ولايخاف
14-01-2009, 05:05 PM
الحسين عليه السّلام يخطب في أصحابه ويأذن لهم بالتفرّق عنه
روي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام قال: جمع الحسين عليه السّلام أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء،
قال: فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمَدهُ على السّراء والضراء، اللهم اني أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد، فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً،
ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الاعداءِ غداً، ألا وإني قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍ، ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام، هذا اللّيلُ قد غشِيَكم فاتّخذوه جَمَلا .
وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرّجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني، ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري.
* * *
جواب بني هاشم والأنصار للحسين عليه السّلام
فقام إليه العباس بن عليّ أخوه عليهما السّلام وعليّ ابنه، وبنو عقيل، فقالوا له: معاذ الله والشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم، إنا تركنا سيدنا، وابن سيدنا وعمادنا، وتركناه غرضاً للنبل، ودريئةً للرماح، وجزراً للسباع، وفررنا عنه رغبةً في الحياة!
معاذ الله، بل نحيا بحياتك، ونموت معك! فبكى وبكوا عليه، وجزّاهم خيراً .
فقال الحسين عليه السّلام: يا بني عَقيل، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم، اذهبوا قد أذِنتُ لكم!.
قالوا: فما يقولُ الناس ؟ يقولون: إنا تركنا شَيخَنا وسيدنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام، ولم نرْمِ معَهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا!
لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا ونقاتلُ معك حتّى نردَ مورِدَك، فقبّحَ اللهُ العيشَ بعدَك!.
فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الأسدي فقال: أنحنُ نخلّي عنك ولمّا نُعذر إلى الله في أداء حقِك ؟! أما واللهِ حتّى أكسر في صدورِهمْ رمحي، وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي، ولا أًُفارقُكَ، ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتّى أموت معك.
وقال سعد بن عبدالله الحنفي : واللهِ لا نخليكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا غَيبةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله فيك، والله لو علمتُ أني أُقتلُ ثم أُحيا ثمّ أُحرقُ حيَّاً ثمّ أُذرُّ.. يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتّى ألقى حِمامي دونَك، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً!.
ثمّ قام زُهير بن القين وقال: واللهِ لَوددتُ أني قُتلتُ ثمّ نُشرتُ ثمّ قُتلتُ.. حتّى أقتلَ كذا ألف قتلةٍ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك!.
وتكلم جماعةُ أصحابه بكلامٍ يشبهُ بعضه في وجهٍ واحدٍ، فقالوا: واللهِ لا نُفارِقُكَ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا .
* * *
ليلة العاشر على لسان سكينة بنت الحسين (عليهما السلام).
روى مؤلف كتاب (نور العيون) بإسناده، عن سكينة بنت الحسين عليهما السّلام، أنها قالت: كنت جالسة في ليلة مقمّرة وسط الخيمة، وإذا أنا أسمع من خلفها بكاءً وعويلاً، فخشيت أن يفقه بي النساء،
فخرجت أعثر بأذيالي، وإذا بأبي عليه السّلام جالس وحوله أصحابه وهو يبكي، وسمعته يقول لهم: إعلموا أنّكم خرجتم معي لعلمكم أنّي أقْدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنهم استخوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله،
والآن ليس لهم مقصدٌ إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يدي وسبْيُ حرمي بعد سلبهم، وأخشى أنّكُمْ ما تعلمون وتستحون، والخدع عندنا ـ أهل البيت ـ محرّم ، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فإنّ الليل ستير والسبيل غير خطير، والوقت ليس بهجير، ومَنْ واسانا بنفسه كان معنا غداً في الجنان نجيّاً من غضب الرحمن،
وقد قال جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله: ولدي الحسين يُقتل بأرض كربلاء غريباً وحيداً، عطشاناً فريداً، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم ـ عجل الله فرجه ـ، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.
الحسين (عليه السلام ) منكسرا بعدما تفرق عنه أصحابه في قطع الليل المظلم:
قالت سكينة: فوالله ما أتمّ كلامه إلاّ وتفرق القوم من عشرة وعشرين، فلم يبق معه إلاّ واحد وسبعون رجلاً، فنظرت إلى أبي منكّساً رأسه فخنقتني العبرة، فخشيت أن يسمعني ورفعت طَرْفي إلى السماء وقلت: اللهم إنّهم خذلونا فاخذلهم، ولا تجعل لهم دعاءً مسموعاً، وسلِّطْ عليهم الفقر ولا ترزقهم شفاعة جدّي يوم القيامة. ورجعتُ ودموعي تجري على خدي،
فرأتني عمتي أم كلثوم، فقالت: ما دهاكِ يا بنتاه ؟! فأخبرتها الخبر، فصاحت: واجدّاه واعليّاه، واحسناه واحسيناه، واقلّة ناصراه، أين الخلاص من الأعداء ؟! ليتهم يقنعون بالفداء، تركت جوار جدّك وسلكت بنا بُعدَ المدى. فعلا منّا البكاء والنحيب.
