على إنهاء الحسين في الساعات الأخيرة من المعركة ــ 267 الطبري6/ 382 ــ وقد أوفده عبيد الله بن زياد مع السبايا إلى يزيد بن معاوية ــ 268 المصدر 6 ص 398 ــ إن من أبرز صفات هذا الرجل هي (الانتهازية السياسيَّة) والجلادة والغلظة، وقد وصفه زهير بن القين بـ (الجلف الجافي) ــ 269 الطبري 6/ 354 ــ الذي لا علم له بكتاب أو دين ــ 270 الطبري 6 / 355ـ .
* شبث بن ربعي: من الأشراف المعروفين، وكان ممَّن خرج مع علي ... ورجع ــ271 تاريخ الإسلام للذهبي ص 416 ــ فقد كان له دور متميِّز في القتال إلى جانب علي، وصاحب لسان ضد معاوية بن أي سفيان ــ 272 وقعة صفين ص 187،197، 189ــ وأحتجّ عليه قتل عمّار بن ياسر ــ 273 نفس المصدر 199ــ وكان محل نظر معاوية في بداية الصلح، وقد أوصى زياد بن أبيه بأخذه، فكان يحضر الصلاة معه ــ 274 الطبري 6 / 95 ــ ومن الذين شهدوا على حجر إضطراراً، وقد كاتب الحسين بالقدوم الى الكوفة، وانضمَّ إلى بن زياد، وكان معه في قصر الإمارة، حيث كلَّفه بتخويف قومه من الانتصار لمسلم بن عقيل ــ 275 نفس المصدر 6 / 273 ــ ويروي صاحب الفتوح والأنساب أن شبث بن ربعي تمارض عندما أخذ عبيد الله بن زياد يبعث بالعساكر الى حرب الحسين، هروباً من مسؤوليَّة التورط بهذه الجريمة، ولكن بن زياد إضطرّه لذلك وبعثه في ألف مقاتل ــ 276 أنساب الأشراف ص 178 ــ وكان على الرجّألة في جيش بن سعد ــ 277 الطبري 6 / 349 ــ وقد ذكَّره الحسين بمكاتبته لكنَّه أنكر ــ 278 الطبري 6 / 353 ــ وفي الحرب عندما قُتل مسلم بن عوسجة خاطب جيش إبن زياد ( ثكلتكم أمهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلُّون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة! أما والذي أسلمت له لرُبَّ موقف له رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سلق إذربيجان قتل من المشركين قبل تتامِّ خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله تفرحون) ــ 279 المصدر 6 / 364 ــ وهناك اتفاق أنَّ شبث حاول أن يتهرَّب من دم الحسين ــ 280 الكامل 4 / 68 ــ بل ردع شمر بن ذي الجوشن لما دعى الى حرق المخيمات والبيوت، قال له (ما رأيت مقالاً أسوء من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمُرعِباً للنساء صرت) ــ 281 نفس المصدر 367 ــ ولكن هذا لا ينفي أبداً أن الرجل موسوم بالانتهازية السياسية، وكان ذا إحساس شديد بالنزعة الارستقراطية المتعالية ــ 282 المصدر 663 ــ .
* عزرة بن قيس الاحمسي: من الذين كاتبوا الحسين أو بالأحرى الذين كتبوا إلى الحسين (عليه السلام)، وكان قد كلّفه عمر بن سعد بمحادثة الحسين عن سبب مجيئه فرفض استحياء لأنه كان قد كتب إليه بالمجيئ ــ 283 الطبري 6 / 336 ــ وقد تولَّى خيالة الجيش، ومن الذين وفدوا بالرؤوس على عبيد الله بن زياد ــ 284 الطبري 6 / 386 ــ.
