المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : :": الإمام الرضــا (ع) :": و << ولاية العهد >>


المنتظر لفرج القائم
26-03-2009, 07:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل الفرج لوليّك القائم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الإمام علي بن موسى الرضا(ع)

ولايـة العهـد

تميّزت حياة الإمام الرضا(ع) بظاهرةٍ لم تحدث لأيِّ إمام من قبله، فقد عاش(ع) فترة كانت تمثّل الصراع بين العباسيّين الذين كانوا خلفاء تلك المرحلة، حيث جرت حرب الأخ مع أخيه، حرب الأمين والمأمون، وقَتَل المأمون الأمين.. وراح المأمون ـ مع اختلاف كلِّ الروايات في طبيعة القضيّة التي دعته إلى أن يتصرّف هذا التصرّف ـ يعرض على الإمام الرضا(ع) أن يكون وليَّ العهد من بعده، وكان الإمام الرضا(ع) يعرف أنَّ القضية ليست عميقةً في فكر المأمون وليست جديّة في تخطيطه، ولكنها كانت قضية تتصل ببعض الأوضاع المعقّدة التي كان يعيشها مع عائلته بني العبّاس من جهة، أو من خلال بعض الظروف السياسيّة الموجودة في الواقع الإسلاميّ من جهة أخرى، والتي تمثّلت في الانتفاضات والثورات الشيعيّة ضدّ حكمه.

ولتنفيذ هذا الأمر، ذكر المؤرخون أنَّ المأمون "أحضر الفضل بن سهل وأخبره بما عزم عليه، وأمره بمشاورة أخيه الحسن في ذلك، فاجتمعا وحضرا عند المأمون، فجعل الحسن يعظّم ذلك ويعرّفه ما في إخراج الأمر عن أهل بيته (أي عن البيت العباسي)، فقال المأمون: عاهدت الله أني إن ظفرت بالمخلوع (أي إن انتصر على أخيه الأمين) سلّمت الخلافة إلى ذي فضلٍ من بني آل أبي طالب وهو أفضل، ولا بدَّ من ذلك. فلما رأيا تصميمه وعزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته، فقال: تذهبان الآن إليه، وتخبرانه بذلك عني وتلزمانه به، فذهبا إلى الرضا(ع) وأخبراه بذلك وإلزام المأمون له بذلك، فلم يزالا به حتى أجاب، على أنَّه لا يأمر ولا ينهى ولا يُولي ولا يعزل ولا يتكلّم بين اثنين في حكم ولا يغيّر شيئاً هو قائم على أصوله، فأجابه المأمون إلى ذلك"(20).

ندرك من خلال هذه الرواية أنَّ الإمام(ع) رفض في البداية، ثم قَبِل العرض، ولكنه وقف موقفاً وسطاً، فقد رضيَ بولاية العهد من حيث المبدأ، حتى يستطيع أن ينفتح على الواقع الإسلاميّ بالدرجة التي يمكن له فيها أن يبلّغ رسالته بشكل أكبر، ولكنه اشترط على المأمون ألاَّ يتدخّل في أيِّ شأنٍ من شؤون خلافته احتياطاً للقضايا التي يعرفها الإمام في هذا المجال.. وليست المسألة أنَّ الإمام(ع) لا يتحمّل مسؤولية السلطة عندما يُكلّف بها، لا سيما إذا كانت سلطة تتحرّك بعنوان إسلاميّ يمكن من خلاله أن يطلّ على رعاية واقع الإسلام، وعلى تنفيذ حكم الله تعالى، وعلى تصحيح خطِّ الانحراف إلى خطِّ الاستقامة، فتلك هي مهمّة أهل البيت(ع)، أن يصحّحوا الواقع برمّته ويعيدوه إلى طريق الله.

ولذلك، قد تكون ولاية العهد فرصة، ولسنا بحاجة إلى أن نبرّر قبول الإمام لولاية العهد بضغوط كبيرة عليه، وإن وردت بعض الروايات في ذلك، لكنَّ ذلك ليس ضروريّاً، بقطع النظر عما إذا كان التبرير صواباً أو خطأً.. إنَّ المنصب في الأساس هو منصبه بالأصالة، باعتبار أنَّه الإمام المفترض الطاعة، ولكنَّ الإمام مع ذلك، لم يكن يرى المأمون جادّاً في مسألة ولاية العهد، ولا يرى أنَّ هذا الأمر يمكن أن يتمّ له، ولذلك لم يتحمّس(ع) للموضوع، وقبِل الأمر بشروط معيّنة من خلال دراسته لطبيعة الواقع.. ومما يؤيّد ذلك، ما ذكره الشيخ المفيد عن المدائني، عن رجاله قال: "لما جلس الرضا علي بن موسى(ع) في الخِلَع بولاية العهد، قام بين يديه الخطباء والشعراء، وخفقت الألوية على رأسه، فَذُكِرَ عن بعض من حضر ممن كان يختصُّ بالرّضا(ع) أنه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم، فنظر إليَّ وأنا مستبشرٌ بما جرى، فأومأ إليَّ أن ادنُ مني، فدنوتُ منه، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري: "لا تَشْغَلْ قلبك بهذا الأمر ولا تستبشرْ به، فإنَّه شي‏ءٌ لا يتمّ"(21).