فسمع أبي ذلك فأتى إلينا يعثر في أذياله ودموعه تجري، وقال: ما هذا البكاء ؟
فقالت: يا أخي ردّنا إلى حرم جدّنا، فقال: يا أُختاه، ليس لي إلى ذلك سبيل،
قالت: أجل، ذكّرهم محل جدّك وأبيك وأمك وأخيك، قال: ذكّرتهم فلم يذكّروا، ووعظتهم فلم يتّعظوا، ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيل، ولابدّ أن تروني على الثّرى جديلاً، ولكن أوصيكنّ بتقوى الله ربّ البرية، والصبر على البلية، وكظم نزول الرزيّة، وبهذا أوعد جدُّكم ولا خُلْف لما أوعد، ودّعتكم إلهي الفردَ الصمد. ثمّ تباكينا ساعة والإمام عليه السّلام يقول: وما ظلمونا ولكنْ كانوا أنفسَهم يَظلمون .
... .... ....
الإمام الحسين عليه السّلام يُخبر أصحابَه بالشهادة
روي عن أبي حمزة الثمالي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام يقول: لمّا كان اليوم الذي استُشهد فيه أبي عليه السّلام جمعَ اهله واصحابه في ليلة ذلك اليوم، فقال لهم: يا أهلي وشيعتي، اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكروا فيكم، ....
فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد: والله يا سيدنا يا أبا عبدالله، لا خذلناك أبداً، والله لا قال الناس: تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتّى قُتل، ونبلو بيننا وبين الله عُذراً ولا نخليك أو نُقتل دونك!!
فقال عليه السّلام: جزاكم الله خيراً. ودعا لهم بخير، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.
فقال له القاسم بن الحسن عليه السّلام: وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه، فقال له: يا بُني، كيف الموت عندك ؟
قال: يا عمّ، فيك أحلى مِنَ العسل، فقال: إي واللهِ فداك عَمُكَ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاءٍ عظيم، ويُقتل ابني عبدالله.
ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن عليّ(يعنون بذلك العليل)، فيقولون: يا سيدّنا، فسيدّنا عليّ ؟ فيشيرون إليَّ ماذا يكون من حاله؟
ـ فيقول مستعبراً ـ: ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا، فكيف يصلون إليه وهو أبُ ثمانية أئمة .
وفتية من بنـي عـدنان مـا نظرت .. عـين الغـزالة أعلـى منهمُ حسبا
أكفُّهم يخصبُ المرعى الجديب بهـا .. وفي وجـوههـمُ تَستمطر السُحـبا
أكرم بهم من مصـاليـت وليـدهمُ .. بغير ضرب الطلى بالبيض ما طربا
.. ... . ..
الإمام الحسين عليه السّلام يُري أصحابَه منازلهم في الجنة
وروي أنَّ الحسين عليه السّلام كشفَ لأصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهمُ اللهُ من نعيم، وعرَّفَهم منازلَهم فيها، وليس ذلك في القدرةِ الإلهيةِ بعزيز ولا في تصرفات الإمام بغريب، فإنَّ سحرةَ فرعون لمّا آمنوا بموسى عليه السّلام وأراد فرعون قتْلَهم أراهم النبيُّ موسى عليه السّلام منازلَهم في الجنة
قال شاعر أهل البيت الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ:
وأراهم وقد رأى الصـدقَ منهم .. في الموالاة بعد كـشف الغطاءِ
ما لهم مـن مـنازلٍ قد اُعدّت .. في جنان الخلود يوم الجـزاءِ
ولعمري وليـس ذا بعـسيـرٍ .. أو غـريبٍ من سيد الشّهـداءِ
فـلـقـد أطلعَ الكليـمُ عليـها .. مـنهمُ كلَّ سـاحـرٍ بـجـلاءِ
حينما آمـنوا بمـا جـاءَ فـيه .. عندَ إبطال سحـرِهم والـرياءِ
بعد خوفٍ من آلِ فرعونَ مُردٍ .. لهـمُ منـذر بسـوءِ الـبـلاءِ
فأراهم منـازلَ الخيرِ زلفـىً .. وثـوابـاً فـي جنةِ الأتقيـاءِ
لازديـاد اليقين بالحق فـيهـم .. بعد دحضٍ للشك والإفـتـراءِ
وثَباتاً منهم عـلى الـدين فيما .. شاهدوه من عالم الإرتقاءِ
وروي عن أبي حمزة الثمالي، قال عليّ بن الحسين عليه السّلام: كنت مع أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها، فقال عليه السّلام لأصحابه: هذا الليل فاتّخذوه جملاً، فإنَّ القوم إنما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وانتم في حلٍ وسعة.