* عبد الله بن زهير بن سليم الازدي: روى الطبري أنّه كان على ربع أهل المدينة في جيش بن سعد ـ 285 المصدر 6 / 349 ــ ولكن من الغريب حقاً انَّ هذا الرجل رغم موقعه الخطير الذي شغله في الجيش لم تذكر المصادر أيَّ موقف له في المعركة، سواء على صعيد الرأي أو صعيد القتال، وذلك بما فيهم الطبري، ولم يرد اسمه في تشكيلة القوّاد برواية أنساب الأشراف، وهو الحريص على ذلك، ولم نجد لهذا الإسم ذكراً في المصادر التي تناولت معركة الطف!.
* عبد الرحمن بن أبي سبرة، ذكره الطبري أنَّه كان على ربع أسد ومذحج في الجيش، وهو من جعفى شهد على حجر بن عدي ــ 286 ، 6 / 186 ــ ويذكر له الطبري موقفاً واحداً في هجوم الشمر بالرجالة على الحسين بقوله (وأقدم عليه ــ الشمر ــ بالرجالة، منهم أبو الجندب ــ واسمه عبد الرحمن الجعفي ــ وسنان بن أنس النخعي، وخولي بن يزيد الاصبحي، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرِّضهم، فمرَّ بأبي الجندب وهو شاك في السلاح، فقال له: أقدم عليه، قال: وما يمنعك أن تقدم عليه أنت! فقال الشمر: إليَّ القول ذا؟ قال: وأنت تقول لي ذا! فاستبا، فقال له أبو الجندب ــ وكان شجاعاً : والله لهممت أن أُخضخض السنان في عينك ... فانصرف الشمر ... ) 287 ــ 6 / 380 ــ تُرى ما تفسير ذلك؟ هل الخوف من الحسين؟ أم لإيمانه بأن الطرف الآخر يجانب الحق؟ وهل يمكن تفسيره بما بدر من الشمر من حقد على الحسين؟ أم هو هروب من المسؤولية؟ وهل ينسجم هذا من موقفه العسكري القيادي في جيش بن سعد؟ إلا أنَّ الإعثم الكوفي يروي (... ثم رمى رجل منهم بسهم يكنى أبا الجنوب الجعفي، فوقع السهم في جبهته ـ أي جبهة الحسين ــ ) 288 ـ المصدر 5 / 117 ــ وهو خلا ف ما جاء في الطبري حيث كانت الرمية في (فيه)، وأن الرامي كان الحصين بن تميم 289ــ 6 /379 ـ وفي البداية والنهاية أن الرامي كان الحصين والرمية في (حنكه) ـ 290ــ المصدر 8/179ــ وقيل أن الذي رماه رجل من بني أبان بن دارم ـ الكامل للتاريخ 4 / 76 ــ ولذا من الصعب الركون الى رواية إبن الأعثم .
* قيس بن الأشعث بن قيس: ذكره الطبري أنّه كان على ربع ربيعة بن كندة في جيش عمر بن سعد، ومن المعروف أن أباه كان من رواد الإنتهازية السياسية، ويتهمه بعض المؤرخين بالتواطؤ مع عبد الرحمن بن مسلم في قتل علي (عليه السلام)، وكان من أشد أعدائه، ويُستفاد من الطبري أنَّه من الذين كتبوا الى الحسين (عليه السلام) ـ 291الطبري 6 / 273 ــ، وقد عُرِف بـ (قيس قطيفة) لأنَّه استولى على قطيفة الحسين بعد قتله، وكان من الوافدين على عبيد الله بن زياد ـ 292 / 6 / 398 ـ.
* يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم: من الذين كتبوا الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ـ 293 / 6 / 273 ــ ويروى صاحب أنساب الأشراف أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه بألف فارس لإسناد عمر بن سعد، ولكن الإسم يختفي مرَّة واحدة، حيث يسوقه الطبري ضمن الجماعة الذين ذكَّرهم الحسين بكتبهم إليه ــ المصدر294/6/353 ــ وهو نفسه رفض بيعة عبيد الله بن زياد عندما تولّى الكوفة بعد موت يزيد بن معاوية ـ 295 / 6 / 459 ـ وقاتل مع الزبيرين ضد المختار ـ 296 / 6 / 460 ــ فهو من الأشراف الارستقراطيين .
