كهف الوراء
05-02-2009, 04:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم
مقولة السلف في مقتل الامام الحسين عليه السلام
حسن الهاشمي
من قتل الإمام الحسين(عليه السلام ).....................؟! هل الشيعة هم الذين قتلوه .....؟
أم أهل السنة........ ؟
أم عبيد الله بن زياد ........؟
أم يزيد بن معاوية .........؟
أم من..... ؟
وأنا أتصفح بعض المواقع السلفية في الانترنيت استوقفني مقالاً أورد فيه كاتبه معلومات أراد من خلالها إلصاق جريمة قتل الإمام الحسين(عليه السلام) بشيعة أهل البيت، إذ سرد نماذج من أقوال ومكاتبات أهل الكوفة إلى الإمام واستنتج منها أن الذين قتلوه هم شيعته، وبرّأ بذلك ساحة يزيد وحاشيته وأتباعه من تلك الجريمة النكراء....!
ومن ضمن ما ذكر صاحب المقال: الحقيقة المفاجئة أننا نجد العديد من كتب الشيعة تقرر وتؤكد أن شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين. فقد قال السيد محسن الأمين " بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه " ( أعيان الشيعة 34:1 ).
وكانوا تعساً للحسين حيث كان يناديهم قبل أن يقتلوه: " ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، و أنما تقدم على جند مجندة؟ تباً لكم أيها الجماعة حين استرخصتمونا والهين، فشحذتم علينا سيفاً كان بأيدينا، وحششتم ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً أوليائكم وسحقاً، و يداً على أعدائكم. استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب، وتهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً، بعداً لطواغيت هذه الأمة "
( الاحتجاج للطبرسي ).
ثم ناداهم الحر بن يزيد، أحد أصحاب الحسين وهو واقف في كربلاء فقال لهم " أدعوتم هذا العبد الصالح، حتى إذا جاءكم أسلمتموه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم؟ لا سقاكم الله يوم الظمأ "( الإرشاد للمفيد 234 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 242).
وهنا دعا الحسين على شيعته قائلاً : " اللهم إن متعتهم إلى حين، ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا " ( الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38 ).
ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال: " هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا ؟ " أي من قتلنا غيرهم ( تاريخ اليعقوبي 235:1 ).
وبعد أن أورد الكاتب هذه النصوص تفتقت عبقريته بما يصبو إليه قائلاً: تبين لنا مَن هم قَتَلَةُ الحُسين الحقيقيون، إنهم شيعته من أهل الكوفة، فلماذا نُحَمِّلُ أهل السنة مسؤولية مقتل الحسين عليه السلام .... ؟!
وأردف أيضاً: هذه كتب الشيعة بأرقام صفحاتها تبين بجلاء أن الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته هم أنفسهم الذين قتلوه ثم ذرفوا عليه الدموع، وتظاهروا بالبكاء، ولا يزالون يمشون في جنازة من قتلوه إلى يومنا هذا.
الذي لديه أقل إلمام بالتاريخ يذعن أن كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) المذكورة إنما قالها لأولئك القوم المجتمعين على قتله في كربلاء، وهم مجاميع من الناس استنفرهم عبيد الله بن زياد لقتل الحسين (عليه السلام)، ولم يكونوا من الشيعة، بل ليس فيهم شيعي واحد معروف، فكيف يصح أن يقال: إن قتلة الحسين كانوا من الشيعة.......؟!
الذين خرجوا لقتال الحسين (عليه السلام) كانوا من أهل الكوفة، والكوفة في ذلك الوقت لم يكن يسكنها شيعي معروف بتشيعه، فإن معاوية لما ولَّى زياد بن أبيه على الكوفة تعقَّب الشيعة، فقتلهم وهدم دورهم وحبسهم حتى لم يبق بالكوفة رجل واحد معروف بأنه من شيعة علي (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كُورة وعلى كل منبر يلعنون عليًّا ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة، وضم إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي (عليه السلام)، فقتلهم تحت كل حَجَر ومَدَر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسَمَل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم(شرح نهج البلاغة 3/15، الطبعة المحققة
11/44).
إلى أن قال: ثم كتب إلى عمَّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيِّنة أنه يحب عليًّا وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى: (من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكِّلوا به، واهدموا داره). فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه في العراق، ولا سيما الكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرَّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدِّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنَّ عليه.
وقال ابن الأثير في الكامل: وكان زياد أول من شدد أمر السلطان، وأكّد الملك لمعاوية، وجرَّد سيفه، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناس خوفاً شديداً حتى أمن بعضهم بعض( الكامل في التاريخ 3/450)
وقال ابن حجر في لسان الميزان: وكان زياد قوي المعرفة، جيد السياسة، وافر العقل، وكان من شيعة علي، وولاَّه إمرة القدس، فلما استلحقه معاوية صار أشد الناس على آل علي وشيعته، وهو الذي سعى في قتل حجر بن عدي ومن معه( لسان الميزان 2/495).
من كل ذلك يتضح أن الكوفة لم يبق بها شيعي معروف خرج لقتال الحسين (عليه السلام)، فكيف يصح ادِّعاء الكاتب بأن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) ؟ ولا يمكن أن يتوهم منصف أن من كتب للحسين(عليه السلام) هم شيعته، لأن من كتب للحسين لم يكونوا معروفين بتشيع، كشبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، وعمرو ابن الحجاج وعمر بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم. وكل هؤلاء لا يُعرفون بتشيع ولا بموالاةٍ لعلي (عليه السلام) بل النصوص تدل على أنهم من جمهور المسلمين.
