لبيك عراق
19-02-2009, 11:13 PM
لم نكد نصدق أن الله سلّم العراق و أهله و تجاوزنا مرحلة حرجة كادت تعصف بالبلد و تطوّح به في هوة سحيقة لا قرار لها حين أصبحت الحرب الأهلية على مقربة نصف خطوة لينتهي كل شيء و ليستمر القتل و الخراب لسنين طوال . و لكن شاءت إرادة الله أن ينجو المركب العراقي بمن تبقى فيه و تمر تلك الموجة الدموية المرعبة تاركة جراحها التي لا تزال تقيح بالألم و تركت وراءها آلافا من الغرقى في بحار المأساة التي لحقت بهم . و كما هو حال كل عقلاء الأرض كان من اللازم على العراقيين كقادة سياسيين و أحزاب و كتل و جبهات و مواطنين أن يعوا الدرس و يقفوا على حقائق الأسباب و علل الظاهرة ليقطعوا كل احتمالات العودة إلى المربع الأول و هي عودة لا رجعة بعدها لو قدِّر لا سامح الله لها أن تقع . أن يفهموا لماذا احتقنت الأمور و كيف بدأت الزوبعة لتتحول إلى إعصار كارثي و بماذا تغذّت و ما هي الأخطاء التي ارتكبت في معالجتها و محاولات التصدي الفاشلة لها التي تكررت كثيرا قبل أن يشاء الله تسديد بعض الخطى و عبور المأزق إلى ضفة أكثر استقرار دون أن نحظى بالاستقرار و السكينة الكاملة . هذه الأمور التي تطرحها الأسئلة السابقة تكاد تكون بديهية و تلجأ إليها الجهات المعنية من أكبر منصب و مسؤول إلى اقل مواطن في الشارع . لكن يلوح في الأفق ما يجري عكس المتوقع و خلاف المطلوب و بطريقة تقترب من كونها جنونا . أليس من المثير للدهشة أن يتزامن موقفان لجهتين سياسيتين ليلتقيا في مصب واحد يجري تياره إلى ذلك الجوّ الخانق و نحو تلك الإرهاصات الأولى التي جرت علينا ما جرته من ويلات و مصائب ! و اعني بهما موقف الحزب الإسلامي الذي جاء على لسان طارق الهاشمي و موقف حزب الدعوة و التيار الصدري على لسان حيدر العبادي و مقتدى الصدر . الأول هدّد بوضوح من أنه إن لم يتم انتخاب مرشح الحزب الإسلامي لرئاسة مجلس النواب فإن جبهة التوافق ستضطر إلى اتخاذ خيارات أخرى . و مما ورد في تصريحات الهاشمي قوله إن لدى الحزب الإسلامي العديد من الخيارات في حال عدم اختيار مرشح جبهة التوافق لشغل منصب رئاسة مجلس النواب و أضاف " لا أريد أن أستبق الأحداث ولا أريد أن ارسم سيناريو مزعج و أرسل رسالة قلق إلى الشعب العراقي والى الحكومة العراقية إننا سوف نمضي في خيارات ربما تعطل العمل السياسي ربما تزيد الاحتقان السياسي . هذا الكلام واضح من ناحية أن التوافق ستصل بالأمور في حال عدم قبول مرشحها إلى تعطيل العملية السياسية و إعادة أجواء الاحتقان السياسي الذي كان السبب الرئيس في تدهور الأوضاع الأمنية و دفع المواطنين لضريبة باهظة و ها هو طارق الهاشمي و حزبه يريدان أن يكون ثمن عدم جلوس الحزب على مقعد رئاسة البرلمان هو سيل من الدماء البريئة و بطريقة فيها من الابتزاز و المزايدة ما يمجّه كل عاقل و شريف حين يصل التهالك و التكالب على الكرسي الملعون إلى هذا الحد الذي تهون معه أرواح الناس و دماؤهم و المغامرة بمستقبل بلد بكامله !! هذا و في مقابل ذلك بما ينتمي لنفس الموضوع يصرّ حزب الدعوة و مؤيدوه الجدد على مغامرة مماثلة تتجلى في عرقلة حسم قضية رئاسة البرلمان و تعطيلها إلى أقصى ما يمكن حتى يتسنى تكوين تحالف يطمئن من خلاله المالكي بأنه سيكون غير مهدد من البرلمان في أكثر من ملف و أهمها الملف الذي يتعلق بالموقف الذي سنعرض له وجعلناه قرينا لموقف الهاشمي في خطورته و يتمثل في موقف ائتلاف القانون و الخارج عن القانون الذي يكاد لا يختلف عما صدر عن طارق الهاشمي فهما يريدان إعادة التخندق الطائفي مرة ثانية و لكن بتغيير طفيف هو إضافة كلمة وطني للعنوان و حذف بعض الجهات التي تتقاطع مع توجهاتهم . و معلوم أن هذا الاصطفاف كان من أهم الأسباب التي أججت الوضع و أسهمت في احتقانه و قد قرأت الزمر الإرهابية مقدمات الموضوع فحشدت كل قوتها و طاقاتها و أجسادها العفنة كي تتهيأ لاستقبال ما يبدعه غباء بعض الساسة و الإفادة منه لإرجاع الأمور القهقرى . التبرير الذي ساقه المالكي على لسان ذراعه الأيمن السيد حيدر العبادي هو أنه يريد قطع الطريق على محاولات إقالته من رئاسة الوزراء و يبدو أنه لا قيمة لأي ثمن في سبيل تحقيق هذه الغاية ، هذا مع أنه لا يوجد في الواقع ما يشير إلى إمكانية القيام بتحرك من هذا النوع لأن باقي الأطراف التي تتهم بذلك لا تصب في مصلحتها لا من قريب ولا من بعيد تبعات مثل هذه الخطوة و لا يمكن قراءة تحركات حزب الدعوة إلا في خانة محاولة الاستئثار وتبرير التفرد بالسلطة و صناعة القرار بعد فوزه في الانتخابات المحلية ، وهو أمر له عواقب وخيمة بطبيعة الحال و سينكشف البعض منها خلال الأيام و الأشهر القليلة القادمة .