نسايم
20-01-2009, 01:55 AM
الأنزع البطين
إن ما سمعناه من كلام النواصب عن تفسيرهم للأنزع البطين في حق الإمام علي عليه السلام أنه قصير القامة وسمين، نحن فعلا لا نميل إلى هذه التفسيرات التي تفوح منها رائحة النصب. صحيح أنه قد ورد في صفات وأوصاف مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه "أنزع بطين"، غير أن هذه الصفة لم تكن من قبيل الذم أو العيب في صفاته (عليه السلام) الخَلقية؛ وإنما كانت تزكية ومديحا له (صلوات الله عليه)، تماما كلقب "أبي تراب" الذي هو عنوان فخره (عليه السلام)، غير أن رؤوس النواصب من بني أمية ومن سار مسارهم حرّفوا المعنى وصوّروه على أنه من قبيل الذم والحطّ من القدر!
والظاهر من التحقيق أن أصل إطلاق هذه الصفة "الأنزع البطين" إنما يعود إلى مولانا رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث ورد في الخبر الذي رواه الصدوق وغيره من الأعلام أنه قال: "يا علي.. أن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبي محبي شيعتك، فابشر فإنك الأنزع البطين، منزوع من الشرك بطين من العلم". (عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق ج1 ص52).
وعلى هذا يكون المعنى من الأنزع والبطين، غير المعنى الظاهر، وإنما هما كناية عن عمق الإيمان والوسعة في العلم.
ويؤيد ذلك ورود هاتين الصفتين في كثير من كلام الناس ونظم الشعراء عبر التاريخ؛ على أنهما تندرجان تحت عنوان المناقب والفضائل، ولو كانتا تندرجان تحت عنوان النقص – والعياذ بالله - لتغيّر الحال ولما وجدنا لها أثرا بهذا الاتجاه.
ففي مستدرك الوسائل روى الميرزا النوري قصة المعجزة الشهيرة لذلك الغلام الأسود الذي طبّق عليه الأمير (عليه السلام) حد السرقة فقطع يديه، ولما سأله ابن الكوا عمن فعل به ذلك أجاب: "قطع يميني الأنزع البطين، وباب اليقين، وحبل الله المتين، والشافع يوم الدين، المصلي إحدى وخمسين.. وذكر مناقب كثيرة، فلما فرغ الغلام من الثناء ومضى لسبيله، دخل عبد الله بن الكوا على الأمام فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): السلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى. فقال له : يا أبا الحسنين، قطعت يمين غلام أسود، وسمعته يثني عليك بكل جميل.."
فدقّق هنا أن الغلام استخدم وصف (الأنزع البطين) في مقام المدح والثناء، واعتبرها الراوي من باب المناقب، فيما اعتبرها ابن الكوا كذلك ثناءً جميلا. ولو لم تكن كذلك لما استُخدمت في هذا المقام.
وثمة معجزة أخرى نرى فيها النخل ناطقة بهذه الفضيلة والمنقبة! حيث روى الطبري الإمامي في نوادر المعجزات ما يأتي: "حدثنا الوزير محمد بن سعيد بن ثعلبة، يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كان لي ولد وقد اعتلّ علة صعبة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدعو له، فقال: سل عليا فهو مني وأنا منه. فتداخلني قليل ريب، فجئته وهو يصلي. فلما فرغ من صلاته، سلمت عليه، فحدثته بما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: نعم.
ثم قام ودنا من نخلة كانت هناك فقال: أيتها النخلة! من أنا؟ فسمعت منها أنينا كأنين النساء الحوامل إذا أرادت أن تضع ما معها. ثم سمعتها تقول: يا أيها الأنزع البطين، أنت أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين. أنت الآية الكبرى، وأنت الحجة العظمى. وسكتت. فالتفت عليه السلام إليّ وقال: يا جابر قد زال الآن الشك من قلبك، وصفى ذهنك، اكتم ما سمعت ورأيت عن غير أهله.. إلى آخر الخبر".
ويكون المعنى المشرق أكثر وضوحا في كلام الشعراء.
قال محمد الاسكافي:حبرٌ عليهم بالذي هو كائن وإليه في علم الرسالة يرجعُ
أصفاه أحمد من خفيِّ علومه فهو البطين من العلوم الأنزعُ
وقال أبو نؤاس:
وتيقنوا أن ليس ينفع في غد غير البطين الهاشمي الأنزعِ
(مناقب آل أبي طالب لابن شهر أشوب).