وكونهم محكومين بأنّهم كانوا ممّن أرسلوا إلى الإمام الحسين( عليه السلام ) برسائل تدعوه للمجيء إلى الكوفة، لا يدل على أنهم شيعة الحسين( عليه السلام )، لأنهم كانوا يتعاملون معه( عليه السلام ) باعتباره صحابي، وسبط الرسول( صلى الله عليه وآله )، وله أهلية الخلافة والقيادة، لا باعتبار أنّه( عليه السلام ) إمام من الأئمة الأثني عشر، وأن إمامته إلهية, وأنّه معصوم، وأنّه هو أحقّ بالخلافة من غيره، إضافة إلى أنه بات من الواضحات أن مبايعة رجل لا تعني التشيع له، وإلا لزم أن يقال: ( إن كل الصحابة والتابعين الذين بايعوا أمير المؤمنين(عليه السلام) قد تشيَّعوا له، وهذا أمر لا يسلِّم به القوم......!!
وكون بعض الذين شاركوا في قتل الحسين(عليه السلام) محكومين بأنّهم كانوا تحت إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( عليه السلام ) برهة من الزمن أثناء توليه الخلافة لا يدل على أنهم شيعته( عليه السلام )، كما أنّه ليس كلّ من صلّى خلف الإمام علي( عليه السلام ) أو قاتل في جيشه، هو شيعي بالضرورة، لأنّ الإمام علي( عليه السلام ) يعتبر الخليفة الرابع للمسلمين، فالكلّ يقبله بهذا الاعتبار، لا باعتبار أنّه معصوم، وأنّه الخليفة بعد رسول الله( صلى الله عليه وآله ) مباشرة.
ثم أن الشيعة في الكوفة يمثّلون سبع سكّانها، وهم (15) ألف شخص، كما نقل لنا التاريخ، وكثير منهم زجّوا في السجون، وقسم منهم أعدموا، وقسم منهم سفّروا إلى الموصل وخراسان، وقسم منهم شرّدوا، وقسم منهم حيل بينهم وبين الإمام الحسين ( عليه السلام )، مثل بني غاضرة، وقسم منهم استطاعوا أن يصلوا إليه ( عليه السلام ) ويقاتلوا معه.
إذن, شيعة الكوفة لم تقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنّما أهل الكوفة ـ من غير الشيعة ـ قتلوه(عليه السلام) بمختلف قومياتهم ومذاهبهم.
صحيح أن أكثر الشيعة كانوا في الكوفة، لكن هذا لا يعني أن أكثر أهل الكوفة من الشيعة. والدليل على أن الشيعة كانوا أقليّة في الكوفة، هو عدّة قضايا:
منها: ما ذكرته جميع التواريخ، من أن علياً ( عليه السلام ) لما تولّى الخلافة، أراد أن يغيّر التراويح، فضجّ الناس بوجهه في المسجد، وقالوا: وا سنّة عمراه.
ومنها: في الفقه الإسلامي إذا قيل: هذا رأي كوفي، فهو رأي حنفي، لا رأي جعفري.
ويمكن أن يقال: أن الشيعة من أهل الكوفة على قسمين:
1ـ شيعة يعتقدون بالتولي والتبري، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد، الذي حارب الإمام الحسين( عليه السلام )، بل إما استشهدوا معه( عليه السلام )، أو كانوا في السجون، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادته( عليه السلام ).
2ـ شيعة يعتقدون بالتولي دون التبري، يعني يحبون أهل البيت ( عليهم السلام )، ويمكن أن يحبوا غيرهم تناغماً مع مصالحهم، وهؤلاء لا يرون أن الإمامة منصب إلهي وبالنص، ربما كان منهم من بايع الإمام الحسين( عليه السلام ) في أول الأمر، ثم صار إلى جيش عمر بن سعد.
وكل ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة، فإنما تحمل على الشيعة من القسم الثاني، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض للطاغوت، وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية، وما إلى ذلك من أصول التشيع.
ظلت الهواجس تراود أولئك الذين كاتبوا الإمام الحسين(عليه السلام) إذ طلبوا منه المجيء إلى الكوفة لحلحلة الوضع المتأزم نتيجة الخروقات الأموية الخطيرة التي ضربت بأطنابها كل ما يمت بالشأن الإسلامي والأخلاقي، باعتبار أن الإمام هو الراعي للأمة بعد الرسول وهو الامتداد الطبيعي للرسالة، بيد أن هشاشة إيمان القوم قد بدد أحلامهم وفتت هواجسهم، وبين عشية وضحاها حوّل البطش الأموي كتبهم إلى سيوف مسلطة على أعناق رواد الحركة الإصلاحية، الإمام الحسين والثلة المؤمنة الذين دافعوا عنه ذلك الدفاع المستميت حتى نالوا الشهادة في سبيل الدين والأخلاق والعقيدة.
وبدأ العد العكسي في انتكاسة القوم عندما ولّى يزيد بن معاوية ولاية الكوفة لعبيد الله بن زياد وكان واليا على البصرة فضم إليه الكوفة، وبعث إليه بعهده إلى الكوفة مع عمرو الباهلي، فأقبل عبيد الله بن زياد مسرعاً إلى الكوفة لا يلوي على شيء حتى دخلها ومعه بضعة عشر رجلاً متـنكراً بزي أهل الحجاز، فظن الناس انه الحسين (عليه السلام) لأنهم ينتظرون قدومه. فأخذ لا يمر على أحد من الناس إلا وسلموا عليه وقالوا مرحباً بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم وهو لا يكلمهم حتى جاء القصر، فسمع النعمان بن بشير فأغلق القصر عليه، ولما انتهى إلى القصر فأطل النعمان بن بشير من بـيـن شرفتي القصر قائلا:
(أنشدك الله إلا تـنحيت عني ما أنا بمسلم لك أمانتي ومالي في قتلك من أرب) ظاناً انه الحسين (عليه السلام) فأزال عبيد الله اللثام عن وجهه وقال: (افتح لا فتحت فقد طال ليلك وشيدت قصرك وضيعت مصرك) (الوثائق الرسمية لثورة الحسين (عليه السلام): ص57)
عندها عرف النعمان والناس أنه عبيد الله بن زياد، ففتح النعمان باب القصر ودخل ثم نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم وصعد المنبر وخطب فيهم خطبة شديدة اللهجة، أوضحت سياسته المتشددة جاء فيها:
(فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي) (الوثائق الرسمية لثورة الحسين (عليه السلام): ص60)
إضافة إلى ما ذكر أن ثمة أمور أخرى يمكن التعويل عليها، بأن تلك الشرذمة المتمردة التي خرجت لقتال الحسين(عليه السلام) لا تمت إلى التشيع، بل إلى الإسلام بأية صلة نوجزها بما يلي:
أولاً: القول بأن الشيعة قتلوا الحسين (عليه السلام) فيه تناقض واضح، وذلك لأن شيعة الرجل هم أنصاره وأتباعه ومحبّوه، وأما قتلته فليسوا كذلك، فكيف تجتمع فيهم المحبة والنصرة له مع حربه وقتله...؟!
