السيد عبدالجبار
10-03-2009, 08:50 PM
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ الزمر 23
ادلة الامامة في كتاب الله تعالى كثيرة وهي ليس ابتداع كما يدعي البعض ويقول بأن الشيعة جاء به ، بل هي نص الالهي لا يتدخل فيه البشر وكما ذكر الله عز وجل نص الانبياء والرسل كذلك ذكر الامامة . والامامة هي خلافة الله في الارض المكملة لمسيرة النبوة . وما دل على ضرورة النبوة ووجوبها صالحا للاستدلال به على وجوب الامامة لآن وجود النبوة دون الامامة وجود منقطع للآخر ، وذلك يناقض جوهر الاسلام القائم على استمرار الرسالة الى يوم القيامة . فالنبوة بداية حياة ، والامامة استمرار لتلك الحياة .
معنى الإمامة : هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به .. هي ولاية على الأُمة جميعها بأمر إلهي في جميع أمور الدنيا والدين ..
أما الإمام : وهو المنصوب بأمر الله تعالى للولاية وللرئاسة والقيادة والإمامة على الأمة الإسلامية فيجمع الأمور الدينية والدنيوية بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهو الذي يكون منصوب ومختار من قبل الله تعالى ويكون هو الخليفة الحقيقي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والموصى به من الله تعالى ، ويكون قد أختاره واصطفائه الله سبحانه على علم على العالمين من بين المسلمين لمواصفات ذاتية وأخلاقية خاص به هي التي تأهله وتصلحه وتمكنه من تعليمهم حقيقة تعاليمه وأحكامه سبحانه ، وهو الذي يتمكن من قيادتهم على الصراط المستقيم ويهديهم لسعادة الدنيا والآخرة ، وقد ذكرت هذه المواصفات في ذكر مواصفات النبي سواء في المواصفات الذاتية أو الخلقية أو العصمة أو غيرها فلا نعيدها لكونها واحدة ومنبعها واحد إلا أن الإمام ليس بنبي . فهو : من يُقتدى به ، وهو الذي يتقدم على الناس وهم يأتمون به ، ويقتدون به في قول أو فعل أو غير ذلك .. سواءً كان الإمام المتقدم عليهم محقا في تقدمه هذا أم لا (1) فنص كتاب الله تعالى كلمة " الائمة " بالمعنى المتقدم في إمامة الحق والباطل على حد سواء حيث قال :
{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ... } (2)
وجاء نص أخر كلمة ( الائمة ) في كلٍ من ائمة الحق والباطل على إنفراد ، فقال في ائمة الحق :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (3)
وقال عز من قائل :
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (4)
وقال سبحانه في أئمة الباطل والظلال :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (5)
وقال عز اسمه :
{ ... فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } (6)
وإن الإمام إما أن تكون إمامته شاملة ومطلقة فتكون عامة تشمل جميع الجهات ، كقول الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السَّلام :
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (7)
وإما أن تكون غير شاملة بل مقيدة بحدود خاصة ، فيكون إماما ضمن تلك الحدود وفي تلك الجهة المصرحة بها ، كما في إمام الجماعة أو الجمعة أو بالنسبة إلى إمامة الحجاج أو غير ذلك .
فبالإمامة : يتم صيانة دين الله وتعاليمه من الدس والتحريف والضياع والتفسير بالرأي والقياس ، وبالإمامة يحفظ المسلمون من الانحراف والاختلاف مذاهب وفرق وطوائف يكفر بعضهم بعض .
وبحث وجوب وجود الإمام المنصوب من قبل الله تعالى وفق آي القرآن والحديث سنجدهما متلازمان لا يمكن التفكيك بينهما مثلما لا يمكن التفكيك بين القرآن والعترة .
كقوله تعالى :
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ((8)
وقوله سبحانه :
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (9)
وقوله عز من قائل :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (10)
وقوله تبارك وتعالى
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (11)
وقوله جل شأنه :
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (12)
وقال تعالى :
ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون
وقطعناهم اثنتى عشرة اسباطا امما (13)
وقال تعالى :
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس
على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (14)
والإمامة ليست إلا استمراراً لأهداف النبوة ومتابعة لمسؤولياتها ، ولا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفترض الطاعة منصوب من قبل الله تعالى ، وذلك لقول الله تعالى :
{ … إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ( 15)
وهناك الكثير من الأحاديث المروية عن الرسول المصطفى صلَّى الله عليه و آله يٌصرّح فيها بعدد الأئمة من بعده ، ويذكر أسماءهم واحداً واحداً ، ولقد تواترت هذه الأحاديث بصيغ مختلفة لكن بمضمون واحد ذكرها علماء السنة ومحدثيهم كما ذكرها محدثو الشيعة وعلمائهم ، وفيما يلي نذكر بعض النماذج من هذه الأحاديث :
جاء في صحيح البخاري عن جابر:سمعت النبي(ص) يقول : إثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه يقول : كلهم من قريش (16) .
وأخرج الترمذي عن جابر نفسه قال : قال رسول الله : يكون من بعدي اثنا عشر أميراً،ثم تكلم بكلام لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : قال : كلهم من قريش .. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة ، وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو .. (17)
وفي سنن أبي داوود يقول جابر : سمعت رسول الله يقول : لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خلفة ، قال : فكبر الناس وضجوا .... ثم قال كلمة خفيت ، قلت لأبي : يا أبه ما قال ؟ قال : قال : كلهم من قريش .. (18)
فليرجع إلى كتاب البداية والنهاية لابن كثير ، في مناقشته للبيهقي ، وغيره في تفسيرهم للحديث وفتح الباري لابن حجر العسقلاني ، في مناقشه لرأي ابن الجوزي والقاضي عياض .. البداية والنهاية المجلد 3 ج 6/249-250
ويدل على أفضلية أئمتنا (ع) حديث الثقلين من جهات عديدة ، لدلالته على تقدمهم في العلم ، وغيره ، ومن الواضح أن هذه جهة تقتضي الأفضلية بلا شك .
قال التفتازاني في شرح المقاصد : وفضل العترة الطاهرة ، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة ، على ما يشير إليه ضمهم في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة (19)
وأبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني ، المتوفى سنة : 241 هجرية : عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) يقول في حجة الوداع : " لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه لا يضرّه مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمتي إثنا عشر أميراً كلهم من قريش (20) .
وقال سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة : 1294 هجرية ، بالإسناد إلى جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : " يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ـ ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام ـ ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، محمد بن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من إمتحن الله قلبه للإيمان (21) .
فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .. (22) .
ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (23) .
من هم ال البيت المقصودون في الحديث السابق ؟
لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول علماء السنة ؟
يروي مسلم في صحيحه ، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت : " قالت عائشة : خرج رسول الله ( ص ) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (24) .
ومن صحيح مسلم أيضا : . . . ولما نزلت هذه الآية - ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) - دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي .. (25)
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول ( ص ) ، بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : . . . ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم والله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده .. (26) .
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( ص ) قال : " لما نزلت هذه الآية - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي عليه السلام خلف ظهره ، فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير .. (27) .
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة : " أن رسول الله ( ص ) ، قال لفاطمة عليها السلام : آتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا ( قال ) ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد ، قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير .. (28) .
لما مر تعد الامامة من أصول الدين وليست من فروعه ، وذلك لكونها تبيين لتعاليم الله تعالى بالإضافة لكونها تعليم وتربية إلهية ، ولذا يجب البحث عن حقيقتها بالدليل المحكم والبرهان القاطع لا بالتقليد أو اتباع الأباء على العادة ، وذلك لأنه بالإمامة وبمعرفة الإمام الحق وأتباعه تعرف جميع أحكام وتعاليم الله سبحانه وتعالى الحقيقية كما بلغها نبيه الأكرم والتي يرضى التعبد بها ، ولذا بمعرفة الإمام الحق يتم التمييز بين الحق في التشريع الذي أمر الله به ويرتضي التعبد به ، وبين الباطل من البدع والمندس من الضلال الذي لا يرضى لله تعالى أن يتعبد به ، بالإضافة لكون منصب الإمامة والقيادة وأهميته يقتضي وجود أمام ووصي بعد النبي يرجع إليه المسلمون في جمع أمورهم ، وبالإضافة لكون منصب الولاية والرئاسة والقيادة في الجماعات أمر فطري وعقلي يستوجبه كل مجتمع .
إنه قد جرت سنة الله تعالى في بعثه للأنبياء السابقين من وجود وصي خليفة لهم بعدهم يرجع إليه أممهم في معرفة تعاليمه بعدهم مع استمرار أمر النبوة والرسالة .
فكيف بنبي هو خاتم الأنبياء وجاء بتعاليم هي خاتمة التعاليم الربانية وبها يريد أن يعبد وبإقامتها على حقيقتها يصل الإنسان لغايته وتمام سعادته في الدنيا والآخرة ، وأمة يريد الله بها أن تتبعها وتقتدي بها جميع الأمم ، ولا يعين لهم وصي نبي وإمام مختار على علم من عنده يجعله هو الذي يقوم بأعباء الولاية على المسلمين والقيادة لهم ويوجب عليهم اتباعه والسير وفق أمره ونهيه باعتباره استمرار للنبي يهديهم السراط المستقيم .
بل كل الشواهد تدل على ضرورة وجود قائد ورئيس على المسلمين قد وصى به النبي وارتضاه خليفة عليهم وأمرهم بإتباعه بأمر الله تعالى عناية منه بدينه وتدبير منه للأمة التي أختارها لدعوته .
بعد أن عرفنا أن منصب الإمامة لا يقل أهمية عن منصب النبوة ، وهو في الحقيقة استمرار لمنصب النبوة للحفاظ على التعاليم التي أنزلها الله تعالى على نبيه بقاءً واستمرارا كما أنزلها على نبيه حدوثاً .
فعرف إذاً أن الأمام هو استمرار لوجود النبي ومن غير نزول شريعة جديدة ، بل وجد الإمام للحفاظ على الشريعة الإلهية واستمرار لدعوتها ، وأن اختياره من قبل الله تعالى .
وقال تعالى :
فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ
فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (29)
وعلى هذا يكون متبع آل النبي له شهادة من القرآن لتزكيته في اتباعه الطريق الصحيح لأخذ تعاليمه ومن ينحرف عن آل النبي ليس له تزكية وعليه يكون عمله مرفوض ولعياذ بالله ويكون عمله و زحمته في العبودية وإتيان الأعمال في مهب الريح غير مقبولة .
حيث جعل الله تعالى أبناء النبي الحسن والحسين ، ومصداق أزواجنا فاطمة الزهراء ، وجعل نفس النبي الأمام علي ، حيث هؤلاء الذين باهل بهم النبي الأكرم نصارى نجران ، كما تشهد لهم الآية بعدم الكذب لأنه لو علم الله فيهم الكذب لما أمر النبي بالإتيان بهم للمباهلة فهم أل النبي وآله الذين أورثهم الكتاب بعد أن اصطفاهم .
وبين الله تعالى هذا كما بين أن علم القرآن عند الراسخون في العلم ، وأن هنالك من يبتغي الفتنة ، قال تعالى :
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ ت تأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (30)
ولبيان أن الناس تختلف في فهم الكتاب قال الله تعالى :
ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (31)
وبعد النبي محمد (ص) أمام المسلمين هو الامام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام الذي اعطى الزكاة وهو راكع ..هو الذي يمكنه أن يستنبط أحكام الله بعد رسول الله وقد أمرنا الله بالرد إليه كلما اختلفنا فهاتان الآيتان كما تبين العصمة للأمام لأن الله أمر بالجوع إليه في معرفة ما اختلف فيه وأنه لا يخطأ في حكم كذلك تبين مقامه في الإمامة وأحقيته بخلافة رسول الله ، تدبر قوله تعالى أولي الأمر في الآيتين وباقي ألفاظهما تصل إلى الحق بإذن الله .
قال تعالى :
وإذا جاءهم أمرٌ من الخوفِ أو الأمن أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلِمهُ الذينَ يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتُم الشيطان إلاّ قليلا (32)
وقال تعالى :
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (33)
هذا هو الولي الحق بعد الله والنبي علي ابين ابي طالب عليه السلام ، وضم هذا لما ذكرنا من كونه نفس النبي الأكرم وضم للآيات التي تصرح بعدم كذب آل البيت وتطهيرهم ووجوب المودة لهم والتقرب إليهم ، تعرف مقدار اعتناء الله تعالى بدينه وجدية دعوة من نصب المحافظين على تعاليمه سبحانه ونصب من تهتدي بهم الأمة الإسلامية وانه تعالى أقام الحجة البالغة لدين من نصب الأئمة المعصومين من آل محمد للحفاظ على تعاليمه وبيانها للناس من قبل الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .
وإن كان كل الأحاديث المبين لمقام آل محمد عليهم السلام كلها تصب في هذا المطلب : وهو أن أهل البيت مختارون من قبل الله لهداية الناس بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنهم معصومون مختارون ومطهرون من قبل الله تعالى يجب الرجوع إليهم في فهم الدين وكل ما يتعلق بمسائله بما في ذلك قيادة الأمة وفي جميع الأحكام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والحكومة وغيرها فضلاً عن الأمور العبادية الصرفة .
وفي المستدرك بلفظ : (( إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض )) (34) .
إن الإمامة : خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام .
إن الإمامة : زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الإمامة أسس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف .
الإمام : يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة ، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار .
الإمام : البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ، ولجج البحار .
الإمام : الماء العذب على الظماء ، والدال على الهدى ، والمنجي من الردى .
الإمام : النار على اليفاع ، الحار لمن اصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .
الإمام : السحاب الماطر ، والغيث الهاطل والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة .
الإمام : الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والأم البرة بالولد الصغير ، ومفزع العباد في الداهية النآد .
الإمام : أمين الله في خلقه ، وحجته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله .
الإمام : المطهر من الذنوب والمبرا عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، المرسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعز المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين .
الإمام : واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب .
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره ؟ !!
هيهات هيهات ، ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسأت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وكلت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكله ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شئ من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ، لا كيف وأنى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين .
فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ !
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم :
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (35)
وقال عز وجل :
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)
وقال :
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ *أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ *إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ *أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ *أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (37)
وقال عز وجل :
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (38)
أم ::
وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (39)
أم ::
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ *
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ *
وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (40)
أم ::
قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا (41)
والإمام : عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة ، والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله ونسل المطهرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم ، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله ، والرضا من الله عز وجل ، شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله . قال تعالى :
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ
أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (42)
وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم :
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا *
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (43)
قال الرسول (ص) مخاطبا للحسن والحسين : انتما الامامان ولآمكما الشفاعة . (45)
وقوله (ص) : وهو يشير الى الامام الحسين (ع) هذا امام ابن امام وأخو امام وابو أئمة .. (46) .
هؤلاء الأئمة الحق بعد النبي والحكام والولاة والخلفاء المطلقون على المسلمين بعد النبي واحد بعد واحد
الإمام الأول : هو أخو سيد المرسلين وأفضل المتقي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
والإمام الثاني والثالث : بعده أبناه سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام .
والإمام الرابع : بعدهما علي بن الحسن الملقب زين العابدين عليه السلام
والإمام الخامس : بعده ابنه محمد بن علي الملقب الباقر عليه السلام
والإمام السادس : بعده ابنه جعفر بن محمد الملقب بالصادق عليه السلام
والإمام السابع : بعده ابنه موسى بن جعفر الملقب بالكاظم عليه السلام
والإمام الثامن : بعده ابنه علي بن موسى الملقب بالرضا عليه السلام
و الإمام التاسع : بعده ابنه محمد بن علي الملقب بالجواد عليه السلام
والإمام العاشر : بعده ابنه علي بن محمد الملقب بالهادي عليه السلام
والإمام الحادي عشر : بعده ابنه الحسن بن علي الملقب بالعسكري عليه السلام
والإمام الثاني عشر : بعده ابنه الحجة ابن الحسن عليه السلام و الملقب بالمهدي ، المنتظر عجل الله تعالى فرجه .
واختم قولي بالاية الكريمة : ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم .. (47)
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ الزمر 23
ادلة الامامة في كتاب الله تعالى كثيرة وهي ليس ابتداع كما يدعي البعض ويقول بأن الشيعة جاء به ، بل هي نص الالهي لا يتدخل فيه البشر وكما ذكر الله عز وجل نص الانبياء والرسل كذلك ذكر الامامة . والامامة هي خلافة الله في الارض المكملة لمسيرة النبوة . وما دل على ضرورة النبوة ووجوبها صالحا للاستدلال به على وجوب الامامة لآن وجود النبوة دون الامامة وجود منقطع للآخر ، وذلك يناقض جوهر الاسلام القائم على استمرار الرسالة الى يوم القيامة . فالنبوة بداية حياة ، والامامة استمرار لتلك الحياة .
معنى الإمامة : هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به .. هي ولاية على الأُمة جميعها بأمر إلهي في جميع أمور الدنيا والدين ..
أما الإمام : وهو المنصوب بأمر الله تعالى للولاية وللرئاسة والقيادة والإمامة على الأمة الإسلامية فيجمع الأمور الدينية والدنيوية بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهو الذي يكون منصوب ومختار من قبل الله تعالى ويكون هو الخليفة الحقيقي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والموصى به من الله تعالى ، ويكون قد أختاره واصطفائه الله سبحانه على علم على العالمين من بين المسلمين لمواصفات ذاتية وأخلاقية خاص به هي التي تأهله وتصلحه وتمكنه من تعليمهم حقيقة تعاليمه وأحكامه سبحانه ، وهو الذي يتمكن من قيادتهم على الصراط المستقيم ويهديهم لسعادة الدنيا والآخرة ، وقد ذكرت هذه المواصفات في ذكر مواصفات النبي سواء في المواصفات الذاتية أو الخلقية أو العصمة أو غيرها فلا نعيدها لكونها واحدة ومنبعها واحد إلا أن الإمام ليس بنبي . فهو : من يُقتدى به ، وهو الذي يتقدم على الناس وهم يأتمون به ، ويقتدون به في قول أو فعل أو غير ذلك .. سواءً كان الإمام المتقدم عليهم محقا في تقدمه هذا أم لا (1) فنص كتاب الله تعالى كلمة " الائمة " بالمعنى المتقدم في إمامة الحق والباطل على حد سواء حيث قال :
{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ... } (2)
وجاء نص أخر كلمة ( الائمة ) في كلٍ من ائمة الحق والباطل على إنفراد ، فقال في ائمة الحق :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (3)
وقال عز من قائل :
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (4)
وقال سبحانه في أئمة الباطل والظلال :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (5)
وقال عز اسمه :
{ ... فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } (6)
وإن الإمام إما أن تكون إمامته شاملة ومطلقة فتكون عامة تشمل جميع الجهات ، كقول الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السَّلام :
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (7)
وإما أن تكون غير شاملة بل مقيدة بحدود خاصة ، فيكون إماما ضمن تلك الحدود وفي تلك الجهة المصرحة بها ، كما في إمام الجماعة أو الجمعة أو بالنسبة إلى إمامة الحجاج أو غير ذلك .
فبالإمامة : يتم صيانة دين الله وتعاليمه من الدس والتحريف والضياع والتفسير بالرأي والقياس ، وبالإمامة يحفظ المسلمون من الانحراف والاختلاف مذاهب وفرق وطوائف يكفر بعضهم بعض .
وبحث وجوب وجود الإمام المنصوب من قبل الله تعالى وفق آي القرآن والحديث سنجدهما متلازمان لا يمكن التفكيك بينهما مثلما لا يمكن التفكيك بين القرآن والعترة .
كقوله تعالى :
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ((8)
وقوله سبحانه :
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (9)
وقوله عز من قائل :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (10)
وقوله تبارك وتعالى
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (11)
وقوله جل شأنه :
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (12)
وقال تعالى :
ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون
وقطعناهم اثنتى عشرة اسباطا امما (13)
وقال تعالى :
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس
على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (14)
والإمامة ليست إلا استمراراً لأهداف النبوة ومتابعة لمسؤولياتها ، ولا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفترض الطاعة منصوب من قبل الله تعالى ، وذلك لقول الله تعالى :
{ … إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ( 15)
وهناك الكثير من الأحاديث المروية عن الرسول المصطفى صلَّى الله عليه و آله يٌصرّح فيها بعدد الأئمة من بعده ، ويذكر أسماءهم واحداً واحداً ، ولقد تواترت هذه الأحاديث بصيغ مختلفة لكن بمضمون واحد ذكرها علماء السنة ومحدثيهم كما ذكرها محدثو الشيعة وعلمائهم ، وفيما يلي نذكر بعض النماذج من هذه الأحاديث :
جاء في صحيح البخاري عن جابر:سمعت النبي(ص) يقول : إثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه يقول : كلهم من قريش (16) .
وأخرج الترمذي عن جابر نفسه قال : قال رسول الله : يكون من بعدي اثنا عشر أميراً،ثم تكلم بكلام لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : قال : كلهم من قريش .. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة ، وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو .. (17)
وفي سنن أبي داوود يقول جابر : سمعت رسول الله يقول : لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خلفة ، قال : فكبر الناس وضجوا .... ثم قال كلمة خفيت ، قلت لأبي : يا أبه ما قال ؟ قال : قال : كلهم من قريش .. (18)
فليرجع إلى كتاب البداية والنهاية لابن كثير ، في مناقشته للبيهقي ، وغيره في تفسيرهم للحديث وفتح الباري لابن حجر العسقلاني ، في مناقشه لرأي ابن الجوزي والقاضي عياض .. البداية والنهاية المجلد 3 ج 6/249-250
ويدل على أفضلية أئمتنا (ع) حديث الثقلين من جهات عديدة ، لدلالته على تقدمهم في العلم ، وغيره ، ومن الواضح أن هذه جهة تقتضي الأفضلية بلا شك .
قال التفتازاني في شرح المقاصد : وفضل العترة الطاهرة ، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة ، على ما يشير إليه ضمهم في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة (19)
وأبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني ، المتوفى سنة : 241 هجرية : عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) يقول في حجة الوداع : " لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه لا يضرّه مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمتي إثنا عشر أميراً كلهم من قريش (20) .
وقال سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة : 1294 هجرية ، بالإسناد إلى جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : " يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ـ ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام ـ ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، محمد بن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من إمتحن الله قلبه للإيمان (21) .
فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .. (22) .
ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (23) .
من هم ال البيت المقصودون في الحديث السابق ؟
لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول علماء السنة ؟
يروي مسلم في صحيحه ، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت : " قالت عائشة : خرج رسول الله ( ص ) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (24) .
ومن صحيح مسلم أيضا : . . . ولما نزلت هذه الآية - ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) - دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي .. (25)
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول ( ص ) ، بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : . . . ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم والله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده .. (26) .
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( ص ) قال : " لما نزلت هذه الآية - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي عليه السلام خلف ظهره ، فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير .. (27) .
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة : " أن رسول الله ( ص ) ، قال لفاطمة عليها السلام : آتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا ( قال ) ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد ، قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير .. (28) .
لما مر تعد الامامة من أصول الدين وليست من فروعه ، وذلك لكونها تبيين لتعاليم الله تعالى بالإضافة لكونها تعليم وتربية إلهية ، ولذا يجب البحث عن حقيقتها بالدليل المحكم والبرهان القاطع لا بالتقليد أو اتباع الأباء على العادة ، وذلك لأنه بالإمامة وبمعرفة الإمام الحق وأتباعه تعرف جميع أحكام وتعاليم الله سبحانه وتعالى الحقيقية كما بلغها نبيه الأكرم والتي يرضى التعبد بها ، ولذا بمعرفة الإمام الحق يتم التمييز بين الحق في التشريع الذي أمر الله به ويرتضي التعبد به ، وبين الباطل من البدع والمندس من الضلال الذي لا يرضى لله تعالى أن يتعبد به ، بالإضافة لكون منصب الإمامة والقيادة وأهميته يقتضي وجود أمام ووصي بعد النبي يرجع إليه المسلمون في جمع أمورهم ، وبالإضافة لكون منصب الولاية والرئاسة والقيادة في الجماعات أمر فطري وعقلي يستوجبه كل مجتمع .
إنه قد جرت سنة الله تعالى في بعثه للأنبياء السابقين من وجود وصي خليفة لهم بعدهم يرجع إليه أممهم في معرفة تعاليمه بعدهم مع استمرار أمر النبوة والرسالة .
فكيف بنبي هو خاتم الأنبياء وجاء بتعاليم هي خاتمة التعاليم الربانية وبها يريد أن يعبد وبإقامتها على حقيقتها يصل الإنسان لغايته وتمام سعادته في الدنيا والآخرة ، وأمة يريد الله بها أن تتبعها وتقتدي بها جميع الأمم ، ولا يعين لهم وصي نبي وإمام مختار على علم من عنده يجعله هو الذي يقوم بأعباء الولاية على المسلمين والقيادة لهم ويوجب عليهم اتباعه والسير وفق أمره ونهيه باعتباره استمرار للنبي يهديهم السراط المستقيم .
بل كل الشواهد تدل على ضرورة وجود قائد ورئيس على المسلمين قد وصى به النبي وارتضاه خليفة عليهم وأمرهم بإتباعه بأمر الله تعالى عناية منه بدينه وتدبير منه للأمة التي أختارها لدعوته .
بعد أن عرفنا أن منصب الإمامة لا يقل أهمية عن منصب النبوة ، وهو في الحقيقة استمرار لمنصب النبوة للحفاظ على التعاليم التي أنزلها الله تعالى على نبيه بقاءً واستمرارا كما أنزلها على نبيه حدوثاً .
فعرف إذاً أن الأمام هو استمرار لوجود النبي ومن غير نزول شريعة جديدة ، بل وجد الإمام للحفاظ على الشريعة الإلهية واستمرار لدعوتها ، وأن اختياره من قبل الله تعالى .
وقال تعالى :
فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ
فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (29)
وعلى هذا يكون متبع آل النبي له شهادة من القرآن لتزكيته في اتباعه الطريق الصحيح لأخذ تعاليمه ومن ينحرف عن آل النبي ليس له تزكية وعليه يكون عمله مرفوض ولعياذ بالله ويكون عمله و زحمته في العبودية وإتيان الأعمال في مهب الريح غير مقبولة .
حيث جعل الله تعالى أبناء النبي الحسن والحسين ، ومصداق أزواجنا فاطمة الزهراء ، وجعل نفس النبي الأمام علي ، حيث هؤلاء الذين باهل بهم النبي الأكرم نصارى نجران ، كما تشهد لهم الآية بعدم الكذب لأنه لو علم الله فيهم الكذب لما أمر النبي بالإتيان بهم للمباهلة فهم أل النبي وآله الذين أورثهم الكتاب بعد أن اصطفاهم .
وبين الله تعالى هذا كما بين أن علم القرآن عند الراسخون في العلم ، وأن هنالك من يبتغي الفتنة ، قال تعالى :
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ ت تأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (30)
ولبيان أن الناس تختلف في فهم الكتاب قال الله تعالى :
ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (31)
وبعد النبي محمد (ص) أمام المسلمين هو الامام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام الذي اعطى الزكاة وهو راكع ..هو الذي يمكنه أن يستنبط أحكام الله بعد رسول الله وقد أمرنا الله بالرد إليه كلما اختلفنا فهاتان الآيتان كما تبين العصمة للأمام لأن الله أمر بالجوع إليه في معرفة ما اختلف فيه وأنه لا يخطأ في حكم كذلك تبين مقامه في الإمامة وأحقيته بخلافة رسول الله ، تدبر قوله تعالى أولي الأمر في الآيتين وباقي ألفاظهما تصل إلى الحق بإذن الله .
قال تعالى :
وإذا جاءهم أمرٌ من الخوفِ أو الأمن أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلِمهُ الذينَ يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتُم الشيطان إلاّ قليلا (32)
وقال تعالى :
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (33)
هذا هو الولي الحق بعد الله والنبي علي ابين ابي طالب عليه السلام ، وضم هذا لما ذكرنا من كونه نفس النبي الأكرم وضم للآيات التي تصرح بعدم كذب آل البيت وتطهيرهم ووجوب المودة لهم والتقرب إليهم ، تعرف مقدار اعتناء الله تعالى بدينه وجدية دعوة من نصب المحافظين على تعاليمه سبحانه ونصب من تهتدي بهم الأمة الإسلامية وانه تعالى أقام الحجة البالغة لدين من نصب الأئمة المعصومين من آل محمد للحفاظ على تعاليمه وبيانها للناس من قبل الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .
وإن كان كل الأحاديث المبين لمقام آل محمد عليهم السلام كلها تصب في هذا المطلب : وهو أن أهل البيت مختارون من قبل الله لهداية الناس بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنهم معصومون مختارون ومطهرون من قبل الله تعالى يجب الرجوع إليهم في فهم الدين وكل ما يتعلق بمسائله بما في ذلك قيادة الأمة وفي جميع الأحكام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والحكومة وغيرها فضلاً عن الأمور العبادية الصرفة .
وفي المستدرك بلفظ : (( إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض )) (34) .
إن الإمامة : خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام .
إن الإمامة : زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الإمامة أسس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف .
الإمام : يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة ، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار .
الإمام : البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ، ولجج البحار .
الإمام : الماء العذب على الظماء ، والدال على الهدى ، والمنجي من الردى .
الإمام : النار على اليفاع ، الحار لمن اصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .
الإمام : السحاب الماطر ، والغيث الهاطل والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة .
الإمام : الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والأم البرة بالولد الصغير ، ومفزع العباد في الداهية النآد .
الإمام : أمين الله في خلقه ، وحجته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله .
الإمام : المطهر من الذنوب والمبرا عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، المرسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعز المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين .
الإمام : واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب .
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره ؟ !!
هيهات هيهات ، ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسأت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وكلت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكله ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شئ من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ، لا كيف وأنى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين .
فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ !
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم :
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (35)
وقال عز وجل :
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)
وقال :
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ *أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ *إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ *أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ *أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (37)
وقال عز وجل :
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (38)
أم ::
وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (39)
أم ::
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ *
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ *
وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (40)
أم ::
قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا (41)
والإمام : عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة ، والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله ونسل المطهرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم ، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله ، والرضا من الله عز وجل ، شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله . قال تعالى :
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ
أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (42)
وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم :
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا *
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (43)
قال الرسول (ص) مخاطبا للحسن والحسين : انتما الامامان ولآمكما الشفاعة . (45)
وقوله (ص) : وهو يشير الى الامام الحسين (ع) هذا امام ابن امام وأخو امام وابو أئمة .. (46) .
هؤلاء الأئمة الحق بعد النبي والحكام والولاة والخلفاء المطلقون على المسلمين بعد النبي واحد بعد واحد
الإمام الأول : هو أخو سيد المرسلين وأفضل المتقي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
والإمام الثاني والثالث : بعده أبناه سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام .
والإمام الرابع : بعدهما علي بن الحسن الملقب زين العابدين عليه السلام
والإمام الخامس : بعده ابنه محمد بن علي الملقب الباقر عليه السلام
والإمام السادس : بعده ابنه جعفر بن محمد الملقب بالصادق عليه السلام
والإمام السابع : بعده ابنه موسى بن جعفر الملقب بالكاظم عليه السلام
والإمام الثامن : بعده ابنه علي بن موسى الملقب بالرضا عليه السلام
و الإمام التاسع : بعده ابنه محمد بن علي الملقب بالجواد عليه السلام
والإمام العاشر : بعده ابنه علي بن محمد الملقب بالهادي عليه السلام
والإمام الحادي عشر : بعده ابنه الحسن بن علي الملقب بالعسكري عليه السلام
والإمام الثاني عشر : بعده ابنه الحجة ابن الحسن عليه السلام و الملقب بالمهدي ، المنتظر عجل الله تعالى فرجه .
واختم قولي بالاية الكريمة : ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم .. (47)