عشقـي ح ــسيــن
15-01-2009, 09:14 AM
يروي المرحوم الحاج محمد قبازرد (أحد وجهاء الكويت) الذي كان ليده البيضاء الفضل في إخراج السفر العظيم (الإمام الصادق عليه السلام كما عرفه علماء الغرب) إلى النور..
يروي حادثة شهدها بنفسه ونقلها بلسانه، فقال كما هو شائع عنه:
في يوم من الأيام تشوقت لأن أدعو سماحة السيد المرجع محمد الشيرازي إلى منزلي لتناول وجبة الغداء، فعرضت عليه الأمر فقبل الدعوة واتفقنا على الموعد.
وفي تلك الأيام كان أحد أصدقائي من التجار الإيرانيين ضيفاً عليّ يزورني لإنجاز بعض الأعمال والمشاريع، فرأيت أن أدعوه أيضا للغداء فوافق، وهكذا تقرر أن نجتمع ثلاثتنا على مائدة واحدة، أنا وصديقي وسماحة السيد الشيرازي.
وحينما جاء الموعد المقرر، فوجئت بصديقي التاجر وهو يهم باستقبال سماحة السيد الشيرازي بشكل عجيب، إذ كان يقبـّل يديه ووجنتيه وهامة رأسه وعمامته ويكاد أن يقبّل رجليه أيضا! ثم هو يخاطبه بأسلوب ملؤه التعظيم والتفخيم والتوقير مما لم ألمسه من أحد إلا نادراً، فاندهشت لذلك ولم أعلم له سببا إلا بعد لحظات.
فعندما جلسنا وجّه صديقي لسماحته سؤالا قائلا:
سيدي ومولاي.. هل عرفتم من أنا؟
فأجاب سماحة السيد الشيرازي بأدبه المعهود: قلة توفيقي (وهو يقصد: لا )
فقال الصديق:أنا ذلك الشخص الذي (انقض) عليكم في كربلاء قائلا: يا أبا عبد الله الحسين.. يا أبا عبد الله الحسين! ولم تستطيعوا الفكاك مني إلا بعد تدخل الناس! فهل تذكرونني؟
وظهر على السيد وكأنه تذكره فقال:نعم نعم.. أهلا وسهلا ومرحبا بكم يا أخانا العزيز. أين أنتم وما هي أخباركم....
وبقيت أنا (والحديث للمرحوم محمد قبازرد) متحيرا مما قاله صديقي التاجر الإيراني الذي لم أكن أظن أنه على معرفة وثيقة بسماحة السيد، فاستخبرته فيما بعد عن الأمر وسألته عن تفاصيل ما وصفه (بـانقضاضه عليه)
فقال لي: إنني في بداية حياتي لم أكن أملك شيئا يذكر،
كنت فقيرا وحالتي كانت سيئة من كل الجهات،
فأوصلت نفسي ذات مرة إلى حرم أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه وطلبت منه أن يوفقني لأن أصبح تاجرا كبيرا،وعاهدته إنْ هو استجاب لطلبي على أمرين:
الأول؛ هو أنني سأقتسم مالي الذي سأحصل عليه معه، فأتبرع بالقسم الخاص به في سبيل الخير،
والثاني؛ أنني لن أدع أسبوعاً واحداً يمر دون أن أزوره حضورياً في روضته الشريفة.
وبالفعل فإنني ولله الحمد تمكنت من أن أصبح تاجراً كما ترى بفترة زمنية قياسية، رغم أنني بدأت عملي بشكل متواضع جداً وبقرض زهيد ولكن بركة أبي عبد الله عليه السلام جعلت الأموال تنمو وتكثر، إلى أن أصبحت تجارتي دولية وسفراتي متعددة ولي مكاتب وشركات في داخل إيران وخارجها.
منذ ذلك الحين وأنا أواظب على زيارة الإمام عليه السلام في كل أسبوع مرة، فكنت أوصل نفسي بشكل أو بآخر، بالطائرة أو بالسيارة أو بأية وسيلة إلى كربلاء للزيارة، وإن كانت زيارة مختصرة لدقائق معدودة كنت فيها أزور وأصلي ركعتي الزيارة وأقبل الضريح وأستأذن منصرفا.