على أننا حتى لو سلّمنا جدلا بأن هاتين الصفتين إنما وردتا على وجه الحقيقة لا الكناية؛ فليس فيها عيب ولا منقصة لمولى الموحّدين (عليه السلام)، لأن الأنزع – كما في اللغة – هو الذي يكون شعره مبتدئا من نقطة تقترب إلى وسط الرأس، وليس هو الأصلع بالضرورة، بمعنى أن جبهته تظهر وكأنها ممتدة إلى أعلى الرأس. وقد كانت هذه الصفة محلّ تفاؤل العرب وتيّمنها، إذ يذكر ابن منظور في لسان العرب: "والعرب تحب النزع وتتيمن بالأنزع، وتذم الغمم وتتشاءم بالأغم، وتزعم أن الأغم القفا والجبين لا يكون إلا لئيما، ومنه قول هدبة بن خشرم:
ولا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا". (لسان العرب ج8 ص352).
والأغمّ أو الغمم هو من يكون على عكس الأنزع، أي الذي يمتد شعر رأسه إلى الجبين منبتا فيغطي عليه.
أما البطين، فهو صاحب البطن العريض، لا البطن المنتفخ كما يتوهّم الجهلة، فذاك هو المبطون ذو البطنة كمعاوية بن أبي سفيان لعنة الله عليهما. والبطن العريض دلالة على قوة الجسم، وامتلائه، لا ترهّله. وأميرنا (أرواحنا فداه) كان رجل حرب وبطولة وشجاعة، فكان طبيعيا أن يكون أنزعَ بطينا، لأن تلك هي صفات الأبطال وأصحّاء الجسم عادةً.
أما عن كونه (عليه الصلاة والسلام) قصير القامة، فليس بثابت، بل هو منفي على لسانه (صلوات الله عليه). إذ ورد في خصال الصدوق: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لم يخلقني طويلا، ولم يخلقني قصيرا، ولكن خلقني معتدلا، أضرب القصير فأقدّه، وأضرب الطويل فأقطّه".
والقدّ، شقّ الرجل نصفين طولا. أما القطّ؛ فشقّ الرجل نصفين عرضا. وهنا ينفي الأمير (صلوات الله عليه) عن نفسه القصر، بل يصف جسده الشريف بالاعتدال، وكيف لا وقد خلقه الله تبارك الله وتعالى على أحسن المواصفات وأكملها.
وفي الآثار بضع روايات حول معنى البطين، والأنزع، ونحملها كلها على المعنى الأول المشار إليه.
أما النواصب ومن سار على دربهم الـ ,,,، فلا يتورّعون عن الإساءة لمقام ولي الله الأعظم (صلوات الله عليه) بتحميل كل كلمة وعبارة أكثر مما تحتمل، ولكن لا والله لا يسيئون إلا لأنفسهم، ولا يكشفون إلا عن سوءاتهم، وتبقى شمس أبي الحسن علي (صلوات الله عليه) مشرقة رغما عن أنوفهم.
إن ما سمعناه من كلام النواصب عن تفسيرهم للأنزع البطين في حق الإمام علي عليه السلام أنه قصير القامة وسمين، نحن فعلا لا نميل إلى هذه التفسيرات التي تفوح منها رائحة النصب. صحيح أنه قد ورد في صفات وأوصاف مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه "أنزع بطين"، غير أن هذه الصفة لم تكن من قبيل الذم أو العيب في صفاته (عليه السلام) الخَلقية؛ وإنما كانت تزكية ومديحا له (صلوات الله عليه)، تماما كلقب "أبي تراب" الذي هو عنوان فخره (عليه السلام)، غير أن رؤوس النواصب من بني أمية ومن سار مسارهم حرّفوا المعنى وصوّروه على أنه من قبيل الذم والحطّ من القدر!
والظاهر من التحقيق أن أصل إطلاق هذه الصفة "الأنزع البطين" إنما يعود إلى مولانا رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث ورد في الخبر الذي رواه الصدوق وغيره من الأعلام أنه قال: "يا علي.. أن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبي محبي شيعتك، فابشر فإنك الأنزع البطين، منزوع من الشرك بطين من العلم". (عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق ج1 ص52).
وعلى هذا يكون المعنى من الأنزع والبطين، غير المعنى الظاهر، وإنما هما كناية عن عمق الإيمان والوسعة في العلم.
ويؤيد ذلك ورود هاتين الصفتين في كثير من كلام الناس ونظم الشعراء عبر التاريخ؛ على أنهما تندرجان تحت عنوان المناقب والفضائل، ولو كانتا تندرجان تحت عنوان النقص – والعياذ بالله - لتغيّر الحال ولما وجدنا لها أثرا بهذا الاتجاه.
ففي مستدرك الوسائل روى الميرزا النوري قصة المعجزة الشهيرة لذلك الغلام الأسود الذي طبّق عليه الأمير (عليه السلام) حد السرقة فقطع يديه، ولما سأله ابن الكوا عمن فعل به ذلك أجاب: "قطع يميني الأنزع البطين، وباب اليقين، وحبل الله المتين، والشافع يوم الدين، المصلي إحدى وخمسين.. وذكر مناقب كثيرة، فلما فرغ الغلام من الثناء ومضى لسبيله، دخل عبد الله بن الكوا على الأمام فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): السلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى. فقال له : يا أبا الحسنين، قطعت يمين غلام أسود، وسمعته يثني عليك بكل جميل.."