ولو سلَّمنا جدلاً بأن بعض قتلة الحسين كانوا من الشيعة، فإنهم لما اجتمعوا لقتاله فقد انسلخوا عن تشيعهم، فصاروا من غيرهم ثم قتلوه.
ثانياً: أن الحسين (عليه السلام) قد وصفهم في يوم عاشوراء بأنهم شيعة آل أبي سفيان، فقال(عليه السلام): ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون(مقتل الحسين للخوارزمي 2/38. بحار الأنوار 45/51. اللهوف في قتلى الطفوف، ص 45).
ولم نرَ بعد التتبع في كل كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء وخُطَبه في القوم واحتجاجاته عليهم أنه وصفهم بأنهم كانوا من شيعته أو من الموالين له ولأبيه. كما أنّا لم نرَ في كلمات غيره(عليه السلام) من وصفهم بهذا الوصف. وهذا دليل واضح على أن هؤلاء القوم لم يكونوا من شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يكونوا من مواليهم.
ثالثاً: أن القوم كانوا شديدي العداوة للحسين (عليه السلام)، إذ منعوا عنه الماء وعن أهل بيته، وقتلوه (سلام الله عليه) وكل أصحابه وأهل بيته، وقطعوا رؤوسهم، وداسوا أجسامهم بخيولهم، وسبوا نساءهم، ونهبوا ما على النساء من حلي... وغير ذلك.
مواقف الذين قاتلوا الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومن معه يوم عاشوراء، تدل على أنهم ليسوا بشيعة له، من قبيل منعهم الماء عليه، فيخاطبهم برير بن خضير بقوله: (… وهذا ماء الفرات، تقع فيه خنازير السواد وكلابه، قد حيل بينه وبين ابن رسول الله صلى الله عليه وأله ).
فقالوا: (يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف، والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله) يقصد: عثمان بن عفّان.
فهل هذا جواب شيعي..... ؟!!
قال ابن الأثير في الكامل: ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه مَن ينتدب إلى الحسين فيُوطئه فرسه، فانتدب عشرة، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره(الكامل لابن الأثير 4/80) وكل هذه الأفعال لا يمكن صدورها إلا من حاقد شديد العداوة، فكيف يُتعقَّل صدورها من شيعي مُحِب...؟!
رابعاً: إن بعض قتَلَة الحسين قالوا له (عليه السلام): إنما نقاتلك بغضاً لأبيك(ينابيع المودة، ص 346).
ولا يمكن تصوّر تشيع هؤلاء مع تحقق بغضهم للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)....!
وقال بعضهم: يا حسين، يا كذاب ابن الكذاب
(الكامل لابن الأثير 4/67).
وقال آخر: يا حسين أبشر بالنار
( الكامل لابن الأثير 4/66. البداية والنهاية 8/183).
وقال ثالث للحسين (عليه السلام) وأصحابه: إنها ـ يعني الصلاة ـ لا تُقْبَل منكم( البداية والنهاية 8/185).
وقالوا غير هذه من العبارات الدالة على ما في سرائرهم من الحقد والبغض لأمير المؤمنين وللحسين (عليهما السلام) خاصة ولأهل البيت (عليهم السلام) عامة.
خامساً: أن المتأمِّرين وأصحاب القرار لم يكونوا من الشيعة، وهم يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث بن قيس، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وعبد الله بن زهير الأزدي، وعروة بن قيس الأحمسي، وشبث بن ربعي اليربوعي، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، والحصين بن نمير، وحجار بن أبجر. وكذا كل من باشر قتل الحسين أو قتل واحداً من أهل بيته وأصحابه كسنان بن أنس النخعي، وحرملة بن كاهل، ومنقذ بن مرة العبدي، وأبي الحتوف الجعفي، ومالك بن نسر الكندي، وعبد الرحمن الجعفي، والقشعم بن نذير الجعفي، وبحر بن كعب بن تيم الله، وزرعة بن شريك التميمي، وصالح بن وهب المري، وخولي بن يزيد الأصبحي، وحصين بن تميم وغيرهم.
بل لا تجد رجلاً شارك في قتل الحسين (عليه السلام) معروفاً بأنه من الشيعة، فراجع ما حدث في كربلاء يوم عاشوراء ليتبين لك صحة ما قلناه.
سادساً: أن يزيد بن معاوية حمل ( ابن مرجانة ) عبيد الله بن زياد مسؤولية قتل الحسين (عليه السلام) دون غيره من الناس. فقد أخرج ابن كثير في البداية والنهاية، والذهبي في سير أعلام النبلاء وغيرهما عن يونس بن حبيب قال: لما قتل عبيدُ الله الحسينَ وأهله بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أولاً، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما عليَّ لو احتملتُ الأذى، وأنزلتُ الحسين معي، وحكَّمته فيما يريد، وإن كان عليَّ في ذلك وهن، حفظاً لرسول الله (ص) ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة ـ يعني عبيد الله ـ فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العداوة(سير أعلام النبلاء 3/317. البداية والنهاية 8/235. الكامل في التاريخ 4/87).
وللمزيد من الفائدة، نذكر لكم نص كلام السيد الأمين في كتابه أعيان الشيعة 1 / 585:
(حاشى لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين، وبعضهم أجلاف أشرار، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا إلى قتاله، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد، أما شيعته المخلصون فكانوا له أنصاراً، وما برحوا حتى قتلوا دونه، ونصروه بكل ما في جهدهم، إلى آخر ساعة من حياتهم، وكثير منهم لم يتمكن من نصرته، أو لم يكن عالماً بأن الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه، وبعضهم خاطر بنفسه، وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة، وجاء لنصرته حتى قتل معه، أما أن أحداً من شيعته ومحبيه قاتله فذلك لم يكن، وهل يعتقد أحد إن شيعته الخلص كانت لهم كثرة مفرطة؟ كلا، فما زال أتباع الحق في كل زمان أقل قليل، ويعلم ذلك بالعيان، وبقوله تعالى: وقليل من عبادي الشكور).
الحقيقة التي لا غبار عليها أن الإمام الحسين(عليه السلام) هو مقياس الخير بكل ما تحمل الكلمة من معنى، سيرته وإشادة الرسول به خير دليل على ذلك، بيد أن يزيد بن معاوية يمثل الباطل بقتله ابن بنت رسول الله، وطمسه للسنن وإحياءه للبدع، وبطبيعة الحال أن شبيه الشيء منجذب إليه، فأهل الخير ينجذبون إلى الحسين حتى لو كانوا من غير الدين والمذهب كالنصراني وهب والعثماني زهير، وأهل الشر والنفاق يلهثون وراء مصالحهم وملذاتهم وأنها كانت حاضرة في حاضنة يزيد ومن يسير في فلكه، فالعبرة بالهداية والعاقبة، فأنها من نصيب أهل الصلاح والتقوى بغض النظر عن انتماءاتهم.
وحسبك بحديث زهير بن القين وكان عثمانياً أبغض شيء إليه أن ينازل الحسين (عليه السلام) في منزل، فما اجتمع به وكلّمه بضع كلمات حتى طلّق الدنيا وزوجته وفداه بنفسه.
وقال أبو مخنف: لما عارض الحر بن يزيد الحسين
( عليه السلام ) في الطريق وأراد أن ينزله حيث يريد فأبى الحسين عليه، ثم إنه سايره، فلما بلغ ذا حسم خطب أصحابه خطبته التي يقول فيها : " أما بعد، فإنه نزل بنا من الأمر ما قد ترون " الخ، فقام زهير وقال لأصحابه: أتتكلمون أم أتكلم ؟ قالوا: بل تكلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد سمعنا هداك الله يا بن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين وقال له خيرا (تاريخ الطبري 3/307) .
وخرج إليهم زهير بن القين على فرس ذنوب وهو شاك في السلاح وقال: يا أهل الكوفة حذار لكم من عذاب الله، إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة.
إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد
( صلى الله عليه وآله وسلم) لينظر ما نحن وأنتم عاملون، وإنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما، يسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه".
فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلماً.
فقال زهير: عباد الله.. إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد.فرماه شمر بسهم وهو يقول: أسكت، أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك!.
فقال زهير: ما إياك أخاطب، إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
فقال الشمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة..
فقال زهير: أفبالموت تخوفني، فو الله للموت معه أحب إليّ من الخلد معكم.
عباد الله.. لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فو الله لا ينال شفاعة محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
فناداه رجل من أصحابه: إن أبا عبد الله يقول لك أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء فقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والبلاغ.
فالعبارة واضحة "فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة" ولما وقع السيف فعلاً في عاشوراء عام 61هـ بين معسكر الإمام وبين معسكر يزيد، فأن الحسين وشيعته يمثلون أمة الإسلام ويزيد وأتباعه يمثلون أمة الكفر، فالبحث السلفي في أن قتلة الإمام الحسين هل كانوا من الشيعة أو غيرهم منتفي لانتفاء موضوعه، لأنه لا شيعة في البين في أوساط معسكر بن زياد حتى يصار هل أن الذين قتلوا الإمام كانوا من الشيعة أم لا...؟!
حيث أن البحث سالب لانتفاء موضوعه كما أسلفنا.
إذن لماذا يتطرقون لمثل هكذا أبحاث وهم يعلمون بتناقضها ومجافاتها للحقيقة والصواب...؟!
يتطرقون إليها لأنها تصب في أدبياتهم التي طالما يتمشدقون بها في الدفاع عن كل طواغيت الأرض وجبابرة الحكم أمثال معاوية ويزيد وصدام ومن لف لفهم، ولأجل هذا كانت سهام الحقد السلفي الملحد وما زالت موجهة بالذات إلى فكر أهل البيت عليهم السلام المختزل في صدور كما يسمونهم "الروافض"، ولكن روافض الظلم والجور والتعسف التي تطفح من الأنظمة الفاسدة المتسلطة على رقاب المسلمين، والشيعة في حقيقة الأمر المشروع الإصلاحي الوحيد الذي يحافظ على جوهر الرسالة من كل زيغ وانحراف في زمن كثر واتره وقل ناصره.
اللهم العن أول ظالم ظلم محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك اللهم العن العصبابة التي جاهدت الحسين(ع) وشايعت وبايعت وتابعت على قتله اللهم العنهم جميعاً.
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم
مقولة السلف في مقتل الامام الحسين عليه السلام
حسن الهاشمي
من قتل الإمام الحسين(عليه السلام ).....................؟! هل الشيعة هم الذين قتلوه .....؟
أم أهل السنة........ ؟
أم عبيد الله بن زياد ........؟
أم يزيد بن معاوية .........؟
أم من..... ؟
وأنا أتصفح بعض المواقع السلفية في الانترنيت استوقفني مقالاً أورد فيه كاتبه معلومات أراد من خلالها إلصاق جريمة قتل الإمام الحسين(عليه السلام) بشيعة أهل البيت، إذ سرد نماذج من أقوال ومكاتبات أهل الكوفة إلى الإمام واستنتج منها أن الذين قتلوه هم شيعته، وبرّأ بذلك ساحة يزيد وحاشيته وأتباعه من تلك الجريمة النكراء....!
ومن ضمن ما ذكر صاحب المقال: الحقيقة المفاجئة أننا نجد العديد من كتب الشيعة تقرر وتؤكد أن شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين. فقد قال السيد محسن الأمين " بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه " ( أعيان الشيعة 34:1 ).
وكانوا تعساً للحسين حيث كان يناديهم قبل أن يقتلوه: " ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، و أنما تقدم على جند مجندة؟ تباً لكم أيها الجماعة حين استرخصتمونا والهين، فشحذتم علينا سيفاً كان بأيدينا، وحششتم ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً أوليائكم وسحقاً، و يداً على أعدائكم. استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب، وتهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً، بعداً لطواغيت هذه الأمة "
( الاحتجاج للطبرسي ).
ثم ناداهم الحر بن يزيد، أحد أصحاب الحسين وهو واقف في كربلاء فقال لهم " أدعوتم هذا العبد الصالح، حتى إذا جاءكم أسلمتموه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم؟ لا سقاكم الله يوم الظمأ "( الإرشاد للمفيد 234 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 242).
وهنا دعا الحسين على شيعته قائلاً : " اللهم إن متعتهم إلى حين، ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا " ( الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38 ).
ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال: " هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا ؟ " أي من قتلنا غيرهم ( تاريخ اليعقوبي 235:1 ).
وبعد أن أورد الكاتب هذه النصوص تفتقت عبقريته بما يصبو إليه قائلاً: تبين لنا مَن هم قَتَلَةُ الحُسين الحقيقيون، إنهم شيعته من أهل الكوفة، فلماذا نُحَمِّلُ أهل السنة مسؤولية مقتل الحسين عليه السلام .... ؟!
وأردف أيضاً: هذه كتب الشيعة بأرقام صفحاتها تبين بجلاء أن الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته هم أنفسهم الذين قتلوه ثم ذرفوا عليه الدموع، وتظاهروا بالبكاء، ولا يزالون يمشون في جنازة من قتلوه إلى يومنا هذا.
الذي لديه أقل إلمام بالتاريخ يذعن أن كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) المذكورة إنما قالها لأولئك القوم المجتمعين على قتله في كربلاء، وهم مجاميع من الناس استنفرهم عبيد الله بن زياد لقتل الحسين (عليه السلام)، ولم يكونوا من الشيعة، بل ليس فيهم شيعي واحد معروف، فكيف يصح أن يقال: إن قتلة الحسين كانوا من الشيعة.......؟!
الذين خرجوا لقتال الحسين (عليه السلام) كانوا من أهل الكوفة، والكوفة في ذلك الوقت لم يكن يسكنها شيعي معروف بتشيعه، فإن معاوية لما ولَّى زياد بن أبيه على الكوفة تعقَّب الشيعة، فقتلهم وهدم دورهم وحبسهم حتى لم يبق بالكوفة رجل واحد معروف بأنه من شيعة علي (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كُورة وعلى كل منبر يلعنون عليًّا ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة، وضم إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي (عليه السلام)، فقتلهم تحت كل حَجَر ومَدَر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسَمَل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم(شرح نهج البلاغة 3/15، الطبعة المحققة
11/44).
إلى أن قال: ثم كتب إلى عمَّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيِّنة أنه يحب عليًّا وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى: (من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكِّلوا به، واهدموا داره). فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه في العراق، ولا سيما الكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرَّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدِّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنَّ عليه.
وقال ابن الأثير في الكامل: وكان زياد أول من شدد أمر السلطان، وأكّد الملك لمعاوية، وجرَّد سيفه، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناس خوفاً شديداً حتى أمن بعضهم بعض( الكامل في التاريخ 3/450)
وقال ابن حجر في لسان الميزان: وكان زياد قوي المعرفة، جيد السياسة، وافر العقل، وكان من شيعة علي، وولاَّه إمرة القدس، فلما استلحقه معاوية صار أشد الناس على آل علي وشيعته، وهو الذي سعى في قتل حجر بن عدي ومن معه( لسان الميزان 2/495).
من كل ذلك يتضح أن الكوفة لم يبق بها شيعي معروف خرج لقتال الحسين (عليه السلام)، فكيف يصح ادِّعاء الكاتب بأن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) ؟ ولا يمكن أن يتوهم منصف أن من كتب للحسين(عليه السلام) هم شيعته، لأن من كتب للحسين لم يكونوا معروفين بتشيع، كشبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، وعمرو ابن الحجاج وعمر بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم. وكل هؤلاء لا يُعرفون بتشيع ولا بموالاةٍ لعلي (عليه السلام) بل النصوص تدل على أنهم من جمهور المسلمين.
وكونهم محكومين بأنّهم كانوا ممّن أرسلوا إلى الإمام الحسين( عليه السلام ) برسائل تدعوه للمجيء إلى الكوفة، لا يدل على أنهم شيعة الحسين( عليه السلام )، لأنهم كانوا يتعاملون معه( عليه السلام ) باعتباره صحابي، وسبط الرسول( صلى الله عليه وآله )، وله أهلية الخلافة والقيادة، لا باعتبار أنّه( عليه السلام ) إمام من الأئمة الأثني عشر، وأن إمامته إلهية, وأنّه معصوم، وأنّه هو أحقّ بالخلافة من غيره، إضافة إلى أنه بات من الواضحات أن مبايعة رجل لا تعني التشيع له، وإلا لزم أن يقال: ( إن كل الصحابة والتابعين الذين بايعوا أمير المؤمنين(عليه السلام) قد تشيَّعوا له، وهذا أمر لا يسلِّم به القوم......!!
وكون بعض الذين شاركوا في قتل الحسين(عليه السلام) محكومين بأنّهم كانوا تحت إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( عليه السلام ) برهة من الزمن أثناء توليه الخلافة لا يدل على أنهم شيعته( عليه السلام )، كما أنّه ليس كلّ من صلّى خلف الإمام علي( عليه السلام ) أو قاتل في جيشه، هو شيعي بالضرورة، لأنّ الإمام علي( عليه السلام ) يعتبر الخليفة الرابع للمسلمين، فالكلّ يقبله بهذا الاعتبار، لا باعتبار أنّه معصوم، وأنّه الخليفة بعد رسول الله( صلى الله عليه وآله ) مباشرة.
ثم أن الشيعة في الكوفة يمثّلون سبع سكّانها، وهم (15) ألف شخص، كما نقل لنا التاريخ، وكثير منهم زجّوا في السجون، وقسم منهم أعدموا، وقسم منهم سفّروا إلى الموصل وخراسان، وقسم منهم شرّدوا، وقسم منهم حيل بينهم وبين الإمام الحسين ( عليه السلام )، مثل بني غاضرة، وقسم منهم استطاعوا أن يصلوا إليه ( عليه السلام ) ويقاتلوا معه.
إذن, شيعة الكوفة لم تقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنّما أهل الكوفة ـ من غير الشيعة ـ قتلوه(عليه السلام) بمختلف قومياتهم ومذاهبهم.
صحيح أن أكثر الشيعة كانوا في الكوفة، لكن هذا لا يعني أن أكثر أهل الكوفة من الشيعة. والدليل على أن الشيعة كانوا أقليّة في الكوفة، هو عدّة قضايا:
منها: ما ذكرته جميع التواريخ، من أن علياً ( عليه السلام ) لما تولّى الخلافة، أراد أن يغيّر التراويح، فضجّ الناس بوجهه في المسجد، وقالوا: وا سنّة عمراه.
ومنها: في الفقه الإسلامي إذا قيل: هذا رأي كوفي، فهو رأي حنفي، لا رأي جعفري.
ويمكن أن يقال: أن الشيعة من أهل الكوفة على قسمين:
1ـ شيعة يعتقدون بالتولي والتبري، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد، الذي حارب الإمام الحسين( عليه السلام )، بل إما استشهدوا معه( عليه السلام )، أو كانوا في السجون، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادته( عليه السلام ).
2ـ شيعة يعتقدون بالتولي دون التبري، يعني يحبون أهل البيت ( عليهم السلام )، ويمكن أن يحبوا غيرهم تناغماً مع مصالحهم، وهؤلاء لا يرون أن الإمامة منصب إلهي وبالنص، ربما كان منهم من بايع الإمام الحسين( عليه السلام ) في أول الأمر، ثم صار إلى جيش عمر بن سعد.
وكل ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة، فإنما تحمل على الشيعة من القسم الثاني، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض للطاغوت، وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية، وما إلى ذلك من أصول التشيع.
ظلت الهواجس تراود أولئك الذين كاتبوا الإمام الحسين(عليه السلام) إذ طلبوا منه المجيء إلى الكوفة لحلحلة الوضع المتأزم نتيجة الخروقات الأموية الخطيرة التي ضربت بأطنابها كل ما يمت بالشأن الإسلامي والأخلاقي، باعتبار أن الإمام هو الراعي للأمة بعد الرسول وهو الامتداد الطبيعي للرسالة، بيد أن هشاشة إيمان القوم قد بدد أحلامهم وفتت هواجسهم، وبين عشية وضحاها حوّل البطش الأموي كتبهم إلى سيوف مسلطة على أعناق رواد الحركة الإصلاحية، الإمام الحسين والثلة المؤمنة الذين دافعوا عنه ذلك الدفاع المستميت حتى نالوا الشهادة في سبيل الدين والأخلاق والعقيدة.
وبدأ العد العكسي في انتكاسة القوم عندما ولّى يزيد بن معاوية ولاية الكوفة لعبيد الله بن زياد وكان واليا على البصرة فضم إليه الكوفة، وبعث إليه بعهده إلى الكوفة مع عمرو الباهلي، فأقبل عبيد الله بن زياد مسرعاً إلى الكوفة لا يلوي على شيء حتى دخلها ومعه بضعة عشر رجلاً متـنكراً بزي أهل الحجاز، فظن الناس انه الحسين (عليه السلام) لأنهم ينتظرون قدومه. فأخذ لا يمر على أحد من الناس إلا وسلموا عليه وقالوا مرحباً بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم وهو لا يكلمهم حتى جاء القصر، فسمع النعمان بن بشير فأغلق القصر عليه، ولما انتهى إلى القصر فأطل النعمان بن بشير من بـيـن شرفتي القصر قائلا:
(أنشدك الله إلا تـنحيت عني ما أنا بمسلم لك أمانتي ومالي في قتلك من أرب) ظاناً انه الحسين (عليه السلام) فأزال عبيد الله اللثام عن وجهه وقال: (افتح لا فتحت فقد طال ليلك وشيدت قصرك وضيعت مصرك) (الوثائق الرسمية لثورة الحسين (عليه السلام): ص57)
عندها عرف النعمان والناس أنه عبيد الله بن زياد، ففتح النعمان باب القصر ودخل ثم نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم وصعد المنبر وخطب فيهم خطبة شديدة اللهجة، أوضحت سياسته المتشددة جاء فيها:
(فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي) (الوثائق الرسمية لثورة الحسين (عليه السلام): ص60)
إضافة إلى ما ذكر أن ثمة أمور أخرى يمكن التعويل عليها، بأن تلك الشرذمة المتمردة التي خرجت لقتال الحسين(عليه السلام) لا تمت إلى التشيع، بل إلى الإسلام بأية صلة نوجزها بما يلي:
أولاً: القول بأن الشيعة قتلوا الحسين (عليه السلام) فيه تناقض واضح، وذلك لأن شيعة الرجل هم أنصاره وأتباعه ومحبّوه، وأما قتلته فليسوا كذلك، فكيف تجتمع فيهم المحبة والنصرة له مع حربه وقتله...؟!
ولو سلَّمنا جدلاً بأن بعض قتلة الحسين كانوا من الشيعة، فإنهم لما اجتمعوا لقتاله فقد انسلخوا عن تشيعهم، فصاروا من غيرهم ثم قتلوه.
ثانياً: أن الحسين (عليه السلام) قد وصفهم في يوم عاشوراء بأنهم شيعة آل أبي سفيان، فقال(عليه السلام): ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون(مقتل الحسين للخوارزمي 2/38. بحار الأنوار 45/51. اللهوف في قتلى الطفوف، ص 45).
ولم نرَ بعد التتبع في كل كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء وخُطَبه في القوم واحتجاجاته عليهم أنه وصفهم بأنهم كانوا من شيعته أو من الموالين له ولأبيه. كما أنّا لم نرَ في كلمات غيره(عليه السلام) من وصفهم بهذا الوصف. وهذا دليل واضح على أن هؤلاء القوم لم يكونوا من شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يكونوا من مواليهم.
ثالثاً: أن القوم كانوا شديدي العداوة للحسين (عليه السلام)، إذ منعوا عنه الماء وعن أهل بيته، وقتلوه (سلام الله عليه) وكل أصحابه وأهل بيته، وقطعوا رؤوسهم، وداسوا أجسامهم بخيولهم، وسبوا نساءهم، ونهبوا ما على النساء من حلي... وغير ذلك.
مواقف الذين قاتلوا الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومن معه يوم عاشوراء، تدل على أنهم ليسوا بشيعة له، من قبيل منعهم الماء عليه، فيخاطبهم برير بن خضير بقوله: (… وهذا ماء الفرات، تقع فيه خنازير السواد وكلابه، قد حيل بينه وبين ابن رسول الله صلى الله عليه وأله ).
فقالوا: (يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف، والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله) يقصد: عثمان بن عفّان.
فهل هذا جواب شيعي..... ؟!!
قال ابن الأثير في الكامل: ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه مَن ينتدب إلى الحسين فيُوطئه فرسه، فانتدب عشرة، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره(الكامل لابن الأثير 4/80) وكل هذه الأفعال لا يمكن صدورها إلا من حاقد شديد العداوة، فكيف يُتعقَّل صدورها من شيعي مُحِب...؟!
رابعاً: إن بعض قتَلَة الحسين قالوا له (عليه السلام): إنما نقاتلك بغضاً لأبيك(ينابيع المودة، ص 346).
ولا يمكن تصوّر تشيع هؤلاء مع تحقق بغضهم للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)....!
وقال بعضهم: يا حسين، يا كذاب ابن الكذاب
(الكامل لابن الأثير 4/67).
وقال آخر: يا حسين أبشر بالنار
( الكامل لابن الأثير 4/66. البداية والنهاية 8/183).
وقال ثالث للحسين (عليه السلام) وأصحابه: إنها ـ يعني الصلاة ـ لا تُقْبَل منكم( البداية والنهاية 8/185).
وقالوا غير هذه من العبارات الدالة على ما في سرائرهم من الحقد والبغض لأمير المؤمنين وللحسين (عليهما السلام) خاصة ولأهل البيت (عليهم السلام) عامة.
خامساً: أن المتأمِّرين وأصحاب القرار لم يكونوا من الشيعة، وهم يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث بن قيس، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وعبد الله بن زهير الأزدي، وعروة بن قيس الأحمسي، وشبث بن ربعي اليربوعي، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، والحصين بن نمير، وحجار بن أبجر. وكذا كل من باشر قتل الحسين أو قتل واحداً من أهل بيته وأصحابه كسنان بن أنس النخعي، وحرملة بن كاهل، ومنقذ بن مرة العبدي، وأبي الحتوف الجعفي، ومالك بن نسر الكندي، وعبد الرحمن الجعفي، والقشعم بن نذير الجعفي، وبحر بن كعب بن تيم الله، وزرعة بن شريك التميمي، وصالح بن وهب المري، وخولي بن يزيد الأصبحي، وحصين بن تميم وغيرهم.
بل لا تجد رجلاً شارك في قتل الحسين (عليه السلام) معروفاً بأنه من الشيعة، فراجع ما حدث في كربلاء يوم عاشوراء ليتبين لك صحة ما قلناه.