وواظبت على ذلك لسنوات وفاءاً لعهدي الذي قطعته على نفسي، والحمد لله فإنه لم يفتني أسبوع واحد دون أن أوصل نفسي إلى كربلاء للزيارة، حيث كنت في بداية كل أسبوع أُوَقِّتُ أعمالي بحيث يكون لي متسع من الوقت للسفر إلى كربلاء والقيام بالواجب.
وفي إحدى السنين كثرت أعمالي وتضاعفت بحجم كبير، وصرت لا أجد الوقت الكافي لمتابعتها كلها، ولكن مع ذلك كنت أوقف كل شيء وأضحي بكل المواعيد وكل الارتباطات للوفاء بعهدي للإمام سلام الله عليه.
ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.. فذات أسبوع وحيث كان مقرراً أن أتوجه إلى كربلاء، كنت في أوروبا ولم أستطع الحصول على تذكرة طائرة لبغداد إلا بصعوبة، لأن تلك الأيام كانت أيام محرم وعاشوراء.
وكان موعد الرحلة يصادف ليلة العاشر، وكانت ليلة جمعة أيضاً، وكانت هذه آخر فرصة لي لزيارة الإمام عليه السلام في ذلك الأسبوع لأنني زرته في ليلة الجمعة الماضية.
فكنت قلقاً جداً من ألا يسمح لي الوقت للزيارة قبل طلوع الفجر، وبذلك سينقضي عني ذلك الأسبوع دون أن أقوم بالزيارة.
وصلت إلى بغداد في منتصف الليل تقريباً، وركبت إحدى سيارات الأجرة وانطلقت إلى كربلاء طالباً من السائق الإسراع، ولكن الطرق المؤدية إليها كانت مزدحمة جداً بالناس وبالسيارات وبالحافلات، فالليلة كانت ليلة عاشوراء ومراسم العزاء على قدم وساق، والملايين من مختلف أنحاء العالم كانوا في طريقهم للحائر الحسيني الشريف.
وصلت إلى كربلاء فوجدت الشوارع مقفلة وكانت الساعة بحدود الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ولم يتبقّ أمامي إلا ساعتان تقريباً قبل طلوع الفجر.
كان الحرم غاصاً بالناس والشوارع المحيطة به لم يكن فيها موطئ قدم، الكل كان يلطم وينوح ويبكي، فيما الناس كانوا في تدافع عجيب للوصول إلى الحرم المكتظ بأهله.
ومع أنني كنت مرهقا جدا من السفر إلا أنني حاولت الوصول إلى الروضة والضريح المقدس بكل جهدي، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، إذ لم أستطع التقدم نحو الحرم حتى لخطوات، واستمررت في جهودي قرابة الساعة إلى أن خارت قواي تماماً، ولم أكن أستطع التحمل، فعدت أدراجي خائباً منكسراً ودموعي تجري على خدي.
كنت محتاجاً إلى شيء من الراحة، فقلت في نفسي:
لأذهب إلى فندق من الفنادق المحيطة بالحرم لأستريح لدقائق ولأغتسل غسل الزيارة، ثم بعدها أنطلق إلى الحرم قبيل الفجر لعل الازدحام يقل عندها.
عندما وصلت إلى الفندق واستأجرت إحدى الغرف، استرخيت قليلاً على السرير على أساس أن أنهض بعد قليل للاغتسال والزيارة، ولكنني مع الأسف غططت في نوم عميق دون أن أدري، ولم أستيقظ إلا على صوت أذان الفجر المنبعث من مئذنة الحرم، وبهذا يكون الأسبوع قد انقضى دون أن أتمكن من الزيارة، وكانت تلك المرة الأولى في حياتي التي لم أستطع فيها الوفاء بعهدي، فحزنت لذلك كثيراً.
قمت واغتسلت وتوضأت وصليت الصلاة، ثم نظرت عبر الشرفة فوجدت الناس قد تكاثروا وازداد عددهم عن الوقت الذي تركتهم فيه، فمع الفجر بدأت مراسم التطبير ولبس الأكفان وغيرها.
