المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نبذه من سيرة الشاعر المرحوم الملا سلمان العبدلي


رامي الغانمي
28-02-2009, 02:19 PM
(( مقدمة ))
بقلم : الدكتور حميد مجيد هدّ و

استطاع الشعر الشعبي في العراق الحديث ان يصور الحياة بكل مفاصلها ايما تصوير صادق وان يعبر عما يختلج النفوس من الام وامال وما كان يحدث في الساحة السياسية في البلد كذلك شأنه شان فنون الشعر الفصيح ، فهو لا يقل شأنا عنه وان كان البعض قد قلل من اهمية هذا الشعر الذي ينطق بلسان العامة من الناس ابناء هذه الامة . وقد لا نغالي اذا قلنا بان الشعر الشعبي او العامي او الحسجة قد طرق ابوابا لم يطرقها اخوه او صنوه الفصيح حين استطاع الشاعر من دغدغة عواطف الناس واثارة حماس الجماهير في المناسبات الوطنية والدينية فكان مؤثرا تاثيرا واضحا في نفوس سامعيه ولهذا نجد الشاعر الشعبي الاصيل يعرف كيف يأسر القلوب وكيف يؤثر في سامعيه فعندها يكون تاثيره امضّ واقوى من أي خطيب او مناد او داعية .
ولا شك ان واحدا من اولئك الشعراء البغادة الذين عرفتهم الساحة الادبية الشعبية هو المرحوم الملا سلمان الشكرجي العبدلي الذي تعرفت عليه في سنواته الاخيرة يوم كنا نرتاد مكتبة المرحوم علي الخاقاني في شارع المتنبي ببغداد في حقبة الستينات حيث كان الخاقاني يجمع شعر الشعراء الشعبيين ليخرجها في مجاميع اطلق عليها فيما بعد : فنون الادب الشعبي ، وصدر منها اثنتا عشرة حلقة خلال الاعــوام ( 1962 –1967 ) . فكنت التقي الملا سلمان – رحمه الله – واصغي الى احاديثه في الشعر العامي والوانه واغراضه وسيرْه وتراجم اعلامه الذين طواهم النسيان ، كما كنت اسأله عن اشعار بعض الشعراء المغمورين في منطقة الفرات الاوسط وفي جنوبي العراق او شرق دجلة فكنت اجد فيه المحدث اللبق والموسوعي الملم باخبار الشعراء الشعبيين وقد لفت نظري انه كان يتمتع بذهنية صافية ، وحافظة قوية قلما تجدها عند الناس الذين يتساوون معه في العمر ، وكنت كثيراً ما اسجل كلما كان يفيض به فضله وادبه وصدقه لادونه في مذكراتي الادبية والحق يقال انه مدرسة واسعة الالمام بفنون الشعر الشعبي الذي لم تسجله الكتب ولم يهتم بجمعه وحفظه حتى اصحابه انفسهم بسبب انشغالهم بمهام الحياة فأغلبهم كسبه او من الطبقة الكادحة التي ترم عيشها كل حين فظلت اشعارهم محفوظة في الصدور او يتداولها الناس شفاهاً وكل حدث او علم اذا لم يدون فمآله النسيان وقد قال النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - : قيّدوا العلم بالكتاب . ان اولئك الشعراء الشعبيين الذين طواهم النسيان او اتت على اشعارهم احداث الزمان فكان لابد وان يسعى الباحثون الغيارى على تراث بلدهم ان يسعوا الى جمع ذلك التراث الادبي ويحفظونه من الضياع .
