trouble maker
05-03-2009, 06:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الصحابة كانوا يمارسون زواج المتعة والذي نَهى هو عمر وليس رسول الله (ص)
1 . سنن سعيد بن منصور [حافظ ، ثقة ، من رجال الستة] (1/252) برقم (850) الدار السلفية - الهند: نا هشيم [بن بشير: ثقة ، ثبت ، حافظ بغداد ، إمام ، مدلِّس ، من رجال الستة] ، قال : نا عبد الملك [بن أبي سليمان: حافظ ثقة أو صدوق ، يخطئ ، من رجال مسلم والأربعة] ، عن عطاء [بن أبي رباح: ثقة فقيه فاضل ، قيل تغير بأخرة ، من رجال الستة] ، عن جابر بن عبد الله [صحابي] ، قال: كانوا يتمتعون في النساء حتى نَهى عمر. انتهى
أقول: السند صحيح، رجاله رجال الستة، إلا عبد الملك وهو من رجال مسلم والأربعة.
ولا ريب أن المراد بالضمير في (كانوا يتمتعون) مجتمع الصحابة على عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأبي بكر، وشطر من عهد عمر بن الخطاب.
وبضم هذه الرواية إلى ما جزم به ابن حزم في المحلى (9/519) حيث ذكر قائمة بالصحابة الذين بقوا على القول بحلية المتعة، فذكر ضمنهم جابر بن عبد الله، أقول: بضم ذلك إلى هذه الرواية، يظهر لنا أن جابر كان بصدد الاستدلال على مشروعية المتعة، وعليه: فهو يحكي بقوله هذا بقاء الحلية بدلالة ممارسة الصحابة للمتعة إلى زمن نَهي عمر، فكأنه يقول: إن نهي عمر لا يؤثِّر الحرمة.
2 . سنن سعيد بن منصور [تقدّم] (1/252) برقم (852) : نا حماد بن زيد [ثقة ، ثبت ، إمام ، فقيه ، من رجال الستة] ، عن أيوب [السختياني: ثقة ، ثبت ، حجة ، إمام ، من كبار الفقهاء ، من رجال الستة] ، عن أبي قلابة [عبد الله بن زيد الجرمي: ثقة ، من أئمة التابعين ، كثير الإرسال ، فيه نصبٌ ، لم يدرك عمر] ، قال: قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. انتهى
أقول: هذا سند مسلسلٌ بالأجلاء، صحيحٌ رجاله رجال الستة، ولا يضر الانقطاع بين أبي قلابة وعمر؛ لأن إرسال أبي قلابة بصيغة (قال) يدل على جزمه بصدور الكلام من عمر، وتؤيِّده رواية جابر المتقدمة، وكذا رواية عمران بن حصين الآتية.
3 . سنن سعيد بن منصور أيضاً (1/252) برقم (853) : نا هشيم [تقدّم] ، أنا خالد [بن مهران الحذّاء: ثقة حافظ إمام ، من رجال الستة] ، عن أبي قلابة [تقدّم] ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج. انتهى
وسياق كلام عمر يؤكد ما استفدناه من الرواية الأولى؛ إذ كلامه ظاهر في أن المتعة كانت حلالاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما النهي من عند عمر، ولو كان النهي من عند رسول الله صلى الله عليه وآله، لصرَّح به؛ إذ هو يحتاج إليه، وأما أن يُسند النهي إلى نفسه بالرغم من وجود النهي الشرعي من قبل، فهو من سُخف القول الذي لا يقع فيه أقلُّ الناس فهماً بأصول التكلُّم، لا سيما حيث يكون بحاجة إلى تثبيت كلامه. وسيتحقَّق لديك هذا الأمر بيقين من خلال قراءة ما يلي.
4 . صحيح البخاري (5/158) دار الفكر - بيروت: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عمران أبى بكر، حدثنا أبو رجاء، عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء. انتهى
ومثله رواية صحيح مسلم (4/48 - 49) دار الفكر – بيروت، ولفظه: حامد بن عمر البكراوي ومحمد بن أبي بكر المقدمي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا عمران بن مسلم، عن أبي رجاء، قال: قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله (يعنى متعة الحج) ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.