لذا كنت متيقناً من أنني لن أتمكن من الوصول إلى الروضة، ثم إن الأسبوع قد انقضى بالنتيجة، فنظرت إلى قبة الحسين عليه السلام وبكيت بكاء شديداً لأنني لم أوفق للزيارة هذا الأسبوع، وأحسست بأنني كنت غير جدير بزيارته سلام الله عليه في هذه الليلة العظيمة، فساءت حالتي النفسية كثيراً وبدأت الأفكار تراودني، كنت أقول في نفسي:
إنني لو كنت جديرا بالزيارة لما ردّني الإمام هذه الليلة!
وما يدريني لعل كل زياراتي السابقة كانت بنية غير خالصة؟!
كنت في منتهى اليأس والخيبة، وحيث كنت على هذه الحال انتابني النوم، فنمت.
غير أنني رأيت في منامي رؤيا عجيبة..
رأيت وكأنني قد وصلت إلى الحرم المطهر وقد شُقَّ لي طريق خاص بين الناس إلى الضريح المقدس، فأسرعت ووصلت إليه وأنا أقبل أطرافه وأعتذر وأبدي ندماً لمولاي أبا عبد الله على تقصيري وأطلب منه السماح والمغفرة.
في تلك الأثناء رأيت شعاعا عُلوياً آتيا من فوق الضريح جهة القبة الذهبية، وكأن السماء قد انبثق منها ذلك الشعاع لينير الضريح بأنوار عظيمة.
نظرت إلى الأعلى فوجدت شخصاً نورانياً ينزل مع الشعاع إلى الأسفل إلى أن استقر فوق الضريح، وكان وجهه يشع نوراً وبهاءاً وجمالاً، فعلمت أنه سيدي ومولاي أبا عبد الله عليه السلام، فوجـّه حديثه لي قائلاً:
إنك حيث كنت قاصداً زيارتنا ومنعتك الظروف، فإننا قد قبلنا زيارتك.
وزياراتك كلها مقبولة، وعهدنا معك باق، فاطمئن.
أفقت من النوم منتفضاً لأجد الوقت قبيل الظهر.
سجدت سجدة أطلت فيها البكاء وحمدت الله على هذه النعمة، أن أراني سيدي ومولاي أبا عبد الله عليه السلام ليطمئن قلبي، وليعفو عن تقصيري.
اغتسلت من جديد وتطهرت، ثم توجهت إلى الحرم المطهّر، ورغم الازدحام إلا أنني تمكنت من الوصول إلى الضريح المقدس.
هناك استذكرت رؤياي فشكرت مولاي صلوات الله عليه كثيراً وعاهدته على أن أبقى وفياً له في عهدي ما حييت. وكنت ساعتها في حالة روحية عالية.
أذّن أذان الظهر، فرأيت الناس يتجمعون في الصحن الشريف لأداء الصلاة جماعة.
ولم أكن قد شاركت قط في صلاة الجماعة بالحرم، فأحببت هذه المرة أن أشارك فيها التماساً للثواب وللفضل، فاصطففت مع الناس وجلست قاعداً أنتظر وصول الإمام الذي لم أكن أعرفه، واشتغلت في تلك اللحظات بالذكر والدعاء والتسبيح.
وبينما أنا كذلك إذ علت الأصوات بالصلوات على محمد وآل محمد حيث كان إمام الجماعة قد أقبل، فالتفت إليه ونظرت إلى وجهه.. فإذا بي أرى ذات الوجه الذي رأيته في رؤياي! إنه الإمام الحسين نفسه! الملامح نفسها والشكل ذاته! ها هو يتقدم للصلاة في حرمه!!
فركت عيني قليلا لأتأكد.. فإذا بي أجد الأمر حقيقة لا خيالاً، فلم اشعر بنفسي إلا وأنا ناهض من مكاني ومتوجه إلى الإمام الحسين!
أسرعت إليه وانقضضت عليه مقبــّلاً يديه ورجليه وأنا أصيح وأقول:سيدي يا أبا عبد الله الحسين.. سيدي يا أبا عبد الله الحسين!!
تفاجأ الناس بتصرفاتي العجيبة، وحاولوا إبعادي عن الإمام دون جدوى! لقد كنت أرى أمامي أبا عبد الله عليه السلام نفسه وكنت أقول لهم: اتركوني مع إمامي.. هذا إمامي.. إنه أبو عبد الله الحسين!!