فقالوا: والله لا يكون هذا ابداً!
ثمّ دعا وقال لهم: ارفعوا رؤوسَكم وانظروا. فَجعلوا يَنظرون إلى مواضعِهم ومنازلِهم من الجنة، وَهو يقولُ لهم: هذا منزِلُكَ يا فلان، وهذا قصرُك يا فلان، وهذه درجتك يا فلان، فكان الرجلُ يَستقبلُ الرّماحَ والسيوف بصدرِه وَوجهِه، ليصلَ إلى مَنزِلِه مِنَ الجنة.
وَفي حديثِ أبي جعفر الباقر عليه السّلام أن الحسينَ عليه السّلام قال لأصحابهِ: ابشروا بالجنةِ، فواللهِ إنّا نَمكثُ مَا شاء اللهُ بعدَ مَا يجري عَلينا، ثمّ يُخرجُنا اللهُ وإياكم حتّى يَظهر قَائمُنا فَينتقمَ من الظالمينَ، وأنا وأنتم نُشاهِدهم في السلاسل والاغلال وأنواع العذاب!
فَقيلَ له: ما قائمُكُم يا بن رسولِ الله ؟
قال: السابع مِن وِلدِ ابني محمد بن عليِّ الباقر، وهو الحجةُ ابنُ الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ ابني، وهو الذي يَغيبُ مدةً طويلةً، ثمّ يظهرُ وَيملأُ الأرضَ قسطاً وَعدلاً كما مُلئت ظلماً وَجوراً .
وجاء في زيارة الناحية المقدسة: أشْهدُ لَقدْ كَشفَ اللهُ لكمُ الغِطاء، وَمَهّد لكُمُ الوطاء، وأجزل لكم العطاء، وكُنْتُم عن الحقِّ غَيرَ بطاء، وأنتُم لنا فُرطاء، ونحنُ لكُم خُلطاءُ في دارِ البقاء، والسّلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته .
* * *
الإمام الحسين عليه السّلام يعظ أصحابه ويبشّرهم
بعد ان استخبر الإمام الحسين (عليه السلام) صدق نية أصحابهم قال لهم :
أوَلا اُحدثكم بأول أمرنا وأمركم ـ معاشرَ أوليائنا ومحبينا، والمعتصمينَ بنا ـ ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون ؟
قالوا: بلى يا بن رسول الله.
قال: إنَّ الله تعالى لمّا خلقَ آدم، وسوّاهُ وعلَّمَه أسماء كلِّ شيء وعرضهم على الملائكة، جعل محمّداً وعلياً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ عليهم السّلام أشباحاً خمسةً في ظهرِ آدم، وكانت أنوارُهم تُضيءُ في الآفاق من السماوات والحُجب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له، إنَّه قد فضّله بأن جعلهُ وعاءً لتلك الأشباح التي قد عمَّ أنوارُها في الآفاق، فسجدوا إلا إبليس أبى أنْ يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لأنوارنا أهلَ البيت، وقد تواضعت لها الملائكةُ كلُها، واستكبر وترفَّع، وكان باءِبائه ذلك وتكبّره من الكافرين .
ومن جملة البشارات التي بشرَّ بها الحسين عليه السّلام أصحابه عليهم السّلام قبل أن يُقتل: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا بُنيَّ، إنك ستساقُ إلى العراق، وهي أرضٌ قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرضٌ تدعى (عموراء) وإنك تُستشهد بها، ويُستشهد معك جماعةٌ من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا: قُلنا يَا نارُ كُوني برداً وَسلاماً على إبراهيم تكونُ الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فابشروا. فوالله لئن قتلونا، فإنَّا نرد على نبيّنا .
* * *
من وصايا الإمام الحسين عليه السّلام
قيل: ومن جملة وصاياه عليه السّلام والتي استأثرت باهتمام بالغ عنده، وتدل على مدى حرصه الشديد في نشر أحكام الدين والشرع المبين مع ما هو فيه، هو وصيته عليه السّلام لأُخته زينب عليها السّلام بأخذ الأحكام من الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام وإلقائها إلى الشيعة؛ ستراً عليه.
وهْو أوصـى إلى العقيلة جهراً .. ولـزيـن العـباد تحت الخفاءِ
فهْي تعطي الأحكام للناس .. فتوىً بعد أخذٍ من زيـنـة الأولـياءِ
كـلُّ هـذا ستراً عليه وحفظاً .. لعليٍّ من أعيُـنِ الـرُقباءِ
ولهذا قيل: انه كان لزينب عليها السّلام نيابة خاصة عن الحسين عليه السّلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السّلام من مرضه .
