المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضور المسجد والجماعة .. واقع أليم


خادم مولاي الحسين
02-02-2009, 08:24 PM
صلاة الجماعة والمسجد



قد يبدو الحديث عن صلوات الجماعة حديثاً جانبياً لا يستحق الالتفات له بمثل ما يٌلتفت لبقية الأمور .. ولكن صلاة الجماعة والصلاة بشكل عام هي الأساس ،قال تعالى : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ..) سورة الحج .


في صلاة الجماعة .. يقف المؤمنون في صفوف كالملائكة بل أفضل ..



قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صفوف أمتي كصفوف الملائكة في السماء، والركعة في الجماعة أربعة وعشرون ركعة، كل ركعة أحب إلى الله -تعالى- من عبادة أربعين سنة.. فما من مؤمن مشى إلى الصلاة الجماعة، إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثم يأمر به إلى الجنة.



يقف الموالون في الصفوف اقتداءً بإمامهم الغريب الذي يلبونه في كل عام .. لبيك يا حسين ..


متشبهين بأصحابه الكرام الذين لا وجود مثلهم ..الذين كانوا يصلون في جماعة .. وآخرون يتلقون السهام دونهم ..


فالأحرى أن تكون التلبية هي تلبية العمل .. فصلاة الجماعة أحد الدروس العظيمة والكثيرة التي تعلمنا إياها كربلاء ..



موقعية الصلاة في النفس:


إذا كانت الصلاة عمود الدين، فمن الضروري أن تكون عمود حياة المؤمن..فالبعض لا مشكلة عنده في أن يستيقظ لأي أمر سواء أكان امتحان في الدراسة أو عمل أو أي شغل آخر ، ولكن يلاقي صعوبة في الاستيقاظ لصلاة الفجر .. فما السبب؟


هذا الإنسان ولأنه اعتقد بأهمية العمل أو الدراسة فترك لذيذ الفراش من أجله، فلو كانت الصلاة لها تلك الموقعية الكبيرة في نفس المؤمن لما أصابه هذا الثقل منها .. فهي ليست بأقل من امتحان أو عمل .. بل هي الامتحان الأكبر ..



قال الصادق (عليه السلام) : امتحنوا شيعتنا عند : مواقيت الصلواتكيف محافظتهم عليها..



يستطيع المؤمن معرفة موقع الصلاة في نفسه من خلال تعامله معها .. فلو استيقظ وقد طلعت الشمس ولم يصل الفجر، ماذا يكون فعله؟ هل يبادر للقضاء أم يؤجله؟ وهل يعيش حالة الندامة فعلاً أم يبرر لنفسه أن النائم لا حرج عليه ، طبعاً هو غير محاسب إذا لم يكن متعمداً، وبشرط أن لا يكون مستخفاً بالصلاة ..



ولكن استشعار حالة الندامة والأسف والحزن ولو الوقتي دليل ارتباط المؤمن الوثيق بالصلاة في أول الوقت .. بينما البعض الآخر قد يصل إلى درجة أن يصوم ذلك اليوم الذي فوت فيه صلاة الفجر في وقتها عقاباً لنفسه( كما ينصح أحد العلماء)..


وقد يصل الأمر إلى وضع خطير بأن يمر على المؤمن فترة طويلة لا يكاد يصلي صلاة فجر واحدة في داخل الوقت دون أن يحس بشيء من الندامة ولا حتى تأنيب الضمير ..


وخصوصا أن صلاة الفجر في جماعة دليل ارتباط العبد ارتباطاً وثيقاً بالصلاة ..



روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : من صلى الفجر في جماعة ، رفعت صلاته في صلاة الأبرار ، وكُتب يومئذ في وفد المتّقين.