مهما حاولوا معي لم أكن أستجب لهم، وحاولوا إبعادي بالقوة ولكنني كنت متشبثاً بالإمام بكل قوتي! كان الإمام مذهولاً مني وردّد علي قائلاً:أنا لست الإمام الحسين.. أنا محمد الشيرازي!!
ولكنني كنت شبه غائب عن الوعي، ولم أستطع التركيز في كلامه إلا بعد تكراره لي أكثر من مرة! أنا لست الإمام الحسين.. أنا محمد الشيرازي
هنا انتبهت فقلت له: سيدي ومولاي.. ألست أنت الإمام الحسين؟!
فقال لي: لا أبداً، وهل معقول أن يكون مثلي الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام؟!
أنا محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي وهذا هو اسمي وهؤلاء جميعا يعرفونني!
صُعِقت من إجابته وقلت له:يا مولاي.. ألست أنت الذي أتيتني في المنام؟!
لا لست أصدق.. أنت الإمام الحسين نفسه، هذا وجهك وهذه ملامحك!!
خلال تلك اللحظات كنت لا أزال في حالة عدم الوعي الكامل، لأنني كنت منبهرا بما رأيته، إلا أنني بالنتيجة فهمت واستوعبت الأمر.
لقد جاءني الإمام الحسين عليه السلام في تلك الرؤيا بهيئة هذا الرجل الصالح، وتمثّل به لقربه منه.
بعد ذلك عرفت أن هذا الرجل الصالح والسيد الجليل هو السيد محمد الشيرازي، مرجع التقليد في كربلاء وإمام الحرم الحسيني المطهر، وأنه حفيد المجدد الشيرازي الكبير الذي نسمع عن ارتباطه الوثيق بإمام العصر عجل الله فرجه.
ومنذ ذلك الوقت وأنا أقلـّد السيد الشيرازي وأحبه وأجلّه، وأتمنى أن أصبح خادماً له.
فالذي يشرفه الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام بهذا الشرف ويتمثل بصورته، ليس إنساناً عادياً مثلنا.
والجدير بالذكر أن هذا التاجر هو الذي يمـوّل الآن قناة الأنوار الفضائية جزاه الله خيراً.
يروي حادثة شهدها بنفسه ونقلها بلسانه، فقال كما هو شائع عنه:
في يوم من الأيام تشوقت لأن أدعو سماحة السيد المرجع محمد الشيرازي إلى منزلي لتناول وجبة الغداء، فعرضت عليه الأمر فقبل الدعوة واتفقنا على الموعد.
وفي تلك الأيام كان أحد أصدقائي من التجار الإيرانيين ضيفاً عليّ يزورني لإنجاز بعض الأعمال والمشاريع، فرأيت أن أدعوه أيضا للغداء فوافق، وهكذا تقرر أن نجتمع ثلاثتنا على مائدة واحدة، أنا وصديقي وسماحة السيد الشيرازي.
وحينما جاء الموعد المقرر، فوجئت بصديقي التاجر وهو يهم باستقبال سماحة السيد الشيرازي بشكل عجيب، إذ كان يقبـّل يديه ووجنتيه وهامة رأسه وعمامته ويكاد أن يقبّل رجليه أيضا! ثم هو يخاطبه بأسلوب ملؤه التعظيم والتفخيم والتوقير مما لم ألمسه من أحد إلا نادراً، فاندهشت لذلك ولم أعلم له سببا إلا بعد لحظات.
فعندما جلسنا وجّه صديقي لسماحته سؤالا قائلا:
سيدي ومولاي.. هل عرفتم من أنا؟
فأجاب سماحة السيد الشيرازي بأدبه المعهود: قلة توفيقي (وهو يقصد: لا )
فقال الصديق:أنا ذلك الشخص الذي (انقض) عليكم في كربلاء قائلا: يا أبا عبد الله الحسين.. يا أبا عبد الله الحسين! ولم تستطيعوا الفكاك مني إلا بعد تدخل الناس! فهل تذكرونني؟
وظهر على السيد وكأنه تذكره فقال:نعم نعم.. أهلا وسهلا ومرحبا بكم يا أخانا العزيز. أين أنتم وما هي أخباركم....