سادساً: أن يزيد بن معاوية حمل ( ابن مرجانة ) عبيد الله بن زياد مسؤولية قتل الحسين (عليه السلام) دون غيره من الناس. فقد أخرج ابن كثير في البداية والنهاية، والذهبي في سير أعلام النبلاء وغيرهما عن يونس بن حبيب قال: لما قتل عبيدُ الله الحسينَ وأهله بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أولاً، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما عليَّ لو احتملتُ الأذى، وأنزلتُ الحسين معي، وحكَّمته فيما يريد، وإن كان عليَّ في ذلك وهن، حفظاً لرسول الله (ص) ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة ـ يعني عبيد الله ـ فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العداوة(سير أعلام النبلاء 3/317. البداية والنهاية 8/235. الكامل في التاريخ 4/87).
وللمزيد من الفائدة، نذكر لكم نص كلام السيد الأمين في كتابه أعيان الشيعة 1 / 585:
(حاشى لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين، وبعضهم أجلاف أشرار، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا إلى قتاله، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد، أما شيعته المخلصون فكانوا له أنصاراً، وما برحوا حتى قتلوا دونه، ونصروه بكل ما في جهدهم، إلى آخر ساعة من حياتهم، وكثير منهم لم يتمكن من نصرته، أو لم يكن عالماً بأن الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه، وبعضهم خاطر بنفسه، وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة، وجاء لنصرته حتى قتل معه، أما أن أحداً من شيعته ومحبيه قاتله فذلك لم يكن، وهل يعتقد أحد إن شيعته الخلص كانت لهم كثرة مفرطة؟ كلا، فما زال أتباع الحق في كل زمان أقل قليل، ويعلم ذلك بالعيان، وبقوله تعالى: وقليل من عبادي الشكور).
الحقيقة التي لا غبار عليها أن الإمام الحسين(عليه السلام) هو مقياس الخير بكل ما تحمل الكلمة من معنى، سيرته وإشادة الرسول به خير دليل على ذلك، بيد أن يزيد بن معاوية يمثل الباطل بقتله ابن بنت رسول الله، وطمسه للسنن وإحياءه للبدع، وبطبيعة الحال أن شبيه الشيء منجذب إليه، فأهل الخير ينجذبون إلى الحسين حتى لو كانوا من غير الدين والمذهب كالنصراني وهب والعثماني زهير، وأهل الشر والنفاق يلهثون وراء مصالحهم وملذاتهم وأنها كانت حاضرة في حاضنة يزيد ومن يسير في فلكه، فالعبرة بالهداية والعاقبة، فأنها من نصيب أهل الصلاح والتقوى بغض النظر عن انتماءاتهم.
وحسبك بحديث زهير بن القين وكان عثمانياً أبغض شيء إليه أن ينازل الحسين (عليه السلام) في منزل، فما اجتمع به وكلّمه بضع كلمات حتى طلّق الدنيا وزوجته وفداه بنفسه.
وقال أبو مخنف: لما عارض الحر بن يزيد الحسين
( عليه السلام ) في الطريق وأراد أن ينزله حيث يريد فأبى الحسين عليه، ثم إنه سايره، فلما بلغ ذا حسم خطب أصحابه خطبته التي يقول فيها : " أما بعد، فإنه نزل بنا من الأمر ما قد ترون " الخ، فقام زهير وقال لأصحابه: أتتكلمون أم أتكلم ؟ قالوا: بل تكلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد سمعنا هداك الله يا بن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين وقال له خيرا (تاريخ الطبري 3/307) .
وخرج إليهم زهير بن القين على فرس ذنوب وهو شاك في السلاح وقال: يا أهل الكوفة حذار لكم من عذاب الله، إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة.
إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد
( صلى الله عليه وآله وسلم) لينظر ما نحن وأنتم عاملون، وإنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما، يسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه".
فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلماً.
فقال زهير: عباد الله.. إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد.فرماه شمر بسهم وهو يقول: أسكت، أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك!.
فقال زهير: ما إياك أخاطب، إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
فقال الشمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة..
فقال زهير: أفبالموت تخوفني، فو الله للموت معه أحب إليّ من الخلد معكم.
عباد الله.. لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فو الله لا ينال شفاعة محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
فناداه رجل من أصحابه: إن أبا عبد الله يقول لك أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء فقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والبلاغ.
فالعبارة واضحة "فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة" ولما وقع السيف فعلاً في عاشوراء عام 61هـ بين معسكر الإمام وبين معسكر يزيد، فأن الحسين وشيعته يمثلون أمة الإسلام ويزيد وأتباعه يمثلون أمة الكفر، فالبحث السلفي في أن قتلة الإمام الحسين هل كانوا من الشيعة أو غيرهم منتفي لانتفاء موضوعه، لأنه لا شيعة في البين في أوساط معسكر بن زياد حتى يصار هل أن الذين قتلوا الإمام كانوا من الشيعة أم لا...؟!
حيث أن البحث سالب لانتفاء موضوعه كما أسلفنا.
إذن لماذا يتطرقون لمثل هكذا أبحاث وهم يعلمون بتناقضها ومجافاتها للحقيقة والصواب...؟!
يتطرقون إليها لأنها تصب في أدبياتهم التي طالما يتمشدقون بها في الدفاع عن كل طواغيت الأرض وجبابرة الحكم أمثال معاوية ويزيد وصدام ومن لف لفهم، ولأجل هذا كانت سهام الحقد السلفي الملحد وما زالت موجهة بالذات إلى فكر أهل البيت عليهم السلام المختزل في صدور كما يسمونهم "الروافض"، ولكن روافض الظلم والجور والتعسف التي تطفح من الأنظمة الفاسدة المتسلطة على رقاب المسلمين، والشيعة في حقيقة الأمر المشروع الإصلاحي الوحيد الذي يحافظ على جوهر الرسالة من كل زيغ وانحراف في زمن كثر واتره وقل ناصره.
اللهم العن أول ظالم ظلم محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك اللهم العن العصبابة التي جاهدت الحسين(ع) وشايعت وبايعت وتابعت على قتله اللهم العنهم جميعاً.