هناك اختبار آخر يكشف عن موقع الصلاة في النفس هو عندما يرتب الإنسان وقته على أمر ما .. هل يضع في البال وقت الصلاة ..؟ هل يخرج إلى مكان وهو يعلم قطعاً أن ذلك سيؤخر الصلاة عن وقتها ؟ هل ينشغل بدراسة أو ماشابه ليؤخر الصلاة ويترك صلاة الجماعة.. ؟



الوقت الثمين:


قال تعالى: ( .. إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً) / سورة الحج ..



البعض يتخذ من صلاة الجماعة وقتاً لشغل فراغه، فلذلك عندما ينشغل بأي أمر يترك صلاة الجماعة والمسجد وربما صلاة أول الوقت كذلك لشغل يمكن تأجيله..


ولكن بعكس ذاك الذي اتخذ من صلاة الجماعة في المسجد برنامجاً ثابتاً ينطلق فيه إلى برامجه الأخرى، فهو ليس كأي وقت عنده يجعله في برنامجه اليومي فهو على رأس الأولويات، فكما أن الذهاب للعمل أمر ضروري وكما أن الدراسة والتحضير لها أمر ضروري ، فالصلاة أهم منهما .. وكما أن وجبة الطعام ضرورية، فالمسجد والجماعة ليست بأقل منها، فهي وجبة روحية دسمة …!!



فمن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام : واعلم يا محمد!.. أنّ كلَّ شيءتبع لصلاتك، واعلم أنَّمن ضيّع الصَّلاة فهو لغيرها أضيع



ومن ضيع صلاة الجماعة ظناً منه أنه يستغل وقته بشكل أكبر في عمل أو دراسة أو غيره لربما كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر وهو ضياع الوقت ..


فيضيع عليه الوقت دون استغلال مفيد كان قد خطط له نظرياًَ.. فبسوء تدبيره للوقت ضيع الأمرين.


والأعجب من ذلك أن يكون المؤمن فارغاً ولا يكلف نفسه الذهاب لبيت الله عز وجل وهو مستعد للذهاب إلى أي مكان سوى ذلك المكان الطاهر..


أين كان صاحبنا والمؤمنون قد أدوا صلاتهم جماعة وخرجوا كلُ بجائزة من ربه، أليس لكل ضيف إكرام وضيافة، والله سبحانه أولى بالكرامة .. فحاشا لرب العالمين أن يخيب عبده ..


فهذه الجموع المصلية لو وفدت إلى بيت كريم من كرماء الدنيا وتوسلوا به في توسل جماعة ، لما ردهم .. فكيف بأكرم الأكرمين .. !!


قال رسول الله (ص) : إنَّ اللهيستحيمن عبده إذا صلّىفي جماعة ، ثمَّ سأله حاجة أن ينصرف حتى يقضيها



فأين يكون المؤمن في تلك الساعة ..؟ هل شغله أكل أو دنيا أو نوم .. كل ذلك يستحق من الوقت الكثير، وأما الصلاة بين يدي الله عز وجل في نصف ساعة تقريباً في جماعة من المؤمنين فالأمر صعب والوقت ثمين .. !!


وعندما يفوت صلاة الجماعة بدون عذر أو يغيب عنها لفترة من الزمن ، هل يحس بالتحسر والندامة أم أن الأمر عنده كأن لم يكن .. ؟!


فأحياناً تمني التوفيق للعبادة وإن لم يوفق جيد في حد نفسه طبعاً مع السعي للأخذ بأسباب التوفيق لا مع الأوهام فقط ..



الجماعة والملتزمين:



المصيبة الكبرى أن التهاون بصلاة الجماعة والمسجد موجودة في صفوف الملتزمين والمحسوبين على هذا الخط المقدس.. خط الله سبحانه وخط الأنبياء والأوصياء عليهم السلام..


قد تراه عاملاً مكافحاً في خدمة الدين والمجتمع ولكنه غير محافظ على الصلاة وكما أشار أحد العلماء إلى أنه قد يحترف البعض ترويج الدين وخدمته إلى درجة أنه مستعد أن يخالف أوامر صاحب الدين بدعوى ترويجه ..