.. .. ... ..
الإمام الحسين عليه السّلام يتفقّد التلاع والعقبات لكي لا تصيب بنياته وأيتامه :
كان نافع بن هلال من أخص أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام به، وأكثرهم ملازمة له سيما في مظانّ الاغتيال ـ وقيل أنه كان حازماً بصيراً بالسياسة ـ فلما رأى الحسين عليه السّلام خَرجَ في جَوفِ الليلِ إلى خارج الخيامِ يَتفقدُ التلاعَ والعقباتِ تبعَهُ نافعُ، فسألَه الحسينُ عليه السّلام عما أخرجَهُ، فقال: يَا بنَ رسولِ اللهِ، أفزعني خُروجُكَ إلى مُعسكر هذا الطاغي.
فقال الحسينُ عليه السّلام: إني خرجتُ أتفَقدُ التلاعَ وَالروابي مخافةَ أن تكونَ مَكمَناً لِهجُومِ الخيل يِومَ تحملونَ ويَحملونَ.
ثُّم رجَع عليه السّلام وَهو قَابضٌ على يدِ نافعَ وَيقولُ: هيَ هيَ واللهِ، وَعدٌ لا خُلفَ فيه.
ثُّم قال لَه: ألا تَسلُك بَين هَذيَنِ الجبلَيِن في جَوفِ الليلِ وَتنجُو بنفسِك ؟ فَوقعَ نَافعُ على قَدميهِ يُقبّلهُما ويقولُ: ثَكلتني أمي! إن سَيفي بألفٍ وَفرسي مثلُه، فَواللهِ الذي مَنَّ بِكَ عليَّ لا فارقتُكَ حتّى يَكلاّ عن فَري وجري.
* * *
زينب عليها السّلام تتعجب من موقف بني هاشم والأنصار
تقول السيده زينب عليها السلام بعدما علمت مستوى وفاء الأنصار وصدق نياتهم :
ففرحتُ من ثباتهم، ولكن خنقتني العبرة، فانصرفت عنهم وأنا باكية وإذا بأخي الحسين عليه السّلام قد عارضني فسكنت نفسي وتبسمت في وجهه،
فقال: أُخيّة، فقلت: لبيك يا أخي، فقال عليه السّلام: يا أختاه، منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة، أخبريني ما سبب تبسمك ؟
فقلت له: يا أخي، رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا!!
فقال لي: يا أُختاه، إعلمي أن هؤلاء أصحابي من عالم الذرّ وهبم وعدني جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله هل تحبين أن تنظري إلى ثبات إقدامهم ؟
فقلت: نعم. فقال عليه السّلام: عليك بظهر الخيمة.
>>>>>>>>>>>>
الإمام الحسين عليه السّلام يخطب في أصحابه ويكشف لهم عن أبصارهم
قالت زينب: فوقفت على ظهر الخيمة، فنادى أخي الحسين عليه السّلام: اين إخواني وبنو أعمامي ؟! فقامت بنو هاشم وتسابق منهم العباس وقال: لبيك لبيك، ما تقول ؟
فقال الحسين عليه السّلام: أُريد أن أُجدّد لكم عهداً. فأتى أولادُ الحسين وأولاد الحسن وأولاد عليّ وأولاد جعفر وأولاد عقيل، فأمرهم بالجلوس فجلسوا.
ثم نادى: أين حبيب بن مظاهر، أين زهير، أين هلال، أين الأصحاب ؟! فأقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر وقال لبيك يا أبا عبدالله. فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم، فأمرهم بالجلوس فجلسوا فخطب فيهم خطبة بليغة.
ثمّ قال: يا أصحابي، اعلموا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصدٌ سوى قتلي وقتل من هو معي، وأنا أخاف عليكم من القتل، فأنتم في حلٍّ من بيعتي، ومن أحب منكم الانصراف فلْينصرفْ في سواد هذا الليل.
فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلّموا بما تكلموا، وقام الأصحاب وأخذوا يتكلّمون بمثل كلامهم، فلما رأى الحسين عليه السّلام حُسن إقدامهم وثبات أقدامِهم، قال عليه السّلام: إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم في الجنة. فكشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها، والحور العين ينادين: العجل العجل، فإنا مشتاقات إليكم!
فقاموا بأجمعهم وسلّوا سيوفهم، وقالوا: يا أبا عبدالله، أتأذن لنا أن نغير على القوم ونقاتلهم حتّى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء.
فقال عليه السّلام: اجلسوا رحمكم الله، وجزاكمُ الله خيراً.
