المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقائد الامامية


الامير احمد
14-02-2009, 11:12 PM
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
اولا:بيان عقيدتنا فى التوحيد
____________________
: بيان عقيدتنا في التوحيد
حينما نريد أن ندخل حلبة الصراع مع القوى المعارضة لفكرتنا لابد أن نعرف ما هو الموضوع الذي نريد أن نقدم له الدليل وندافع عنه؟ وما هي العقيدة التي نؤمن بها؟ وما هي أسس التوحيد وعقيدة التوحيد لدينا؟ ولكي نكون على وضوحٍ تام لابد أن نستند إلى خلفية فكرية صلبة نقف عليها وندافع عنها دفاع المعتنق المبدئي الذي يعانق عقيدته بقوة ويدافع عنها، وأيضاً يدفع عنها الشبهات والاتهامات ويضحي من أجلها إذن فنحن نعتقد عقلياً بضرورة معرفة أبعاد فكرة التوحيد ولو بمستوى مناسب لهذا البحث.
والدافع العقلي هذا هو المحقق لمعرفتنا تلك فمن ناحية يجب أن نقدم الشكر للخالق والمالك والمدبر الذي مهّد لنا السبيل لحسن الاستفادة من الطبيعة أمطارها وهوائها ومن الحيوانات والنباتات بل من أجهزة الإنسان الداخلية فقد قال سبحانه:
(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). [سورة التين: الآية 4].
وأمرنا بالنظر والاعتبار للتوصل إلى معرفته حق المعرفة ومن ناحية أخرى ندرك أن العقل يأمرنا بدفع الضرر عن أنفسنا فكل إنسان عاقل يؤمن بضرورة دفع الضرر عن النفس ومن المؤكد ان الذي لا يؤمن بالله تعالى حق الإيمان يعرّض نفسه لأكثر من ضرر وخطورة وبالفعل إنه يلقي بنفسه إلى التهلكة حيث الاضطراب النفسي والقلق في الحياة الدنيا فقد قال الله الكريم:
(ألا بذكر الله تطمئن القلوب). [سورة الرعد: الآية 28].
وقال أيضاً: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا). [سورة طه: الآية 124].
وأما في الآخرة فالهلاك والجحيم والخسران المؤكد حيث يقول عز وجل:
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). [سورة آل عمران: الآية 85].
ومن ناحية ثالثة هنالك دعوة إلهية مفتوحة للإنسان للالتزام بهذه العقيدة القائمة على أسس التوحيد ليحصل على السعادة في الدنيا والآخرة بل إلحاح في دعوته للنجاة وإلاَّ سيُحرم الإنسان من نعيم الآخرة على الأقل بل سيشقى نفسياً في الدنيا - كما مر في الآيات الكريمة - وسنوضح هذه الفكرة في حديثنا عن عدالة الله، بأن عدم التصديق بالتوحيد سيعكس سلوكاً شاذاً بعيداً تماماً عن السلوك السوي الذي يعكسه هذا المعتقد المقدس فمقابل تحقيق بعض لذائذ الدنيا غير الشرعية سيُحرم من لذات الآخرة الأبدية كما يقول سبحانه وتعالى:
(إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم..). [سورة محمد: الآية 36].
والآن ما هي عقيدتنا في التوحيد:
عقيدتنا هي: إن الله سبحانه هو الخالق المبدع المهيمن المكون المبدئ للكون والإنسان والوجود وهو الواحد الذي ليس كمثله شيء، قديم أزلي عليم حكيم عادل قدير حي غني باقٍ لا يزول، لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، بصير سميع، وغاية فكرة التوحيد انه واحد لا شريك له ولا معين له، لم يلد ولم يولد فهو الذي أوجدنا بحكمته وإبداعه لا شبيه له ولا نظير، فهو الموجِد والمميت والمحيي وهو ليس مثلنا لا بالصفات ولا بالقدرات فهو القدير والعليم لا كما نصف أحدنا بأنه قدير في أمر ما كالخطابة أو التعامل التجاري أو عارف بالنحو أو الطب فالله ليس كمثلنا ومن هنا تبدأ أزمة الإنسان في الاعتراف بوجود الله تعالى حيث أنه لا يستطيع أن يخرج من إطار شخصه فكل التصورات يتصورها شبيهة به، ونسخاً طبق أصله وكما قال الإمام الباقر (عليه السلام): (هل سمي عالماً قادراً إلا لأنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين وكلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت ولعل النمل الصغار تتوهم إن لله زبانيتين أي قرنين فإنهما كما لها وتتصور إن عدمها نقصاً له لمن لا يكونان له ولعل حال كثير من العقلاء كذلك فيما يصفون الله تعالى به سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون..)(1) (http://www.14masom.com/aqeed-imamea/01/1.htm#1).