* حجار بن أبجر: من الشخصيات المعروفة بالانتهازية السياسية، فقد تجسّس مرَّة على الخوارج بشكل شخصي ـ 297 الطبري 6 / 98 وما بعدها ــ وكتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ـ 298 الأخبار الطوال 229ــ، إنضم الى إبن زياد بالكوفة وأضطلع بمهمة تخويف الكوفيين ـ 299 نفس المصدر 239 ـ وكان من الذين إحتج عليهم الحسين في ساحة المعركة فأنكر ـ 300 الطبري 6/353 ــ وكان ممّن شهد على حجر بن عدي ـ 301 نفس المصدر 338 ــ إنضمَّ ألى عبيد الله بن الزبير وقاتل المختار ــ 302 نفس المصدر 6/585 ومواقع أخرى ـ وأصبح من أعمدة الحكم الزبيري في الكوفة ــ 303 نفس المصدر 7 / 20 ــ.
* عمرو بن الحجاج الزبيدي : ذكره الطبري على ميمنة جيش عمر بن سعد ــ 304 الطبري 6/349 ــ وهذا الرجل شهد على حجر بن عدي ـ 305 لطبري 6 / 185 ــ وممّن كتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ــ 306 الطبري 6 / 273 ــ إلاّ أنّه أعلن الطاعة نيابة عن مذحج بين يدي عبيد الله بن زياد وأتخذ موقفاً بارداً تجاه مسلم ــ 307 الطبري 6 / 291 ــ وهو الذي تولّى الحيلولة بين الحسين والماء على خمسائة فارس ــ 308 الطبري 6 / 338 ــ وقد لعب دوراً متميزاً في الهجوم على معسكر الحسين ــ 309 الطبري 6/358 ــ وكان بينه وبين الحسين كلام حاد، وقد اتهم الحسين بالمروق من الدين، ووصف يزيد بـ (الامام) ـ310 الطبري 6 / 363 ــ وكان صاحب دور في قتل مسلم بن عوسجة ــ 311 الطبري 6 / 364 ــ وكان من الوافدين على ابن زياد بالضحايا ـ 312 الطبري6/386 ــ إنضم الى إبن الزبير بالكوفة، وقاتل المختار ــ 313 الطبري 6/591 ــ وقد تبعه المختار فهرب على طريق (شراف وواقصة فلم يُرَ .. ولا يُدرى أي أرض بخسته أم سماء حصبته) ــ 314الطبري 6/617ــ
معالجة المفارقة الكبيرة
هذه هي أهم الأسماء البارزة في جيش بن سعد، وهم من صميم العرب، منهم من عدنان ومنهم من قحطان، ولكن الصفة البارزة على هؤلاء هي (الانتهازية السياسية)، فإنهم كانوا مع علي في حروب صفين والنهروان، ولكنّهم هم بالذات الذين شهدوا على حجر بن عدي رغبة أو رهبة، وقد كتبوا الى الحسين إلاّ أنَّهم انضمُّوا الى عبيد الله بن زياد، وأصبحوا من أعمدة الجيش الذي قاتل الحسين، ثم تحوَّلوا الى عبيد الله بن الزبير في الكوفة! وقاتلوا تحت قيادة عبد الله بن مطيع ضد المختار قتالاً عنيفاً .
إنَّ الحسين (عليه السلام) استجاب لنداء الحركة بفعل عاملين، الرسائل التي وصلت إليه من الكوفة، والتقييم الذي كوَّنه مسلم بن عقيل عن أهلها، فهل كان غائباً على الحسين انتهازية الشمر وعمرو بن الحجاج وحجار ابن أبجر وغيرهم؟
لقد عاش الحسين أحداث أبيه وأخيه، وهو على دراية كافية بحقيقة هؤلاء وسلوكهم السياسي الانتهازي عبر هذه المدّة الطويلة من الزمن، إلاّ أن استجابته لم تكن لهذا النمط من الناس، ذي النزعة الإرستقراطية الانتهازية، وإنَّما لنمط آخر من الناس، عرُِفوا بمواقفهم المبدئية الدينية اليقينية، وذلك مثل مسلم بن عوسجة، وحبيب بن مظاهر، وغيرهما من مؤمني العرب، ومن المؤكد أنَّ اعتماده كان على هؤلاء، وعلى القاعدة الشعبية العامّة الرافضة بصدق وإخلاص حكم الأمويين، والمتطلِّعة حقاً إلى الحسين وقيادته.
لقد كان هؤلاء الأشراف (شمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وعمارة الأحمسي، وعمرو بن الحجاج الزبيدي) يتطلَّعون إلى السلطة والقوَّة، وكان شعورهم بذواتهم قويَّاً ومتأصِّلاً ومتعالياً، ولا نستبعد أن عبيد الله بن زياد رشا هؤلاء الأشراف بالمال والمواقع، وأمر عمر بن سعد معروف في هذا المجال، ولذا بإمكاننا القول أنَّ هذا الانقلاب الذي بدر من هؤلاء ليس غريباً عليهم، بل هو المتوقّع أساساً فيما إذا تغيَّرت المقاييس انقلبت موازين القوى.
وإذا كان القادة والرموز من تميم والأُزد والحُمس وكندة، ومن عرب الشمال وعرب الجنوب، فمن أين هي تلك القواعد التي شكَّلت هذا الجيش؟
نقرأ في الطبري: (... لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن سُليم الأزدي، وعلى ربع مذحج وأسد بعد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الإشعث بن قيس، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلاّ الحر بن يزيد فإنَّه عدل الى الحسين، وقُتِل معه) ـ المصدر 315،6/349 ــ والعبارة توحي أنَّ جميع من ينتمي إلى هذه العشائر ساهم في حرب الحسين، و الواقع ليس كذلك، فقد مرَّ بنا أن الجيوش أو الجماعات التي ساقها بن زياد لمساعدة عمر بن سعد كانت تصل إلى ساحة المعركة في كربلاء بأعداد قليلة جداً، وقد يعطي النص انطباعاً بأن الذين قاتلوا الحسين هم عرب وحسب.
لقد عوَّدنا الطبري ذكر الانتماء العشيري الصريح وهو يستعرض وقائع كربلاء، ولم يكن النص السابق الشاهد الوحيد على هذه الظاهرة، حيث يطالعنا الطبري (... ولمَّا قُتل الحسين بن علي عليه السلام جيء برؤوس من قُتِل معه من أهل بيته، وشيعته، وأنصاره، إلى عبيد الله بن زياد، فجاءت كندة بثلاث عشر رأساً، وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، جاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت أسد بستة رؤوس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس، وذلك سبعون رأساً) ـ المصدر 316 الطبري 6/398 ــ وهذه هي عادة الطبري مع القواد والرموز والأشراف، وهي مسألة طبيعية، لأن العشيرة هي السائدة، هي ذات الموقع السيادي في الحرب والسلم، ومراجعة بسيطة للحروب في صدر الإسلام تكشف عن توكيد مركزي للحضور القبيلي.
