ابن المرجعية
16-03-2009, 05:33 PM
مقام الزهراء(عليها السلام)
إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو مقام الرضا أي أن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.
وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى: إذ لا معنى أن يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية إن الكثير من الأصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما، وكذلك الحال في الغضب، وعلى هذا الأساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك ».
وكذلك ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: « يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين ».
ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل:
« يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار ».
فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر ورد في شفاعة الزهراء (عليها السلام) في يوم القيامة وإعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك.
ومن المقامات الأخرى لها (عليها السلام) هو علة الإيجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل: « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما ».
2ـ مقامها (عليها السلام) عند الملائكة
في حديث طويل .. « ... فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة ».
وهذا يعني إنها (عليها السلام) لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء.
3- مقامها (عليها السلام) عند الأنبياء والنبي محمد (صلى الله عليه وآله)
أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام الذي يقول: ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى، حيث يظهر من هذا الحديث أن لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها
ومحبتها، واللطيف هنا إنما الإقرار يكون عند من له الحق على الآخرين، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها، أما عند النبي (صلى الله عليه وآله) فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول: إن مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها أُم أبيها، وأخرى بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها (عليها السلام) يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول (صلى الله عليه وآله) انه قال في حقها: « من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ».
وأيضاً قوله (صلى الله عليه وآله): « ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك منّي وأنا منك، وأنت بضعة من وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي ».
4 ـ مقامها (عليها السلام) عند الأئمة
ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة (عليها السلام) وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمى بحقها، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.
ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال: « وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة... » فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أن له أسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.
وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء (عليها السلام) مع الأئمة فيها من حديث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها (عليها السلام) ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات.
5ـ مقامها (عليها السلام) عند العلماء والمحدثين
1ـ قال ابن صبّاغ المالكي: ولنذكر طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها، واكتسى فخراً ظاهراً من حسبها، وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه: سبحان الذي أسرى، ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيّدة بإجماع أهل السّداد.
2ـ قال الأُستاذ عبد الزهراء: ونحن حين نتناول الحديث عن الزهراء (عليها السلام) بصفتها غرس النبوّة، وشجرة الإمامة، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرّسالة الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيّتها (عليها السلام) ونحن نتابعها، ففي قرانها بعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) تنجلي لنا الصورة الحيّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود، وفي مواقفها البطولية بعد وفاة أبيها يتكشّف لنا المدى البعيد الذي رسمه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات، ومدى فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلى هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء (عليها السلام).
3ـ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي: اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنّف لهم برسول الله زيادة على اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل، ونيل قدر وقدر نيل، ومحلَّ علوّ وعلوّ محلّ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية وترتيب مراتب عباراتها وكيفيّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة الزهراء في منازل الشرف وسمو درجتها، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها، فإن الله عزَّ وجل جعلها مُكتَفةً من بين يديها ومن خلفها ليظر بذلك الاعتناء بمكانتها . وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نفس عليًّ مع النبي (صلى الله عليه وآله) جعلها بينهما إذا الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأنباء في دلالتها.
4ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني: ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول البضعة الشبيهة بالرسول، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازفةً، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عرافة.
5ـ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد: وأكرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: « إنها سيدة نساء العالمين، وإنها عديلة مريم بنت عمران، وإنها إذا مرّت في الموقف في الموقف نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد ». وهذا من الأحاديث الصحيحة، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة؛ وكم قال لا مرّة: « يؤذيني ما يؤذيها، ويغضبني ما يغضبها، وإنها بضعة مني، يريبني ما رابها ».
6ـ قال الأستاذ توفيق أبو علم: كانت ـ رضي الله عنها ـ كريمة الخليفة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءَة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جرئية الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب العجب ... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق، طاهرة الذيل، عفيفة المئزر، عفيفة الطرف ... إنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه ... واكتفائها بشرفها كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء.
7ـ قال الأستاذ عباس محمود العقاد المصري: في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُدّسة يتخشّع بتقديسها المؤمنون، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثى؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول.
8 ـ قال الدكتور علي إبراهيم حسن: وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر. وهي ليست كعائشة نالت شهوتها لما انّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش، وتتحدّى الرجال، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجأت، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء، وإنما من صميم النفس.
9ـ قال العلامة الإربلي: فنلبدأ الآن بذكر فاطمة (عليها السلام) التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها، وتشعشع ضياؤها، وسحت بسحب الغرّ أنواؤها، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء، ومناصب آل وآلاء، ومناسب سناً وسناء، الكريمة الكريمة الأنساب، الشريفة الشريفة الأحساب، الطاهرة الظاهرة الميلاد، الزهراء الزهراء الأولاد، السيدة بإجماع أهل السداد، الخيرة من الخير: ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، أُم الأئمة الغرر، الصافية من الشوب والكدر، الصفوة على رغم من ججد أو كفر، الحالية بجواهر الجلال، الحالّة في أعلى رتب الكمال، المختارة على النساء والرجال، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب، وارثي النبوة والكتاب، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم.