وبقيت أنا (والحديث للمرحوم محمد قبازرد) متحيرا مما قاله صديقي التاجر الإيراني الذي لم أكن أظن أنه على معرفة وثيقة بسماحة السيد، فاستخبرته فيما بعد عن الأمر وسألته عن تفاصيل ما وصفه (بـانقضاضه عليه)
فقال لي: إنني في بداية حياتي لم أكن أملك شيئا يذكر،
كنت فقيرا وحالتي كانت سيئة من كل الجهات،
فأوصلت نفسي ذات مرة إلى حرم أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه وطلبت منه أن يوفقني لأن أصبح تاجرا كبيرا،وعاهدته إنْ هو استجاب لطلبي على أمرين:
الأول؛ هو أنني سأقتسم مالي الذي سأحصل عليه معه، فأتبرع بالقسم الخاص به في سبيل الخير،
والثاني؛ أنني لن أدع أسبوعاً واحداً يمر دون أن أزوره حضورياً في روضته الشريفة.
وبالفعل فإنني ولله الحمد تمكنت من أن أصبح تاجراً كما ترى بفترة زمنية قياسية، رغم أنني بدأت عملي بشكل متواضع جداً وبقرض زهيد ولكن بركة أبي عبد الله عليه السلام جعلت الأموال تنمو وتكثر، إلى أن أصبحت تجارتي دولية وسفراتي متعددة ولي مكاتب وشركات في داخل إيران وخارجها.
منذ ذلك الحين وأنا أواظب على زيارة الإمام عليه السلام في كل أسبوع مرة، فكنت أوصل نفسي بشكل أو بآخر، بالطائرة أو بالسيارة أو بأية وسيلة إلى كربلاء للزيارة، وإن كانت زيارة مختصرة لدقائق معدودة كنت فيها أزور وأصلي ركعتي الزيارة وأقبل الضريح وأستأذن منصرفا.
وواظبت على ذلك لسنوات وفاءاً لعهدي الذي قطعته على نفسي، والحمد لله فإنه لم يفتني أسبوع واحد دون أن أوصل نفسي إلى كربلاء للزيارة، حيث كنت في بداية كل أسبوع أُوَقِّتُ أعمالي بحيث يكون لي متسع من الوقت للسفر إلى كربلاء والقيام بالواجب.
وفي إحدى السنين كثرت أعمالي وتضاعفت بحجم كبير، وصرت لا أجد الوقت الكافي لمتابعتها كلها، ولكن مع ذلك كنت أوقف كل شيء وأضحي بكل المواعيد وكل الارتباطات للوفاء بعهدي للإمام سلام الله عليه.
ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.. فذات أسبوع وحيث كان مقرراً أن أتوجه إلى كربلاء، كنت في أوروبا ولم أستطع الحصول على تذكرة طائرة لبغداد إلا بصعوبة، لأن تلك الأيام كانت أيام محرم وعاشوراء.
وكان موعد الرحلة يصادف ليلة العاشر، وكانت ليلة جمعة أيضاً، وكانت هذه آخر فرصة لي لزيارة الإمام عليه السلام في ذلك الأسبوع لأنني زرته في ليلة الجمعة الماضية.
فكنت قلقاً جداً من ألا يسمح لي الوقت للزيارة قبل طلوع الفجر، وبذلك سينقضي عني ذلك الأسبوع دون أن أقوم بالزيارة.
وصلت إلى بغداد في منتصف الليل تقريباً، وركبت إحدى سيارات الأجرة وانطلقت إلى كربلاء طالباً من السائق الإسراع، ولكن الطرق المؤدية إليها كانت مزدحمة جداً بالناس وبالسيارات وبالحافلات، فالليلة كانت ليلة عاشوراء ومراسم العزاء على قدم وساق، والملايين من مختلف أنحاء العالم كانوا في طريقهم للحائر الحسيني الشريف.
وصلت إلى كربلاء فوجدت الشوارع مقفلة وكانت الساعة بحدود الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ولم يتبقّ أمامي إلا ساعتان تقريباً قبل طلوع الفجر.