ومما يؤيّد أنَّ المأمون لم يكن جادّاً في مسألة ولاية العهد، ما ذكره الشيخ المفيد أيضاً من أنَّه "لما حضر العيد، وكان قد عُقِد للرضا(ع) الأمرُ بولاية العهد، بعث إليه المأمون في الركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخُطبة بهم، فبعث إليه الرضا(ع): "قد علمتَ ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر، فاعفني من الصلاة في الناس"، فقال له المأمون: إنَّما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك، ولم تزل الرُّسُل تَرَدد بينهما في ذلك، فلما ألحَّ عليه المأمون أرسل إليه: "إن أعفيتني فهو أحبُّ إليَّ، وإن لم تُعفِني خرجت كما خرج رسول الله(ص) وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)"، فقال له المأمون: اخرج كيف شئت، وأمر القوّاد والناسَ أن يبكّروا إلى باب الرضا(ع).

فقعد الناس لأبي الحسن(ع) في الطرقات والسطوح، واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، وصار جميع القوّاد والجند إلى بابه، فوقفوا على دوابِّهم حتى طلعت الشمس.

فاغتسل أبو الحسن(ع) ولبس ثيابه وتعمّم بعمامةٍ بيضاء من قطن، ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه، ومسَّ شيئاً من الطيب وأخذ بيده عكّازه، وقال لمواليه: "افعلوا مثل ما فعلت"، فخرجوا بين يديه وهو حافٍ قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، عليه ثيابٌ مشمّرة، فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر وكبّر مواليه معه، ثم مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القوّاد والجندُ على تلك الحال سقطوا كلُّهم عن الدواب إلى الأرض، وكبّر الرضا(ع) على الباب وكبّر الناسُ معه.. وتزعزعت (مَرْو) بالبكاء والضجيج لما رأوا أبا الحسن(ع) وسمعوا تكبيره. وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين، إن بلغ الرضا المُصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلّنا على دمائنا، فأنفِذْ إليه أن يرجع، فبعث إليه المأمون: قد كلّفناك شططاً وأتعبناك، ولسنا نحبُّ أن تلحقك مشقةٌ، فارجع وليصلِّ بالناس مَنْ كان يصلّي بهم على رسمِهِ. فدعا أبو الحسن(ع) بِخُفّه فلبسه وركب ورجع، واختلف أمرُ الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاتهم"(22).

إننا نلاحظ في هذه القصة أن المأمون وحاشيته كانوا يفكرون بأنَّ الإمام الرضا(ع) سوف يخرج إلى الصلاة خروجاً عادياً على الطريقة التقليدية التي يخرجون بها إلى صلاة العيد من دون روح ولا روحانية، ولذلك طلبوا منه القيام بهذه المهمة من أجل أن يدخلوه في الأجواء التي يتحركون فيها، بما يجعله في نظر الناس من حاشية الخلافة.. وكانت المفاجأة أن الإمام خرج إلى الصلاة على الطريقة التي كان يخرج بها رسول الله في التواضع له سبحانه والابتهال إليه وهو في الطريق إلى الصلاة، ما جعل الجو ينفتح على الفيض الروحاني الذي لم يتعود الناس عليه، فقد تجمّدت الصلاة في العيد والجمعة والجماعة، حتى تحوّلت إلى حالةٍ تقليدية، وهكذا شعر القائمون على شؤون الخلافة أن الإمام الرضا(ع) بروحانيته الفيّاضة لو وصل إلى المسجد وصلى بالناس وخطبهم، فسوف ينقلب الأمر عليهم، وسوف يدخل الناس ممن يعرف الإمام وممن لا يعرفه في المقارنة بين الخليفة والإمام الرضا(ع)، ليجدوا فيه في النتيجة أنه هو المؤهَّل للخلافة، لأنه الذي يمثل روحية النبي(ص) ورساليته، لا المأمون، ليمتد ذلك في المستقبل، مما قد ينفتح الناس على الإقبال عليه في موقع الإمامة التي قد تهدد الخلافة التي باتت تشعر بتأثيره على الناس.


المصادر:

(20)ابن الصبّاغ المالكي، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، ص:255.

(21)الإرشاد للشيخ المفيد، ص:263، طبعة بيروت.

(22)الإرشاد للشيخ المفيد، ص:266، طبعة بيروت.


نسألكم الدعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــاء

عاشق الامام الكاظم
28-03-2009, 10:52 PM
اللهم صلي على محمد وال محمد
احسنت اخي الغالي للطرح القيم
في ميزان اعمالك يا رب
وجعلنا الله واياكم ممن تنالهم شفاعة اهل البيت(عليهم السلام)