فدقّق هنا أن الغلام استخدم وصف (الأنزع البطين) في مقام المدح والثناء، واعتبرها الراوي من باب المناقب، فيما اعتبرها ابن الكوا كذلك ثناءً جميلا. ولو لم تكن كذلك لما استُخدمت في هذا المقام.
وثمة معجزة أخرى نرى فيها النخل ناطقة بهذه الفضيلة والمنقبة! حيث روى الطبري الإمامي في نوادر المعجزات ما يأتي: "حدثنا الوزير محمد بن سعيد بن ثعلبة، يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كان لي ولد وقد اعتلّ علة صعبة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدعو له، فقال: سل عليا فهو مني وأنا منه. فتداخلني قليل ريب، فجئته وهو يصلي. فلما فرغ من صلاته، سلمت عليه، فحدثته بما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: نعم.
ثم قام ودنا من نخلة كانت هناك فقال: أيتها النخلة! من أنا؟ فسمعت منها أنينا كأنين النساء الحوامل إذا أرادت أن تضع ما معها. ثم سمعتها تقول: يا أيها الأنزع البطين، أنت أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين. أنت الآية الكبرى، وأنت الحجة العظمى. وسكتت. فالتفت عليه السلام إليّ وقال: يا جابر قد زال الآن الشك من قلبك، وصفى ذهنك، اكتم ما سمعت ورأيت عن غير أهله.. إلى آخر الخبر".
ويكون المعنى المشرق أكثر وضوحا في كلام الشعراء.
قال محمد الاسكافي:حبرٌ عليهم بالذي هو كائن وإليه في علم الرسالة يرجعُ
أصفاه أحمد من خفيِّ علومه فهو البطين من العلوم الأنزعُ
وقال أبو نؤاس:
وتيقنوا أن ليس ينفع في غد غير البطين الهاشمي الأنزعِ
(مناقب آل أبي طالب لابن شهر أشوب).
على أننا حتى لو سلّمنا جدلا بأن هاتين الصفتين إنما وردتا على وجه الحقيقة لا الكناية؛ فليس فيها عيب ولا منقصة لمولى الموحّدين (عليه السلام)، لأن الأنزع – كما في اللغة – هو الذي يكون شعره مبتدئا من نقطة تقترب إلى وسط الرأس، وليس هو الأصلع بالضرورة، بمعنى أن جبهته تظهر وكأنها ممتدة إلى أعلى الرأس. وقد كانت هذه الصفة محلّ تفاؤل العرب وتيّمنها، إذ يذكر ابن منظور في لسان العرب: "والعرب تحب النزع وتتيمن بالأنزع، وتذم الغمم وتتشاءم بالأغم، وتزعم أن الأغم القفا والجبين لا يكون إلا لئيما، ومنه قول هدبة بن خشرم:
ولا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا". (لسان العرب ج8 ص352).
والأغمّ أو الغمم هو من يكون على عكس الأنزع، أي الذي يمتد شعر رأسه إلى الجبين منبتا فيغطي عليه.
أما البطين، فهو صاحب البطن العريض، لا البطن المنتفخ كما يتوهّم الجهلة، فذاك هو المبطون ذو البطنة كمعاوية بن أبي سفيان لعنة الله عليهما. والبطن العريض دلالة على قوة الجسم، وامتلائه، لا ترهّله. وأميرنا (أرواحنا فداه) كان رجل حرب وبطولة وشجاعة، فكان طبيعيا أن يكون أنزعَ بطينا، لأن تلك هي صفات الأبطال وأصحّاء الجسم عادةً.
أما عن كونه (عليه الصلاة والسلام) قصير القامة، فليس بثابت، بل هو منفي على لسانه (صلوات الله عليه). إذ ورد في خصال الصدوق: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لم يخلقني طويلا، ولم يخلقني قصيرا، ولكن خلقني معتدلا، أضرب القصير فأقدّه، وأضرب الطويل فأقطّه".
والقدّ، شقّ الرجل نصفين طولا. أما القطّ؛ فشقّ الرجل نصفين عرضا. وهنا ينفي الأمير (صلوات الله عليه) عن نفسه القصر، بل يصف جسده الشريف بالاعتدال، وكيف لا وقد خلقه الله تبارك الله وتعالى على أحسن المواصفات وأكملها.
وفي الآثار بضع روايات حول معنى البطين، والأنزع، ونحملها كلها على المعنى الأول المشار إليه.
أما النواصب ومن سار على دربهم الـ ,,,، فلا يتورّعون عن الإساءة لمقام ولي الله الأعظم (صلوات الله عليه) بتحميل كل كلمة وعبارة أكثر مما تحتمل، ولكن لا والله لا يسيئون إلا لأنفسهم، ولا يكشفون إلا عن سوءاتهم، وتبقى شمس أبي الحسن علي (صلوات الله عليه) مشرقة رغما عن أنوفهم.