* * *
وأخيرا
عظم الله لنا ولكم الأجر بمصاب سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام
روي عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام قال: جمع الحسين عليه السّلام أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء،
قال: فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمَدهُ على السّراء والضراء، اللهم اني أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد، فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً،
ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الاعداءِ غداً، ألا وإني قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍ، ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام، هذا اللّيلُ قد غشِيَكم فاتّخذوه جَمَلا .
وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرّجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني، ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري.
* * *
جواب بني هاشم والأنصار للحسين عليه السّلام
فقام إليه العباس بن عليّ أخوه عليهما السّلام وعليّ ابنه، وبنو عقيل، فقالوا له: معاذ الله والشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم، إنا تركنا سيدنا، وابن سيدنا وعمادنا، وتركناه غرضاً للنبل، ودريئةً للرماح، وجزراً للسباع، وفررنا عنه رغبةً في الحياة!
معاذ الله، بل نحيا بحياتك، ونموت معك! فبكى وبكوا عليه، وجزّاهم خيراً .
فقال الحسين عليه السّلام: يا بني عَقيل، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم، اذهبوا قد أذِنتُ لكم!.
قالوا: فما يقولُ الناس ؟ يقولون: إنا تركنا شَيخَنا وسيدنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام، ولم نرْمِ معَهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا!
لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا ونقاتلُ معك حتّى نردَ مورِدَك، فقبّحَ اللهُ العيشَ بعدَك!.
فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الأسدي فقال: أنحنُ نخلّي عنك ولمّا نُعذر إلى الله في أداء حقِك ؟! أما واللهِ حتّى أكسر في صدورِهمْ رمحي، وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي، ولا أًُفارقُكَ، ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتّى أموت معك.
وقال سعد بن عبدالله الحنفي : واللهِ لا نخليكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا غَيبةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله فيك، والله لو علمتُ أني أُقتلُ ثم أُحيا ثمّ أُحرقُ حيَّاً ثمّ أُذرُّ.. يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتّى ألقى حِمامي دونَك، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً!.
ثمّ قام زُهير بن القين وقال: واللهِ لَوددتُ أني قُتلتُ ثمّ نُشرتُ ثمّ قُتلتُ.. حتّى أقتلَ كذا ألف قتلةٍ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك!.
وتكلم جماعةُ أصحابه بكلامٍ يشبهُ بعضه في وجهٍ واحدٍ، فقالوا: واللهِ لا نُفارِقُكَ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا .
* * *
ليلة العاشر على لسان سكينة بنت الحسين (عليهما السلام).
روى مؤلف كتاب (نور العيون) بإسناده، عن سكينة بنت الحسين عليهما السّلام، أنها قالت: كنت جالسة في ليلة مقمّرة وسط الخيمة، وإذا أنا أسمع من خلفها بكاءً وعويلاً، فخشيت أن يفقه بي النساء،
فخرجت أعثر بأذيالي، وإذا بأبي عليه السّلام جالس وحوله أصحابه وهو يبكي، وسمعته يقول لهم: إعلموا أنّكم خرجتم معي لعلمكم أنّي أقْدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنهم استخوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله،
والآن ليس لهم مقصدٌ إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يدي وسبْيُ حرمي بعد سلبهم، وأخشى أنّكُمْ ما تعلمون وتستحون، والخدع عندنا ـ أهل البيت ـ محرّم ، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فإنّ الليل ستير والسبيل غير خطير، والوقت ليس بهجير، ومَنْ واسانا بنفسه كان معنا غداً في الجنان نجيّاً من غضب الرحمن،
وقد قال جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله: ولدي الحسين يُقتل بأرض كربلاء غريباً وحيداً، عطشاناً فريداً، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم ـ عجل الله فرجه ـ، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.
الحسين (عليه السلام ) منكسرا بعدما تفرق عنه أصحابه في قطع الليل المظلم:
قالت سكينة: فوالله ما أتمّ كلامه إلاّ وتفرق القوم من عشرة وعشرين، فلم يبق معه إلاّ واحد وسبعون رجلاً، فنظرت إلى أبي منكّساً رأسه فخنقتني العبرة، فخشيت أن يسمعني ورفعت طَرْفي إلى السماء وقلت: اللهم إنّهم خذلونا فاخذلهم، ولا تجعل لهم دعاءً مسموعاً، وسلِّطْ عليهم الفقر ولا ترزقهم شفاعة جدّي يوم القيامة. ورجعتُ ودموعي تجري على خدي،
فرأتني عمتي أم كلثوم، فقالت: ما دهاكِ يا بنتاه ؟! فأخبرتها الخبر، فصاحت: واجدّاه واعليّاه، واحسناه واحسيناه، واقلّة ناصراه، أين الخلاص من الأعداء ؟! ليتهم يقنعون بالفداء، تركت جوار جدّك وسلكت بنا بُعدَ المدى. فعلا منّا البكاء والنحيب.