كان الحرم غاصاً بالناس والشوارع المحيطة به لم يكن فيها موطئ قدم، الكل كان يلطم وينوح ويبكي، فيما الناس كانوا في تدافع عجيب للوصول إلى الحرم المكتظ بأهله.
ومع أنني كنت مرهقا جدا من السفر إلا أنني حاولت الوصول إلى الروضة والضريح المقدس بكل جهدي، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، إذ لم أستطع التقدم نحو الحرم حتى لخطوات، واستمررت في جهودي قرابة الساعة إلى أن خارت قواي تماماً، ولم أكن أستطع التحمل، فعدت أدراجي خائباً منكسراً ودموعي تجري على خدي.
كنت محتاجاً إلى شيء من الراحة، فقلت في نفسي:
لأذهب إلى فندق من الفنادق المحيطة بالحرم لأستريح لدقائق ولأغتسل غسل الزيارة، ثم بعدها أنطلق إلى الحرم قبيل الفجر لعل الازدحام يقل عندها.
عندما وصلت إلى الفندق واستأجرت إحدى الغرف، استرخيت قليلاً على السرير على أساس أن أنهض بعد قليل للاغتسال والزيارة، ولكنني مع الأسف غططت في نوم عميق دون أن أدري، ولم أستيقظ إلا على صوت أذان الفجر المنبعث من مئذنة الحرم، وبهذا يكون الأسبوع قد انقضى دون أن أتمكن من الزيارة، وكانت تلك المرة الأولى في حياتي التي لم أستطع فيها الوفاء بعهدي، فحزنت لذلك كثيراً.
قمت واغتسلت وتوضأت وصليت الصلاة، ثم نظرت عبر الشرفة فوجدت الناس قد تكاثروا وازداد عددهم عن الوقت الذي تركتهم فيه، فمع الفجر بدأت مراسم التطبير ولبس الأكفان وغيرها.
لذا كنت متيقناً من أنني لن أتمكن من الوصول إلى الروضة، ثم إن الأسبوع قد انقضى بالنتيجة، فنظرت إلى قبة الحسين عليه السلام وبكيت بكاء شديداً لأنني لم أوفق للزيارة هذا الأسبوع، وأحسست بأنني كنت غير جدير بزيارته سلام الله عليه في هذه الليلة العظيمة، فساءت حالتي النفسية كثيراً وبدأت الأفكار تراودني، كنت أقول في نفسي:
إنني لو كنت جديرا بالزيارة لما ردّني الإمام هذه الليلة!
وما يدريني لعل كل زياراتي السابقة كانت بنية غير خالصة؟!
كنت في منتهى اليأس والخيبة، وحيث كنت على هذه الحال انتابني النوم، فنمت.
غير أنني رأيت في منامي رؤيا عجيبة..
رأيت وكأنني قد وصلت إلى الحرم المطهر وقد شُقَّ لي طريق خاص بين الناس إلى الضريح المقدس، فأسرعت ووصلت إليه وأنا أقبل أطرافه وأعتذر وأبدي ندماً لمولاي أبا عبد الله على تقصيري وأطلب منه السماح والمغفرة.
في تلك الأثناء رأيت شعاعا عُلوياً آتيا من فوق الضريح جهة القبة الذهبية، وكأن السماء قد انبثق منها ذلك الشعاع لينير الضريح بأنوار عظيمة.
نظرت إلى الأعلى فوجدت شخصاً نورانياً ينزل مع الشعاع إلى الأسفل إلى أن استقر فوق الضريح، وكان وجهه يشع نوراً وبهاءاً وجمالاً، فعلمت أنه سيدي ومولاي أبا عبد الله عليه السلام، فوجـّه حديثه لي قائلاً:
إنك حيث كنت قاصداً زيارتنا ومنعتك الظروف، فإننا قد قبلنا زيارتك.
وزياراتك كلها مقبولة، وعهدنا معك باق، فاطمئن.
أفقت من النوم منتفضاً لأجد الوقت قبيل الظهر.
سجدت سجدة أطلت فيها البكاء وحمدت الله على هذه النعمة، أن أراني سيدي ومولاي أبا عبد الله عليه السلام ليطمئن قلبي، وليعفو عن تقصيري.