من هذا المنطلق كنت استفز شاعرنا الشكرجي العبدلي لاسمع منه شيئاً مما قاله السلف او حتى مما نظمه المعاصرون الذين لا نعرف عنهم شيئاً وكان يقول – رحمه الله – يا ولدي انت لماذا تلوم القدامى في عدم جمع اشعارهم واهمالهم لانفسهم . انني انا الان الحاضر امامك لم اجمع الكثير من شعري وعندما كان يسألني الاصدقاء عن السبب : اجيبهم بان شعري محفوظ ، اين هو محفوظ ؟ اقول لهم : عند الحسين – عليه السلام – فانه يعرف كل ما نظمته في حقه – عليه السلام – وسائر ائمة اهل البيت – عليهم السلام - .
والملا سلمان كان شاعراً موهوباً وموهبته من نمط خاص قد لا يتمتع بها أي شاعر ، وموهبته هي التي جعلت منه شاعراً متألقاً تردد اشعاره في المحافل الادبية ، وفي المجالس والمآتم الحسينية ايام عاشوراء وسائر المناسبات الاخرى حيث يتهافت عليه ( الرواديد ) في مواكب عزاء الحسين – عليه السلام – وكنت في طفولتي وصباي اسمع الخطباء يرددون بعض اشعاره الحسينية ، دون الاشارة الى اسمه ، ولما كنت اسألهم كان الجواب انها : للملا سلمان الشكرجي وظل هذا الاسم يرن في اذني حتى تعرفت عليه وجالسته – رحمه الله تعالى- استطاع شاعرنا – رحمه الله – ان يعبر في شعره عن ما يختلج في صدره من هموم وامال وما يقع عليه ناظره من صور اجتماعية سلبية او قاتمة تضر بالمصلحة العامة وما كان يسمعه من اصدقائه من الظلم الاجتماعي والسياسي السائد في تلك الحقبة من تاريخ العراق الحديث بما لايتفق والسلوك الوطني والقومي وما يحتمه الواجب الديني وكانت تهيج عواطفه وترتعد فرائصه فينفث شعراً حماسياً يصور فيه كل تلك المعاناة او الحالات التي لا يرتضي لها الضمير الانساني وتأباها الاخلاق العربية ، وحتى الحالة الاقتصادية وما مر بالعراق من ازمات اقتصادية في الماضي ايام الحرب العالمية الاولى والثانية وما كان يكابده الفقراء من ضيق وشحة في الرزق والموارد فكان يتألم ويعتصر قلبه تضامنا مع ابناء وطنه فعندها يشمخ بشعره ليقض مضاجع حكام ذلك الزمان وكان اصداء قصائده تردد في المحافل كافة ، وليس المجال هنا لايراد نماذج من تلك الحقب التاريخية المختلفة ومن اراد الرجوع اليها ليتعرف على شعره السياسي الذي كان القاً متناغماً مع احاسيس ومشاعر ابناء الوطن الغيارى .
نعود الى فنونه الشعرية التي نظم فيها ، فهي كثيرة ذكرت بعض المراجع الادبية المعنية بالشعر الشعبي بعضاً منها . ولاهميتها فقد عارض فنونه الشعرية عدد من الشعراء المعاصرين له امثال : الشاعر الحاج مرهون الصفار والد الصديق الباحث رفعت الصفار والشاعر الحلي حسن العذاري وغيرهم . فمثلاً ان العذاري المذكور عارض قصيدة الملا سلمان ( نار السيف بالعز روضة الجنة ) بقصيدة بلغت خمسة وعشرين بيتاً من الشعر العامي وتحت عنوان : نركض والعشة خبّاز .
وللملا سلمان نظم في التجليبة ، منها ما نظمه في عز شبابه عام 1913 م ويروي انه قد سمعها منه الشاعر المشهور الحاج زاير الدويج وشعراء آخرون من الفرات ، وكانوا قد نظموا على التجليبة ابياتاً معدودة غير ان الشكرجي العبدلي اطال فيها ومطلعها:


اجلبنك يليلي ونتجل بافكار

اون او حدر ضلعي نار تاكل نار

اغض جفني غصب جن الهدب منشار

باشط بالجبد تكطع نشاشيبه


وقد بلغ تعداد ابياتها المائة بيت ، استطاع فيها شاعرنا ان يبزّ شعراء الحسجة في الفرات وهو البغدادي الاصيل ، ومن المعلوم ان الشعر العامي عند البغادة كان يشوبه شيء من لغة اهل المدن ولهجاتهم الناعمة حتى ان الشاعر في بعض الاحيان ينسى انه ينظم شعراً عامياً فيطعّم شعره ببعض الفاظ الحضارة الحديثة وفي استعمال عبارات وامثال الحضر وهذا مما كان يعيبه شعراء الحسجة باعتبار ان اهل الريف او ما جاورهم انهم اصدق لهجة من اهل المدن الذين انغمروا باسباب المدينة الحديثة او تناسوا تراثهم الشعبي وابتعدوا عن حسّهم اللغوي المتوارث من السلف كابراً عن كابر . ولكن شاعرنا الفحل استطاع ان يبتعد عن كل تلك الاستعمالات الحضرية التي كان ماخذاً على شعراء بغداد الشعبيين وكانه واحد من ابناء الفرات وهذا هو ما امتاز به شعره عن غيره من اقرانه من شعراء العاصمة وما حواليها . كماان شاعرنا كان له السهم الوافر والقدْح المعلى في الشعر الحسيني واذا اردنا ان نجمعه لخرجنا بتراث شعري وديوان كبير ضخم لهذا الفن او النمط من الشعر الرائق الرائع ولا يزال عاشقوا هذا الفن يحفظون الكثير منه ويرددونه . واعتبر النقاد ان شعر الشكرجي العبدلي غاية في الاصالة والموضوعية وان اختياره لالفاظه كانت قوالب لمعانية التي يعنيها فهو صادق اللهجة ، نقي الضمير ، عفّ اللسان خاصة في شعره العاطفي والوجداني ، على العكس من هجائه فهو كالسيف الباتر يصرخ بوجه خصمه المهجو ويرفع عصاه عليه فلم يجرأ شاعر ان يصمد بوجهه او يوقف غضبه من اجل الحق .
انني لا اريد ان اتوسع في تقديم دراسة نقدية شاملة لشعر المرحوم الشكرجي بل اكتفيت بنموذج او نموذجين جئت بهما على سبيل المثال لا الحصر . ونظراً لمكانته الادبية اشاد به عدد من الادباء والشعراء ونقاد الشعر ودارسوه فخصصوا له صفحات في كتبهم ودراساتهم . ومن الذين اثنوا عليه الشاعر الرصافي والزهاوي وعبد الرحمن البناء ، وعبود غفلة وعبد الصاحب عبيد الحلي وعباس الحاج اهجيج وكاظم المنظور وعبد الحسين ابو شبع وغيرهم . كما اعجب بشاعريته وذكره المرحوم العلامة مصطفى جواد وفؤاد وعباس وضياء شكارة وغيرهم .
نشرت نتائجه الشعرية صحف بغداد والنجف ومن يتصفح جرائد تلك الحقبة يجد ان له شعر منشور يطرز صفحاتها الادبية ومن تلك الصحف: النور ، الاهالي ، بغداد ، الحقائق ، الامل ، صوت الاستقلال ، الوطن وغيرها .
لم يطبع من شعره سوى ( زفرات الحب) طبعهُ سنة 1938م (وستير وهمان) باللهجة العبرية وذلك عام 1927م (والشعائر الحسينية بجزئين)، (ومع شعراء المنبر الحسيني) وكثيراً ما كان يقول – رحمه الله – ان شعره اصبح نهباً للصوص الادب والشعر حيث نسبوا لانفسهم اشعاره وكان يقول : ان رائد المقام صديقه المرحوم محمد القبانجي قد انتحل الكثير من ( الموالات) ونسبها لنفسه مستغلاً صداقته الطويلة بالعبدلي وحسن ظن العبدلي به جعل من شعره ان يكون نهباً للاخرين وهذا ما دفعه الى نظم قصيدة مطلعها :-


فكّوا حال الشعر ياجذّابة
هاي حسبتكم طويلة اربابه


تعلق بالمرحوم الشكرجي الملا سلمان وافاد منه تلامذة كثر ، كانوا يعرضون عليه شعرهم لينقحه لهم وقد اصبحوا فيما بعد من مشاهير الشعر الشعبي امثال الشاعر الحاج فاضل الصفار ، ومحمد العبدلي ، وعبد المجيد القيسي وجاسم حمدان الجيالي وغيرهم .
هذا موجز لما تخزنه الذاكرة عن شاعرنا آمل ان اكون قد قدمت ما فيه الكفاية بهذا النـزر اليسير عن شاعر خدم بشعره حركة الشعر العامي واغنى المكتبة الشعرية الشعبية بنفائس قصائده التي يتغنى بها الى اليوم عشاق هذا الفن ويتذكرون ناظمها بالخير والترحم عليه . وما احلى تلك السويعات التي كنت التقيه في سنواته الاخيرة وهو يتحدث حديث الفنان المبدع الملم باصول فنه الشعري الذي خلّده الى يوم الناس هذا . فرحمه الله وغفر له جزاء ما قدم .


د. حميد مجيد هدّو
بغداد
20/5/2000



كلمة لا بد منها

الحمد لله رب العالمين نحمده ونعبده ونستعينه ونصلي ونc

نسايم
28-02-2009, 09:06 PM
[center]
يعطيك العافية اخي رامي