فسمع أبي ذلك فأتى إلينا يعثر في أذياله ودموعه تجري، وقال: ما هذا البكاء ؟
فقالت: يا أخي ردّنا إلى حرم جدّنا، فقال: يا أُختاه، ليس لي إلى ذلك سبيل،
قالت: أجل، ذكّرهم محل جدّك وأبيك وأمك وأخيك، قال: ذكّرتهم فلم يذكّروا، ووعظتهم فلم يتّعظوا، ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيل، ولابدّ أن تروني على الثّرى جديلاً، ولكن أوصيكنّ بتقوى الله ربّ البرية، والصبر على البلية، وكظم نزول الرزيّة، وبهذا أوعد جدُّكم ولا خُلْف لما أوعد، ودّعتكم إلهي الفردَ الصمد. ثمّ تباكينا ساعة والإمام عليه السّلام يقول: وما ظلمونا ولكنْ كانوا أنفسَهم يَظلمون .
... .... ....
الإمام الحسين عليه السّلام يُخبر أصحابَه بالشهادة
روي عن أبي حمزة الثمالي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام يقول: لمّا كان اليوم الذي استُشهد فيه أبي عليه السّلام جمعَ اهله واصحابه في ليلة ذلك اليوم، فقال لهم: يا أهلي وشيعتي، اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكروا فيكم، ....
فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد: والله يا سيدنا يا أبا عبدالله، لا خذلناك أبداً، والله لا قال الناس: تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتّى قُتل، ونبلو بيننا وبين الله عُذراً ولا نخليك أو نُقتل دونك!!
فقال عليه السّلام: جزاكم الله خيراً. ودعا لهم بخير، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.
فقال له القاسم بن الحسن عليه السّلام: وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه، فقال له: يا بُني، كيف الموت عندك ؟
قال: يا عمّ، فيك أحلى مِنَ العسل، فقال: إي واللهِ فداك عَمُكَ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاءٍ عظيم، ويُقتل ابني عبدالله.
ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن عليّ(يعنون بذلك العليل)، فيقولون: يا سيدّنا، فسيدّنا عليّ ؟ فيشيرون إليَّ ماذا يكون من حاله؟
ـ فيقول مستعبراً ـ: ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا، فكيف يصلون إليه وهو أبُ ثمانية أئمة .
وفتية من بنـي عـدنان مـا نظرت .. عـين الغـزالة أعلـى منهمُ حسبا
أكفُّهم يخصبُ المرعى الجديب بهـا .. وفي وجـوههـمُ تَستمطر السُحـبا
أكرم بهم من مصـاليـت وليـدهمُ .. بغير ضرب الطلى بالبيض ما طربا
.. ... . ..
الإمام الحسين عليه السّلام يُري أصحابَه منازلهم في الجنة
وروي أنَّ الحسين عليه السّلام كشفَ لأصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهمُ اللهُ من نعيم، وعرَّفَهم منازلَهم فيها، وليس ذلك في القدرةِ الإلهيةِ بعزيز ولا في تصرفات الإمام بغريب، فإنَّ سحرةَ فرعون لمّا آمنوا بموسى عليه السّلام وأراد فرعون قتْلَهم أراهم النبيُّ موسى عليه السّلام منازلَهم في الجنة
قال شاعر أهل البيت الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ:
وأراهم وقد رأى الصـدقَ منهم .. في الموالاة بعد كـشف الغطاءِ
ما لهم مـن مـنازلٍ قد اُعدّت .. في جنان الخلود يوم الجـزاءِ
ولعمري وليـس ذا بعـسيـرٍ .. أو غـريبٍ من سيد الشّهـداءِ
فـلـقـد أطلعَ الكليـمُ عليـها .. مـنهمُ كلَّ سـاحـرٍ بـجـلاءِ
حينما آمـنوا بمـا جـاءَ فـيه .. عندَ إبطال سحـرِهم والـرياءِ
بعد خوفٍ من آلِ فرعونَ مُردٍ .. لهـمُ منـذر بسـوءِ الـبـلاءِ
فأراهم منـازلَ الخيرِ زلفـىً .. وثـوابـاً فـي جنةِ الأتقيـاءِ
لازديـاد اليقين بالحق فـيهـم .. بعد دحضٍ للشك والإفـتـراءِ
وثَباتاً منهم عـلى الـدين فيما .. شاهدوه من عالم الإرتقاءِ
وروي عن أبي حمزة الثمالي، قال عليّ بن الحسين عليه السّلام: كنت مع أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها، فقال عليه السّلام لأصحابه: هذا الليل فاتّخذوه جملاً، فإنَّ القوم إنما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وانتم في حلٍ وسعة.
