القلب الصبور
12-03-2009, 02:20 PM
الانبياء والمرسلين و على آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين
http://www.jannatalhusain.info/2009//uploads/images/JannatAlhusain-99cd930ffc.jpg
سماحة المرجع الاعلى آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله العالي في كلمة بمناسبة ذكرى مولد النبي الأكرم صلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم يصادف السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ذكرى ميلاد منقذ البشرية وسيد الكائنات الرسول الأعظم محمد المصطفى صلّى الله عليه وآله، وحفيده الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه. ونحن بفضل الله تعالى من أتباع هذين العظيمين وما يرشدان إليه؛ فنحن على اسلام النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله والمذهب والطريق المؤدّي إليه الذي بينه لنا الإمام الصادق سلام الله عليه وسائر أهل البيت مولاتنا وسيدتنا فاطمة الزهراء وساداتنا وموالينا الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، إضافة إلى أننا وإياكم نعتبر ـ إلى حدّ ما ـ من مبلّغي الناس ومرشديهم إلى الإسلام وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم.
أعرض أمرين أذكّر بهما إخواني من العلماء الأعلام والمدرّسين الكرام والوعاظ الأعزّة دامت تأييداتهم:
الأوّل: سواء عملنا أم لم نعمل، وسواء عملنا كثيراً أم قليلاً، فإن الله عزّ وجلّ غنيّ عنا، ومن عسانا نكون؟ بل إن الله غنيّ حتى عن أنبيائه.
في القرآن الكريم آية يستفاد منها كل هذه المعاني، وهي قوله تعالى: «لَوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا»(1). فلم يكن ليعجز الله شيء، وكان بإمكانه أن يخلق الناس كلهم كأبي ذر وسلمان، بل يخلقهم كلّهم معصومين، ولكنه سبحانه شاء بحكمته أن يعمل هذا المقدار من قدرته، فخلق عباده على مستويات مختلفة. فخلق من لا يضاهى في مستواه كرسول الله صلّى الله عليه وآله، وخلق المعصومين الذين يلونه في الفضل، ولا يرقى إلى مستواهم أحد، ثم المستويات المختلفة لعامة الناس ـ صعوداً ونزولاً ـ .
إذن لا منّة لنا على الله، ولا يمكننا أن نمنّ عليه تعالى، ولا يمكننا حتى التفكير بأن نعمل عملاً يحقّق لله نفعاً أو يدفع عنه ضرّاً؛ لأن ليس لله تعالى ضرّ لندفعه ولا حاجة لننفعه. فكل ما نعمله من الصالحات إنّما هو لنا وينفعنا ومن أجل أنفسنا في الحقيقة. فمهما زدنا من الحسنات أو قللنا من السيئات ففي صحيفة أعمالنا، وهو رصيد لنا في حسابنا في الآخرة، ومهما بدر منا من تقصير أو قصور فحسرته تبقى لنا أيضاً.
الثاني: ماذا يراد منا؟ وما الذي نستطيع القيام به؟ قال الله تعالى: مخاطباً نبيّه صلّى الله عليه وآله: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(2)؛ أي كلّ بشر له قابلية التكليف.
فكم من هؤلاء البشر الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من ستة مليارات نسمة يعلمون أنّ محمداً صلّى الله عليه وآله رسول الله إليهم جميعاً؟ وكم بالمئة منهم مسلمون؟ ثم كم بالمئة من المسلمين يعرف ما هو الإسلام؟ وكم بالمئة تابعون لأهل البيت ويعرفون الإمام الصادق سلام الله عليه وسائر أئمة أهل البيت سلام الله عليهم؟ وهؤلاء الذين يعرفون كم هي نسبة معرفتهم؟ لو أردنا أن نقوم بمحاسبة دقيقة فسنكتشف أنهم قليلون جدّاً.
مرّت فترات طويلة في السابق لم يكن العمل فيها هيناً وسهلاً، وكان الطواغيت وأعداء الله يقتلون المئات والآلاف بل عشرات الآلاف ومئات الآلاف من أجل كلمة واحدة.
فما أكثر الذين عذّبوا وقُتلوا من أجل ذكر اسم أهل البيت سلام الله عليهم في معظم بلاد الدنيا.
في إيران نفسها يذكر المؤرخون أن الشيعة عانوا الأمرّين في بعض العصور السابقة. ففي عصر السلاجقة ـ مثلاً ـ كان يؤتى بالشيعي ثم يختم على جبينه بحديدة محماة محمرّة منقوش عليها اسم أبي بكر وعمر. وذكروا (أنّ من كان يُصنع به كذلك كان لا يخرج من داره إلى آخر عمره)؛ ربّما خشية الشماتة والاستهزاء من أعداء الشيعة، أو خجلاً من أقرانهم الشيعة. وكان من بينهم العالم والتاجر والطبيب والمثقف؛ لأنهم كانوا يصنعون ذلك بشخصيات الشيعة في الغالب.
فقد جاء في كتاب (آثار البلاد وأخبار العباد) للقزويني من القرن السابع الهجري وكذا في (تاريخ آل بويه) بالفارسية، وكتب أخرى: أنه لو اضطرّ أحدهم للخروج عصّب جبينه كالمصاب بالصداع أو البرد، لئلا يُعرف.
أمّا اليوم فلم يعد الأمر هكذا، ولو وجد ففي مناطق محدودة من العالم. أما في السابق فكانت هذه هي الحالة العامّة. ومع ذلك لم يقصّر الشيعة أو يقعدوا أو يتخاذلوا سواء علماؤهم أم عامتهم رجالاً ونساءً، شيباً وشبّاناً.
وما نشهد اليوم من التشيع في إيران وغيرها إنما هو نتيجة تلك الجهود التي بذلت في تلك الظروف القاسية.
واليوم لم تعد تلك المشاكل موجودة ولم تعد الظروف كالسابق أو انها قليلة أو موجودة في أماكن محدودة من العالم. اما في السابق فكان العالم معظمه هكذا. ومع ذلك، لم يقصّر الشيعة وأوصلوا لنا التشيّع، وهذا يعني أن مسؤوليتنا اليوم في ظلّ المتاح من الحريات أكبر بكثير؛ والمهمة واحدة وهي الإيصال. علينا أن نوصل رسالة الإسلام والتشيع إلى العالم أجمع، تحقيقاً لقوله تعالى: (إلَى النّاسِ جَميعاً) . ولا شك أن هذا يتطلّب الكثير من العمل، وبحاجة إلى طاقات ومقدّمات كثيرة. فعلى من تقع مسؤولية إعداد مقدمات الوجود؟ إنها مسؤولية عامّة مشتركة تقع على عاتق الجميع. كلنا مكلّفون بتهيئة هذه المقدمات، كلٌّ حسب مستواه وطاقته؛ حتى يتحقق قوله تعالى: «أقِيمُوا الدّين»(3) وتهيأ الأرضية لظهور مولانا بقية الله من العترة الطاهرة الإمام الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله وسلامه عليه.
ذكروا في أحوال العلامة المجلسي أن شخصاً بعد زمانه يركب البحر مع جماعة فتعرضت سفينتهم لأمواج عاتية وتمزقت على أثرها وغرق كثير من ركّابها. وكان من بينهم شخص متشبث بخشية فأوصل نفسه إلى جزيرة ما، وعندما حلّ بين أهلها رأى أنهم جميعاً من أتباع أهل البيت سلام الله عليهم. وهذا الأمر كان مستغرباً في تلك العصور. فمن الذي وصل لهؤلاء وهداهم إلى التشيّع؟ وعادةً الجزر النائبة المنقطعة في البحار لا يتدين أهلها بدين غالباً، لأنه لا يصلهم أحد بسهولة لكي ينقل إليهم ديناً ما. وبعد التحقيق تبين له أن شخصاً مثله قبل عدة من السنين قد كسرت سفينته في عرض البحر واستطاع أن يوصل نفسه إلى هذه الجزيرة عبر قطعة منها تشبث بها وكان يحمل معه أحد كتب العلامة المجلسي، وعندما رأى إن هؤلاء لا دين لهم ولا يعرفون شيئاً من أصول العقائد والأحكام ما عدا تلك المبادئ الفطرية العامة التي فطر الله الناس عليها. شمّر عن ساعد الجد واستطاع بعد التوكل على الله تعالى أن يغيّرهم جميعاً مستفيداً من ذلك الكتاب، أي أصبح كتاب واحد سبباً لهداية جزيرة بأكملها.
إذن يمكن التغيير حتى بأبسط الوسائل ولكن ذلك يتطلب جهداً وعملاً دؤوباً. فمما لا شك فيه أن ذلك الرجل عندما حلّ في تلك الجزيرة لم يفكر في الاستراحة أو العمل بالزراعة مثلاً، وإنما بذل جهوداً كبيرة، وظلّ يتنقّل بين أهلها يعرض عليهم تعاليم الإسلام وأهل البيت سلام الله عليهم حتى استطاع أن يحقق ذلك التغيير الكبير فيهم، وقد ساعده في ذلك أنهم كانوا أرضاً خصبة مهيّأة لتقبّل الأفكار الصحيحة؛ لأن معاول التخريب الفكري والعقيدي المضادة لم تعمل فيهم، ولم يكن هناك من يعاكسه في عمله أو يحاربه، فكانت الأرضية والأجواء مهيأة له من هذه الجهة.
هذه قصة. وأما القصة الأخرى ـ وقد قال الله تعالى: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب»(4)ـ فتعود لأخوين عالمين أدركتهما وهما الشيخ أحمد أمين الأنطاكي والشيخ محمد مرعي الانطاكي رضوان الله عليهما. وكانت لي جلسات عديدة معهما، عاش هذان العالمان قبل أكثر من خمسين سنة، أي في حياة المرجع الديني آية الله العظمى البروجردي والعلاّمة الآية الكبرى السيد عبد الحسين شرف الدين رحمة الله عليهما، فقد توفي المرحوم شرف الدين قبل بضع سنوات من وفاة المرجع البروجردي رحمه الله.
كان هذان الأخوان علماء غير شيعة يعيشان في قرى أطراف مدينة حلب. وشاء الله تعالى أن يقع بين يدي أحدهما نسخة من كتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين رحمه الله. ولم يكن الشخص إنساناً عادياً بل كان عالماً وإماماً في منطقته. وعندما طالع الكتاب دهش بما جاء فيه؛ فبدأ بمراجعة الكتب الأخرى للتأكّد والمقارنة، فاكتشف أنّ كل ما جاء في (المراجعات) صحيح ودقيق، فتحوّل على أثر ذلك إلى مذهب التشيع لآل البيت سلام الله عليهم ولكنه كتم إيمانه، فكان كما قال الله تعالى: «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»(5).
ثم عرض الكتاب على أخيه، فرفض الأخ في البداية بشدّة وقال ـ كما ورد في ما كتبوه بعد ذلك ـ ومن هم الشيعة لأقرأ كتابهم؟ إن هؤلاء ليس عندهم مقال يعتدّ به جدير أن يقرأ، وما أشبه. ولكن حبّ الإطلاع دفعه لتصفّحه في إحدى الليالي، وانتهي به المطاف إلى التشيّع هو الآخر.
ثم تسرّب الخبر شيئاً فشيئاً إلى بعض المقرّبين من أتباعهما، واكتشف أمر تشيّعهما وأصبح معلناً بعد فترة من الزمن.
وكانت تلك المنطقة تتمتع بحرية، أي لم يكن هذا الأمر يعرّضهم للمحاسبة والبلاء، ولكن عندما انتهى الخبر إلى مسؤول رواتب العلماء وأئمة المساجد هناك قطع مرتبهما الشهري، وكان (300) ليرة وهو مبلغ جيّد في تلك الأيام.
وكما هو معلوم أنّ علماء الشيعة طول التاريخ لا يتقاضون رواتبهم من الدولة بل يتمتعون باستقلالية من هذه الجهة أيضاً، لأنّ الأئمة الأطهار سلام الله عليهم هم الذين أمروا شيعتهم بدفع حقوقهم الشرعية إلى علماء الدين ليصرفوها في مجال التبليغ ويؤمّنوا معاشهم في حدود الاقتصاد أيضاً عن هذا الطريق؛ لذلك فمهما مارست الحكومات عليهم من ضغوط وصبّت عليهم من ألوان العذاب يبقى مصدر رزقهم محفوظاً لا يستطيعون التأثير عليه. أما الكثير من علماء المذاهب الأخرى فمرتبطون بالحكومات من هذه الجهة. ولذلك بقي هذان العالمان حائرين لا يدريان ما يصنعان؟ فمن جهة لا يريدان الرجوع عن مذهب الحق، ومن جهة أخرى أصبح أمرهما مكشوفاً لا يمكنهما إنكاره؟ لذلك ذهبا إلى المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين وشرحا له القضية، فكتب رحمه الله رسالة إلى المرحوم السيد البروجردي ـ وكانا قد تتلمذا معاً على المرحوم الآخوند في النجف الأشرف ـ شرح له فيها قضية هذين العالمين وأوصاه بهما.
فكلّف السيد البروجردي شخصاً أن يعطيهما نفس المبلغ الذي كانا يتقاضيانه كل شهر سابقاً، وهكذا تم تأمين معاشهما، واستمرّا على هذه الحال حتى وفاة السيد البروجردي، حيث انشغلا بالتبليغ والهداية في منطقتهما، ولم تعترضهما الحكومة آنذاك بل اكتفت بقطع مرتبيهما.
لقد التقيت هذين العالمين بعد وفاة السيد البروجردي فقالا لي:
لقد اهتدى على يدينا منذ الفترة التي اهتدينا فيها حتى اليوم الذي قطعت فيه الحكومة مرتبنا اكثر من ألف شخص. أما مجموع الذين اهتدوا بعد سنوات من ذلك التاريخ فقد زاد عددهم خمسة آلاف، لأنهم بدأوا بممارسة التبليغ الى مذهب أهل البيت بصورة علنية، وكانت الأرضية مهيّأة لهما، والساحة خالية، إلى حدّ ما.
بعد وفاة المرحوم البروجردي بدءا بالتنقل إلى ايران والعراق والخليج، وكانت للقاءاتهما ثمرات مهمّة؛ لأنهما كانا ينقلان قصتهما من جهة ومن جهة أخرى صارا يحتكّان بسائر علماء الشيعة وخطباء الشيعة وتجار الشيعة ومثقفي الشيعة، وهكذا من غير الشيعة.
وعندما التقى الشيخ أحمد أمين (وهو الأخ الأكبر) بالمرحوم الأخ آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي أعلى الله درجاته، رغّبه بأن يكتب قصّة تشيّعه. وقال: إن قصتي مفصّلة جداً. فقال له الأخ: ليس بالضرورة أن يكون الكتاب استدلالياً فيه بحث علميّ مفصل، بل يكفي أن يكون قصصياً وإن تخللته استدلالات بسيطة وقليلة. فبدأ به، وألّف كتيّباً في حوالي ستين صفحة، وطبعه في نفس الأيام باسم: (في طريقي إلى التشيّع) وكان كتيّباً جميلاً حقاً، لأنه كتبه بأسلوب قصصي جميل ضمّنه استدلالات مختصرة.
ثم ألّف أخوه (الشيخ محمد مرعي) كتاباً مفصلاً بعد ذلك، طبع بعد سنوات، سمّاه: (لماذا اخترت مذهب أهل البيت) وقد طبع الكتابان مراراً.
ووفّقا بعد ذلك لهداية كثير من الناس وإعداد كثير من الطلبة والمبلغين في هذا المجال، ويعلم الله كم بلغ عدد الذين اهتدى بسببهم منذ ذلك التاريخ حتى وفاتهما وبعد ذلك أيضاً حتى يومنا هذا، وسيتواصل ذلك في المستقبل بإذن الله تعالى.
أقول: كلّ ذلك يعود إلى كتاب واحد، هو كتاب (المراجعات)، وهذا يكشف عن أهمية الكتابة والتأليف وبذل الجهد في طريق الهداية والتبليغ وعدم اليأس في هذا المجال أبداً. قد لا يؤثر مئة كتاب، ولكن الكتاب الذي يؤثر هو على كل حال، واحد من هذه الكتب.
رسالتكم أيها العلماء الإبلاغ للعالم أجمع. ولا تنحصر مهمتكم في الإيصال للعالم الاسلامي وحده، فلو وصلت الصورة الحقيقية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام الصادق سلام الله عليه للعالم المسيحي ودنيا اليهود وأوساط المجوس وأجواء المشركين وغيرهم من الملحدين وهكذا لغيّرت كثيراً من النظرة للإسلام والتشيع وحوّلت الكثيرين.
لقد استطاع المبلغون الصادقون أن يُحدثوا كل هذا التغيير رغم صعوبة الظروف وقلة الحريات وضعف الإمكانات ووسائل التعبير والإيصال في السابق، فلماذا لا نتوقع التغيير ونحن في هذا العصر الذي يمتاز بالانفتاح والحريات؟
لو قام أحد بتقصٍّ لمعرفة الذين أسلموا عبر التاريخ من علماء غير المسلمين ـ فضلاً عن عامّتهم ـ وعدد الذين اهتدوا إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم من علماء المذاهب الأخرى ـ فضلاً عن أتباعهم ـ لفوجئ بعدد كبير يفوق المئات والمئات ولعلّه يُعدّ بالآلاف، ولكن لا توجد مع الأسف إحصائية دقيقة في هذا المجال.
قبل حوالي مئتي سنة كان يعيش في إيران عالم مسيحي نشيط جداً حتى أنه أصبح قساً وهو في الثانية عشرة من عمره، ونقل الى الفاتيكان لتربيته وإعداده، وكان يتمتع بذكاء وجدّ بالغين. وبعد عودته من الفاتيكان صادقه أحد اهل العلم من أمثالكم واستطاع ان يغيّره بعد مدة من التباحث والمناقشة ـ لا يهمّ كم طالت ـ فأصبح شيعياً وبدّل اسمه الى محمد صادق وألّف كتباً في الدفاع عن الإسلام وردّ المسيحية أحدها يتألف من عشرة مجلدّات تحمل عنوان (بيان الحق) خصّ المجلد الرابع منه ـ في الطبعة القديمة الحجرية ـ للحديث عن شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وتاريخه، لو طبع هذا المجلد بطبعة جديدة ربما زاد على الأربعة مجلدات؛ ذكر في هذا المجلد معاجز للنبيّ صلى الله عليه وآله لم أرها في البحار وناسخ التواريخ وأمثالهما، نقلها من بعض كتب النصارى.
وهذا كله يدلّ على حسن الإبلاغ في تلك الأزمنة، واليوم يمكننا أيضاً أن نقوم بنفس الدور إن لم نقل أفضل. فعلينا توفير المقدمات اللازمة لإيصال الإسلام إلى العالم كلّه؛ لأن إرادة الله تعلقت بإيصال هذه الراسلة الى البشرية أجمع.
لا يحدثنا التاريخ عن التغير بين علماء النصارى فقط، بل كان هناك أيضاً من اليهود من أسلم وتشيّع. وقد نقلوا قصصاً عنهم في العراق وغيره. ومنهم من ألّف كتبا بعد تحوّله وهم ليسوا قلّة.
لقد كان لليهودية أتباع في العراق حتى أنه كان عندهم ـ كما قرأت في التاريخ ـ خمس حوزات علمية كانت إحداها في منطقة الكفل، والبقية في المناطق الأخرى، لا أقول خمسة علماء بل خمس حوزات، ولكن الواقع اليوم مختلف تماماً، فقد تحوّل كثير من أولئك للإسلام والتشيّع.
ومنطقة الكفل المسماة باسم النبي ذي الكفل (على نبينا وآله وعليه السلام) لوجود قبره هناك تقع في منطقة تبعد عدة كيلومترات عن النجف وكربلاء المقدستين، كان يعيش فيها اليهود وكانت فيها إحدى حوزاتهم. وكان العلماء من المدينتين يذهبون اليها في أيام العطل يتباحثون مع علماء اليهود واستطاعوا أن يحوّلوا عديدين منهم، حتى أن المرحوم الشيخ الأنصاري يشير في كتابه (الرسائل) في باب الاستصحاب واستصحاب الشرائع السابقة الى إحدى هذه المباحثات التي كانت تجري بين علماء الشيعة واليهود، حيث يحتجّ ذلك العالم اليهودي بالاستصحاب، بدعوى أن نبوّة موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام لها يقين سابق، وشكّ لاحق، وقاعدة الاستصحاب تقضي عدم نقض اليقين السابق بالشكّ اللاحق... ولكنه اهتدى أخيراً.
اليوم الأمور أسهل ولكن لابد من بذل الجهد، وهذه سنّة الحياة الدنيا، فلا يوجد عمل من دون جهد وصعوبات.
فكما يتحمل أحدنا الصعوبات في مجالات حياته العامة فكذلك ينبغي أن يتحمل الصعوبات في طريق إعداد مقدمات الوجود لإيصال رسالة النبي والائمة عليهم السلام الى العالم.
وإني في هاتين المناسبتين العزيزتين إذ أهنئ أولاً سيدي ومولاي بقية الله الإمام المهدي الموعود صلوات الله عليه وعجّل فرجه الشريف، وثانياً عموم الأمة الإسلامية ولاسيما أتباع اهل البيت وبخاصة حملة الإسلام والشيّع في الحوزات العلمية المباركة من المراجع العظام والفقهاء الكرام والطلبة الأعزاء، أبتهل الى الله تعالى أن يزيد في توفيقنا جميعاً لبذل كل ما بوسعنا في طريق ايصال رسالة الإسلام والتشيّع للعالم أجمع.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
منقول
http://www.jannatalhusain.info/2009//uploads/images/JannatAlhusain-99cd930ffc.jpg
سماحة المرجع الاعلى آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله العالي في كلمة بمناسبة ذكرى مولد النبي الأكرم صلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم يصادف السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ذكرى ميلاد منقذ البشرية وسيد الكائنات الرسول الأعظم محمد المصطفى صلّى الله عليه وآله، وحفيده الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه. ونحن بفضل الله تعالى من أتباع هذين العظيمين وما يرشدان إليه؛ فنحن على اسلام النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله والمذهب والطريق المؤدّي إليه الذي بينه لنا الإمام الصادق سلام الله عليه وسائر أهل البيت مولاتنا وسيدتنا فاطمة الزهراء وساداتنا وموالينا الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، إضافة إلى أننا وإياكم نعتبر ـ إلى حدّ ما ـ من مبلّغي الناس ومرشديهم إلى الإسلام وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم.
أعرض أمرين أذكّر بهما إخواني من العلماء الأعلام والمدرّسين الكرام والوعاظ الأعزّة دامت تأييداتهم:
الأوّل: سواء عملنا أم لم نعمل، وسواء عملنا كثيراً أم قليلاً، فإن الله عزّ وجلّ غنيّ عنا، ومن عسانا نكون؟ بل إن الله غنيّ حتى عن أنبيائه.
في القرآن الكريم آية يستفاد منها كل هذه المعاني، وهي قوله تعالى: «لَوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا»(1). فلم يكن ليعجز الله شيء، وكان بإمكانه أن يخلق الناس كلهم كأبي ذر وسلمان، بل يخلقهم كلّهم معصومين، ولكنه سبحانه شاء بحكمته أن يعمل هذا المقدار من قدرته، فخلق عباده على مستويات مختلفة. فخلق من لا يضاهى في مستواه كرسول الله صلّى الله عليه وآله، وخلق المعصومين الذين يلونه في الفضل، ولا يرقى إلى مستواهم أحد، ثم المستويات المختلفة لعامة الناس ـ صعوداً ونزولاً ـ .
إذن لا منّة لنا على الله، ولا يمكننا أن نمنّ عليه تعالى، ولا يمكننا حتى التفكير بأن نعمل عملاً يحقّق لله نفعاً أو يدفع عنه ضرّاً؛ لأن ليس لله تعالى ضرّ لندفعه ولا حاجة لننفعه. فكل ما نعمله من الصالحات إنّما هو لنا وينفعنا ومن أجل أنفسنا في الحقيقة. فمهما زدنا من الحسنات أو قللنا من السيئات ففي صحيفة أعمالنا، وهو رصيد لنا في حسابنا في الآخرة، ومهما بدر منا من تقصير أو قصور فحسرته تبقى لنا أيضاً.
الثاني: ماذا يراد منا؟ وما الذي نستطيع القيام به؟ قال الله تعالى: مخاطباً نبيّه صلّى الله عليه وآله: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(2)؛ أي كلّ بشر له قابلية التكليف.
فكم من هؤلاء البشر الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من ستة مليارات نسمة يعلمون أنّ محمداً صلّى الله عليه وآله رسول الله إليهم جميعاً؟ وكم بالمئة منهم مسلمون؟ ثم كم بالمئة من المسلمين يعرف ما هو الإسلام؟ وكم بالمئة تابعون لأهل البيت ويعرفون الإمام الصادق سلام الله عليه وسائر أئمة أهل البيت سلام الله عليهم؟ وهؤلاء الذين يعرفون كم هي نسبة معرفتهم؟ لو أردنا أن نقوم بمحاسبة دقيقة فسنكتشف أنهم قليلون جدّاً.
مرّت فترات طويلة في السابق لم يكن العمل فيها هيناً وسهلاً، وكان الطواغيت وأعداء الله يقتلون المئات والآلاف بل عشرات الآلاف ومئات الآلاف من أجل كلمة واحدة.
فما أكثر الذين عذّبوا وقُتلوا من أجل ذكر اسم أهل البيت سلام الله عليهم في معظم بلاد الدنيا.
في إيران نفسها يذكر المؤرخون أن الشيعة عانوا الأمرّين في بعض العصور السابقة. ففي عصر السلاجقة ـ مثلاً ـ كان يؤتى بالشيعي ثم يختم على جبينه بحديدة محماة محمرّة منقوش عليها اسم أبي بكر وعمر. وذكروا (أنّ من كان يُصنع به كذلك كان لا يخرج من داره إلى آخر عمره)؛ ربّما خشية الشماتة والاستهزاء من أعداء الشيعة، أو خجلاً من أقرانهم الشيعة. وكان من بينهم العالم والتاجر والطبيب والمثقف؛ لأنهم كانوا يصنعون ذلك بشخصيات الشيعة في الغالب.
فقد جاء في كتاب (آثار البلاد وأخبار العباد) للقزويني من القرن السابع الهجري وكذا في (تاريخ آل بويه) بالفارسية، وكتب أخرى: أنه لو اضطرّ أحدهم للخروج عصّب جبينه كالمصاب بالصداع أو البرد، لئلا يُعرف.
أمّا اليوم فلم يعد الأمر هكذا، ولو وجد ففي مناطق محدودة من العالم. أما في السابق فكانت هذه هي الحالة العامّة. ومع ذلك لم يقصّر الشيعة أو يقعدوا أو يتخاذلوا سواء علماؤهم أم عامتهم رجالاً ونساءً، شيباً وشبّاناً.
وما نشهد اليوم من التشيع في إيران وغيرها إنما هو نتيجة تلك الجهود التي بذلت في تلك الظروف القاسية.
واليوم لم تعد تلك المشاكل موجودة ولم تعد الظروف كالسابق أو انها قليلة أو موجودة في أماكن محدودة من العالم. اما في السابق فكان العالم معظمه هكذا. ومع ذلك، لم يقصّر الشيعة وأوصلوا لنا التشيّع، وهذا يعني أن مسؤوليتنا اليوم في ظلّ المتاح من الحريات أكبر بكثير؛ والمهمة واحدة وهي الإيصال. علينا أن نوصل رسالة الإسلام والتشيع إلى العالم أجمع، تحقيقاً لقوله تعالى: (إلَى النّاسِ جَميعاً) . ولا شك أن هذا يتطلّب الكثير من العمل، وبحاجة إلى طاقات ومقدّمات كثيرة. فعلى من تقع مسؤولية إعداد مقدمات الوجود؟ إنها مسؤولية عامّة مشتركة تقع على عاتق الجميع. كلنا مكلّفون بتهيئة هذه المقدمات، كلٌّ حسب مستواه وطاقته؛ حتى يتحقق قوله تعالى: «أقِيمُوا الدّين»(3) وتهيأ الأرضية لظهور مولانا بقية الله من العترة الطاهرة الإمام الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله وسلامه عليه.
ذكروا في أحوال العلامة المجلسي أن شخصاً بعد زمانه يركب البحر مع جماعة فتعرضت سفينتهم لأمواج عاتية وتمزقت على أثرها وغرق كثير من ركّابها. وكان من بينهم شخص متشبث بخشية فأوصل نفسه إلى جزيرة ما، وعندما حلّ بين أهلها رأى أنهم جميعاً من أتباع أهل البيت سلام الله عليهم. وهذا الأمر كان مستغرباً في تلك العصور. فمن الذي وصل لهؤلاء وهداهم إلى التشيّع؟ وعادةً الجزر النائبة المنقطعة في البحار لا يتدين أهلها بدين غالباً، لأنه لا يصلهم أحد بسهولة لكي ينقل إليهم ديناً ما. وبعد التحقيق تبين له أن شخصاً مثله قبل عدة من السنين قد كسرت سفينته في عرض البحر واستطاع أن يوصل نفسه إلى هذه الجزيرة عبر قطعة منها تشبث بها وكان يحمل معه أحد كتب العلامة المجلسي، وعندما رأى إن هؤلاء لا دين لهم ولا يعرفون شيئاً من أصول العقائد والأحكام ما عدا تلك المبادئ الفطرية العامة التي فطر الله الناس عليها. شمّر عن ساعد الجد واستطاع بعد التوكل على الله تعالى أن يغيّرهم جميعاً مستفيداً من ذلك الكتاب، أي أصبح كتاب واحد سبباً لهداية جزيرة بأكملها.
إذن يمكن التغيير حتى بأبسط الوسائل ولكن ذلك يتطلب جهداً وعملاً دؤوباً. فمما لا شك فيه أن ذلك الرجل عندما حلّ في تلك الجزيرة لم يفكر في الاستراحة أو العمل بالزراعة مثلاً، وإنما بذل جهوداً كبيرة، وظلّ يتنقّل بين أهلها يعرض عليهم تعاليم الإسلام وأهل البيت سلام الله عليهم حتى استطاع أن يحقق ذلك التغيير الكبير فيهم، وقد ساعده في ذلك أنهم كانوا أرضاً خصبة مهيّأة لتقبّل الأفكار الصحيحة؛ لأن معاول التخريب الفكري والعقيدي المضادة لم تعمل فيهم، ولم يكن هناك من يعاكسه في عمله أو يحاربه، فكانت الأرضية والأجواء مهيأة له من هذه الجهة.
هذه قصة. وأما القصة الأخرى ـ وقد قال الله تعالى: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب»(4)ـ فتعود لأخوين عالمين أدركتهما وهما الشيخ أحمد أمين الأنطاكي والشيخ محمد مرعي الانطاكي رضوان الله عليهما. وكانت لي جلسات عديدة معهما، عاش هذان العالمان قبل أكثر من خمسين سنة، أي في حياة المرجع الديني آية الله العظمى البروجردي والعلاّمة الآية الكبرى السيد عبد الحسين شرف الدين رحمة الله عليهما، فقد توفي المرحوم شرف الدين قبل بضع سنوات من وفاة المرجع البروجردي رحمه الله.
كان هذان الأخوان علماء غير شيعة يعيشان في قرى أطراف مدينة حلب. وشاء الله تعالى أن يقع بين يدي أحدهما نسخة من كتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين رحمه الله. ولم يكن الشخص إنساناً عادياً بل كان عالماً وإماماً في منطقته. وعندما طالع الكتاب دهش بما جاء فيه؛ فبدأ بمراجعة الكتب الأخرى للتأكّد والمقارنة، فاكتشف أنّ كل ما جاء في (المراجعات) صحيح ودقيق، فتحوّل على أثر ذلك إلى مذهب التشيع لآل البيت سلام الله عليهم ولكنه كتم إيمانه، فكان كما قال الله تعالى: «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»(5).
ثم عرض الكتاب على أخيه، فرفض الأخ في البداية بشدّة وقال ـ كما ورد في ما كتبوه بعد ذلك ـ ومن هم الشيعة لأقرأ كتابهم؟ إن هؤلاء ليس عندهم مقال يعتدّ به جدير أن يقرأ، وما أشبه. ولكن حبّ الإطلاع دفعه لتصفّحه في إحدى الليالي، وانتهي به المطاف إلى التشيّع هو الآخر.
ثم تسرّب الخبر شيئاً فشيئاً إلى بعض المقرّبين من أتباعهما، واكتشف أمر تشيّعهما وأصبح معلناً بعد فترة من الزمن.
وكانت تلك المنطقة تتمتع بحرية، أي لم يكن هذا الأمر يعرّضهم للمحاسبة والبلاء، ولكن عندما انتهى الخبر إلى مسؤول رواتب العلماء وأئمة المساجد هناك قطع مرتبهما الشهري، وكان (300) ليرة وهو مبلغ جيّد في تلك الأيام.
وكما هو معلوم أنّ علماء الشيعة طول التاريخ لا يتقاضون رواتبهم من الدولة بل يتمتعون باستقلالية من هذه الجهة أيضاً، لأنّ الأئمة الأطهار سلام الله عليهم هم الذين أمروا شيعتهم بدفع حقوقهم الشرعية إلى علماء الدين ليصرفوها في مجال التبليغ ويؤمّنوا معاشهم في حدود الاقتصاد أيضاً عن هذا الطريق؛ لذلك فمهما مارست الحكومات عليهم من ضغوط وصبّت عليهم من ألوان العذاب يبقى مصدر رزقهم محفوظاً لا يستطيعون التأثير عليه. أما الكثير من علماء المذاهب الأخرى فمرتبطون بالحكومات من هذه الجهة. ولذلك بقي هذان العالمان حائرين لا يدريان ما يصنعان؟ فمن جهة لا يريدان الرجوع عن مذهب الحق، ومن جهة أخرى أصبح أمرهما مكشوفاً لا يمكنهما إنكاره؟ لذلك ذهبا إلى المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين وشرحا له القضية، فكتب رحمه الله رسالة إلى المرحوم السيد البروجردي ـ وكانا قد تتلمذا معاً على المرحوم الآخوند في النجف الأشرف ـ شرح له فيها قضية هذين العالمين وأوصاه بهما.
فكلّف السيد البروجردي شخصاً أن يعطيهما نفس المبلغ الذي كانا يتقاضيانه كل شهر سابقاً، وهكذا تم تأمين معاشهما، واستمرّا على هذه الحال حتى وفاة السيد البروجردي، حيث انشغلا بالتبليغ والهداية في منطقتهما، ولم تعترضهما الحكومة آنذاك بل اكتفت بقطع مرتبيهما.
لقد التقيت هذين العالمين بعد وفاة السيد البروجردي فقالا لي:
لقد اهتدى على يدينا منذ الفترة التي اهتدينا فيها حتى اليوم الذي قطعت فيه الحكومة مرتبنا اكثر من ألف شخص. أما مجموع الذين اهتدوا بعد سنوات من ذلك التاريخ فقد زاد عددهم خمسة آلاف، لأنهم بدأوا بممارسة التبليغ الى مذهب أهل البيت بصورة علنية، وكانت الأرضية مهيّأة لهما، والساحة خالية، إلى حدّ ما.
بعد وفاة المرحوم البروجردي بدءا بالتنقل إلى ايران والعراق والخليج، وكانت للقاءاتهما ثمرات مهمّة؛ لأنهما كانا ينقلان قصتهما من جهة ومن جهة أخرى صارا يحتكّان بسائر علماء الشيعة وخطباء الشيعة وتجار الشيعة ومثقفي الشيعة، وهكذا من غير الشيعة.
وعندما التقى الشيخ أحمد أمين (وهو الأخ الأكبر) بالمرحوم الأخ آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي أعلى الله درجاته، رغّبه بأن يكتب قصّة تشيّعه. وقال: إن قصتي مفصّلة جداً. فقال له الأخ: ليس بالضرورة أن يكون الكتاب استدلالياً فيه بحث علميّ مفصل، بل يكفي أن يكون قصصياً وإن تخللته استدلالات بسيطة وقليلة. فبدأ به، وألّف كتيّباً في حوالي ستين صفحة، وطبعه في نفس الأيام باسم: (في طريقي إلى التشيّع) وكان كتيّباً جميلاً حقاً، لأنه كتبه بأسلوب قصصي جميل ضمّنه استدلالات مختصرة.
ثم ألّف أخوه (الشيخ محمد مرعي) كتاباً مفصلاً بعد ذلك، طبع بعد سنوات، سمّاه: (لماذا اخترت مذهب أهل البيت) وقد طبع الكتابان مراراً.
ووفّقا بعد ذلك لهداية كثير من الناس وإعداد كثير من الطلبة والمبلغين في هذا المجال، ويعلم الله كم بلغ عدد الذين اهتدى بسببهم منذ ذلك التاريخ حتى وفاتهما وبعد ذلك أيضاً حتى يومنا هذا، وسيتواصل ذلك في المستقبل بإذن الله تعالى.
أقول: كلّ ذلك يعود إلى كتاب واحد، هو كتاب (المراجعات)، وهذا يكشف عن أهمية الكتابة والتأليف وبذل الجهد في طريق الهداية والتبليغ وعدم اليأس في هذا المجال أبداً. قد لا يؤثر مئة كتاب، ولكن الكتاب الذي يؤثر هو على كل حال، واحد من هذه الكتب.
رسالتكم أيها العلماء الإبلاغ للعالم أجمع. ولا تنحصر مهمتكم في الإيصال للعالم الاسلامي وحده، فلو وصلت الصورة الحقيقية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام الصادق سلام الله عليه للعالم المسيحي ودنيا اليهود وأوساط المجوس وأجواء المشركين وغيرهم من الملحدين وهكذا لغيّرت كثيراً من النظرة للإسلام والتشيع وحوّلت الكثيرين.
لقد استطاع المبلغون الصادقون أن يُحدثوا كل هذا التغيير رغم صعوبة الظروف وقلة الحريات وضعف الإمكانات ووسائل التعبير والإيصال في السابق، فلماذا لا نتوقع التغيير ونحن في هذا العصر الذي يمتاز بالانفتاح والحريات؟
لو قام أحد بتقصٍّ لمعرفة الذين أسلموا عبر التاريخ من علماء غير المسلمين ـ فضلاً عن عامّتهم ـ وعدد الذين اهتدوا إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم من علماء المذاهب الأخرى ـ فضلاً عن أتباعهم ـ لفوجئ بعدد كبير يفوق المئات والمئات ولعلّه يُعدّ بالآلاف، ولكن لا توجد مع الأسف إحصائية دقيقة في هذا المجال.
قبل حوالي مئتي سنة كان يعيش في إيران عالم مسيحي نشيط جداً حتى أنه أصبح قساً وهو في الثانية عشرة من عمره، ونقل الى الفاتيكان لتربيته وإعداده، وكان يتمتع بذكاء وجدّ بالغين. وبعد عودته من الفاتيكان صادقه أحد اهل العلم من أمثالكم واستطاع ان يغيّره بعد مدة من التباحث والمناقشة ـ لا يهمّ كم طالت ـ فأصبح شيعياً وبدّل اسمه الى محمد صادق وألّف كتباً في الدفاع عن الإسلام وردّ المسيحية أحدها يتألف من عشرة مجلدّات تحمل عنوان (بيان الحق) خصّ المجلد الرابع منه ـ في الطبعة القديمة الحجرية ـ للحديث عن شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وتاريخه، لو طبع هذا المجلد بطبعة جديدة ربما زاد على الأربعة مجلدات؛ ذكر في هذا المجلد معاجز للنبيّ صلى الله عليه وآله لم أرها في البحار وناسخ التواريخ وأمثالهما، نقلها من بعض كتب النصارى.
وهذا كله يدلّ على حسن الإبلاغ في تلك الأزمنة، واليوم يمكننا أيضاً أن نقوم بنفس الدور إن لم نقل أفضل. فعلينا توفير المقدمات اللازمة لإيصال الإسلام إلى العالم كلّه؛ لأن إرادة الله تعلقت بإيصال هذه الراسلة الى البشرية أجمع.
لا يحدثنا التاريخ عن التغير بين علماء النصارى فقط، بل كان هناك أيضاً من اليهود من أسلم وتشيّع. وقد نقلوا قصصاً عنهم في العراق وغيره. ومنهم من ألّف كتبا بعد تحوّله وهم ليسوا قلّة.
لقد كان لليهودية أتباع في العراق حتى أنه كان عندهم ـ كما قرأت في التاريخ ـ خمس حوزات علمية كانت إحداها في منطقة الكفل، والبقية في المناطق الأخرى، لا أقول خمسة علماء بل خمس حوزات، ولكن الواقع اليوم مختلف تماماً، فقد تحوّل كثير من أولئك للإسلام والتشيّع.
ومنطقة الكفل المسماة باسم النبي ذي الكفل (على نبينا وآله وعليه السلام) لوجود قبره هناك تقع في منطقة تبعد عدة كيلومترات عن النجف وكربلاء المقدستين، كان يعيش فيها اليهود وكانت فيها إحدى حوزاتهم. وكان العلماء من المدينتين يذهبون اليها في أيام العطل يتباحثون مع علماء اليهود واستطاعوا أن يحوّلوا عديدين منهم، حتى أن المرحوم الشيخ الأنصاري يشير في كتابه (الرسائل) في باب الاستصحاب واستصحاب الشرائع السابقة الى إحدى هذه المباحثات التي كانت تجري بين علماء الشيعة واليهود، حيث يحتجّ ذلك العالم اليهودي بالاستصحاب، بدعوى أن نبوّة موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام لها يقين سابق، وشكّ لاحق، وقاعدة الاستصحاب تقضي عدم نقض اليقين السابق بالشكّ اللاحق... ولكنه اهتدى أخيراً.
اليوم الأمور أسهل ولكن لابد من بذل الجهد، وهذه سنّة الحياة الدنيا، فلا يوجد عمل من دون جهد وصعوبات.
فكما يتحمل أحدنا الصعوبات في مجالات حياته العامة فكذلك ينبغي أن يتحمل الصعوبات في طريق إعداد مقدمات الوجود لإيصال رسالة النبي والائمة عليهم السلام الى العالم.
وإني في هاتين المناسبتين العزيزتين إذ أهنئ أولاً سيدي ومولاي بقية الله الإمام المهدي الموعود صلوات الله عليه وعجّل فرجه الشريف، وثانياً عموم الأمة الإسلامية ولاسيما أتباع اهل البيت وبخاصة حملة الإسلام والشيّع في الحوزات العلمية المباركة من المراجع العظام والفقهاء الكرام والطلبة الأعزاء، أبتهل الى الله تعالى أن يزيد في توفيقنا جميعاً لبذل كل ما بوسعنا في طريق ايصال رسالة الإسلام والتشيّع للعالم أجمع.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
منقول