وقد يأخر الصلاة عن وقتها أو يترك الجماعة بدعوى عمل إسلامي في أثناء الصلاة .. وهل العمل الإسلامي أفضل من الصلاة؟ أم هل هذا ما يرضي الله سبحانه؟ فالله عز وجل يريد للعبد في وقت العمل الإسلامي أن يعمل ولكن عندما يحين وقت الصلاة فالباري جل ذكره لا يريده إلا أن يكون مصلياً .. فالعمل الإسلامي وهو العمل المقدس الذي يُثاب فاعله لا يُقدم على الصلاة .. فكيف باللهو واللغو .. ؟




أثر الصلاة ..:


الصلاة الحقيقية هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر كما يذكر القرآن ، فمن آثار الصلاة ترك الحرام ، وخصوصاً صلاة الجماعة حيث أنه روي عن الحسن بن علي (ع) انه قال : من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان : آية محكمة ، وأخا مستفادا ، وعلما مستطرفا ، ورحمة مُنتظرة ، وكلمة تدله على الهدى ، أو تردّه عن ردى ، وترك الذنوب حياء أو خشية .



فكثرة التردد على المساجد والجماعات لها أثره في ترقية النفس وكمالها من خلال إعطاء الصلاة هذا البعد وهو بعد إصلاح النفس .. لا أن يكون الإنسان عبداً لله تعالى داخل المسجد وأما خارجه فيكون عدو له من خلال عمله ..


فالبعض يكون من مرتادي المساجد والجماعات ولكنه لا يتورع عن الغيبة مثلاً .. هذا الإنسان لم يعطِ الصلاة ذلك البعد العظيم الذي ذكره القرآن من أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ..



الصلاة وصاحب الأمر- عجل الله فرجه- :


هناك صلاتان وجوبهما مشروط بظهور الحجة عجل الله فرجه وهما صلاة الجمعة وصلاة العيد .. فمن يلتزم بهما قدر الإمكان كانت له القابلية لنصرة الإمام عليه السلام ..


والالتزام بشكل عام بصلوات الجماعة والمساجد بمثابة تجديد عهد بصاحب الزمان .. فلا يكون تجديد العهد قولياً فقط من خلال بعض الأدعية الواردة .. بل هنا يكون من خلال الموقف ..فلا ينبغي للمؤمن في يوم الجمعة وهو اليوم المتوقع فيه ظهور الإمام عجل الله فرجه ان يفوت صلاة الجمعة إن أمكن أو على الأقل صلاة الجماعة.. فكأنما أقول له سلام الله عليه أنه يا سيدي أنا دائماً في الموعد ، موعد الصلاة، موعد لقاء الله سبحانه .. وهذا طبعاً يدخل السرور عليه .. ما أعظمه من أثر ..!!



عزيمة قوية:


إذا كانت مشكلتنا في العزيمة والإرادة .. فليسأل أحدنا نفسه .. إذا كانت عزيمتي لا تقوى على أداء ضروريات الدين ومنها الصلاة فكيف بالباقي ؟


فمولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه لا يريد مثل هذه العزيمة .. فأنصاره قطعاً من المحافظين على الصلاة في وقتها .. ولا يُستبعد بل من المحتمل جداً أنهم من المحافظين على صلوات الجماعة .. فأين نحن وأين نصرة الإمام ؟


فلنبدأ بالتغيير بإلتزامنا بصلوات الجماعة التي في واقعها لا تحتاج لمؤونة كبيرة ، فهي ليست صياماً طول النهار .. وليست إحياءً لليل كله وإن كان فضلها كذلك .. حيث ورد في الحديث الذي يرويه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من صلى العشاء في جماعة ، فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة ، فكأنما صلى الليل كله »


فالصلاة في المسجد وفي جماعة إعادة لبرمجة الحياة وتجديد النشاط الروحي بما لا يتيسر بالصلاة في المنزل .