فيفترض الإنسان خالقه ومبدعه كشخصه فله عينان ورجلان وأجهزة داخلية وبمعنى آخر إنه يعكس مكوناته وصفاته على ما يتصور في ذهنه مثله مثل ذلك الشخص الأعمى العاجز الذي قيل له يجب أن تأكل من هذه الفواكة وقدمت له فاكهة التفاح قال: من أولدها؟ قيل له: شجرة اسمها شجرة التفاح قال: إنه إنتاج لذيذ ولكن لي أسئلة عنها قيل له: ما هي؟ قال: أين تنام هذه الشجرة؟ وكيف تسير أهي عاجزة عن السير مثلي؟ وما هو أكلها؟ وهل يمكن أن نضيّفها في بيتنا فترةً من الزمن؟ أو نهدي لها ملابس صوفية أيام البرد؟ كي تقي نفسها وهل يمكن أن نتعرف على زوجها وأقربائها؟ وهل لها أب أو أمير يحكمها؟ وهكذا..
ومن حقنا أن نتساءل - هنا -: لماذا يسأل هذا الإنسان الأعمى والعاجز كل هذه الأسئلة التي تبدو لنا في غير محلها؟ والجواب: لأنه لا يستطيع أن يتصور نظاماً غير النظام الذي يعيشه هو وأقرانه، ولا يمكن أن يتصور وجوداً مختلفاً عنه.
إذن إن الذي أوجدنا ليس مثلنا بالمكونات والصفات وصحيح قد تكون اللغة قاصرة لا تستطيع أن تجسد لنا ما نعتقد به ولكن علينا أن نميز بين قولين، فحينما نقول زيد عالم وخالقنا عالم، صحيح أن اللفظين بالشكل والصورة مشتركان في أمر واحد وهو العلم وبصيغة لفظية واحدة ولكنهما يختلفان بالمضمون قطعاً، وصحيح قولنا هذا سميع وهذا بصير ولكن ليس بنفس المفهوم الذي نطلقه على ذات الخالق سبحانه وتعالى.
فهو المنزه عن التشبيه وعن النقص ولذا يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (بل كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم) كما مر معنا آنفاً.
وأما الآيات الكريمة التي تجسد الله تعالى فهي من باب تقريب المعنى لذهن الإنسان ولا يمكنُ أن نؤمن بها بظواهرها مطلقاً فمثلاً قوله تعالى:
(وجوه يومئذٍ ناضرة، إلى ربها ناظرة). [سورة القيامة: الآية 22 - 23].
فهل يمكن أن يذهب البعض إلى أن المسلم يوم القيامة بإمكانه أن يرى الله سبحانه بعينه؟ فهذا أمر مستحيل إذ لو كان كذلك فيكون الله جسماً مركباً محتاجاً وحادثاً وغير أزلي وهذا ليس ربّنا والحقيقة أننا ننظر وننتظر رحمته وعطفه وثوابه يوم القيامة وهذا أمر مستساغ في اللغة العربية فهو لا يقصد النظر الحسي بالتأكيد، وكذلك في الآية الكريمة (يد الله فوق أيديهم) فلا يجوز التجسيم لذاته المقدسة وإنما المسألة معنوية تدل على أن قوة الله وقدرته فوق قوتهم وقدرتهم وهكذا بقية الآيات الكريمة الظاهرة في ذلك.
قال سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام): (من وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله) يعني من وصف الله تعالى بصفة مغايرة لذاته فقد جعله مقارناً لغيره بالصفة ومن جعله مقارناً لغيره بصفته فقد ثناه إذ الموصوف وهو الله شيء والوصف شيء آخر ومن ثناه فقد جزأه أي جعله مركباً من ذات وصفه ومن قال بأنه ذا جزء لم يعرفه لأن الله واحد أحد.
وقال (عليه السلام) أيضاً: (أول الدين معرفته وكمال معرفته توحيده وكمال توحيده نفي الصفات عنه) وروى الصدوق في (التوحيد) عن عروة قال: قلت للرضا (عليه السلام): خلق الله الأشياء بقدرة أم بغير قدرة، فقال: لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره.
وبإسناده عن الباقر (عليه السلام) إنه قال: (سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع...)(2) (http://www.14masom.com/aqeed-imamea/01/1.htm#2).
هذا هو ربنا وهذه هي عقيدتنا به.

1 - حق اليقين، للسيد شبر: ج 1 ص 47.
2 - حق اليقين: ج 1 ص 36.

الامير احمد
14-02-2009, 11:16 PM
ثانياً: كيف يجب أن نعرف الله؟
في الساحة البشرية عقائد متنوعة ولكنها ترتبط بقواسم مشتركة فيما بينها مما يجعلها تتمحور حول صنفين من العقائد الصنف الأول: يجتمع على الإيمان بوجود الله الخالق الأزلي والصنف الثاني: لا يؤمن بوجود إله أزلي خالق للكون بل يدعو لأزلية شيء آخر كالمادة مثلاً أو يبقى متشبثاً بنكران الخالق وجحود الله بكونه علة الوجود ومدبره.
ويشمل الصنف الأول عقائد متنوعة أيضاً منها ما يؤمن بأن لله سبحانه شريك ومعاون في الإدارة الكونية أو عدة شركاء له، وبعضُها يؤمن بالإثنيّنية في الخالق حيث يرى استحالة اجتماع النقيضين في إله واحد فلا يكون إله الخير وإله الشر إلهاً واحداً وإله النور وإله الظلام إلهاً واحداً بل لابدّ أن يكون هنالك إلهان في العالم إله المنافع والخير والإيجابيات، وإله الأضرار والشر والسلبيات كما في عقيدة المجوس. وهنالك من يؤمن بتعدد الآلهة فإله للخير وإله للشر وإله للظلام وإله للنور وإله للمطر وإله للشمس، وهكذا.
كما ذهب الأغارقة إلى ذلك - في غابر الزمن - ومنهم من يرى ان الله سبحانه أوجد وأبدع الكون والوجود فهو علة الإيجاد والإبداع وليس علة الدوام والاستمرار حيث فقد أو ترك سيطرته بعد أن أبدع قوانين الحياة وسيّرها، بقيت الطبيعة وقوانينها الكونية هي التي تسيّر الوجود فهي المدبرة حالياً لمسيرها، أما الله فهو الخالق للقوانين الطبيعية فقط في بدايتها أما القوانين الطبيعية الحالية هي الآلهة الميدانية فهي تدير نفسها بنفسها بالاستمرارية كدحرجة الكرة من مرتفع فالبداية هي بتحريك الإنسان للكرة أما دوام الحركة فللاستمرارية وعليه فقد انتهى دور الخالق في الكون - وفقاً لهذه النظرية - بمجرد الإيجاد والإبداع! بينما يرى الإسلام إن الله سبحانه هو علة الوجود والإبداع أولاً وعلة الدوام والاستمرار كذلك فلا شريك له ولا نظير - كما مر.
وعموماً إن هذه النظريات الفلسفية المتعددة تلتقي في فكرة الإيمان بوجود الله ولكن باختلاف وجهات النظر وعلينا أن نتوصل عبر الأدلة العقلية والنقلية إلى أحقية العقيدة الصحيحة ويلزمنا أن نقدم الأدلة لدحض الأباطيل والأوهام التي تكتنف هذه العقيدة - عقيدة الإيمان بالله بالمعنى الإسلامي - فندفع نظرية تعدد الآلهة والإثنيّنية وغيرهما ولنقرر عبر الأدلة أن الله تعالى هو الواحد الأحد المبدع والمدبر المهيمن الدائم على ملكوته.
وقبل التطرق لهذه التفصيلات نودّ أن ندخل في حوارٍ موضوعيٍّ هادئ مع الصنف الثاني ولا نريد النقاش في صحة أو خطأ النظرية لأن ذلك سيأتي وإنما لنضع الجماعة أمام مفترق الطرق بعيدين عن التفصيلات والتشعبات فبكلمة واحدة نقول: إن الحق لواحد أينما نكون ومن أي منظار ننطلق فلا يمكن أن نؤمن بالتناقض فالشمس إما مشرقة أو مظلمة والقمر إما أبيض أو أسود فلا نؤمن بالتناقض في مكان واحدٍ وزمانٍ واحد وشروط منطقية واحدة.
ومن أبسط المناقشات والاستدلالات ومن واقع المنكرين لله! يمكن أن نتوصل مع هذه الجماعة إلى أنهم لا يطيقون جواباً أمام كلمة الحق وكلما هنالك نراهم يلتفون على هذا الأمر الفطري وهو الإيمان بالله بدوافع عديدة منها شخصية ومنها سياسية واجتماعية وعلى ما في تصوري الشخصي أنهم ينهزمون من الواجبات الشرعية التي تثقل كاهلهم غالباً فيبررون لهذا الانهزام تمسكهم بهذه الأفكار والنظريات المنكرة لمبدع الكون ليروضوا عقولهم ويجبروها على مسايرة شهواتهم وطموحاتهم الشخصية.
فالمؤمن مكلف بعدة واجبات بعد إيمانه بالرسل والرسالة الإسلامية والإمامة والمعاد فعليه أن يصلي ويصوم ويلتزم بالواجبات الشرعية ويترك المحرمات فالإيمان هو سلسلة من الالتزامات والضوابط فيفر المنكر هارباً من هذه الالتزامات عبر الضغط على فطرته وعقله بضغوطات النفس الأمارة بالسوء حتى ترضخ هذه الفطرة النقية! لضغوط وإرهاصات الغرائز النفسية وطموحاتها وبالنتيجة سينجذب العقل إلى أن يضع التبريرات والمسوغات بقالب فلسفي معين يرضاه لنفسه! ومثله مثل ذلك الصبي الذي أخذه والده إلى الكتاتيب كي يتعلم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم وحفظه وقد كان الطفل ذكياً جداً لكنه في الدرس الأول امتنع عن مسايرة الدرس والاستجابة للتعلم وتظاهر بالبلاهة والبلادة وامتنع من تلفّظ الحروف الهجائية (أ، ب، ت...) فسأله المعلم عن السبب أجابهُ بأنه لا يستطيع التلفظ وحينما سأله عن أموره الحياتية الأخرى أجابه بطلاقة!! فعرف الشيخ أنه محتال فاستعمل معه وسائل الضغط المعروفة لدى بعض المعلمين بالتهديد والضرب وفعلاً ضربه ضرباً مبرحاً، حينها تعالت صرخاته وملأت الجو الدراسي ضجيجاً وبالتالي أعلن عن استجابته لقرار الشيخ في مواصلة التعليم وبالفعل بدأ يتلفظ الحروف بشكلٍ جيّد واستمر في دراسته وبعد فترة سأله الشيخ عن ذلك فأجابه بصراحة: لقد عرفت انه لا مخلص من هذه السلسلة الدراسية الطويلة فالمسألة لا تنتهي حينما أتلفظ الحروف الأولية حيث سنواصل الدراسة من بعد الحروف الهجائية تأتي سور القرآن وبعد السور التزامات وبعد الالتزامات سلوكيات وعبادات وواجبات وهلم جرّاً... ففكرت أن أنهزم كليّاً من البداية من دون الدخول في هذه الخطة التعليمية الطويلة فامتنعت من القراءة.. ولكني ما أفلحت! فكثير من أفراد هذه المجموعة المنكرة يشبهون هذا الصبي ففي واقعهم ينضمون إلى طريقة الانهزام من المسؤوليات والانفلات من الواجبات فقد قال سبحانه في محكم كتابه:
(فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً فانظر كيف كان عاقبةُ المفسدين). [سورة النمل: الآيتان 13، 14].
وهكذا مهما اختلفت الأسباب والتصورات في تفسير أصحاب الصنف الثاني فالمسألة مصيرية بحد ذاتها وبحاجة إلى القرار الشجاع في اختيار العقيدة التوحيدية الخالصة من الشوائب التي أشرنا إليها.
ونعود الآن إلى الحديث عن فكرة الصنف الأول: لماذا التعدد في وجود الآلهة؟
يقول القرآن الحكيم: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور). [سورة الملك: الآية 3].
فالدقة البنائية في الخلق الإبداعي للكون تدل على وحدة الخالق المبدع.
ونتساءل لماذا لابد من وجود إلهين اثنين؟ والحال إن كل شيءٍ في الكون يدل على أن الخالق واحد لعظمة الانسجام والتنسيق فيما بين المخلوقات في العالم.
فــوا عجبا كيف يُعصى الإله أم كيــــف يجـــحده الجــاحِدُ
وفــــي كــل شـــــيءٍ له آيـةٌ تــــدل عــــلى أنـــه الـواحِدُ
وجدلاً نقول إن هذه الآلهة المتعددة أو الإلهين إما أن يكون أحدهم أو أحدهما هو الأقوى فيقدر على غيره وأما أن يكونوا بدرجة متساوية من القوة فلا يقدر أحدهم على غيره فإن قلنا إن أحدهم قادر على غيره فهو الإله المدبر الواحد وإن قلنا إن أحدهم ليس قادراً على غيره من المشاركين معه في الألوهية فنسلب منه صفة مهمة من صفات الألوهية وهي القدرة فإذن لا يستحق أحدهم منصب الإله الحقيقي المبدع المهيمن القادر وكيف نقول إنه قادر ويعجز عن السيطرة على وجودات منافسة له فالإيمان بالإله على أنه قادر وعاجز في آن واحد هو إيمان بالتناقض الباطل عقلاً، والعجز صفة شاملة لكل أنواع العجز سواء كان من السيطرة على المنافس أو الهيمنة على قانون الطبيعة فهو عجز على كلِّ حال وبالمقابل القدرة صفة شاملة كذلك لكل أفرادها فالقادر قدرته مطلقة والمهيمن هيمنته مطلقة.
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].
ولا فرق لديه بين إبداع السماوات والأرضين وإبداع حشرة حقيرة كالذبابة أو البعوضة فقد قال سبحانه:
(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاَّ الفاسقين). [سورة البقرة: الآية 26].
والقرآن العظيم في موضع آخر يتناول فكرة الشريك لله سبحانه ووجود الآلهة المتعددة فيقول:
(لو كان فيهما آلهة إلاَّ الله لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون). [سورة الأنبياء: الآية 22].
فالدقة التي نراها في خلق الكون من الذرة إلى المجرة والنظام الذي نراه في جسم الإنسان والحيوان والنبات إنه حقاً يرغمنا للاعتراف والإذعان للمبدع الأكبر فلو كان هنالك مدبّران لهذا الكون لارتبكت الأمور الكونية كما لا يمكن أن نتصور رئيسين لدولة أو مديرين لمعمل وهكذا لا يمكن أن نتصور إلهين لهذا الكون وبالفعل لو كانت الإدارة أثنينية لكانت تأتينا الأوامر والإرشادات من كل إله بل تأتينا رسل وكتب سماوية من كل إله ونحن ما وجدنا في قديم الزمان أو الزمن الحالي من يدّعي هذا الإدعاء الباطل فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
(إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ألاَّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين). [سورة النمل: الآيتان: 30، 31].
وقال الإمام علي (عليه السلام) في وصيته لولده الحسن أو محمد بن الحنفية على اختلاف الروايات: (واعلم يا بُني أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه).
أما الإمام الصادق (عليه السلام) فقال في جواب الزنديق الذي قال له: لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟:
(لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو ضعيفين أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً فإن كانا قويين فلِمَ لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير وإن زعمت ان أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني وإن قلت إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دلَّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد)(1) (http://www.14masom.com/aqeed-imamea/01/2.htm#1).
أما فكرة تعدد الآلهة فكذلك إن قلنا كلهم موجودون في آن واحد يأتينا الحديث المار الذكر بمعنى أيهم أقوى وأقدر؟ فإن برز منهم أحد فهو الإله القادر وإن كانوا متساوين في القوة والقدرة فيكون كل واحد منهم عاجز وقادر في آن واحد وهذا ما أبطلناه حيث التناقض - كما مر معنا - فإذن لا يمكن أن نؤمن بإله عاجز وغير قادر.
هذا إن قلنا إن الآلهة موجودة في آن واحد وهنالك من يذهب إلى أن تعدد الآلهة عبر تجدد الزمن وبكلمة أخرى يرى أنّ العرش الإلهي هو منصب وراثي: إله ابن إله فكل اثنين بحاجة إلى ثالث والثالث بحاجة إلى رابع والرابع بحاجة إلى خامس، وهكذا...
فالموجد المبدع بحاجة إلى من أوجده وأبدعه فهو حادث والحادث بحاجة إلى علة والعلة بحاجة إلى علة أخرى، ونقع حينئذ في التسلسل الباطل كما يقول الفلاسفة إذ لابد من نقطة بداية لهذا الكون ولهذا الوجود فإن لم نتوصل لهذه القناعة سنبقى نسلسل العلل تلو العلل إلى ما لا نهاية.
وهذا الكلام يصلح للجواب على من يسأل من أوجد الله؟! فيدخل في نفق التسلسل علة تجر علة من دون أن يخرج منه بنتيجةٍ ملموسة بل يزداد تيهاً على تيه.
وهنا إما أن نقول إن هذه العلل باقية على حالها وكانت هكذا من دون الحاجة إلى علة رئيسية موجدة أو سبب أخير في إبداعها. وبالتأكيد إن هذا الكلام هو نكران واضح للقانون العقلي فلكل معلولٍ علة ولكل مسبَّب سبب، هذا قول، وإما أن نأخذ بالقول الآخر وهو: أن نفترض أن لهذه الموجودات ولهذه العلل علة تعتبر أم العلل الكونية وهي التي أبدعت الوجود ووضعت القوانين الطبيعية وخلقت الإنسان والحيوان وهذه العلة الرئيسية نسميها الله القادر المبدع المهيمن وهكذا نتوصل إلى فهم الخالق الموجد المبدع.

1 - حق اليقين: ج1 ص 15 وما بعدها.