ويظهر أن هذه الرواية بصدد الكلام عن متعة الحج، وليس متعة النساء، لكن لكونهما حُرِّمتا معاً من قبل عمر، فإننا نعتني بها.
ومن الواضح أن عبارة (قال رجلٌ برأيه ما شاء) ظاهرة في الإنكار على صنيع عمر.
وقد حاول النووي – شارح صحيح مسلم – أن يدافع عن عمر، فقال: فيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر أنه لم يرد إبطال التمتع بل ترجيح الإفراد عليه. انتهى
أقول: هذا التبرير مرفوض لأمرين:
الأول: أنه تقدم الخبر الدال على أن عمر توعد بالعقوبة فاعل المتعتين، وهل مرتكب المرجوح في نظر فقيه دون آخر، يوجب العقوبة؟!
الثاني: أنه لو كان مجرد ترجيح، لما كان عمران بن حصين يذكره بِهذه اللهجة المستنكرة. إلاَّ أن يُقال: إنَّ عمران بن حصين لم يكن يرى عمر بن الخطاب من المتأهلين للإفتاء، فاستنكر تصدِّيه بغير أهلية.
أضف إلى ذلك أن استنكار عمران بن حصين، إنما ينسجم مع القول بأن عمر لا يحكي ويخبر عن التحريم الشرعي، بل يؤسسه؛ ولذا يستنكر عليه الصحابي، وإلا لو كان مجرد راو يريد أن يحكي تحريم الشريعة، لما صح التعبير عن قوله بـ (قال برأيه) كما في تعبير عمران بن حصين، أضف إلى ذلك أن الإنكار على المخبر يعني تكذيبه، ولا نخال أهل السنة يقبلون أن يكون الصحابي بصدد تكذيب عمر بن الخطاب..!
فتبين أن نَهي عمر عن متعة الحج، لم يكن ذا مستند شرعي في نظر الصحابي عمران بن حصين، بل عن هوى (لاحظ عبارة: ما شاء) ، فيكون هذا دليلاً على أنه كذلك فعل – في نظر ابن حصين على الأقل – بالنسبة إلى متعة النساء.
أضف إلى ذلك أن عمر لو كان مجرد مبرز للترجيح لما كان يصلح وضع كلامه في مقابلة كلام الله في تعبير ابنه، فقد قال ابن حزم في "الإحكام" (5/650) مطبعة العاصمة - القاهرة : "وهذا ابن عمر يقول إذ أمر بالمتعة في الحج، فقيل له: أبوك نهى عنها، فقال: أيهما أولى أن يتبع، كلام الله أو كلام عمر؟"، فكلام ابنه صريح في أن كلام أبيه ليس بصدد التحرك في ظل الحكم الشرعي (الترجيح) ، ولكنه في مقابلة الحكم الشرعي، ولذا ينبغي أن يترك ولا يتبع وإنما يُتَّبع كلامُ الله تعالى.
5 . ومما يؤيد أن المتعة لم تحرم في الشريعة، ولكن تحريمها بدعة من عمر: أنَّ العديد من الصحابة لم يصغوا إلى ما أملاه هوى عمر، وثبتوا على التحليل، فقد قال ابن حزم في كتابه الشهير المحلى بالآثار (9/ 519) وهو يتحدث عن نكاح المتعة: "وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله (ص) جماعة من السلف (رض) ، منهم الصحابة (رض) : أسماء بنت أبي بكر الصديق، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف. ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله (ص) ومدة خلافة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر . واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف، وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين . ومن التابعين: طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكَّة أعزها الله". انتهى كلام ابن حزم.
6 . ومما يؤيد ما ذكره ابن حزم: الرواية التي تتحدث عن تمتع سعيد بن جبير، وهي في كتاب المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (7/496 ) برقم (14020 ) ، منشورات المجلس العلمي، عُني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي:
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: كانت بمكة امرأة عراقية تنسك جميلة، لها ابن يقال له أبو أمية، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها، قلت: يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة، قال: إنا قد نكحناها ذلك النكاح – للمتعة - قال: وأخبرني أن سعيد قال له: هي أحل من شرب الماء – للمتعة - .
أقول: السند صحيح، رجاله رجال الصحيحين، عدا عبد الله بن عثمان بن خثيم، فهو من رجال صحيح مسلم فحسب.
7 . ومما يؤكد صحة قول ابن حزم أن سائر فقهاء مكة كانوا يعتقدون بأن المتعة حلال: أن مفتي مكة والمحدث السني الشهير ابن جريج المكي، كان يمارس زواج المتعة بكثرة، ففي ترجمته في سير أعلام النبلاء (6 /325 ) أنه تزوج من ستين امرأة بزواج المتعة.
8 . ومما يؤكِّد أن التحريم كان بابتداع من عُمَر، لا برواية مستندة إلى الشريعة: ما رواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني في المصنف (7/497 ) بسنده عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عز وجل، رحم بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي.
وسند المصنف صحيح، رجاله رجال الصحيحين.
9 . وكذا ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (5/19) بسنده عن الإمام علي عليه السلام، قال: حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: ...وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شَقِيٌّ.
وهذا إسناد مسلسلٌ بالثقات رجال الستة، إلا أن بين الحكم بن عتيبة والإمام علي (ع) انقطاعاً بقدر رجلين على الأقل، ويهوِّن الخطب أنه أرسله مسلَّماً بقوله (قال عليٌّ) ، مما يدل على جزمه بصدور الكلام عن الإمام علي عليه السلام، والْحَكَم من الفقهاء الثقاة المشهورين، فمثله لا يجزم عن مجازفة. على أنه لا يستبعد أن يكون المقصود من (علي) هو الإمام زين العابدين.
أمَّا ما يمكن أن يطرح من روايات يُدَّعى أنها تدل على صدور تحريم المتعة من الشارع، فإننا نعتقد أنها إما مكذوبة، بدليل إغفالها من كبار الصحابة والفقهاء المشاهير.
وبدليل أن مضامينها متعارضة بالنظر إلى اختلاف التوقيت المذكور فيها للتحريم، فإن ابن رشد قال في بداية المجتهد (2/47) مُتحدِّثاً عن الأخبار التي تفيد الحرمة:
"أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ، ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر ، وفي بعضها يوم الفتح ، وفي بعضها في غزوة تبوك ، وفي بعضها في حجة الوداع ، وفي بعضها في عمرة القضاء ، وفي بعضها في عام أوطاس". انتهى
أو هي صادرة على وجه التقية تجنباً لشر الخط القرشي والأموي اللذين اعتمدا التحريم وشدَّدا فيه.
أضف إلى ذلك – وهو أهم شيء – أن القول بالحلية هو الموافق لكتاب الله، والقول بالحرمة مخالف لكتاب الله؛ لأن الله تعالى شرَّع زواج المتعة في القرآن الكريم بقوله تعالى: (...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...) [النساء: من الآية24] .
فقد وردت العديد من الروايات الدالة على أن المراد من الاستمتاع في هذه الآية: نكاح المتعة.
فإن ذلك مرويٌّ عن السُّدِّي، ومجاهد، وابن عباس، وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير.
روى ذلك عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره للآية.
وفي ضوء ذلك تتأكد لنا النتائج التالية:
1 – أن المتعة مشروعة في الكتاب والسنة.
2 – أن الصحابة مارسوا المتعة أيام النبي وأبي بكر، إلى شطر من عهد عمر.
3 – أن الذي نهى عن المتعة ونسب النهي إلى نفسه وتوعد بالعقوبة، هو عمر بن الخطاب.
4 – أن من الصحابة من أنكر على عمر بعدة أساليب، ومنهم من ثبت على القول بالتحليل.
5 – أن العديد من فقهاء أهل السنة بقوا على التحليل، بل منهم من مارس المتعة وبشكل مفرط.
6 – أن الروايات التي يقال إنها تدل على النسخ والتحريم، معارضة للقرآن، ومتعارضة فيما بينها، وقد أعرض عنها العديد من الصحابة والتابعون والفقهاء المشهورون.
اللهم صل على محمد وآل محمد
الصحابة كانوا يمارسون زواج المتعة والذي نَهى هو عمر وليس رسول الله (ص)
1 . سنن سعيد بن منصور [حافظ ، ثقة ، من رجال الستة] (1/252) برقم (850) الدار السلفية - الهند: نا هشيم [بن بشير: ثقة ، ثبت ، حافظ بغداد ، إمام ، مدلِّس ، من رجال الستة] ، قال : نا عبد الملك [بن أبي سليمان: حافظ ثقة أو صدوق ، يخطئ ، من رجال مسلم والأربعة] ، عن عطاء [بن أبي رباح: ثقة فقيه فاضل ، قيل تغير بأخرة ، من رجال الستة] ، عن جابر بن عبد الله [صحابي] ، قال: كانوا يتمتعون في النساء حتى نَهى عمر. انتهى
أقول: السند صحيح، رجاله رجال الستة، إلا عبد الملك وهو من رجال مسلم والأربعة.
ولا ريب أن المراد بالضمير في (كانوا يتمتعون) مجتمع الصحابة على عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأبي بكر، وشطر من عهد عمر بن الخطاب.
وبضم هذه الرواية إلى ما جزم به ابن حزم في المحلى (9/519) حيث ذكر قائمة بالصحابة الذين بقوا على القول بحلية المتعة، فذكر ضمنهم جابر بن عبد الله، أقول: بضم ذلك إلى هذه الرواية، يظهر لنا أن جابر كان بصدد الاستدلال على مشروعية المتعة، وعليه: فهو يحكي بقوله هذا بقاء الحلية بدلالة ممارسة الصحابة للمتعة إلى زمن نَهي عمر، فكأنه يقول: إن نهي عمر لا يؤثِّر الحرمة.
2 . سنن سعيد بن منصور [تقدّم] (1/252) برقم (852) : نا حماد بن زيد [ثقة ، ثبت ، إمام ، فقيه ، من رجال الستة] ، عن أيوب [السختياني: ثقة ، ثبت ، حجة ، إمام ، من كبار الفقهاء ، من رجال الستة] ، عن أبي قلابة [عبد الله بن زيد الجرمي: ثقة ، من أئمة التابعين ، كثير الإرسال ، فيه نصبٌ ، لم يدرك عمر] ، قال: قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. انتهى
أقول: هذا سند مسلسلٌ بالأجلاء، صحيحٌ رجاله رجال الستة، ولا يضر الانقطاع بين أبي قلابة وعمر؛ لأن إرسال أبي قلابة بصيغة (قال) يدل على جزمه بصدور الكلام من عمر، وتؤيِّده رواية جابر المتقدمة، وكذا رواية عمران بن حصين الآتية.
3 . سنن سعيد بن منصور أيضاً (1/252) برقم (853) : نا هشيم [تقدّم] ، أنا خالد [بن مهران الحذّاء: ثقة حافظ إمام ، من رجال الستة] ، عن أبي قلابة [تقدّم] ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج. انتهى
وسياق كلام عمر يؤكد ما استفدناه من الرواية الأولى؛ إذ كلامه ظاهر في أن المتعة كانت حلالاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما النهي من عند عمر، ولو كان النهي من عند رسول الله صلى الله عليه وآله، لصرَّح به؛ إذ هو يحتاج إليه، وأما أن يُسند النهي إلى نفسه بالرغم من وجود النهي الشرعي من قبل، فهو من سُخف القول الذي لا يقع فيه أقلُّ الناس فهماً بأصول التكلُّم، لا سيما حيث يكون بحاجة إلى تثبيت كلامه. وسيتحقَّق لديك هذا الأمر بيقين من خلال قراءة ما يلي.
4 . صحيح البخاري (5/158) دار الفكر - بيروت: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عمران أبى بكر، حدثنا أبو رجاء، عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء. انتهى
ومثله رواية صحيح مسلم (4/48 - 49) دار الفكر – بيروت، ولفظه: حامد بن عمر البكراوي ومحمد بن أبي بكر المقدمي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا عمران بن مسلم، عن أبي رجاء، قال: قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله (يعنى متعة الحج) ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.
ويظهر أن هذه الرواية بصدد الكلام عن متعة الحج، وليس متعة النساء، لكن لكونهما حُرِّمتا معاً من قبل عمر، فإننا نعتني بها.
ومن الواضح أن عبارة (قال رجلٌ برأيه ما شاء) ظاهرة في الإنكار على صنيع عمر.
وقد حاول النووي – شارح صحيح مسلم – أن يدافع عن عمر، فقال: فيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر أنه لم يرد إبطال التمتع بل ترجيح الإفراد عليه. انتهى
أقول: هذا التبرير مرفوض لأمرين:
الأول: أنه تقدم الخبر الدال على أن عمر توعد بالعقوبة فاعل المتعتين، وهل مرتكب المرجوح في نظر فقيه دون آخر، يوجب العقوبة؟!
الثاني: أنه لو كان مجرد ترجيح، لما كان عمران بن حصين يذكره بِهذه اللهجة المستنكرة. إلاَّ أن يُقال: إنَّ عمران بن حصين لم يكن يرى عمر بن الخطاب من المتأهلين للإفتاء، فاستنكر تصدِّيه بغير أهلية.
أضف إلى ذلك أن استنكار عمران بن حصين، إنما ينسجم مع القول بأن عمر لا يحكي ويخبر عن التحريم الشرعي، بل يؤسسه؛ ولذا يستنكر عليه الصحابي، وإلا لو كان مجرد راو يريد أن يحكي تحريم الشريعة، لما صح التعبير عن قوله بـ (قال برأيه) كما في تعبير عمران بن حصين، أضف إلى ذلك أن الإنكار على المخبر يعني تكذيبه، ولا نخال أهل السنة يقبلون أن يكون الصحابي بصدد تكذيب عمر بن الخطاب..!
فتبين أن نَهي عمر عن متعة الحج، لم يكن ذا مستند شرعي في نظر الصحابي عمران بن حصين، بل عن هوى (لاحظ عبارة: ما شاء) ، فيكون هذا دليلاً على أنه كذلك فعل – في نظر ابن حصين على الأقل – بالنسبة إلى متعة النساء.
أضف إلى ذلك أن عمر لو كان مجرد مبرز للترجيح لما كان يصلح وضع كلامه في مقابلة كلام الله في تعبير ابنه، فقد قال ابن حزم في "الإحكام" (5/650) مطبعة العاصمة - القاهرة : "وهذا ابن عمر يقول إذ أمر بالمتعة في الحج، فقيل له: أبوك نهى عنها، فقال: أيهما أولى أن يتبع، كلام الله أو كلام عمر؟"، فكلام ابنه صريح في أن كلام أبيه ليس بصدد التحرك في ظل الحكم الشرعي (الترجيح) ، ولكنه في مقابلة الحكم الشرعي، ولذا ينبغي أن يترك ولا يتبع وإنما يُتَّبع كلامُ الله تعالى.
5 . ومما يؤيد أن المتعة لم تحرم في الشريعة، ولكن تحريمها بدعة من عمر: أنَّ العديد من الصحابة لم يصغوا إلى ما أملاه هوى عمر، وثبتوا على التحليل، فقد قال ابن حزم في كتابه الشهير المحلى بالآثار (9/ 519) وهو يتحدث عن نكاح المتعة: "وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله (ص) جماعة من السلف (رض) ، منهم الصحابة (رض) : أسماء بنت أبي بكر الصديق، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف. ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله (ص) ومدة خلافة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر . واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف، وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين . ومن التابعين: طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكَّة أعزها الله". انتهى كلام ابن حزم.
6 . ومما يؤيد ما ذكره ابن حزم: الرواية التي تتحدث عن تمتع سعيد بن جبير، وهي في كتاب المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (7/496 ) برقم (14020 ) ، منشورات المجلس العلمي، عُني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي:
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: كانت بمكة امرأة عراقية تنسك جميلة، لها ابن يقال له أبو أمية، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها، قلت: يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة، قال: إنا قد نكحناها ذلك النكاح – للمتعة - قال: وأخبرني أن سعيد قال له: هي أحل من شرب الماء – للمتعة - .