10ـ وقال أيضاً: إن فاطمة (عليها السلام) هي سليلة النبوة ورضيعة درّ الكرم والاُبوة، ودرّة صدف الفخار، وغرّة شمس النهار، وذُبالة مشكاة الأنوار، وصفوة الشرف والجود، وواسطة قلادة الوجود، نقطة دائرة المفاخر، قمر هالة المآثر، الزهرة الزهراء، والغُرَّة الغرّاء، العالية المحل، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية، المكانة المكينة في عالم السماء، المضيئة النور، المنيرة الضياء، المستغنية باسمها عن حدِّها ووَسمها، قُرّة عين أبيها، وقرار قلب أُمِّها، الحالية بجواهر عُلاها، العاطلة من زخرف دنياها، أمة الله وسيدة النساء، جمال الآباء وشرف الأبناء، يفخر آدم بمكانها، ويبوح نوح بشدّة شأنها، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله، وينجحُ إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله، وكانت ريحانة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بين أهله، فما يجاريها في مَفْخر إلا مغلّب، ولا يباريها في مجد إلا مؤنّب، ولا يجحد حقّها إلا مأفون، ولا يصرف عنها وجه إخلاصه إلا مغبون.
11 ـ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب ( ره ): وقلنا الصدّيقة بالأقوال، والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالأفعال، الزكية بالعدالة، والرضية بالمقالة، والمرضية بالدلالة، المحدثة بالشفقة، والحرّة بالنفقة، والسيّدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالإحسان، مريم الكبرى في الستر، وفاطم بالسرّ . وفاطمة بالبرّ، النوريّة بالشهادة، والسماوية بالعبادة، والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفيّة، العابدة الرضيّة، الراضية المرضيّة، المتهجّدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيدة النسوان، وحبيبة حبيب الرحمن، المحتجبة عن خزّان الجنان، وصفيّة الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوّة، وام الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الامة، الزهراء المحترمة، والغرّاء المحتشمة، المكرّمة تحت القبّة الخضراء، والإنسيّة الحوراء، والبتول العذراء، ستّلا النساء، وارثة سيد الأنبياء، وقرينة سيد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصدّيقة الكبرى، راحة روح المصطفى، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومن أنزل في شأنها
إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو مقام الرضا أي أن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.
وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى: إذ لا معنى أن يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية إن الكثير من الأصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما، وكذلك الحال في الغضب، وعلى هذا الأساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك ».
وكذلك ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: « يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين ».
ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل:
« يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار ».
فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر ورد في شفاعة الزهراء (عليها السلام) في يوم القيامة وإعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك.
ومن المقامات الأخرى لها (عليها السلام) هو علة الإيجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل: « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما ».
2ـ مقامها (عليها السلام) عند الملائكة
في حديث طويل .. « ... فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة ».
وهذا يعني إنها (عليها السلام) لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء.
3- مقامها (عليها السلام) عند الأنبياء والنبي محمد (صلى الله عليه وآله)
أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام الذي يقول: ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى، حيث يظهر من هذا الحديث أن لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها
ومحبتها، واللطيف هنا إنما الإقرار يكون عند من له الحق على الآخرين، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها، أما عند النبي (صلى الله عليه وآله) فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول: إن مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها أُم أبيها، وأخرى بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها (عليها السلام) يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول (صلى الله عليه وآله) انه قال في حقها: « من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ».
وأيضاً قوله (صلى الله عليه وآله): « ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك منّي وأنا منك، وأنت بضعة من وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي ».
4 ـ مقامها (عليها السلام) عند الأئمة
ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة (عليها السلام) وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمى بحقها، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.
ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال: « وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة... » فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أن له أسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.
وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء (عليها السلام) مع الأئمة فيها من حديث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها (عليها السلام) ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات.
5ـ مقامها (عليها السلام) عند العلماء والمحدثين
1ـ قال ابن صبّاغ المالكي: ولنذكر طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها، واكتسى فخراً ظاهراً من حسبها، وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه: سبحان الذي أسرى، ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيّدة بإجماع أهل السّداد.
2ـ قال الأُستاذ عبد الزهراء: ونحن حين نتناول الحديث عن الزهراء (عليها السلام) بصفتها غرس النبوّة، وشجرة الإمامة، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرّسالة الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيّتها (عليها السلام) ونحن نتابعها، ففي قرانها بعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) تنجلي لنا الصورة الحيّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود، وفي مواقفها البطولية بعد وفاة أبيها يتكشّف لنا المدى البعيد الذي رسمه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات، ومدى فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلى هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء (عليها السلام).