صلاة الجماعة وحسرة يوم القيامة:



قد يبتعد المؤمن عن صلوات الجماعة وهو في كامل قوته وشبابه وصحته وعافيته، مضافاً إلى ذلك نعمة الأمان وربما الفراغ ، فهذا ليس شكراً لنعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى والروايات تؤكد أن الإنسان يًسأل عن شبابه فيما أفناه ..


فهو مع هذه الأمور وهذا الوضع المريح لم يعود نفسه على حضور المساجد فكيف إذا أشتدت الظروف وسُلب شيء من هذه النعم .. !


بينما نرى ذاك الأعمى يأتي إلى المسجد مع وجود الصعوبة في ذلك .. وذاك المعاق لا يترك صلاة الجماعة حتى صلاة الصبح .. بل حتى الطفل الذي لم يبلغ ولم يصبح تكليف الصلاة واجباً عليه ولكنه يلتزم بها ويداوم عليها في جماعة وفي بيت من بيوت الله عز وجل ..


فأين نحن من أولئك .. ؟


يوم القيامة وما أدرانا ما يوم القيامة .. ربما يأتي ذلك الشاب المعافى أمام ذلك المعاق أو الضرير أو حتى الطفل .. فعندها يكافئ ذلك بإلتزامه بصلوات الجماعة وهي التي لا يحصي ثوابها إلا الله تعالى ، وربما يلقى صاحبنا عتاباً عن سبب تفريطه في حضور صلاة الجماعة .. فمن يحتمل هذا العتاب .. ؟




وقفة مع أعدى الأعداء:



ابدأ في تهيئة نفسك للإلتزام بصلوات الجماعة في خمس فرائض ما أمكن .. فهناك من يلتزم بصلواته كلها في المسجد وفي جماعة .. فلنحاول ذلك بما أمكن .. فمن أحب شيئاً سعى جاهداً ليكون في أفضل صورة .. وكذلك الصلاة ، من تعلق بها وهي الدليل على تعلق القلب بالله سبحانه فسيسعى لأن تكون في أكمل صورة ظاهرية وهي الصلاة في المسجد وفي جماعة المسلمين ..


قال الصادق (عليه السلام) : من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيراً ، وأجيزوا شهادته




صلاة الجماعة والمسجد عند قادة الدين:


أئمتنا سلام الله عليهم وقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله أعطوا المسجد والجماعة أهمية كبيرة .. يكفي هذان الحديثان في فضل صلاة الجماعة ، ولو لم يرد غيرهما لكفى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..



قال الصادق (عليه السلام) : ألا ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة ، كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك ، وإن مات وهو على ذلك وكّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ، ويونسونه في وحدته ، ويستغفرون له حتى يبعث



وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): .. ومن مشى إلى مسجد من مساجد الله عز وجل فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشرحسنات ، ويمحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات . ومن حافظ علىالجماعةأين كان ، وحيث ما كان ، مرّ على الصراط كالبرقالخاطف اللامع في أول زمرة مع السابقين ، ووجهه أضوء من القمر ليلة البدر ، وكان لهبكل يوم وليلة يحافظ عليها ثواب شهيد .




سبعون ألف حسنة بكل خطوة ، وسبعون ألف ملك ، وسبعون ألف درجة ، وثواب شهيد .. ألا يكفينا هذا المقدار لنحرك جبال الغفلة من أنفسنا ونصمم على الالتزام بصلوات الجماعة ما أمكننا ..





فلنعاتب أنفسنا كلما ابتعدت عن مصادر النور .. عن المساجد والجماعة .. لعل هذا العتاب يخفف علينا عتاب يوم القيامة وعقابه بفضل منه سبحانه ..



قال الإمام الباقر (عليه السلام)):من لم يجعل له من نفسه واعظا ،فإنّ مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا)