المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعض المسائل ,, للعلامة المرجع السيد فضل الله


رفيقة القرآن
10-03-2009, 08:41 PM
الشعائر الحسينية
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
التعبير عن الحزن

* نرجو بيان رأيكم في المواكب الحسينية، ومسألة اللطم والبعد الجماهيري في شعائر الحسين؟
ـ إن رأينا في هذه المسألة هو أن من الضروري أن تبقى القضية الحسينية متحركة في التعبئة الجماهيرية الواسعة بكل الوسائل التعبوية، لأن القضية الحسينية كالقضية الإسلامية، لا بد أن يتزاوج فيها العقل والعاطفة، ولا بد أن يتزاوج فيها الإيمان والحس، وكما أننا نحتاج إلى البراهين العلمية وإلى الجو العلمي من أجل تنمية الأفكار في عقولنا، نحتاج كذلك إلى الأساليب العاطفية من أجل تعميق العاطفة في إحساسنا ومشاعرنا. ونحن نصرّ على بقاء العاطفة في كل قضية تتصل بالجانب العقيدي، لأنه لا العقل وحده ولا الفكر وحده بقادرين على تخليد أي مبدأ.
ولهذا، فثمة فرق بين الفكر وبين الإيمان، الفكر يبقى معادلة في العقل، وإذا بقي معادلة في العقل فقد لا يسيطر على كيان الإنسان، ونحن نسأل: متى ينطلق الفكر ليهز كيان الإنسان؟ والجواب، عندما يقود الفكر إلى الإيمان، ذلك أن الإيمان فيه شيء من العاطفة وشيء من العقل، ولذلك فنحن نعتقد أنه لا بد أن تبقى قضية الحسين(ع) تتحرك في إطار التعبئة الجماهيرية العاطفية إلى جانب التعبئة الفكرية العقلية.
وعلى ضوء هذا، فإننا نعتقد أن المواكب الحسينية بكل أشكالها المشروعة ضرورة، كما أن البكاء يعتبر حالة إنسانية طبيعية لا بد أن نثيرها بالوسائل التي يمكن للإنسان أن يتأثر بها، لأن قضية أن تبكي قد لا تكون اختيارية بالنسبة للإنسان وقد لا تحصل إلا من خلال استحضار للعناصر التي تثير العاطفة، فلو قيل لك ابكِ على أي شخص فلن تستطيع أن تبكي بكاءً حاراً، فربما تنزّل بعض الدموع ولكن هذا ليس بكاءً، بل أن يبكي قلبك فينطلق بكاء القلب إلى بكاء العين، وإلا فذاك تباكي أو تمثيل كما يقول (المتنبي):
إذا اشتبكت دموع في خدود تبيّن من بكى ممـن تباكـى
فالذي يبكي لا يقبل أن يمسك دموعه، لكن الذي يتباكى يعصر دمعة هنا ودمعة هناك، فنحن نعتقد بأن البكاء ضرورة في مأساة كربلاء، ولذلك فلا يجوز أن تقول إن علينا أن نجمّد مسألة البكاء، لأن البكاء يغسل المأساة ويغسل القلب، لكن علينا أن نبكي على طريقة ذلك الشاعر:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنّما عيني لأجلك باكيـة
لتنطلق من خلال حبك للحسين(ع) وحبك للصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه، وتفاعلك مع المأساة لتبكي. وهكذا نأتي إلى مسألة اللطم، فاللطم أسلوب إنساني أيضاً، والناس عادة يلطمون أمام المأساة، ولكن نريد أن نتحدث عن فلسفة اللطم، فلماذا يلطم الناس؟ إن اللطم إنما هو تعبير إنساني عن الحزن، إن اللطم شأنه شأن البكاء، فكما أن البكاء لا بد أن ينطلق من عاطفة ليكون تعبيراً عن الحزن، فالمفروض في اللطم أن ينطلق من عاطفة، بحيث عندما يلطم الإنسان فإنه يعيش هذه العاطفة ليكون اللطم عنده تعبيراً عن الحزن، نعم هناك تحفّظ شرعي في هذا الموضوع.
فبحسب رأينا الاجتهادي فإن الإضرار بالنفس حرام حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة. ولقد تحدثت في هذا الموضوع أكثر من مرة، فلو جئت بشفرة لتجرح نفسك وتضع بعد ذلك دواء ليندمل الجرح، أو لو خرجت وأنت في حالة تعرق ولفحك الهواء البارد فأصبت بالحمى، فحتى لو شفيت بعد يومين فهذا حرام، لأنه تعريض النفس للضرر، والإضرار بالنفس ظلم للنفس، وظلم النفس محرم {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [النحل:118]، وعلى هذا الأساس، فنحن نقول بأنه يمكن للإنسان أن يلطم بحسب ولائه وبحسب محبته، لكن بشرط أن لا يكون اللطم مضراً بالجسد، بحيث يدمي الجسد أو أنه يصيب رئة الإنسان أو ما أشبه ذلك، هذا هو الأمر، وبعد ذلك فكل شيء حلال، ولقد كان موقفي بالنسبة لكل الحالات الأخرى مستنداً إلى الجانب الشرعي في الرأي الاجتهادي، بالإضافة إلى العناوين الثانوية.
ولذلك فنحن نطلب من كل أخواننا أن يفكروا في القضايا تفكيراً عقلانياً، علمياً، شرعياً، لأن التفكير بطريقة انفعالية ومن غير حوار أو مناقشة لا يوصل إلى نتيجة نافعة، لذلك فإني أقول لنفسي وأقول لكم، لنفكر بعقولنا، لقد جعل الله العقل حجة للإنسان أمام ربه، فلننطلق ليكون العقل هو الطاقة المقدسة، لأن "العقل رسول من باطن كما أن الرسول عقل من خارج"، لنعالج به أمورنا بمسؤولية.

* ما هي المصلحة في إثارة مسألة التطبير من قبلكم ومن قبل آية الله العظمى السيد الخامنئي؟
ـ في الواقع أننا لسنا أول من أثار مسألة التطبير، فالسيد محسن الأمين أثارها بطريقة علمية، وكانت الغوغاء قد أثارت الموضوع ضده ولم يردوا عليه بشكل علمي، وكان من وقف إلى جانبه السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمه الله، والسيد مهدي القزويني في البصرة، والسيد البروجردي في أحاديثه الخاصة، والسيد الخميني كذلك، فلسنا أول الناس في ذلك.
فحتى السيد الخوئي كان يفتي بحرمتها في كتاب "المسائل الشرعية" التي نشرتها الجماعة الإسلامية في أمريكا، وكندا، فلقد سئل عن التطبير وضرب السلاسل، هل يجوز؟ فقال: إذا أوجب هتك حرمة المذهب فلا يجوز، قالوا: كيف ذاك؟ قال: إذا أوجب سخرية الناس الآخرين.
فنحن نشعر أن هذا يمثل مظهر تخلف في الوجه الشيعي الإسلامي، ونحن نشعر أن من واجبنا أن نفتي بذلك، ونحن نعرف أننا سنواجه عناصرالتخلف والعواطف الثائرة، ونحن مستعدون لمواجهتها بكل قوة وصلابة.
وإذا كان لدى الإنسان فكرة في التنبيه على خطأ ما، فلسنا معصومين، فليتفضل بمناقشتها، أما إذا كان الأمر مجرد غوغاء، فالغوغاء تذهب أدراج الرياح، فكم كانت قيمة الغوغاء أمام رسول الله(ص)، ونحن تراب أقدامه وكم كانت قيمة الغوغاء أمام علي(ع) ونحن تراب أقدامه، وذهبت تلك الغوغاء وبقي رسول الله ( ص) وبقي علي(ع).
إن مسألة التطبير إذا ما درست من الناحية الفقهية وبالعنوان الأولي، فإننا سنعرف لماذا أفتى بعض العلماء بالحلية، وعلى أي أساس استند العلماء الذين أفتوا بالحرمة.
فلقد دار جدل فقهي بين العلماء حول المسألة: هل أن الإضرار بالنفس محرّم في ذاته حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة؟ أو أن الإضرار بالنفس ليس محرماً إلا إذا أدى إلى التهلكة؟
إن أغلب العلماء يرون أن الإضرار بالنفس ليس محرماً إلا إذا أدّى إلى التهلكة، وهو رأي (الميرزا النائيني) و(السيد الخوئي) و(السيد الحكيم) وجماعة من العلماء الآخرين.
وهناك رأي آخر يقول، إن الإضرار بالنفس محرم إلا إذا كانت هناك مصلحة، لذلك فلا يجوز أن تضرب رأسك تحت أي اعتبار، كما لا يجوز أن تقلع عينك أو تقطع يدك حتى لو لم يؤدّ ذلك إلى التهلكة، وحسب هذا الرأي لا يمكن أن يتحوّل الإضرار بالنفس إلى شعار، فلا بد للشعار أن يكون حلالاً في ذاته، وعلى ذلك فإن مسألة الإضرار بالنفس محرّمة حتى لو لم تؤدّ إلى التهلكة، لأن المسألة عقلانية، ذلك أن الإضرار بالنفس قبيح عقلاً.
نعم في بعض حالات الجهاد تختلف المسألة، فإن الله جعل الجهاد لمصلحة حفظ الأمة وحفظ الوطن، إن الوقوف بوجه الأعداء أهم من حفظ الذات، ولكن لا يعني ذلك جواز انتحار الإنسان، فالفرق واضح بين ذلك وبين العمليات الاستشهادية التي يخوضها المقاومون.

الذكرى والاختلاف المذهبي

هل إحياء عاشوراء إحياء لفتنة؟
* هناك من يدّعي أن إحياء أيام عاشوراء يعني إحياء فترة فتنة حدثت بين المسلمين مما يساهم في إذكاء نار الاختلاف بين المسلمين، فما هو رأيكم في هذا؟
ـ لقد علّمنا القرآن الكريم أن نذكر التأريخ لنعتبر به {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر:2]، فهناك فرق بين أن تنقل التاريخ لتثير الأحقاد من خلاله دون قضية، وبين أن تنقل التاريخ لتعتبر به ولتأخذ منه التجربة والفكرة ولتدخل في مقارنة بين حركته في تلك المرحلة وحركته في هذه المرحلة.
فأية أمة لا تستذكر تاريخها هي أمة بلا تاريخ، ولكن يبقى علينا أن نستعيد التاريخ بالطريقة التي لا تهدم الحاضر، من خلال المقارنة بين القيم السلبية وبين القيم الإيجابية، وأن نحول النماذج الطيبة في التاريخ إلى نماذج للحاضر والمستقبل، وأن نحارب النماذج الخبيثة حتى يصبح التاريخ عندنا حركة في مجرى الحياة، لا أن يكون مجرد حالة فئوية تريد كل فئة في الحاضر أن تثأر للفئة الأخرى باسم التاريخ.
فدرس القرآن هو أن نعتبر بالتاريخ ونستذكر لنتعظ ونعرف كيف يمكن أن نحرك حاضرنا ومستقبلنا لنتفادى كلّ سلبية في ذلك التاريخ، إن من حيث القيادات السلبية أو الإيجابية، وإن من حيث الخطوط الفكرية والسياسية، وإن من حيث حركة الواقع في كل امتداداته ومشاكله وقضاياه، وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت} وسيحاسبها الله على ما كسبت إن خيراً فخير وإن شراً فشر {ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة:134].
وعلى هذا فإن علينا أن لا نستغرق في التاريخ لنتحدث عن كسبه، بل علينا أن ننفتح عليه لنأخذ منه القيم التي تمتد بامتداد الحياة، ونترك الشيء الذي يموت في التاريخ.
ولذلك فلا ينبغي أن نعتبر قضية الإمام الحسين(ع) مع جيش عبيد الله بن زياد، هي قضية سنّة وشيعة، فلا يجوز أن تطرح المسألة في هذا الإطار، بل هي كيف يحكم مثل (يزيد) المسلمين؟!، وهو ما عبّر عنه الإمام الحسين(ع) عندما أعطى من نفسه شخصية النموذج وأعطى يزيد شخصية النموذج، عندما قال "نحن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة"، وعندما قال: "ويزيد رجل شارب الخمر قاتل النفس المحرّمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله"، النموذج الصالح هناك والنموذج الطالح هنا من أجل أن يقتدي الناس بأمثال الحسين في المستقبل وأن يتجنبوا أمثال يزيد من حكام الجور.
البكاء عاطفة إنسانية ونحن نحب الحسين(ع) ولا نملك إلا أن نبكيه البكاء العفوي الذي ينطلق من عمق المحبة ومن عمق الإحساس بالمأساة، وصدق المشاعر الذي يصور هذه الحالة الحسينية الروحية العفوية "تبكيك عيني لا لأجل مثوبة.. لكنما عيني لأجلك باكية". نحن لا نملك إلا أن نبكيه والذي لا يبكي الحسين هو من القاسية قلوبهم الذين رفضهم الله في كتابه.
والتجديد في الوسائل كالمنبر الحسيني هو مما ركز عليه أئمة أهل البيت(ع)، منهم الذين صنعوا المنبر الحسيني، وشجعوا عليه وأيدوه وكان أول منبر هو منبرهم، وعندما كانوا يجتمعون بشيعتهم، فالإمام كان أول قارىء للتعزية، إذا صحّ التعبير، من باب أنهم هم الذين وجّهوا الناس، ولكن الأئمة لم يريدوا للمنبر أن يكون مجرد إثارة للعاطفة ولكن بطريقة "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، وأمر أهل البيت هو الإسلام وهو ما يرضاه الله ورسوله وهو ما يرتفع بمستوى الناس، ليعطيهم العزة والحرية والكرامة والوعي.
لذلك فلا بد أن يكون المنبر الحسيني واعياً، ولا بد أن يكون خطيب المنبر الحسيني مثقفاً يعرف الإسلام جيداً ويعرف السيرة الحسينية جيداً ويعرف الواقع الاجتماعي والسياسي من حوله جيداً حتى يعرف كيف يحوّل المنبر إلى إحياء أمرهم في خط الوعي لا إلى إماتة أمرهم في خط الجهل والتخلف.
أما بالنسبة إلى ما يُسمى (الشعائر الحسينية) فإننا نرى أنها تمثل الأساليب التعبيرية عن الحزن وعن الولاء. وأساليب التعبير تختلف بين زمن وزمن، فالبكاء أسلوب إنساني في التعبير عن الحزن، واللطم الهادىء الحزين أسلوب إنساني في التعبير عن الحزن، لكن بعض الأمور التي تضر الجسد ليست أسلوباً إنسانياً في التعبير عن الحزن، فعندما يُجرح أحد أقاربكم لا تجرحون أنفسكم مواساةً له، وعندما يجلد أحد أصدقائكم فإنكم لا تجلدون ظهوركم حزناً عليه، لأن جلد الظهر أو جرح الجسد ليس طريقة إنسانية في التعبير عن الحزن أو عن الاحتجاج، بل هي عملية تعذيب للنفس قد يرضى بها العدو أكثر مما يحزن عليها، لأنها بدلاً من أن توجه سيفك إلى عدوك توجهه إلى نفسك، لقد قلت لا مانع من أن نجرح أجسادنا ورؤوسنا في سبيل الحسين وفي خط الحسين، وأن نجلد ظهورنا في سبيل الحسين، ولكن هل تعرفون أين؟ هناك في الخط الذي جرح الحسين فيه، فلقد جرح(ع) في خط الجهاد، أتعرفون من هم الحسينيون في عاشوراء وفي الأربعين، إنهم الذين يقاتلون العدو الصهيوني من أبناء المقاومة الإسلامية الذين ينطلقون فيجرحون ويقتلون، هذه هي المواساة للحسين.
والذين يواسون السيدة زينب(ع) وأخواتها عندما جلدن على ظهورهن هم أخواتنا وأخواننا في سجون (إسرائيل) وفي سجون الطاغية، وفي سجون كل الظالمين الذين جلدوهم في الطريق الذي جلدت فيه السيدة زينب، وضربوا في الطريق الذي سارت فيه.
أيها الأحبة، اجرحوا أجسادكم، لكن بيدي أعدائكم بعد أن تجرحوهم، اجلدوا ظهوركم بالسياط ولكن بيدي أعدائكم بعد أن تجلدوهم، هذه هي المواساة. أما قصة الشعائر، فليس لك أن تصنع أنت شعيرة أو أصنع أنا شعيرة، إذ لا بد أن يأتي بها نص من النبي أو من الأئمة(ع) حتى يصح أن تقول أنها من الشعائر، فالشعائر أمور توقيفية، ولربما اختلف العلماء بالعنوان الأولي، فبعضهم يرى جلية الإضرار بالنفس إذا لم يؤدّ إلى التهلكة، وبعضهم يرى حرمة الإضرار حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة.
وأما التسهيل على الناس في الفتاوى، فالنبي(ص) يقول: "أتيتكم بالشريعة السهلة السمحاء"، فالفتاوى السهلة المنطلقة من الأدلة منسجمة مع الطابع العام للشريعة، هذا أولاً، وثانياً، فإن الله يقول: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:78]، {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة:185]، فأنا لم أفتِ بما أفتيت به للتسهيل على الناس، ولكني أفتيت بما أفتيت به كما أفتى العلماء الآخرون بما أفتوا، لأن الدليل الاجتهادي الذي هو حجة بيننا وبين الله قام على ذلك.