أقول: السند صحيح، رجاله رجال الصحيحين، عدا عبد الله بن عثمان بن خثيم، فهو من رجال صحيح مسلم فحسب.
7 . ومما يؤكد صحة قول ابن حزم أن سائر فقهاء مكة كانوا يعتقدون بأن المتعة حلال: أن مفتي مكة والمحدث السني الشهير ابن جريج المكي، كان يمارس زواج المتعة بكثرة، ففي ترجمته في سير أعلام النبلاء (6 /325 ) أنه تزوج من ستين امرأة بزواج المتعة.
8 . ومما يؤكِّد أن التحريم كان بابتداع من عُمَر، لا برواية مستندة إلى الشريعة: ما رواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني في المصنف (7/497 ) بسنده عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عز وجل، رحم بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي.
وسند المصنف صحيح، رجاله رجال الصحيحين.
9 . وكذا ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (5/19) بسنده عن الإمام علي عليه السلام، قال: حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: ...وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شَقِيٌّ.
وهذا إسناد مسلسلٌ بالثقات رجال الستة، إلا أن بين الحكم بن عتيبة والإمام علي (ع) انقطاعاً بقدر رجلين على الأقل، ويهوِّن الخطب أنه أرسله مسلَّماً بقوله (قال عليٌّ) ، مما يدل على جزمه بصدور الكلام عن الإمام علي عليه السلام، والْحَكَم من الفقهاء الثقاة المشهورين، فمثله لا يجزم عن مجازفة. على أنه لا يستبعد أن يكون المقصود من (علي) هو الإمام زين العابدين.
أمَّا ما يمكن أن يطرح من روايات يُدَّعى أنها تدل على صدور تحريم المتعة من الشارع، فإننا نعتقد أنها إما مكذوبة، بدليل إغفالها من كبار الصحابة والفقهاء المشاهير.
وبدليل أن مضامينها متعارضة بالنظر إلى اختلاف التوقيت المذكور فيها للتحريم، فإن ابن رشد قال في بداية المجتهد (2/47) مُتحدِّثاً عن الأخبار التي تفيد الحرمة:
"أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ، ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر ، وفي بعضها يوم الفتح ، وفي بعضها في غزوة تبوك ، وفي بعضها في حجة الوداع ، وفي بعضها في عمرة القضاء ، وفي بعضها في عام أوطاس". انتهى
أو هي صادرة على وجه التقية تجنباً لشر الخط القرشي والأموي اللذين اعتمدا التحريم وشدَّدا فيه.
أضف إلى ذلك – وهو أهم شيء – أن القول بالحلية هو الموافق لكتاب الله، والقول بالحرمة مخالف لكتاب الله؛ لأن الله تعالى شرَّع زواج المتعة في القرآن الكريم بقوله تعالى: (...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...) [النساء: من الآية24] .
فقد وردت العديد من الروايات الدالة على أن المراد من الاستمتاع في هذه الآية: نكاح المتعة.
فإن ذلك مرويٌّ عن السُّدِّي، ومجاهد، وابن عباس، وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير.
روى ذلك عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره للآية.
وفي ضوء ذلك تتأكد لنا النتائج التالية:
1 – أن المتعة مشروعة في الكتاب والسنة.
2 – أن الصحابة مارسوا المتعة أيام النبي وأبي بكر، إلى شطر من عهد عمر.
3 – أن الذي نهى عن المتعة ونسب النهي إلى نفسه وتوعد بالعقوبة، هو عمر بن الخطاب.
4 – أن من الصحابة من أنكر على عمر بعدة أساليب، ومنهم من ثبت على القول بالتحليل.
5 – أن العديد من فقهاء أهل السنة بقوا على التحليل، بل منهم من مارس المتعة وبشكل مفرط.
6 – أن الروايات التي يقال إنها تدل على النسخ والتحريم، معارضة للقرآن، ومتعارضة فيما بينها، وقد أعرض عنها العديد من الصحابة والتابعون والفقهاء المشهورون.