دور الديالمة في قتل الحسين
ولكن الطبري وغيره لم يذكر لنا هويّة الأربعة آلاف مقاتل الذين كانوا مع عمر بن سعد! أنّها بلا ريب ظاهرة ملفتة، وكل ما نعرفه عن هؤلاء ما يرويه الطبري نفسه فيقول: (... وكان سبب خروج بن سعد إلى الحسين عليه السلام أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة سير بهم الى دستبي، وكانت الديلم قد خرجوا إليها، وغلبوا عليها، فكتب إليه بن زياد عهده بالري، وأمره بالخروج) ـ 317 الطبري 6 / 335 ــ فهؤلاء كانوا قد أُعدُّوا لاستعادة الديلم، ثم حوَّلهم عبيد الله بن زياد بقائدهم إلى قتال الحسين، ولكن لم يذكر الطبري أو غيره انتماء هؤلاء العشائري! والحقيقة أنَّ ممَّا ينسجم مع طبائع الأمور أن يكون هؤلاء الأربعة آلاف من الديالمة، أي من الموالي الذين سبق أنْ أسرهم المسلمون العرب سنة 17 للهجرة في عين تمر بقيادة سعد بن أبي وقاص، والذين نزحوا مع العرب إلى المدائن ثم الكوفة، وكانوا في تقسيم الكوفة مع عبد قيس في السُبع مع بني قيس رغم أنّهم ليسوا عرباً ـ 318 الطبري 6/ حوادث سنة 36 ــ وفي ذلك يقول أسد حيدر: (... وكان هؤلاء بقية الفرس أيام الفتح وهم المعروفون بحمر الديلم) ــ 319 مع الحسين في نهضته 173 ــ ويتحدَّث الطبري وغيره أنَّ الحصين بن تميم كان على شرطة بن زياد، وقد بعثهم لمحاصرة الحسين، وكانوا أربعة آلاف ــ 320 أنساب الأشراف 178 ــ ومنهم انسلَّ الحر بألف فارس للقاء الحسين، واستقدامه بين يدي بن زياد، وفي النتيجة التحقوا بعمر بن سعد ــ 321 نفس المصدر 178 ــ ولكن هؤلاء الشرطة كانوا امتداداً لشرطة أبيه زياد بن أبيه، وهم من الموالي الذين سلَّطهم زياد على شيعة الكوفة، ومن ثمَّ ابنه عبيد الله، وقد أجادوا مهنة الإرهاب والإستذلال ــ راجع صلح الحسن للمرتضى آل ياسين ــ، وكانوا أشرار المجتمع الكوفي، ومن الطريف أن نقرأ عن شمر بن ذي الجوشن ما ينقله أبو إسحق حيث يقول: (كان الشمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر، ثُمَّ يقعد حتى يصبح، ثم يصلي فيقول: اللهم إنَّك تحب الشرف، وأنت تعلم أني شريف، فاغفر لي، فقلتُ ــ أي أبو إسحق ــ يغفر الله لك وقد خرجت الى بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعنت على قتله؟ قال: ويحك فكيف نصنع، إنَّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنَّا أشرَّ من هذه الحمر) ــ 323 تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 68 ــ وموقع الشاهد هنا هؤلاء الحمر، إذ يحق لنا السؤال عن المفارقة الكبيرة لهؤلاء في المجتمع الكوفي، بحيث يكونون محلَّ أشارة واستشهاد؟ تُرى ما هي الممارسات التي كانوا يزاولها هؤلاء؟ ثمَّ لا ننسى أن (معقل) مولى إبن زياد كان من الموالي ـ ثورة الحسين لشمس الدين ــ وهذا الأخير كان من ربيب الفرس الخلص، ولما أراد عبيد الله بن زياد بعث الرؤوس إلى يزيد كان لابدَّ من استنفار الناس، فكان الذي أذَّن بالناس في الرحيل (حميد بن بكير الأحمري) ـ 324 الطبري 6 / 385 ــ وكان (سرِّي بن معاذ الأحمري) من جلاوزة ابن زياد الذين جنَّدهم لإرعاب السبايا ـ 325 ، 6 / 388 ــ
لقد بلغ عدد الموالي في الكوفة عشرين ألفاً في زمن زياد بن أبيه ــ 326 الأخبار الطوال ص 254 ــ فكم كان عددهم في زمن ابنه عبد بن زياد ؟ لقد كان الموالي يشكلون نسبة عالية من المجتمع الكوفي، بل وفي رأي فلهاوزن كانوا أكثر من نصف سكان الكوفة، يحتكرون الحرف والصناعة والتجارة، وكان أكثرهم فرساً ــ 327 فجر الإسلام ص 93 ــ فمن الطبيعي أن يشكلوا نسبة عالية في ذلك الجيش، وأي نداء لأهل الكوفة إنَّما موجَّه الى هؤلاء بقدر ما هو موجَّه إلى عشائرها .
نسألكم الدعاء