اغتسلت من جديد وتطهرت، ثم توجهت إلى الحرم المطهّر، ورغم الازدحام إلا أنني تمكنت من الوصول إلى الضريح المقدس.
هناك استذكرت رؤياي فشكرت مولاي صلوات الله عليه كثيراً وعاهدته على أن أبقى وفياً له في عهدي ما حييت. وكنت ساعتها في حالة روحية عالية.
أذّن أذان الظهر، فرأيت الناس يتجمعون في الصحن الشريف لأداء الصلاة جماعة.
ولم أكن قد شاركت قط في صلاة الجماعة بالحرم، فأحببت هذه المرة أن أشارك فيها التماساً للثواب وللفضل، فاصطففت مع الناس وجلست قاعداً أنتظر وصول الإمام الذي لم أكن أعرفه، واشتغلت في تلك اللحظات بالذكر والدعاء والتسبيح.
وبينما أنا كذلك إذ علت الأصوات بالصلوات على محمد وآل محمد حيث كان إمام الجماعة قد أقبل، فالتفت إليه ونظرت إلى وجهه.. فإذا بي أرى ذات الوجه الذي رأيته في رؤياي! إنه الإمام الحسين نفسه! الملامح نفسها والشكل ذاته! ها هو يتقدم للصلاة في حرمه!!
فركت عيني قليلا لأتأكد.. فإذا بي أجد الأمر حقيقة لا خيالاً، فلم اشعر بنفسي إلا وأنا ناهض من مكاني ومتوجه إلى الإمام الحسين!
أسرعت إليه وانقضضت عليه مقبــّلاً يديه ورجليه وأنا أصيح وأقول:سيدي يا أبا عبد الله الحسين.. سيدي يا أبا عبد الله الحسين!!
تفاجأ الناس بتصرفاتي العجيبة، وحاولوا إبعادي عن الإمام دون جدوى! لقد كنت أرى أمامي أبا عبد الله عليه السلام نفسه وكنت أقول لهم: اتركوني مع إمامي.. هذا إمامي.. إنه أبو عبد الله الحسين!!
مهما حاولوا معي لم أكن أستجب لهم، وحاولوا إبعادي بالقوة ولكنني كنت متشبثاً بالإمام بكل قوتي! كان الإمام مذهولاً مني وردّد علي قائلاً:أنا لست الإمام الحسين.. أنا محمد الشيرازي!!
ولكنني كنت شبه غائب عن الوعي، ولم أستطع التركيز في كلامه إلا بعد تكراره لي أكثر من مرة! أنا لست الإمام الحسين.. أنا محمد الشيرازي
هنا انتبهت فقلت له: سيدي ومولاي.. ألست أنت الإمام الحسين؟!
فقال لي: لا أبداً، وهل معقول أن يكون مثلي الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام؟!
أنا محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي وهذا هو اسمي وهؤلاء جميعا يعرفونني!
صُعِقت من إجابته وقلت له:يا مولاي.. ألست أنت الذي أتيتني في المنام؟!
لا لست أصدق.. أنت الإمام الحسين نفسه، هذا وجهك وهذه ملامحك!!
خلال تلك اللحظات كنت لا أزال في حالة عدم الوعي الكامل، لأنني كنت منبهرا بما رأيته، إلا أنني بالنتيجة فهمت واستوعبت الأمر.
لقد جاءني الإمام الحسين عليه السلام في تلك الرؤيا بهيئة هذا الرجل الصالح، وتمثّل به لقربه منه.
بعد ذلك عرفت أن هذا الرجل الصالح والسيد الجليل هو السيد محمد الشيرازي، مرجع التقليد في كربلاء وإمام الحرم الحسيني المطهر، وأنه حفيد المجدد الشيرازي الكبير الذي نسمع عن ارتباطه الوثيق بإمام العصر عجل الله فرجه.
ومنذ ذلك الوقت وأنا أقلـّد السيد الشيرازي وأحبه وأجلّه، وأتمنى أن أصبح خادماً له.
فالذي يشرفه الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام بهذا الشرف ويتمثل بصورته، ليس إنساناً عادياً مثلنا.
والجدير بالذكر أن هذا التاجر هو الذي يمـوّل الآن قناة الأنوار الفضائية جزاه الله خيراً.