3ـ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي: اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنّف لهم برسول الله زيادة على اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل، ونيل قدر وقدر نيل، ومحلَّ علوّ وعلوّ محلّ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية وترتيب مراتب عباراتها وكيفيّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة الزهراء في منازل الشرف وسمو درجتها، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها، فإن الله عزَّ وجل جعلها مُكتَفةً من بين يديها ومن خلفها ليظر بذلك الاعتناء بمكانتها . وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نفس عليًّ مع النبي (صلى الله عليه وآله) جعلها بينهما إذا الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأنباء في دلالتها.
4ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني: ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول البضعة الشبيهة بالرسول، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازفةً، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عرافة.
5ـ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد: وأكرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: « إنها سيدة نساء العالمين، وإنها عديلة مريم بنت عمران، وإنها إذا مرّت في الموقف في الموقف نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد ». وهذا من الأحاديث الصحيحة، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة؛ وكم قال لا مرّة: « يؤذيني ما يؤذيها، ويغضبني ما يغضبها، وإنها بضعة مني، يريبني ما رابها ».
6ـ قال الأستاذ توفيق أبو علم: كانت ـ رضي الله عنها ـ كريمة الخليفة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءَة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جرئية الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب العجب ... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق، طاهرة الذيل، عفيفة المئزر، عفيفة الطرف ... إنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه ... واكتفائها بشرفها كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء.
7ـ قال الأستاذ عباس محمود العقاد المصري: في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُدّسة يتخشّع بتقديسها المؤمنون، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثى؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول.
8 ـ قال الدكتور علي إبراهيم حسن: وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر. وهي ليست كعائشة نالت شهوتها لما انّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش، وتتحدّى الرجال، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجأت، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء، وإنما من صميم النفس.
9ـ قال العلامة الإربلي: فنلبدأ الآن بذكر فاطمة (عليها السلام) التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها، وتشعشع ضياؤها، وسحت بسحب الغرّ أنواؤها، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء، ومناصب آل وآلاء، ومناسب سناً وسناء، الكريمة الكريمة الأنساب، الشريفة الشريفة الأحساب، الطاهرة الظاهرة الميلاد، الزهراء الزهراء الأولاد، السيدة بإجماع أهل السداد، الخيرة من الخير: ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، أُم الأئمة الغرر، الصافية من الشوب والكدر، الصفوة على رغم من ججد أو كفر، الحالية بجواهر الجلال، الحالّة في أعلى رتب الكمال، المختارة على النساء والرجال، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب، وارثي النبوة والكتاب، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم.
10ـ وقال أيضاً: إن فاطمة (عليها السلام) هي سليلة النبوة ورضيعة درّ الكرم والاُبوة، ودرّة صدف الفخار، وغرّة شمس النهار، وذُبالة مشكاة الأنوار، وصفوة الشرف والجود، وواسطة قلادة الوجود، نقطة دائرة المفاخر، قمر هالة المآثر، الزهرة الزهراء، والغُرَّة الغرّاء، العالية المحل، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية، المكانة المكينة في عالم السماء، المضيئة النور، المنيرة الضياء، المستغنية باسمها عن حدِّها ووَسمها، قُرّة عين أبيها، وقرار قلب أُمِّها، الحالية بجواهر عُلاها، العاطلة من زخرف دنياها، أمة الله وسيدة النساء، جمال الآباء وشرف الأبناء، يفخر آدم بمكانها، ويبوح نوح بشدّة شأنها، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله، وينجحُ إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله، وكانت ريحانة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بين أهله، فما يجاريها في مَفْخر إلا مغلّب، ولا يباريها في مجد إلا مؤنّب، ولا يجحد حقّها إلا مأفون، ولا يصرف عنها وجه إخلاصه إلا مغبون.
11 ـ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب ( ره ): وقلنا الصدّيقة بالأقوال، والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالأفعال، الزكية بالعدالة، والرضية بالمقالة، والمرضية بالدلالة، المحدثة بالشفقة، والحرّة بالنفقة، والسيّدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالإحسان، مريم الكبرى في الستر، وفاطم بالسرّ . وفاطمة بالبرّ، النوريّة بالشهادة، والسماوية بالعبادة، والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفيّة، العابدة الرضيّة، الراضية المرضيّة، المتهجّدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيدة النسوان، وحبيبة حبيب الرحمن، المحتجبة عن خزّان الجنان، وصفيّة الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوّة، وام الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الامة، الزهراء المحترمة، والغرّاء المحتشمة، المكرّمة تحت القبّة الخضراء، والإنسيّة الحوراء، والبتول العذراء، ستّلا النساء، وارثة سيد الأنبياء، وقرينة سيد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصدّيقة الكبرى، راحة روح المصطفى، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومن أنزل في شأنها