فقالوا: والله لا يكون هذا ابداً!
ثمّ دعا وقال لهم: ارفعوا رؤوسَكم وانظروا. فَجعلوا يَنظرون إلى مواضعِهم ومنازلِهم من الجنة، وَهو يقولُ لهم: هذا منزِلُكَ يا فلان، وهذا قصرُك يا فلان، وهذه درجتك يا فلان، فكان الرجلُ يَستقبلُ الرّماحَ والسيوف بصدرِه وَوجهِه، ليصلَ إلى مَنزِلِه مِنَ الجنة.
وَفي حديثِ أبي جعفر الباقر عليه السّلام أن الحسينَ عليه السّلام قال لأصحابهِ: ابشروا بالجنةِ، فواللهِ إنّا نَمكثُ مَا شاء اللهُ بعدَ مَا يجري عَلينا، ثمّ يُخرجُنا اللهُ وإياكم حتّى يَظهر قَائمُنا فَينتقمَ من الظالمينَ، وأنا وأنتم نُشاهِدهم في السلاسل والاغلال وأنواع العذاب!
فَقيلَ له: ما قائمُكُم يا بن رسولِ الله ؟
قال: السابع مِن وِلدِ ابني محمد بن عليِّ الباقر، وهو الحجةُ ابنُ الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ ابني، وهو الذي يَغيبُ مدةً طويلةً، ثمّ يظهرُ وَيملأُ الأرضَ قسطاً وَعدلاً كما مُلئت ظلماً وَجوراً .
وجاء في زيارة الناحية المقدسة: أشْهدُ لَقدْ كَشفَ اللهُ لكمُ الغِطاء، وَمَهّد لكُمُ الوطاء، وأجزل لكم العطاء، وكُنْتُم عن الحقِّ غَيرَ بطاء، وأنتُم لنا فُرطاء، ونحنُ لكُم خُلطاءُ في دارِ البقاء، والسّلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته .
* * *
الإمام الحسين عليه السّلام يعظ أصحابه ويبشّرهم
بعد ان استخبر الإمام الحسين (عليه السلام) صدق نية أصحابهم قال لهم :
أوَلا اُحدثكم بأول أمرنا وأمركم ـ معاشرَ أوليائنا ومحبينا، والمعتصمينَ بنا ـ ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون ؟
قالوا: بلى يا بن رسول الله.
قال: إنَّ الله تعالى لمّا خلقَ آدم، وسوّاهُ وعلَّمَه أسماء كلِّ شيء وعرضهم على الملائكة، جعل محمّداً وعلياً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ عليهم السّلام أشباحاً خمسةً في ظهرِ آدم، وكانت أنوارُهم تُضيءُ في الآفاق من السماوات والحُجب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له، إنَّه قد فضّله بأن جعلهُ وعاءً لتلك الأشباح التي قد عمَّ أنوارُها في الآفاق، فسجدوا إلا إبليس أبى أنْ يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لأنوارنا أهلَ البيت، وقد تواضعت لها الملائكةُ كلُها، واستكبر وترفَّع، وكان باءِبائه ذلك وتكبّره من الكافرين .
ومن جملة البشارات التي بشرَّ بها الحسين عليه السّلام أصحابه عليهم السّلام قبل أن يُقتل: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا بُنيَّ، إنك ستساقُ إلى العراق، وهي أرضٌ قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرضٌ تدعى (عموراء) وإنك تُستشهد بها، ويُستشهد معك جماعةٌ من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا: قُلنا يَا نارُ كُوني برداً وَسلاماً على إبراهيم تكونُ الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فابشروا. فوالله لئن قتلونا، فإنَّا نرد على نبيّنا .
* * *
من وصايا الإمام الحسين عليه السّلام
قيل: ومن جملة وصاياه عليه السّلام والتي استأثرت باهتمام بالغ عنده، وتدل على مدى حرصه الشديد في نشر أحكام الدين والشرع المبين مع ما هو فيه، هو وصيته عليه السّلام لأُخته زينب عليها السّلام بأخذ الأحكام من الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام وإلقائها إلى الشيعة؛ ستراً عليه.
وهْو أوصـى إلى العقيلة جهراً .. ولـزيـن العـباد تحت الخفاءِ
فهْي تعطي الأحكام للناس .. فتوىً بعد أخذٍ من زيـنـة الأولـياءِ
كـلُّ هـذا ستراً عليه وحفظاً .. لعليٍّ من أعيُـنِ الـرُقباءِ
ولهذا قيل: انه كان لزينب عليها السّلام نيابة خاصة عن الحسين عليه السّلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السّلام من مرضه .
.. .. ... ..
الإمام الحسين عليه السّلام يتفقّد التلاع والعقبات لكي لا تصيب بنياته وأيتامه :
كان نافع بن هلال من أخص أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام به، وأكثرهم ملازمة له سيما في مظانّ الاغتيال ـ وقيل أنه كان حازماً بصيراً بالسياسة ـ فلما رأى الحسين عليه السّلام خَرجَ في جَوفِ الليلِ إلى خارج الخيامِ يَتفقدُ التلاعَ والعقباتِ تبعَهُ نافعُ، فسألَه الحسينُ عليه السّلام عما أخرجَهُ، فقال: يَا بنَ رسولِ اللهِ، أفزعني خُروجُكَ إلى مُعسكر هذا الطاغي.
فقال الحسينُ عليه السّلام: إني خرجتُ أتفَقدُ التلاعَ وَالروابي مخافةَ أن تكونَ مَكمَناً لِهجُومِ الخيل يِومَ تحملونَ ويَحملونَ.
ثُّم رجَع عليه السّلام وَهو قَابضٌ على يدِ نافعَ وَيقولُ: هيَ هيَ واللهِ، وَعدٌ لا خُلفَ فيه.
ثُّم قال لَه: ألا تَسلُك بَين هَذيَنِ الجبلَيِن في جَوفِ الليلِ وَتنجُو بنفسِك ؟ فَوقعَ نَافعُ على قَدميهِ يُقبّلهُما ويقولُ: ثَكلتني أمي! إن سَيفي بألفٍ وَفرسي مثلُه، فَواللهِ الذي مَنَّ بِكَ عليَّ لا فارقتُكَ حتّى يَكلاّ عن فَري وجري.
* * *
زينب عليها السّلام تتعجب من موقف بني هاشم والأنصار
تقول السيده زينب عليها السلام بعدما علمت مستوى وفاء الأنصار وصدق نياتهم :
ففرحتُ من ثباتهم، ولكن خنقتني العبرة، فانصرفت عنهم وأنا باكية وإذا بأخي الحسين عليه السّلام قد عارضني فسكنت نفسي وتبسمت في وجهه،
فقال: أُخيّة، فقلت: لبيك يا أخي، فقال عليه السّلام: يا أختاه، منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة، أخبريني ما سبب تبسمك ؟
فقلت له: يا أخي، رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا!!
فقال لي: يا أُختاه، إعلمي أن هؤلاء أصحابي من عالم الذرّ وهبم وعدني جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله هل تحبين أن تنظري إلى ثبات إقدامهم ؟
فقلت: نعم. فقال عليه السّلام: عليك بظهر الخيمة.
>>>>>>>>>>>>
الإمام الحسين عليه السّلام يخطب في أصحابه ويكشف لهم عن أبصارهم
قالت زينب: فوقفت على ظهر الخيمة، فنادى أخي الحسين عليه السّلام: اين إخواني وبنو أعمامي ؟! فقامت بنو هاشم وتسابق منهم العباس وقال: لبيك لبيك، ما تقول ؟
فقال الحسين عليه السّلام: أُريد أن أُجدّد لكم عهداً. فأتى أولادُ الحسين وأولاد الحسن وأولاد عليّ وأولاد جعفر وأولاد عقيل، فأمرهم بالجلوس فجلسوا.
ثم نادى: أين حبيب بن مظاهر، أين زهير، أين هلال، أين الأصحاب ؟! فأقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر وقال لبيك يا أبا عبدالله. فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم، فأمرهم بالجلوس فجلسوا فخطب فيهم خطبة بليغة.
ثمّ قال: يا أصحابي، اعلموا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصدٌ سوى قتلي وقتل من هو معي، وأنا أخاف عليكم من القتل، فأنتم في حلٍّ من بيعتي، ومن أحب منكم الانصراف فلْينصرفْ في سواد هذا الليل.
فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلّموا بما تكلموا، وقام الأصحاب وأخذوا يتكلّمون بمثل كلامهم، فلما رأى الحسين عليه السّلام حُسن إقدامهم وثبات أقدامِهم، قال عليه السّلام: إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم في الجنة. فكشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها، والحور العين ينادين: العجل العجل، فإنا مشتاقات إليكم!
فقاموا بأجمعهم وسلّوا سيوفهم، وقالوا: يا أبا عبدالله، أتأذن لنا أن نغير على القوم ونقاتلهم حتّى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء.
فقال عليه السّلام: اجلسوا رحمكم الله، وجزاكمُ الله خيراً.
* * *
وأخيرا
عظم الله لنا ولكم الأجر بمصاب سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام